الفصل الثاني عشر

باسبارتو يُوَاصِلُ الرِّحْلَةَ وَحِيدًا، وَيَنْضَمُّ لِفَرِيقِ «لونج نوزِز»

غَادَرَتِ الْبَاخِرَةُ «كارناتيك» هونج كونج فِي مَوْعِدِهَا الْمُحَدَّدِ، وَلَكِنْ بِغُرْفَتَيْنِ فَارِغَتَيْنِ، إِنَّهُمَا غُرْفَتَا فيلياس فوج وعودا. وَفِي الْيَوْمِ التَّالِي، تَعَثَّرَ رَاكِبٌ ذُو عَيْنَيْنِ غَائِمَتَيْنِ وَشَعْرٍ أَشْعَثَ خَارِجَ كَابِينَتِهِ وَتَلَمَّسَ طَرِيقَهُ إِلَى سَطْحِ الْبَاخِرَةِ؛ إِنَّهُ باسبارتو!

كَانَ باسبارتو قَدِ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ لَا يَزَالُ يُعَانِي دُوَارًا مِنْ أَثَرِ الضَّرْبَةِ عَلَى رَأْسِهِ بَعْدَ ثَلَاثِ سَاعَاتٍ مِنْ رَحِيلِ فيكس فِي ذَلِكَ الْمَطْعَمِ الْكَئِيبِ، وَصَاحَ: «كارناتيك! كارناتيك!» كَأَنَّمَا أَدْرَكَ أَيْنَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ، وَبِالْكَادِ اسْتَطَاعَ الْوُقُوفَ وَسَحَبَ نَفْسَهُ وَتَعَثَّرَ حَتَّى وَصَلَ إِلَى الْبَاخِرَةِ، ثُمَّ سَقَطَ عَلَى مَتْنِ الْبَاخِرَةِ وَهِيَ عَلَى وَشْكِ الرَّحِيلِ مِنَ الْمِينَاءِ.

فَأَشْفَقَ عَلَيْهِ اثْنَانِ مِنْ طَاقَمِ الْبَاخِرَةِ وَحَمَلَاهُ إِلَى كَابِينَتِهِ، وَلَمْ يَسْتَيْقِظْ باسبارتو إِلَّا فِي مُنْتَصَفِ الْيَوْمِ التَّالِي.

كَانَ يُفَكِّرُ قَلِقًا: «مَاذَا سَيَقُولُ السَّيِّدُ فوج عَنِّي عِنْدَمَا يَرَانِي هَكَذَا؟ مَا الَّذِي حَدَثَ لِي؟ عَلَى الْأَقَلِّ تَمَكَّنْتُ مِنَ الْوُصُولِ إِلَى الْبَاخِرَةِ.»

نَهَضَ باسبارتو وَبَدَأَ يَسْتَكْشِفُ الْبَاخِرَةَ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَرَ أَيَّ شَخْصٍ يَبْدُو مِثْلَ فيلياس فوج أَوْ عودا، فَذَهَبَ إِلَى غُرْفَةِ الطَّعَامِ لِيَرَى مَا إِذَا كَانَ أَيٌّ مِنْهُمَا هُنَاكَ، لَكِنَّهُمَا لَمْ يَكُونَا هُنَاكَ.

وَأَخِيرًا، سَأَلَ باسبارتو مُسَافِرًا آخَرَ عَلَى مَتْنِ الْبَاخِرَةِ إِذَا كَانَ يَعْرِفُ أَيْنَ يُمْكِنُهُ الْعُثُورُ عَلَى فيلياس فوج.

فَأَجَابَهُ الْمُسَافِرُ: «لَا يُوجَدُ أَحَدٌ بِهَذَا الِاسْمِ عَلَى ظَهْرِ الْبَاخِرَةِ.»

سَأَلَ باسبارتو: «هَلْ أَنَا عَلَى مَتْنِ الْبَاخِرَةِ «كارناتيك»؟»

– «نَعَمْ.»

– «فِي الطَّرِيقِ إِلَى «يوكوهاما»؟»

– «نَعَمْ.»

سَقَطَ باسبارتو عَلَى مَقْعَدٍ وَكَأَنَّمَا أَصَابَتْهُ صَاعِقَةٌ، وَبَدَأ يَسْتَرْجِعُ كُلَّ الْأَحْدَاثِ! لَا بُدَّ وَأَنَّ السَّيِّدَ قَدْ فَاتَتْهُ الْبَاخِرَةُ. كَانَ باسبارتو الْآنَ فِي طَرِيقِهِ إِلَى الْيَابَانِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ نُقُودًا عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَلَكِنْ كَانَتِ الرِّحْلَةُ سَتَسْتَغْرِقُ خَمْسَةً إِلَى سِتَّةِ أَيَّامٍ؛ لِذَا فَعَلَى الْأَقَلِّ سَيَكُونُ أَمَامَهُ بَعْضُ الْوَقْتِ لِيُفَكِّرَ مَاذَا سَيَفْعَلُ.

عِنْدَمَا رَسَتِ السَّفِينَةُ فِي يوكوهاما، نَزَلَ باسبارتو بِبُطْءٍ مِنْ عَلَى مَتْنِ السَّفِينَةِ إِلَى الشَّاطِئِ، وَلَمْ يَكُنْ لَدَيْهِ شَيْءٌ يُرْشِدُهُ سِوَى قَدَرِهِ وَهُوَ يَجُوبُ شَوَارِعَ الْمَدِينَةِ الْيَابَانِيَّةِ. فِي الْبِدَايَةِ، تَفَقَّدَ الْجُزْءَ الْأُورُوبِّيَ مِنَ الْمَدِينَةِ حَيْثُ وَجَدَ الْعَدِيدَ مِنَ التُّجَّارِ يَبِيعُونَ بَضَائِعَهُمْ. ثُمَّ تَوَجَّهَ إِلَى الْقُنْصُلِيَّتَيْنِ الْفَرَنْسِيَّةِ وَالْإِنْجِلِيزِيَّةِ لِيَرَى إِنْ كَانَ لَدَيْهِمَا أَيُّ رَسَائِلَ مِنْ فيلياس فوج، وَلَكِنْ لَمْ يُحَالِفْهُ الْحَظُّ، فَمَضَى قُدُمًا فِي اسْتِكْشَافِ الْمَدِينَةِ.

وَسَأَلَ باسبارتو نَفْسَهُ وَهُوَ يَتَجَوَّلُ فِي شَوَارِعِ الْمَدِينَةِ الْمُزْدَحِمَةِ: «مَاذَا سَأَفْعَلُ لِلْحُصُولِ عَلَى الطَّعَامِ؟» وَأَخَذَ يَتَفَحَّصُ نَوَافِذَ الْمَحَلَّاتِ الثَّرِيَّةِ وَالْعَجِيبَةِ، كَمَا رَأَى مَقَاهِيَ وَتَمَنَّى لَوْ كَانَ لَدَيْهِ الْمَالُ لِيَجْلِسَ فِي إِحْدَاهَا. ظَلَّ باسبارتو جَائِعًا لِفَتْرَةٍ طَوِيلَةٍ مِنْ نَهَارِ وَلَيْلِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ يَتَجَوَّلُ فِي أَرْجَاءِ الْمَدِينَةِ، ظَلَّ يَمْشِي وَيَمْشِي، وَلَمْ يَحْصُلْ عَلَى قِسْطٍ مِنَ الرَّاحَةِ قَطُّ، حَتَّى عِنْدَمَا حَلَّ الْمَسَاءُ.

وَفِي صَبَاحِ الْيَوْمِ التَّالِي، كَانَ باسبارتو الْمِسْكِينُ يُدْرِكُ أَنَّهُ يَحْتَاجُ لِيَأْكُلَ قَرِيبًا. كَانَ مِنَ الْمُمْكِنِ أَنْ يَبِيعَ سَاعَتَهُ وَلَكِنَّهَا كَانَتْ عَزِيزَةً جِدًّا بِالنِّسْبَةِ لَهُ، وَلَمْ يَكُنْ يَرْغَبُ فِي فِرَاقِهَا. وَبَعْدَ الْكَثِيرِ مِنَ التَّفْكِيرِ، قَرَّرَ أَنْ يُحَاوِلَ الْغِنَاءَ مِنْ أَجْلِ الْحُصُولِ عَلَى الطَّعَامِ.

ثُمَّ فَكَّرَ: «لَكِنَّنِي مُتَأَنِّقٌ بِدَرَجَةٍ لَا تُنَاسِبُ الْغِنَاءَ فِي الشَّارِعِ. نَعَمْ، سَوْفَ أُقَايِضُ مَلَابِسِي بِمَلَابِسَ ذَاتِ طَابَعٍ يَابَانِيٍّ.»

خَرَجَ باسبارتو مِنْ عِنْدِ تَاجِرِ الْمَلَابِسِ بِبَعْضِ الْقِطَعِ الْفِضِّيَّةِ فِي يَدِهِ وَمَلَابِسَ يَابَانِيَّةٍ جَدِيدَةٍ، فَكَانَ يَرْتَدِي ثَوْبًا طَوِيلًا وَعِمَامَةً ذَاتَ جَانِبٍ وَاحِدٍ.

وَفَكَّرَ فِي نَفْسِهِ: «يُمْكِنُنِي التَّظَاهُرُ بِأَنَّنِي فِي مِهْرَجَانٍ!»

دَخَلَ باسبارتو فِي أَوَّلِ مَقْهًى قَابَلَهُ، وَطَلَبَ بَعْضًا مِنَ الْأُرْزِ وَالدَّجَاجِ فَوْرَ جُلُوسِهِ، وَالْتَهَمَ طَعَامَهَ بِسُرْعَةٍ شَدِيدَةٍ. وَأَثْنَاءَ تَنَاوُلِ الطَّعَامِ فَكَّرَ باسبارتو أَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْعُثُورُ عَلَى وَظِيفَةٍ عَلَى مَتْنِ بَاخِرَةٍ مُتَّجِهَةٍ إِلَى أَمْرِيكَا بَدَلًا مِنَ الْغِنَاءِ مِنْ أَجْلِ الطَّعَامِ أَوِ الْمَالِ.

– «عَلَى الْأَقَلِّ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ سَيَكُونُ لَدَيَّ أَمَلٌ فِي الْعُثُورِ عَلَى سَيِّدِي.»

عَادَ باسبارتو إِلَى الْمَرْسَى وَهُوَ يُفَكِّرُ: «كَيْفَ سَأَجِدُ وَظِيفَةً؟ مَنْ سَيَتْرُكُنِي أَصْعَدُ عَلَى مَتْنِ الْبَاخِرَةِ بِهَذِهِ الْمَلَابِسِ؟» كَانَتْ هَذِهِ الْأَسْئِلَةُ وَغَيْرُهَا تَدُورُ فِي ذِهْنِهِ عِنْدَمَا صَادَفَ مُهَرِّجًا يَحْمِلُ لَوْحَةً ضَخْمَةً كُتِبَ عَلَيْهَا:
الْفِرْقَةُ الْبَهْلَوَانِيَّةُ
يُقَدِّمُهَا
الْمُحْتَرَمُ
ويليام باتولكار
لَا تُفَوِّتُوا آخِرَ
عَرْضٍ لِفِرْقَةِ
«لونج نوزِز» «لونج نوزِز»
سَنَتَّجِهُ إِلَى
«أَمْرِيكَا»!

قَالَ باسبارتو: «أَمْرِيكَا! هَذَا بِالضَّبْطِ مَا أَحْتَاجُ إِلَيْهِ!»

لَحِقَ باسبارتو بِالْمُهَرِّجِ حَتَّى وَسْطِ الْمَدِينَةِ، وَبَعْدَ خَمْسِينَ دَقِيقَةً، كَانَ باسبارتو يَقِفُ أَمَامَ كَابِينَةٍ كَبِيرَةٍ مُزَيَّنَةٍ بِالشَّرَائِطِ وَمَرْسُومٍ عَلَيْهَا بَهْلَوَانَاتٌ. دَخَلَ باسبارتو إِلَى الْكَابِينَةِ وَسَأَلَ عَنِ السَّيِّدِ باتولكار، الَّذِي سُرْعَانَ مَا خَرَجَ لِيُقَابِلَهُ.

سَأَلَ باتولكار: «مَاذَا تُرِيدُ؟»

فَأَجَابَهُ باسبارتو: «أَنَا لَاعِبُ جُمْبَازٍ وَمُطْرِبٌ وَمُمَثِّلٌ يَا سَيِّدِي، فَهَلْ تَحْتَاجُ إِلَى أَيٍّ مِنْ مَهَارَاتِي؟»

سَأَلَهُ السَّيِّدُ باتولكار: «هَلْ أَنْتَ فَرَنْسِيٌّ؟»

قَالَ باسبارتو: «نَعَمْ، أَنَا مِنْ بَارِيسَ، وَلَكِنَّنِي أَعِيشُ فِي إِنْجِلْتِرَا مُنْذُ سَنَوَاتٍ طَوِيلَةٍ، وَالْآنَ، أَرْغَبُ فِي زِيَارَةِ أَمْرِيكَا.»

– «هَلْ أَنْتَ قَوِيُّ الْبِنْيَةِ؟ هَلْ تَسْتَطِيعُ الْغِنَاءَ وَأَنْتَ تَقِفُ عَلَى رَأْسِكَ، وَعَلَى قَدَمِكَ الْيُمْنَى نَحْلَةٌ دَوَّارَةٌ وَعَلَى قَدَمِكَ الْيُسْرَى سَيْفٌ مُتَوَازِنٌ؟»

أَجَابَ باسبارتو: «هَاهْ! أَعْتَقِدُ ذَلِكَ!» وَتَذَكَّرَ كَيْفَ كَانَ رَشِيقًا فِي صِغَرِهِ، لَقَدْ كَانَ بَهْلَوَانًا!

– «حَسَنًا، هَذَا جَيِّدٌ بِالنِّسْبَةِ لِي، تَمَّ تَعْيِينُكَ!» ثُمَّ نَظَرَ إِلَى باسبارتو وَقَالَ: «وَلَكِنْ عَلَيْكَ الْعُثُورُ عَلَى مَلَابِسَ نِصْفِ لَائِقَةٍ لِتَرْتَدِيَهَا؛ فَالزِّيُّ الَّذِي تَلْبَسُهُ يَبْدُو سَخِيفًا.»

شَعَرَ باسبارتو بِسَعَادَةٍ غَامِرَةٍ لِأَنَّهُ نَجَحَ أَخِيرًا فِي الْحُصُولِ عَلَى وَظِيفَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ خَادِمَ السَّيِّدَ فوج، فَعَلَى الْأَقَلِّ أَصْبَحَ فِي إمْكَانِهِ الْوُصُولُ إِلَى أَمْرِيكَا وَالْعُثُورُ عَلَيْهِ هُنَاكَ. لَقَدْ حُسِمَ الْأَمْرُ؛ فَسَيَنْضَمُّ إِلَى فَرِيقِ «لونج نوزِز» الَّذِينَ يَقُومُونَ بِعَرْضٍ خَاصٍّ دَاخِلَ الْفِرْقَةِ بِتَكْوِينِ هَرَمٍ بَشَرِيٍّ، وَكَانَ هَذَا الْعَرْضُ الْمُذْهِلُ هُوَ الْفَصْلُ الْخِتَامِيُّ فِي كُلِّ عَرْضٍ.

بَعْدَ الظَّهِيرَةِ، بَدَأَتِ الْحُشُودُ فِي التَّجَمُّعِ؛ فَاكْتَظَّتِ الْمُدَرَّجَاتُ بِأُنَاسٍ مِنْ مُخْتَلِفِ الْأَشْكَالِ وَالْأَحْجَامِ وَالْأَلْوَانِ. وَحَضَرَ كَذَلِكَ الْمُوسِيقِيُّونَ الَّذِينَ كَانُوا يَعْزِفُونَ بِالْأَجْرَاسِ الْقُرْصِيَّةِ وَالطُّبُولِ الْأَفْرِيقِيَّةِ وَالنَّايِ وَالطُّبُولِ وَالدُّفُوفِ.

قَفَزَ الْمُهَرِّجُونَ لِبَدْءِ الْعَرْضِ، وَقَامُوا بِتَنْفِيذِ حَرَكَاتٍ مُبْهِرَةٍ مِنَ التَّدَحْرُجِ وَالْقَفْزِ وَالِانْدِفَاعِ؛ مِمَّا أَسْعَدَ الْحَشْدَ كَثِيرًا. كَانَ هُنَاكَ بَهْلَوَانٌ يَرْمِي الشُّمُوعَ مُشْتَعِلَةً فِي الْهَوَاءِ! وَكَانَ يُطْفِئُهَا عِنْدَمَا تَمُرُّ بِجَانِبِ فَمِهِ وَيُضِيئُهَا مَرَّةً أُخْرَى دُونَ أَنْ يَسْقُطَ أَيٌّ مِنْهَا، وَمَشَى السَّائِرُونَ عَلَى الْحِبَالِ عَلَى سِلْكٍ رَفِيعٍ عَبْرَ الْمَسْرَحِ، وَكَانُوا يَدُورُونَ وَيَقْفِزُونَ بِدُونِ أَنْ يَسْقُطُوا.

وَرَغْمَ كُلِّ ذَلِكَ، كَانَتِ الْأَنْظَارُ مُتَّجِهَةً إِلَى عَرْضِ «لونج نوزِز»، فَكَانُوا يَرْتَدُونَ مِثْلَ الْإِلَهِ الْقَدِيمِ «تنجو» الَّذِي كَانَ لَدَيْهِ أَنْفٌ طَوِيلٌ لِلْغَايَةِ، كَمَا كَانُوا يَضَعُونَ أَجْنِحَةً رَائِعَةً، وَكَانَتْ أُنُوفُهُمْ مَصْنُوعَةً مِنَ الْبَامْبُو وَطُولُهَا خَمْسَةٌ وَسِتَّةٌ وَحَتَّى عَشْرِ أَقْدَامٍ! لَكِنْ كَانَ بَعْضُ هَذِهِ الْأُنُوفِ مُسْتَقِيمًا وَالْآخَرُ مَعْقُوفًا وَبَعْضُهَا بِهِ بُثُورٌ مُضْحِكَةٌ. تَدَحْرَجَ الْمُهَرِّجُونَ وَتَمَايَلُوا وَأَدَّوْا حَرَكَاتٍ بَهْلَوَانِيَّةً وَهُمْ يَضَعُونَ تِلْكَ الْأُنُوفَ الطَّوِيلَةَ عَلَى وُجُوهِهِمْ، كَانَ عَرْضًا لَا يُصَدَّقُ!

أَعْلَنَ السَّيِّدُ باتولكار عَنْ آخِرِ الْعُرُوضِ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ؛ أَلَا وَهُوَ عَرْضُ الْهَرَمِ الْبَشَرِيِّ، وَلَكِنَّ مُؤَدِّي الْعَرْضِ لَنْ يَتَسَلَّقُوا عَلَى ظُهُورِ بَعْضِهِمُ الْبَعْضِ، وَإِنَّمَا سَيُحَافِظُونَ عَلَى اتِّزَانِهِمْ عَلَى أُنُوفِ بَعْضِهِمُ الْبَعْضِ! وَوَقَفَ باسبارتو فِي وَسْطِ الْحَلْبَةِ وَعَلَى وَجْهِهِ أَنْفٌ طُولُهُ سِتُّ أَقْدَامٍ، وَعَلَى ظَهْرِهِ أَجْنِحَةٌ مُتَعَدِّدَةُ الْأَلْوَانِ.

فَكَّرَ باسبارتو وَهُوَ يَتَسَلَّقُ أَعْلَى أَحَدِ الْأُنُوفِ وَيَسْعَى جَاهِدًا لِلْحِفَاظِ عَلَى اتِّزَانِهِ: «عَلَى الْأَقَلِّ سَأَحْصُلُ عَلَى عَشَاءٍ اللَّيْلَةَ.»

وَلَكِنْ فِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ، وَبِنَفْسِ السُّرْعَةِ الَّتِي تَشَكَّلَ فِيهَا الْهَرَمُ، انْهَارَ الْجَمِيعُ أَرْضًا وَتَحَطَّمَتْ كُلُّ الْأُنُوفِ حَوْلَهُمْ.

وَصَاحَ باسبارتو فِي تَعَجُّبٍ: «سَيِّدِي! أَنْتَ هُنَا!» كَانَ ذَلِكَ صَحِيحًا! كَانَ فيلياس فوج يَجْلِسُ بَيْنَ الْجُمْهُورِ، فَقَدْ مَرَّ هُوَ وعودا بِلَافِتَاتِ الْعَرْضِ وَهُمَا يَسْتَكْشِفَانِ الْمَدِينَةَ وَقَرَّرَا الدُّخُولَ وَمُشَاهَدَةَ الْعَرْضِ.

فَقَالَ فيلياس: «هَلْ هَذَا أَنْتَ يَا باسبارتو؟»

– «نَعَمْ! أَنَا هُنَا! أَنَا هُنَا!»

فَقَالَ فيلياس: «حَسَنًا، هيَّا بِنَا إِلَى الْبَاخِرَةِ أَيُّهَا الشَّابُّ!»

غَادَرَ فيلياس وَعودا وَباسبارتو الْمَسْرَحَ مُتَّجِهِينَ إِلَى الْخَارِجِ، فَتَعَقَّبَهُمُ السَّيِّدُ باتولكار إِلَى الْخَارِجِ وَهُوَ يَصْرُخُ قَائِلًا إِنَّ باسبارتو قَدْ دَمَّرَ عَرْضَهُ! فَأَعْطَاهُ السَّيِّدُ فوج بِكَرَمٍ بَعْضَ النُّقُودِ لِإِصْلَاحِ مَا قَدْ تَلِفَ، وَشَقَّ الثَّلَاثَةُ طَرِيقَهُمْ إِلَى الْبَاخِرَةِ الْمُتَّجِهَةِ إِلَى أَمْرِيكَا. كَانَ هُنَاكَ شَيْءٌ وَاحِدٌ فَقَطْ؛ لَقَدْ نَسِيَ باسبارتو أَنْ يَخْلَعَ أَنْفَهُ، فَظَلَّ يَضَعُ ذَلِكَ الْأَنْفَ وَالْأَجْنِحَةَ وَهُوَ يَصْعَدُ عَلَى مَتْنِ السَّفِينَةِ الَّتِي تَحْمِلُ اسْمَ «جنرال جرانت»!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤