الفصل السادس عشر

ما بعدَ التحوُّل في ميزان القوى: إلى أين يقودنا كلُّ هذا؟

دولة أوروبية كُبْرَى تغزو دولة مجاورة ذات سيادة، وتستولي عليها، وتقصف مواطنيها بالقنابل، وتقتحمها بدباباتها دون رادع.

سفينة حربية تابعة لدولة شرق أوسطية تقترب من حاوية نفط أمريكية لتجعلها في مرمى نيرانها وتُهدِّد بفَتْح النار عليها في ممرِّ شحن نفطي دولي.

القراصنة قُبَالَةَ سواحل الصومال يُهاجِمون السفن في ممرات قناة السويس البحرية، ويطلبون فدية مقابل الطواقم والبضائع ويُجبِرون العديد من السفن على استخدام طريق أطول وأعلى تكلفة من خلال الدوران حول رأس الرجاء الصالح.

دولة غرب أفريقية تحكمها عصابات وقُطَّاع طُرُق تبتزُّ المال من الغرب، وفي الوقت ذاته تتنصَّل من الْتزاماتها نحو البنك الدولي.

حروب أهلية … أعمال قتْل … نزوح للسكان … أسعار غذاء متضخمة … فساد … انتهاكات لحقوق الإنسان … ابتزاز دولي … استيلاء على ممتلكات …

إن أمثلة التغيُّرات التي أحدَثَها التحوُّل في ميزان القوى عديدة، منها الكبير والصغير. ما الذي سيعنيه النظام النِّفْطي الجديد للعالم؟ إلى أين سيقودنا؟ هل لدَيْنا أيُّ خيار، أم أننا فقدْنا السيطرة على الموقف؟

***

fig40
شكل ١٦-١: توربينات رياح موجودة في مزرعة هاساكي للرياح في مدينة كاميسو، بمحافظة إيباراكي، اليابان يوم الثلاثاء ٧ يوليو ٢٠٠٩. (تصوير توموهيرو أوسوميل/بلومبرج نيوز.)

يعني التحول في ميزان القوى أن اللاعبين الجُدُد في عالَم النِّفْط قد هَجَروا القواعد القديمة، وأن أطرافًا جديدة تُحاوِل أن تسيطر على زمام الأمور. وأهداف هؤلاء اللاعبين الجدد لا تختلف عن أهداف اللاعبين القُدَامى؛ أن يَجنُوا أكبرَ كمٍّ ممكن من المال، لكنَّ الاختلاف يكمن في أن هؤلاء اللاعبين الجدد لا يتمتعون بالنظرة نفسها الطويلة المَدَى التي تمتَّع بها أقرانُهم في السابق. وأغلب هؤلاء لن يُكتَب لهم البقاء على المَدَى البعيد. إنهم يريدون التمسك بالسلطة التي صاروا يحوزونها لأطول وقت ممكن، واكتناز المال تحسبًا ليوم يَنتَزِع فيه طرف آخَر أقوى أو أبرع أو أكثر همجية تلك السلطة منهم. إنهم لم يفكروا في بناء دِوَلِهم.

سيؤدي التحول في ميزان القوى إلى نشوب العنف على المدى القصير، بينما تقاتل دولةٌ دولةً أخرى على آخِر بقايا الوقود الحفري الذي سيُستهلَك في النهاية بشكْل مؤكَّد تمامًا مثلما استُهلك زيت الحيتان الخاص بالمصابيح منذ أكثر من مائة عام خلَتْ. وسيؤدِّي هذا إلى ندرة في المحاصيل الزراعية بينما تسعى الدول التي لديها المال إلى أخذ الغذاء من الدول التي لا تمتلك المال من أجْل تحويله إلى وقود.

سيؤدي التحول في ميزان القوى إلى استخدام مؤقت للوقود الحفري غير النِّفْطي — الفحم والغاز الطبيعي — وقد يؤدي إلى استخدام أكثر أمنًا للطاقة النووية. إنه سيؤدي إلى بدائل طاقة جديدة صديقة للبيئة وعالية التكنولوجيا على المدى البعيد؛ لأن جيوب الناس هي التي ستُملِي في نهاية المطاف عليهم الخيارات التي لم تُرشِدهم إليها ضمائرهم. ستتجاوز الطاقةُ الشمسية والطاقةُ الكهرومائية وطاقةُ الرياح وغيرُها من أشكال الطاقة التي لا يمكن تصوُّرها بعدُ مرحلةَ التجارب وتقدِّم لنا حلولًا بالفعل.

fig41
شكل ١٦-٢: ألواح شمسية في محطة للطاقة الشمسية تابعة لشركة أكسيونا إس إيه في أماريليجا بالبرتغال، يوم الثلاثاء ١٤ أبريل ٢٠٠٩. هذه المنشأة بقدْرة ٤٦ ميجاوات تملك قدْرة إنتاجية مقدارها ٩٣ مليون كيلووات/ساعة كل عام، وهي أكبر محطة كهروضوئية في العالَم. (تصوير ماريو بروينكا/بلومبرج نيوز.)

إن ما ميَّز النظام النِّفْطي في الماضي كان مقدار التنظيم الذي اتَّسم به، والقدرة على التنبُّؤ، وسهولة التعامل معه، وهدوءَه النسبي. في الماضي، كانت الهيمنة في يَدِ قِلَّة من الشركات أو الدول، ورغم ما بَدَتْ عليه شركات النِّفْط الكبرى أو السعودية أو الأوبك من ديكتاتورية واحتكار، فإنهم كانوا على الأقلِّ رجالَ أعمال، لا مجرمين. وبوصفهم رجال أعمال، كانوا معنِيِّين بمستقبل أعمالهم مثلما هم معنيون بحاضرها. كانوا يعلمون أن الاستقرار هو أساس العمل؛ ومِن ثَمَّ سَعَوْا إلى الحفاظ على الاستقرار، سواء من حيث المعروض أم الأسعار. في عام ٢٠٠٨، صار العكس تمامًا هو الصحيح؛ إذ صار عدم الاستقرار هو ما يُميِّز النظام النِّفْطي الجديد.

صار من المتعارف عليه في بدايات عام ٢٠١٠ أن الهيمنة على النِّفْط الدولي قد انتقلت إلى عدد متنوع من الأطراف. كثيرًا ما يُذكر اسم السعودية، وإنْ كان السبب هو أنها تُنتِج نصيبَ الأسد من النِّفْط العالمي. لكنْ أحيانًا يُذكر اسم دولة أو أخرى من الدول الأصغر المنتِجة للنِّفْط، أو شركة من الشركات القومية الكبيرة التي تَملِكها الدول، تلك الشركات المسمَّاة شركات النِّفْط القومية. وأحيانًا يُقال إن هذه الهيمنة إنما تقع في أيدي المتاجرين في أسواق العقود الفورية والمستقبلية.

يتسبَّب انعدام القدرة على التنبُّؤ في إصابة السوق بالعصبية. ففي أحد الأيام قد يَصِل سعرُ برميل النِّفْط إلى ١٥٠ دولارًا للبرميل، ثم في يوم آخَر قد ينخَفِض إلى ١١٥ أو ١٠٠ أو ٧٠ دولارًا. في أحد الأيام قد يتنبَّأ الخُبَراء بنفاد النِّفْط في غضون عشر سنوات، ثم في يوم آخَرَ قد يتمُّ اكتشاف حقْل نفط هائل جديد؛ ومِن ثَمَّ تتوارى تَوَقُّعات نفاد النِّفْط قليلًا.

نحن بالفعل نستخدم النِّفْط الثقيل، والنِّفْط المأخوذ من رمال القطران، واحتياطيات النِّفْط الصخري، والأمر الوحيد الذي يجب وضعُه في الحسبان هو أن سعر النِّفْط يجب أن يظل مرتفعًا بما يكفي بحيث يجعل عملية تكرير النِّفْط الثقيل فعَّالة من حيث التكلفة. الأمر الأكثر إثارة للانتباه هو أنه رغم ارتفاع التكلفة المالية لاستخراج وتكرير تلك الأنواع الأثقل من النِّفْط أو أنواع الوقود الحفري عالية الكِبْرِيت، فإن التكلفة البيئية أفدَح بكثير. ويبدو أن السوق والعالَم تفهَّما أخيرًا فكرة أن النِّفْط سلعة محدودة، فلن تكون لقدْرة منتجي النِّفْط على مواصلة إنتاجه لعشرين عامًا أخرى أو خمسين أو حتى مائة أيُّ أهمية على المَدَى البعيد، وصار مستهلكو النِّفْط واعين إلى أنه يجب العثور على بدائل.١ منذ خمس أو عشر سنوات، تنبَّأ العديد من الاقتصاديين بأن الاقتصاد العالمي سينهار لو وصل سعر برميل النِّفْط إلى ١٠٠ دولار. وحين حدث هذا، صار تأثير أسعار النِّفْط المرتفعة محسوسًا أخيرًا. ففي مارس ٢٠٠٨، قاد الأمريكيون سياراتهم بمعدل ١١ مليار ميل أقلَّ مقارنةً بمارس ٢٠٠٧، وهو أوَّل انخفاض من نوعه منذ عام ١٩٧٩، وأكثر الانخفاضات الشهيرة المسجَّلة حِدَّة. تبع هذا انخفاض في الأسعار، لكنه كان انعكاسًا لأزمة الائتمان والركود، وليس صورة العرض والطلب في أسواق النِّفْط. فانخفاض الطلب العالمي يعني انخفاض سعر برميل النِّفْط.

نسبة الدخل المُنفَقة على البنزين

في النصف الأول من عام ٢٠٠٨ كان معظم الأمريكيين ينفقون ٤ بالمائة من صافي دخلهم على البنزين. لكن في بعض المناطق، على غرار دلتا المسيسيبي، ارتفع الرقم إلى ١٣ بالمائة.

لقد وجدنا علاجات مؤقتة لدورات مختلفة من الموقف الحالي، بما فيها — في نقطة ما — الوقف المؤقت من جانب وزارة الطاقة الأمريكية (استجابة لضغوط من الكونجرس) لبرنامج يهدف لملء مخازن النِّفْط الاستراتيجية بالبلاد. لكن قوًى عظمى تزيد الضغط على الحكومة الفيدرالية من أجْل البحث عن النِّفْط داخل الحدود الأمريكية. ولسنوات، اعترض دُعاة حماية البيئة على الحفر بحثًا عن النِّفْط في ألاسكا، لكنِ الآن لا تبدو الفكرة مستبعَدَة بالكامل.

هناك مناقشات بشأن الحفر بحثًا عن النِّفْط في القطب الشمالي،٢ بل وهناك محادثة بشأن ما يمكن أن يوجد تحت الغطاء القطبي الجليدي.٣ إن الولايات المتحدة تقوم ببناء كاسِحَتَيْ جليد قطبيتين جديدتين «بهدف حماية المصالح الحالية والمستقبلية» في القطبين الشمالي والجنوبي، وطلبت كندا سفن دوريات بحرية جديدة من أجْل الدفاع عن سيادتها على القطب الشمالي. وبعد أن بدأ الدنماركيون في الحفر في جرينلاند، بدءوا هم أيضًا السعيَ للعثور على أدلَّة تدعم مطالباتهم بالسيطرة على منطقة القطب الشمالي. كما تدفَّقت وفود دولية من كلٍّ من الصين والهند واليابان على منطقة القطب الشمالي من أجْل تقييم احتمالاتها المستقبلية.

في القرن الماضي استهلك العالَم تريليون برميل من النِّفْط، ولا يزال ١٫٢ تريليون برميل آخر موجودًا على صورة احتياطيات نفطية. ولو استمر المستوى الحالي من النمو في الطلب، سيُستهلك نحو تريليون برميل في أقل من ثلاثين عامًا. لكن بغضِّ النظر عن كل الحديث الدائر حول مصادر الطاقة البديلة، فإننا لسنا في وضع يمكننا فيه الاستغناء عن النِّفْط، على الأقل ليس بعدُ.

(١) البحث عن بدائل

من الواضح أن مِن شأن مصادر الطاقة البديلة أن تُخفِّف حِدَّة العديد من المشكلات المتعلقة بصعوبة العثور على النِّفْط، لكنَّ بعض البدائل لا تَفِي بما تَعِدُ به في البداية. مثال على هذا: الإيثانول.

فالإيثانول، الذي رُوِّج له في البداية بوصفِه الحلَّ لاعتماد الولايات المتحدة على الواردات النِّفْطية، صار يُلام الآن على التسبُّب في رفع أسعار الغذاء، وإطلاق ثاني أكسيد الكربون بدرجة أكبر من البنزين، وتقديم مقدار من الطاقة أقلَّ بمقدار الثلث لكلِّ جالون.

حتى لو استوفتْ شركات النِّفْط الاشتراطات الفيدرالية التي تقضي باستخدام ٣٦ مليار جالون من الإيثانول بحلول عام ٢٠٢٢ — وهو ما يَرَاه بعض المحلِّلين أمرًا مستحيلًا — فإن هذا الهدف لن يغطِّي سوى ١٠ بالمائة فقط من الطلب الأمريكي الحالي على النِّفْط.

بسبب النِّفْط، يبدو العالم متَّجِهًا نحو المزيد من المنافسة، والمزيد من الخلافات، والمزيد من العنف. وبسبب النِّفْط، تحاول الصين استرضاء دول غرب أفريقيا، وتدخل فنزويلا في اتفاقيات مع إيران، وتملك روسيا طموحات بشأن استعادة نفوذها ومجْدها الضائعَيْن. تتشكل تحالفات جديدة، وتشتعل طموحات قديمة، ومع ذلك، بسبب شبح الركود الاقتصادي الذي يُخيِّم على العالَم، لم يكن لدى أيٍّ من زعماء العالم الغربي الشجاعة كي يُعلِن حالة طوارئ. لم يكن أحد مستعدًّا للحديث عن اتخاذ موقف «تشرشلي» في تحديد «العدو»، ويُصِرُّ على أن يحتشد المواطنون معًا من أجْل العثور على حلٍّ عاجل.

fig42
شكل ١٦-٣: أحد عمال مناجم الفحم يَخرُج من منجَمِه بعدَ عمله لأيام في ليولين، مقاطعة شانسي، الصين يوم الثلاثاء ٢٨ أغسطس ٢٠٠٧. الطلب المتزايد من محطات الطاقة ومصانع الصلب في أسرع اقتصاد كبير على مستوى العالم من حيث النمو ساعد في ارتفاع أسعار الفحم خمسة أضعاف منذ عام ٢٠٠٠. (تصوير ناتالي بيرينج/بلومبرج نيوز.)

حين يكون هناك تغيير كبير في العمليات أو الآليات الاقتصادية — أي تحول في ميزان القوى — يكون عدم الاستقرار نتيجة طبيعية لهذا التغيير. والحالة التي بين أيدينا — الخاصة بانتقالنا من سياسة طاقة معتمدة على النِّفْط إلى سياسة تقوم على الطاقة البديلة تهدف للحفاظ على الطاقة — ليست استثناءً. فسوف نستمر في استخدام النِّفْط؛ إذ ليس لدَيْنا سوى خيارات قليلة، لكننا أيضًا سنستخدم الفحم والغاز الطبيعي والطاقة النووية. سوف نستخدم سيارات هجينة، وسيارات كهربائية، ودراجاتنا، بل وأقدامنا. لن تأتينا الإجابة على صورة ثورة ما، وإنما عن طريق تطورنا. ستكون الإجابة هي تقليل استخدامنا للنِّفْط الأجنبي تدريجيًّا، بينما نتحول إلى الغاز الطبيعي الأنظف بيئيًّا والأوفر، أو نتحول — على نحو يُؤسَف له — إلى الفحم والخام المُرِّ الأكثر تلويثًا للبيئة. ورغم أننا نقوم بهذا التحول التدريجي (وإنْ كان مؤقتًا) لتقليل استهلاك الوقود واستخدام وقود حفري بديل، فسيكون علينا أن نعمل بكل جدٍّ خلف الكواليس من أجْل إحداث تحول حقيقي في موازين القوى — إلى إنتاج الطاقة البديلة محليًّا — من أجْل تحرير أنفسنا من اعتمادنا على النِّفْط، ومن أجْل الدفاع عن أنفسنا ضد الدول النِّفْطية المعتدية التي ظهرت بغتةً، كأسنان التِّنِّين، في شتَّى أرجاء العالم.

إن النظام النِّفْطي الجديد ليس نظامًا بقدْر ما هو مجموعة من الأجزاء المتحرِّكة على نحو عشوائي. إنه لم يَعُد يتألَّف من مجموعة من اللاعبين المسالِمين الذين اتفقوا جميعًا على اللعب في سلام، وإنما صار يتألَّف من مجموعة لاعبين يؤمِنون أن زمام اللعبة يُفلِت من بين أيديهم مع كل يوم يمرُّ، لكنهم غير مستعدِّين لكَبْح جِماح أنفسِهم، أو عاجزين عن ذلك.

سيزداد الطلب لا محالة. فتعداد سكان العالم من المتَوَقَّع أن يزيد بنسبة ٥٠ بالمائة، ليصل إلى ٩ مليارات نسمة بحلول منتصف القرن الحادي والعشرين، ومن المرجَّح أن يتضَاعَف عدد السيارات والمركبات في غضون ثلاثين عامًا ليَصِلَ إلى أكثر من مليارَيْ مركبة، كما أنه من المرجَّح أن يتضاعف عدد طائرات الركاب في غضون عشرين عامًا، أو نحو ذلك ليتجاوز ستة وثلاثين ألفًا.

لو حدث — وفقًا للتنبؤات — أنْ زاد استهلاك النِّفْط بمقدار الضعف في غضون عشرين عامًا، فمِن أين ستأتي عشرات المليارات من براميل النِّفْط كل عام؟

إن شركات النفط الكبرى التي يمكن الاعتماد عليها دائمًا — على غرار بي بي وشيفرون وإكسون موبيل — وجدت صعوبةً متزايِدة في التنافُس حول العالم. فأربع عشرة من بين أعلى عشرين شركة على مستوى العالم هي شركات عملاقة مملوكة لدول، ومن بينها أرامكو السعودية وغازبروم الروسية. تسيطر شركات النِّفْط الغربية على أقل من عشرة بالمائة من احتياطيات الغاز والنِّفْط العالمية. وفي ظل تنامي تكاليف الاستكشاف، تَجِد شركات النِّفْط المخضرمة صعوبة متزايِدة في تحديد مواقع جديدة للنِّفْط.

تُبيِّن نشرة «إنترناشونال بتروليم مَنثلي» الصادرة عن إدارة معلومات الطاقة أن إنتاج العالم في يناير ٢٠٠٨ كان ٧٤٤٦٦٠٠٠ برميل يوميًّا، منخفضًا عن ذروته السابقة في مايو ٢٠٠٥ بواقع ١٦٨٠٠٠ برميل يوميًّا.

العرض والطلب

• يشهد إنتاج النِّفْط انخفاضًا، أو ثباتًا، في كلٍّ من المكسيك وفنزويلا وبحر الشمال وروسيا.

• يمكن أن يصل الطلب على النِّفْط إلى ٩٩ مليون برميل يوميًّا بحلول عام ٢٠١٥، بعد أن كان ٨٧ مليون برميل يوميًّا عام ٢٠٠٨.

الوكالة الدولية للطاقة
في الواقع، في عامي ٢٠٠٧ و٢٠٠٨، رغم أن الشركات أنفقت أكثر من ١٠٠ مليار دولار على عمليات الاستكشاف، فإن مقدار النِّفْط الجديد الذي عثرت عليه كان أقلَّ من المقدار الذي ضخَّتْه من باطن الأرض في الفترة عينها.٤ الأهم من ذلك أن تكلفة العثور على احتياطيات جديدة في عام ٢٠٠٨ تزيد بنحو ٢٠٠ إلى ٣٠٠ بالمائة عمَّا كانت عليه عام ٢٠٠٣، وانخفض حجم الآبار الجديدة المكتشَفة بنحو ٦٥ بالمائة٥ خلال الفترة بين عامَيْ ٢٠٠٣ و٢٠٠٨.

بدت الأشهر الأولى من عام ٢٠٠٨ بمنزلة نقطة تحول للأمريكيين، الذين بدءوا يجدون أن أسعار النِّفْط صارتْ عالية بما يكفي بحيث تؤثِّر على أنماط معيشتهم، وأن عليهم القيام ببعض التعديلات. وبحلول بدايات صيف ذلك العام، بدأ الأمريكيون من شتَّى مناحي الحياة تخفيض استهلاكهم للبنزين. أوقف سائقو الشاحنات شاحناتهم عن العمل؛ احتجاجًا على ارتفاع أسعار الديزل، وبدأت شركات الطيران تتقاضَى مقابلَ البطاطين والمخدات والأغراض التي كانت تُقدَّم في الماضي كمميزات مجَّانية، وفرضت رسومًا على الأمتعة الإضافية. تحوَّلَتْ بعض الجامعات الأهلية وتلك الموجودة في المُدُن الصغيرة إلى العمل أربعة أيام أسبوعيًّا فقط لمساعدة الموظفين على التأقلُم مع أسعار الوقود المرتفعة. بعض الشركات، مثل هوليت باكارد، زادت معدل استخدامها لمؤتمرات الفيديو، على أمل التخلُّص من أغلبية رحلات الموظفين، وتمَّ التشجيع على استخدام حافلات الشركة، والتشارُك في السيارات الخاصة واستخدام الدرَّاجات. وحتى في ظل انخفاض الأسعار اللاحق، فقد تمَّ ترسيخ نزعة طويلة الأمد.

إن التحوُّل في ميزان القوى يُغيِّر تدريجيًّا الطريقة التي نعيش بها. إننا نسمع عن مجتمعات سكانية غادرت الضواحيَ عائدة إلى المدن، ونسمع عن سيارات تُدَار بالوقود الهجين، وسيارات ذكية. كما نرى الدرَّاجات النارية الخفيفة (الفسبا) في شوارع مدننا، والألواح الشمسية على أسقف منازل الضواحي، ومزارع الرياح في الريف. إننا نسمع عن أشخاص تخلَّوْا عن شرب المياه المعبَّأة المنقولة على سفن شحن عبر المحيط الأطلسي لصالح مياه الصنابير المرشَّحة المحتفَظ بها في الثلاجات. وهناك حَمَلات لشراء المنتَجات المحليَّة تهدُف لإقناع الناس باختيار المنتجات المحلية بدلًا من تلك المنقولة من أماكن أخرى من البلاد أو العالم. لكن الدول النِّفْطية المعتدية تدفعنا إلى اتخاذ إجراءات كان علينا أن نتَّخذها من تلقاء أنفسنا. ولا يمكننا أن نقول بعد اليوم إننا لم نَتَلَقَّ تحذيرًا.

رغم الارتفاع الشديد في أسعار النِّفْط في الجزء الأول من عام ٢٠٠٨، فإنها بدأت تنخفض تدريجيًّا بحلول صيف ذلك العام. وصلت الأسعار إلى مستوًى قياسي عند ١٤٧٫٢٧ دولارًا للبرميل في ١١ يوليو ٢٠٠٨، ثم بدأت الانخفاض بثَبَات بحيث وصَل سعرُ البرميل بنهاية الصيف إلى أقلَّ من ١٠٠ دولار للمرة الأولى منذ سبعة أشهر في ١٥ سبتمبر ٢٠٠٨. واصلت الأسعار انخفاضَها وفي ٢١ ديسمبر ٢٠٠٨ كانت قد انخفضتْ حتى ٣٣٫٨٧ دولارًا للبرميل.

لم يعاود النِّفْط الارتفاع في عام ٢٠٠٩؛ إذ ظل التداول عليه في حدود ٤٠ دولارًا للبرميل طيلة شهرَيْ مارس وأبريل. لكنْ بحلول أغسطس ٢٠٠٩ بدأ السعر يرتفع ثانية، وعاد إلى مستوى ٧٠ دولارًا للبرميل، واستقر عند ٨٠ دولارًا للبرميل تقريبًا في أوائل عام ٢٠١٠.

رغم ذلك التقلب الحادِّ في الأسعار فإن التحول في ميزان القوى الذي شَهِده عالم النِّفْط عبْرَ العقود الماضية لم يتوقَّف أو ينحَسِر بعيدًا عن شركات النِّفْط القومية ليذهب إلى شركات النِّفْط الدولية. لقد صارت قوًى كثيرة تؤثِّر في المشهد، وتمَّ إبرام اتفاقات عديدة، وحازتْ دول نفطية جديدة حديثة الثَّراء مقاليدَ السيطرة، وهي غير مستعدَّة للتخلِّي عنها.

هوامش

(١) تلقَّى اللاعبون النفطيون هذا الدرس إبَّان الحظر النفطي عام ١٩٧٤. ولو أنهم بدءوا وقتَها في تطوير بدائل للنفط، لم يكن العالَم ليقع في مثل هذه الورطة اليوم. وحتى لو انخفضت أسعار النفط بشكل حادٍّ اليوم، فإن أولئك اللاعبين سيرغبون على الأرجح في مواصلة بحثهم عن بدائل؛ تحسبًا للارتفاع القادم.
(٢) لم يكن الأمريكان وحدهم هم الراغبين في البحث عن النفط في القطب الشمالي؛ ففي أغسطس ٢٠٠٧، وضع الروس عَلَمَ دولتهم في قاع البحر أسفل القطب الشمالي. وقال متحدث لشركة غازبروم إن شركة الطاقة الروسية العملاقة في مجال الطاقة هذه تتوقع اكتشافات كبيرة جديدة لاحتياطيات من النفط والغاز أسفل مياه المحيط المتجمد الشمالي.
(٣) على سبيل المفارقة، كان للاحترار العالمي، الذي يُفترض أن مُسبِّبه إحراق الوقود الحفري، فائدة غير متوقعة. ففي عام ٢٠٠٥، وجد العلماء إشارات قوية على وجود النفط في عينات مأخوذة من قاع البحر على مسافة تقلُّ قليلًا عن مائتي ميل من القطب الشمالي، وذلك وفقًا لوكالة المسْح الجيولوجي الأمريكية (مقال بعنوان: «مع تحول الجليد القطبي إلى مياه، تتزايد أحلام العثور على كنز» كليفورد كراوس، ستيفن لي مايرز، أندرو سي ريفكين، وسايمون روميرو، ١٠ أكتوبر ٢٠٠٥، نيويورك تايمز).
(٤) «العرض والطلب على النفط العالمي»، تقرير سوقي صادر عن الوكالة الدولية للطاقة، ١٠ سبتمبر ٢٠٠٨.
(٥) أبحاث مجمَّعة من طرف مجموعة «أوستوك سيكيوريتيز».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤