حيلتي الكبرى في الحملة الانتخابية

منذ نحو ١٢ عامًا، كانت هناك انتخاباتٌ مرتقَبة في البلدة «إن». وهي مكان سيِّئ السمعة يُشتهَر بالرِّشوة، وأنا أعرفُ هذا الأمرَ جيدًا؛ نظرًا إلى أنني كنتُ مهتمًّا على نحوٍ مِهْني بمتابعة العديد من الانتخابات. كما أنها مدينة غيرُ اعتيادية. لقد كانت فيما مضى مكانًا مزدهرًا للغاية. حيث تختصُّ بصناعة المشابك المعدِنية، وتنفردُ بها عن أي مكان آخَر؛ ولكنَّ روحًا شريرة تتسم بالرِّقة الزائفة اجتاحَت كِيانها في تلك الأيام.

كان بإمكان عبقريةِ اثنَين أو ثلاثةٍ من رجال الأعمال المشهورين أن تستفيدَ من الموقع المحايدِ والآفاق المستقبَلية لتلك البُقعة والمنطقة المجاورة لتأسيس صناعةٍ جديدة هناك، وتوفير فرصِ عملٍ لعددٍ هائل من الحِرفيِّين المهَرة. لكنَّ عمل هؤلاءِ الناس يعتمد من أولِه إلى آخرِه على الدُّخَان المتصاعد من فوهات مداخنِ المصانع. وقد قرَّر عُمدة البلدة والمجلس المحلِّي بها، عملًا بما يخدم المصلحةَ المزعومة لسكانها، التخلصَ من جميع المداخنِ داخل بلدتهم. واستصدَروا قانونًا من البرلمان يُقرُّ مثلَ هذه اللوائح البلدية ويُمكِّن هؤلاء الحُكماءَ من إبعاد الإبداع المهدَّد بالاندثار، الذي يقومُ في الأساس على الدخان الذي يُنتِج ذهبًا. ومِن ثَمَّ، كان على الصِّناعة الجديدة أن تستقرَّ في منطقة مُجاورة خارجَ سيطرة المجلس المحلي للبلدة. وبعد أن حدث هذا الإنجازُ بنجاح، استمرَّت المنطقةُ المحيطة في الازدهار بسرعةٍ حتى وصلَت إلى مكانتها الحاليَّة المرموقة في هذا المجال، وتدهورَت تِجارةُ البلدة حتى وصلَت إلى حالتها الحاليَّة البائسة أو المتردية. في هذه الأثناء أيضًا، اندثرت حافلاتُ النقل، التي كانت تسير باستمرارٍ في شوارعها جالبةً معها قليلًا من الثروة للسكان؛ نظرًا إلى أن البلدة كانت تقع على المسار الشمالي الكبير لطريق رئيسي، وقد حدث ذلك بسبب المنافسة غيرِ المتكافئة مع خطِّ السكك الحديديَّة؛ وهكذا أصبحت البلدةُ بمرورِ الوقت على ما هي عليه الآن؛ مكانًا خاليًا رثًّا وذا أهمية مصطنعة وغارقًا في الفقر. أضحَت تتَّسم بالركود وسطَ النشاط. حيث ينمو العُشب في شارعها الرئيسي وكذلك في سوقها. ويسير ما تبقَّى من الأشخاص المستقلِّين — أي الأشخاص الذين يتمتعون باستقلالٍ مالي — في تَعالٍ معتقدين أنهم أناسٌ رفيعو المقام. وبهذا المعنى فإن السكَّان غيرَ المستقلين ماليًّا هم جبناء ومُهانون وفقراء وفاسدون. ومع ذلك، فإن البلدة هي دائرةٌ برلمانية؛ ومِن ثَمَّ، يوفر وضعها الحاليَّ المتهالك والبائس فرصة جيدة للسياسيِّين المغامرين — سواءٌ أكانوا أذكياء أم أغبياء، لا يهم — الذين لديهم مَحافظُ ممتلئةٌ بالمال ووكلاءُ ماهرون وآلياتٌ جيدة تحت إمرتهم.

وقبل أن أصفَ الأحداث الخاصة للقضية التي أنا على وشك أن أعرضها على القارئ، اسمحوا لي أن أُقدم بعض التفاصيل الإضافية حول الضمير الانتخابيِّ لهذه البلدة العتيقة غيرِ العادية. حيث يوجد بها ثلاثُ فئات من الناخبين، صنَّفهم وكيل حملات انتخابية محافظٌ معروف (وهو محامٍ مقيمٌ هناك)؛ ومما لا شك فيه أنَّ هناك تصنيفًا مشابهًا، أو على وجه الدقة مناقضًا، قام به الجانبُ الآخَر. في القائمة أو التصنيف الأول، يوجد الناخبون الحقيقيون والنزيهون بالفعل، وهم رجالٌ يَعتبرون الرِّشوة المعروضة إهانة ويستاءون منها، كما أنهم مُوقَّرون وجديرون بالاحترام والتقدير، وسيُقاومون تقريبًا، أو ربما تمامًا، حتى الموت، أيَّ محاولة لإكراههم على التصويت بخلاف ما تُمليه ضمائرهم.

وهناك قائمةٌ أو تصنيف آخرُ يُدرَج فيه الرجال الذين يميلون إلى المحافظة (مثلما ينبغي أن يكون الجميع في مكانٍ عتيق كتلك البلدة؛ ربما يظنُّ القارئُ الساخر ذلك)؛ وهؤلاء الرجال سيأخذون من الداعم الحقيقيِّ لمؤسساتنا الموقَّرة نصف ما يُمكن أن يحصلوا عليه من مُغامر بدين يدَّعي مبادئَ راديكالية متطرِّفة، ويرغب في تكوين سوقٍ لنفوذه السياسي، أو ربما يكون حريصًا على إشباع الرغبة الشديدة في التميُّز لدى زوجته، بصفته هو شخصيًّا أحد كماليات الحياة الزوجية، عن طريق الحصول على مقعد في البرلمان، ولقب نائب الشعب بعد اسمه.

تشمل القائمة أو التصنيف الثالث أولئك الناخبين الذين ليس لديهم مبادئُ سياسية أو شخصية أو ضميرٌ على الإطلاق. هؤلاء هم مَن يريدون أقصى ما يُمكنهم الحصولُ عليه من مالٍ سواءٌ من المحافظين أو الراديكاليين أو الإصلاحيين الدستوريين. وهم قُمامة الحياة السياسية وحُثالتها؛ وهذا العنصر البغيض للوجود السياسيِّ في البلدة ليس بأيِّ حال من الأحوال الجزءَ الأصغر من التصنيفات الثلاثة.

والمنظِّم، أو الوكيل، كما يُحب أن يُطلَق عليه — على الرغم من أنَّ لقب «الوكيل» هو للمجاملة، كما يعلم مسئولو الشرطة وغيرهم من جميع الأشخاص الذين يتعاملون مع الجريمة — يَعرِف بدقةٍ الأشياءَ التي يجب أن يتعامل بها. إنه يعرف كيف «يلعب أوراقه»، وهو الوصف الذي يصف به أحيانًا أعمالَه الصعبة المقلِقة، ولا يُهدده سوى خطرٍ واحد. يُقال إن الصِّدق وحُسن النية بين اللصوص بعضهم وبعض هما من سمات حياة اللُّصوصية. وقد أوضحتُ، في كتاب سابق، أن هذه الفكرة ليست صحيحة. حيث يُقدم السياسيون دليلًا إضافيًّا على دقة كلامي.

عندما يُجري المنظِّم أو الوكيل — على سبيل المثال، قبل يومين من الانتخابات — جميعَ ترتيباته للتصويت، ويشعر بالثقة تمامًا في أنه، كممثِّل للسيد هيفي بيرس، مرشَّحِه — وهو رجل ذو جبين مسحوب، ورقبةٍ غليظة، ودماغ صغير، كثيرُ الكلام وقليل الفِعل، ليس لديه شخصيةٌ سياسية أو مبدأٌ أو عاطفة أو أفكار من أيِّ نوع — قد جعل كلَّ شيء على ما يُرام بفضلِ الأموال التي وزَّعَها بالفعل، وتلك التي وعَد بتوزيعها وهي أكثرُ وأكثر، فإنه يخلد إلى النَّوم في سريره الناعم الوثير المغطَّى تمامًا بالستائر، ثملًا تمامًا من النبيذ الوردي والجرعات الروحية العميقة، فقط ليوقظه في الصباح مساعد يَقِظ، يُخبره أنه قبل فترة وجيزة من ساعة السحَر خلال الليل حضرَت إلى البلدة عرَبةٌ تجرها أربعة خيول، لا يبدو أنها مرهقة من طول رحلتها؛ لأنها أتت فقط من البلدة «زِدْ» القريبة، لكنها كانت تجرُّ حَمولةً موضوعةً على أرضية العرَبة، ما أعاق حركتَها ورغبتها في الانطلاق بسرعة. ومِن ثَمَّ يعرف المنظِّم أو الوكيل أنَّ بعض المضارِبين السياسيِّين الأثرياءِ قد جاءوا بمبالِغَ جيدةٍ من العملات الذهبية. وهو لا يعتقد أنَّ العملية قد جرى التخطيطُ لها بالمهارة التي بدَت عليها، والتي كانت لِتبدوَ عليها من الوهلة الأولى، لكنه لا يزال قلقًا بعض الشيء؛ لأنه يعلم أن مسألة النجاح يُمكن حسمُها بسهولة عبر اليد التي يُمكن أن تستخدم الحلَّ الذهبي الأكبر أو الأثقل. كما يعلم أيضًا أن سِحر الذهب لا يُمارس تأثيرًا قويًّا على الروح في أيِّ مكان أكثرَ من البلدة «إن»؛ وسيشعر بالفعل أنه يميل إلى التخلِّي عن المنافسة إذا تأكَّد أن الوافِد الجديد لديه كمٌّ من الذهب أكبرُ من مرشَّحِه. على الرغم من حقيقة أنه يعتقد أن مرشحه رجلٌ متفوِّق، وأن الدائرة الانتخابية ستُحبه مؤكَّدًا، إذا أمكن جعلُ المنافسة نزيهة؛ وعلى الرغم من أنه، أيضًا، قد حصَل على الصدارة خلال ثلاثة أسابيع في استطلاع الأصوات، وحصَل على وعود من أغلبيةٍ كبيرة من الناخبين أكثرَ من المرشح الليبرالي المتأخِّر نسبيًّا، الذي كان حتى الآن معارضًا للسيد هيفي بيرس؛ لكن في حقيقة الأمر كان الوافدُ الثالث يزعج المنظِّم.

حقيقةٌ أخرى مميزة اكتشفتُها في هذه المدينة. آمُل ألا يُفاجَأ القارئ بها. وأنا أرويها كحقيقة. وأُقرُّها كحُكمٍ لا يمكن إنكاره. كما لا أمانع في أن يُقنعَني أحدٌ إذا كنتُ مخطئًا؛ لكن إذا كنت محقًّا، فهذا أمر يجب أن يُعرَض على البرلمان، كحُجة كبيرة لصالح شيء ما أو ضدَّ شيء آخر. فكل حقيقة تُؤدي بالتأكيد إلى استنتاج. وكل حقيقة لها عِبرة. وأنا أعرض هذه الحقيقةَ أمام كلِّ من يُهمه الأمر، وأُعلنها صراحة. إنَّ مَن يُحدد تمثيل البلدة «إن» في البرلمان هم أصحابُ بيوت الدَّعارة في المدينة. فجميع الرجال الذين سبق أن مثَّلوا تلك البلدة في البرلمان منذ إقرارِ قانون الإصلاح نجحوا بسبب هذه الكائنات البشرية الحقيرة، الذين يستمدُّون وسائل الحفاظ على وجودهم من أكثرِ الشرور بُغضًا، على الرغم من أنه قيل لنا إنه أمر لا يُمكن علاجه. كيف أثبت حقيقتي وعبرتي؟ هذا سؤال قد يطرحه القارئ. وسأُثبتها هكذا: عندما تستطلع آراءَ جميع الناخبين الشرفاء حقًّا، يستنفد المنظِّمون أو الوكلاءُ القسمَ المناسب نسبيًّا من الجزء القابل لأن تُدفَع إليه الرشاوى من المدينة، وتُعطى نتيجةُ الكل للمرشَّح المحافظ، قد تكون أغلبية أربعة، أو قد تكون أغلبية للمرشَّح الليبرالي صاحب الأربعة، أو قد تكون خمسة أو ستة أو سبعة أو ثمانية أو تسعة أو عشرة أو أحد عشر، وَفقًا للظروف. قد نتصوَّر أن هذا يحدث بعد فوات الأوان. ولكن لا يزال هناك ما بين ثلاثةٍ وعشرين وخمسة وعشرين من أصحاب المنازل غيرِ النظيفين أخلاقيًّا، الذين يبيعون الصوتَ الانتخابي بعشَرة جنيهات، أو مسئولي المحليات في شارع معيَّن من البلدة «إن»، الذين يدفعون ضرائبَهم بانتظام في غضون التاريخ المحدَّد للاستبعاد من السجِل، ومِن ثَمَّ، فهم ناخبون مؤهَّلون كما ينبغي. ولن يخسر المرشح الليبراليُّ ولا المرشح المحافظ أيَّ انتخابات إذا اشترى تلك الأصوات. ففي حالة الطوارئ في الوقت الذي أتحدث عنه، فإن الليبرالي الذي يجد نفسه في أقلية من أربعة، يذهب إلى «ستو ستريت» ويشتري ما يصل إلى ثلاثةٍ وعشرين أو أربعة وعشرين أو خمسة وعشرين من أصوات سكَّان هذه المنازل الموبوءة بالجُذام، ويدفع أيَّ ثمن يرون أنه يُناسبهم. وهكذا تُحتسَب أصواتهم في الاقتراع مثل الناخبين الأحرار والمستقلِّين والنزهاء والشرفاء. ومِن ثَمَّ يقلبون الميزان. وينتخبون العضو. وبقية العمليَّة ما هي إلا مَهزلة. طباعة عَناوين المرشَّحين المنافسين، وإشراك غرف اللجان، وكل شيء في طريق الآلات أو المبدأ، حتى زيارة المنظِّم أو الوكيل إلى ستو ستريت، كل ذلك عديمُ الفائدة. أكره الدجَل. وأمقت السخرية. لماذا لا يُترَك لستو ستريت عملية انتخاب الرجل المحترم أو الحقير الذي سيُلقَّب بعضو البرلمان عن البلدة «إن»؟

وبخصوص هذا، أو لاختتام خطابي عن النزاهة والأخلاق، اسمحوا لي أن أُبلغ القارئ أن وزيرًا في الحكومة قد انتُخب ليُمثل البلدة «إن»، وأن شارع ستو ستريت وحده، بلا أدنى شك، أو ناخبيه، وأموال الوزير، هي ما أوصلَته إلى البرلمان على النحو الذي أشرتُ إليه.

حسنًا، كما قلتُ للقارئ بالفعل، رأيتُ فرصةً للمشاركة ونسجِ خيوط حيلتي؛ لذلك ذهَبتُ إلى شخصٍ ما، وهذا الشخص اتصل بشخصٍ — يمكن أن نُشير إليه بالسيد «فُلان» — حقَّق ثروةً من التجارة، وكان لديه زوجةٌ أقنعَته بأنه رجل ذكيٌّ للغاية، وأنَّ عليه دخول البرلمان.

والسيد فُلان ليس لديه مبادئُ سياسية. لقد كان دائمًا يُصوت، كناخِب، بالطريقة التي أوصى بها أكبرُ زبائنه؛ الذي — للمصادفة البحتة — كان دائمًا ذا انتماءٍ ليبرالي. وبطريقة أو أخرى، ظنَّت زوجة السيد فُلان من خلال تفكيرها الأنثويِّ أن زوجها قد سلكَ الطريقَ الخطأ، وأنه «ليس شيئًا يُحترَم» أن تكون ليبراليًّا، وأن «الشيء المهذَّب للغاية» هو الوقوف إلى جانب المحافظين؛ ولذلك قرَّرَت أنه حينما يدخل زوجها البرلمان، يجب أن يكون محافظًا، وهو الرأي الذي استجابَ له، مثل أي زوج محب، وعقَّب قائلًا: «سأفعل.» وهذا لم يكن يُهمني كثيرًا. فالسيد فلان سيفعل للبلدة «إن» ولأجلي أنا، مثلما سيفعل أيُّ رجل آخر. لم أكن حريصًا على الآراء السياسية، ومِن ثَمَّ لم أتردَّد في تقديم خدماتي له.

من المستحسَن دائمًا اتباعُ الإجراءات المعتادة. فمن حينٍ لآخَر، تُصبح الإجراءات المعتادة العديمة الفائدة في حدِّ ذاتها أساسية بحُكم العُرف. لذلك، وُظِّفَ رجل يُجيد الكتابة ليكتبَ عُنوانًا لمرشَّحنا، كما استُعِين برجل أو اثنين من أجل تعريفه أو تدريبه على الخطابات التي سيُلقيها. وهي لم تكن خطاباتٍ جيدة. كانت الخَطابة، في رأيي، مُسهَبة ومتكلَّفة وغير منطقية؛ أو، كما يمكن أن يقول السيد بارنوم الشهير، وسآخُذ حريتي في القول، كانت «دجَلًا».

وهكذا سافرنا من لندن مباشرةً إلى البلدة. وقد تألَّف الجَمْع مني، وشريكي (الذي كان الوكيل)، والمحامي، والمرشَّح، الذي تأكدتُ الآن من اسمه وعُنوانه وصفته. يُمكن للقارئ الآن أن يعرف هذا الرجل على أنه السيد جوليفات، وهو تاجر زيوت متقاعد، يُقيم في ميلبومين لودج، كلابهام، ومن المفترض أنه شريكٌ خامل في المنزل القديم الذي ظلَّ يقشط فيه قُدور الشحم المغليِّ على نحو مثيرٍ للإعجاب لأكثرَ من ثلاثين عامًا.

وعند وصولنا، وضعنا عُنوانَ مرشحنا. وبدأنا حملةً انتخابية شخصية. حيث فعلنا كلَّ ما كان معتادًا باستثناء الرِّشوة — فلمَّا يَحِن الوقت لذلك بعد — لكن كل ما فعلناه لم يُؤدِّ إلا إلى تثبيطِ عزيمة كلِّ شخصٍ سواي.

قال شريكي لمرشحه إنه يعتقد أن ألفَين من الجنيهات أو ما يقرب من ذلك ستكون كافية، في حين أنني أخبرته أن الأمر سيتطلَّب خمسة آلاف جنيه على الأقل، لكن يجب أن يكون مستعدًّا بسبعة أو ثمانية آلاف جنيه إذا كان يُريد حقًّا أن يفوز بالمقعد. إذ يجب أن يعلم المرشَّح في البلدة أنه ليس لديه فرصةٌ بمبلغ ألفَي جنيه أو حتى ثلاثة آلاف جنيه. وقد اندهشَ للغاية، وأرسلَ برقيةً إلى زوجته، التي جاءت دون الكشفِ عن هُويتها، الأمر الذي أثار انزعاجَنا، وكان له تأثيرٌ أكبرُ من مجرد الإعلان عن اسمها وعلاقتها بالمرشح.

هذه السيدة، على عكس زوجة السير بالدبيت بيلي، في ظل الظروف المماثلة، أصبحَت متغطرسةً وغير عمَلية. وقالت إنها تعتقد أنَّ ثلاثة آلاف جنيهٍ ذهبي هو مبلغٌ ضخم للغاية. لقد استغرق زوجُها الصالح وقتًا طويلًا جدًّا لكسبِ هذا المبلغ الضخم من المال، وعلى الرغم من أنها لا تُمانع في إنفاقه لأمواله مثل مواطن بريطاني أو رئيس وزراء، قالت إنها تعتقد أن ثلاثةَ آلاف جنيه يجب أن تُرضيَ الجميع، وإذا لم يكن الأمر كذلك، وهو ما يُثير العجب، فلن تدفعَ المزيد، وليفعلوا ما في وُسعِهم.

قالت السيدة جوليفات أيضًا إنها تُحب أن تتأكَّد من خُطواتها قبل أن تخطوَها. فإذا لم يكن من الممكن إنجازُ المهمة على نحو مؤكَّد مقابل هذا السعر، فلن تُوافق، وهي تُفضل عدم خوضها على الإطلاق. إذ إن ثلاثة آلاف جنيهٍ ذهبي، كما كرَّرت كثيرًا، هو مبلغ كبير من المال، ولا يصحُّ رميُها في نهر التيمز. هذا ما سيقولونه في لندن، وكانت تعني أنه لا يصحُّ أن نُنفق مالًا دون جدوى.

لقد اندهشَت قليلًا، خاصةً عندما أخبرها شريكي بجُرأة أنه، وبشرَفه، سيُنجز المهمة بهذا المبلغ. بالطبع لم أتمكَّن من معارضته حينها، وفي الواقع أقول إنه كان دجَّالًا بدرجة كبيرة لاحتياله على امرأةٍ حريصة وزوجها في مثل هذا الوضع، لذلك التزمتُ الصمت حتى انفردتُ به؛ ثم اعترضتُ على ما فعله. فأجابَ: «دعنا نخدَعْهما! دع هذين العجوزين يُنفِقا. لن يَفعلا ما يُفيد بأموالهما إذا لم يُضيِّعاها هنا؛ وفي نهاية الأمر، اعتمد عليَّ، فسأجعلهما يُنفقان ثلاثة أو خمسة آلافِ جنيه إضافيةً إذا تطلب الأمر.» فجادلتُ ودَحَضتُ؛ لكن شريكي كان حازمًا. وقال: «لقد قطعنا شوطًا كبيرًا في الأمر ومن الصعب أن نتراجع. سيحدث ضررٌ كبير في مهنتينا إذا هربنا في خِضمِّ المعركة. وفي رأيي، يجب أن نواصل ونفوز، وأن نجعل العجوز يدفع.»

يُقال إن الحاجة أمُّ الاختراع. وأعتقد أن هذا المثل مألوفٌ لمعظم قرائي. وسأقدم توضيحًا آخر له.

لقد أنَّبني ضميري بشأن السيد والسيدة جوليفات ونقودهما لبقية اليوم. وشعرتُ أنه يجب علينا أن نخوضَ المعركة الانتخابية وننتصر، أو يجب ألَّا نخوضها على الإطلاق، وأن نهرَب. إذن يجب على شريكي أن يظلَّ بجوار المرشَّح، وربما ينجح حقًّا فيما وعَد به؛ أي إسعاد قلبَيِ المرشَّح وزوجته بالفوز في الانتخابات، ومِن ثَمَّ الحصول منهما على أتعابه. لم أكن متأكدًا على الإطلاق من الجزء السابق من المهمة، لكن إذا فشل، من ناحية أخرى، وهو الأرجح، هل يُمكنني تخليصُ نفسي من المسئولية بمجرد الانسحاب في المرحلة الحاليَّة؟ لقد عقَدتُ العزم على المضيِّ قُدمًا والاستفادة المُثْلى من المعرفة القانونية القليلة التي حصلت عليها، وذلك للابتعاد عن طريق الأذى. وقد تمكَّنتُ في النهاية من ابتكار ما فكرتُ فيه وما زلتُ أفكر فيه؛ حيلتي الكبرى للحملة الانتخابية.

قمتُ بجولة في البلدة من أجل استجماع أفكاري؛ وبعدما فكَّرتُ مليًّا لمدة ساعة أو ساعتين، توصلتُ إلى الحيلة التالية، التي نفَّذتها بالطريقة الموضَّحة فيما يلي.

أسرعتُ إلى لندن في قطارِ منتصَف الليل، واستقللتُ عربة أجرة من محطة يوستون، وذهبتُ إلى زميلٍ بارع في مجال عملي نفسه، فأعطيته تعليماتي، وكان يتصرف بموجب توجيهاتي نصًّا ومضمونًا، لذلك كانت الحيلة، كما سيرى القارئ، ناجحةً تمامًا. وبقدر ما أستطيع، بالطبع، أشرفتُ إشرافًا مباشرًا على تفاصيل مخطَّطي.

وقد علمتُ أن هناك رجلًا يُقيم في حي سوهو يتمتع بقدرة خاصة، كما أخبروني، وقد أصبحَت لديَّ الآن أسبابٌ وجيهة لتصديقهم؛ إذ يُمكنه التحدثُ والكتابة بسهولة كبيرة وبراعة هائلة. لا أعرف ما هي مبادئه السياسية، ولم أكن أهتمُّ آنَذاك مثلما لم يفعل هو نفسُه. لكنه كان على استعداد لقَبول المشاركة في المهمة التي عرَضتُها عليه. ومقابل ثمنٍ ما وافقَ على أن يُصبح المرشحَ الثالث لتمثيل البلدة «إن» في البرلمان.

ومِن ثَم ذهبتُ مع المرشح الجديد بعد أن تركنا مسكنه السابق، إلى فندقٍ مجاور، حيث استأجرتُ له غرفة خاصة، وطلبنا أقلامًا وحبرًا وورقًا وسجائرَ وزجاجة من الشراب، ثم أعددنا خِطابًا إلى الناخبين الأحرار والمستقلِّين في المدينة التي سنُمارس الدجَل على أهلها. ثم أخذنا الخطاب إلى مطبعة، وفي مقابل ما يَزيد قليلًا عن الأجر العادي، طبَعْنا خَمسَمائة نسخةٍ في غُضون ثلاث ساعات.

بعد ذلك زُرنا متجرَ تاجر ملابس مشهور يقع في الجوار، يحمل اسمُه لمحةً عبرية في تهجئته، حيث زوَّرْنا مظهر مرشحنا بأسلوبٍ مثير للإعجاب؛ على الرغم من أن التكلِفة كانت عالية، بل أعتقد أنها باهظة بعض الشيء. وهكذا بعد أن ارتدى زيًّا يُشبه أزياءَ النبلاء، أصبح بالفعل يبدو كواحدٍ منهم؛ وهكذا تحت تأثير الازدهار الخارجي، وكذلك أفترض، تحت سحرِ عشرين جُنيهًا في جيبه (وهو مبلغ لم يكن بحوزته، كما أتخيَّل، منذ مدة طويلة جدًّا)، تبدَّدت آثارُ الفقر والعَوَز من ملامحه. وأصبح يتحدث بطلاقة زائدة، وزادت بلاغتُه للغاية، لدرجة أنني اعتقدتُ أن من المؤسف أنه ليس المرشحَ الحقيقي بدلًا من عديم الكفاءة الطامح إلى الحصانة البرلمانية.

أعترفُ بالذنب إذ استحوذَت عليَّ فكرةٌ عابرة آنَذاك، واقترحتُ مقارنة بغيضة. واعتقدتُ أنه كان سيتناسب مع شخصية عضو البرلمان أفضل بكثيرٍ من مرشحنا السيد جوليفات، الذي كان سفيهًا بالفعل.

بعد ذلك، ذهبنا إلى مطعم في ريجنت ستريت، حيث طلبتُ لنا عشاءً فاخرًا ودفعتُ ثمنه.

وبينما نتناول الشراب تطورَت خُطتنا تطورًا رائعًا. أصبحتُ مَدينًا بالعديد من التلميحات القيمة لصديقي الجديد وصديقه الذكي. ثم أخذنا نُدخن ونحن نتجاذَب أطراف الحديث، وبعد ذلك تجوَّلنا في سانت جيمس بارك حتى حان وقتُ رحيلنا إلى البلدة المنشودة.

كان لا بد من إجراء زيارة أخرى لمتجر صانع صناديق الأمتعة لشراء حقيبتَيْن أو ثلاث من حقائب السفر الجيدة، وقد فضَّلتُ شراء حقائبَ مستعمَلة، على الرغم من أن المصاريف لم تكن ذاتَ أهمية كبيرة، حيث اعتقدتُ أن المظهر الرثَّ أو المتسِخ على الأقل سيخدم خُطتنا على نحوٍ أفضل.

يجب أيضًا أن أخبر القارئ أنني قد وعدتُ المرشح صاحب الشعبية الذي ما زلنا في طَور تكوينه بمكافأة قدرُها خمسون جُنيهًا إذا لعب دوره بمهارةٍ وحافظَ على الإتقان؛ لكنني لم أُعطِه أيَّ ضمان بخلاف كلمة شرف (التي لم أُخِلَّ بها أبدًا في حياتي) من أجل الوفاء بالجزء الخاصِّ بي من العقد. ولم يندم أيٌّ منا آنذاك أو بعد ذلك على الطريقة التي أُبرِم العقد ودُفِع ثَمنُه بها.

ثم ملأتُ الحقائب من متجر صانع الملابس، وصانع العطور، والتجار الآخرين.

واشترينا أيضًا صندوقًا خشبيًّا كبيرًا وثقيلًا من تاجر أنتيكات؛ يحتوي على مشابكَ فولاذية ضخمة وقُفل ثقيل. بدا كأنه شيء مصمَّم لحفظ كنز، شيء يستخدم عادةً على هذا النحو. وقد ملأنا هذا الصندوق.

ثم ذهبنا إلى المطبعة، حيث انتهت طباعة النُّسخ التي طلبناها، والتي لم نعتقد أنه من الضروري رؤية بروفاتها؛ وقد بدَت مطبوعةً بخطٍّ واضح سَميك، جذَّاب لعينَي كلِّ واحد منَّا، ولكن ربما الأمر الأكثر سحرًا على الإطلاق هو المظهر الجديد للرجل الذي بدا مغايرًا لمظهره السابق تمامًا.

إنه لأمرٌ مدهش كم من الحِيَل الممتازة، وكم مِن المشاريع الضخمة والمخطَّطات ذات النَّفع العالي، التي شابها عدمُ الانتباه إلى التفاصيل، أو قد يكون هناك حاجةٌ إلى مُكوِّن واحد ولكنه أساسي. كان هذا هو الحال تقريبًا في هذه المهمة الحاليَّة. إذ كادت حيلتي الكبرى للحملة الانتخابية أن تفشل نتيجةَ سهوٍ في بدايتها. فلم يكن لدينا، حتى هذه اللحظة، أيُّ محامٍ أو وكيل، وهي السِّمة الأكثر أهميَّة لمؤامرة مثل تلك التي انخرطنا فيها. وقد اكتشفتُ هذا التقصير في الوقت المناسب تمامًا كي أتداركَه. حيث سمعنا عن وكيل، على ما أظن زميل متواضع، يعيش في الحيِّ نفسِه. فوظَّفته، وأرسلته مع الاثنين الآخَرين إلى البلدة «إن» في تلك الليلة.

لقد تركتُ صديقَيَّ في محطة يوستون. وقد قطعا بالقطار مسافةً أكثرَ بقليل من مائة ميل إلى البلدة «إتش» المكتظَّة بالسكان، ونزلا هناك. ومِن تلك النقطة، أكملا الرحلة في عربة خيول ثقيلة، حيث كنت أرغبُ في ألا يصل الجَمْعُ إلى البلدة «إن» قبل الساعة الثانيةَ عشْرة ليلًا. وفضَّلت أن يكون ذلك بعد الواحدة صباحًا بقليل، واقترحت عليهما ألا يُشعِرا أحدًا بوصولهما. وقد أخبرتهما أنه يتسنى لهما ذلك من خلال توخِّي الحذر لإبقاء وصولهما هادئًا وسريًّا.

وقد أطاعا تعليماتي، كما تأكدتُ بعد ذلك، بدقة تامة.

وعلى بُعد مسافة قصيرة جدًّا من مشارف البلدة، كانت توجد محطة تحصيل رسوم، مغلقة دائمًا في الليل، ولم يكن حارسُها معروفًا باليقظة أو الانتباه. فلم يجد الجَمْع صعوبة تُذكَر في دخول البلدة. وقد مرَّ بعضُ الوقت قبل أن يفرك الرجل في محطة الرسوم عينَيه، ويفتح البوابة الصغيرة، ويخرج لفتح البوابة الكبيرة. وأثناء قيامه بذلك، أدهشه منظرُ عربة مكتظَّة بها ثلاثة أشخاص.

وقد استشفَّت فِطنةُ الرجل السرَّ كله كما كان يظن. فغمز بعينه وأومأ برأسه، ثم ابتسم ابتسامة عريضة. فقد رأى في واحد من الجَمْع مرشحًا آخرَ لمنح حقِّ الامتياز للناخبين الأحرار والمستقلِّين؛ وفي الاثنين الآخَرَين وُكلاءَه. كما غاصت رؤيته الحادَّة في ثقب مفتاح ذلك الصندوق، ورأى داخله وزنًا من الذهب، حدَّده، خلال محادثة في اليوم التالي، على أنه مشهد لم يرَه في حياته من قبلُ حتى في الانتخابات. وقد غذَّى مرشحي المزعومُ هذا الوهمَ جيدًا، من خلال منح الحارس عُملتَين ذهَبيتين؛ وألقى كلٌّ من رفيقيه حفنةً من العملات الصغيرة عليه وهو يغلق البوابة من بعدهم.

ومِن ثَمَّ واصلت العربةُ المحمَّلة طريقها، بخُطًى بطيئة، والخيول تنبض وتلهث، بينما الركَّاب يضحكون ملء قلوبهم.

وبعد قليل وصَلوا إلى البلدة «إن»، ومع أكبر قدر ممكن من الهدوء والتمهُّل، توقفت العربة التي يقودها الغرباء، وأقصد رُكَّابها، أمام فندق خَصمنا؛ وبعد قرع الجرس، ورفض قبول الرد الذي جاءهم به الخدم، والإصرار على إيقاظ صاحب الفندق، حاولَ مرشحي عقدَ صفقةٍ معه (ووضعه تحت الثقة) للسماح بأن يُصبح فندقه هو مقرَّ اللجنة المركزية للمرشح المستقل. وقد كان السيد بونيفيس دليلًا على مواجهة الإغراء. حيث منح فندقه للسيد سالو تويتش، المرشح الدستوري الإصلاحي، وكان عازمًا على ألا يفسخ اتِّفاقه أبدًا. فهو لم يفعل شيئًا كهذا في حياته ولن يفعلَ ذلك أبدًا. وقال إن عليهم الذَّهابَ إلى مكانٍ آخر؛ وأنهى صاحبُ الفندق الغاضبُ المقابَلة، وقال لهم إنه لا يريد أن يُجريَ معهم المزيد من المفاوضات، وذهبَ ليكمل نومه.

وبعد ذلك، ذهب الجَمْعُ إلى الفندق الذي يقيم فيه السيد جوليفات، ويتَّخذ منه مقرًّا. وقد انتهت مقابلة مماثلة مع السيد بونج، في ذلك الفندق، بما لا يختلف عن المقابلة مع السيد بونيفيس.

وفي النهاية، وجَدوا شرطيًّا يغلب على مظهره طابعُ القرون الوسطى وهو يتجوَّل بمفرده في خُمول عبر السوق، وتعهَّد نظير مكافأة يحصل عليها، أولًا، أن يُساعد في العثور على أفضل المقرَّات المتاحة في الوقت الحالي، وثانيًا، أن يُحافظ على سرِّية وهدوء وصول الجَمْع الذين أصبَحوا رُعاتَه إلى المدينة.

وقال إنه لسوءِ حظِّهم أنهم قد جاءوا إلى البلدة في وقت متأخر جدًّا، ذلك أن المرشَّحَين الآخَرَين موجودان على الساحة منذ فترة طويلة، وبدآ حملاتهما بشكلٍ طبيعي. ومع ذلك، هناك مكان مرتَّب وأنيق، كان دائمًا المقرَّ الرئيسي لمرشحٍ ثالث؛ ومن جانبه، هو يعتقد أنه إذا كان المرشح رجلًا نبيلًا عاديًّا فلا يُهم كثيرًا في أيِّ منزل سيُقيم. واعتقد هذا الشرطيُّ الفَطِن أن الأمر سيكون مشابهًا، إذا كان لدى المرشح أصدقاء يعرفون عمَلهم جيدًا.

وقد أخَذوا بنصيحة الشرطي في اختيار مقرِّ اللجنة المركزية، وقد اختار فندق جرين سوان، الذي، دعني أُقر وآسَف، كان مكانًا متواضعًا نسبيًّا كي يُتخَذ مقرًّا. كنت أُفضِّل كثيرًا أفخم فندق في المدينة؛ ولو كان ذلك ممكنًا، لكنت قد تنازلت عن المكان الذي تُوج فيه السيد جوليفات. ومع ذلك، كما ستكشف الأحداث، فإن هذا الأمر لم يؤثر على نجاح الخُطة.

دون مزيدٍ من إضاعة الوقت، في وقت مبكر من صباح اليوم التالي، شرَع مرشَّحي في العمل. فكان أولُ شخص قدَّم له خُطبَه المطبوعة، بصفته وكيلًا عن المرشح المستقل، ليس عُمدةَ البلدة، ولا سكرتير البلدة، ولا عضو مجلس محلِّي، ولا عضو مجلس البلدة، ولكنه كان عاملَ لصقِ الدعاية.

وهكذا ظهرت على الجدران مطبوعاتُ دعايةٍ انتخابية كُتبت على النحو التالي:

إلى الناخبين الأحرار والمستقلين في البلدة «إن»

أيها السادة المحترمون، لقد كانت مدينتُكم في كثيرٍ من الأحيان ساحةً للصراع الحزبي. وقد صُنِّفتم كأنصار للدستوريين الإصلاحيين والمحافظين. ولم يحترم مُمثِّلوكم في البرلمان تقاليدكم التاريخية العريقة وفضائلكم العامة المرموقة ولم يهتمُّوا بها أو يفهموها أو حتى يعرفوها من الأساس على ما يبدو، مثلهم في ذلك مثل أولئك الذين يتطلَّعون إلى تمثيلكم في الهيئة التشريعية وهو ما يُعَد أسمى شرفٍ يتطلع إليه أيُّ إنسان محبٍّ لوطنه.

أيها السادة، على الرغم من أنني غريبٌ بينكم، حيث أقمت في الخارج لسنواتٍ عديدة، وعُدت مؤخرًا إلى وطني؛ بعد أن درَستُ المؤسسات السياسية في أوروبا وأمريكا، واطلعتُ عليها عمَليًّا، وعلاوة على ذلك، فقد قرأت تاريخ بلدتكم العريقة، الذي يُشكِّل العديد من الصفحات الرائعة في التاريخ العظيم لوطننا، كما أنني محظوظٌ بما ورثتُه من ممتلكات وفيرة؛ لذا فقد عقَدتُ العزم على وضع خدماتي تحت تصرُّف وطني، مع رغبةٍ خاصة في خدمة مصالح دائرة انتخابية حرَّة ومستنيرة، مثل البلدة «إن».

أيها السادة، في ظل هذه الظروف، أُقدم نفسي كمرشَّح في الانتخابات القادمة لتمثيل دائرتكم، وعلى الرغم من أنني سأحظى على الفور بشرف مقابلتكم بنفسي، وتوضيح معالم حملتي الانتخابية لكلِّ واحد منكم في منزله، أعتقد أنه من الصواب أن أضعَ أمامكم بيانًا موجزًا عن مبادئي السياسية.

أيها السادة، أنا أؤيد أوسعَ وأشمل خُطةِ إصلاح يمكن للفلسفة السياسية أن تبتكرَها. وإذا منحتموني شرفَ تمثيلكم في البرلمان (وكلي ثقةٌ في أنكم ستفعلون)، فسأدعم، من خلال خُطَبي وتصويتي، كل إجراء ينشر السعادة بين الناس، من خلال زيادة الطلب على العمالة، وزيادة أجور الصناعة، وفي الوقت نفسه زيادة أرباح رأس المال، وتعزيز راحة كلِّ رجل وامرأة وطفل في جميع أنحاء البلاد التي تخضع لجلالة الملكة.

أيها السادة، أنا أُؤيد إجراءاتٍ أخرى للتحسين السياسي والاجتماعي التي تُفيد الجميعَ بشمولها ونفعِها ولا تَضر، لكن لن يتَّسع المجالُ هنا لشرحها بشكل وافٍ، في حدود هذا البيان المطبوع، ولكن سيكون أمامنا العديدُ من الفرص لشرحها عندما ألتقي بكم وجهًا لوجه في اجتماع عام، وفي منازلكم، وفي يوم الترشيح.

أيها السادة الأفاضل
يُشرفني أن أعرفكم بشخصي
خادمكم الأمين والمطيع
هوراشيو ماونت-ستيفن فيبس

ومِن ثَمَّ، لم يُضِع عاملُ لصق الدعاية أيَّ وقت في لصق البيان على جدران البلدة؛ لكن سبق عملَه انتشارُ دعاية أخرى على نطاق واسع من خلال كشف حارس البوابة، والسيد بونيفيس، والخادم، والسيد بونج، وسائس الخيل عما دار بينهم وبين المرشح.

وهكذا أمسَت المدينةُ في حالة اضطراب. وازدحمَ فندق جرين سوان في صالون البار، وأمام البار، وفي كل قاعة عامة به. حيث تلقَّى السيد سميث (أعني السيد هوراشيو ماونت-ستيفن فيبس) عددًا كبيرًا من العروض للمساعدة المِهْنية، والعديدَ من الطلبات للحصول على شرف التعارف، والرسائل التي لا تُعَد ولا تُحصى للحصول على توقيعه، مع مبادرات أخرى رقيقة وغير رقيقة لحُسن النوايا والصداقة؛ كل ذلك في غضون ساعاتٍ قليلة. وقد أخبرني السيد فيبس، بعد عودته إلى لندن، وتحويله من جديد إلى «سميث»، أن التجرِبة كانت «أكثر حدث ممتع وزخم» انخرط فيه خلال حياته؛ وأخبرني شريكي أن المرشح الوهميَّ لعب دوره بمهارة عبقرية.

وفي فترة الصباح، تجمَّع حشدٌ أمام فندق جرين سوان، وسُمِعَت أصوات صاخبة تكريمًا للمرشح «المستقل» الذي أصبح الآن «المرشَّح صاحب الشعبية». كما طبعَ صاحبُ مطبعة مطبوعاتٍ أخرى، ومن دون توصية، إمَّا مِن فرط الحماسة السياسية، أو الاعتماد على تدقيق الحسابات بلا عناية، وعلَّقها على الجدران، وقد جاء نصُّها كما يلي:

فيبس للأبد!

أصبح الحشدُ أقلَّ صبرًا وأكثرَ ضجيجًا في فترة ما بعد الظهر، وكان على المرشح أن يُقدم نفسَه من شُرفة الفندق، ويُخاطب معجَبيه. ويؤسفني أن أقول، نظرًا إلى عدم وجود كاتب يُجيد الكتابة بطريقة الاختصار، فلن أستطيع أن أُعطي للقارئ تقريرًا عن هذا الخطاب، وأعتذر لهذا، فقد قيل لي إنها كانت إحدى أروعِ الخُطب التي ألقاها على الإطلاق مرشَّح مزعوم أو حتى مرشح حقيقي. ومع ذلك، دَعْنا من هذا.

وبحلول المساء، طلب وفدٌ بالنيابة عن المؤيِّدين، أن يحصل على الإذن بمقابلة هوراشيو ماونت-ستيفن فيبس، الموقَّر، للتعبير عن إعجابهم بالمبادئ التي أعلنها بوضوحٍ ودقة في بيانه، التي وضَّحها وطبَّقها بأسلوب جميل في خُطبته البليغة. وقد أجاب الرجل النبيل طلبَهم بمنتهى المودَّة، وألحَّ عليهم كي يُشرِّفوه بقَبول دعوته لهم على العشاء.

وقد قيل لي إن كرمَ ضيافة فندق جرين سوان تجعله يستحقُّ مكانةً أكثرَ شُهرة؛ كما نالت مهارة زوجة صاحب الفندق في الطهي الاستحسانَ والإنصاف، حسبما يقول كاتبُ ركن المرأة في الصحف. كما حَظِيت المشروباتُ المعتَّقة التي قدمها صاحبُ الفندق باستحسان متميِّز، أو على الأقل استطعتُ أن أحكم على ذلك من خلال فاتورة الحساب التي رأيتها فيما بعدُ تحت تاريخ هذا الحفل الترفيهي. صحيحٌ أن الأشياء الجيدة تحمل أسماءً مألوفة. ولكن قد يُعزى هذا الظرفُ على وجه الدقة إلى الطابَع الإنجليزيِّ للمرشَّح والمعجبين به، وليس إلى القدرة أو الوسائل المحدودة لصاحب الفندق وزوجته. إذ يبدو أن أفراد الوفد قد تناوَلوا شراب شيري وشراب بورت وشراب شمبانيا بغزارة مع الكثير من السيجار الذي بلغ وزنُه في المجمل بِضعة أرطال، وكان (نظرًا إلى السعر الذي كلَّفني إياه) أفضلَ سيجار كوبي يُمكن أن تُنتجه هافانا.

في هذه المأدُبة المفاجئة التي لم يُعَدَّ لها سلَفًا، أُلقِيت الخُطب بالطبع، واحتُسِيت الخمور، وأُنشِدَت الأغاني، حتى نهاية الحفل — في مزيج من المنوعات من «رول بريتانيا»، و«جد سيف ذا كوين»، و«وي وونت جو هوم تيل مورنينج» — التي أدَّاها المعجبون الوطنيون بفيبس بأداءٍ مميز.

وقد تشكَّلَت من هذا الحفل لجنةٌ من الرجال المتَّزِنين. ذلك أن سميث — أعني فيبس — سيطمئنُّ لوجود مَن يتابع النتائجَ عن قرب من المتزنين، وكان من المتوقَّع الآن أن يستمر كلُّ شيء في بهجة كما لو كانوا في حفلِ زواج.

مرَّ اليوم التالي مثلما مرَّ سابقه، باستثناء أن المرشح الثالثَ الحائز على الشعبية، كمسألةٍ شكلية، قابَل عددًا من السكان المحترمين، ومثَّل دورًا عن واجبات المرشح، مثل مصافحةِ مشرَّد أو اثنينِ أمام الفندق يرتديان ثيابًا متسخة، وتقبيل بعض الأطفال الذين يَسيل لُعابُهم على صدورهم، والتحدُّث بسرور إلى زوجات الناخبين، وشرح المبادئ للناخبين أنفسِهم.

في هذا اليوم أرسلَ وكيل السيد تويتش مذكرةً باليد إلى وكيل السيد جوليفات، يقترح فيها أن يتقابلا بسرِّية ودون تحامُل لمناقشةِ مسألةٍ ذات أهمية لكِلا المرشَّحَين. وردَّ المستشار القانوني للسيد جوليفات بالموافقة على الاجتماع. ومِن ثَم تقابلا. حيث كان ترشُّح فيبس هو موضوعَ النقاش. فقال وكيل تويتش إنه أرسل برقية إلى مكتب بروكس، وحزب الإصلاح، والسيد كوبوك، لكنه لم يحصل على أيِّ معلوماتٍ عن فيبس. لم يكن معروفًا للحزب، واعتقَدوا أنه شخصٌ مغامر بالتأكيد، وأنَّ ثروته مُبالغٌ فيها بشكل كبير، إذا كان لها أيُّ وجود حقيقي من الأساس. فقال محامي السيد جوليفات إنه استفسر بالطريقة نفسِها في كارلتون، لكنه لم يستطع معرفة أيِّ شيء عن خَصمِهم. وهكذا أُصيبَ الليبرالي بالإحباط. ولم يأخذ المحافظ الأمر على محملِ الجِد. واتفقا على أنه لا يمكن فعلُ أيِّ شيء لإفساد المرشح الجديد.

ذهبَ شريكي إلى مطبعة محلِّية وحصلَ على بعض الاستمارات مطبوعةً بنظام الورَق المكربَن، مثل «دفاتر التسليم» الخاصة بالتجَّار أو شيكات المصرفيِّين، التي سيتَّضح فيما استُخدِمت على الفور. كما تمكَّن من التعرف على عددٍ قليل من قادة الشعب — من يُطلِق عليهم الفرَنسيون «الرجال الفاعلون» — وهم أنصارٌ غير متفلسفين أو غيرُ مغرورين على نحوٍ صارخ.

وفي مساء اليوم الثاني بعد وصول السيد فيبس إلى البلدة «إن»، أجرى شريكي مشاوراتٍ مع نحوِ ستةٍ من هؤلاء الرجال الذين قد يُطلَق عليهم رؤساءُ عصابات الناخبين، وهم أشخاص اعتبَروا امتياز التصويتَ مِلكيَّة تُباع في السوق، مثل أيِّ سلعة أخرى، باستثناء أن هذه السِّلعة التي تُسمَّى تصويتًا يجب أن يشتريَها المرشحُ بالتجزِئة، حتى يتمكنَ من بيعها، كدائرة انتخابية، قطعةً واحدة أو بالجملة. وكانت النتيجة اتفاقًا أو تفاهمًا، ليس لديَّ شكٌّ في أن البائعين سيُحافظون عليه بأمانة. فهؤلاء الرجال يُحافظون دائمًا على ثقةِ مشتريهم، إذا لم يكن هناك مرشحٌ آخر، من المفترض أن يكون لديه وزنٌ أثقلُ من الذهب يمكن من خلاله التأثيرُ على أمانتهم، والذي قد يصل في أي ليلةٍ لاحقة بين تاريخ الاتفاق معهم ويوم الانتخاب.

وهنا يتطلَّب هذا الجزءُ من الخُطة أن يُفسَّر بدقة كبيرة، وإلا فلن يُلاحظ القارئ النقطةَ المركزية أو محور الحيلة الكبرى للحملة الانتخابية التي أعتزمُ الآن شرحها.

لقد أُتيحت الفرصة لشريكي كي يُخاطب أحد بائعي امتياز التصويت على النحو التالي. لقد أوضح له أن قانون مكافحة الرِّشوة صارمٌ إلى حدٍّ ما. وأن هوراشيو ماونت-ستيفن فيبس، الموقَّر يتمتَّع بمشاعرَ حساسةٍ للغاية، وتعافُ نفسُه قَبول الرِّشوة؛ وأنه إذا لم يكن هناك قانونٌ في كتاب القوانين المطبَّقة أو بين القضايا السابق لتجريمِها (وفي الواقع هو موجود بالفعل)، فيجب أن يتم كل شيء بحُرِّية وعلانية، أو على الأقل يجب أن يتمَّ بعلم، ليس فقط رجال الشرطة، أو القُضاة، أو المفوضين البرلمانيين، أو غيرهم من المسئولين القضائيِّين، ولكن أيضًا الرجل الأكثر استقامة، وصلاحًا، وثراءً، المرشح صاحب الشعبية نفسه. وتابعَ الوكيل قائلًا إنه نزل إلى المدينة مع الرجل الذي يتشرف بخدمته. ولم يكن يتوقع أن حالة البلدة سوف تفرض عليه ضرورةَ القيامِ بأشياءَ يرى أنها ضروريةٌ لنجاح السيد فيبس، ولكن نظرًا إلى وجوده في خِضمِّ المنافسة، فقد قرر المُضيَّ قدمًا وتأمينَ انتصارٍ للرجل المميز والكريم القلب الذي يُمثله في تلك المقابلة. أما بالنسبة إلى المال، فهذا لا يُمثِّل مشكلة على الإطلاق. إذ إن السيد فيبس غنيٌّ بما فيه الكفاية ليُقدم كلَّ ما يستلزمه الأمرُ من أموال. وأيُّ مَبالغَ قد يُضطَر إلى دفعها لن تُؤثر عليه حتى ولو تأثيرًا طفيفًا؛ لكن شخصيته يجب أن تكون فوقَ مستوى الشبهات أمام الناس وأمام نفسِه. وتابعَ شريكي قائلًا إن هناك طريقةً واحدة للخروج من هذا الموقف الصعب، خطرَت بباله، وعقد العزم بالفعل على اتِّباعها، وإلا فسينسحب مرشَّحه في الحال قبل إنفاق أيِّ أموال تُذكَر؛ لأنه على الرغم من أنَّ لدى السيد فيبس ما هو كافٍ مِن المال، وأكثر من كافٍ، لكلِّ ضرورة، إلا أنه لا يرغب في إهداره، وفقدان المنصب الذي يطمح إليه أيضًا. وعند هذا الاقتراح بسَحْب المرشَّح وأمواله، بدا قادةُ الشعب مرتبِكين أو منزعِجين إلى حدٍّ ما. وقالوا إن رجلًا مثل السيد فيبس سيفوز بالتأكيد إذا سلكَ الطريقَ الصحيح، واعتقدوا أنه مِن المؤسف أن ينسحب بعد الاحتفاء الرائع الذي تلقَّاه من قِبل جميع فئات المجتمع.

ومِن ثَم جرَت بعضُ المفاوضات، التي أسفَرَت عن الاتفاق على أنه في وقتٍ متأخِّر من الليل، يجب على العديد من قادة الشعب، واحدًا تِلوَ الآخر، أن يأخذوا شريكي إلى منازل الناخبين الأحرار والمستقلِّين الذين يجب في الواقع رِشوتُهم، وأن تتمَّ العملية بطريقةٍ خادعة وَفقًا للترتيب المتفَق عليه.

وهكذا أُبرم عقدٌ مع كل ناخب ينصُّ على ضرورة مَلءِ بطاقة الانتخاب وسيحصل على ١٠ جنيهات في نهاية الانتخابات. وسيضمنُ حصوله على المبلغ من خلال استمارةٍ مطبوعة من الورق المكربن، موقَّعة من شريكي بتوقيعه الواضح، وسيكتب عليها الناخب، الذي أُغرِي بذلك، اسمَه أو يضع علامة (+). وقد مُنح كلُّ ناخب مستأجر مبلغ خمسة شلنات بمجرد دخول الاتفاق معه حيِّز التنفيذ.

في اليوم التالي جرَت تسميةُ المرشحين. حيث استُقبِل السيد تويتش، المرشَّح الدستوري الإصلاحي، بصيحاتٍ ساخرة ومستهجِنة. ولم يكن حالُ السيد جوليفات أفضلَ من ذلك، فلعنَ البلدة من أعماق قلبه وشعَر بالندم الشديد على ذلك الطموح أو تلك الحماقة التي دفعَته إلى دخول القوائم كمرشَّح. وتوصَّل إلى استنتاجٍ مفادُه أنه من بين كل صفات التفاخر الزائف الذي ميَّز الإنسانيةَ منذ أيام سُليمان، لا شيء يُضاهي الرغبةَ في أن تُصبح ممثِّلًا في البرلمان لدائرة انتخابية حرة ومستقلة مثل دائرة البلدة «إن».

وكان السيد هوراشيو ماونت-ستيفن فيبس هو بطلَ ذلك اليوم. فإذا كان هناك شيءٌ يُمكنه الحدُّ من تدفُّق لسانه الفصيح، فهو التقديرُ السريع من جمهوره الذي تولَّى إكمال جملِه. حيث هتَفوا وصاحوا وهلَّلوا، وفعلوا كلَّ ما يُمكن تصوُّرُه، وبالنسبة إلى القارئ، العديد مما لا يمكن تصوُّره من مظاهر المودة تجاهَ شخصِه، والإعجاب بمبادئه. لكن بالنسبة إلى هذه المظاهر الغزيرة من التعلُّق والتفاني، يُمكنني بالتأكيد أن أعطيَ القارئَ نموذجًا رائعًا لما يمكن أن تكون عليه خُطبة الحملة الانتخابية. وقد تخللَت التهليلاتُ والصيحات مجادلاتِ السيد فيبس وعباراته البليغة. ويكفي القول، إنها كانت خُطبة عبقرية ورائعة.

وعند الدعوة إلى التصويت برفعِ الأيدي، رفعَ عددٌ قليل أيديَهم من أجل التصويت للسيد تويتش، وعددٌ قليل آخر للسيد جوليفات، بينما رفع عددٌ كبير للغاية أكفَّهم، معلنين عن رغبتهم في أن يصبح هوراشيو ماونت-ستيفن فيبس نائبًا في البرلمان عن دائرة البلدة «إن». ومِن ثَمَّ أعلَن المشرفُ المسئول عن تنظيم عملية التصويت، بالطبع، أن اختيار الناخبين، من خلال تصويتٍ علَني، قد وقعَ على هذا الرجل المحترم، بينما طالبَ كلٌّ من خَصمَيه بإجراء اقتراع.

وهكذا فإن أهمَّ شيء يجب القيامُ به الآن هو الهروب من البلدة. ولم يكن هذا في الواقع أمرًا سهلًا للغاية، على الرغم من أنه قد يبدو للقارئ سهلًا. إذ أصبح كلُّ مَن في المكان يعرف المتآمِرين الثلاثة، ولم يُترَك المرشح ولا شركاؤه المباشرون بمفردهم ولو لخمسِ دقائقَ متتالية. كما أن الخروج من المكان عبر أيٍّ من الطرق العادية، وبأسلوبٍ معتاد، من المرجح أن يُثير الشك. ولو هربَ كلٌّ منهم منفردًا، وفي الوقت نفسه، عبر ثلاثة طرق مختلفة، فإنه سيُثير شكًّا أقل، لكنه سيكون أكثرَ إدانةً إذا اكتُشف. وإذا لم يهرب الثلاثة في الوقت نفسه، فمن الممكن أن تتعرَّض للعقاب أو للخطر حياةُ شخص أو اثنين ممن سيظلُّون في المكان بعد التأكد من هروب أحدهم.

علاوةً على ذلك، فمن المحتمل، تحت أيِّ ظرف من الظروف، أن ينكشف أمرهم بسرعة عند الهروب. حيث لاحظَ شريكي وجودَ ما لا يقل عن ستةٍ من الغرباء في معسكر العدو. كان هؤلاء الغرباء يتمتعون بنظرةٍ خبيرة، ويبدو أنهم من العاصمة. وقد اشتبه في أنهم جواسيسُ علينا. قد يكون أسلافُ السيد فيبس، لأيِّ سبب عكس ما نعلم، قد انكشف أمرُهم، وأصبحوا معروفين للمرشح الليبرالي، الذي كان يُحاول إفساد لُعبتِه، على الرغم من أن هذا الرجل وصديقه قد لا يعتبران ذلك لائقًا (إذا كانوا لم يستطيعوا إثباتَ الصِّلة بين حزب فيبس وحزب السيد جوليفات) لتفجير قصة ترشيح الأول. وعلى أي حال، يجب أن يهربوا، وذلك قبل الاقتراع غدًا؛ أي قبل فواتِ الأوان.

كان جزءًا من تصميمي لهذه الحيلة هو أن المخطط يجب أن ينفجر، وأن يُطبق التوافُق عند هذه النقطة بالضبط من المخطط.

كنا قد رتَّبنا لإبقاء الاقتراع علنيًّا من أجل فيبس، على الرغم من هروبه. ولذلك لم يُبلَغ المشرف المسئول عن الاقتراع بأي إخطارٍ رسمي بالتخلِّي عن ترشُّحه.

في الواقع، وعلى الرغم من هروب فيبس، يجب أن يظلَّ فيبس مرشحًا. وقد رأى محامينا الرئيسيُّ أن ذلك ضروري، وأنه مِن الحكمة استطلاع رأي رجلٍ واحد على الأقل حول الهرب.

وبعد المداولات، رُتِّب الأمر بين الهاربين المقصودين أن يَختاروا ذلك الصباحَ من أجل هروبهم، وأن يهربوا مجتمِعين. ومِن ثَمَّ، بعد الترشيح، أُقيمَت احتفالاتٌ صاخبة في فندق جرين سوان. وحضرَ ممثِّلون لكلِّ قسم من مجتمع البلدة «إن» حيث وُجِد أفرادُ الطبقات الدُّنيا في قاعةٍ مخصَّصة لهم، وقُدِّمت لهم المشروبات التي تناسب أذواقهم، في حين أن كبار الشخصيات ووُجهاء البلدة الذين ربَطوا أنفسهم بالقضية الشعبية والفائزة لفيبس، استُضيفوا في قاعةٍ أفضلَ من الفندق. ولم يُفْرط فيبس نفسُه، وشريكي والمحامي الذي كان بصُحبته، في تناول الشراب. وظلوا هم الأشخاصَ الواعين فقط وسط الجَمْع الثَّمِل. واستمر هذا الصخب طوال الليل وحتى الصباح. وقد تهاوى صاحبُ الفندق نفسُه، بفعل الإرهاق وجرعات الشراب، على أريكةٍ غير مريحة. بينما حصلَت زوجته على القليل من الراحة، ثم واصلت الإشرافَ على الفندق بينما كان زوجها نائمًا. أما بالنسبة إلى السيد فيبس وشريكي والمحامي، فقد حاولوا فصلَ أنفسهم عن مؤيِّديهم عند حوالي الساعة الثالثة صباحًا، في ظل مطالبات قوية تُعبر عن القلق من أجل رفاهية وراحة هؤلاء السادة، الذين حثَّهم البعض، من أجل صحَّتهم ومظهرِهم الخاص، على الانصراف والحصول على قدرٍ من النوم، كي يعودوا إلى فعاليات الاقتراع في الصباح وهم نَشِطون. وبهذه الطريقة تخلصوا من الجموع المحيطةِ بالمرشح، باستثناء رفيقَيه. وهكذا سارت الأمور على نحوٍ جيد حتى ذلك الحين.

عند حوالي الساعة السادسة صباحًا، طلبَ فيبس — تحت شعوره بصداعٍ وهمي وإحساس بالتعب وكذلك فعل شريكي هو والمحامي — بعضَ المياه الغازية مع رَشْفة من البراندي، وبدَءُوا، في حضور صاحبة الفندق، في التعبير عن أسَفِهم لعدم قدرتهم على خوض أعمال الكفاح الوشيك؛ قاصدين بذلك فعالياتِ الاقتراع. واقترحَ شريكي أنه قد يكون من الجيد قيامُهم بنزهة، ويُفضَّل الخروج بهدوء وعدم وجود أحد برفقتهم. وسألوا إذا كان ذلك ممكنًا. فوافقت صاحبةُ الفندق على السماح لهم بالخروج من بابٍ خلفي عبر حديقة ملحَقة بالفندق، حيث يمكنهم السيرُ عبر بعض الممرات الجانبية، والحصول على ما يحتاجون إليه بشدة؛ نسمة من الهواء النقي. وكان هذا مناسبًا بشكلٍ رائع. حيث سبق لشريكي أنْ سلك تلك الطرقات، وعرَف أنه بهذه الطريقة يُمكن لثلاثتهم أن يسيروا أو يهربوا لمسافة خمسة أميال فقط، حتى يصلوا إلى المحطة التي استقلوا منها القطار إلى لندن في الساعة الثامنة صباحًا.

لم يكن هناك الكثيرُ من السائرين في ضواحي المدينة، باستثناء مُزارع ريفي هنا وآخرَ هناك ذاهبٍ ليكدحَ في حقله؛ كان هؤلاء المزارعون رجالًا ذَوي غِلظة غير متعلِّمين، ليس لديهم طابَعٌ أو فكر سياسي، ولذا فهُم غيرُ مهتمين بالنضال الانتخابي الكبير في البلدة «إن»، ولم يَزِد اهتمامُهم عن مجرد ردِّ تحية «صباح الخير» على السادة عابري الطريق.

وسرعان ما اكتُشِفَ غياب السيد فيبس ووكيلِه ومحاميه، وساد على الفور اشتباهٌ في حدوث شيء خبيث. وانتشرت هذه الفكرة كالنار في الهشيم في جميع أنحاء المدينة، وتبعَ ذلك مشهدٌ من الإثارة استعصى على الوصف حرفيًّا؛ ولم يُضاهِه شيءٌ أبدًا في تاريخ الحملات الانتخابية. فقد تعرض فندق جرين سوان لخطر التدمير التام. وعُوقِبَ بعض الأبرياء، المشتبَه في مشاركتهم في عملية الاحتيال، من قِبَل الغوغاء، الذين يجب أن يكون لديهم ضحيَّة أو اثنتان، والذين صبُّوا جامَ انتقامهم على المشتبهِ بهم في غياب أولئك الجناة الحقيقيِّين الذين بحلول هذا الوقت كانوا يتَّجهون جنوبًا في أمانٍ نحو العاصمة في القطار الذي استقلُّوه.

ومِن ثَم تحطمَت نوافذُ فندق السيد فيبس. لم يُصدق جزءٌ كبير من الحشد احتجاجاتِ المالِك، على الرغم من أنه، من أجل سُمعة الرجل الموثوق فيها، يمكن القول إن مجموعةً كبيرة من المشاغبين قد وضعوا ثقتهم في تأكيداته.

وبعد ذلك اقتُحِمت غرفة اللجنة ونُهِبت، وساد الكثيرُ من السرور عندما وجدوا الصندوق الحديدي. حيث انبثقَ بصيصٌ متقطع من الأمل الهمجي لدى المقتحمين. وظنوا للحظةٍ أنهم قد عثروا على كنز، وأبهج قلوبَهم احتمالُ حدوث نهبٍ كبير. وسرعان ما أبلَغوا الحشد في الخارج بهذا الاكتشاف. وهكذا طالبوا بإخراج الصندوق إلى ساحة السوق، وتوزيع محتوياته بشكلٍ عادل بينهم. وبصعوبة بالغة، نُقِل الصندوق الثقيل عبر السُّلم إلى الشارع. ولفترة من الوقت صمَد القفل أمام كلِّ الجهود لفتحه؛ ولكن في النهاية جاء الحدَّاد، بأدوات تكفي لتدمير بوابة حصن. ونتيجةً لهذه المساعدة الفعالة، كُسِرت المفصلات أو خُلِعت من مكانها، ورُفِعَ غطاء الصندوق الغامض. ومِن ثَمَّ وجدوا ما أثار دهشتَهم وذهولهم، حيث وُضِعت بعناية داخل نشارة خشب — ليس الجنيهات الذهبية التي كان يُفترَض أن تُعوض مختلِف الناخبين، وحاملي اللافتات ومُدققي الحسابات وموظَّفي الانتخابات وغيرهم، لكن لا تندهش أيها القارئ اللطيف — عشر كُتَل صُلبة من الجرانيت الاسكتلندي الناعم، التي تم تحويلُها من غرضها الحقيقي (وهو رصفُ جزءٍ من الطريق في شارع أكسفورد) إلى التدنيس غيرِ المسموح به للناخبين الأحرار المستقلِّين في البلدة «إن». فانطلقت صيحاتُ السخرية واللعنات الشديدة والعميقة، وانهال اللومُ الشديد على المرشَّح صاحب الشعبية السابق؛ ويمكن قَبول الأمر كحقيقة أنه، إذا وقع السيد فيبس، أو محاميه، أو شريكي في أيدي هذا الحشد الغاضب، لكان من حقِّ ممثِّليه القانونيين رفعُ دعوى ضد المكاتب التي أمَّن فيها على حياته.

كان هروب فيبس واكتشافُ حقيقة الصندوق موضوعَين هَزْليَّين. ولكن ربما لم تكن النكتة أو الحيلة في أيِّ جزء من البلدة أكثرَ إثارةً مثلما كان الحال بالنسبة إلى مقرِّ الحملة الانتخابية للسيد جوليفات، مرشحنا الحقيقي.

ويجب أن يُذكَر أيضًا، لمعلومات القارئ — ومطلوب منه بشدةٍ أن يُلاحظ — أن التسليم البريديَّ العام من لندن يَنقل إلى كلٍّ من مقارِّ الحملات الانتخابية لمنافسي السيد فيبس نشرةً مطوَّلة، موجَّهة إلى كلٍّ من المرشحين المتبقِّين بالاسم، ووكلائهم، وجميع الذين قد يُهمهم الأمر، لإعطائهم إخطارًا رسميًّا بأن الرجال الذين أُدرِجَت أسماؤهم في القوائم المرفقة في النشرة (الذين هم ناخبون أحرارٌ ومستقلون للبلدة «إن») قد استبعَدوا أنفسهم من التصويت في الانتخابات الحاليَّة، من خلال قَبولهم المكافَآت، بموجِب عقودٍ قانونية مُلزمة مع أحد المرشحين.

نتيجةً لهذا الإخطار، فإن المساكين التعساء الذين دخلوا في الاتفاقات المذكورة مع شريكي لن يتمكَّنوا من بيع أصواتهم وضمائرهم للسيد تويتش، إذا كان يودُّ شراءها؛ لأنه لو اشترى أصواتَ الناخبين الملوَّثين، فسيُمنَع من المنافسة الانتخابية، وسيفوز منافسه بالمقعد بكلِّ تأكيد. كما تلقى المشرف المسئول عن العملية الانتخابية نشرةً مماثلة وقوائمَ مماثلة.

ونظرًا إلى بقاء الاقتراع مفتوحًا في ظلِّ هذه الظروف، يمكن لخيال القارئ التأكُّد من النتيجة العامة جيدًا؛ ولكن، لمعلوماته الخاصَّة، يمكنني أن أذكر الأرقام التي أعلنها المشرفُ المسئول عن العملية الانتخابية وهي:

جوليفات: ٢٠٩.
تويتش: ٦٤.
فيبس: ١.

كانت النتيجة أن السيد جوليفات قد فاز بالانتخابات، وشغَل المقعد البرلماني، وأصبح لعدةِ سنوات ممثِّلًا بلا منازع للبلدة «إن». ومن الإنصاف أن نقول إنه قد فاز، بتكلفةٍ قليلة نسبيًّا، وبأغلبيةٍ كاسحة من أصحاب الاقتراع الأمناء من الرجال المحترمين في الدائرة الانتخابية. وأعتقد أن شريكي قد نجحَ في قطع الطريق على الفاسدين في هذا المكان السيئ السمعة.

كما صار مالكُ فندق جرين سوان بالطبع حزينًا جدًّا على المصائب التي حلَّت به. لكنه تمكَّن من إصلاح زجاجه المكسور والتلفيات الأخرى على حساب هاندرد؛ وخابَ أملُه تمامًا في أن يستردَّ ديونه من السيد فيبس، لكنه تلقَّى خطابًا من مُحامٍ سياسي معروف في وستمنستر، يفيد بأن السيد فيبس يرغب في تلبية أيِّ مطالبة صحيحة وأمينة؛ وأنه إذا أعدَّ صاحب الفندق فاتورة حسابه وأرسلها إليه، فسيفحصها، وإذا ثبَت أنها صحيحة فسيتم تسويتها. وهكذا أرسل الرجل فاتورة الحساب، وتبيَّن بعد فحصها أو مراجعتها أنها كانت تتضمَّن مُبالغة كبيرة. ومِن ثَمَّ حصل المالِك على ثُلثي المبلغ الإجمالي؛ أي حوالي ١٠٠ جنيه. وعلى الرغم من رفض سداد مبلغ ٥٠ جنيهًا، فإن لديَّ سببًا قويًّا للاعتقاد أنه لم يخسر بسبب ترشُّح هوراشيو ماونت-ستيفن فيبس.

وقد ظهَر الآن ظرفٌ صغير لم يتوقَّعه أيٌّ منا، وهو أمرٌ محرج. إذ كشَف سداد تلك الفاتورة لمالِك فندق جرين سوان عن قصةِ محفظة فيبس بدقةٍ تقريبية. فقد أصبح العديدُ من الناس يشكُّون في أن السيد جوليفات، المرشح الناجح، على صلةٍ بحيلتي الكبرى. ولكن لإثبات ذلك، كان من الضروريِّ تعقُّبُ فيبس ومهاجمته، ويُؤسفني أن أقول إنَّ الناخبين الأحرار والمستقلِّين المحبَطين الذين لم يتمكَّنوا من التصويت في هذه الانتخابات قد نجَحوا في القيام به. وما زالت كيفيةُ التوصُّل إليه هي سرًّا بالنسبة إليَّ حتى اليوم؛ لكنهم بالتأكيد اكتشَفوه بطريقةٍ ما، وهاجَموه بسلسلةِ أحكام صادرة عن محكمة صاحبة الجلالة للاستئناف العامِّ في وستمنستر. وقد أخبرَنا محامٍ خبيرٌ في القانون بأن لدينا دفاعًا جيدًا ضدَّ هذه الأحكام، على أساس أن اتفاقاتِ الخدمة كانت عقودًا لدفع المال إما لحثِّ الرجال على التصويت — التي تُعَد رِشوة — أو عدم التصويت، مما أدى إلى اعتبار الارتباطات ملغاةً وباطلة. فيما يخصُّ النقطة الأولى أعتقد أنه لا يُمكن أن يكون هناك شك؛ وفيما يخصُّ الثانية أعتقد أنه كان هناك مجالٌ كبير للمضاربة والبراعة القانونية. ومع ذلك، أعربَ السيد جوليفات عن رغبته في تجنُّب تشويه سمعة ناخبيه؛ لذلك رأى أنه من المناسب تسويةُ المشكلة بأسلوب آخر. كان فيبس رجلًا ذا أذواق كوزموبوليتانية، ولم يكن محبًّا للمحلية والالتصاق بمكانٍ ثابت. كما لم يكن يُهمه كثيرًا في أيِّ جانب من المحيط الأطلسي أو المحيط الهادئ سيعيش. ولذا أخبرَ شخصٌ ما نيابةً عنه، وهو محامٍ، محامي السيد جوليفات أن تسوية الأمر مع فيبس ستكون أقلَّ تكلفةً من تقديم جميع الناخبين وقضاياهم إلى المحكمة. وأن ١٠٠ جنيه هو المبلغ الذي تَحدَّد على أنه سيُخرج المرشَّح البليغ والمحبوب خارجَ نطاق اختصاص القضاء والشرطة. ومِن ثَمَّ حصل على المبلغ المطلوب، وأبحرَ بهدوء، وهاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث قيل لي: إنَّ هناك فُرصًا وافرةً لممارسة القدرات الخاصة لهذا المرشَّح المحبوب في خدمة الأحزاب المختلفة التي تقسِّم غنائم الجمهورية النموذجية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤