الفصل الرابع عشر

في بَيان خَواصِّ النفس الإنسانية

فأول ذلك التَّعجُّب، وهو أن يُبصِر الإنسان شيئًا أو يُفكر [٢٦] في فنٍّ لا يَعرِف سبَبَه فيحصُل في نفسه أمرٌ خاصٌّ يُدْعى التعجُّب، وإذا عظُم ذلك الأمر جدًّا فيُدْعى دَهْشة وَحيرة.

وأما الضحك فسبَبُه أنَّ الإنسان إذا أحسَّ بشيءٍ لذيذٍ فيحصُل له حالٌ ما خاصَّة في نفسه حتى تتراخى وتنحَلَّ مَسامُّ البدَن والكبِد ويَندفِع منها١ بُخار إلى الوَجْه ثُمَّ ينبسِط حتى يَنفتِح الفم ويحصُل الضَّحك.
أما سببُ البُكاء فهو أنَّ الإنسان إذا أحسَّ بضرورةٍ فتنطبِق الحرارة الغَزيرة إلى داخِل ويُضغط٢ دَمُ القلب والدِّماغ وتندَفِع الرُّطوبة التي في مَرتَع الدِّماغ في الجُفون إلى العَين وعِند انطِباق الأجفان تَجري الرُّطوبة المَذكورة.

والخَجَل إذا فكَّر الإنسان أنَّ صاحِبَه قد أحسَّ بقبيحةٍ فعلها أو كلِمة غير لائقة قالَها أدرَكَه الخَجَل بَديهيًّا، وبعد ذلك يُشجِّع نفسه كأنَّه لم يفعل ذَنبًا عظيمًا ولذلك تَعود تنبسِط الحرارة إلى خارج ويَحمرُّ [٢٧] وَجهه بِسبب تَخلخُل لحمِه من ذلك الدَّم الذي يَتبَع الحرارة بالانجِذاب والاندِفاع بالحرَكة.

أما في الخَوف فيعظُم الخَجَل حتى يحصُل اليأس من التشجُّع٣ ولذلك تَعود الحرارة إلى داخِل وَيعود معها الدَّمُ ويَكمُد٤ لَون الذين تنالُهم هذه الحالة.
والحَياء سبَبُه أنَّ الإنسان إذا عَقَد على أمرٍ يَبغي فِعله وذلك الأمر مُنكَر عِند الناس فيقصُر عن فِعلِه وإن كان لا سبيل لهم إلى تَبكيتِه٥ فيترُكه حَياءً منهم.
١  في الأصل: منهم.
٢  في الأصل: وينضغِط.
٣  في الأصل: التشجيع.
٤  في الأصل: ويكمُن.
٥  في الأصل: تَنكيته.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤