الفصل الثالث عشر

حيوانات مصر

عدد الحيوانات الأليفة في مصر كبير جدًّا. وكان يجب أن يكون أكبر من هذا لولا ما يُصيب القطط، فعندما تلد القطة لا تسعى بعد ذلك وراء صُحبة الذكر؛ ولذا تلجأ ذكور القطط إلى حيلة غريبة كي تُصاحب الإناث مرة أخرى. تقبض الذكور على صغار القطط الحديثة الولادة وتنقلها إلى مكان بعيد حيث تقتلها، فلما تجد الإناث أنها فقدت قطيطاتها، وهي مُولعة بحبها، تتلهف إلى الاستعاضة عنها بغيرها، فتسعى من جديد إلى صُحبة الذكور. وكلما شَبَّ حريق في مصر يَحدُث أمر غريب كل الغرابة من القطط؛ إذ يَتُرك الأهالي النار تتأجج ما شاءت أن تتأجج، بينما يقفون حولها على مسافات متفاوتة ويُراقبون هذه الحيوانات التي تتسلل من بين الرجال أو تقفز من فوق رءوسهم، وتندفع إلى داخل اللهب مباشرة. وعندما يَحدثُ هذا يتألم المصريون أشد الألم وأمضَّه. وإذا ماتت قطة في بيت ميتة طبيعية حلَق جميع السكان في ذلك البيت حواجبهم. وعندما يموت كلب يحلقون رءوسهم وجميع جسمهم.

عندما تموت القطط تؤخذ إلى مدينة بوباستيس؛ حيث تُحنط ثم تُدفن في مدفن خاص مقدس. أما الكلاب فتُدفن في البلاد التي تموت فيها في مدافن مقدسة أيضًا. وكذلك يحدث نفس الشيء في حالة النمس. وعلى عكس هذا عندما تموت الصقور وفيران الحقل تُنقَل إلى مدينة بوتو Buto لتُدفن هناك. أما طيور أبي قردان فتُدفن في مدينة هيرمويوليس، وأما الدببة النادرة الوجود في مصر، والذئاب التي لا تَكبُر الثعالب كثيرًا في حجوم أجسامها فتُدفن حيث تموت.
هاك بعض غرائب التمساح: لا تأكل التماسيح شيئًا خلال أشهر الشتاء الأربعة (وهي مدة البيات الشتوي) إنها حيوانات ذوات أربع أقدام، تعيش على البر وفي الماء على حدٍّ سواء، وتَضَع الأنثى بيضها وتفقسه على الشاطئ، وتَقضِي جُل نهارها على اليابسة، ولكنها تأوي إلى النهر في الليل؛ لأن ماءه أدفأ من هواء الليل ومن الندى. والتمساح هو الوحيد بين جميع الحيوانات الذي يكبر بنسبة عظيمة من أصغر حجم إلى أكبر حجم، فبيضة التمساح أكبر قليلًا من بيضة الإوزة. ويولد التمساح في حجم البيضة تقريبًا، وعندما يَبلُغ أقصى نموه يصير طوله سبع عشرة ذراعًا (أي حوالي ٨٫٦٥ من الأمتار) أو أكثر. وتشبه عيناه عينَي الخنزير، وأسنانه ضخمة في شكل الأنياب، يتناسب حجمها مع حجم إطارها. ويختلف التمساح عن سائر الحيوانات الأخرى في أنه عديم اللسان، كما ينفرد أيضًا في كونه لا يستطيع تحريك فكه الأسفل؛ إذ هو الحيوان الوحيد في العالم كله الذي يحرك فكه العلوي دون السفلي. وله مخالب قوية، وجلده مُغطًّى بحراشيف، وحراشيف ظهره قوية لا يمكن أن تنفذ فيها الأسنة أو تؤثر فيها النِّصال. ولا يُبصِر التمساح في الماء، بَيْد أنه حاد البصر وهو على اليابسة. ولما كان يقضي معظم حياته في الماء فإن فمه مملوء دائمًا بالدود، ولهذا السبب بينما تتحاشاه جميع الطيور والحيوانات فإن هناك طائرًا واحدًا هو العصفور الطنَّان trotichus يعيش معه في صداقةٍ وسلامٍ؛ إذ يدين التمساح لهذا الطائر بالشيء الكثير؛ فمن عادة التمساح عندما يخرج من الماء إلى اليابسة أن يستلقي على الأرض ويفتح فاه في مواجهة النسيم الغربي عندئذٍ يدخل الطائر فمه وهو مُطمَئِن، ويلتقط الدود منه. هذا العمل يُرِيح التمساح ويَسُره؛ ولذا فهو لا يُصِيب ذلك الطائر بأذًى قط.
يُقدِّس بعض المصريين التمساح بينما يعامله بعضهم الآخر معاملة الأعداء. فيُقدِّسه من يعيشون بقرب مدينة طيبة وحول بحيرة مويريس (وهي بركة قارون الحالية). ويحتفظ سكان كل من هذين المكانين بتمساح واحد معين ويدربونه ويستأنسونه. ويُزيِّنون أذنَيه بأقراط من الذهب أو الأحجار الكريمة، ويضعون الأساور حول قدميه الأماميتين ويُقدمون إليه في كل يوم مقدارًا معينًا من الخبز مع عدد من الحيوانات ليفترسها. وهكذا يُبجِّلونه أعظم تبجيل وهو حي، وعندما يموت يُحنطونه ويَدفِنونه في مقبرة مقدسة. أما سكان فِيَلة فلا يعتبرون هذه الحيوانات مُقدَّسة، حتى إنهم يأكلون لحومها. واسم التمساح باللغة المصرية القديمة خمبساي champsae أما كلمة Crocodile فقد أطلقها عليه الأيونيون؛ لعظم الشبه بينه وبين السحلية التي تعيش في أيونيا داخل الجدران ويطلقون عليها هذا الاسم.

هناك طرق كثيرة مختلفة لصيد التمساح. وسأوضح هنا الطريقة التي تبدو لي جديرة بالذكر: يضع صيَّادو التماسيح قطعة من لحم الخنزير في شصٍّ ويُعلِّقونه في وسط الماء، بينما يقف الصياد على الشاطئ ممسكًا بخنزير حي، ويضربه كي يَصرُخ، فيَسمَع التمساح صراخ الخنزير فيندفع مُتجِهًا نحو الصوت، وعندئذٍ يلتقي بقطعة اللحم فيلتهمها في الحال، فيسحبه الرجال الواقفون على الشاطئ إلى البر. وما أن يصل إلى اليابسة حتى يسرع الصياد فيأخذ قطعة من الطين ويطلي بها عيني التمساح. وبذا يستطيع أن يفعل به ما يشاء، وإلا سبَّب له متاعب جمة.

يُعتبر فرس النهر (السيد قشطة) مقدسًا في جهة بابريميس، ولكنه على خلاف ذلك في بقية البلاد المصرية. ويُمكِن وصف فرس النهر بأنه حيوان من ذوات الأربع، مشقوق الأظلاف، تشبه حوافره حوافر الثور، وأنفه عريض مُفَلطَح، وله معرفة وذيل يُشبِهان معرفة وذيل الحصان، وأنيابه ضخمة ظاهرة، وصوته يُحاكي صهيل الفرس، وهو في حجمِ أكبرِ ثورٍ، وجلده بالغ الصلابة حتى لتصنع منه الحراب بعد تجفيفه.

كذلك يوجد بالنيل كلب الماء (حيوان مائي يتغذى بالسمك)، ويُعتبَر مقدَّسًا. كما يُقدِّس المصريون نوعين من الأسماك ليس غير، هما: ثعبان الماء، ونوع آخر جسمه مُغطًّى بقشور صلبة معينة الشكل يُعرَف باسم ليبيدوتوس ويُقدِّسونهما للنيل. وكذلك الحال بين الطيور فيُقدِّسُون نوعَين منهما يشتهران بالمكر كالثعالب، ويعرفان باسمَي البانسر والإوزة الماكرة.

كذلك لديهم طائر مقدَّس آخر هو الفنيكس، ولو أنني لم أَرَه شخصيًّا، وإنما رأيت صورته. والحقيقة أنه طائر نادر الوجود جدًّا حتى في مصر، ولا يذهب إليها (تبعًا لرواية سكان هليوبوليس) إلا مرة في كل خمسمائة سنة عندما يموت الفنيكس القديم. وإذا كان لهذا الطائر وجود، ويشبه ما في الصورة، فحجمه ومنظره هكذا: بعض ريشه أحمر، وبعضه ذهبي اللون. وأما شكله وحجمه فكالنسر تمامًا (وربما كان هو العنقاء)، ويحكون قصة غريبة عن ذلك الطائر، لا تبدو لي معقولة أو مستساغة. يقطع هذا الطائر المسافة كلها من بلاد العرب إلى مصر طائرًا حاملًا أباه داخل قالب من المر المكي إلى معبد الشمس حيث يدفنه، ويفعل ذلك بأن يصنع أولًا كرة من المر المكي، في أكبر حجم يمكنه حمله ثم يفتح فجوة كبيرة في تلك الكرة تتسِع لوالده، ويضعه داخلها، ثم يسد الفجوة ثانية بالمر المكي أيضًا. وعندئذٍ تكون الكرة بنفس وزنها الأصلي، وهكذا يُحضِر والده إلى مصر داخل قالب من المر المكي كما سبق أن ذكرت، وبعد ذلك يُودِعه معبد الشمس. هذه هي القصة التي يحكونها عن ذلك الطائر.

كان المصريون يُقدِّسون بعض الحيات في جوار مدينة طيبة، وهي حيات عديمة الأذى تمامًا، وصغيرة الحجم. لكل حية منها قرنان في قمة رأسها، وعندما تموت هذه الأفاعي تُدفَن في معبد جوبيتر، وهو الإله الذي تُكرَّس له هذه الحيات.

ذهبت ذات مرة إلى مكان ما في بلاد العرب قبالة مدينة بوتو تمامًا، لأستعلم عن الحيَّات المجنحة. فلما وصلت إلى هناك رأيتُ عظامًا من السلاسل الفقرية والضلوع، في أعداد لا تُحصى، وكلها لثعابين، فأكوام الضلوع عديدة، بعضها ضخم، وبعضها صغير، وبعض آخر متوسط الحجم. ويقع المكان الذي به تلك العظام عند مدخل وادٍ صخري ضيق وسط جبال شديدة الانحدار، تُطِلُّ على سهل فسيح يتصل بسهل مصر العظيم. وتقول القصة إن الحيَّات المجنحة١ تأتي في فصل الربيع طائرة من بلاد العرب متجهة شطر مصر، بَيْد أنها تلتقي في هذا الوادي بطائر يقال له «أبو منجل» يعترض طريقها وهي داخلة إلى الوادي ويَفتِكُ بها جميعًا. ويؤكد العرب، كما يعترف المصريون بأنهم يُقدِّسون «أبا منجل» من أجل هذه الخدمة العظيمة.
أبو منجل طائر أسود اللون، ذو أرجل كأرجل الكركي ومنقار معقوف شديد التقوُّس، وهو في حجم الدجاجة الرومية تقريبًا. هذا وصف أبي منجل الأسود الذي يُبِيد الأفاعي. أما النوع العادي والأكثر شيوعًا (لأن هناك نوعين من هذا الطائر يختلف كل منهما عن الآخر)٢ فعاري الرأس، والرقبة كلها من الريش، ولونه أبيض إلا رأسه ورقبته فمن لون داكن، وكذلك أطراف جناحيه وذنَبه، ويُشبِه النوع الأول في منقاره وأرجله. (إنه الطائر المعروف باسم أبي قردان). ويشبه الثعبان الطائر ثعبان الماء، وأجنحته عديمة الريش ولكنها تشبه أجنحة الخفاش. وبهذا أنتهي من موضوع الحيوانات المُقدَّسة في مصر.
١  حيرت حيَّات هيرودوت المجنحَّة كثيرًا من الناس من عصر باوسانياس إلى الوقت الحاضر، وقد ورد ذِكر «الأفاعي الطائرة النارية» بالتوراة في سفر أشعيا (۳۰–٦).
٢  يُقدِّس المصريون أبا منجل لإبادته الحشرات الضارة. كما كانت البجعة تُقدَّس في تاليا لنفس السبب. ويُقدَّس أبو منجل للإله تروث، وهو هيرميس المصري.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤