الفصل السادس

النظام والفوضى والإنتروبيا

لا الجسم يستطيع أن يدفع النفس إلى التفكير، ولا النفس تستطيع أن تدفع الجسم إلى الحركة أو السكون أو إلى أيِّ حالٍ آخَر (إن وُجد حال آخر).

سبينوزا، «علم الأخلاق»، الجزء ٣، قضية ٢

(١) استنتاج عام جدير بالملاحظة من النموذج

دعوني أعُدْ بكم إلى جملة في القسم الذي يتحدَّث عن الشفرة المصغَّرة في الفصل السابق، التي فيها حاولت أن أقول إن الصورة الجزيئية للجين جعلت على الأقل من المتصوَّر أن الشفرة المصغَّرة يجب أن تتناسب بدقة مع خطةِ تطوُّرٍ ونُموٍّ عالية التعقيد والتحديد، ويجب على نحو ما أن تحتوي على الوسائل التي تجعلها تعمل. هذا عظيم جدًّا، لكنها كيف تفعل هذا؟ كيف سنُحوِّل «القابلية للتصور» إلى فهم حقيقي؟

إن نموذج ديلبروك الجزيئي، في عموميته الكاملة، يبدو أنه لا يحوي أي إشارة عن كيفية عمل المادة الوراثية. في واقع الأمر، أنا لا أتوقع احتمالية أن تأتي أي معلومات مفصَّلة بخصوص هذا الموضوع من الفيزياء في المستقبل القريب. إن التقدم صائر، وأنا مُتأكِّد من أنه سوف يستمر مُعتمدًا على الكيمياء الحيوية تحت توجيه من الفسيولوجيا وعلم الوراثة.

لا يمكن أن تنبثق معلومات مفصلة عن عمل الآلية الوراثية من وصف لتركيبها عام جدًّا كالذي قدَّمنا أعلاه. هذا واضح، لكن الغريب جدًّا أنه يمكن الحصول منه على استنتاجٍ واحد عام، استنتاج أعترف أنه كان دافعي الوحيد لكتابة هذا الكتاب.

من الصورة العامة لنموذج ديلبروك عن المادة الوراثية، يظهر أن المادة الحية، رغم أنها قد لا تزال تخضع لقوانين الفيزياء الثابتة حاليًّا، فإنها قد تتضمن «قوانين فيزياء أخرى» غير معروفة حتى الآن، ومع ذلك بمجرد أن يُكشَف عنها، ستشكل جزءًا أساسيًّا من هذا العِلم كالقوانين السابقة.

(٢) النظام مبني على نظام

هذا إلى حدٍّ ما خطٌّ دقيق للتفكير، معرَّض لإساءة الفهم في أكثر من صدد. وقد خصَّصنا كل الصفحات المُتبقية من هذا الكتاب لتوضيحه. وربما تجد رؤية مبدئية له — عامة لكن ليست خاطئة بالكلية — في الاعتبارات التالية:

في الفصل الأول أوضَحنا أن قوانين الفيزياء، كما نعرفها، هي قوانين إحصائية.١ فهي مُرتبطة على نحوٍ كبير بميل الأشياء الطبيعي للتحول إلى الفوضى.

لكن للجمع بين الاستمرار الكبير للمادة الوراثية وحجمها الصغير جدًّا، يجب علينا أن نتجنَّب الميل للفوضى عن طريق «اختراع الجزيء»؛ في الحقيقة، هو جزيء ضخم على نحو غير معتاد، ويجب أن يكون نتاج إبداع نظام شديد التخصُّص تحميه العصا السحرية الخاصة بنظرية الكم. إن قوانين الصدفة لا يبطلها هذا «التدخل»، لكن محصَّلتها تُعدَّل. إن الفيزيائي يألف الحقيقة القائلة إن القوانين الكلاسيكية للفيزياء تُعدَّل بواسطة نظرية الكم، خاصة عند درجات الحرارة المنخفضة. ويوجد الكثير من الأمثلة على ذلك، والحياة تبدو مثالًا منها، وهو مثال لافت للنظر على نحو خاص. الحياة تبدو سلوكًا للمادة منظَّمًا ومُنضبطًا، وليس مبنيًّا على نحو حصري على ميلها للتحول من النظام إلى الفوضى، ولكن جزئيًّا على نظام موجود يُبقى عليه.

أتمنى أن أجعل وجهة نظري أوضح للفيزيائي — وله هو فقط — بأن أقول إن الكائن الحي يبدو نظامًا عيانيًّا والذي يقترب في جزء من سلوكه من التصرف الميكانيكي (وليس الديناميكي الحراري) الخالص الذي تميل له كل الأنظمة، كلما اتجهت درجة الحرارة للصفر المُطلَق وانتهت الفوضى الجزيئية.

سيجد غير الفيزيائي أنه من العسير تصديق أن القوانين العادية للفيزياء، التي يَعُدُّها النموذج المبدئي للدقة الشديدة، يجب أن تكون مبنية على الميل الإحصائي للمادة للتحوُّل نحو الفوضى. لقد طرحت أمثلة في هذا الصدد في الفصل الأول. إن المبدأ العام ذا الصلة في هذا الإطار هو قانون الديناميكا الحرارية الثاني الشهير (قانون الإنتروبيا)، وتأسيسه الإحصائي المُماثل له في الشهرة. في هذا الفصل، سوف أُحاول توضيح تأثير مبدأ الإنتروبيا على السلوك الواسع النطاق للكائن الحي — متناسيًا في هذه اللحظة كل ما طُرح عن الكروموسومات والوراثة، وهكذا.

(٣) المادة الحية تَهرب من التحلُّل بالوصول إلى التوازن

ما السمة المميزة للحياة؟ متى نقول على قطعة من المادة إنها حية؟ نقول ذلك عندما تستمر في «فعل شيء ما»، والتحرُّك، وتبادل مواد مع بيئتها، وهكذا؛ وذلك لمدة أطول بكثير من تلك التي نتوقع لقطعة جامدة من المادة أن «تستمر» فيها في فعل ذلك تحت ظروف مشابهة. فعندما يُعزَل نظام غير حي أو يُوضع في بيئة منتظمة، سرعان ما تتوقف كل الحركة غالبًا نتيجةً لأنواع مختلفة من الاحتكاك؛ تتعادل اختلافات الجهد الكهربي أو الكيميائي، وهذا ما تفعله المواد التي تميل إلى تكوين مركبات كيميائية، كما أن الحرارة تُصبح واحدة بفعل التوصيل الحراري. بعد ذلك يتلاشى النظام كله ليتحوَّل إلى كتلة من المادة خاملة لا حراك فيها، ويُوصَّل لحالة دائمة لا يجري فيها أي أحداث يُمكن ملاحظتها. إن الفيزيائي يدعو هذا بحالة التوازُن الديناميكي الحراري أو «الإنتروبيا القُصوى».

عمليًّا، إن حالة من هذا النوع يتمُّ الوصول إليها غالبًا على نحوٍ سريع جدًّا. ونظريًّا، هي في أغلب الأحيان ليست بعدُ بتوازُن مُطلَق، ولا إنتروبيا قصوى حقيقة. لكن حينها يكون الاقتراب النهائي من حالة التوازُن بطيئًا جدًّا. ومن المُمكن أن يَستغرِق ساعات، أو سنوات، أو قرونًا، وهكذا. فلنطرح مثالًا واحدًا لا يزال الاقتراب فيه من حالة التوازن سريعًا بعض الشيء: لو وُضع معًا كوب من الماء مملوء بماءٍ خالص وآخر مملوء بماء مُحلًّى بالسكر في صندوق محكم الغلق في ظل درجة حرارة ثابتة، فسيبدو في البداية أن لا شيء يَحدث ويولد الانطباع بوجود توازُن كامل. ولكن بعد يومٍ أو نحو ذلك، يُلاحَظ أن الماء النقي بسبب ضغط بخاره الأعلى، سيتبخَّر ببطء ويتكثف على المحلول الذي سيفيض في نهاية الأمر. وفقط بعد أن يتبخر كل الماء النقي، يكون السكر قد وصل إلى غايته بأن يُصبح موزَّعًا على نحو مُتساوٍ في كل الماء السائل المتاح.

إن عمليات الاقتراب البطيئة النهائية هذه من التوازن لا يمكن أبدًا أن نطلق عليها حياة، ويحق لنا أن نتجاهلها هنا. ولقد أشرت إليها فقط كي لا أُتهم بعدم الدقة.

(٤) الكائن الحي يتغذى على «الإنتروبيا السلبية»

إن الكائن الحي بتجنُّبه للتحلل السريع والوصول نحو الحالة الخاملة ﻟ «التوازن» يبدو مُلغزًا للغاية، لدرجة أنه منذ الأزمنة المبكِّرة للفكر البشري كان يُزعم وجود قوة ما خاصة غير طبيعية أو خارقة للطبيعة (القوة الحيوية، أو الإنتلخيا)، تسيطر على الكائن الحي، وفي بعض المناطق ما يزال هذا الزعم سائدًا.

كيف يتجنَّب الكائن الحي التحلل؟ الإجابة الواضحة هي: من خلال الأكل والشرب والتنفس و(في حالة النبات) التمثُّل الحيوي. المصطلح التقني هنا هو «الأيض». إن المقابل اليوناني له يعني التغيير أو التبادل. تبادل ماذا؟ إن الفكرة الأساسية هنا هي — بلا شك — تبادُل المواد. إن كون تبادُل المواد هو الشيء الأساسي لهو أمر سخيف. فإن أي ذرة نيتروجين أو أكسجين أو كبريت … إلخ مثلها مثل أي ذرة أخرى من نوعها نفسه؛ فما الذي سيَكتسبه الكائن الحي بتبادلها؟ قد أُسكت فضولنا لبعض الوقت في الماضي بقولهم لنا إننا نتغذَّى على الطاقة. في بعض البلاد المتقدِّمة جدًّا (لا أذكر إن كانت ألمانيا أو الولايات المتحدة الأمريكية أو الاثنتين)، يُمكن أن تجد في المطاعم قوائم طعام تُشير، بالإضافة إلى السِّعر، إلى الطاقة الموجودة في كل طبق. من الواضح أننا إذا نظرنا للأمر على نحو مجرَّدٍ فإننا سنجده سخيفًا. فبالنسبة للكائن الحي البالغ، إن محتوى الطاقة ثابت مثل محتوى المادة. وحيث إن، بالتأكيد، أي كالوري أو سُعر حراري يساوي في قيمته أي سُعر حراري آخر، فلا يمكن لنا أن نفهم جدوى أي عملية تبادل بسيطة.

إذن، ما ذلك الشيء النفيس الموجود في الطعام، الذي يُجنِّبنا الموت؟ يمكن الإجابة على ذلك بسهولة. كل عملية، أو حدث، أو حادث — سمِّها كيف تشاء — كل شيء يحدث في الطبيعة يعني زيادة في الإنتروبيا في جانب العالم الذي يَحدث فيه. وهكذا فإن الكائن الحي باستمرار يزيد من إنتروبيته — كما يُمكنك أن تقول: ينتج إنتروبيا إيجابية — ومن ثم يَميل إلى الاقتراب من الحالة الخطرة للإنتروبيا القصوى، التي هي الموت. وهو يستطيع فقط أن يبقى بمعزل عن ذلك — أي على قيد الحياة — عن طريق امتصاص إنتروبيا سلبية من بيئته باستمرار؛ وهو شيء إيجابي جدًّا، وذلك كما سوف نوضح بعد قليل. ما يتغذى عليه الكائن الحي هو الإنتروبيا السلبية. أو لنضع ذلك على نحو أقل تناقضًا، الشيء الجوهري في عملية الأيض هو أن الكائن الحي ينجح في تحرير نفسه من كل الإنتروبيا التي لا يسعه إلا إنتاجها بينما هو على قيد الحياة.

(٥) ما الإنتروبيا؟

ما الإنتروبيا؟ دعوني أولًا أؤكد أنها ليست فكرة أو مفهومًا مُبهَمًا، ولكن كمية فيزيائية يُمكن قياسها، تمامًا مثل طول قضيب أو درجة الحرارة في أي نقطة في جسم أو حرارة انصهار بلورة ما أو الحرارة النوعية لمادة ما. في درجة حرارة نقطة الصفر المُطلَق (−٢٧٣ درجة مئوية تقريبًا)، فإن إنتروبيا أي مادة هي الصفر. وعندما تحول مادة إلى أي حالة أخرى في خطوات بطيئة وقابلة للانعكاس (حتى لو بذلك تغير المادة من طبيعتها الفيزيائية أو الكيميائية أو تَنشقُّ إلى جزأين أو أكثر لهما طبيعة فيزيائية أو كيميائية مختلفة)، فإن الإنتروبيا تزيد بكمية يُمكن حسابها بقسمة كل جزء صغير من الحرارة يجب عليك أن تمدَّ بها العملية على درجة الحرارة المُطلَقة التي زودت الحرارة عندها، ثم جمع كل هذه المساهمات الصغيرة. على سبيل المثال، عندما تصهَر جامدًا، فإن إنتروبيته تزيد بقدر حرارة الانصهار مقسومة على درجة الحرارة عند نقطة الانصهار. من ذلك، يتَّضح لك أن الوحدة التي تُقاس بها الإنتروبيا هي الكالوري/الدرجة المئوية (كما أن الكالوري هي وحدة قياس الحرارة والسنتيمتر وحدة قياس الطول).

(٦) المعنى الإحصائي للإنتروبيا

لقد ذكرت ذلك التعريف التِّقني ببساطة لأُخرج الإنتروبيا من أجواء الغموض المُبهَم الذي يُحيط بها في كثير من الأحيان. الأكثر أهمية لنا هنا هو علاقتها بالمفهوم الإحصائي للنظام والفوضى، وهي علاقة كشفَتها أبحاث بولتسمان وجيبز في الفيزياء الإحصائية. تلك العلاقة أيضًا كمية، ويُمكن التعبير عنها كما يلي:
حيث هو الإنتروبيا و هو ما يُسمى بثابت بولتسمان (الذي يُساوي ٣٫٢٩٨٣ × ١٠−٢٤ كالوري/درجة مئوية) و هو مقياس كمِّي للفوضى الذرية للجسم ذي الصلة. إن عرض شرح دقيق لهذه الكمية بكلمات قليلة وغير متخصِّصة أمرٌ يقترب جدًّا من المستحيل. فالفوضى التي تشير إليها جزئيًّا هي تلك التي للحركة الحرارية، وجزئيًّا هي تلك التي تتكون من أنواع مختلفة من الذرات أو الجزيئات المختلطة معًا في عشوائية، بدلًا من أن تكون مُنفصِلة على نحوٍ مُنظَّم، كجزيئات الماء والسكَّر في المثال المستشهَد به أعلاه. ستتضح معادلة بولتسمان جيدًا من خلال هذا المثال. إن «الانتشار» التدريجي للسكَّر خلال كل الماء المتاح يزيد من الفوضى ؛ ومن ثم الإنتروبيا (وذلك لأن لوغاريتم يزيد مع ازدياد .) من الواضح جدًّا أيضًا أن أي إمداد بالحرارة يزيد من اضطراب الحركة الحرارية؛ بمعنى أنه يزيد من ؛ ومن ثم يزيد من الإنتروبيا؛ فمن الواضح على نحوٍ خاصٍّ أن ذلك هو ما يجب أن تكون عليه الحال عند صَهر بلورة؛ لأنك بذلك تُدمر الترتيب المُنتظم والدائم للذرات أو الجزيئات، وتُحوِّل الشبكة البلورية إلى توزيع عشوائي متغير باستمرار.

إن أي نظام معزول أو أي نظام في بيئة منتظمة (الذي لأغراض تناولنا الحالي حاولنا جاهِدين تضمينه عن طريق اعتباره جزءًا من النظام الذي نتأمَّله) تزداد إنتروبيته ويقترب بسرعة أكبر أو أقل من الحالة الخاملة للإنتروبيا القصوى. الآن نُدرك أن قانون الفيزياء الأساسي هذا هو مجرد الميل الطبيعي للأشياء للوصول إلى الحالة الفوضوية (وهو الميل نفسه الذي تُظهره الكتب في المكتبة أو أكوام الأوراق الموضوعة على طاولة الكتابة) ما لم نتجنَّبه. (إن المعادل للحركة الحرارية غير المنتظمة، في هذه الحالة، هو تعاملنا مع تلك الأشياء من آنٍ لآخر دون أن نشغل أنفسنا بإعادتها إلى أماكنها الأصلية.)

(٧) التنظيم يُحفَظ باستخلاص «النظام» من البيئة

كيف يُمكننا أن نعبِّر باستخدام مصطلحات النظرية الإحصائية عن الملكة البديعة للكائن الحي التي بها يُؤجل التحلُّل والوصول للتوازن الديناميكي الحراري (أي الموت)؟ قلنا من قبل: «إنه يتغذى على الإنتروبيا السلبية»؛ إذ إنه يجذب تيارًا من الإنتروبيا السلبية لنفسه؛ ليُعوِّض زيادة الإنتروبيا التي ينتجها بالعيش، وليحافظ على نفسه في مستوى إنتروبيا ثابت ومُنخفِض بعض الشيء.

لو أن هو مقياس للفوضى، فمقلوبه، ، يمكن عدُّه مقياسًا مباشرًا للنظام. وبما أن لوغاريتم هو مجرد سالب لوغاريتم ، فيمكننا أن نكتب معادلة بولتسمان كالتالي:

على هذا، فالمُصطلَح غير المناسب «الإنتروبيا السلبية» يمكن أن يُستبدل به واحد آخر أفضل، وهو: الإنتروبيا السالبة العلامة، هي في حد ذاتها مقياس للنظام؛ من ثم فإن الأداة التي يحافظ بها الكائن الحي على ثباته في مستوًى عالٍ إلى حدٍّ ما من التنظيم (أي مستوًى قليل إلى حدٍّ ما من الإنتروبيا) تتمثل في واقع الأمر في الاستخلاص المستمر للتنظيم من بيئته. هذا الاستنتاج أقل تناقضًا مما يبدو للوهلة الأولى. بل وقد يُنظر إليه بأنه بسيط للغاية. في واقع الأمر، في حالة الحيوانات الأعلى، نحن نعرف نوع التنظيم الذي تتغذى عليه على نحو كافٍ جدًّا؛ أي الحالة الجيدة التنظيم جدًّا للمادة في المركَّبات العضوية المعقَّدة إلى حدٍّ ما، التي تعمل بمثابة مواد غذائية لها. وبعد استخدامها لها، فإنها تُعيدها في صورة أكثر تحلُّلًا، لكنها ليست متحلِّلة تمامًا؛ فالنباتات لا تزال بإمكانها الاستفادة منها. (إن النباتات، بكل تأكيد، تحصل على القدر الأكبر من «الإنتروبيا السلبية» من ضوء الشمس.)

ملحوظة على الفصل السادس

قُوبلت الملاحظات على «الإنتروبيا السلبية» بشك ومعارضة من الزملاء الفيزيائيين. دعوني أقُل أولًا لو أن تركيزي كان موجهًا لهم فقط، لكنت تركتُ المناقشة تتحوَّل نحو «الطاقة الحرة» بدلًا من ذلك. فهو المفهوم المألوف أكثر في هذا السياق. لكن هذا المصطلح العالي التقنية بدا لغويًّا قريبًا جدًّا من «الطاقة» بحيث يجعل من الصعب على القارئ العادي إدراك الفرق بين الشيئين. فهو من المحتمل أن يَعُدَّ كلمة «حر» على نحو أو آخر كلمةً وصفيةً دون أن تضيف له شيئًا، بينما المصطلح في حقيقة الأمر معقَّد جدًّا، والذي تقل سهولة تتبع علاقته بمبدأ بولتسمان للنظام والفوضى أقل سهولة مقارنةً بالإنتروبيا و«الإنتروبيا السالبة العلامة»، والتي هي بالمناسبة ليست من ابتكاري. وتصادف أنها كانت بالضبط هي الشيء نفسه الذي اعتمدتْ عليه الحُجة الأصلية لمبدأ بولتسمان.

لكن إف سايمون لفَت انتباهي على نحو مُصيب إلى أن اعتباراتي الديناميكية الحرارية البسيطة لا يُمكن أن تكون المسئولة عن اضطرارنا للتغذي على مادة «في الحالة الجيدة التنظيم جدًّا للمركبات العضوية المعقَّدة إلى حدٍّ ما»، بدلًا من التغذي على الفحم النباتي أو لبِّ الماس. هو على صواب، لكن يجب عليَّ أن أوضح للقارئ العادي أن قطعة غير مُحترقة من الفحم أو الماس، إلى جانب الكمية اللازمة من الأكسجين لاحتراقها، هما أيضًا في حالة جيدةِ التنظيم جدًّا، كما يفهم الفيزيائي الأمر. تأمل معي ذلك: إذا سمحت للتفاعل أن يحدث، احتراق الفحم، فستنتج كمية كبيرة من الحرارة. وبإطلاق النظام لها في البيئة المحيطة، فإنه يتخلَّص من الزيادة الكبيرة جدًّا في الإنتروبيا الناتجة عن التفاعُل، ويصل إلى حالة يكون لديه فيها — في الحقيقة — الإنتروبيا نفسها تقريبًا كما كانت من قبل.

إلا أننا لا نستطيع أن نتغذَّى على ثاني أكسيد الكربون الناتج من التفاعل. ولذلك فسايمون مُصيب إلى حدٍّ ما بلفته نظري إلى أن محتوى الطاقة لطعامنا «يمثل» بالفعل فارقًا؛ لذا، فسُخريتي من قوائم الطعام التي تشير إلى محتوى الطاقة كانت خاطئة. فهناك احتياج إلى الطاقة ليس فقط لتعويض الطاقة الميكانيكية التي تَفقدها أجسادنا أثناء بذل الجهد، ولكن أيضًا الحرارة التي نُطلقها باستمرار إلى البيئة. وإطلاقنا للحرارة ليس عرضيًّا، بل ضرورة؛ إذ هذا هو بالضبط الأسلوب الذي نطلق من خلاله فائض الإنتروبيا الذي نُنتجه باستمرار في عملياتنا الحياتية المادية.

هذا يبدو وكأنه يُشير إلى أن درجة الحرارة الأعلى للحيوان ذي الدم الحار تتضمَّن مزية تمكينه من التخلُّص من إنتروبيته بمعدل أسرع، بحيث يستطيع أن يُوفِّر لنفسه عملية حياتية أكثر قوة. لا أعرف مقدار الحقيقة الموجودة في هذه الحجة (التي أنا المسئول عنها وليس سايمون)؛ فقد يُعارضها أحدهم ويقول إن الكثير من ذوي الدم الحار «محميون» من الفقدان السريع للحرارة بأغطية من الفرو أو الريش. لذلك فالتوازي بين درجة حرارة الجسم و«قوة الحياة» الذي أومن بوجوده ربما يُمكن تفسيره على نحوٍ مباشر بواسطة قانون فانت هوف، الذي ذكرناه سابقًا، والذي يقول إن درجة الحرارة الأعلى ذاتها تُسرع من وتيرة التفاعُلات الكيميائية التي تتمُّ داخل الأحياء. (لقد تأكَّد تجريبيًّا أنها تفعل هذا في الأنواع التي تأخذ درجة حرارة البيئة المحيطة.)

هوامش

(١) إن قَول هذا بعمومية كاملة عن «قوانين الفيزياء» ربما يُثير الجدل؛ لذا سنُناقش تلك النقطة في الفصل السابع.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤