أحداث متداخلة

تمدَّدَ «أحمد» لحظاتٍ يسترِدُّ فيها قدرته على الحركة … كانت آلامه مبرحة … ولكنَّه كان مشغولًا بما يحدث أكثر … وحاول الوقوف، ولكن ساقه المصابة لم تُمكِّنه … فعاد يستلقي على الأرض في الظلِّ … وفجأةً شاهد «قيس»؛ كان قادمًا نحوه في لهفةٍ … وابتسم الاثنان رغمَ كلِّ شيءٍ، وقال «قيس»: لقد مضى كلُّ شيءٍ بسلامٍ … «موجامبي» غادر الاستاد سليمًا … وكذلك «عثمان».

أحمد: هل شاهدت ما حدث؟

قيس: نعم، وشاهدتك وأنت تقفز كالقرد … وقد أدَّيتَ عملك جيِّدًا.

أحمد: ولكن الرجل هرب.

قیس: المُهِمُّ أنَّنا أنقذنا «عثمان» و«موجامبي» … أمَّا الرجل فسوف نعثر عليه.

أحمد: من الواضح أنَّه بواسطة بعض العملاء استطاع أن يحُلَّ محلَّ حامل الراية الأصليِّ، وقد كان واضحًا أنَّه ليس حَکَمًا مُحترِفًا، وبعض قراراته كانت عكسيَّةً، ممَّا أثار غضب الجماهير.

قیس: هيَّا بنا نعود … إنَّك محتاجٌ إلى الراحة وإلى العلاج.

أحمد: وحامل الراية المُزيَّف؟ القاتل!

قيس: سوف نعثر عليه.

وساعد «قيس» «أحمد» على النُّهوض، واتَّجَها إلى السيَّارة … وألقى «أحمد» بنفسه على المقعد … وانطلقت السيَّارة بين الجموع الحاشدة التي غادرت الاستاد.

وقال «أحمد»: ما هي نتيجة المباراة؟

ردَّ «قيس»: ثلاثة أهدافٍ لصالح الفريق القوميِّ المصريِّ … أحرز «الخطيب» هدفًا … و«جمال عبد الحميد» هدفًا … والثالث لا أذكر مَن أحرزه.

أحمد: إنَّها نتيجةٌ رائعةٌ.

قيس: ونتيجة عمليَّتنا رائعةٌ … رغم إصابتك.

أحمد: ليس هذا مُهِمًّا.

عندما وصلا إلى المقرِّ السرِّيِّ الفرعيِّ في «الدُّقِّي»، أسرع «أحمد» إلى الحمَّام … لم تكن «إلهام» ولا «زبيدة» ولا «عثمان» قد عادوا، وبعد أن أخذ دُشًّا باردًا، أحسَّ «أحمد» بالانتعاش … وتمدَّدَ في فراشه … وأخذ يُفكِّر في كلِّ ما حدث … لقد وضعوا خُطَّةً جيِّدةً عرَّضت أحدهم للقتل، ولكن الحمد لله … نجح أكثر من ثمانين في المائة من الخُطَّة.

في تلك الأثناء، كان هناك شيءٌ لا يتصوَّره أحدٌ … فالضيف الأفريقيُّ الكبير «موجامبي» الذي كان في المقصورة — وهو طبعًا «عثمان» في ثياب «موجامبي» — كان يُطارد حامل الراية المُزيَّف في شوارع القاهرة، وقد فوجئ الحرس وضيوف المقصورة بالضيف الكبير يتخلَّى عن وقاره … ويغادر المقصورة مُسرِعًا.

لكن «عثمان» كان أوَّل مَن أدرك أنَّ حامل الراية شخصٌ مريبٌ؛ فهو يأخذ قراراتٍ خاطئةً، وهو في نفس الوقت ينسى الملعب وينظر إلى المقصورة … ومعنى ذلك أنَّ ما يهمُّه ليس ما يجري في الملعب، ولكن مَن في المقصورة … وقد صحَّ استنتاج «عثمان»، وحاول أن يَلفِت نظر «أحمد» إلى هذه الحقيقة، وقد فهمها «أحمد» في الوقت المناسب … وعندما استطاع «أحمد» أن يمنع حامل الراية المُزيَّف من قتل «عثمان»، ثمَّ وقع على الأرض وأُصيب … غادر «عثمان» أو «موجامبي» المقصورة مُسرعًا، وطلب من رجال الحرس ألا يتبعوه … ثمَّ نزع النظَّارة، وتخلَّص من الماكياج، وانطلق في أعقاب القاتل؛ حامل الراية المُزيَّف.

كان «عثمان» يعلم أنَّ الوصول إلى حامل الراية مسألةٌ صعبةٌ، خاصَّةً في وقت خروج الجماهير الغفيرة من الاستاد، ولكنَّه كان يريد معرفة أيِّ شيءٍ يُمكن أن يدلَّ على مكانه فيما بعد … وهكذا أخذ يجري حتى خرج من الاستاد وهو يُلاحظ حامل الراية بملابسه المُميَّزة، حتى شاهده يركب سيَّارةً من طراز «بي. إم. دبليو» … سوداء … عليها أرقام هيئةٍ سياسيَّةٍ … والتقط «عثمان» الأرقام، ولكنَّه لم يستطع متابعة السيَّارة … وأخذ يبحث عن سيَّارةٍ أجرة يمكن أن تحمله إلى مقرِّ الشياطين اﻟ «١٣» في «الدُّقِّي» … وبعد محاولاتٍ صعبةٍ استطاع أن يعثر على السيَّارة … ثمَّ يصل إلى مقرِّ الشياطين. ووجد «أحمد» مُمدَّدًا في فراشه، و«قيس» يُحاول إعداد طعام الغداء … ولكن وصول «إلهام» و«زبيدة» كان كافيًا لأن يتخلَّى «قيس» عن المحاولة. وعلى مائدة الغداء، جلس الشياطين الخمسة يتحدثون … كلُّ واحدٍ منهم يُدلِي بمعلومةٍ ويُبدِي برأيه فيما شاهده … ولم يكن عند «إلهام» أو «زبيدة» إضافةٌ؛ فقد كانتا تجلسان في مُدرَّجات الدرجة الثالثة … فلم تشاهدا شيئًا … وبعد شهادة كلٍّ من «أحمد» وقیس، كانت شهادة «عثمان» أهمَّ ما في الموضوع؛ فقد شاهد حامل الراية المُزيَّف وهو يركب سيَّارةً تحمل أرقام هيئةٍ سياسيَّةٍ، وهو قد حفظ هذه الأرقام.

وقام «قیس» بالاتِّصال بعميل رقم «صفر» في القاهرة؛ ليعرف إلى أيِّ الهيئات تنتسب هذه السيَّارة، ولكن تليفون عميل رقم «صفر» لم يكن يردُّ … وكان هناك جهاز تسجيلٍ يقول: «هذا مقرُّ الأستاذ سعيد سعد — وهو اسمٌ مستعارٌ طبعًا — رجاءً ترك رسالةٍ بعد سماع الصفَّارة.»

وترك «قيس» الرسالة التالية:

إلى الصديق العزيز:

«إنَّني في انتظار معلوماتٍ عن سيَّارة هيئةٍ سياسيَّة … رقم … وذلك مُهِمٌّ جدًّا لنا کأصدقاء.»

كانت الساعة قد تجاوزت السابعة … وأَوَى كلٌّ من الشياطين الخمسة إلى غرفته … فقد كان يومًا شاقًّا بالنسبة لكلٍّ منهم.

في السابعة والنصف تمامًا، دقَّ جرس التليفون، وكان المُتحدِّث عميل رقم «صفر» في القاهرة.

قال: إنَّ الهيئة السياسيَّة التي تبحثون عنها غير موجودةٍ في سجلِّ إدارة المرور … إنَّها أرقامٌ مُزوَّرةٌ … ولكنْ هناك وعدٌ من إدارة المرور بالعثور على السيَّارة في وقتٍ مناسبٍ … سوف أتصل بكم بعد ساعة.

جلس الشياطين الخمسة في انتظار مكالمة العميل السرِّيِّ … أشياء كثيرةٌ كانت تتوقَّف على هذه الرسالة؛ فإمَّا أن يعثروا على القاتل … أو حامل الراية المُزيَّف … أو يستطيع الإفلات إلى الأبد.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤