الفصل الأول

في إقامة البُرهان على وجود النَّفس

نقول: وجود النفس أمر فِطري غَني عن التعريف لأنَّ كلًّا١ مِنَّا يُشير [٢] إلى ذاته بقولِه: أنا، فليس إشارتُه إليه أمرًا عدَميًّا٢ فإن العدَم لا إشارة إليه، وهذا معلوم عند العُلماء والجهَّال، أعني أنه ليس في العالم إنسان يَغفُل عن نفسه ولو قَدَر أن يغفُلَ عن كلِّ ما في الوجود مثل جِسمه وأعضائه وحرَكاته إلى غير ذلك فعن ذاته لا يُتصوَّر غُفولُه البتَّة.
لكنَّ آراء أهل العِلم قد اختلفَتْ في هذا الوجود: فقوم ظنُّوه جسمًا وقوم عرَضًا وقومٌ نفَوْه عنهما معًا. والذين ظنُّوه جِسمًا زعموا أنه٣ هذا الهَيكل الجُسداني وهم المسلمون٤ بأسْرِهم وبعضُ النَّصارى، وقوم زَعموا أن النفس جِسم مُنحصِر في هذا الجسد، وبعض هؤلاء ظنَّ أنها الأخْلاط الأربعة،٥ وقوم زَعموا أنها الدَّم فقط، وآخرون ظنُّوا أنها رُوح تبرُز من القلب إلى الدِّماغ، وقوم زَعموا٦ أنها الأعضاء الصِّحاح مثل العَصَب والعُروق والشرايين والعِظام وغَيرها، وآخرون اعتقَدوا أنها الأعضاء الرئيسية أعني الدِّماغ والقلب والكبِد والأُنْثيَين، وآخرون ظنُّوا أنها ماء، وآخرون ظنُّوا أنها [٣] هواء، وآخرون ظنُّوا أنها نار، وآخرون ظنُّوا أنها الْتِحام الاسطقسات. وأرسطوطاليس وأتباعه وكافَّة النصارى زعموا أن النفس ليست جِسمًا ولا عرَضًا وهي تَستعمِل البدَن مثل الآلة، وأنها لا تموت بمَوت البدَن وتَكمُل بالعلوم الإلهية وتلتذُّ بها وإن عَدِمَت تلك لَقِيَت أعظم العذاب، وأنها لا تَسبِق البدَن بوجودها ولا تَنتقِل من بدَنٍ إلى غيره، ومع ذلك أرسطوطاليس والنصارى والمُسلمون مُقِرُّون٧ بذلك وبِعَوْدِ الأبدان إلى نفوسِها.
١  في الأصل: كل.
٢  في الأصل: أمرٌ عدَمِي.
٣  في الأصل: بأنَّه.
٤  في الأصل: المُسلمين.
٥  في الأصل: الأربع.
٦  سَقَط في الأصل: وقوم زَعموا.
٧  في الأصل: مُقرين.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤