الفصل التاسع

الفيروسات … الماضي والحاضر والمستقبل

يبلغ عمر دراسة الفيروسات أقل من مائة عام، غير أن الفيروسات ذاتها كائنات طفيلية بالغة القدم يكاد تاريخها وعمر تطورها يتزامنان مع تاريخنا وتطورنا.

حتى بدء الثورة الزراعية، أي منذ ما يقرب من عشرة آلاف عام مضت، ظل أجدادنا القدماء يعيشون على الصيد وجمع الثمار، ويعيشون في جماعات متفرقة قليلة العدد ترتحل على الدوام من مكان إلى آخر. كان البشر قلة متناثرة، لكن مع ذلك كانت الفيروسات المستديمة مثل فيروس الهيربس قادرة على الازدهار. ومن الواضح أنها تأقلمت تمامًا مع أسلوب حياة الصيادين وجامعي الثمار، وتحايلت كي تصيب بعدواها الغالبية العظمى من البشر عن طريق الكمون وتحيُّن الفرصة للعبور من جيل إلى الذي يليه. وربما لم تشكل تلك الفيروسات سوى تهديد طفيف، غير أنه مع تحولنا إلى نمط الحياة الزراعية الأكثر استقرارًا ظهرت مشكلة الفيروسات حيوانية المصدر. وتسببت الكثير من الفيروسات «الجديدة» التي وثبت من الحيوانات المنزلية إلى المزارعين الأوائل في حالات عدوى شديدة. وبقتلها لأضعف أفراد المجتمع، أثرت تلك الميكروبات تأثيرًا واضحًا في تاريخنا الاجتماعي.

فيروس الجدري تحديدًا قضى على ملايين لا يعلم حصرها أحد منذ أن انتقل إلينا من مصدره الحيواني، وهو حدث لعله وقع منذ ما بين ٥ آلاف وعشرة آلاف عام مضت في المجتمعات القديمة التي تكونت بالأراضي الخصبة في وديان أنهار الفرات ودجلة والنيل والجانج والسند حيث ازدهر النشاط الزراعي. ومن المؤكد أن النصوص المصرية القديمة التي كتبت حوالي عام ٣٧٣٠ق.م تشير إلى مرض أشبه بالجدري، وهناك بعض المومياوات المصرية. من بينها مومياء الملك رمسيس الخامس التي تعود إلى عام ١١٥٧ق.م بها بثور جلدية تشبه تلك المميزة لمرض الجدري.

كان أول وباء جدري سجله التاريخ طاعون أثينا عام ٤٣٠ق.م الذي تفشى إبان الحرب البيلوبونيزية التي نشبت بين الأثينيين بقيادة بيركليس والإسبرطيين، ويعتقد الخبراء أن سبب هذا الوباء كان فيروس الجدري. فعندما قرر بيركليس تحصين أثينا في مواجهة قوات مشاة الإسبرطيين الزاحفة نحو المدينة، وفر دون أن يعلم للميكروبات بيئة نموذجية كي تترعرع فيها. وبعد أن صارت المدينة تعج باللاجئين الفارين من زحف الإسبرطيين، استولى الفيروس على زمام القيادة، وثارت ثورته طيلة أربع سنوات حصد خلالها أرواح الآلاف من الناس، وحتى بيركليس نفسه لم يسلم منه فتوفي بسببه. وكان هذا إيذانًا بنهاية عهد الأثينيين، وكتبت بهزيمتهم نهاية عهد الإمبراطورية الإغريقية.

مع نمو التعداد السكاني لمدن أوروبا وآسيا، صار الجدري أيضًا زائرًا منتظمًا لها، فقتل نسبة تصل إلى ٣٠٪ ممن أصابهم بعدواه. ومما يشهد على آثاره المدمرة، أن ربة القبائل الهندية شيتالا، والربة الصينية تو-شن نيانج-نيانج، والقديس المسيحي نيتشاس جميعهم نُذروا من أجل الشفاء من الجدري، وصلَّت لهم جموع غفيرة من الناس آملين في الوقاية من العدوى أو الشفاء من المرض. ومع أن الفيروس كان يميل إلى إصابة الفقراء في مساكنهم المزدحمة سيئة التهوية، فإن الملكية في أوروبا لم تسلم هي الأخرى من ضرباته الموجعة من حين إلى آخر. ففي القرن الثامن عشر، تسبب الجدري في القضاء على أسرة «ستيوارت» في المملكة المتحدة (١٦٠٣–١٧٠١) (انظر المربع رقم ٣)، كما كان له ضحايا آخرون من الأسر المالكة في ذلك الحين من بينهم جوزيف الأول إمبراطور ألمانيا والمجر وبوهيميا (١٦٧٨–١٧١١)، ولويس الأول ملك إسبانيا (١٧٠٧–١٧٢٤)، ولويس الخامس عشر ملك فرنسا (١٧١٠–١٧٧٤)، وأولريكا إليونورا ملكة السويد (١٦٨٨–١٧٤١)، وبطرس الثاني قيصر روسيا (١٧١٥–١٧٣٠)، وجميعهم توفوا خلال فترة زمنية لم تتجاوز ثمانين عامًا.
figure
مربع ٣

لم يكن الجدري معروفًا في «العالم الجديد» إلى أن دخله مع غيره من ميكروبات أخرى كثيرة على يد الغزاة الإسبان في القرن السادس عشر. ودون وجود مناعة أو مقاومة جينية للفيروس، عانى سكان الأمريكتين الأصليون الأمرين منه. ومحيت قبائل كاملة من الوجود، وانخفض تعداد السكان بنسبة ٩٠٪ على امتداد ١٢٠ عامًا تالية. فعندما وصل الغزاة الإسبان، كان تعداد كل من شعبي الأزتيك في المكسيك والإنكا في بيرو في حدود عشرين إلى ثلاثين مليون نسمة، وكان كل منهما يملك جيوشًا جرارة. ومع ذلك، هزم هيرناندو كورتيز جيش الأزتيك عام ١٥٢١ وليس معه سوى ما يقرب من ستمائة جندي، وبالمثل نجد فرانسيسكو بيزارو وقد هزم جيوش الإنكا عام ١٥٣٢ وليس معه سوى مائتي جندي. كلا الرجلين ساعدهما الجدري بقوة، ربما بالاشتراك مع ميكروبات أخرى، ربما شاركته في قتل نصف الشعب، تاركةً الناجين في حالة من الاضطراب الشديد وقد فقدوا روحهم المعنوية حتى إن الغزاة الإسبان انتصروا عليهم في سهولة ويسر.

كذلك كان للفيروسات التي تصيب النباتات لحظات مجيدة، ومن بينها تلك التي وقعت في القرن السابع عشر عندما اجتاح هولندا ما عُرف ﺑ «جنون التيوليب». كانت زهور التيوليب قد استوردت مؤخرًا من تركيا وانشغل مربو النباتات الهولنديون باستنباط أنواع جديدة منها، ومن بينها «زهور التيوليب المشققة» حيث كانت هناك تقليمات بيضاء فوق زهورهم تسمى «تجزيعات اللون». وصار اقتناء نبات كهذا عنوانًا للمكانة الرفيعة في هولندا، حتى إنه بين عامي ١٦٣٤ و١٦٣٧ كانت البصيلة الواحدة من نوع أدميرال فان إنخوزين الحائز على جوائز رفيعة تباع بمبلغ يصل إلى ٥٤٠٠ جلدر هولندي، وكان هذا ثمنًا يوازي ثمن منزل في أمستردام ويوازي أيضًا ١٥ ضعف الأجر السنوي للعامل الواحد. غير أن النباتات كانت واهنة ولا تعيش طويلًا، فلم تنتج زهورًا مشققة سوى بصيلات محدودة العدد ولم يتمكن أحد من معرفة السبب، أو كيف يمكن تحفيز النبات كي ينتج زهورًا تحمل هذه السمة. وتفسير ذلك أن الهولنديين زرعوا بصيلات في حقول تحيط بها أشجار الفاكهة فكانت حشرات المن الحاملة للفيروسات التي تعيش على تلك الأشجار تتساقط عشوائيًّا على زهور التيوليب، فتصيب النباتات بعدواها، فتمنع تكون اللون، وتضعف بصيلات الزهور في نفس الوقت. واليوم، تعرض العديد من النباتات المبرقشة بمراكز الحدائق وهي أيضًا مصابة بالفيروس ولهذا السبب لا تكون بصفة عامة زاهية اللون مثل نظيرتها ذات اللون الواحد.

الفيروسات مثلها مثل سائر الميكروبات الأخرى، كثيرًا ما تستعين بالحشرات أو بغيرها من الناقلات في الانتشار بين العوائل. فيستغل فيروس الحمى الصفراء البعوض في الوثوب من قرد إلى آخر في الغابات المطيرة بغرب أفريقيا. وتظل القرود التي انتقلت إليها العدوى متمتعة بالصحة غير أنه لو لدغت بعوضة محملة بالفيروسات إنسانًا فإنها تتسبب في مرض من الممكن أن يكون فتاكًا. قد يكون هذا مرضًا شبيهًا بالأنفلونزا، غير أنه في نسبة تصل إلى ٢٠٪ من الحالات يتطور المرض ليصبح حمى نزفية ذات نسبة وفيات مرتفعة. وكثيرًا ما يلتقط البشر الفيروس أثناء تقطيع الأشجار في الأحراش، وهي مهنة تُسقِط البعوض الحامل للعدوى من أعلى ظُلة الأشجار ليصبح في حالة اختلاط مباشر بالحطابين. وبمجرد إصابة الإنسان بالعدوى، يصبح في استطاعة الفيروسات الانتقال من شخص إلى آخر عن طريق بعوض المدن، ومن ثم ينشأ الوباء (شكل ٩-١).
fig19
شكل ٩-١: دورة انتقال العدوى بالحمى الصفراء، مع بيان دورة الأدغال ودورة البيئة الحضرية.1

ظهرت الحمى الصفراء لأول مرة في العالم الجديد في منتصف القرن السابع عشر بعد أن امتطى الفيروس المسبب لها صهوة سفن العبيد. ولما كان الفيروس لا يظل ماكثًا داخل أجساد أولئك الذين يشفون من العدوى، فلا بد أنه ظل حيًّا خلال تلك الرحلة بأن أصاب بعدواه سلسلة من الضحايا على سطح السفينة، وتنقل بينهم عن طريق البعوض الذي أخذ يتكاثر داخل براميل المياه التي تحملها. وبعد ذلك انتقل البعوض الحامل للفيروس من السفن إلى اليابسة وأسس موطنه في الأمريكتين ومكث به حتى يومنا هذا، وقد تسببت الحمى الصفراء في أوبئة مهلكة في كلتا الأمريكتين، فقتلت الآلاف من البشر قبل أن يماط اللثام عن العلاقة بين المرض والبعوض في أواخر القرن التاسع عشر فاتخذت حيال ذلك تدابير وقائية.

دونما شك، كان لفيروس الحمى الصفراء، بجانب الجدري والحصبة والملاريا وغيرها من الميكروبات المستوردة، يد في إنقاص تعداد السكان بجزر الكاريبي، حيث هاجمت أهل البلاد الأصليين، والعبيد الأفارقة، والمستوطنين الأوروبيين بنفس الشراسة ودون تمييز. والحقيقة أن نابليون كان ينوي جعل سانتا دومينجو عاصمة لإمبراطوريته في العالم الجديد وثغرًا يعبر من خلاله نحو الأملاك الفرنسية المتمثلة في ولاية لويزيانا إلى أن جاءت الحمى الصفراء لتضع نهاية لأحلامه. كان جيشه عاجزًا عن قمع تمرد العبيد الذي بدأ عام ١٧٩١ بقيادة توسان لوفيرتور. وبالرغم من إرساله لتعزيزات، فإن جيشه كان قد فقد بحلول عام ١٨٠٢ أكثر من ٤٠ ألف جندي، كثير منهم هلك بسبب الحمى الصفراء، لقد أُرغم هؤلاء الجنود على الاستسلام ومغادرة الجزيرة، وبهذا قضوا على آمال نابليون في توسيع رقعة إمبراطوريته في العالم الجديد، فاضطر أخيرًا لبيع لويزيانا للولايات المتحدة مقابل ١٥ مليون دولار.

كذلك هزمت الحمى الصفراء المساعي الفرنسية نحو حفر قناة بنما في أواخر القرن التاسع عشر. لقد خاض الفرنسيون نضالًا مستميتًا دام عشرين عامًا ثم أذعنوا في نهاية الأمر. وبعد ذلك، أكمل الأمريكيون المشروع عام ١٩١٣ بإجمالي عدد وفيات بلغ ٢٨ ألف فرد وبتكلفة بلغت ٣٠٠ مليون دولار.

ولا تزال لدى الفيروسات، بالرغم من ضآلة حجمها، القدرة على تقويض هياكلنا الاجتماعية في عالمنا المعاصر. فمنذ بدايته الصغيرة في غابات الكاميرون المطيرة منذ ما يقرب من ١٠٠ عام مضت، تسبب فيروس نقص المناعة البشري في أكبر جائحة ألمت بالبشرية تعيش في ذاكرتنا. على امتداد الخمسين عامًا الماضية، عمل الفيروس على تخريب أفريقيا السوداء، فمحا من الوجود جيلًا من الشباب ليحرم الجيل التالي من الحياة العائلية ومن التعليم. وفقدت البلدان الأكثر تضررًا منه قوة عمالة ثمينة، وأغرق ملايين البشر في فقر مدقع وعمق الهوة بين عالم الأغنياء وعالم الفقراء. وتحركت مقدمة جيش فيروس نقص المناعة البشري الآن نحو جنوب شرقي آسيا وأوروبا الشرقية، حيث تشير التقديرات إلى أن روسيا بها ١٫٥ مليون مصاب بالعدوى. وبجانب هذا كله، كانت استجابة الحكومات في أغلب الأحيان بالغة الوهن وشديدة التباطؤ، ويبدو أهل السياسة بلا حول ولا قوة عاجزين عن وقف زحفه وانتشاره.

لقد بدت جائحة فيروس نقص المناعة البشري وكأنها لا تقهر، غير أنه ظهرت مؤخرًا بشائر الأمل. فالوكالات الدولية التي تعمل متكاتفة مع المنظمات المحلية بدأت تقلب الأوضاع بتقديمها للتمويل والمساعدات، مثل برامج مساعدة الذات والتثقيف الملائم لتحقيق استدامتها. لا تزال تأثيرات جائحة فيروس نقص المناعة البشري لم تُحص بعد، والزمن وحده كفيل بأن يخبرنا بالأثر الذي أحدثته على التنمية الاجتماعية العالمية.

ما الذي يمكننا توقعه من الفيروسات في المستقبل؟

نحن نعلم أن الفيروسات موجودة في جميع الأنحاء وأن عالم الفيروسات شديد التنوع. وما من شك أن هذا المستودع سوف يطرح ميكروبات مرضية جديدة من حين إلى آخر ليُبتلى بها بنو البشر، والسؤال هنا هو: هل نحن مستعدون؟ أو لنكن أكثر تحديدًا في تساؤلنا، هل يمكننا التنبؤ بأنواع العدوى الفيروسية الجديدة التي ستصيبنا أو السيطرة عليها أو علاجها أو الوقاية منها؟ في الفصل الثامن، رأينا كيف أثرت ثورة الجينوم على علم الفيروسات، فقدمت لنا اختبارات تشخيصية حديثة وسريعة النتائج، ولقاحات موجهة لفيروسات بعينها، وعقاقير مضادة للفيروسات تصمم حسب الطلب. وتبين لنا محصلة وباء سارس عام ٢٠٠١ كيف يمكن استغلال تلك الأدوات بفاعلية. إذ بمجرد التعرف على الفيروس المكلل المسبب للمرض، جرى تحديد تسلسله الجينومي وأعدت اختبارات تشخيصية، كل هذا في غضون بضعة شهور. كما أميط اللثام عن المنشأ الحيواني المتهم بتصديره وهو أسواق المنطقة المطيرة من الصين وحُددت الوطاويط الآن باعتبارها على الأرجح تمثل المستودعات الحيوانية طويلة الأجل لذلك الفيروس. فإذا أطل الفيروس بوجهه القبيح من جديد، فإننا جاهزون بالعقاقير المضادة للفيروسات واللقاحات المناسبة. وهناك سيناريو مماثل، وإن كان حدث على نطاق أوسع كثيرًا، أثناء جائحة أنفلونزا الخنازير عام ٢٠٠٩. فقد حُدد جينوم الفيروس سريعًا، وأُتيحت مضادات فيروسية للوقاية والعلاج وأعد اللقاح في خلال ستة شهور. ومع ذلك، انتشر كل من سارس وأنفلونزا الخنازير فقطعا مسافات تجاوزت بكثير نقطة منشأهما إلى أن جرى التعرف عليهما باعتبارهما خطرًا يتهددنا، ما يشير إلى أن التنبؤ بوباء ما ربما كان هو الحلقة الأضعف في السلسلة.

وبالرغم من درايتنا بأن معظم الفيروسات التي ظهرت حديثًا، ومن بينها الأنفلونزا وسارس، وثبت من الحيوان إلى الإنسان، فإننا ما زلنا بعيدين كل البعد عن التنبؤ بموعد وموضع ظهور التهديد الفيروسي القادم. والحقيقة أنه في حالة الأنفلونزا، ومنذ الخمسينيات عندما أنشأت منظمة الصحة العالمية الشبكة العالمية لمراقبة الأنفلونزا التي ضمت أكثر من ٩٠ دولة، بُذِلت جهود جبارة لتحديد مواقع السلالات الجديدة للأنفلونزا التي من الممكن أن تتسبب في الجائحة القادمة. ومع ذلك، في عام ٢٠٠٩، عندما كان كل الاهتمام منصبًّا على أنفلونزا الطيور إتش٥ إن١ في آسيا، مر ظهور أنفلونزا الخنازير إتش١ إن١ في المكسيك مرور الكرام. ومن الواضح أن دراسة الفيروسات التي يتوقع أن تهددنا، ومراقبتها لدى عائلها الحيواني الأصلي، كفيروسات الأنفلونزا عند الطيور غير المستأنسة والفيروسات القهقرية لدى الرئيسيات، تعد طريقًا عقلانيًّا يمكننا مواصلة السير فيه. غير أن هذا الأمر في حاجة لوقت ممتد كما أنه مهمة شاقة باهظة التكلفة لا تقدر على تمويلها سوى قلة من الحكومات أو الهيئات. وفي الوقت الحاضر، فإن كل ما باستطاعتنا عمله أن نبقي أعيننا مفتوحة على أنماط الأمراض الإكلينيكية الجديدة التي ربما تشير إلى ظهور عدوى جديدة ومن ثم نئدها في مهدها.

وفي خط موازٍ لاصطياد الفيروسات الجديدة، يمكننا أيضًا البحث عن الأسباب الفيروسية للأمراض «اليتيمة» (تلك التي لم يعرف سببها بعد). من تلك الأمراض «متلازمة الإعياء المزمن» (وكانت تسمى فيما مضى الالتهاب الدماغي النخاعي المصحوب بأوجاع عضلية)، الذي ظل فترة طويلة يعرف بأنه مجموعة من الأعراض شديدة الغموض. ومؤخرًا، عُرِف بأنه إعياء جسماني وذهني شديد دونما أي علامات إكلينيكية أخرى، كما أنه لا يزول بخلود المريض للراحة ولا تقل مدته عن ستة شهور. إن هذه المتلازمة تصيب حوالي ٢٥٠ ألف شخص داخل بريطانيا وحدها وقد عُرفت حاليًّا من قبل وزارة الصحة البريطانية على أنها مرض منهك مزمن. إلا أن سبب هذه الحالة المرضية غير معلوم إلى الآن، ويحبذ البعض إرجاعها إلى الحالة النفسية في حين يرتاب البعض الآخر في أن ثمة عاملًا معديًا في الأمر. ومن بين الأسباب الفيروسية المحتملة الفيروسات المعوية، وفيروس إبشتاين-بار، وغيرها من فيروسات الهيربس. وقد أشارت عناوين الصحف من حين إلى آخر إليها إلا أنه حتى يومنا هذا لا توجد أدلة مقنعة على ذلك الفرض. وفي عام ٢٠٠٩ فحص باحثون من الولايات المتحدة ما يزيد على ١٠٠ مريض من مرضى متلازمة الإعياء المزمن وأوردوا في تقاريرهم أنهم عثروا على واحد من الفيروسات القهقرية التي تصيب الفئران، الذي اكتشف حديثًا واسمه «إكس إم آر في» (حروف مختصرة لعبارة معناها الفيروس المسبب للوكيميا الفئران المرتبطة بالفيروسات ذات الانتحاء الدخيل) لدى ما يقرب من ثلثي عدد المرضى. وكان في ذلك إشارة إلى أن العلاج المضاد للفيروس القهقري من الممكن أن يكون مفيدًا لمن يعانون من هذه الحالة، ولكن للأسف لم يتمكن العلماء في بريطانيا من الإتيان بنتائج مماثلة. وقد يكون معنى ذلك أن متلازمة الإعياء المزمن في كلا البلدين لها سبب مختلف عنه في البلد الآخر، لكن حتى الآن لا يزال الجدل يدور حول ما إذا كان المرض معديًا أم أن سببه نفسي.

بالإضافة إلى التنبؤ بأنواع العدوى «الجديدة» والتعرف عليها، يمكننا أيضًا أن نتوقع أن يستمر إيقاع اكتشاف الفيروسات في القرن الحادي والعشرين. باستعمال التقنيات الجزيئية الحديثة، من المحتمل أن يُكتشف أن العديد من الأمراض — ومن بينها بعض أنواع السرطان — فيروسية، بما يؤدي إلى التوصل للقاحات واقية منها أو علاجات مبتكرة لها. هناك بضعة لقاحات علاجية تخضع لتجارب إكلينيكية حاليًّا صممت لتقوية الاستجابة المناعية المضادة للفيروسات المسببة للأورام لدى من أصيبوا بالفعل بورم مرتبط بفيروس. ومع ازدياد معرفتنا بالتفاعلات المناعية، لا بد أنه سيكون متاحًا لنا التلاعب بطرق أكثر تعقيدًا بالاستجابة المناعية، بحيث نعيد كفة الميزان لصالح تدمير الورم. وفي هذا الصدد، تعطينا تجارب العلاج المناعي باستخدام مجموعة متنوعة من الأدوات من بينها الأجسام المضادة المتخصصة والخلايا التائية لاستهداف خلايا الورم المصابة بالفيروس نتائج واعدة، ويحدونا الأمل في أن يحل هذا الشكل من العلاج الأقرب إلى الطبيعة كلما كان ذلك ملائمًا، محل نظم العلاج الكيماوي والإشعاعي ذات الآثار الجانبية السيئة.

ومن الطريف أنه توجد إشارات دالة على أنه بالإضافة إلى التسبب في الحميات التقليدية تلعب الفيروسات كذلك دورًا في التسبب في أمراض معينة مزمنة غير معدية. فالتصلب المتعدد مرض منهك للإنسان يصيب الجهاز العصبي يستهدف الشباب عادةً ومساره المعتاد مزمن متكرر النوبات. ويتسبب التدمير الذي تحدثه المناعة الذاتية للغمد المياليني المحيط بالألياف العصبية في تفاقم التلف العصبي، فتتباطأ الإشارات العصبية التي تنقلها وتتشوه. والمستثير لإنتاج الأجسام المضادة الذاتية الموجهة ضد بروتين الميالين غير معلوم بعد، وإن كانت أصابع الاتهام تشير إلى كل من العوامل الوراثية والبيئية.

تتشابه وبائيات التصلب المتعدد والحمى الغددية التي يتسبب فيها فيروس إبشتاين-بار تشابهًا شديدًا في أن كليهما يصيب أكثر ما يصيب الطبقات العالية اقتصاديًّا واجتماعيًّا في البلدان المتمتعة برفاهية اقتصادية. ويشير هذا الأمر إلى أن التصلب المتعدد مثله مثل الحمى الغددية، قد يكون سببه عدوى ابتدائية متأخرة سببها فيروس غير معروف. والحقيقة أن التصلب المتعدد أكثر شيوعًا بوضوح لدى أولئك الذين عانوا من حمى غددية، وتتجمع المزيد والمزيد من الأدلة على وجود علاقة مباشرة بين فيروس إبشتاين-بار والتصلب المتعدد.

يصعب إثبات ذلك لأن الغالبية العظمى من الناس مصابون بعدوى إبشتاين-بار بينما هناك أقلية بالغة الضآلة تصاب بالتصلب المتعدد. لكن، الدراسات التي أجريت مؤخرًا تبين أنه بالرغم من أن أكثر من ٩٩٪ من البالغين المصابين بالتصلب المتعدد يحملون فيروس إبشتاين-بار، فإن المستوى لدى المجموعات الضابطة المتمتعة بالصحة يبلغ حوالي ٩٠٪. ومعنى ذلك أن الشخص سالب إبشتاين-بار يصعب جدًّا أن يصاب بالتصلب المتعدد، ولكن سبب هذا الأمر، أو ما إذا كان لإبشتاين-بار علاقة سببية بالتصلب المتعدد من عدمه، لا يزال غير واضح إلى الآن.

وهناك مثال آخر ألا وهو فيروس عائلة الهيربس المضخم للخلايا، الموجود كعدوى مستديمة لدى حوالي ٥٠٪ من تعداد سكان العالم المتقدم، وهو أمر رُبط بينه وبين مرض الشريان التاجي للقلب. ويمكن العثور على الفيروس داخل لويحات عصيدية في الشرايين المريضة حيث نجد من المحتمل أن الالتهاب المزمن الذي يسببه يسهم في حدوث انسداد لاحق في مجرى الدم مما يسبب أزمة قلبية. وهناك اكتشاف حديث آخر وهو أنه في أوساط المسنين، أولئك المصابون بالعدوى المستديمة بفيروس الهيربس المضخم للخلايا المستديمة يموتون في عمر مبكر مقارنةً بغير المصابين به. ويعتقد أن هذا يعود إلى التراكم طويل الأجل للخلايا التائية المناعية المتخصصة في مهاجمة فيروس الهيربس المضخم للخلايا الذي لا يترك لدى المسنين أي مساحة لاستجابة مناعية كافية لغيره من الميكروبات المعدية.

من المؤكد أن هذه الارتباطات المحيرة تبرر إجراء المزيد من الأبحاث وكما شهدنا في حالة السرطان، مع أن الفيروسات قد لا تمثل سوى حلقة واحدة في سلسلة من الأحداث التي تؤدي إلى مرض ما، فإن التخلص منها من الممكن أن يقي من المرض. تلك التأثيرات غير المباشرة لفيروسات الهيربس تحض البعض على الظن بأن العديد من الفيروسات المستديمة التي تصيبنا والتي تعد في الوقت الحاضر غير ضارة ربما تسهم في اضطرابات صحية أخرى شائعة الحدوث.

وخلال هذا القرن، يمكننا أن نتوقع تهديدات من صنع الإنسان قد تزيد في أبشع سيناريوهاتها من عبء أنواع العدوى الفيروسية المختلفة الذي نحمله فوق ظهورنا.

كانت فكرة استخدام الميكروبات كأسلحة دمار شامل موجودة منذ وقت طويل، ومسألة أن اتفاقية جنيف حظرتها بموجب بروتوكول عام ١٩٢٥ لم تمنع العديد من البلدان من البدء في تنفيذ برامج موسعة لتطوير واختبار أفضل الميكروبات المرشحة لهذا الدور. وحتى معاهدة الأسلحة البيولوجية السامة عام ١٩٧٥ أخفقت في إيقاف هذا النشاط بالكلية، والتهديد في الوقت الراهن قادم من الجماعات الإرهابية.

لا ريب أن عملية إطلاق ميكروب الجمرة الخبيثة العصوي في الولايات المتحدة في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر لفتت أنظار العالم وسلطت الأضواء على الخطر الذي تشكله الأسلحة البيولوجية، ومنذ ذلك الحين عكفت بعض الحكومات الغربية على تخزين كم هائل من العقاقير والتطعيمات الضرورية لمواجهة هجمة مثل تلك. ومع أن الشائعات التي خرجت تعلن عن امتلاك الرئيس العراقي صدام حسين لأسلحة بيولوجية تبين كذبها، فإنه خلال عملية تحرير العراق التي شنت عام ٢٠٠٣، دخلت القوات المعارك بعد تلقي الجنود للتطعيمات، وارتدائهم الملابس الواقية، وابتلاعهم كذلك عقاقير من المضادات الحيوية، ويعتقد البعض أنها السبب فيما عرف ﺑ «متلازمة حرب الخليج».

نظرًا لرخص ثمنها النسبي وسهولة تحضيرها في مصانع تتخفى في صورة منشآت تصنيع وإنتاج لقاحات، كان مبعث القلق أنه في استطاعة الجماعات الإرهابية تصنيع الميكروبات الفتاكة. وسوف يكون من العسير اكتشافها في الوقت المناسب للوقاية من كارثة تقضي على الأخضر واليابس حيث إنها غير مرئية، وليست لها رائحة ولا طعم، وغالبًا ما تكون مستقرة كيميائيًّا، وفعالة حتى ولو بكميات بالغة الضآلة، كما أنه من الميسور نقلها عبر الحدود دون أن تكتشف. ومن الممكن استغلالها في هجمات إرهابية موجهة، أوسع نطاقًا كي تصيب أعدادًا هائلة من البشر. ويسمح مفعولها المتأخر بمساحة زمنية كافية لهرب مرتكب الجريمة. وتظهر على لائحة التهديدات المحتملة العديد من الفيروسات، ومن أكثرها فتكًا فيروسا إيبولا والجدري. وفي الإمكان استخدام فيروسات أخرى لإضعاف المجتمعات السكانية بدلًا من إبادتها. ففيروسات مثل الفيروس القهقري، المسبب للإسهال والقيء من المؤكد أن في استطاعتها إضعاف شعب، ولكن من المؤكد أنه من الممكن علاجها.

يتهددنا فيروس إيبولا بخطر عظيم، ولا سيما في المجتمعات الصغيرة، نتيجة لكونه شديد العدوى، وينتشر بسهولة من شخص إلى آخر، مع ارتفاع معدلات الوفاة الناجمة عنه. ولكن كما أشرنا في الفصل الثالث، ومع أن أوبئة الإيبولا تتفشى ببشاعة، فإنها عادةً ما تزول من تلقاء نفسها بسبب ضرورة انتشارها بصورة مباشرة: لقصر فترة حضانتها، ولأن أعراضها المدمرة تمنع ضحاياها من الترحال بعيدًا عن مسرح الوباء. وهكذا فإنه بمجرد كسر سلسلة العدوى عن طريق تقديم الخدمات التمريضية من وراء حاجز عازل، يصبح في الإمكان السيطرة على الوباء.

ربما كان الموقف مختلفًا تمامًا مع فيروس مثل فيروس الجدري، وهو محفوظ في زجاجتي مختبر مؤمنتين تأمينًا قويًّا، إحداهما في الولايات المتحدة والأخرى في روسيا. ويظن البعض أن مخزون الفيروس ربما يكون قد تعرض للسرقة إبان الاضطرابات السياسية التي صاحبت تفكك الاتحاد السوفييتي ومن الممكن نظريًّا أن يكون وقع في أيدي مجموعات إرهابية. إن فترة حضانة الجدري من ١٢ إلى ٢٤ يومًا، وهو ما يُمكِّن تلك الجماعات من نشر الميكروب في أنحاء العالم قبل أن تظهر أولى الحالات المرضية. ويمكن للفيروس في حال إطلاقه، أن يكون مدمرًا حيث إنه سهل الانتشار، ومستقر التكوين، ولا يحتاج الأمر إلا إلى جسيم أو جسيمين منه فقط كي يصيب شخصًا ما بالعدوى. وحدا هذا التهديد ببعض الحكومات إلى تخزين كميات كبيرة من لقاح الجدري كإجراء وقائي في حال وقوع أمر كهذا، لكن الواقع يقول إنه سوف يكون من المستحيل تطعيم شعب بأكمله مثلًا في آن واحد حتى نوقف زحف الوباء. ربما لا يزال أولئك الذين تلقوا التطعيم قبل انتهاء حملة القضاء على الجدري عام ١٩٧٧ محصنين، ولكن الغالبية العظمى من سكان العالم الآن سيكونون عرضة للعدوى ومن المحتمل أن يصل معدل الوفيات آنذاك إلى ما يقرب من ٣٠٪.

لا تقتصر التهديدات الفيروسية من صنع الإنسان على استعمال أسلحة الدمار الشامل، وإنما تشمل كذلك تنشيط الفيروسات المسببة للأمراض عن غير عمد. كمثال لذلك، نقل الأعضاء من حيوانات مثل الخنازير إلى الإنسان كي تحل محل أعضاء بشرية مريضة، ربما بدا أسلوبًا معقولًا للتغلب على لائحة الانتظار الحالية لطالبي زراعة الأعضاء. لكننا لا نعلم أي شيء على الإطلاق عن الفيروسات التي تحملها تلك الحيوانات، وبما أننا لا نعلم سوى القليل عن فيروسات الخنازير مثلًا فإن هذا يشير إلى أن الفيروسات القهقرية يمكنها أن تصيب الخلايا البشرية بالعدوى. وبالإضافة إلى ذلك، أدى نجاح أساليب العلاج العديدة المعاصرة، ومن بينها زراعة الأعضاء والعلاج الكيماوي للسرطان، إلى ارتفاع أعداد المصابين بضعف في أجهزتهم المناعية. وهؤلاء الناس أكثر عرضة للعدوى الفيروسية، وفي غياب استجابة مناعية كافية فإن الفيروسات غالبًا ما تمكث في الجسم أمدًا طويلًا. ومبعث القلق هنا أن أصحاب المناعة الضعيفة من الممكن أن يصبحوا، دون ذنب جنوه، مستودعات للفيروسات، فيحملون وينشرون فيروسات غير معتادة في أرجاء المجتمع.

كذلك من مسببات القلق الفيروسات الهاربة من مختبرات الأبحاث. مع أن هروب فيروس يعد في الأساس أمرًا كابوسيًّا، فقد وقعت له سابقات من قبل، وتجدر هنا الإشارة إلى فيروس الأنفلونزا الذي هرب من أحد المختبرات الروسية وتسبب في جائحة عام ١٩٧٧ (انظر الفصل الرابع)، وهروب فيروس الجدري من مختبر الميكروبيولوجيا بجامعة بيرمنجهام، بالمملكة المتحدة، عام ١٩٧٨ (انظر الفصل الثامن). وبعد أن شاع الآن استخدام الفيروسات كموجهات للجينات الغريبة في مختبرات الأبحاث، صار هناك ما يبرر اتخاذ تدابير أمنية غاية في الصرامة عند التعامل مع هذه المادة. كذلك تستخدم فيروسات معدلة وراثيًّا في التجارب الإكلينيكية في إيصال جرعة من اللقاح أو لتصحيح عيب جيني. في واحدة من أوليات تجارب العلاج بالجينات، وقعت كارثة هزت العالم عندما أدى موجه لفيروس قهقري استخدم في إيصال جين تصحيح لأطفال مصابين بنقص مناعة وراثي، إلى وقوع مشكلات. فبعدها أصيب اثنان من المرضى الذين عولجوا بهذه الطريقة باللوكيميا نتيجة لاندماج الفيروس القهقري في حمضهم النووي دي إن إيه بالقرب من طليعة جين ورمي اسمه «إل إم أو ٢». وقد عولجت تلك اللوكيميا التي أصابت الأطفال بنجاح، غير أن تلك الواقعة لا تزال تمثل انتكاسة حادة في التطبيق الإكلينيكي للمناورات الجينية. بيد أنه في حين يقترح قلة من الناس ضرورة التوقف عن هذا النوع من الأبحاث، التي في استطاعتها وقايتهم شرور العديد من الأمراض وعلاجها والشفاء منها، فإن معظم الناس يوافق على صحتها وعلى ضرورة المضي فيها قدمًا مع توخي الحرص اللازم.

إننا نعيش في الوقت الراهن حقبةً مثيرة من تطورات تكنولوجية لاهثة الخطى تقترب في سماتها قليلًا من حقبة الثورة الصناعية التي اندلعت في بريطانيا في القرن التاسع عشر. ولا ريب أن هذا سيؤدي إلى ظهور أشكال بالغة التطور من أساليب العلاج الطبي، ولكن علينا في الوقت نفسه أن نعمل على ألا يجرفنا الحماس فينزع منا قدرتنا على المضي قدمًا في أمان. إن التطورات العلاجية ينبغي دومًا أن تكون مبنية على علم تقدمه لنا البحوث الأساسية التي تضيء أمامنا الطريق حتى نفهم جيدًا مجريات المرض.

كما أن علينا أن نضع نصب أعيننا دومًا التحذير الذي أطلقه عالم الفيروسات «جورج كلاين» حين قال:

«أغبى الفيروسات يفوق ذكاؤه أذكى عالم فيروسات.»

هوامش

(1) From D. H. Crawford, The Invisible Enemy (OUP, 2000), p. 26, fig. 1.4 © Oxford University Press.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤