الفصل الثالث

حزْم الأمتعة

حزْمُ الأمتعة هي الخطوة الأولى في السَّفر — إذا كان هذا السَّفر متعمدًا، وإذا كان شيئًا تختار القيام به. ويمكن تعريف السَّفر جزئيًّا من خلال تعمده أو الغرض منه. فهذا ما يجعله مختلفًا عن الطرق الأخرى التي نتحرك بها عبر الأماكن. وهذا ما يجعله مختلفًا عن المأساة، مثل إجبارك على مغادرة منزلك، أو مختلفًا عن شيء عادي تمامًا، مثل الذهاب إلى العمل كل صباح، حتى لو كنت تعيش بعيدًا عن مكان عملك (لا يزال يُشار إلى هذا على أنه تنقُّل، وليس رحلة أو سفرية). وُصف السَّفر بأنه «كل المرور عبر حدود مهمة تفصل بين شخصيات مختلفة، وأنواع من العلاقات الاجتماعية، وأنشطة.»1 عندما تسافر، فإنك تختار ترْك منزلك وراءك. وأمتعتك، حقيبتك في أغلب الأحيان، هي خلاصة كلِّ ما يتعلق بالمنزل، بالخارج: كأنها منزلك، في شكلٍّ مصغر. وهذا ما نعنيه بعبارة «العيش في حقيبة».

يتذكَّر ريتشارد فورد، الذي كتب عن والديه في الأربعينيات من القرن الماضي، أن والده الذي كان يعمل مندوبًا للمبيعات، ويسافر للعمل طوال الأسبوع، لم يكن يفرغ أمتعته قطُّ عندما يعود إلى المنزل:

في معظم الأحيان، لم يكن والدي موجودًا. ومع ذلك فأنا أتذكَّر سيارته الفورد التي كانت تنتظر على الرصيف في عطلات نهاية الأسبوع، وأتذكَّر صوته في المنزل، وفي الحمام، وهو يشخر في سريره. أتذكَّر حجمه. لم يفرغ أمتعته أبدًا. كانت ملابسه، ومحفظته، وسكين جيبه، ومنديله، وساعته على طاولة سريره (لم يعودا ينامان معًا).2

جعلته أغراضه الشخصية مرتبطًا بالمنزل، ولو مؤقتًا فقط، لكن حقيبة السَّفر هي تذكير بأنه يسافر دائمًا، وأنه غير موجود دائمًا بالفعل. يكتب فورد عن التقاربِ بين والدته ووالده، الذي توطَّد عن طريق السَّفر معًا في وقتٍ مبكِّر من زواجهما — حياة على الطريق، هما الاثنان فقط — ولكن عندما وُلد فورد، بقيت أمه في المنزل. لا تشير الجملة الاعتراضية (لم يعودا ينامان معًا بعد الآن) بالضرورة إلى زواج غيرِ سعيد أو متوتر، ولكنها تشير إلى تغيير في الكيفية التي كانت تتم بها الأمور، شعر به هو أيضًا في الوجود الدائم للحقيبة الجلدية.

تجعلنا حقائبنا نبدو وكأننا نازحون، ونفتقر إلى منزل، وبالتبعية، الخزائن والأدراج التي تحتوي على ممتلكاتنا. تحمل أمتعتنا الأشياء التي نختار أخذها معنا، ما نعتقد أننا سنحتاجه. واختيار هذه الأشياء — حزْم الأمتعة — هو تمرين في التوقُّع، في تخيُّل المجهول ومحاولة توقُّعه والاستعداد له. هل من المحتمل أن تمطر؟ قد تحتاج إلى مظلة. هل ستحتاج إلى أحذية عملية؟ أحذية أنيقة؟ ربما كلاهما. يقوم بعض الأشخاص بإعداد قوائم بالأشياء التي يريدون حزْمها، حتى لا ينسوا أيَّ شيء. حيث يُعَد نسيان حزْم شيءٍ ما مصدرَ قلق أساسي للسفر. تسجِّل الفنادق والاستراحات هذا القلق من خلال لافتات على مكتب تسجيل الوصول وحتى في الحمام في غرفتك عليها السؤال التالي: «هل نسيت شيئًا؟» ثم تؤكِّد لك أن الفندق لديه مجموعة (محدودة، وعشوائية على ما يبدو) من العناصر المتاحة لاستبدالها بما نسيت: شفرات الحلاقة، وفرش الأسنان، وما إلى ذلك. إذا توقَّعت أدوات النظافة الشخصية البسيطة الخاصة بالفندق والموضوعة على صينية أنك قد نسيت بعض العناصر لأنك تعلم أنه سيتم توفيرها، فإن هذه اللافتات حول وسائل الراحة المنسية تذكِّرك بأنك غير جيد في حزْم الأمتعة، وبالتالي، مسافر غير جيد. أنت موسوم بالنقص.

الحقائب تريد أن تكون مملوءة. تُعرَّف من خلال خلوها أو امتلائها، وحالتها كأوعية تنتقل بين هاتين الحالتين. إذا كانت الرحلة طويلة، أو إلى مكان بعيد، فمن الأرجح أن نضع قائمةً بما نعتقد أننا سنحتاجه؛ فالخوف من نسيان شيءٍ ما يثقل كاهلنا. ربما نكتب هذه القوائم، أو ربما نحتفظ بها في رءوسنا. فبعض الناس بالكاد يفكِّرون فيما يقومون بحزْمه، وبالنسبة إلى آخرين فهو طقس ثقيل تحكمه قواعد وعادات تستغرق سنين. تغلف إحدى صديقاتي ملابسها في مناديلَ ورقية وتضع بعض الملابس في أكياسٍ ذاتية الغلق. لم أستخدم هذه الأكياس إلا في حالة وجود ملابس السباحة المبتلة. أتذكَّر أنني كنت أفكِّر منذ سنوات أن هذا قد يستغرق وقتًا طويلًا، ولكن لاحقًا خطر لي أن هذا كان جزءًا من الموضوع: أنها أحبت العملية ودقَّتها. تلف صديقة أخرى جميع ملابسها وتنظِّمها بعناية في أكوامٍ مرتَّبة. أعرف أزواجًا يحزمون أمتعتهم في الحقيبة نفسها (حقيبة واحدة كبيرة بدلًا من حقيبتين صغيرتين) وأزواجًا لم يفكروا أبدًا بمثل هذا الشيء. يدور حزْم الأمتعة حول ترتيب الأشياء بعضها مع بعض، وتجميعها معًا مثل الأحجية.

فحزْم الأمتعة يتعلق بالإدراج والإقصاء. يمكنك وضع ملابسك على سريرك ومعاينتها. ولكن عليك أولًا تحديد حجم الحقيبة التي ستحضرها معك. الحجم المناسب. الوزن المناسب. النوع الصحيح من المساحات. هل ستسافر بالطائرة أم بالسيارة؟ هل ستسجِّل الحقيبة أم لا؟ هل يمكنك أخذ أكثر من حقيبة؟ نتحدَّث أحيانًا عن الأشخاص على أنهم جيدون أو سيئون في حزْم الأمتعة، ويتعلَّق هذا الحكم التقديري بمدى فعالية شخصٍ ما في تحديدِ ما يحتاج إليه. اليوم، يُعتبر حزْم أمتعة خفيفة أمرًا جيدًا، ويمكن التعرُّف على المسافر المتمرس من خلال البراعة في تدبُّر أمر الأمتعة. (فكِّر في مضيفات الطيران اللاتي يتنقلن عبر صالات المطارات، وحقائبهن السوداء المزودة بعجلٍ خلفهن، وحقيبة سوداء صغيرة مربوطة أعلى كل واحدة.) تتطلب بعض المغامرات الكثير من الأمتعة والبعض الآخر لا يتطلب شيئًا تقريبًا. في بداية كتاب «على الطريق»، كتب جاك كيرواك عن رحيله: «لذا، تركت مخطوطتي الكبيرة التي لم تنتهِ بعدُ فوق مكتبي، وطويت مفرش سريري المريح للمرة الأخيرة في صباح أحد الأيام، وغادرت برفقة حقيبتي القماش التي وضعت بها بعض الأشياء الأساسية وانطلقت إلى المحيط الهادئ وفي جيبي خمسون دولارًا.»3 حقيبته القماشية مناسبة للسفر بالحافلة والتطفُّل على سيارات الآخرين، ومحتوياتها ليست مهمة؛ إنها ببساطة «أشياء أساسية»، وهي عبارة تتناسب مع الأهداف الرومانسية لرحلته إلى الغرب.
أنت لا تعرف حقًّا إذا ما كنت قد أجدت حزْم أمتعتك حتى تصل إلى وجهتك. بعد يوم أو أكثر، أو بعد عاصفة ممطرة، أو بعد دعوة غير متوقَّعة تتطلب نوعًا معينًا من الملابس: هنا تتضح جودة حزْم الأمتعة الخاصة بك. هنا تعرف ما لديك وما ينقصك. وبالفعل، هناك صناعة بأكملها تذكِّرنا، أو تقنعنا، بأن حزْم الأمتعة أمرٌ صعب ومرهق، ثم تقدِّم التوجيه والمشورة. تنشر مجلات مثل «مارثا ستيوارت ليفينج» و«ريل سيمبل» مقالاتٍ لا حصر لها حول حزْم الأمتعة، تشمل أحيانًا قوائم لحزم الأمتعة يمكن تكييفها وفقًا لاحتياجاتك. وقوائم التحقُّق هذه مصمَّمة لأنواع مختلفة من الإجازات — «قائمة حزم الأمتعة لعطلة الشاطئ» و«قائمة حزم الأمتعة لرحلة التزلج» — وغالبًا ما تقسَّم «أساسيات» حزْم الأمتعة الخاصة بك إلى فئات (أكسسوارات، ملابس، معدات، مستلزمات الصحة والجمال، وما إلى ذلك) مما يولِّد شعورًا إضافيًّا بالنظام والتنظيم. هناك أيضًا مقاطع فيديو لمساعدتك في هذه العملية، في حالة رغبتك في مشاهدة كل خطوة تُنَفَّذ. هل تتساءل عن كيفية حزم أمتعتك لقضاء شهر العسل على الشاطئ؟ ما عليك سوى الرجوع إلى مجلة «ريل سيمبل» للحصول على قائمةٍ من الأفكار النمطية. لا تنسَ الملابس الداخلية، وشمعة السَّفر «برائحة رومانسية» (وليس الصنوبر، على الأرجح!) فقَّاعات الاستحمام، وزيت التدليك المعطر. ووسائل منْع الحمل. يذكِّرك قسم «العناصر الإضافية» لقضاء شهر العسل على الشاطئ بأنه يجب عليك إحضار جِل الصبار أو كريم ما بعد التعرُّض للشمس، وقبعة واقية من الشمس، وملابس سباحة إضافية، وثوب فضفاض. يجب عليك أيضًا إحضار «الكتب ذات الغلاف الورقي»، على الأرجح لأنها أخف من الكتب ذات الغلاف المقوَّى، ولكن المصطلح يشير أيضًا إلى ما تفضِّله النساء من «قراءة خفيفة على الشاطئ».4 فهذه ليست كتبًا؛ فالكتب ثقيلة في الوزن والمحتوى. هذه مجرَّد كتب ذات غلاف ورقي.

وفقًا لقطاع حزْم الأمتعة، فإن حزْم الأمتعة ليس نشاطًا عاديًّا، ولكنه مهارة متخصصة يمكن تعلُّمها. يعتمد القطاع اعتمادًا كبيرًا على لغة قطاعِ المساعدة الذاتية وأيديولوجيته، ويَعِد بأن إتقان هذه المهارة سيجعلك شخصًا أفضل وأسعد. ويميل إتقان حزْم الأمتعة إلى تضمين الاستهلاك؛ فهناك دائمًا حقيبة أفضل لاحتياجاتنا، ودائمًا ما يكون هناك حقيبة أكثر كفاءة لترتيب أدوات النظافة الخاصة بنا. يُوصى كثيرًا باستخدام أكياس الضغط من باك-إت إيجل كريك، التي توفِّر مساحةً أكبر في حقيبتك. تسمح لك هذه الأكياس بتعبئةٍ أكثرَ مما تفعل عادةً مع التأكيد في الوقت نفسه على أنك تحزم الأمتعة بطريقةٍ مبسطة وفعالة. في سياقٍ أكثرَ فخامة، ينقسم قسم «ما يجب حزْمه» في مجلة «سوتكايس» المتخصصة في السَّفر إلى وجهتك، ونمط الحياة، وإصدارات الأزياء إلى فئات غريبة نوعًا ما: حار، وبارد، ومدينة، ونشاط، و۱۰۰مل (الفئة الأخيرة عن منتجات التجميل)، ويمكنك شراء جميع العناصر في كل فئة. لا تدعي ماركة الحقائب «أواي» تصنيعَ «الحقيبة المثالية» فحسب، بل إنها تُلهِم أيضًا رغبةَ المستهلك من خلال إتاحة إمكانية الوصول إلى ممارسات حزْم الأمتعة الخاصة بمحبي السَّفر المشهورين والمبدعين حول العالم في سلسلة «أنزيبد (غير مغلق)» على موقعهم «ذا أبجريد». السلسلة تسأل: «هل وقفت في يوم من الأيام في منطقةِ تسلُّم الأمتعة متسائلًا ماذا يوجد داخل حقيبة شخص آخر؟ ها هي ذي إجابتك.» كل بند — «غير مغلق في ويسكونسن»، و«غير مغلق في فرنسا»، وما إلى ذلك — هو قائمة بأساسيات المسافر وصورة لمحتويات حقيبته المفتوحة ماركة أواي. بدءًا من منتجات مالين + جيتز حتى قمصان جاي كرو المخططة بقيمة ۸۹ دولارًا، يرتبط أيُّ شيء متاح للشراء بالموقع الإلكتروني ذي الصلة حتى تتمكَّن أنت أيضًا من شرائه ووضعه في حقيبتك.

غالبًا ما يقدِّم «خبراء السَّفر» و«المطَّلِعون على أمور السَّفر» مثل المضيفات نصائحَ حول كيفية حزْم حقيبة مثالية. يَعِد هؤلاء المطَّلِعون بإمكانية الوصول إلى المعلومات التي لا يعرفها إلا النخبة، ويمكن للقارئ أن يطمح إلى الانتماء إلى مثل هذه المجموعة ومعرفة «أسرارها». تنقسم النصائح إلى فئتين؛ الواضحة (لا تحزم الأقمشة التي من المحتمل أن تكرمش، ضعْ ما ستحتاج إليه أولًا في الأعلى)، والمحيِّرة (ضعْ مناديل التجفيف بين طبقات الملابس «للحفاظ على كل شيء منعشًا»). يمتد نوع النصائح الواضحة أيضًا إلى اختيار الحقائب. هل تريد أن تبرز حقيبتك على سير الحقائب في المطار؟ — يمكنك فعْل ذلك بحقيبةٍ لونها فاقع بدلًا من الأسود. لكن الأفكار حولَ ما يشكِّل حزْم الأمتعة الجيد معيارية إلى حدٍّ كبير؛ فهي تعتمد على فهْم أن كل شخص يحتاج إلى نفس الأشياء بشكلٍ أو بآخر عندما يسافر. وحزْم الأمتعة المختلف يرمز إلى الشخصية؛ لأنه يميل إلى تجنُّب العملية وتعطيل التوقعات لما هو مطلوب لرحلةٍ معينة. لكن لا يمكننا جميعًا أن نكون غريبي الأطوار ولا، وفقًا لقطاع حزْم الأمتعة، يجب أن نتطلع إلى مثل هذا الشيء.

فحازمة الأمتعة الجيدة هي عرافة: يمكنها أن ترى المستقبل وتتوقَّع ما سيكون مطلوبًا. وتصبح حقيبتها المنظمة جدًّا رمزًا لحياتها المنظمة جيدًا، بالإضافة إلى كونها إشارة لسيطرتها على تقلبات السَّفر. أستخدم صيغة «المؤنث» لأن القطاع يستهدف النساء بشكلٍ كبير. ويعتمد على الأفكار النمطية الثقافية المعادية للنساء، وغالبًا ما يدعمها، باعتبارهن سيئات في حزْم الأمتعة — حيث يطلبن الكثير ويرغبن فيه عندما يسافرن. في بعض الأحيان يكون هذا العيب في الشخصية مرتبطًا بالطبقة. في فيلم «سبيسبولز» للمخرج ميل بروكس عام ۱۹۸٧، تسافر الأميرة فيسبا (دافني زونيجا) ليس فقط بحقائب متطابقة، وهي علامة على الامتياز، ولكنها تسافر بحقائب متطابقة ضخمة بشكلٍ هزلي. يشير بارف، كلبها المرافِق لها، بازدراء إلى حقائبها التي تحمل طبعات الورود على أنها: «أمتعة صاحبة السمو الملكي المتطابقة!» في الواقع، تحتوي إحدى الحقائب على مجفِّف شعر ضخم من نوع كلايس أولدنبورج؛ الرمز الأسمى لغرور الأنثى. وبالمثل، عندما تذهب فيليس نفلر (شيلي لونج) للتخييم مع فرقة فتيات الكشافة في الفيلم الكوميدي لعام ۱۹۸۹ «كشافة بيفرلي هيلز»، فإنهن يجلبن معهن أمتعةً متطابقة مخطَّطة باللونين الأصفر والأبيض من تصميم جورجيو بيفرلي هيلز. إنهن لسن على وشك العيش في ظروف قاسية. قد يكون حزْم أمتعة أكثرُ من اللازم أيضًا علامةً على أنكِ أصبحت أنثى أكثرَ من اللازم. في الفيلم الكلاسيكي «سم لايك إت هوت» لعام ۱۹٥۹ حيث يرتدي رجلان ملابسَ نسائية، تُظهِر حقيبة شخصية جاك ليمون، دافني، المتخمة أن شخصية ليمون الذكورية، جيري، تتحوَّل إلى امرأة مهووسة بالملابس. أعلن عنوان رئيسي مقيت عام ۲۰۱۰ في صحيفة «ديلي ميل»: «لا مفاجآت هناك إذن: النساء يحزمن الكثير من الأمتعة عندما يذهبن في عطلة»، نقلًا عن بحثٍ أجراه www.travelsupermarket.com.5 لكن ربما كانت جريس كيلي في فيلم «رير ويندو» (۱۹٥٤) هي أكثر مَن حزمَ الأمتعة بكفاءة على الإطلاق، حيث احتوت حقيبتها ماركة مارك كروس الأنيقة والصغيرة على ثوبِ نومٍ أبيضَ فقط من أجل المراقبة الليلية مع جيمي ستيوارت.

إن حزْم الأمتعة بكفاءة موضوعٌ مثار في العديد من كتب المساعدة الذاتية. يتضمن كتاب كاثلين أميكي «المرأة الدائمة السَّفر: دليل المرأة للسفر من أجل العمل» نصائحَ حول «كيفية تحضير الحقيبة المثالية». يَعِد كتاب سوزان فوستر «حزْم الأمتعة بمهارة لمسافري اليوم» وكتاب آن ماكالبين «حزْم الأمتعة: السَّفر بذكاء، أمتعة خفيفة (المزود بأقراص دي في دي)» أيضًا بمثالية فعَّالة. نشر فودورز «كيفية حزْم الأمتعة»، ونشر لونلي بلانيت «كيفية حزْم الأمتعة في أي رحلة». حتى كتاب هيذا باليبو «كيفية حزْم الأمتعة»، فهو «يبدو» قابلًا للحمل. حيث يُعلِّم هذا الكتاب الصغيرُ، المصمَّمُ ليشبه حقيبةَ سفر مزينةً بالجلد البني ومُزودةً ببطاقة اسمٍ خاصةٍ بالأمتعة، القارئَ أنه «حان وقتُ حزْم الأمتعة بشكلٍ مثالي. في كل رحلة، في كل مرة. رحلتك تبدأ من هنا.» هنا، يصبح حزْم الأمتعة مطويًّا في السَّفر (دون التلاعب بالألفاظ). إنه جزء من «رحلتك»، أحد المصطلحات المفضَّلة في قطاع المساعدة الذاتية. يشير العنوان الفرعي — «السَّفر بذكاء لأي رحلة» — أيضًا إلى عملية المسح الشامل للكتاب؛ فهو يُعِدُّك «لجميع الرحلات». والتأكيد الواثق على الغلاف الخلفي بأن «ما تحزمه وكيف تحزمه يحدِّد مَن أنت» يمثِّل أيديولوجية المساعدة الذاتية في أقوى صورها؛ فحزْم الأمتعة امتداد للذات، والقيام بذلك بشكلٍ غيرِ جيد يعني أنك غير جيد. شخصيتك ليست شيئًا لا يُوصف؛ إنها مرتبطة بمدى نجاحك في أداء أنشطة الحياة العادية. في الواقع، إن الخطوة الأولى من هذه «الدورة التدريبية المكثَّفة» هي أن يحدِّد القارئ «شخصية حزْم الأمتعة». والخبر السار هو أن حزْم الأمتعة نشاط عظيم الشأن بقدرِ عظمة لوحات بيكاسو؛ فهو ليس مجرد مهارة، ولكنه فن (فن الحصول على حقيبة مجهزة بشكلٍ مثالي).

تميل الأقوال المأثورة بالكتاب إلى المبالغة، كما لو كنت تبني روما بدلًا من لفِّ قمصانك وحشو جواربك في أحذيتك: يتم إخبار القارئ بأن «أي شيء يستحق تحقيقه يتطلب التحضير».6 تطلب منك قوائمُ حزْم الأمتعة الثماني التي تدعوك للمغادرة والتخصيص في نهاية الكتاب أن تحدِّد «ملابسك» الصباحية والمسائية من أجل رحلةٍ تستغرق خمسة أيام. إن استكمال هذه القوائم، التي أشارت إليها الكاتبة باسم «أسرار المهنة»، هو ذروة تعليماتك، على الرغم من إبلاغ القارئ بأن الكمال لا يسهُل تحقيقه: «ستكون طريقتي المبسَّطة صعبةً في البداية (لا تتوقَّع بالضرورة أن تنجح في حزْم أمتعةٍ خفيفة في المرة الأولى التي تحاول فيها)، ولكن ادفع بنفسك للتعديل قدرَ الإمكان. كلما زادت ثقتك في مهاراتك في حزْم الأمتعة، وجدت العمليةَ مُرضيةً بشكلٍ لا يُصدَّق.» «مُرضية بشكلٍ لا يُصدَّق.» بالطبع هذه هي المساعدة الذاتية للقلب. فالهدف ليس مجرد رحلة جيدة، والتي يمكن لأي عدد من الناس تحقيقها بسهولة، ولكن إحساسًا مؤقتًا بالسعادة العميقة. تأتي هذه السعادة مع بلوغ الكمال في حزْم الأمتعة. لكن بالطبع مثل هذا الشيء مستحيل. فلا يمكن للمسافرة أبدًا توقُّع كل شيء، ومعرفة كل شيء، والاستعداد لكل شيء، وتضمين كل شيء. ومن النادر ألَّا يندم مسافر على عدم إحضار شيء معيَّن معه؛ فحزْم الأمتعة يتعلق بمعرفة أنك ستفتقد المنزل الذي تركته وراءك وأنت تبحث عن آثاره في حقيبتك.

تميل نصائح حزْم الأمتعة إلى أن يطاردها شبح الإهدار. فالإهدار شيء مرعب: يجب ألَّا تهدِر المساحة. يجب ألَّا تُحضِر أيَّ شيء غير ضروري. والأمتعة دائمًا تتعلق بالحدود — فلا توجد حقيبة سفر غير محدودة. عندما سارت والدتي في طريق القديس يعقوب قبل بضع سنوات، كان عليها أن تختار ما ستحمله معها في حقيبتها.

يبدأ بعض الناس الحجَّ بأشياءَ كثيرة جدًّا ويلقون بها على طول الطريق. قبل أن تغادر، كانت تتجوَّل في ساكرامنتو وحقيبتها على ظهرها للتأكد من أن الأشياء التي تحملها معها هي الأشياء الصحيحة؛ وجعلها هذا الأمر تستبدل بعض الأشياء. ثم ذهبت إلى إسبانيا بالأشياء الصحيحة. تكتب الشاعرة أليس أوزوالد عن محتويات حقيبتها أثناء سيرها على طول نهر دارت في ديفون:

بحذاء مشي، وعشرين رطلًا على ظهري: جوارب احتياطية، بوصلة، خريطة، جهاز تنقية المياه حتى أتمكَّن من الشرب من الجداول، وأنا أرى البَرَد طافيًا منتشرًا فوق الصباح، خيمة، مصباح يدوي، شوكولاتة، ولا شيء آخر.

وهذا سيجعل الرحلة طويلة قليلًا، ولا تكاد تُطاق في الفترة بين وجبتي المسائية والنوم، عندما أصل إلى حد التوقف، والجلوس بباب الخيمة دون كتاب، ولا قِدر، ولا حتى عصًا تؤنس الوحدة.7

تُقاس الفترة الطويلة من الوحدة بغياب الأشياء — بالأشياء التي ليست معها، عدم وجود مخزون. إنها تشعر، وهي جالسة في المساحة المحدودة لباب الخيمة، بسلسلة من «اللاءات»، أشياء ليست موجودة. تتحدَّد حقيبتها المحدودة ليس فقط بما تحمله، ولكن أيضًا بما لا تحمله. الفيلسوف الفرنسي رولان بارت لديه ما يقوله عن المساحات المحدودة. في مقالته «النوتي والقارب المترنح»، كتب عن خيال جول فيرن في تقليص العالم وحصره:

كان لدى فيرن هوسٌ بالوفرة: لم يتوقَّف أبدًا عن وضع اللمسة الأخيرة للعالَم وتجهيزه، مما جعله تامًّا بيضويَّ الشكل. ميله يشبه بالضبط ميل موسوعي أو رسام هولندي من القرن الثامن عشر: العالَم لا نهائي، العالم مليء بأشياءَ معدودة ومتجاورة … لم يسعَ فيرن بأي حال من الأحوال إلى توسيع العالَم بطرقٍ رومانسية للهروب أو خطط صوفية للوصول إلى اللامحدود؛ لقد سعى باستمرار إلى تقليصه، وتعميره، وتصغيره إلى مساحة معروفة ومحصورة، حيث يمكن للإنسان أن يعيش لاحقًا في راحة: يمكن للعالم أن يرسم كل شيء من تلقاء نفسه؛ فمن أجل الوجود، لا يحتاج إلا للإنسان.8

بالنسبة إلى بارت، فإن فيرن مهووس بفكرة الانغلاق؛ فالسفينة، على سبيل المثال، هي «رمز للتقييد»، وهو شيء لا يعني المغادرة فحسب، بل يمثل رغبةً في إنشاء موطن محدود. (تأثَّرت قصيدة آرثر رمبود «القارب المترنح» بكتاب فيرن «عشرون ألف فرسخ تحت البحر».) هذا هو الخيال: يمكنك أن تأخذ كل شيء معك عندما تغادر. ليس عليك تفضيل شيء على آخر. ليس عليك ترْك منزلك خلفك. يمكنك إعادة إنشائه، بكل كماله وشموليته، في مكانٍ آخر. ويجادل كذلك بأن فهْم فيرن للعزلة مرتبط بالطفولة:

فالخيال بشأن السَّفر يتوافق مع استكشاف الانغلاق، والتوافق بين فيرن والطفولة لا ينبع من سحرٍ عادي للمغامرة، بل على العكس من فرحةٍ مشتركة بالمحدود، والتي يجدها المرء أيضًا في شغف الأطفال بالأكواخ والخيام: انغلاق المرء واستقراره، هذا هو الحلم الوجودي للطفولة ولفيرن.9
هذا الحب للمحدود — الكوخ أو الخيمة — ليس سوى طريقة «لإعادة خلْق العالم».10 وبالكتابة عن عوالم محصورة مثل أجراس جوزيف كورنيل الزجاجية، جزيرة ليليبوت في رحلات جاليفر، وبيوت الدمى، تقول سوزان ستيوارت:
إن الوظيفة الرئيسية للمساحة المحصورة تتمثل دائمًا في خلْق توتُّر أو جدل بين الداخل والخارج، بين الملكية الخاصة والعامة، بين المساحة الشخصية والمساحة الاجتماعية. إن التعدي، والتلوث، ومحو المادية هي التهديدات التي يتعرَّض لها العالم المنغلق.11

تحدِّد الحقيبة الحدود بين الداخل والخارج، الخاص والعام. إن فهْم ستيوارت للعوالم المنغلقة أكثرُ قتامة من فهْم بارت؛ فهي مهدَّدة بالتعدي والتلوث، ويمكن اختراق حدودها — وبالطبع هذا صحيح بالنسبة إلى الحقيبة. يمكن أن يتعطَّل هذا العالم المنغلق ويتهدَّم. لكن كما يلاحظ بارت، فإن العالم المنغلق هو أيضًا مساحة للخيال: «الخيال بشأن السَّفر يتوافق مع استكشاف الانغلاق.» يتغذَّى خيال الطفل على المساحات التي تَعِد باحتواء جميع احتياجاتنا ورغباتنا وتركنا دون أن ينقصنا شيء.

شخصية واحدة تحقِّق هذا. إن التحرُّر من النقص جزء من كمال ماري بوبينز المزعوم في فيلم ديزني لعام ۱۹٦٤: حقيبتها المصنوعة من قماش السجاد غير محدودة. تحتوي على كل رغباتها. في بداية الفيلم، نرى أن الحقيبة ثقيلة بما يكفي لتغرق في الغيوم وهي جالسة فوق لندن زرقاء سريالية تُصلِح مساحيق التجميل، ولكن مثل مظلتها المفعمة بالحياة، هي أيضًا جسم مجهَّز تجهيزًا قويًّا. ماري بوبينز ليس لديها منزلٌ تركته وراءها. إنها تنتمي إلى السماء، حرة وتشبه الساحرات. عندما تصل إلى منزل آل بانكس وتستطلع ترتيبات معيشتها الشديدة الانضباط، تحدِّد على الفور ما المفقود وتُخرِج هذه الأشياء من حقيبتها. وبينما ينظر جين ومايكل باندهاش، تُخرِج مصباحًا ومرآة كبيرة مطلية بالذهب حيث تنظر باستحسان إلى انعكاس صورتها. يلقي مايكل نظرةً بداخل الحقيبة ثم ينزلق أسفل الطاولة ليرى مصدر هذه الأشياء، لكنه غير قادر على حل اللغز. فهو لا يرى سوى فراغ. لا يستطيع أن يعرف سحرَ الحقيبة لأنها ليست حقيبته. إنها تنتمي إلى المربية الغامضة، وجزئيًّا ملكيتها لها هي التي تولِّد سحرها. «العالم لا نهائي، العالم مملوء بأشياء معدودة ومتجاورة.» حقيبتها المصنوعة من قماش السجاد تحتوي على كل أغراض العالم، في مساحة محدودة.

يظهر المشهد بشكلٍ مختلِف قليلًا في رواية بي إل ترافرز، حيث تبدو ماري بوبينز أكثرَ من ساحرة. يجد الأطفال أن الحقيبة «فارغة» بالفعل قبل أن تسحب منها الأشياء:

في هذا الوقت، كانت الحقيبة مفتوحة، وكان جين ومايكل متفاجئين للغاية عندما وجدا أنها فارغة تمامًا.

قالت جين: «يا إلهي، لا يوجد شيء فيها!»

نصبت ماري بوبينز قامتها وبدت وكأنها تعرَّضت للإهانة واستنكرت قائلة: «ماذا تقصدين — لا شيء؟ هل تقولين لا شيء فيها؟»

وبهذا أخرجت من الحقيبة الفارغة مئزرًا أبيضَ مُنشًّى وربطته حول خَصْرها. بعد ذلك، أفرغت عبوة كعكة كبيرة من صابون صن لايت، وفرشاة أسنان، وعلبة من دبابيس الشعر، وزجاجة عطر، وكرسيًّا صغيرًا قابلًا للطي، وعلبة من الأقراص للمص.

حدَّق كلٌّ من جين ومايكل.

همس مايكل: «لكني رأيتها. كانت فارغة.»12
على الرغم من أنها تسكت الطفلين ثم تتولى أمر أدويتهما اللذيذة، إلا أنها غير قادرة على إخماد الإحساس بالدهشة الذي يشعران به في وجود هذه الحقيبة من قماش السجاد. معظم الأشياء التي تسافر بها ماري بوبينز هي كماليات. إنها متعلقة بتزينها وترمز إلى عدم كونها شخصية محتاجة يائسة، كما هو الحال في كثير من الأحيان في تمثيل مربيات مثل جين أير في روايات القرن التاسع عشر، ولكن بصفتها امرأة مستقلة قادرة على الحصول على ما تريد. تمثِّل الحقيبة المصنوعة من قماش السجاد اكتفاءً ذاتيًّا: يمكن لماري بوبينز إرضاء نفسها. حقيقة أنها تسافر بأمتعة خفيفة مرتبطة أيضًا بحريتها. يمكنها أن تأتي وتذهب مع تغيُّر الرياح، وهو أمرٌ يصعب تحقيقه برفقة صندوق باخرة. في نهاية الكتاب تغادر على «الرياح الغربية العاصفة» وبالكاد تنظر خلفها: «ماري بوبينز كانت في الهواء الآن، تطفو بعيدًا فوق أشجار الكرز وأسطح المنازل، ممسكة بإحكام بالمظلة بيد واحدة وبالحقيبة المصنوعة من قماش السجاد باليد الأخرى.»13 إذا كان هناك قسوة في هذه الشخصية الأيقونية، فإنها قسوة جميع المسافرين: روح المتجول التي لا تهدأ، والرغبة في الذهاب لأماكن جديدة. الرغبة في المغادرة.
في القرن التاسع عشر، سمحت لك الحقائب المصنوعة من قماش السجاد بنقل الضروريات التي تريد الاحتفاظ بها بالقرب منك. في «حول العالم في ثمانين يومًا» لفيرن، تحتوي حقيبة قماش السجاد الخاصة بباسبارتو وفيلياس فوج على الملابس والمال. وعلى الرغم من نشر ماري بوبينز في عام ۱۹۳٤، فإنها أُعِدَّت قبل أكثر من عشرين عامًا؛ لذا فإن حقيبة قماش السجاد الخاصة بها هي شيء يبعث على الحنين إلى الماضي. حقيقة أن هذه الحقائب مصنوعة من السجاد ربطها بالإطار العائلي؛ فالقماش يستحضر فكرة المنزل حتى مع تذكير المسافرة بأنها ليست في المنزل. في الواقع، كان القماش من بقايا سجادة بروكسل وسجاد «شرقي». لم تكن الحقائب المصنوعة من قماش السجاد ثقيلة. وهذا الإحساس بالخفة هو سِمة مهمة في حقيبة قماش السجاد الخاصة بآن شيرلي في رواية لوسي مود مونتجمري عام ۱۹۰۸ «آن من الجملونات الخضراء». بعيدًا عن حقيبة ماري بوبينز اللامتناهية، تمثِّل حقيبة قماش السجاد الخاصة بآن نوعًا أكثرَ قتامة من عدم وجود المأوى الذي لا يتجذر في الإمكانات، ولكن في قيود الفقر. فالقصة تدور حول عدم وجود مأوًى لهذه اليتيمة غير المرغوب فيها التي تنتقل من «منزل» إلى آخر، وكل هذه «المنازل» تفتقر إلى الخصائص الأساسية للمنزل، وتفتقر إلى الشعور بالانتماء. لكن هذه الحقيبة، التي تكاد تكون فارغة — والتي إلى حدٍّ ما غير معبأة — تلعب دورًا مهمًّا في اللحظة التي تلتقي فيها بماثيو كوثبرت الذي يكاد يكون صامتًا: «ومع ذلك، نجا ماثيو من عناء التحدث أولًا، لأنه بمجرد أن استنتجت أنه كان قادمًا إليها، وقفت ممسكةً بيدٍ بُنيةٍ رفيعةٍ مقبضَ حقيبةٍ من قماش السجاد باليةٍ قديمةِ الطراز؛ ومدت اليد الأخرى له.»14 تمثِّل يداها — واحدة على الحقيبة والأخرى في يده — انتقالَها من يتيمة إلى ابنة. هي تمسك بحقيبتها، وهو يمسك بيدها. و«الطراز القديم» لحقيبة قماش السجاد يؤكد مكانتها على أنها موروثة؛ إنها ليست شيئًا أرادته أو اختارته، وليست شيئًا مخصصًا لها، مثل الأشياء التي سيعطيها لها ماثيو على مرِّ السنين.
عندما يأخذ الحقيبة منها، يتضح ارتباطها الشخصي بها؛ ترد الطفلة بمرح: «أوه، يمكنني حملها. ليست ثقيلة. لديَّ كل بضاعتي الدنيوية فيها، لكنها ليست ثقيلة. وإذا لم تُحمَل بطريقة معينة، يخرج المقبض من مكانه؛ لذا من الأفضل الاحتفاظ بها لأنني بارعة في هذا الأمر. إنها حقيبة من قماش السجاد قديمة للغاية.»15 إنها تقاوم ترْك الحقيبة. إنها ملكيتها، وهي وحدها التي تعرف كيف تتعامل معها. تقول آن لماثيو: «لمْ أنتَمِ قط لأي شخص — ليس حقًّا»، والانتماء في الرواية يتعلَّق بالملكية والحيازة: لا تريد آن أكثرَ من أن تنتمي إلى شخصٍ ما وإلى مكانٍ ما — أن تحظى بالعناية والتقدير والحماية. تكاد لا تمتلك شيئًا تقريبًا، لكنها ترغب في أن تُمتلك.16 في النسخة التلفزيونية لعام ۱۹۸٥ مع ميجان فولوز، تنشأ علاقة أكثرُ حميمية بين الشخص والشيء، حيث تقول آن إن الحقيبة «نحيفة وخفيفة» مثلها، ثم تعلق ما إذا كان هذا هو نوع الحقيبة التي ستحملها ليدي شالوت، وبالتالي ربطها بالقصيدة التي تعتبر محورية في حياتها الخيالية. على عكس ماري بوبينز، ليس لدى آن أي شيء، ولكن إذا كانت حقيبتها فارغة فعليًّا، فإنها تذكِّرنا بقدرتها التخيلية وقدرتها على استدعاء الأشياء — ليس بالمعنى الحرفي كما تفعل ماري بوبينز، ولكن بشكلٍ مجازي. يصبح العالم الذي تتخيله من خلال الكتب طريقتها الخاصة في استحضار الأشياء، وبما أنها تستطيع أن تضع نفسها في دور ليدي شالوت (وستحاول فعلًا القيام بذلك، في قارب مثقوب)، ستستطيع أن تتخيَّل مستقبلًا مختلفًا عن ماضيها ومختلفًا عن الحقيبة التي تكاد تكون فارغة والتي تقبض عليها بإحكام بيدها.

تميل المؤتمرات الأكاديمية إلى أن تُعقد في فنادق المؤسسات الكبرى. يمكن أن تكون في أي مكان. بوسطن. توكسون. نيويورك. سان فرانسيسكو. أتلانتا. لا يهم. بمجرد دخولك إلى الفندق، تكون في عالَم المؤتمر، وفي بعض الأحيان هناك مؤتمرات أخرى تنعقد في الوقت نفسه؛ لذلك يبدو أن الجميع يعملون، ويمكنك معرفة المجموعة التي ينتمي إليها شخصٌ ما من خلال بطاقة الاسم.

لكن تبيَّن أن فندق حياة ريجنسي أتلانتا، منزلي للأيام الثلاثة المقبلة، متميز بشكل مدهش. صمَّم جون سي بورتمان المبنى، المعروف أيضًا بتصميم فندق ويستن بونافنتور في لوس أنجلوس، حيث حضرت مؤتمرًا آخرَ منذ سنوات. مع الرَّدهة المركزية والغرف في كل مكان، يستدعي فندق حياة ريجنسي فكرةَ جيريمي بنثام في القرن الثامن عشر عن بانوبتيكون، وهو تصميم مؤسسي دائري للسجن مع وجود غرفة مراقبة في المنتصف تسمح للحارس بمراقبة النزلاء. كان الحارس غير مرئي؛ لذلك لم يعرف النزلاء متى كانوا مراقبين، وكان عليهم افتراض أنهم مراقبون في أي لحظة. هذه المراقبة تتحكم في سلوكهم. لا توجد غرفة مراقبة مركزية هنا في الفندق. ولكن هذا لا يهم.

رقم غرفتي ۸۱۸. أسحب حقيبتي إلى المصعد الزجاجي، الذي يصعد عبر الرَّدهة، ثم أسير على طول الرواق، بجدرانه ونباتاته المنخفضة. أستطيع أن أرى ما حولي، وما يوجد على الجانب الآخر، وما يوجد بالأسفل. يذكِّرني المكان بالمكتبة عندما كنت في كلية الدراسات العليا بجامعة نيويورك، والتي كانت جميلة، لكنها كانت تعطي أيضًا إحساسًا بأنها مسكونة لأن عددًا من الطلاب انتحروا في أحد الأعوام.

في الداخل، أضع حقيبتي على الأرض بجوار الحمَّام وأفتحها وأفكِّر فيما سأخرجه وما سأتركه في الوقت الراهن. أعلِّق بعض ملابسي في الخزانة، على شماعات الفندق التي تحتوي على خطافات صغيرة، على الأرجح حتى لا تأخذها معك إلى المنزل. وأضع بعض ملابسي على السرير، وأفكِّر فيما يجب أن أرتديه. أترك جانبَ ملابسِ الرحلة من حقيبة السَّفر مغلقًا بالسحَّاب. ثم أبسط منشفة يد بجوار حوض الحمام وأضع أدوات النظافة الخاصة بي عليها. أشعر بالاستقرار، هذا الاستقرار الذي يشعر به المرء في الفندق.

لديَّ حلم قلق متكرر أنه من المفترض أن أناقش بحثًا في فندقٍ مثل هذا، لكن لا يمكنني العثور على الغرفة الصحيحة. وأركض مذعورة من طابَق إلى آخر، داخل وخارج القاعات وغرف المؤتمرات. أحيانًا يحاول شخصٌ ما يعمل في الفندق مساعدتي، لكن لا فائدة من ذلك: الغرفة غير موجودة أو لم يسمع بها من قبل (هل تقولين القاعة أ؟ لا، لم أرَ القاعة أ من قبلُ). لا أحضر الجلسة أبدًا. وأظل تائهة. أفكِّر دائمًا في هذا الحلم عندما أكون في مؤتمر، كما لو أن الحلم يريد أن يكون حقيقة.

كنت للتو في مؤتمرٍ آخرَ في شيكاغو قبل أسبوع؛ لذلك أشعر بالإرهاق. لقد أمطرت طوال الوقت هناك أيضًا، وكان بإمكاني سماع الرياح في فتحة التهوية في حمامي. أنين ثابت قادم من مكانٍ ما من أعماق الفندق. تتمتع هذه الغرفة بشرفة وإطلالة على وسط المدينة. أبدِّل ملابسي إلى تنورة، وسترة، وحذاء بكعب. أضع أحمر شفاه. أقراط. لقد حل المساء بالفعل — استغرقت القيادة إلى المدينة وقتًا أطول مما كنت أعتقد، واضطررت إلى توصيل ميلي إلى مكان استضافتها — لذلك نزلت إلى بار الرَّدهة. لأن هذا ما تفعله عندما تكون في مؤتمر.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤