الفصل الثالث والعشرون

وفاة قمبيز

بينما كان قمبيز في مصر إبان فترة جنونه، ثار ضده أخوان مجوسيان؛ أحدهما كان قمبيز قد وكل إليه الإشراف على شئون قصره في فارس، وهذا هو الذي بدأ بالتمرد؛ فإذ كان عارفًا أن قمبيز قد قتل أخاه سميرديس، وأن موته أُخفِي عن الشعب الفارسي ولا يعلم به منهم سوى فئة قليلة، بينما يعتقد معظمهم أنه لا يزال حيًّا انتهز هذه الفرصة وقام بمحاولة جريئة للوصول إلى التاج … كان له أخ — نفس الأخ الذي سبق أن قلت إنه شريكه في التمرد — وقد شاءت الصُّدف أن يشبه إلى حدٍّ كبير سميرديس بن كوروس الذي قتله أخوه قمبيز، ولم يشبه سميرديس في صورته فحسب، بل في اسمه كذلك، أي أنه كان يُدعَى سميرديس أيضًا. فحثَّه باتيزيثيس المجوسي الآخر على القيام بالدور كله، فأخذه وأجلسه على عرش المملكة. وبعد أن فعل هذا أوفد رسلًا إلى جميع البلدان، إلى مصر وإلى كل موضع آخر يعلنون الجيوش بأن عليهم منذ ذلك الوقت فصاعدًا أن يطيعوا أوامر سميرديس بن كوروس، وليس قمبيز.

بناءً على ذلك قام الرسل بمهمتهم وأعلنوا الجيوش كما أمروا، كذلك فعل الرسول الذي أُوفِد إلى مصر، فلما وصل هذا الرسول إلى أجباتانا في سوريا وجد قمبيز مع جيشه هناك، فذهب من فوره إلى وسط الجيش مباشرة، ووقف أمامهم جميعًا وأعلن عليهم ما أمره به باتيزيثيس المجوسي، فما إن سمع قمبيز هذا الإعلان حتى اعتقد بصحة ما قاله الرسول، وظن أن بريكساسبيس قد خدعه (أي حسبه لم يقتل سميرديس عندما أرسله إلى فارس)، فحوَّل بصره نحو بريكساسبيس وقال له: «أهذه هي الطريقة التي تنفذ بها أوامري يا بريكساسبيس؟» فأجاب الآخر قائلًا: «مولاي، لا صحة للأنباء القائلة بأن أخاك سميرديس قد ثار ضدك، كما أنه لن يتسرب إلى نفسك أي خوف من قيام أية حرب مع ذلك الرجل، سواء أكانت الحرب عبارة عن قتال كبير أو صغير؛ فقد نفذت أمرك فيه بيدي، وبيدي دفنته. فإن جاز للموتى أن يخرجوا من قبورهم فتوقع أن يثور ضدك أستياجيس الميدي ويحاربك. بَيْد أنه إذا سارت الأمور حسب ناموسها الطبيعي الذي ألفناه في الماضي، فكن على يقين من أنه لن يصيبك ضر من هذه الناحية، وإني لأنصح الآن بأن نرسل في أعقاب هذا الرسول مَن يقبض عليه، ثم نسأله ونشدد عليه في السؤال لمعرفة من الذي كلفه بأن يأمرنا بإطاعة الملك سميرديس.»

ما إن انتهى بريكساسبيس من كلامه حتى استصوَب قمبيز مشورته، وأرسل في مطاردة ذلك الرسول، فقبض عليه وجِيء به إلى الملك، فقال له بريكساسبيس: «أيها السيد، لقد حملت إلينا رسالة وقلت إنها من سميرديس بن كوروس. إذن فلترد على سؤالي بغاية الصراحة، ثم تنصرف في طريقك دون أن يصيبك أي أذى؛ هل مثُلت في حضرة سميرديس وأصدر إليك هذه الأوامر بنفسه؟ أم تلقيتها من أحد موظفيه؟» فأجاب الرسول يقول: «الحقيقة أن عينيَّ لم تقعَا على سميرديس بن كوروس منذ أن قاد الملك قمبيز الفرس إلى مصر، أما الذي أصدر إليَّ هذا الأمر فهو الرجل المجوسي الذي تركه قمبيز مشرفًا على إدارة قصره؛ إذ قال لنا: إن سميرديس بن كوروس يبعث إليكم بهذه الرسالة.» لم ينطق الرسول في كلامه هذا بغير الحقيقة الحرفية. عند ذلك قال قمبيز لبريكساسبيس: «ها أنت ذا بريء الآن من كل لوم يا بريكساسبيس؛ لأنك نفذت أمري كرجل مخلص. ولكن خبرني الآن، مَن مِن الفرس يمكن أن يكون قد انتحل اسم سميرديس وتألَّب ضدي؟» فأجابه بقوله: «أعتقد يا مولاي أنني فهمت سر المسألة كلها: إن اللذين ثارَا ضدك هما المجوسيان باتيزيثيس الذي وكَّلتَ إليه الإشراف على قصرك، وأخوه الذي يُدعى سميرديس.»

ما إن سَمِع قمبيز اسم سميرديس حتى أدرك لتوِّه صدق كلام بريكساسبيس، وتحقيق الحلم الذي رآه هو نفسه في منامه، أقصد الحلم الذي رآه فيما مضى؛ مِن أن شخصًا ظهر له في نومه وأخبره بأن سميرديس جلس على عرش المملكة، وطاول برأسه السماء، فلما رأى أنه قَتَل أخاه دون ذنب ولا جريرة، بكى وحزِن على فقده إياه. بعد ذلك استشاط غيظًا وهو يفكر في حظه العاثر، فقفز بسرعة إلى ظهر جواده معتزمًا السير بجيشه بغاية السرعة إلى سوسا لمقاتلة ذلك المجوسي. وبينما هو يقفز سقط رباط غمد سيفه، فدخلت سن السيف العارية في فخذه وجرحته في نفس الموضع الذي جرح فيه الإله المصري أبيس. فلما أحس قمبيز بأنه أصيب بجرح الموت، سأل عن اسم البلد الذي هو فيه فقالوا له إنه «أجباتانا». وكان وحي بوتو قد أخبره من قبل بأنه سيقضي آخر أيامه في أجباتانا، فظن أنه سيموت في مدينة أجباتانا السورية. وعلى ذلك، عندما سمع قمبيز اسم ذلك المكان: أرجعته الصدمة المزدوجة إلى صوابه: الصدمة التي أصابته عندما علم بثورة المجوسي، وصدمة جرحه. وبناء على كل هذا، أدرك الآن قصد الوحي، فقال: «إذن فقد قُدِّر لقمبيز بن كوروس أن يموت هنا.»

فلما رأى الفرس ملكهم يبكي مزقوا ثيابهم التي كانوا يرتدونها، وصاحوا مولولين بعد ذلك، وإذ تعفن العظم وسرت الغنغرينا في الفخذ، مات قمبيز بن كوروس. وقد ظل في الحكم سبع سنوات وخمسة شهور، ولم يترك وراءه ذرية من البنين ولا من البنات. ولم يثق رجال الفرس الذين سمعوا كلامه، في شيء مما قاله فيما يتعلق بأن القابض على زمام الحكم رجل مجوسي، ولكنهم اعتقدوا بأنه إنما يقول هذا حقدًا على أخيه سميرديس، وأنه اخترع قصة موته لتثور ضده جميع الأمة الفارسية بقوة السلاح. وهكذا كانوا متأكدين من أن سميرديس بن كوروس هو الذي ثار ضد قمبيز وتبوأ العرش؛ لأن بريكساسبيس أنكر إنكارًا باتًّا أنه قتل سميرديس؛ إذ من الخطر عليه بعد موت قمبيز أن يعترف بأن سميرديس بن كوروس قد لقي حتفه على يديه.

مات قمبيز، وحكم المجوسي آمنًا مُتخِذًا شخصية سميرديس بن كوروس. وهكذا حكم الشهور السبعة التي تُكمِل السنة الثامنة من حكم قمبيز. وفي مدة حكمه نال رعاياه خيرًا كثيرًا على يديه، حتى إنه عندما مات حزن عليه جميع سكان آسيا حزنًا بالغًا، ما عدا الفرس؛ لأنه بمجرد أن جلس على العرش أرسل إلى كل أمة خاضعة لحكمه يمنحها الإعفاء من الخدمة العسكرية ومن الضرائب لمدة ثلاث سنوات.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤