الفصل التاسع

ما المقدار المتبقِّي من النِّفْط؟ وما مدى استعداد الولايات المتحدة للحفر بحثًا عنه؟

عام ١٩٥٦، طرح د. إم كينج هوبرت، وهو جيوفيزيائي يعمل لدى شركة شِل أويل للنِّفْط، افتراضًا مفاده أن إنتاج الوقود الحفري (النِّفْط والفحم والغاز الطبيعي) في أي منطقة بعينها سيأخذ عبر الوقت شكل منحنى الجرس. فبعد اكتشاف احتياطيات الوقود الحفري، يبدأ استخراج الوقود منها ويتم بناء منشآت أكثر كفاءة. سيزداد الإنتاج بمعدل أُسِّيٍّ في البداية، لكن في نهاية المطاف سنصل إلى ذروة الإنتاج ويبدأ الإنتاج في التباطؤ إلى أن يصل إلى معدل انحدار أُسِّيٍّ. وسيصل الإنتاج إلى ذروته بحلول عام ١٩٧٠ تقريبًا. وفي ظل التقنيات المحسنة والاحتياطيات الجديدة المكتشَفة، قد يستطيل الجزء الأيمن من منحنى الجرس، لكن لن تتغير الفرضية الأساسية؛ إذ إنه في غضون عقود، لا قرون، سنستنزف السواد الأعظم من الطاقة التي خُزنت في باطن الأرض عبر الخمسمائة مليون سنة الماضية. وإذا استخدمنا منحنى هوبرت والتواريخ المتَوَقَّعة، فسينتهي عصر النِّفْط حوالي عام ٢٠٦٠ أو ٢٠٧٠.

***

fig22
شكل ٩-١: دُبَّان قطبيان يبحثان عن الطعام على خط ساحل ألاسكا، في هذه الصورة المُعَدَّة للتوزيع المجاني وغير محدَّدة التاريخ. هذا النوع من الدِّبَبة هو أول نَوْعٍ تحمِيه الولايات المتحدة من الاحترار العالمي. الدِّبَبَة القطبية، أكبر المفترسات الأرضية في العالم، تَفقِد مواطنَها وقدرتَها على الحصول على الطعام مع ذوبان الجليد القطبي. وقد يتسبَّب المزيد من ذوبان الجليد القطبي في مقتل ثُلُثَيْ هذه الحيوانات بحلول منتصف القرن؛ وذلك وفقًا لوكالة المسْح الجيولوجي الأمريكية. (المصدر: خدمة الأسماك والحيوانات البرية الأمريكية، عن طريق بلومبرج نيوز.) (تصوير ستيف هيلبراند.)
اتفق خبراء النِّفْط الأمريكيون عمومًا على أنه بداية من عام ١٩٥٠، كان يتم العثور على ما بين ٥٠ و٦٠ مليار برميل من النِّفْط وحرقها في الولايات المتحدة. كما أنهم اتفقوا بصفة عامة على أنه بداية من عام ١٩٥٠، لا يزال ما بين ١٥٠ و٢٠٠ مليار برميل من النِّفْط موجودًا داخل الأرض.١ كان الرأي المتفق عليه يقضي بأن هناك ما يكفي من النِّفْط لعِدَّة أجيال قادمة، ومع ذلك كان هذا الرجل يتحدَّى الرأي المتفق عليه.

لو صحَّ ما ذهب إليه هوبرت، فإن نسبة ٩٠ بالمائة من النِّفْط القابل للاستخراج في الولايات الثماني والأربعين (مع استبعاد هاواي وألاسكا)، ستختفي بحلول عام ١٩٩٩. كان ذلك تَوَقُّعًا مفاجئًا غير تقليدي صادرًا عن شخص يُفترض به أن يكون جيوفيزيائيًّا محترمًا.

وحتى في وقتنا الحالي، لا تزال صناعة النِّفْط منقسمة بشأن نظرية هوبرت. فتزعم السعودية أن بمقدورها ضخَّ النِّفْط بالمعدَّل الحالي لأكثر من قرن. ويزعم الرئيس التنفيذي لإكسون؛ ريكس تيلرسون، أن هناك «موارد نفط غير مستغَلَّة» وأن العالَم قد يَمتَلِك ٣ تريليونات برميل من النِّفْط المتبقِّي؛ أي ثلاثة أضعاف الرقم الذي استُخدم في تقدير التاريخ المذكور أعلاه، وأكثر من ضعفي الاحتياطيات المتبقية التي افترضها نموذج هوبرت.

بطبيعة الحال، من مصلحة منتجي النِّفْط أن يُؤمِنوا ببقاء احتياطيات طاقة وفيرة؛ إذ لو لم يحدث هذا فقد يتَّجِه مستهلكو النِّفْط إلى أشكال بديلة من الطاقة.

طُبعت خطبة هوبرت، التي توضح نظرياته عن «نهاية النِّفْط» عام ١٩٤٩، لكن صناعة النِّفْط لم تُلْقِ لها اعتبارًا تقريبًا في ذلك الوقت. وحين أعاد إحياءَ أفكاره في اجتماع عام ١٩٥٦ لمعهد النِّفْط الأمريكي في سان فرانسيسكو، أحدث خطابُه ضجةً واسعة وقابلَه الكثيرون في صناعة النِّفْط بالريبة.

كانت تَوَقُّعات أخرى سابقة قد دَرَسَتْ مستقبل النِّفْط، وكثير منها — كذلك التَّوَقُّع الذي قَضَى بعدم وجود أي نفط في ولاية تكساس كلها — كان خاطئًا بشكل سخيف. لكن لم يكن بالإمكان تجاهُلُ آراء هوبرت بسهولة. كانت سمعته قد بلغت آفاقًا استثنائية، وعيَّنه الرئيس جون إف كينيدي مستشارًا لمستقبل الموارد الطبيعية. وبحلول الوقت الذي اندلعت فيه أزمة النِّفْط في السبعينيات، كانت شهرة هوبرت قد بلغت عَنان السماء، بَيْدَ أنَّ تداعيات ما تَوَقَّع هوبرت حدوثَه لم تَدفَع أيَّ جهة معنية بالطاقة إلى البحث في وسائل بديلة كطواحين الهواء أو تصنيع وقود الإيثانول.

أهي نهاية النِّفْط؟

مِن بين دول العالَم الثمانية والتسعين المنتِجة للنِّفْط، يُعتقد أن أربعًا وستين دولة منها قد تجاوزت ذروة الإنتاج المفروضة جيولوجيًّا، ومن هذه الدول، وصلت ستون دولة إلى منحدر الإنتاج النهائي.

لم يكن هوبرت أول مَن طَرَح الفكرة التي تقضي بأن مخزون النِّفْط العالمي على وشك الانتهاء. فقد كانت هناك تنبُّؤات بحدوث مجاعة نفطية وشيكة في الأيام الأولى للنِّفْط في الولايات المتحدة، خاصة في أواخر القرن التاسع عشر، حين بدأ إنتاج النِّفْط في حقول النِّفْط الأولى في بنسلفانيا في الانخفاض. بعد ذلك اكتُشف النِّفْط في شرقيِّ تكساس، وكانت حصيلة هذه الحقول وفيرة لدرجة أنه تَعيَّن على لجنة السكك الحديدية بتكساس أن تضع سقفًا للإنتاج كي تدعم الأسعار.

أشار منتقدو هوبرت إلى أن «الحقائق الفعلية الموجودة على أرض الواقع» تُعَدُّ دليلًا على استمرارية النِّفْط أفضل من النظريات العلمية. فكيف إذن نفسر أن الجيولوجيين النِّفْطيين في منتصف الأربعينيات قد حدَّدوا إجمالي الاحتياطيات النِّفْطية ﺑ ١٠٠ مليار برميل، في حين أنه بعد مرور عَقْد ونصف العَقْد زاد هذا الرقم بمعدل مرتين ونصف؟

ما من شك في أن هوبرت حين عبَّر لأول مرة عن نظرية الذروة النِّفْطية الخاصة به، تعرَّض للكثير من النقد، لكن تمَّ التحقُّق من صحة آرائه في عام ١٩٧٠، وهو العام الذي تَوَقَّع فيه الوصول إلى الذروة النِّفْطية، حيث بدأ إنتاج النِّفْط في الولايات المتحدة في الانخفاض بالفعل.

(١) الاحتياطيات المؤكَّدة في مقابل الاحتياطيات المحتمَلة

كيف يتأتَّى إذن أنه وفق الحقائق الفعلية الموجودة على أرض الواقع تزداد الأرقام الخاصة باحتياطيات النِّفْط مع مرور الوقت؟ تاريخيًّا، تمثَّل أحد الأسباب في حدوث تطور إيجابي؛ وهو حدوث اكتشافات نفطية كبيرة. لكن في كثير من الأحيان، يكون السبب غير محل نقاش كبير؛ إذ تميل الأرقام الخاصة باحتياطيات النِّفْط إلى أن تكون ضخمة؛ لأن كل شركة أو دولة تقدِّم الأرقام الخاصة باحتياطياتها النِّفْطية المؤكَّدة، وكل واحدة منها لها منهجيتها المحاسبية الخاصة بها بالنسبة إلى الاحتياطيات «المؤكدة» في مقابل الاحتياطيات «المحتملة». لم يتم وضع قواعد تنظيمية للمنهجيات المحاسبية النِّفْطية قط، ولم يتمَّ جمعها في إطار واحد متسق من أي نوع.

تُصنَّف الاحتياطيات إمَّا إلى احتياطيات «مؤكَّدة» وإمَّا إلى احتياطيات «محتملة».

فالاحتياطيات المؤكَّدة هي تلك الاحتياطيات النِّفْطية التي يُمكن أن تُقدَّر — سواء من واقع التحليل الجيولوجي أم البيانات الهندسية — بقدْر معقول من اليَقِين بوصفها قابلةً للاستخراج تجاريًّا من مستودعات معروفة، وتحت الظروف الاقتصادية وطُرُق العمل والقواعد التنظيمية الحكومية الحالية.

على النقيض من ذلك، فإن الاحتياطيات المحتملة هي تلك الاحتياطيات التي تقترح الحسابات الهندسية والبيولوجية أرجحية وجودِها، لكنها ليست قابلة للاستخراج.

fig23
شكل ٩-٢: دايان فاينستين، العضو الديمقراطي بمجلس الشيوخ عن كاليفورنيا تَستجْوِب أحدَ الشهود خلال جلسة استماع للجنة الطاقة والموارد الطبيعية التابعة لمجلس الشيوخ بشأن حادثة التسرب النِّفْطي لخط أنابيب بي إل سي التابع لشركة بي بي في ألاسكا في الثاني عشر من سبتمبر عام ٢٠٠٦. (تصوير كارول تي باورز/بلومبرج نيوز.)

التمييز بين هذين النوعين من الاحتياطيات أمرٌ ذاتي، وليس مطلَقًا. علاوة على ذلك، بعض العوامل، حتى في ظل افتراض حسن النية من طرف الشركة، قد تتغير مع الوقت؛ فقد تتسم تكنولوجيا بعينها بأنها غير كفء من حيث التكلفة في ظل سعر معين لبرميل النِّفْط، لكنها قد تصير كفئًا من حيث التكلفة إذا ارتفع سعر برميل النِّفْط بالقدر الكافي. وقد يتم ابتكار تكنولوجيا إنتاج جديدة لم يكن لها وجود عندما أُجريَتِ الحسابات الأولى الخاصة بالاحتياطيات للمرة الأولى.

ولأن الإفصاح عن الاحتياطيات النِّفْطية المؤكَّدة والمحتملة لأي شركة تُعَدُّ مؤشِّرًا محوريًّا للأداء في صناعة النِّفْط والغاز، يمكن لهذه الأرقام أن يكون لها تأثير كبير على سعر أسهم الشركة، وهو اعتبار ليس بالهيِّن عندما تكون الشركة بصدد حساب احتياطياتها بشكل ذاتي.٢

(٢) الحركة البيئية وأنصار نظرية الذروة النِّفْطية

كانت هناك أيضًا نزعة سياسية ظهرت في أوائل السبعينيات كان من شأنها أن تؤثِّر على عالم النِّفْط؛ الحركة البيئية. تمثَّل أحد المؤشرات المبكِّرة على الصحوة الجديدة في الوعي البيئي في كتاب نُشر عام ١٩٧٢ بعنوان «القيود المفروضة على النمو: تقرير لمشروع نادي روما عن ورطة الجنس البشري». كانت الفكرة الرئيسية للكتاب هي أنه لو استمرت نزعات عديدة معيَّنة في كلٍّ من النمو السكاني والتلوث وإنتاج الغذاء واستهلاك الطاقة واستنزاف الموارد (بما فيها النِّفْط والغاز الطبيعي)، فسيصير نمو الدول الصناعية غير قابل للاستدامة وسيتوقف النمو السكاني على كوكب الأرض في غضون مائة عام.

في نهاية المطاف، ونتيجة للاهتمام المتزايد بالبيئة، خفَّضت الولايات المتحدة استخدامها للفحم وبدأت في الاعتماد على أنواع أنظف من الوقود. اشتدَّ البحث عن النِّفْط، بما في ذلك عمليات الاستكشاف قُبَالَةَ السواحل، إلى أن حدث تسرُّب نفطي قُبَالَةَ ساحل كاليفورنيا وأمرت إدارة الرئيس نيكسون بوقْف عمليات استكشاف النِّفْط وإنتاجه قُبَالَةَ ساحل كاليفورنيا. ومع الاهتمام المتزايد بالبيئة، كان هناك المزيد والمزيد من المناطق التي لن يتم الحفر فيها أبدًا، وهو ما قلَّل الاحتياطيات العالمية المتاحة. وقد مثَّل انتباهُ الناس وقتَها إلى رسالة أنصار نظرية الذروة النِّفْطية نقطةً مُهمَّة في تطور التوجهات الجماهيرية العامة نحو كلٍّ من النِّفْط والبيئة.

عام ١٩٧٧، أُنتج النِّفْط أخيرًا في خليج برودو، بألاسكا، وراقب كلا طَرَفَيِ الجدل حولَ الذروة النِّفْطية عن كَثَبٍ تطوُّرَ عملية الإنتاج. اكتُشف هذا الحقل عام ١٩٦٨ وبدأ الإنتاج التجاري بعدها بتسعة أعوام، ومنذ ذلك الوقت، استُخرج من الحقل أكثر من ١١ مليار برميل من النِّفْط. وبحلول عام ٢٠٠٦، كان الكُتَّاب في صناعة النِّفْط يقترحون أن النِّفْط على وشك النَّفاد. كان الإنتاج عام ١٩٨٨ يبلغ ٧٢٢ مليون برميل نفط يوميًّا، لكن بحلول عام ٢٠٠٦ انخفض إلى ٢٦٤ مليون برميل، وبحلول أواخر عام ٢٠٠٧ كان الإنتاج ٦٥٠ ألف برميل يوميًّا فقط. اتبع خليج برودو مسارَ منحنى هوبرت، الذي ظل يحذر من الأمر ذاته منذ الأربعينيات. في الوقت الحالي، بات كلام أنصار هوبرت يؤخذ على محمل الجِد.

في عام ٢٠٠٥، عبَّر المؤلِّف والمعلِّق الاجتماعي الراحل كيرت فونيجت — رغم أنه بالتأكيد ليس خبيرًا بشئون النِّفْط — عن الرأي العام المتصاعد، حين أخبر وكالة أسوشيتد برِس: «أوَدُّ القولَ إن الولاية الحادية والخمسين تعيش حالة إنكار. الأمر يبدو وكأن مُذَنَّبًا ضخمًا متجهٌ نحونا، ولا أحد يريد الحديث عنه. إننا على وشك استنفاد مخزون النِّفْط، ولا يوجد ما يحل محله.»

لا يتفق الجميع على هذا. نشرت إكسون موبيل إعلانات بالجرائد تسخر من نظرية الذروة النِّفْطية. وقد نَعَتَتْ أنصارَ هذه النظرية بأنهم يهدفون إلى بثِّ الذعر وحسب. ويقول الإعلان إنه في نهاية المطاف، يمتلك العالم نحو ٤ تريليونات برميل من النِّفْط، وهو مقدار يزيد بأربعة أضعاف على ما جرى استخدامه من النِّفْط حتى الآن. تقول إكسون موبيل إن الجيولوجيين التابعين لها يعتقدون أن إنتاج النِّفْط العالمي سيواصل الارتفاع حتى عام ٢٠٣٠. من ناحية أخرى، أليس في مصلحة شركات النِّفْط أن تُحاوِل إقناعَ الجمهور بأن النِّفْط وفير لدرجة أنه ما من داعٍ وراء محاولة البحث عن طاقات بديلة؟ ماذا عن التقنيات الجديدة التي من شأنها استخراج النِّفْط من الأماكن التي كان يتعذر فيها استخراجه من قبل؟

يعتقد المؤلِّف والناقِد الاجتماعي جيمس كونستلر أن:
ما يقوله أنصار نظرية الذروة النِّفْطية يتفق مع الواقع. والإيمان بنظرية الذروة النِّفْطية لا يعني فقط أننا متجهون نحو حالة تدهور قاسية تمامًا وحسب، وإنما يعني أيضًا أن المخزون النِّفْطي خلال فترة التدهور تلك سيكون من نوعيات متزايدة السوء من النِّفْط … فمنذ عام ١٩٧٠ وسيطرتنا تقل على نحو مطَّرِد على مواردنا. هذه إذن قصة فقدان الولايات المتحدة للسيطرة على المَورِد الرئيسي الذي يُحرِّك الحضارة؛ النِّفْط. وللأسف، نحن في موقف ميئوس منه بالكامل تقريبًا …٣

يتبنَّى دانيال يرجين، رئيس رابطة بحوث الطاقة بكامبريدج وجهة نظر ثالثة. فهو يؤمن بأن الإنتاج النِّفْطي الفوري لن يزيد أو يقل، وإنما سيصل إلى «طور مستقر» في وقت ما بعد عام ٢٠٣٠، وذلك لمدة عَقْد أو عَقْدين، قبل أن ينخفض في بطء. يقول يرجين إن صورة الإنتاج العالمي لن تتخذ شكل منحنى نمو أو منحنى جرس، كما افترض هوبرت، وإنما ستتسم بعدم الانتظام. سيتسم منحدر الانخفاض بأنه تدريجي أكثر من المعدل السريع للزيادة وسيكون شديد الانحناء بعد الذروة الهندسية.

ووفق تحليل رابطة بحوث الطاقة بكامبريدج فإنه خلال فترة الطور المستقر في العقود اللاحقة، من المرجَّح ألَّا يُقابَل النمو في الطلب بنمو في المعروض النِّفْطي الطبيعي المتاح للاستخدام التجاري. وسيتعين على أنواع الوقود السائل غير التقليدية أو المبتكرة على غرار الإنتاج الآتي من صحراء النِّفْط الثقيل والسوائل المرتبطة بالغاز (سوائل الغاز الطبيعي أو المتكثف)، والسوائل الآتية من الفحم أن تملأ هذه الفجوة.

قال العديد من المحلِّلين إنه كان من الصعب التنبؤ بحدوث ذروة نفطية في الوقت الذي يمكن فيه لمعلومات جديدة وتكنولوجيا محسنة أن تؤخِّر تاريخ هذه الذروة. عام ١٩٩٧، تعاون الجيولوجي البريطاني سي جيه كامبل مع جان لارير، وهو جيوفيزيائي فرنسي متقاعد عَمِلَ من قبل لدى شركة توتال لخمسة وعشرين عامًا، من أجْل تحليل عمليات الإنتاج لعدد من الدول حول العالم. وقد قال كامبل إنه هو ولارير خلصا إلى أن الإنتاج النِّفْطي العالمي كاد يقترب من ذروته. وقد ذاع صيت رأيهما من خلال المقال الذي كتباه في مجلة «ساينتيفيك أمريكان» بعنوان «نهاية النِّفْط الرخيص» وقالا فيه: «إن المخزون العالمي من النِّفْط ليس آخذًا في النفاد، على الأقل ليس بعد. لكن ما يواجهه مجتمعنا، وعلى نحو مُلِحٍّ، هو نهاية النِّفْط الوفير والرخيص الذي تعتمد عليه كل الدول الصناعية.» ولأن الولايات المتحدة والاقتصادات العالمية كانت بحاجة إلى الطاقة كي تدفَعَ نموَّها المتواصل؛ فربما ينبغي ألا يكون السؤال الحقيقي متعلقًا بالوقت الذي سوف «ينفد» فيه مخزون النِّفْط، وإنما يتعلق بالوقت الذي نُقرِّر فيه أن «نتوقَّف عن زيادة» الإنتاج النِّفْطي بسبب الاعتبارات البيئية أو اعتبارات التكلفة.

وأخيرًا، في عام ٢٠٠٥، أوكلت وزارة الطاقة الأمريكية إلى د. روبرت هيرش، الفيزيائي صاحب السمعة الطيبة، مهمَّة كتابة تقرير عمَّا إن كانت فكرة الذروة النِّفْطية حقيقة أم لا، وفي حالة كونها حقيقة فماذا يمكن فعلُه من أجْل التخفيف من حِدَّة الموقف؟ كتب هيرش أن الفكرة كانت حقيقية بالفعل، وأن الذروة في إنتاج النِّفْط العالمي ستحدث في غضون عشرين عامًا. وفي مقدمة تقريره كتب يقول:

سيَطرح وصولُ الإنتاج النِّفْطي العالمي إلى ذروته أمام الولايات المتحدة والعالم مشكلةً غير مسبوقة تتعلق بإدارة المخاطر. فمع اقترابنا من الذروة، ستزداد أسعار الوقود السائل وتقلبات الأسعار على نحو بالغ، ومن دون التخفيف الملائم من أثرها، ستكون التكاليف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية غير مسبوقة. توجد خيارات تخفيف مناسِبة في جانبَيِ العرض والطلب كليهما، لكن كي يكون لها تأثير ملموس، يجب البدء فيها قبل الوصول إلى الذروة بما لا يقل عن العَقْد.

ويذهب تقرير هيرش إلى أن هذه العواقب، بغضِّ النظر عن توقيت حدوثها، ستكون وخيمة، وينبغي للولايات المتحدة أن تتولى السيطرة على الموقف وتبدأ في برنامج قومي للطاقة كي تساعد في الانتقال نحو أنواع الوقود البديلة.

أحيانًا، تعطي المؤسسات الأمريكية الكبرى الانطباع بأنها حريصة على الدفع بمصادر بديلة للوقود. وحين يأتي المطالبون بهذا الأمر من داخل صناعة النِّفْط نفسها، تحدث بَلبلة للجمهور؛ إذ بدا من غير المنطقي أن تدعم شركات النِّفْط أنصار نظرية الذروة النِّفْطية. عام ٢٠٠٥، قامت شركة شيفرون بالفعل بسلسلة من الإعلانات التي احتلَّت صفحات كاملة في الجرائد الأمريكية، وركزت هذه السلسلة على زيادة استهلاك النِّفْط، مؤكدة أن:

العالم استغرق ١٢٥ عامًا كي يستنفد التريليون برميل الأول من النِّفْط. وسوف نستهلك التريليون التالي في غضون ٣٠ عامًا … هناك شيء واضح: إن حقبة النِّفْط السهل قد ولَّت … يمكننا الالتزام بالعمل معًا، والبدء بأن نسأل الأسئلة الصعبة: كيف سنَفِي باحتياجات الطاقة الخاصة بالعالم النامي وتلك الخاصة بالدول الصناعية؟ ما الدور الذي ستلعبه مصادر الطاقة البديلة والطاقات البديلة؟ ما السبيل الأمثل لحماية البيئة؟ كيف لنا أن نسرِّع جهودَنا الهادفة للحفاظ على البيئة؟

عام ٢٠٠٦ أخبر تييري ديمارست، الرئيس التنفيذي لشركة توتال إس إيه التي مقرُّها باريس، مؤتمر الغاز العالمي في أمستردام أن إنتاج النِّفْط العالمي سيصل إلى ذروته عام ٢٠٢٠. ربما بدأت شركات النِّفْط تجد أن إنكار نظرية نهاية النِّفْط تمثِّل تحدِّيًا سافرًا للرأي العام المتزايِد.

ومع هذا، وبغضِّ النظر عن المواقف التي قرَّرت بها جماعاتُ العلاقات العامة التابعة لشركات النِّفْط اتخاذَها تجاهَ هذه القضية، بدا أن الشركات الكبرى لا تقوم بالفعل إلا بأقل القليل من أجْل الاستعداد لنهاية النِّفْط. من الأمور المؤكدة أن كل دولار مستثمَر في مصادر الطاقة البديلة كان يؤخذ من عمليات استكشاف النِّفْط وإنتاجه، وكانت الشركات الكبرى تحقِّق أرباحًا هائلة من النِّفْط.

يتعيَّن على أعضاء الكونجرس أن يكونوا القوة المحرِّكة وراء عملية التحول إلى مصادر الطاقة البديلة. ومع ذلك فقد صمت معظمهم بينما استَعَر الجدل حول نهاية النِّفْط. عقد روسكو بارتليت (العضو الجمهوري عن ماريلاند) مؤتمرًا عن الذروة النِّفْطية لأعضاء الكونجرس بهدف تدبُّر حلول مشكلة نهاية النِّفْط، لكنه لم يحظَ بكثير من المؤيِّدين. ربما تكون الأسعار المرتفعة هي المحفِّز الوحيد على التغيير.

يحبِّذ بارتليت العمل الفوري الهادف لتشجيع مصادر الطاقة البديلة وتطبيقها. وهو يقول: «لقد أضعنا ثلاثين عامًا منذ عام ١٩٨٠. كنا نعرف أن هوبرت محقٌّ بشأن الولايات المتحدة … ونحن بحاجة لتأكيد شامل مثلما حدث إبَّان الحرب العالمية الثانية وعندما أرسلنا بشرًا إلى القمر.»

يوضح بعض المحللين النِّفْطيين أن أسعار النِّفْط المرتفعة هي التي منحت أنصار نظرية الذروة النِّفْطية فرصة للتعبير عن معتقدهم. وهم يزعمون أنه لو كان سعر برميل النِّفْط لا يزال ٢٠ دولارًا، لم يكن أحد ليتحدَّث عن الذروة النِّفْطية. ظهر المتحمسون للطاقة النظيفة في أوائل العَقْد الأول من القرن الحادي والعشرين، لكنهم مُبْتَلَوْن بآفة الشركات الناشئة نفسِها؛ إذ كانت الأسعار التي يطرحونها عالية للغاية بما يمنع الوفر الناتج عن كبر حجم الإنتاج.

إن العديد من مصادر الطاقة البديلة لها عيوب:
  • فاستخدام الإيثانول يُسبِّب تضخمَ أسعار الغذاء.

  • والطاقة النووية تبدو واعدة، لكن مَن يتذكَّرون حادثتَيْ تشيرنوبل وثري مايل أيلاند يجدون صعوبة في الشعور بالحماس حيال هذا الخيار النووي.

  • تتضمن الطاقة الشمسية بناءَ وتركيبَ ألواح شمسية، لكنْ لا أحد يعلم إنْ كانت الطاقة المولَّدة ستكون كافية أم لا.

  • وأخيرًا، لا تزال طاقةُ الرياح — ذلك الحلُّ الذي يحبِّذه رائد الأعمال النِّفْطي تي بون بيكنز — غيرَ مُثبتة من حيث سهولة التنفيذ وكفاءة التكلفة.

جاليليو والتحوُّل المفاهيمي

دان ماينر، الناشط المؤيِّد لنظرية الذروة النِّفْطية ونائب الرئيس الأول المسئول عن خدمات الأعمال في شركة لونج أيلاند ديفيلوبمنت كوربوريشن، له وجهة نظر مُلِحَّة لها نظير تاريخي سابق.

يقول ماينر: «إن تداعيات استنزاف الوقود مقلقة للغاية. أخبر جاليليو قادة الكنيسة في العصور الوسطى أن الأرض تدور حول الشمس، وكان هذا تحولًا مفاهيميًّا. قالوا له: «سنقتلك؛ فما تقوله محض هرطقة.» إن فكرة أنْ يصير الوقود الحفري الذي نعتمد عليه لهذه الدرجة باهظ الثمن على نحو دائم لهي فكرة مرعبة، وتبدو محض هرطقة، وهي مفهوم خطير. ما أذهب إليه هو أن علينا تقبُّلَها وأخذَها على محمل الجِدِّ؛ لأننا إنْ واصلنا تجاهُلَها وتظاهرنا أنها غير موجودة، ثم انتظرنا وقوع العواقب، فلن نجد الوقت الكافي للتأقلُم، وسنكون وقتَها في حالة طوارئ.»٤

إن نهاية النِّفْط رسالة مؤلِمة لا أحدَ يُريد أن يسمعها؛ فهي مُضِرَّة بالأعمال، وتقول إن طريقة التصرف المألوفة وحقبة الرخاء السهل ولَّتْ وانقضتْ.

يؤكِّد بعضُ الخُبَراء الاستراتيجيين أن كل ما يتطلَّبه الأمرُ هو توجيهُ المزيد من النقود إلى الأبحاث المعنِيَّة بالطاقة البديلة. لكن لعمل ذلك، علينا الحصول على إجماع الآراء ليس فقط بشأن الالتزام بالطاقة البديلة، وإنما كذلك بشأن تحديد أيِّ بدائل علينا تحرِّيها.

إيان بريمر اختصاصيٌّ في العلوم السياسية، وهو متخصص تحديدًا في السياسة الخارجية الأمريكية والمخاطر السياسية العالمية. وهو أيضًا رئيس مجموعة أوراسيا ومقرُّها نيويورك، وهي مجموعة استشارية معنية بالمخاطر السياسية العالمية. يقول بريمر: «إن الولايات المتحدة لا تمتلك القدْرة، مثل الصين، على أن تقول للناس: «سيكون عليكم التعامُل مع الطاقة النووية سواء أعجبكم هذا أم لم يعجبكم».» في الواقع، إن العملية الديمقراطية الخاصة بالولايات المتحدة هي التي تمنعها من أن تستجيب بسرعة إلى تحدٍّ هائل مثل هذا.

هوامش

(١) زاد هذا التقدير إلى ٥٩٠ مليار برميل في أوائل الستينيات.
(٢) عام ٢٠٠٤، أقرَّت مجموعة الشركات التي تؤلِّف شركة رويال دَتش شِل أنها خفَّضت المقادير الخاصة باحتياطياتها المؤكَّدة بنسبة معتبرة قدْرها ما بين ٢٠ و٢٥ بالمائة. وقد أدَّت إعادة التقدير، التي سبَّبها تدقيق لجنة سوق المال الأمريكية الشديد، إلى استقالة الرئيس التنفيذي لشركة شِل، فيليب واتس.
(٣) مقابلة للمؤلِّف مع جيم كونستلر، ٤ أكتوبر ٢٠٠٦.
(٤) مقابلة للمؤلِّف مع دان ماينر، ٧ سبتمبر، ٢٠٠٦.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤