الفصل العاشر

زيت من أجْل مصابيح الصين … والهند

في السنوات الخمس والسبعين التي أعقبت نشر كتاب «زيت من أجْل مصابيح الصين»،١ صار هذا العنوان يعبِّر عن الأحلام التوسُّعية الأمريكية لاستغلال السوق الصينية. كانت القصة التي يرويها الكتاب قصة درامية عن الخيانة في عالم الشركات، وكانت الشخصية الرئيسية رجلَ أعمال أمريكيًّا متحمِّسًا مثاليًّا أُرسل إلى الصين من طرف شركة النِّفْط الأمريكية التي يعمل لديها؛ كي يخترق السوق الصينية غير المستغَلَّة بعدُ. آمَن هذا الرجل بأن بإمكانه جلْبَ التقدُّم إلى الصين من خلال النِّفْط والمصابيح الزيتية، لكنِ انتهى به الحال بأنْ علق بين الحماس الدوجمائي للقومية الثورية الصينية وبين قسوة الشركة التي ربط حياته المهنية بها.

لطالما كان العالَم منشغلًا بالكيفية التي يمكن للنِّفْط بها أن يؤثِّر على الصين، لكن الصين استجابت في الوقت الذي ناسبها وبالسرعة التي لاءمتها. ذلك الوقت حان الآن، وللسرعة التي تتحرَّك بها الصين تأثير على العالم أجمع.

***

fig24
شكل ١٠-١: مجموعة أشخاص يعبرون أحد الشوارع في المنطقة التجارية في هونج كونج، الصين يوم الأربعاء ١٢ أغسطس ٢٠٠٩. (تصوير جيروم فافريل/بلومبرج نيوز.)

خلال السواد الأعظم من القرن العشرين وبدايات القرن الحادي والعشرين، ظن العديد من الأمريكيين أن الصينيين قوم خَطِرون ومتخلِّفون. كان من المعتَقَد أن الصينيِّين قد يُمثِّلون تهديدًا للغرب، خاصة مع عدوانيَّتهم وقدراتهم النووية، كما كانت قِيَمُهم بعيدةً كلَّ البُعْد عن القِيَم الأمريكية.

على نحو مثير للاهتمام، كان الصينيون يملكون بعضًا من الأفكار النمطية عن الغرب هم أيضًا؛ فقد كانوا يُشِيرون إلى الأجانب على أنهم «برابرة» وتجنَّبوا إقامة أي علاقات ثقافية أو تجارية معهم خوفًا من أن تفسد عقيدتهم الأيديولوجية.

لسنوات عِدَّة، اعتنق الصينيون سياسة العُزْلة، وكان مجتمعهم زراعيًّا بالأساس. لكن في عام ١٩٥٩ اكتشفتِ الصين النِّفْط في حقول داكينج تحت سهول منشوريا. ورغم أنه لم يكن بمقدورهم استخدام سوى جزء منه في ذلك الوقت، بدا أن الفائض يُمكِن أن يُمثِّل مصدرَ عائدٍ طيِّب.

إلا أن مسار الصين تغيَّر عام ١٩٧٨ حين اعتَلَى دينج شياو بينج سُدَّة الحكم. تَوَاصَل شياو بينج مع الغرب من أجْل جلْبِ التصنيع والتكنولوجيا وأساليب العمل الحديثة إلى الصين؛ وذلك كي يدعم الأسسَ المالية لدولته الشيوعية.

كمؤشِّر على التحوُّل السريع الذي شهدتْه الصين تدبر فقط أنه حتى عام ١٩٩٠ كانت الدرَّاجة هي أكثرَ وسائل الانتقال شعبية في الصين، لكن بعد ذلك بنحو عشرين عامًا لا غير، وفي مدن مثل شنغهاي، صار تلوث الهواء الناتج عن السيارات مشكلةً كبيرة، ولم يَعُد هناك ما يمكنه أن يوقف الانتشار السريع لثقافة السيارات، أو يبطئها. وثقافة السيارات، كما تدرك الولايات المتحدة، هي وحش يجب إطعامُه؛ ومِن ثَمَّ احتاجتِ البنية التحتية والمصانع المنشأة حديثًا في الصين إلى قدْر من الوقود الحفري لم تتصوَّرْه الصين من قبلُ، قدْر يصل إلى نحو ١٢ بالمائة من الطلب العالمي على الطاقة ويُعادِل أربعة أضعاف المعدل العالمي لاستهلاك النِّفْط.

عام ١٩٨٤ بسط شياو بينج يَدَ التعاون للغرب قائلًا إن الصين ترحِّب بالشركات الغربية. وفي الثلاثين من يونيو لذلك العام خاطب شياو بينج الوفد الياباني في المجلس الصيني الياباني للشخصيات غير الحكومية معلنًا الآتي:

إننا نرحِّب بالاستثمار الأجنبي وبالأساليب الأجنبية المتقدِّمة. إن الإدارة أسلوب هي الأخرى. هل سيهدمون الاشتراكية؟ على الأرجح لا؛ لأن القطاع الاشتراكيَّ هو عَصَبُ اقتصادنا. لا شك في أن الاستثمار الأجنبي سيكون سندًا كبيرًا في بناء الاشتراكية في بلدنا. وفي الوقت الحالي، لا غِنَى عن هذا السند مطلقًا.

وفي بُطْء، لكن بثبات، توافدت الاستثمارات الأجنبية على الصين. فكان بمقدور الزُّوَّار في أوائل التسعينيات أن يَرَوْا ناطحات السحاب وهي تُزيِّن المشهدَ الطبيعي في المدن من شنغهاي إلى بكين أو يزوروا متجر وول مارت الجديد. أما عن التكنولوجيا، فقد كانت مايكروسوفت وجوجل متلهِّفتين على اختراق السوق الصينية، وكانتا مستعدتين لتقديم بعض التنازلات في سبيل تحقيق أهدافهما. ورغم أن غالبية سكان الصين الذين يبلغ عددُهم مليارًا وثلاثمائة مليون نسمة لا يزالون فُقَراء، فإن الطبقة الوسطى الصينية البازغة يُنتَظر أن يَصِل عددُها إلى ١٠٠ مليون شخص بحلول عام ٢٠١٠، بحيث تكون نسبتها ١٣ بالمائة من عدد سكان الدولة.

جدول ١٠-١: مقارنة لنمو الناتج المحلي الإجمالي: الصين في مقابل الولايات المتحدة (المصادر: البيانات المتعلِّقة بالولايات المتحدة: وزارة التجارة الأمريكية، مكتب التحليل الاقتصادي. البيانات المتعلِّقة بالصين: المكتب القومي للإحصاء، الكتاب السنوي الإحصائي للصين ٢٠٠٤، تقرير خُطَّة المكتب القومي للإحصاء بالصين، www.chinability.com).
العام الصين (٪) الولايات المتحدة (٪)
٢٠٠٤ ١٠٫١ ٣٫١
٢٠٠٥ ٩٫٩ ٤٫٤
٢٠٠٦ ١١٫١ ٣٫٢
٢٠٠٧ ١١٫٤ ٣٫٢

بحلول عام ١٩٩٣ لم تَعُد حقول النِّفْط في منشوريا تكفي لمجاراة الوتيرة التي يتسارع بها نمو الدولة المذهل، وصارت الصين مستورِدًا صافيًا للنِّفْط. ومنذ ذلك الوقت وتقدُّم الصين سريعٌ للغاية لدرجة أن البحث عن مصادر النِّفْط خارج البلاد صار محمومًا على نحو متزايد، حتى رغم تحذيرات الخبراء البيئيين بالدولة من وجود كارثة بيئية واقتصادية محيقة، لو استمرت الصين في مسارها الحالي. كانت بقية دول العالم معنية بالمِثْل بالتأثير الصيني؛ على الإمدادات النِّفْطية العالمية، وعلى البيئة، وعلى الجغرافيا السياسية، وعلى الاقتصاد.

بحلول عام ٢٠٠٤ ذُهِل منتجو النِّفْط ومستهلكوه ومتاجروه ومحلِّلوه حين رَأَوا الطلب الصيني يرتفع إلى مليون برميل يوميًّا. كانت الصين حينئذٍ بحاجة إلى استثمار خارجي من أجْل تأمين إمداداتها النِّفْطية المستقبلية. نظرًا لحاجة الصين إلى بناء خط أنابيب بطول ستمائة ميل من كازاخستان إلى الصين، أخذ الصينيون على عاتقهم بناء هذا الخط — الممتدِّ شرقًا — رغم أن الولايات المتحدة كانت تُفضِّل أن يمتدَّ الخط غربًا إلى مورمانسك على بحر بارنتس، وهو الأمر الذي كان من المفترض أن يكون أرخص وأكثر ملاءمة للولايات المتحدة.٢
اكتمل بناء خط الأنابيب في ديسمبر ٢٠٠٥ وبدأ ضخ النِّفْط في الخامس والعشرين من مايو ٢٠٠٦. وبنهاية عام ٢٠٠٦ كان يجلب مائتَيْ ألف برميل من النِّفْط يوميًّا إلى الصين. بَيْدَ أنَّ هذا لم يكن كافيًا، وذلك وفقًا لما قاله لاري جولدستين، الذي أضاف:
في ذلك العام [٢٠٠٤] … عَبَرْنا عتبةً فاصلة؛ إذ انتقلنا من مرحلة الفائض إلى التوازن الهشِّ. كانت مشكلات الإنتاج في مكان ما يتمُّ تعويضُها من خلال الإنتاج في مكان آخر. كان بمقدورك تكرير المزيد من الخام في منشآت جهة أخرى ومستودعاتها المُدَارة بالوكالة، وهو ما كان يمثل خط الدفاع الأول لك. كان لديك صمامات أمان، وسائل للتخفيف من حِدَّة الصدمات وامتصاصها. لكن في عام ٢٠٠٤ اختفتْ وسائل امتصاص الصدمات هذه، وصارتِ الأسعار هي المتغيِّرَ الوحيد الذي يمكنك استخدامُه لتصحيح أيِّ خلل في التوازن.٣

إن الصين عازمة على الحصول على الموارد اللازمة لدعم اقتصادها المتنامي بقوة، وهي تتخذ من تأمين موارد النِّفْط وغيره من الموادِّ الخامِ الضرورية عَبْرَ العالَم هدفًا لها. وفي ظل غرق الشرق الأوسط في موجة طويلة الأمَدِ من عدم الاستقرار، تحوَّلَتِ الصين إلى منطقة كبرى أخرى منتِجة للنِّفْط، تَسبَّب ما يحف بها من مخاطر وتحديات في أن تُسقِطها الكثيرُ من دول العالم من حساباتها؛ ونعني بهذا قارة أفريقيا. إن الطلب الصيني الشَّرِه على النِّفْط من أجْل تغذية اقتصادها المزدهر قادها إلى البحث عن إمدادات النِّفْط في الدول الأفريقية، بما فيها السودان وتشاد ونيجيريا وأنجولا والجابون وغينيا الاستوائية وجمهورية الكونغو.

ليس من قَبِيل المفاجأة إذن أنِ ارتفعت أسعار النِّفْط عام ٢٠٠٤ ارتفاعًا كبيرًا. أُلقِي باللائمة جَرَّاءَ هذا الارتفاع على الصين، لكنَّ الصينيين زعموا أن طلبهم على النِّفْط كان ١٫٣ مليون برميل يوميًّا فقط، وهي نسبة بسيطة من طلب الولايات المتحدة البالغ ٢٠٫٦ مليون برميل يوميًّا طيلة السواد الأعظم من عام ٢٠٠٥.

وفي الوقت الحالي، يقول روبرت إيبل،٤ المتخصص في شئون النِّفْط: «يجوب الصينيون أصقاع العالَم محاوِلين الحصولَ على حصة من النِّفْط. سَعِدتِ الدول الأفريقية بذلك أيَّما سعادة؛ فالصين تُرسِل واحدةً من شركات النِّفْط الخاصة بها طالبةً الحصول على إنتاج أحد حقول النِّفْط، ثم تضيف: «وبالمناسبة، لو أردتم قرضًا بمساعدات عسكرية، يُمكِننا مَنْحُه لكم!» إنهم يُقدِّمون مُغرِيات لا تستطيع شركة نفط دولية تقديمَها.» لقد استثمرت مؤسسة البترول الوطنية الصينية أكثر من ثمانية مليارات دولار في قطاع النِّفْط السوداني، منها استثمار في عام ٢٠٠٥ في خط أنابيب طوله ٩٠٠ ميل يمتدُّ إلى البحر الأحمر، وأتمَّت شراء بتروكازاخستان (بأصول قوامها ١١ حقلًا نفطيًّا) من كندا، وأعلنت عن خُطَّة لاستثمار ١٨ مليار دولار في أصول النِّفْط والغاز الأجنبية بحلول عام ٢٠٢٠.
حتى يناير عام ٢٠٠٦، كانت الصين تمتلك ١٨٫٣ مليار برميل من احتياطيات النِّفْط المؤكَّدة داخل حدودها. وكي تَفِيَ الصين بمتطلبات اقتصادها الشَّرِه، فإنها اتَّبعتْ سياسة شَرِسة من الشراكة مع غيرها من الدول المنتجة للنِّفْط. شعر البعض في الغرب بالقلق، لكن كما كتب مايكل إليوت في الموضوع الرئيسي بمجلة تايم عن الصين:٥

من وجهة النظر المتفائلة، إذن، يمكن التعامل مع تبوُّء الصين تلك المكانة العالمية … لا توجد حاجة لقيام حروب بين الصين والولايات المتحدة، ولا كوارث، ولا منافسة اقتصادية تخرج عن نطاق السيطرة. لكن في هذا القرن سوف يضمحل النفوذ النسبي للولايات المتحدة، وسيزداد نفوذ الصين. لقد خُبزت هذه الكعكة منذ وقت طويل.

شركات النِّفْط الصينية المملوكة للدولة

• ساينوبك

• بتروتشاينا

• مؤسسة البترول الوطنية الصينية

• المؤسسة الوطنية الصينية للنِّفْط البحري

يؤمن أولئك الأقل تفاؤلًا بأن الولايات المتحدة والصين عالقتان في صراع على النِّفْط سيسوء في نهاية المطاف أو يؤدي إلى نشوب العنف. بَدَتْ تلك احتمالية بعيدة، وإنْ كانت ليست بعيدة لدرجة تجاهُلها تمامًا. وتحسبًا للأسوأ، قرَّر كبار المخطِّطين العسكريين في البنتاجون عمل أحد التدريبات.٦ وكان السيناريو الافتراضي الذي وضعوه بشأن «لعبة الحرب النِّفْطية» على النحو التالي:
  • تشن إيران هجومًا على سفن شحن في الخليج العربي (الفارسي)، ومِن ثَمَّ تستفزُّ الولايات المتحدة لإصدار ردِّ فعل قوي.

  • بعد ذلك تُهاجِم الصينُ تايوان.

  • تكون الولايات المتحدة مُجبَرة على تقسيم قواتها حتى تتمكَّن من الردِّ على أي تحديات عسكرية لاحقة.

  • ترسل فنزويلا بعد ذلك غواصات إلى خليج المكسيك، وتنضمُّ غواصاتُها إلى الغواصات الصينية، وتُطلِق صواريخَ على المنشآت الأمريكية والمكسيكية.

  • تَهبُّ المملكة المتحدة إلى نجْدة الولايات المتحدة وتُرسِل غواصات نووية هجومية كي تُغرِق الغواصات الفنزويلية والصينية.

  • تقف الهند إلى جانب الولايات المتحدة.

  • تظل روسيا على الحياد ولا تشارك في الحرب.

في نظر وسائل الإعلام، كانت فكرة إرسال الصين غواصة إلى الجانب الآخر من الكرة الأرضية وفكرة إعلان فنزويلا الحرب على الولايات المتحدة تلائم روايات توم كلانسي أكثر من كونها سيناريو جادًّا يمكن مناقشته في غُرَف الحرب لدى القوى العظمى. ومع هذا، فإن فكرة ترتيب اللعبة على هذا النحو في حدِّ ذاتها تَشِي بمقدار الخطورة الذي يمكن أن يكون الموقف النِّفْطي عليه.

في الواقع، وكما يوضح الكاتب فاجو موراديان،٧ فإن الحسابات العسكرية تجمعها ثلاثة عناصر محورية مترابطة، وكلها ذات صلة بالنِّفْط، وهي:
  • (١)

    عداوة فنزويلا الملحوظة للولايات المتحدة.

  • (٢)

    الاستقلالية السياسية الكبرى لروسيا (والنابعة من ثروتها النِّفْطية وصناعتها المتوسعة الخاصة بتصدير السلاح).

  • (٣)

    سعي إيران المفترض خلف برامج الأسلحة النووية والمموَّلة عن طريق مكانتِها بوصفها ثاني أكبر منتج للنِّفْط على مستوى العالم.

ويرى موراديان أن التفكير الاستراتيجي الأمريكي يتمحوَر حول تلك العناصر الثلاثة إلى جانب القلق «بشأن الصعود السريع للقوة العسكرية الصينية، والدافع القوي لهذه الدولة لضمان موارد النِّفْط الحصرية على مستوى العالم.» ومن الأمور التي تزيد هذا «القلق» تلك الصفقات التي تُبرِمها الصين مع كلٍّ من إيران ونيجيريا.

يقول المحلِّل النِّفْطي لاري جولدستين: «حين يندر وجود الأكسجين، نريد جميعنا خزان الأكسجين … وقد صار النِّفْط قيِّمًا؛ لأننا أدركنا أنه شحيح. ومِن ثَمَّ فإن الشيء الوحيد الذي لن تتحمَّلَه الصين هو عدم امتلاكِها إمكانيةَ الحصول على النِّفْط.»

باختصار، دون ضجيج أو إعلانات مسبقة، صارتِ الصين لاعبًا نفطيًّا أساسيًّا بفضل طبقتها الوسطى الآخذة في النمو. وقد أبدى الصينيون، انطلاقًا من تلهُّفهم على وضع أيديهم على الواردات النِّفْطية، استعدادًا كبيرًا لخوض المخاطرات من أجْل التنافُس مع الولايات المتحدة. تريد الولايات المتحدة أن تظَلَّ القوةَ العسكرية المُهَيْمنة في خليج غينيا، وتحتاج الصين علاقات سياسية واقتصادية أوثَقَ مع دول غرب أفريقيا؛ كي تحصل على النِّفْط، وكي تُواجِه التغلغل الأمريكي المحتمل. إن تنافُس الصين مع الولايات المتحدة على النِّفْط جعل الصينيين كتفًا بكتف مع الولايات المتحدة. ولم نشهد منافسة مشابهة فيما يخص المشاغل البيئية؛ فالصين ببساطة ليستْ مهتمَّةً بهذا الأمر.

جدول ١٠-٢: استهلاك النِّفْط عام ٢٠٠٧ (بالمليون برميل يوميًّا) (المصدر: كلُّ الإحصائيات من كتاب «حقائق العالَم» الصادر عن وكالة الاستخبارات الأمريكية، ١٤ يونيو ٢٠٠٧، ما عدا تلك الخاصةَ بالهند؛ فإن هذه الإحصائيات مأخوذة من موقع nationmaster.com).
العالم ٨٢٫٢
الولايات المتحدة ٢٠٫٧
الهند ٢٫٤٥
الصين ٦٫٥
fig25
شكل ١٠-٢: أحد الزبائن يستعرض منتجات سمعية بصرية في أحد المتاجر متعدِّدة الأقسام في بكين، في ١٤ مارس ٢٠٠٣. (تصوير ريكي وونج/بلومبرج نيوز.)
ما السبيل إلى جعْل الصين والهند أكثر اهتمامًا بالجانب البيئي؟ يستفسر روبرت إيبل عن الأمر قائلًا:
إذا صارت الصين والهند من اللاعبين النِّفْطيين المؤثِّرين، فكيف تجعلُهما تُولِيَان اهتمامًا للبيئة أو تلتزمان بذلك على الورق؟ إننا لم نصدِّق على اتفاق كيوتو٨ لأن الصين والهند لم توقِّعا عليه. وبينما نشاهد العالم النامي وهو يستهلك المزيد من الطاقة، وبينما نشاهد الصين والهند تستهلكان المزيد وتلوِّثان البيئة بدرجة أكبر، علينا أن نسأل: كيف لنا أن نجعلهما تتخذان خطوات ملموسة لتقليل التلوث؟٩

في التسعينيات، ومع ارتفاع الطلب الصيني على النِّفْط ارتفاعًا شديدًا، بدا أن الولايات المتحدة لا تقلق إلَّا قليلًا بشأن تأثير هذا الطلب على مصالحها. وقد بدا قلقُها على النِّفْط متركِّزًا فقط على اعتمادها المتزايد على النِّفْط القادِم من الشرق الأوسط، وإمكانية أن يتعرَّض هذا الإمداد لخلل بفعل الإرهاب.

إلا أن الطلب الصيني المتزايد أثَّر بقوة على أسعار النِّفْط العالمية. حتى عامَيْ ٢٠٠٧ و٢٠٠٨، تسبب المعروض المحدود في ارتفاع أسعار النِّفْط، أما الآن فالطلب المتزايد هو المسبِّب للارتفاع.

(١) اقتصاد الهند

رغم أن معدل التضخُّم الإجمالي بالهند أقل تقلُّبًا، فإن الهند مُهتمَّة للغاية بشأن التضخُّم في أسعار الغذاء. فبين عامي ٢٠٠٦ و٢٠٠٨ ارتفع سعر القمح في الهند بنحو ٥٠ بالمائة، وارتفع سعر الأرز بأكثر من ٣١ بالمائة.١٠
إن اقتصاد الهند يشهد نموًّا هائلًا؛ وهو ما تسبب في ارتفاع الطلب على النِّفْط، على نحو مشابِه لما حدث في الصين في التسعينيات وأوائل العَقْد الأول من القرن الحادي والعشرين.١١ وبحلول عام ٢٠٠٧ كانت الهند خامسَ أكبر مستهلِك للنِّفْط على مستوى العالم، بعد الولايات المتحدة والصين واليابان وروسيا. وفي عام ٢٠٠٥ كانت نسبة ٣٤ بالمائة من استهلاك الطاقة الهندي آتية من النِّفْط، لكن ظل الفحم يَفِي بأكثر من نصف احتياجات الدولة من الطاقة.

عام ١٩٩٠ كان على الهنود الانتظار لمدة قد تصل إلى خمسة أعوام قبل الحصول على خط هاتفي أو وصلة غاز، لكن بعد الإصلاح الاقتصادي الذي حدث بعدها بسنوات قلائل تغيَّر المشهد على مستوى الدولة بأكملها؛ إذ دخلت شركات الغذاء والسلع الاستهلاكية إلى المشهد، ووضعت خُطَطًا لبناء مراكز تسوُّق تجارية ومجمَّعات لدور العرض السينمائي.

عام ٢٠٠٥ كان اقتصاد الهند قد نما بنسبة ٨٫٧ بالمائة مقارنة بعام ٢٠٠٤. وكان من المتَوَقَّع أن ينمو اقتصاد الهند بنسبة ٧٫٧٥ بالمائة عام ٢٠١٠. وقد نما الاقتصاد الهندي عام ٢٠٠٩ بنسبة ٦٫٧ بالمائة في أعقاب الركود الاقتصادي العالمي. وقد تنبأت الوكالة الدولية للطاقة بأن استهلاك النِّفْط سينمو على نحو سريع من ٢٫٢ مليون برميل يوميًّا عام ٢٠٠٣ إلى ٢٫٨ مليون برميل يوميًّا عام ٢٠١٠. وإذا استمر معدل النمو الخاص بعام ٢٠٠٧ كما هو، فمِن شأن الاستهلاك أن يرتفع بحلول عام ٢٠٣٠ إلى أكثر من ٥ ملايين برميل يوميًّا (الأرقام مأخوذة من الوكالة الدولية للطاقة).

fig26
شكل ١٠-٣: مقهًى في وسط مدينة بنجالور بالهند في ١٥ أكتوبر عام ٢٠٠٢، لكن من الممكن الاعتقاد بأن الصورة مُلتَقَطَة في مقهًى يقع في نيويورك أو لوس أنجلوس. (تصوير ناماس بوجاني/بلومبرج نيوز.)
رحَّبت الهند بالاستثمار الخارجي، لكن كي ينجح ذلك الاستثمار وكي تبني الهند طبقتَها الوسطى، كانت في حاجة للنِّفْط. ورغم نمو الطلب على النِّفْط بنسبة ٦ بالمائة سنويًّا١٢ من عام ١٩٨٠ إلى ٢٠٠٢، وبنسبة ٧٫٥ بالمائة سنويًّا بين عامَيْ ٢٠٠٢ و٢٠٠٦، فإن إنتاج النِّفْط في الفترة عينها لم يرتفع بالكاد. ورغم ارتفاع إنتاج النِّفْط بنسبة ١٢٫١٧ بالمائة عام ٢٠٠٨ فإنه لم يرتفع عام ٢٠٠٩.

ولأن الهند كانت الاقتصاد الآسيوي الوحيد المدفوع بالأساس بالطلب المحلي، كان يُعتقد دومًا أن نقطة ضعفها الكبرى هي عجْزُها عن مجاراة آلات التصنيع الصينية التي كانت تُنتِج ألعاب الأطفال والملابس والإلكترونيات التي كانت تُغرِق الأسواق الدولية. كما تسبَّبت تكلفة الائتمان المرتفعة في الهند في سوء حالة بِنْيَتِها التحتية. ورغم تمتُّع الهند بقطاع خدمات قوي، فإنها كانت بحاجة إلى قطاع صناعي قوي وإلى بنية تحتية لقطاع النقل، وكلا الأمرين يحتاج النِّفْط. وبحلول عام ٢٠٣٠، تتَوَقَّع الوكالة الدولية للطاقة أن تستورِد الهند ٩٠ بالمائة من احتياجاتها النِّفْطية.

(٢) الطبقة الوسطى الهندية تقف خلف الطلب الهندي على النِّفْط

نَشَرتِ الطبعة الإلكترونية من جريدة «داون» مقالًا في ديسمبر عام ٢٠٠٥ يشرح ممَّن تتألَّف الطبقة الوسطى الهندية. وقد تحدَّث المقال عن مُديرة تسويق تنفيذية عمرُها ثمانية وعشرون عامًا تُدعَى شارما شاميندر. تتسوق شارما في مركز تجاري كبير حديث في ضاحية شرقية من ضواحي نيودلهي. تمتلك هي وزوجها منزلًا وسيارة وما يكفي من المال لعيش حياة مريحة إلى حدٍّ كبير. وهي نموذج للمستهلك من الدرجة الأولى الذي لا يهتمُّ إلا قليلًا بتوفير المال، ومِن ثَمَّ فهي جزء من سوق جديدة رائعة لكلٍّ من شركات التجزئة المحلية ومتعددة الجنسيات. وتمثِّل شارما وزوجُها نموذجًا لملايين المواطنين من الطبقة الوسطى الآخذين في ارتقاء درجات السُّلَّم الاجتماعي اليوم في الهند.

الأدلَّة الخاصة بوجود طبقة وسطى هندية بازغة مُرسَلة في معظمها (يذهب أحد التقديرات إلى أن هذه الطبقة تتألَّف من ٢٥٠ مليون شخص)؛ لأن نسبة بسيطة من الهنود فقط تدفع ضرائب دخل أو مسجلة بوصفها موظفة رسميًّا، لكن وفق حسابات المجلس القومي للبحوث الاقتصادية التطبيقية يوجد ٥٦ مليون هندي يتراوح دخلُهم الأُسري بين ٤٤٠٠ و٢١٨٠٠ دولار سنويًّا (وهو النطاق المحدَّد للطبقة الوسطى بالهند). وهذه المجموعة هي التي اشترت ٦٠ بالمائة من السيارات الجديدة — البالغ عددها ٨٠٠ ألف سيارة — المبيعة في الهند عام ٢٠٠٤. وفي ديسمبر عام ٢٠٠٥، قُدِّر أن هناك ٢٢٠ مليون هندي آخرين يتراوح دخلُهم الأُسري بين ٢٠٠٠ و٤٤٠٠ دولار سنويًّا، ويمكنهم تحمُّل تكلفة شراء تلفاز وثلاجة، بل أيضًا دراجة نارية. وبحلول عام ٢٠١٠، يُنتظر أن يصل عدد أفراد الطبقة الوسطى في الهند إلى ٥٠٠ مليون نسمة، ويُنتظر أن يرتفع حجم الاقتصاد الخاص بهذه الطبقة من ٧٠٠ مليار دولار حاليًّا إلى تريليون دولار وقتها.

عام ٢٠٠٧، أفادت صحيفة «إنديا توداي» بأن «عوامل مثل انتشار التَّرَف ومنافذ البيع بالتجزئة الغالية، وتوافُر العلامات التجارية العالمية، إلى جانب ذلك المرض الجديد المسمَّى «اشتهاء التكنولوجيا» تتَّحِد كلُّها كي تُغرِق السوق الهندية المتنوِّعة بأكثر المنتجات المتاحة جاذبية. ومن طبقة المليونيرات إلى الطبقة الوسطى البالغ عددها ٢٥٠ مليون شخص، الجميع منخرطون في عمليات الشراء بالتجزئة.» وفي ظل وجود أكثر من ٣٥٠ مليون هندي في سِنٍّ تقلُّ عن أربعة عشر عامًا، ستتوسَّع القوة العاملة على نحو هائل عبْرَ العَقْد القادم، وتزيد من معدلات الاستهلاك بدرجة أكبر.

اتسم سعي الهند وراء النِّفْط خارج حدودها بالطموح. فقد وقَّع المسئولون النِّفْطيون الهنود عقودًا لشراء حصص استثمارية في كل أنحاء العالم، وليس فقط في المصادر التقليدية في غربيِّ آسيا. وفي عام ٢٠٠٥ تحدَّثَتِ الهند عن عَقْد صفقة مع إيران لبناء خط غاز بطول ٢٦٠٠ كيلومتر عبر باكستان، لكن حتى عام ٢٠٠٨ لم يتمَّ التوقيع على هذه الصفقة. أيضًا وقَّعت الهند عَقْدًا بقيمة ملياري دولار مقابل الاستحواذ على نسبة ٢٠ بالمائة من حقل ساخالين ١ الروسي، الذي تأمل من ورائه الهند في تأمين مليون برميل من النِّفْط يوميًّا.

لم تَصدُر عن الغرب سوى استجابة طفيفة لهذه الجهود؛ إذ رفضت شركات النِّفْط الدولية الساعية لتجنُّب المخاطر عَقْد صفقات مع دول معينة، حتى حين كان النِّفْط داني القِطَاف. ورغم أن الانتعاش الاقتصادي في الصين حدث من الأعلى إلى الأسفل، بحيث كانت الشركات الحكومية الصينية هي المنفِّذة للسياسة الاقتصادية، فقد حدثت انتعاشة الهند الاقتصادية من جانب مجموعات الشركات رائدة الأعمال المنتمية للقطاع الخاص.

إن التَّوَقُّعات الخاصة بالسوق المحلية الهندية مُشرِقة. فمِن المتَوَقَّع أن تنمو الطبقة الاستهلاكية بهذه السوق بمعدل عشرة أضعاف بحلول عام ٢٠٢٥. أما عن نصيب الفرد من الناتج المحلي، البالغ ١٠٠٠ دولار في أوائل العَقْد الأول من القرن الحادي والعشرين، فمن المتَوَقَّع أن يتضاعف ثلاث مرات بنهاية عَقْد العشرينيات من القرن الحادي والعشرين. إن الاستثمارات الغربية مؤكَّدة وفي حالة نمو. وقد افتَتَحَتْ شركات تصنيع السيارات العالمية — فورد وجنرال موتورز وهيونداي وسوزوكي — مصانع لها في الهند، أما الأجهزة الإلكترونية والسلع المعمرة١٣ الكورية فيمكن رؤيتها في كل مكان في الهند.

الاقتصاد الهندي على وشك تحقيق إنجاز كبير … إنني متحمِّس بشأن الهند مثلما كنت متحمِّسًا بشأنِ الصين في أواخر التسعينيات.

لكن حالة الهند تختلف بدرجة كبيرة عن الصين. وأكثر ما يُثير اهتمامي هو إمكانية وجود ديناميكية استهلاك داخلية قوية على نحو متزايد هناك، وهو مكون يندر وجوده بشدة في أغلب نماذج التنمية الآسيوية. إن كل ما يخص الهند، من قيود وبِنْية تحتية وادِّخار واستثمار أجنبي مباشر وسياسات، معروف للغاية. ومع ذلك فأنا أرى تقدُّمًا ملموسًا على أغلب الأصعدة. وإمكانية الاستهلاك — ذلك الأساس العضوي للنمو والتنمية المستدامين — هي أمر حقيقي.

ستيفان روتش، كبير الاقتصاديين بمورجان ستانلي،
وول ستريت جورنال، ٩ نوفمبر ٢٠٠٥.

إن تأثير ذلك على منتجي النِّفْط الآخرين حول العالم ليس واضحًا. ونمو الطلب على النِّفْط من جانب الصين والهند بدا فيه إشارة إلى أن الأوبك ستَجْنِي فوائد ارتفاع أسعار النِّفْط.

في المقال عينِه المذكور هنا والمنشور في وول ستريت جورنال، ذكر روتش أيضًا أنه رغم أن المستهلك الهندي لم يَصِر بعدُ قوة كبيرة حول العالم، فإن نمو القطاع الاستهلاكي، وإن كان تدريجيًّا، يمكنه أن يحدد اتجاهات السوق. وهو يَرَى أن معدل نمو الهند القوي إنما ينبع من النزعة الاستهلاكية المتنامية، وأن الشعب الهندي الشابَّ في معظمه سيدفع أيضًا الاقتصاد الهندي دفعة كبيرة.

خلال أحاديثه مع العديد من الشركات الهندية، سمع روتش عن خُطَط بشأن تطوير الأسواق والمنتجات تركِّز بالأساس على الاستراتيجيات الموجَّهة نحو المستهلك. ومن المتَوَقَّع أن يتماسك قطاع التجزئة الذي يشهد حاليًّا تشظِّيًا شديدًا ما إنْ تُرفَع القيود عن الاستثمار الأجنبي المباشر. ويبدو أن منافذ البيع بالتجزئة البالغ عددها ثلاثة ملايين منفذ في الهند تتأهب استعدادًا للمنافسة التي تعلم يقينًا أنها آتية لا محالة.

الكلمة المحورية التي يتفق عليها المسئولون الحكوميون هي «الاحتواء»؛ إذ تُعيد الهند توجيه استراتيجية التنمية الخاصة بها بحيث تتضمن الفقراء الريفيين بالهند. واجهت جهود الاحتواء أوقات سَرَّاء وضَرَّاء، لكن الزعماء السياسيين يعبِّرون عن ثقتهم في أن الإصلاحات الجديدة ستساعد على نحو جذري في انتشال الكثيرين من هوة الفقر ورفعهم إلى الطبقة الوسطى.

ستعني التنمية الريفية زيادة في الدخول الحقيقية والقوة الشرائية الاستهلاكية. ومن المنتظر أن تكون الشركات الصغيرة والمتوسطة هي أكثر الشركات استفادة من تلك الإصلاحات. ومع زيادة القوة الشرائية، يُتَوَقَّع أن يرتفع مستوى النمو في الناتج المحلي الهندي ليصل إلى ٧٫٥ بالمائة. لكن ما نوعية الضغوط التي ستتسبَّب أسعار النِّفْط المرتفعة في فرضها على الاقتصاد ككل؟

(٢-١) حلٌّ هندي لأسعار النِّفْط المرتفعة

أما وقد انضمَّتِ الهند إلى مرتبة كبار اللاعبين على المستوى العالمي، بات لها الحق في أن تقترح حلولًا لأزمة النِّفْط العالمية. وفي أحد الأيام التي ضَرَبت فيها أسعار النِّفْط رقمًا قياسيًّا، خرج إم إس سرينيفاسان، وزير النِّفْط الهندي، بتوصية غير تقليدية تهدف لتخفيض أسعار النِّفْط المرتفعة، وهي: وقْف تداوُل النِّفْط الخام في بورصات البضائع.

وقد ذكر سرينيفاسان أنه رغم عدم وجود قيود على المعروض أو طلب خارج عن السيطرة في الوقت الحالي فإن التداول في بورصات، كبورصة نيويورك التجارية (نايمكس)، كان يُسهِم «على نحو ضخم» في رفع الأسعار. واقترح سرينيفاسان أنه إذا أمكن إخراج النِّفْط الخام من البضائع المتداولة في نايمكس، فمن شأن العالم أن «يشهد انخفاضًا كبيرًا في سعر النِّفْط».

قال المنتقدون إن وزير النِّفْط أغفل، عند تقدُّمه بهذا الاقتراح، حقيقة أن صناديق التحوُّط والبنوك وصناديق المعاشات كلها تصبُّ رأسَ المال في تجارة النِّفْط، وتُقدِم على مخاطر كبيرة، وتُقامِر على زيادة الطلب، وأن هذه الرهانات صارت نبوءة ذاتية التحقق، وتساعد على رفع الأسعار بدرجة كُبْرَى.

(٢-٢) أَنَدَعُ الأمورَ كما هي؟

لسوء حظ فقراء العالم، فإن ارتفاع معدلات النمو في كل من الهند والصين كان له تأثير ليس على أسعار النِّفْط العالمية والمعروض النِّفْطي وحسب، وإنما كذلك على أسعار المنتجات الزراعية العالمية والمعروض منها. فمَعَ النُّدْرة المتزايِدة في النِّفْط، وتسبُّب استخدامه في تدمير البيئة، تحوَّل العديد من المزارعين حول العالم من المحاصيل الغذائية إلى الذرة المستخدم في تصنيع الإيثانول، وهو ما قلَّل الإمدادات الغذائية؛ مما تسبَّب بدوره في تضخُّم عالمي في أسعار الغذاء. وفي أغسطس ٢٠٠٧ قفزت أسعار الغذاء في الصين بنسبة ١٨ بالمائة، وفي ربيع ٢٠٠٨ أعلنت الحكومة الهندية أن أسعار الجملة في الأسبوع الأخير من مارس ٢٠٠٨ كانت أعلى بنسبة ٧٫٤ بالمائة عنها في مارس ٢٠٠٧، وكانت هذه الزيادة الكُبرَى على مدار أربعين شهرًا.

إننا نشكو من أن الهند والصين يفتقران إلى الوعي الاجتماعي الكافي فيما يخص السياسات والتشريعات البيئية، بَيْدَ أنَّنا ننسَى أن الغرب، في بدايات تطوُّره، لم يكن يتحلَّى بذلك الوعي البيئي أيضًا. إن الصين والهند في مرحلة تعملان فيها على دفع التنمية، وحين كان الغرب في مرحلة مماثلة لم يكن هو أيضًا مهتمًّا بالبيئة، ولدَى كلٍّ من الصين والهند عدد من السكان يجب إطعامه أكبر مما يمتلك الغرب.

هوامش

(١) أليس تيسدال هوبارت، ١٩٣٤، «زيت من أجْل مصابيح الصين».
(٢) مقال بعنوان: «هل تتحوَّل أحلام خط الأنابيب إلى واقع؟» لوس أنجلوس تايمز، ١٨ يوليو ٢٠٠٤.
(٣) مقابلة للمؤلِّف مع لورانس جولدستين، ١٧ مايو ٢٠٠٧. جولدستين هو مدير مؤسسة بحوث سياسات الطاقة ومقرها في واشنطن. وقد عمل استشاريًّا لدى سلطة الائتلاف المؤقتة بالعراق عامي ٢٠٠٣ و٢٠٠٤.
(٤) مقابلة مع المؤلِّف، ٣ أبريل ٢٠٠٧. شغل إيبيل مناصب قيادية في وكالة الاستخبارات المركزية وفي وزارَتَي الداخلية والطاقة، كما أدار شركة إنسرش كورب، ومجلس صادرات واشنطن. إيبيل خبير في سياسات الطاقة، وأسعار النفط، ومنظمة الأوبك، وهذه أمثلة بسيطة على مناحي خبرته الواسعة.
(٥) مقال: «الصين تغزو العالم»، مجلة تايم، ١١ يناير ٢٠٠٧.
(٦) «الخيط المشترك الظاهر …»، بول روجرز، من كتاب «الولايات المتحدة ضد الصين: حرب من أجْل النفط» المعهد الصيني، جامعة ألبرتا، ١٥ يونيو ٢٠٠٦. لم تُشِر الكتابة إلى تاريخ التدريب.
(٧) مقال: «التدريبات الأمريكية تعكس توترات متزايدة»، ديفينس نيوز، ٢٩ مايو ٢٠٠٦.
(٨) تمت الموافقة على بروتوكول كيوتو، الذي صُمِّم لتقليل مقدار غازات الدفيئة المغيِّرة للمناخ في ١١ ديسمبر ١٩٩٧، وأضيف بوصفه بروتوكولًا إلى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ. تبنَّتِ الدول الموقِّعة البروتوكول في ١٦ فبراير ٢٠٠٥.
(٩) مقابلة مع المؤلِّف، ٣ أبريل ٢٠٠٧.
(١٠) مقال بعنوان: «هل تستطيع أسعار الغذاء أن تَجنِيَ أصوات الناخبين؟» مجلة تايمز أوف إنديا، ٢٤ أغسطس ٢٠٠٨. وعلى سبيل المقارنة، كان معدل التضخم في الولايات المتحدة عام ٢٠٠٧ أكثر من ٤ بالمائة، وارتفعت أسعار اللبن ١٨ بالمائة من عام ٢٠٠٧ إلى عام ٢٠٠٨، كما ارتفعت أسعار البيض ٣٥ بالمائة خلال الفترة عينها.
(١١) عادة ما استهلكت الهند نفطًا أقل من الصين؛ لأن اقتصاد الصين كان يعتمد بالأساس على التصنيع، فيما اعتمد اقتصاد الهند على الخدمات.
(١٢) أعلى من المتوسط العالمي بأكثر من ثلاثة أضعاف.
(١٣) السلع المعمرة: هي الأجهزة المنزلية الأساسية كغسالات الملابس والمواقد وغسالات الأطباق.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤