الفصل الحادي عشر

التحوُّل في ميزان القوى

في الرابع من ديسمبر عام ٢٠٠٧، عُقد مؤتمر عالمي في فندق سوفيتيل سانت جيمس في لندن. جاء المشاركون من أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية لحضور اجتماع شركات النِّفْط القومية. كانت تلك الشركات تجتمع سنويًّا منذ عام ٢٠٠١، وكانت مختلفة فيما بينها بشأن كلِّ السياسات التي يمكن أن تجمع بينها، خلاف أمرٍ واحد: رفع أسعار النِّفْط.

عام ٢٠٠٨، كانت شركات النِّفْط القومية المملوكة للدول هي المسئولة عن غالبية الإنتاج النِّفْطي العالمي، خاصة في الدول ذات الاحتياطيات الكبيرة، وكانت تسيطر على ٨٠ بالمائة من احتياطيات النِّفْط السائل العالمية. تسيطر شركات النِّفْط الدولية الكبرى — المسماة «الخمسة الكبار» — على أقل من ٥ بالمائة من الاحتياطيات. أما النسبة المتبقية وقدرها ١٥ بالمائة فتسيطر عليها شركات نفط متعددة الجنسيات تلي شركات النِّفْط الدولية الكبرى في المكانة مباشرة.

تملك شركات النِّفْط القومية معدل احتياطي إلى إنتاج يبلغ ثمانية وسبعين عامًا. في حالة شركات النِّفْط الدولية الكبرى يبلغ المعدل أحد عشر عامًا.١ وبحلول عام ٢٠٤٧، ٩٠ بالمائة من الإمدادات النِّفْطية الجديدة كلها ستأتي من الدول النامية.٢

***

fig27
شكل ١١-١: مشهد لميناء لامبولو في باندا آتشيه، إندونيسيا، يوم السبت ١٠ ديسمبر ٢٠٠٦. (تصوير إنج سوان تي/بلومبرج نيوز.)

بحلول تسعينيات القرن العشرين، ومع اندماج شركات النِّفْط، خُفضت الأخوات السبع إلى خمس فقط. لكن ما كان أكثر إثارة للفزع هو أن الأخوات بِتْنَ يُنتِجْنَ الآن ١٠ بالمائة فقط من النِّفْط والغاز العالميين ويسيطرن فقط على ٣ بالمائة من احتياطيات النِّفْط والغاز العالمية.

كانت الأخوات قد حَكَمْنَ عالم النِّفْط منذ ثلاثينيات القرن العشرين وحتى أواخر ستينياته. ثم هيمنت السعودية ومنظمة الأوبك خلال عَقْد السبعينيات وأوائل الثمانينيات (استمرت السعودية في هيمنتها على عالم النِّفْط خلال التسعينيات وأوائل العَقْد الأول من القرن الحادي والعشرين)، لكن شركات النِّفْط القومية الجديدة كانت آخذة في اللحاق بالسعودية — بل وفي بعض الحالات تقدَّمت عليها — وكانت ميزانيات هذه الشركات تتجاوز عادة تلك الخاصة بشركات النِّفْط التقليدية.

حين أَجْرَتِ النشرة الإخبارية «بتروليم إنتليجنس ويكلي» مسْحًا من أجْل قائمتها السنوية لكبرى الشركات النِّفْطية المطروحة أسهمها للتداول العام والأكثر أهمية في عام ٢٠٠٥، حافظت شركة أرامكو السعودية على موقعها بوصفها الشركة رقم ١، وذلك بسبب الاستثمار الكبير المتواصل في كلٍّ من عمليات المنبع والمصبِّ الخاصة بكل من النِّفْط والغاز الطبيعي. حَظِيَتْ شركات النِّفْط الدولية وشركات النِّفْط القومية بنصيب متساوٍ؛ إذ كان نصيب كلٍّ منهما خمس شركات من الشركات العشر الأولى.٣ كما احتوت قائمة الخمسين شركة الأولى على تسع شركات أمريكية وسبع روسية وثلاث من المملكة المتحدة.

اشتمل المسح على خمس وعشرين شركة مملوكة للدولة وخمس وعشرين شركة خاصة، كانت في مجملها مسئولة عن ٧٥ بالمائة من المعروض النِّفْطي العالمي. ظلت الشركات الغربية الكبرى على حالها أو تدهورت، أما كبرى الشركات العملاقة فكانت الشركات القومية الآتية من روسيا والصين وغيرها من الاقتصادات البازغة. كان من الجليِّ أن ميزان القوى آخذٌ في التحوُّل من كبرى شركات النِّفْط الدولية إلى شركات النِّفْط القومية.

في مواجهة الطلب العالمي المتزايد، ورغم ما واجهتْه الشركات الغربية الكبرى من صعوبات في عمليات اكتشاف النِّفْط، اتَّسمتْ شركات النِّفْط القومية بالشَّرَه في عملية إنتاج النِّفْط. بعض شركات النِّفْط القومية كانت تكتسب مهارات خاصة بها، بينما وَجَدَتْ أخرى طُرُقًا تتجاوز بها عقبة افتقارها للتكنولوجيا. وقد استأجرت هذه الشركات شركات خدمة نفطية من أجْل إمدادها بالمعرفة التي تعوزها. وكان هذا نموذج عمل مختلفًا للغاية عن نموذج الشراكة مع شركات النِّفْط الكبرى.

ثمة عامل آخر تَمثَّل في أن شركات النِّفْط القومية كانت مدعومة من جانب الحكومات، التي كانت تستطيع — إذا ما واتتْها الجرأة — أن تغيِّر شروط العقود كي تُناسب أغراضها. لم تكن الخيارات كثيرة في يد الشركات الغربية الكبرى في مواجهة هذا الموقف؛ إذ لم يكن بوسعها إلَّا قبول الشروط أو حزم أغراضها ومغادرة البلاد، وهو أمرٌ كان على هوى شركات النِّفْط القومية.

أيضًا دخلت السياسة طرفًا في المعادلة؛ إذ صارت أعداد الدول الراغبة في عَقْد صفقات مع الشركات الغربية الكبرى أقل وأقل. ففي ظل كل الشكاوى التي تَجْأَر بها الشعوب المحلية ضد الغرب، كان عَقْد صفقة مع شركة نفط أمريكية كبرى يُمثِّل لأي قائد في دولة نامية انتحارًا سياسيًّا. كانت تلك الدول تُفضِّل أولًا العمل عن كثب مع شركاتها النِّفْطية القومية المملوكة للدولة، وثانيًا التحول نحو العمل مع روسيا والصين.

كانت الشركات الغربية الكبرى تُعاني من معوِّقَيْن خطيرَيْن: طولِ المدة التي يستغرقها تطوير حقول النِّفْط، والحاجةِ لعمل استثمارات رأسمالية طويلة الأمد في مناطق يعوزها الاستقرار. عام ١٩٩٣، اشترتْ إكسون حقوق الحفر قُبَالَةَ سواحل أنجولا، لكن لم يبدأ الإنتاج إلا بعدها بعَقْد كامل. كانت قد استثمرت بالفعل ميزانية تطوير الآبار الخاصة بها خلال عام ٢٠٠٧، في ظل استثمار ٥٠ مليار دولار في ثمانين مشروعًا. وحتى حين صار الحقل جاهزًا للعمل على نحو مُدِرٍّ للرِّبْح، ربما تجد الشركات الغربية الكبرى نفسَها مجبَرة على إنهاء العمل به بسرعة في حالة وقوع أعمال إرهابية أو نشوب حروب أهلية.

fig28
شكل ١١-٢: الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، إلى اليمين، يُحيِّي الرئيس النيجيري أولوسيجون أوباسانجو قبل بَدء القمة الخامسة لمجموعة الدول الثماني الإسلامية النامية في نوسا دوا، بالي، بإندونيسيا، يوم السبت الموافق ١٣ مايو ٢٠٠٦. كانت حركات التمرُّد مسئولةً عن اختطاف عمال نفط أجانب في منطقة الدلتا بنيجيريا. وفي عام ٢٠٠٦ أَجبَرَتْ عمليات الاختطاف والهجمات شركةَ شِل أويل على وقف نحو ١٩ بالمائة من إنتاجها اليومي في نيجيريا، التي تُعَدُّ الدولة الأولى أفريقيًّا من حيث إنتاج النِّفْط. (تصوير سوزان بلانكيت/بلومبرج نيوز.)

كانت الدول هي المسيطرةَ على السواد الأعظم من النِّفْط العالمي، وكانت فِرَق من الشركات الغربية الكبرى أمثال إكسون موبيل تستكشف وتحفر الآبار إلى جوار شركات أخرى حكومية، عادة في دول آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية؛ حيث كان الفساد الحكومي والانقلابات والإرهاب حقيقة من حقائق الحياة. وعند سقوط إحدى الحكومات أو عند سيطرة المتمرِّدين على منطقة ما، كان على الشركات الغربية الكبرى أن تتحرك بسرعة. هذا هو ما حدث في إقليم آتشيه شمالِيَّ إندونيسيا في عام ٢٠٠١، حين هوجم موظفو أحد حقول الغاز العملاقة من جانب الانفصاليين المحليين الذين طالبوا بأن يكون لهم حق في عوائد الغاز بالمنطقة، وكان إجلاء الموظفين أمرًا حتميًّا.

كانت إكسون موبيل تستخرج من الغاز الطبيعي في آتشيه كل عام ما قيمته مئات الملايين من الدولارات، لكن هذا الحقل، الواقع في منتصف منطقة صراع، كان تحت الحصار. في وقت لاحق أُعيد افتتاح حقول الغاز في آتشيه، لكن تعيَّن وقتَها على إكسون موبيل أن تُواجِه جماعات حقوق الإنسان التي اتَّهمَتِ الشركة بمساندة نظام قمعي في إندونيسيا. وبعد الهجمات مباشرة رُفعت دعوى قضائية ضد إكسون موبيل من جانب سكان القرى الذين اتهموا الشركة بتجاهل القسوة التي كان يتعامل بها الجنود الإندونيسيون الذين عملوا كقوات حراسة للمنشأة (كان للجيش الإندونيسي تاريخ من انتهاكات حقوق الإنسان). وأنكرت الشركة تلك الاتهامات.

إلا أن مشكلة الشركات الغربية الكبرى٤ هي مشكلة داخلية أيضًا. فهي أيضًا محلُّ هجوم من جانب المساهمين النشطاء بها (وإن كان على نحو أقلَّ عنفًا ممَّا في حالة حقول الغاز في آتشيه) الذين يطالبون بإعادة شراء الأسهم وبحصص خاصة من الأرباح.

ومع هذا، ورغم كل هذه الظروف، لا أحد يتَوَقَّع انهيار الأخوات بسرعة. عام ٢٠٠٨، كانت إكسون موبيل لا تَزَال تُنتِج من النِّفْط أكثر مما تُنتِجه العراق، وتُنتِج بريتيش بتروليم من النِّفْط أكثر مما تُنتِجه الكويت، ومن الغاز أكثر مما تُنتِجه السعودية. وقد وجد المحلِّلون الذين كانوا يسقطون الشركات الكبرى من حساباتهم مفاجآت عديدة، على الجانب الإيجابي، مرة تلو الأخرى، رغم أن الأرباح الزائدة كانت ناتجة في الغالب عن ارتفاع أسعار النِّفْط وهوامش الربح المرتفعة عند مضخات النِّفْط.

fig29
شكل ١١-٣: صورة لمنطقة وسط مدينة باندا آتشيه في العاشر من ديسمبر ٢٠٠٦. خاض الإندونيسيون حربًا انفصالية لمدة ٣٠ عامًا، أذكاها الغضب الناجم عن أن الثروة الآتية من النِّفْط والغاز لم يَستَفِدْ منها السكان المحليون. (تصوير إنج سوان تي/بلومبرج نيوز.)

ما هي احتمالات أن تُعِيد الشركات الغربية الكبرى تجديدَ نفسِها من خلال المزيد من الاكتشافات النِّفْطية؟ في الوقت الحالي ليست الاحتمالات جيِّدة. ثمة خلاف بشأن سبب ذلك، لكن شركات النِّفْط الكبرى لم تَقُمْ باستثمارات كبيرة في الخدمات والتكنولوجيا المتعلقة بمجال النِّفْط. الإجابة البديهية هي أن مثل هذه الاستثمارات هي استثمارات طويلة المدى، وهناك قدْر من عدم اليقين يحيط بأسعار النِّفْط لدرجة أن الشركات متردِّدة في الاستثمار في التكنولوجيا الباهظة التي لن تكفي عوائدها لتغطية تكاليفها.

لكنْ ما هو مستقبل شركات النِّفْط الكبرى؟ وفقًا لكيم كاتيتشيس، رئيس صندوق الأسواق العالمية البازغة والأسهم الآسيوية، التابع لشركة سكوتيش ويندو إنفستمنت بارتنرشيب: «ستكون شركات النِّفْط الكبرى مُجبَرة على تفتيت أنشطتها القيِّمة وتوزيعها. سيهدئ هذا المستثمرين، كما سيزيد القيمة، لكنه سيؤدِّي على نحو حتمي إلى رأس مال سوقي أصغر. وفي نهاية المطاف، ستصير شركات النِّفْط الكبرى شركات صغرى.

في الواقع، ليس هذا صحيحًا مائة في المائة. فشركات النِّفْط الكبرى ستظل الكبرى، لكنها ستتحدث بالصينية والروسية والبرتغالية. سوف تتوسع مضاعفات التقييم الخاصة بشركات النِّفْط العاملة في الأسواق البازغة، وذلك مع الإقرار بأسسها المتفوقة. هذه الشركات هي الرابحة؛ لأن نسب إحلال الاحتياطيات الخاصة بها تُواصِل التوسع، ويبلغ نمو إنتاجها المستقبلي أكثر من ٥ بالمائة، وتزداد ربحيتها. ماتتْ شركات النِّفْط الكبرى، عاشتْ شركات النِّفْط الكبرى.»٥

كان التغيير الكبير في صناعة النِّفْط هو العددَ المتزايد من الشركات الآتية من دول العالم الثالث؛ إذ مثَّل هذا تحدِّيًا لكل قواعد الاقتصاد، وكان مؤشرًا قويًّا على مدى حاجتنا لتعريف جديد لمصطلح «العالم الثالث». لقد صار جليًّا تمامًا في نظر الغرب أن دول العالم الثالث وشركاته كانت قوية وقادرة على المنافسة بما يكفي لتحدِّي المؤسسات الغربية.

شركات النِّفْط الخمس عشرة الكبرى على مستوى العالم، عام ٢٠٠٧٦

(١) أرامكو السعودية (المملكة العربية السعودية).٧

(٢) الشركة الوطنية الإيرانية للنِّفْط (إيران).

(٣) إكسون موبيل (الولايات المتحدة الأمريكية).

(٤) بريتيش بتروليم (بريطانيا).

(٥) بتروليوس دي فنزويلا، إس إيه (بي دي في إس إيه) (فنزويلا).

(٦) رويال دَتش شِل (بريطانيا وهولندا).

(٧) مؤسسة البترول الوطنية الصينية (سي إن بي سي) (الصين).

(٨) كونوكو فيليبس (الولايات المتحدة).

(٩) شيفرون (الولايات المتحدة).

(١٠) توتال (فرنسا).

(١١) بيميكس (المكسيك).

(١٢) غازبروم (روسيا).

(١٣) سوناطراك (الجزائر).

(١٤) مؤسسة البترول الكويتية (الكويت).

(١٥) بتروبراز (البرازيل).

ما جعل القوة المتزايدة لشركات النِّفْط القومية أشد تأثيرًا هو حقيقة أن عوائد الأخوات تعززت، وذلك مع اندماج شركات النِّفْط، التي لم تكن تبيع النِّفْط والغاز فقط، وإنما أيضًا الديزل والبتروكيماويات، وهو ما جعل عوائدها أعلى كثيرًا من تلك الخاصة ﺑ «أخواتها».

كان التأميم في دول العالم النامي هو ما جعل شركات النِّفْط القومية مهيمِنة، وقد بدأ عام ١٩٦٠ مع تأسيس منظمة الأوبك في بغداد. كانت تلك هي المرة الأولى التي تتَّحد فيها مجموعة من الدول معًا بهدف تنسيق السياسات الحكومية بشأن النِّفْط وأسعاره. كانت تلك أيضًا هي المرة الأولى التي تأخذ فيها تلك الدول المنفردة زمام السيطرة على النِّفْط بنفسها، بدلًا من الاعتماد على شركات النِّفْط الدولية من أجْل تزويدها بالموارد والمعرفة الفنية اللازمة لعمل قطاع النِّفْط. في الماضي، ولأن إنتاج النِّفْط صناعة عالية المستوى من حيث المعرفة ورأس المال، ركزت هذه الدول المنفردة مواردها الطبيعية في عدد قليل من الشركات أو احتكار منفرد. وكانت الحكومة تتنازل عن الرِّبْح من بيع حقوق الثروة المعدنية لشركة خاصة في مقابل الحصول على خبرات الشركة والتكنولوجيا الخاصة بها.

مع ظهور شركات النِّفْط، قدَّمت تلك المهارات التكنولوجية على أساس تعاقدي، لكنها لم تطالب بحصة مشاركة في الموارد النِّفْطية. والآن لدى شركات النِّفْط القومية الخيار؛ إما أن تستخدم شركات الخدمات الخاصة بحقول النِّفْط، وإما أن تدخل في مشروع مشترك مع شركات النِّفْط الكبرى، رغم أن شركات النِّفْط القومية صارتِ الآن في وضْع تفاوُضي أفضل كثيرًا. بدأتْ شركات النِّفْط القومية الدخولَ في مشاريعَ مشتركة يُوافِق فيها الطرفان على إنشاء كيان جديد، ويُسهِمان بحصص الملكية، ويتشاركان في العوائد، ويُهَيْمِنان على المؤسسة. ومن الممكن أن يقتصر الكيان الجديد على مشروع واحد مشترَك أو يُمثِّل علاقة عمل دائمة. وعلى النقيض من «التحالف الاستراتيجي»، لا يتطلَّب المشروع المشترك من أيٍّ من الطرفين التخلِّي عن أيِّ حصص ملكية، وكان اتفاقًا أقلَّ رسميةً بدرجة كبيرة. كانت هناك فوائد جمَّة للطرفين، لكن للأسف، تمتَّعتِ المشروعات المشتركة بسمعة سيئة سواء بالفشل المتكرِّر أو عدم الاستقرار، خاصة حين كان الطلب مرتفعًا وكانت التكنولوجيا في حالة تغيُّر دائم.

أحد تلك المشروعات المشتركة ذلك المشروع القائم بين بتروليوس دي فنزويلا (فنزويلا) وبيلاروسنيفت (روسيا البيضاء)، الذي تَشكَّل في ديسمبر ٢٠٠٧ بهدف استكشاف وتطوير حقول النِّفْط والغاز الطبيعي. سيركز المشروع المشترك الجديد على الحقول الموجودة في غرب فنزويلا. ستسيطر بتروليوس دي فنزويلا على ٦٠ بالمائة من الشركة، فيما تسيطر بيلاروسنيفت على ٤٠ بالمائة منها. وبعد أن ساءت علاقة الرئيس الفنزويلي (الراحل) هوجو شافيز بشركات النِّفْط الدولية، طلب من شركات معينة أن تَقبَل بحصص أقلية في منطقة أورينوكو؛ بحيث تكون السيطرة لبتروليوس دي فنزويلا. رفضت كلٌّ من إكسون موبيل وكونوكو فيليبس العرض وغادرت فنزويلا. أما الشركات الأخرى — توتال، وستات أويل إيه إس إيه، وشيفرون، وبي بي — فاختارت البقاء.

في الماضي، كانت الأخوات تُقرِّر بحرِّيَّتها أين توجِّه مواردَها وأين تحفر. الآن صار الموقف معكوسًا. فبدلًا من وجود قِلَّة من الدول تسعى للَفْتِ انتباه الأخوات، صار الآن طابور طويل من شركات النِّفْط القومية يسعى لتكوين مشروعات مشتركة مع الشركات الكبرى.

كانت الهند إحدى الدول التي حاولت دون نجاح أن تدخل في مشروعات مشتركة مع شركات النِّفْط الدولية. لكن في ربيع عام ٢٠٠٨، بدا أن حظ الهند في سبيله للتغيُّر؛ إذ تعزَّزت جهودُها الهادفة لتحقيق الأمن في مجال الطاقة في أبريل ٢٠٠٨ حين بدأت دبلوماسيتها النِّفْطية تؤتي ثمارَها في أكثر من قارة. ففي أمريكا الجنوبية، وقَّعتِ الهند اتفاقًا مكَّنها من الدخول في مشروع مشترك من أجل التنقيب عن النِّفْط والغاز في فنزويلا، كما تفاوضت شركات هندية على المشاركة في مشروعات نفطية في تركمانستان في وسط آسيا. وفي حَدَث آخَر مُهِمٍّ، عزَّزت الهند جهودها الهادفة للتودُّد إلى الدول الأفريقية الغنية بالنِّفْط عن طريق استضافة القمة الهندية الأفريقية الأولى.

في فنزويلا، وقَّعت شركة أُو إن جي سي فيديش المحدودة، الذراع الخارجية لمؤسَّسة النِّفْط والغاز الطبيعي الحكومية، اتفاقًا مع بتروليوس دي فنزويلا الفنزويلية لضخ ٢٣٢٫٣٨ مليون برميل من النِّفْط الخام على مدار خمسة وعشرين عامًا. كانت الهند قد انخرطت في مساعٍ دبلوماسية نفطية جريئة. وتمثِّل قدرة الهند الحالية على المنافسة في الدخول في مشروعات نفطية مشتركة مؤشرًا على أن شركات النِّفْط الدولية صارت أضعف حالًا بوضوح.

(١) التفاوض على شروط أفضل

بدأت شركات النِّفْط القومية، إذ ازدادت قوة، في الحصول على شروط أكثر إيجابية في اتفاقاتها مع الشركات الغربية الكبرى. واجهتِ الشركات الخاصة العاملة بالخارج خيارين أحلاهما مُرٌّ: فإما أنْ تَقبَل بالشروط الجديدة وإما أن تُغادر البلاد. وبطبيعة الحال عندما كانت تلك الشركات تُغادر، كانت الشركات القومية تسيطر على نسبة ١٠٠ بالمائة من حقول النِّفْط الخاصة بدولتها ويصير بإمكانها أن تتعاقَد من الباطن من أجْل الحصول على الخدمات الخاصة بحقول النِّفْط.

(١-١) مثال توضيحي: المملكة العربية السعودية

حين أُنشِئت شركة أرامكو في الأساس في ثلاثينيات القرن العشرين، استمرت الشركات الخاصة المكوِّنة لها في جَنْيِ السواد الأعظم من أرباح ذلك المشروع. وتعيَّن على السعودية الانتظار حتى السبعينيات كي تتفاوض، وهي مزهوة بانتصارها الضمني في معركة الحظر النِّفْطي، من أجْل الحصول على نسبة ٢٥ بالمائة من عوائدها النِّفْطية. وبحلول عام ١٩٨٠ لم تَعُد هناك مفاوضات مشتركة؛ إذ باتتِ السعودية تمتلك ١٠٠ بالمائة من الشركة. لقد نجحت عظمى شركات النِّفْط القومية قاطبة في إخراج كبرى الشركات الخاصة من الحلبة.

بين خمسينيات القرن العشرين وسبعينياته، حصلت دول عديدة في الشرق الأوسط على استقلالها عن القوى الاستعمارية. وفي استعراض لاستقلالها الاقتصادي، أمَّمتِ الكثيرُ من هذه الدول الأصولَ المملوكة لشركات النِّفْط الغربية. (طُردت الأخوات السبع ببساطة من هذه الدول، وتحددت التعويضات التي تلقَّتْها مقابل استثماراتها والتكنولوجيا الخاصة بها من طرف الدول المضيفة وحدها.)

كان عالمًا جديدًا بالكامل. وبحلول أوائل العَقْد الأول من القرن الحادي والعشرين كانت شركات النِّفْط القومية، من ضمنها أرامكو، متقدِّمة بقدْر كبير عن شركات النِّفْط الغربية الكبرى في كلٍّ من الأرباح والاحتياطيات النِّفْطية. كانت لدى أرامكو السعودية احتياطيات تزيد عشرين ضعفًا عن احتياطيات إكسون موبيل، وهي أكبر منتِج خاص للنِّفْط. لكن العديد من شركات النِّفْط القومية (من الاستثناءات البارزة كلٌّ من ماليزيا والنرويج والبرازيل) لا تزال تفتقر لخبرات الشركات الخاصة. لذا كان بمقدورها إكمال الأجزاء الأقل تعقيدًا من عمليات الحفر والاستكشاف، لكن لم يكن بإمكانها استغلال الاحتياطيات كلها بالكامل. ونتيجة لذلك، بات العالَم يحصل على قدْر أقلَّ من الوقود مما كان يحدث إبَّان هيمنة الشركات الاحتكارية.

(٢) الديكتاتوريات النِّفْطية

العديد من شركات النِّفْط القومية كانت تعمل في ظل حكومات ديكتاتورية لها زعماء يتصفون بالجشع والفساد. هؤلاء الزعماء وَعَدوا باستخدام عوائد النِّفْط في دَعْم قضايا الرعاية الاجتماعية لشعوبهم، لكن كالمعتاد كان الفقراء يحصلون على القليل من الفوائد فيما استخدم الزعماء عوائد النِّفْط في إثراء جيوبهم. عَمَدَ الكثير من شركات النِّفْط القومية للتصرف بتنمُّر على المستوى الدولي، بل في الواقع، كان لهذه الشركات؛ تلك الديكتاتوريات النِّفْطية، تأثير عالمي بالغ. وبسبب تصرفات بعض هذه الدول — وبالأخص روسيا وفنزويلا وتشاد وإيران وبعض دول الشرق الأوسط — بدا عالم النِّفْط أكثر توتُّرًا وخطورة مما كان عليه لسنوات.

إحدى أقوى شركات النِّفْط القومية — بخلاف أرامكو السعودية — هي مؤسسة البترول الوطنية الصينية، التي تَملِك حصَّة قدْرها ٨٨ بالمائة في بتروتشاينا، التي تعمل في اثنتين وعشرين دولة. في بعض الجوانب، بدت شركات النِّفْط القومية وكأنها تتصرف مثل شركات النِّفْط الدولية؛ إذ تضخُّ أموال الاستثمار في الصناعات النِّفْطية الخاصة بدول أخرى. وقد ضخت مؤسسة البترول الوطنية الصينية ٨ مليارات دولار في صناعة النِّفْط السودانية النامية.

في حالات أخرى — من بينها بتروناس (ماليزيا) وبتروبراز (البرازيل) — كانت شركات النِّفْط القومية تتنافس مع شركات النِّفْط الكبرى من حيث توزيع التكنولوجيا. كانت بتروبراز قد طورت تكنولوجيا متقدِّمة لاستخراج النِّفْط من المياه شديدة العمق كتلك الموجودة قُبَالَةَ ساحل البرازيل، وقد مكَّن هذا التطوُّر التكنولوجي بتروبراز من التنافُس مع بريتيش بتروليم وإكسون موبيل في أنجولا.

عملت بتروناس الماليزية في السودان وبورما إلى جانب أربع وعشرين دولة أخرى؛ إذ جاء نحو ٣٠ بالمائة من عوائدها النِّفْطية من الخارج. أما الشركة الوطنية الإيرانية للنِّفْط فتَعقِد شراكات مع شركات نرويجية وهولندية وفرنسية وإيطالية، علاوة على دخولها في مشروعات مشتركة مع مجموعات صينية وروسية. وبنهاية عام ٢٠٠٦، لم تَعُد بريتيش بتروليم وشِل هما القائدتين للبورصات العالمية؛ إذ سَحَبَتْ شركةُ النِّفْط القومية الروسية (غازبروم) والمؤسسة الوطنية الصينية للنِّفْط البحري وبتروتشاينا البساطَ من تحت أقدامهما. وحدها إكسون موبيل بَدَتْ قادرة على مضاهاة «الإخوة» الجُدُد في البورصات.

ومع ذلك، كانت شركات النِّفْط القومية ينقصها نحو ٢٠ مليار دولار من الأموال المطلوبة لاستخراج القدْر الأقصى من النِّفْط من الأراضي التابعة لها. وقد تفهَّمتْ أن السبيل الوحيد الذي يمكنها أن تجتذب به ذلك النوع من الاستثمارات هو التعاون بعضها مع بعض، وهذا هو الهدف الأساسي من وراء مؤتمر لندن.

في المعتاد، كانت الحكومات المضيفة تتردَّد في السماح لشركات النِّفْط القومية التابعة لها بإعادة استثمار الأرباح النِّفْطية في الصناعة، مفضِّلة بدلًا من هذا أن تنفق الأرباح على مشروعات لم تكن منتِجة بالنسبة إلى صناعة النِّفْط أو على تقليل الفقر بالدولة. وقد فضَّلت دول غنية بالنِّفْط، كفنزويلا وإيران والعراق — والتي تمتلك ثاني أكبر احتياطيات نفطية على مستوى العالم — استغلال النِّفْط الذي أنتجتْه وباعتْه من أجْل تفخيم صورتها الشخصية بدلًا من دفع صناعاتها النِّفْطية المحلية للعمل بأقصى طاقتها.

على سبيل المثال، أنفق الرئيس الفنزويلي هوجو شافيز ثُلُثَيْ ميزانية بتروليوس دي فنزويلا البالغة ٧ مليارات دولار على برامجه الاجتماعية، التي كانت موجَّهة لدعم مكانته السياسية. ولو أن هذه الأموال استُخدمت بدلًا من ذلك في دعم البنية التحتية النِّفْطية الفنزويلية، كان من شأنها أن تجلب مزيدًا من الأموال على المدى البعيد. وقد أدَّى قرار شافيز بتحويل بتروليوس دي فنزويلا إلى أداة تحقق مصالحَه السياسية إلى انخفاض في قدْرة الشركة الإنتاجية منذ عام ١٩٩٩.

ونتيجة لقرار الحكومة المكسيكية الحدَّ من الاستثمار الأجنبي، شهدت شركة النِّفْط القومية بالمكسيك، بيميكس، هي أيضًا انخفاضًا في إنتاج النِّفْط. تنبَّأ بعضُ المحلِّلين بأنَّ مِن شأن الانخفاض السريع في إنتاج حقل كانتاريل بالمكسيك أن يحوِّل ذلك البلد — ثالث أكبر مورِّد للنِّفْط للولايات المتحدة — إلى مستورِد صافٍ في غضون عشر سنوات.

كما أنه بسبب إبقاء الشركة الوطنية الإيرانية للنِّفْط أسعار الغاز عند ٤٠ سنتًا للجالون للمستهلكين الإيرانيين المحليين، كانت هذه الشركة عاجزة عن زيادة إنتاجها النِّفْطي أو إصلاح مصافيها.

روسيا أيضًا كان حريًّا بها أنْ تستثمر في عملية تحديث خطوط أنابيبها العتيقة التي تُعانِي من التسريب، لكنْ لم يوجَّه من أرباح غازبروم إلى هذا المَسعَى المُهِمِّ إلا قدْرٌ يسيرٌ للغاية.

في أواخر الستينيات، كان من الصعب أن نتخيل إقدام حكومات شركات النِّفْط القومية تلك على تحدِّي هيمنة شركات النِّفْط الغربية الكبرى على صناعة النِّفْط، لكن في عام ١٩٦٩، حين اعتَلَى الزعيم الليبي معمر القذافي سُدَّة الحكم، كان هذا تحديدًا هو ما هدَّد بعمله.

وعلى مدار أوائل سبعينيات القرن العشرين وأواسطه، عملت دول الأوبك على تأميم صناعاتها النِّفْطية، لكن لم يظنَّ أحدٌ أن الحكومات القومية ستكون يومًا ما في موضع يُمكِّنها من إملاء الأسعار. لقد جاء التحول في ميزان القوى من «الأخوات» إلى «الإخوة» نتيجة انتعاش نوعية التأميم التي بدأت في المكسيك في الثلاثينيات وفي الشرق الأوسط في السبعينيات. فقط حين انخفضت أسعار النِّفْط في أواخر الثمانينيات والتسعينيات تباطأت هذه الحركة، لكن في أوائل العَقْد الأول من القرن الحادي والعشرين كان التحوُّل في ميزان القوى نحو «الإخوة» وشركات النِّفْط القومية الأخرى واضحًا بقوة.

تأميم شركات النِّفْط الكبرى: تيارٌ متغيِّر

• العراق: تأممت عام ١٩٧٢.

• ليبيا: تأممت عام ١٩٧٣.

• إيران: تأممت عام ١٩٧٣.

• فنزويلا: تأممت عام ١٩٧٥.

في أوائل العَقْد الأول من القرن الحادي والعشرين، لم تستطع شركات النِّفْط الدولية العثور على حقول نفط جديدة في الغرب؛ لذا ركزت على حقول النِّفْط في آسيا. اكتُشف حقل كاشاجان الكازاخستاني، الواقع في الجزء الشمالي من بحر قزوين، في عام ٢٠٠٠. كان ذلك أحد أكبر الاكتشافات في حقبة النِّفْط الحديثة. كان حقل كاشاجان ملكًا لشركة إيني وشريكاتها؛ إكسون موبيل وتوتال وشِل وكونوكو فيليبس وكازمونايجاز وإيمبكس. (أدَّى مزيج من العقبات المادية الملموسة والتدخلات السياسية إلى تأجيل الإنتاج حتى عام ٢٠١٢.)

في يناير ٢٠٠٤، بدأت الحكومة الروسية اتِّخاذ إجراءات مرتكنة على سيادتها القومية. فقد أعلنت أنها تتَوَقَّع أن يُدفَع لها مليار دولار مقابل إصدار ترخيص باستكشاف وتطوير أحد حقول سخالين الثلاثة للغاز والنِّفْط، وتحديدًا منطقة كيرينسكي. كانت هذه المطالبةُ بدفع مبلغٍ أكبرَ مُقابلَ الترخيص تعني فعليًّا فسْخَ مناقصة أُجريتْ عام ١٩٩٣ منحتْ كلًّا مِن إكسون موبيل وشيفرون تكساكو وروسنفت حقوقَ الاستكشاف نفسَها. كان هذا أمرًا مباغتًا لإكسون موبيل، التي استثمرت بالفعل ٨٠ مليون دولار في المشروع. وفي نهاية عام ٢٠٠٦ سيطرت الحكومة الروسية على مشروع الغاز الطبيعي الخاص بشركة شِل في جزيرة سخالين والبالغة قيمته ٢٠ مليار دولار. إضافة إلى ذلك، أعلنت الحكومة الروسية أن غازبروم ستلعب دورًا رئيسيًّا في تطوير حقل غاز أركتيك شتوكمان العملاق، وهو ما يعني أن «الأخوات» وحلفاءها من شركات النِّفْط الدولية ستكون في مرتبة أدنى بوصفها مجرَّد مقدِّمة خدمات.

عام ٢٠٠٦، استخدمت بوليفيا جيشَها من أجْل السيطرة على العديد من حقول النِّفْط والغاز. أبقى البوليفيون هذه الحقول بمثابة رهائن، منتظرين موافقة شركائهم من القطاع الخاص على إعادة التفاوض على الاتفاقيات.

في الماضي، حين كانت الأخوات السبع والحكومات القومية تختلف بشأن كيفية العمل معًا، كانت الشركات تحزم أغراضها وتتحول إلى أمريكا الشمالية وبحر الشمال، لكن هذه الأيام ولَّتْ وانقضتْ. لقد صارتْ فُرَص العثور على النِّفْط في أيِّ مكان بالعالم شحيحة للغاية، لدرجة أن الأخوات لم يَعُد بمقدورها أن تُغادِر ببساطة لأن دولة ما ترغب في إعادة التفاوض بشأن شروط أحد العقود.

في سبتمبر ٢٠٠٧ أصدرت فنزويلا قانونًا يمنح شركة النِّفْط القومية بها، بتروليوس دي فنزويلا، حصة الأغلبية في حقول حزام أورينوكو للنِّفْط الثقيل، أكبر حقول من هذه النوعية في العالم. أمَّنتْ فنزويلا لنفسِها عوائد مقدارها ٣١ مليار دولار عن طريق استخدام مثل هذه الأساليب، لكن هذه الخطوة — على نحو غير مفاجئ — نفَّرت العديد من المنتِجين الأوروبيين الكبار، منهم شركة توتال الفرنسية وإيني الإيطالية.

في الواقع الجديد، كانت التوترات تبلغ نقطة الغليان، لكن لم يتَوَقَّع أحد أن يفور القِدْر في المستقبل الجديد. فقادة عالم النِّفْط — بغضِّ النظر عن مدى كِبَر احتياطياتهم أو مدى عِظَم ما يجنونه من أرباح نفطية — يبدو أنهم لم يكونوا مستعدِّين لخَوْض الحروب من أجْل حماية مواردهم النِّفْطية. كانت الصين تُسلِّح الدول الأفريقية من أجْل مساعدتها في الدفاع عن نفسها ومواردها النِّفْطية، لكن لم يَبْدُ الصينيون مستعدِّين للمسارعة بمساعدة دولة أفريقية قد تتعرَّض لهجوم من طرف منظمة ثورية تحاول السيطرة على النِّفْط.

في صيف عام ١٩٩٠ حاربتِ الولايات المتحدة العراق على خلفية غزو الأخيرة للكويت، وفي الوقت ذاته كانت تُنكِر أن الأمر له أي علاقة بالنِّفْط. آمنت الولايات المتحدة بأنها إذا لم تُوقِف العراق فإن العراق ستقوم في المستقبل القريب للغاية بغزو أكبر دولة نفطية في العالم؛ السعودية.

في مارس ٢٠٠٣ غزت الولايات المتحدة العراق مرة ثانية، على خلفية معلومات استخباراتية تقضي بأن العراق تملك أسلحة للدمار الشامل وأنها قد تستخدمها. تَملِك العراق ثانيَ أكبر احتياطي للنِّفْط في العالم (بعد السعودية)، لكنَّ الأمريكيين أصرُّوا أن الأمر لم يكن له علاقة بالنِّفْط!

وفي مقابلة مع شبكة الجزيرة أخبرَ وزيرُ الدفاع الأمريكي وقتَها دونالد رامسفيلد المحاوِرَ: «الفكرة الوحيدة التي لدينا من أجْل المنطقة هي ألَّا تُنتج أسلحة للدمار الشامل وألَّا تغزو جاراتها، وأن تكون سلمية.» ولهذا السبب بعد أن أحرق العراقيون حقولَهم النِّفْطية في الساعات الأولى للحرب، تعمَّدتِ الولايات المتحدة عدم الإجابة على المسألة الخاصة بإعادة بناء حقول النِّفْط؛ خوفًا من أن تتهمها بقية دول العالم على الفور بأنها تسعى للسيطرة على هذه الحقول. ولم يُمْضِ الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش سوى وقتٍ قليل في محاولة تنظيم برنامج تقوده العراق من أجْل التشارك في ثروتها النِّفْطية الحالية، بل كان مقتنعًا ببساطة بأن الولايات المتحدة يجب أن تكون وحدَها المصدَرَ الوحيد للحماية وأنَّ عليها أن تمنَعَ حقولَ النِّفْط من السقوط في أيدي إيران أو تنظيم القاعدة.

في أعيُن بعض المُحلِّلين في وول ستريت وواشنطن العاصمة، كان جليًّا أن النِّفْط يقع في قلب أغلب الصراعات الدولية الجارية. وكانت احتمالية نشوب العنف آخذة في التزايُد. في السابع من يناير ٢٠٠٨ اتجهتْ خمسة زوارق حربية إيرانية سريعة صوبَ ثلاث سفن أمريكية في المياه الدولية على نحو «استفزازي للغاية» حسب تعبير أحد القادة بالبحرية الأمريكية. اقتربت الزوارق الإيرانية حتى مسافة ٥٠٠ ياردة من السفن الأمريكية، وخلال ذلك الحادث كان صوت إيراني يَبُثُّ إذاعيًّا للأمريكيين رسالةً تقول: «أنا قادم إليكم. ستنفجرون في غضون دقائق.»٨

بَدَتِ احتمالية نشوب القتال بين الطرفين الأمريكي والإيراني مرجَّحة؛ فسُفُن كِلَا الدولتين كانت في مضيق هرمز، الذي تمرُّ منه ٢٨ بالمائة من النِّفْط العالمي كله، وحيث توجد ٥٥ بالمائة من احتياطي النِّفْط الخام العالمي. وفي النهاية، أحجَمَتِ السفن الأمريكية عن إطلاق النار، مع الأخذ في الاعتبار أنها كانت على وشك إطلاق النار على الزوارق الإيرانية قُبَيْلَ أن يُغيِّر الإيرانيون وِجْهَتَهم ويَعودوا أدراجَهم، وهو ما أنْهَى ذلك الموقف.

على مدار سنوات عديدة قبل تلك المواجهة البحرية، كانت الولايات المتحدة تَجِدُّ في طلب الدعم الدولي لإجبار إيران على وقف برنامج الأسلحة النووية الخاص بها، لكن الولايات المتحدة لم تنجح في مسعاها. يقول المنتقدون إن الولايات المتحدة كانت تبحث عن ذريعة وحسب من أجْل قصف الإيرانيين، مع الاحتفاظ بقوات أمريكية في إيران من أجْل «حماية» حقولها النِّفْطية. وإذا ما سيطر الأمريكيون على حقول الشرق الأوسط النِّفْطية، فسيساعدون على ضمان استقرار عالم النِّفْط ومِن ثَمَّ استقرار أسعار النِّفْط، وهو ما يُعَدُّ هدفًا أمريكيًّا جوهريًّا.

قال وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس ذات مرة: «إنها منطقة يشوبها التوتر بشدة، وخطر تصعيد أيِّ حادث يقع بها لهو خطر حقيقي. وفي هذا تذكرة لنا بأن هناك حكومةً لا يمكن التنبُّؤ بأفعالها موجودة في طهران.»

وإبَّان وجود الرئيس الأمريكي في القدس في زيارة عَمَل بعدَها بأيام قلائل سأله أحد الصحفيين عن سبب عدم استجابة الولايات المتحدة للتحرشات الإيرانية، فأشار الرئيس ضمنًا إلى أن الولايات المتحدة لن تتَّسِم بضبط النفس، لو تكرَّر حدوث موقف مشابه، وقال: «ستكون هناك عواقب وخيمة لو هاجموا سُفُنَنا، الأمر بهذه البساطة. ونصيحتي لهم هي: لا تفعلوا هذا!»

لم تكن وول ستريت سعيدة بهذا الموقف؛ إذ ارتفعت أسعار النِّفْط لفترة وجيزة بالتزامن مع هذه الأنباء بينما قَيَّم المتداولون مدى خطورة التهديد الذي يَحِيق بشحنات النِّفْط على امتداد مسار الشحن الحيوي هذا. وقبل أن تعود الأسعار إلى مستواها الطبيعي كانت قد ارتفعت بنسبة ٤٩ بالمائة لتبلغ ٩٨٫٤٠ دولارًا للبرميل. كان من المرجَّح أن يخلق ظهور هذا الصنف الجديد من أباطرة النِّفْط المزيد من المواقف الشبيهة بهذا الموقف والشبيهة كذلك بغزو روسيا لجورجيا.

هوامش

(١) مقال بعنوان: «الخمسة الكبار في صناعة النفط يواجهون مستقبلًا مليئًا بعلامات الاستفهام»، بيزنيس ريبورت، ٢٥ يونيو ٢٠٠٨.
(٢) الأرقام مأخوذة من الوكالة الدولية للطاقة.
(٣) كانت الشركات العشر الأولى هي: أرامكو السعودية، إكسون موبيل، الشركة الوطنية الإيرانية للنفط (إيران)، بتروليوس دي فنزويلا (فنزويلا)، بريتيش بتروليم، رويال دَتش شِل (المملكة المتحدة-هولندا)، بتروتشاينا (الصين)، شيفرون (الولايات المتحدة)، توتال (فرنسا)، وبريميكس (المكسيك).
(٤) الأخوات السبع، في صورتها المجمعة، إضافة إلى بعض الشركات الدولية الكبرى الأخرى.
(٥) مقال بعنوان: «هل انتهى وقت النفط؟» صدر في ٢٠ فبراير ٢٠٠٧ على موقع http://www.ftadviser.com.
(٦) الترتيب مأخوذ من المسح الذي أجرتْه النشرة الإخبارية «بتروليم إنتليجنس ويكلي».
(٧) من الغريب أنه عادة ما نُظر إلى أرامكو السعودية بوصفها من شركات النفط القومية، رغم أن منشأها يجعلها لا تتوافق مع صفات شركات النفط القومية الأخرى.
(٨) أعاد ذلك الحادث إلى الأذهان مباشرة حادثًا آخَرَ سابقًا وقع في مارس ٢٠٠٧، حين ألْقَتْ إيران القبض على خمسة عشر بَحَّارًا وجنديًّا بريطانيًّا في الخليج واتهمتْهم بانتهاك المياه الدولية الإيرانية. أصرَّت لندن على أنهم كانوا في المياه العراقية، ومع ذلك احتُجز البريطانيون لما يُقارِب الأسبوعين.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤