مقدمة

حكاية ساو تومي

يتَّسِم شعب ساو تومي بالوُدِّ الشديد، ومِن الأمان أنْ تَخرُج إلى المتنزَّه ليلًا أو حتى أنْ تنام على الشاطئ. الغابة هنا مليئة بالفاكهة والمحيط يَعجُّ بالأسماك، ولهذا لا يوجد لدى أفراد الشعب سبب يدعوهم للخوف من أن يَنفَد ما لدَيْهم من طعام. لا توجد حيوانات مفترسة كالنمور أو الأسود أو الأفاعي أو العناكب المميتة في الغابة. أخطر الكائنات على الأرجح هو البَعُوض، الذي يُمكن أن يتسبَّب في إصابتك بالملاريا إذا لم تَحْمِ نفسَك.

صفحة معلومات حكومة ساو تومي وبرينسيب، ٢٠٠٨

***

إن جزيرتَيْ ساو تومي وبرينسيب، اللَّتَيْن اكتُشف النِّفْط بهما عام ٢٠٠٣، جزيرتان صغيرتان تَقَعَان قُبالَةَ الساحل الغربي لأفريقيا. يَبلغ عددُ سكانهما ٢٠٠ ألف نسمة ونَصِيب الفرد من الدخل القومي ٣٩٠ دولارًا. عكفتْ حكومة ساو تومي على جمع التمويل اللازم بهدف الاعتماد على نفسها في إجراء المزيد من عمليات التنقيب عن النِّفْط وإنتاجه كي تتجنَّب اللجوء إلى «شريك» تكنولوجي يلتهم حصة كبيرة من كعكة إنتاج النِّفْط.

والوسيلة التي تتبعها الحكومة هناك لِجَنْيِ المال طريقة مبتكرة، إلا أنها غير قويمة؛ فقد أجَّرَتِ الدولة خطوط الهاتف لمشغِّلي المواقع الإباحية، الذين يُحوِّلون مكالمات الجنس عبر الهاتف عبر هذه الخطوط إلى نقاط مختلفة في الكوكب. تَبِيع الدولة أيضًا طوابع تذكارية لمارلين مونرو.١

ليست ساو تومي وبرينسيب سوى لاعب وحيد ضمن اللاعبين المشاركين في «لعبة النِّفْط الجديدة». وإلى الآن، هي لاعب دَمِث الخُلُق، مقارنةً بلاعبين آخَرِين على غرار روسيا وتشاد وإيران وفنزويلا، الذين يستحقون أن يُطلَق عليهم اسم «الدول النِّفْطية المعتدية»، لكن الأحداث في ساو تومي وبرينسيب تمثِّل حكايةً رمزية للفَوْضَى التي تَضرِب عالَم السياسات النِّفْطية اليوم.

حين اكتُشف النِّفْط للمرة الأولى، منذ مائة وخمسين عامًا، كانت هناك كميات كبيرة منه، لكن لم تكن هناك سوى حاجة قليلة له. لكن بعد مُضِيِّ قرن ونصف قرن، صارت هناك حاجة عظيمة له، لكن كميته المتاحة غير كافية. وعلى مدار تلك السنوات خضع النِّفْط للإدارة، أولًا من طرف روكفيلر وكارنيجي وأفراد عائلتيهما، وبعدَ ذلك مِن طرف «الأخوات السبع» وشركات النِّفْط العالمية الكبرى، وبعد ذلك من طرف منظَّمة الدول المصدِّرة للبترول (الأوبك).

كان القاسم المشترك بين كل هذه الكيانات العملاقة في صناعة النِّفْط هو أنهم كانوا جميعًا رجالَ أعمال، على نحوٍ جماعيٍّ أو منفرد. وباستثناء الحربَيْن العالميَّتين اللتين تسبَّبتا في رفع الطلب على النِّفْط، شهدتْ أسواق النِّفْط استقرارًا نسبيًّا على مدار الأعوام المائة والخمسين الأولى.

لكنْ من غير المُرجَّح أنْ نرى النظام والاستقرار اللذين اتَّسَم بهما عالَم النِّفْط في تلك السنوات مجدَّدًا. فبدايةً من القرن الحادي والعشرين فصاعدًا، من المرجح أنْ تتَّسِم حقول النِّفْط وعمليات التنقيب عنه بعدم اليقين، والفوضى، والإمداد المتناقِص. فالمخزون العالمي من النِّفْط آخِذٌ في التناقُص، وقد يستمرُّ لنحو خمسين أو مائة سنة أخرى، لكنْ في نقطةٍ ما مِن القرن أو القرن ونصف القرن القادِمَيْن، من الممكِن أنْ يَنفَد المخزون العالمي من النِّفْط.

وبعد قُرون من اليوم، سينظر المؤرِّخون إلى هذه الفترة من تطوُّر الأرض التي اعتمدت فيها الدول على النِّفْط، وسيَرَوْن هذه الفترة بوصفِها زمنًا تصارعت فيه الدول بعضُها ضدَّ بعض على تلك السلعة الشديدة النُّدْرة والمتزايِدة الثمن إلى أنْ تمَّ ابتِكَار مصدرٍ جديد للطاقة يتولَّى مهمَّة تشغيل ماكينات العالَم ووسائل النقل به، ويسيطر على مناخ العالم.

وإلى أنْ يَجِد العالَم مصدرًا آخَر منخفِضَ التكلفة كي يُدير به محرِّكات صناعاته في الدول المتقدِّمة والنامية، سيَظَلُّ واقعًا تحت رحمة الطُّغاة والإرهابيِّين والمُضارِبين.

هوامش

(١) بي بي سي نيوز، ١٦ يوليو ٢٠٠٣.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤