الفصل السابع عشر

الأهرامات

قال الكهنة: ظلت مصر تُحكَم حُكمًا صالحًا حتى عصر رامبسينيتوس، وازدهرت في أيامه ازدهارًا عظيمًا. ولكن ارتقى العرش بعده خوفو الذي انغمس في كل صنوف الشرور، فأغلق المعابد، وحرَّم على المصريين تقديم القرابين للآلهة، وأجبرهم بدلًا من هذا على أن يعملوا جميعًا في خدمته، فكان على بعضهم أن ينقلوا كتلًا من الصخر إلى شاطئ النيل من المحاجر الكائنة في سلسلة التلال الغربية، وآخرون يتسلمون تلك الكتل بعد نقلها في السفن عبر النهر، وينقلونها إلى سلسلة التلال الليبية. وكان يشتغل في هذا العمل باستمرار مائة ألف رجل يُستَبدل بهم غيرهم كل ثلاثة أشهر. وقد استمر تسخير الشعب عشر سنوات في عمل طريق مرتفع١ لنقل الأحجار. وفي رأيي أن هذا العمل لا يقل مشقةً عن بناء الهرم نفسه. طول هذا الطريق خمسة فورلنجات، وعرضه عشرة فاثومات (الفورلنج كما عَلِمنا = ١ / ٥ ميل، والفاثوم = ٦ أقدام)، ويَبلُغ أقصى ارتفاع له ثمانية فاثومات. وقد بُنِي من الصخر المنحوت المصقول، ومُلِئ سطحه بتماثيل الحيوانات، واستغرق بناؤه كما سبق أن أوضحت عشر سنوات، أو بالحرى لعمل المصطبة التي يقوم عليها الهرم والحجرات الواقعة تحت الأرض التي أزمع خوفو أن تكون خزائن لاستعماله الخاص. وقد بُنِيَت هذه الأخيرة على قطعة من الأرض تُشبِه الجزيرة، يُحِيط بها الماء المجلوب من النيل بواسطة قناة.٢ وقد استغرق بناء الهرم نفسه عشرين سنة. وقاعدته مربعة الشكل، طول كل من أضلاعها ثمانمائة قدم، أما ارتفاعه فيساوي طول قاعدته،٣ وهو مبني كله من الحجر المنحوت المُسوَّى. وطوبقت الأحجار على بعضها بمنتهى الدقة، ولا يقل طول أي حجر استُخدِم في بناء ذلك الهرم عن ثلاثين قدمًا.٤
بُنِي الهرم أولًا مُدرجًا،٥ أو في صورة الأبراج كما يسمونها، أو كما يُسَمِّيها آخرون «في صورة المعابد»؛ فبعد أن وضعوا أحجار القاعدة رفعوا الأحجار الباقية إلى أماكنها بواسطة آلات صُنِعَت من ألواح خشبية قصيرة، فرفعتها الآلة الأولى من الأرض إلى قمة المصطبة الأولى، ثم وُضِعت آلة أخرى على هذه المصطبة لتلتقي الأحجار عند وصولها، ثم ترفعها بدورها إلى المصطبة الثانية؛ حيث تَنقلهَا آلة ثالثة إلى المصطبة التي فوقها. ولست أعرف بالضبط ما إذا كان لديهم عدد من الآلات بعدد المصاطب التي يتكون منها الهرم، أو كانت لديهم آلة واحدة يمكن نقلُها بسهولة من مصطبة إلى أخرى عند رفع الأحجار، ولذا فإني أذكر هنا كلًّا من الروايتين. وقد أكملوا الجزء الأعلى من الهرم أولًا، ثم الجزء الأوسط، ثم في النهاية أكملوا الجزء الأسفل القريب من الأرض. وقد نُقِشَت على الهرم كتابة بالحروف المصرية تسجل كميات الفجل والبصل والثوم التي أكلها العمال الذين شيدوه. وإني لأتذكر جيدًا أن المُترجم الذي قرأ الكتابة لي قال إن الأموال التي أُنفِقَت في بناء الهرم بلغت ۱٦٠٠ تالنت من الفضة، فإذا كانت هذه الأرقام صحيحة فما أعظم المبالغ التي لا بُدَّ أن تكون قد أُنفِقَت في تغذية وكِسوة العمال، مع اعتبار المدة الطويلة التي استغرقها هذا العمل والتي سبق أن ذكرتها، والوقت الإضافي — وليس هو بالمدة البسيطة على ما أعتقد — الذي أُنفِقَ في قَطع الأحجار من المحاجر، وفي نقلها، وفي بناء الحجرات التي شيدت تحت الأرض.

بلغت شرور خوفو مبلغًا عظيمًا لدرجة أنه عندما أنفق كل ما في خزائنه من أموال واحتاج إلى المزيد أرسل ابنته إلى مواخير البغاء العامة لكي تحصل له على مبلغ معين، أما مقدار ذلك المبلغ فلا أعرفه؛ إذ لم يخبرني به أحد. فجاءت له ابنته بهذا المبلغ، ولكنها صممت في الوقت نفسه على أن تترك أثرًا يُخَلِّد ذكراها؛ ففرضت على كل رجل أن يُقَدِّم لها حجرًا هدية حتى تُتِم العمل الذي أزمعت القيام به، وبَنَت بهذه الأحجار هرمًا هو الموجود بين الهرمين الآخرين أمام الهرم الأكبر. يبلغ طول كل من أضلاعه مائة وخمسين قدمًا.

يقول المصريون إن خوفو حكم مدة خمسين سنة، ثم خلفه على العرش أخوه خفرع.

سار خفرع على نفس خُلُق سلفه، وبنى هرمًا مثله، ولو أنه لم يصل إلى ضخامة هرم أخيه. وإنني لعلى يقين من هذا؛ لأنني قِستُ أبعادهما بنفسي.٦ وليس لهذا الهرم الثاني حُجرات تحت الأرض، ولا تتصل به أية قناة لتَجلِب له المياه من النيل كما هو الحال في الهرم الأكبر؛ إذ يجري الماء إلى هذا الأخير في مجرًى يُحِيط بجزيرة حيث يَرقُد جسد خوفو كما يقولون. وقد بنى خفرع هرمه بجانب هرم خوفو وبنفس الأبعاد مع استثناء أنه خَفَّض ارتفاعه أربعين قدمًا، واستخدم في بناء قاعدته أحجار إثيوبيا المتعددة الألوان. ويقع هذان الهرمان على تل واحد في مستوًى لا يَقِل ارتفاعه عن مائة قدم. وظل خفرع في الحُكم مدة ست وخمسين سنة.
هكذا قاسى المصريون العذاب مدة مائة وست سنوات أُغلِقت خلالها المعابد، ولم تُفتَح إطلاقًا؛ ولهذا يكره المصريون ذكرى هذين الملكين ولا يُحبون حتى ذِكر اسميهما، وهذا هو السبب في أنهم يُسمون الأهرام باسم فيليتون Philiton أحد الرعاة الذي كان يرعى قطعانه حول ذلك المكان.
١  لا تزال توجد بقايا طريقين مرتفعين؛ الطريق الشمالي وهو أكبرهما، يتجه نحو الهرم الأكبر، أما الطريق الآخر فيتجه نحو الهرم الثالث.
٢  لا يوجد أثر يدل على أنه كانت هناك قناة، ولا أي احتمال لوجودها وقتذاك.
٣  كانت أبعاد الهرم الأكبر ٧٥٦ قدمًا لكل ضلع من أضلاع القاعدة، ولكنها نقصت بعد ذلك إلى ۷۳۲ قدمًا، وكان ارتفاعه الأصلي ٤۸۰ قدمًا وتسع بوصات، فصارت الآن ٤٦٠ قدمًا وتسع بوصات. وزوايا ميل الأضلاع على القاعدة ٥٠–٥١ درجة، وزاوية رأسه ٢٠–٧٦°. وكان يشغل مساحة قدرها ٥٧١٥٣٦ قدمًا مربعةً فصار الآن يشغل ٥٣٥٨٢٤ قدمًا مربعة. أما المقاسات التي ذكرها هيرودوت، أي ۸۰۰ قدم لكل ضلع، فليست بعيدة عن الحقيقة كرقم مُقَرب إلى أقرب مائة. أما الارتفاع الذي ذكر أنه مثل طول الضلع فبعيد تمامًا عن الرقم الصحيح.
٤  تختلف أحجام الأحجار، ويشير هيرودوت بهذا إلى أحجار الطبقة الخارجية التي اندثرت الآن.
٥  أوجه الدرجات أو المصاطب المتعاقبة عمودية تقريبًا، أو ذات زاوية تقرب من ٧٥° والمسافة المثلثة التي تكوِّنها كل منها تبرز إلى مسافة كبيرة أسفل المصطبة التي فوقها مباشرة. وقد مُلِئَت هذه المسافة بعد تمام البناء لتُكمِل الشكل العام للهرم. إنها لمسألة غريبة إن كان المصريون قد أحضروا معهم فكرة الهرم أو أكوام القبور عندما هاجروا إلى وادي النيل، أو إذا كانت قد نشأت بنفس الفكرة التي تُشد بها أبراج آشور من عدة مصاطب، أو بنفس فكرة بناء معابد الهند.
٦  أبعاد الهرم الثاني هي: طول القاعدة الحالية ٦٩٠ قدمًا، وطول القاعدة السابقة (تبعًا للكولونيل هوارد فيز Howard vyse) ۷۰۷ أقدام وتسع بوصات، وارتفاعه العمودي الحالي (بحساب الزاوية ۲۰–٥٢°) هو ٤٦٠ قدمًا وتسع بوصات، وارتفاعه السابق ٤٥٤ قدمًا وثلاث بوصات، ويَظُن هيرودوت أن ارتفاعه يقل أربعين قدمًا عن ارتفاع الهرم الأكبر، غير أن الفرق الحقيقي هو ٢٤ قدمًا وست بوصات. ومن الغريب ألا يُلاحظ هيرودوت أبا الهول الذي صُنِع على الأقل في عهد الأسرة الثامنة عشرة؛ إذ يحمل اسم تحتمس الرابع.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤