الفصل الأول

المشهد الأول

  • المنظر: ساحة ريفية ضخمة تشبه أماكن انعقاد السوق، حولها طرقات تؤدي إلى أماكن متعددة، إلى اليمين باب ضخم مفتوح دائمًا، نرى من خلاله رفوف «الجمعية» الغاصَّة بالبضائع، وإلى أقصى اليسار باب دكان يُفتح ويُقفل حسب دخول وخروج «حميد». في منتصف المسرح عدة كراسي قديمة تنتهي لمقهًى بلدي متهالك في أقصى الخلف، وترابيزة أو اثنتان.

    في الخلف إلى اليسار مصطبة يستخدمها الشاعر في الجلوس والإنشاد، وفي الخلف إلى اليمين صورة كوبري مكسور على ترعة أو فرع من فروع النيل .. صور في الخلفية البعيدة للحقول وبعض البيوت الريفية.

    حينما يرتفع الستار نسمع إيقاعًا مرحًا سريعًا (طبلة أولًا، ثم دفوف، ثم لحن موسيقي سريع؛ وليكن تنويعًا على «على حسب وداد قلبي» القديم)، وعلى الفور يدخل الناس رجال وسيدات وهم يصفقون، ثم تدخل غازية ترقص على إيقاع سريع والناس تحاول أن تلمسها وهي تراوغهم، ثم يدخل «فرج» وخلفه طبال وزمَّار والشاعر. يجلس الشاعر على المنصة، ثم يتقدَّم فرج إلى منتصف المسرح — أو يقف على المنصة — ويبدأ مخاطبة الحشود.

  • الوقت: الثلاثينيات.
  • المكان: قرية من طرح النيل غير موجودة على الخريطة.
فرج : أرجوكم تسكتوا لحظة .. عندي خطبة صغيرة بمناسبة اليوم الخالد ده .. مش كل يوم بتحصل أحداث عظيمة زي دي .. (يقرأ من ورقة) لقد أحرز فريق التحطيب نصرًا خالدًا.
الجمهور : يعيش .. يعيش.
فرج : اليوم يوم خالد.
الجمهور : يعيش .. يعيش.
فرج : لقد كُتب لنا الخلود.
الجمهور : يعيش .. يعيش.
فرج : بفضل اللاعب الخالد.
الجمهور : بص شوف المرسي بيعمل إيه.

(يمكن أن يدخل هنا لاعبان يستعرضان فن التحطيب.)

فرج : وبهذه المناسبة تغني لنا صاحبة الصوت الذهبي.

(تدخل مطربة، وتبدأ بالغناء على الفور.)

المطربة :
ارقصوا يا بناتنا وغنوا،
والشاطر يعرض فنُّه،
اليوم كِدنا عوادينا،
والدنيا بتحكي عنه.

(يدخل مكرم لاهثًا.)

مكرم : فين فرج؟ (يراه) يا فرج .. فرج.
فرج (يأتي إليه في مقدمة المسرح بينما الرقص مستمر) : أهلًا مكرم أفندي.
مكرم : إنت فين يا فرج .. الحقنا.
فرج : خير إن شالله.
مكرم : غريب بك اللي وصل النهارده الفجر؛ طلع مفتش ضرايب.
فرج : طيب وفيها إيه بس؟
مكرم : فيها إيه ازاي؟ دا جاي يحقق في الضرايب المتأخرة على الناس .. بيقول إن الناس هنا عمرها ما دفعت ضرايب للحكومة.
فرج : يا راجل روَّق كده ع الصبح .. خلينا في الحفلة الكبيرة .. إنت مش عايز تسمع الشاعر؟

(تعود الموسيقى والمطربة.)

المطربة :
ارقصي ع الطبلة يا حمدية،
خلينا سوا للصبحية؛
اليوم نلنا أمانينا،
والخير في إيديكي انتي وهيه.
مكرم (إلى فرج) : يا فرج العملية مش هزار .. ممكن تقلب بغم.
فرج : يا راجل فرفش وهيص .. مش دي الرقصة اللي انت بتحبها؟
المطربة :
الخير بيزيد في إيدينا،
والحب جمعنا ووحَّدنا،
كلنا شركا في الجمعية،
ولا حد غريب داخل بينا.
مكرم (صائحًا في ضيق) : اسمعني أرجوك يا فرج .. خلينا نتكلم جد .. غريب بك ممكن يطربقها على دماغتنا .. أنا صحيح موش من ميت حلاوة وما يهمنيش .. لكن برضه .. (مترددًا) يهمني.
فرج : إنت طول عمرك نكدي .. من يوم ما وصلت وانت كده.

(فجأةً يدخل غريب بك، وهو موظف حكومة تقليدي يرتدي طربوشًا، ويمسك منشة وحقيبة .. يسير في حذر ويتلفَّت حوله.)

مكرم : أهو غريب بك .. اتفضل .. اتفضل يا غريب بك.
فرج (يصرف الراقصات، ويرحب بغريب بك) : أهلًا أهلًا ميت حلاوة نورت .. (ينهمك في صرف الراقصات، وتنظيم جلسة الشاعر).
غريب (في حذر) : إيه الهيصة دي؟
مكرم : دول الجماعة بيحتفلوا بانتصار الفريق.
غريب : أنا موش قادر أتلم على نفسي م التعب.
مكرم : معلهش .. أصل الحتة بعيدة شوية.
غريب : بعيدة شوية بتقول؟ دانا خدت ركايب، وعديت معدية، ومشيت في الطين على رجلي، وغطست شوية وقبِّيت شوية.
مكرم : ولسه يا صاحبي .. يا ما حتشوف.
غريب : أشوف إيه تاني؟ دانا كأني سافرت للقطب الشمالي.
مكرم : وبصراحة .. أنا موش عايز أخوِّفك .. لكن حتشوف حاجات أغرب م القطب الشمالي.
غريب : قصدك إيه؟
مكرم : لا .. ولا يهمك .. أكل العيش مر.
غريب : يعني الناس مش ناويين يدفعوا ضرايب؟
مكرم : يا ريت على قد كده .. دول عجب .. عجب عجب.
غريب : إنت بقى لك كتير هنا؟
مكرم : والله مش فاكر.
غريب : إزاي بس؟
مكرم : ميت حلاوة بتنسِّي الواحد نفسه .. فيه ناس بيقولوا بقى لي شهر .. وفيه ناس بيقولوا سنة .. أنا شخصيًّا موش فاكر.
غريب : غريبة!
مكرم : اللي عايزك تفهمه إن ميت حلاوة زي ما تقول نسيها الزمن .. يعني شوف إحنا حاسِّين بالزمن قد إيه في مصر؟ كل يوم عندنا بيجيب جديد.
غريب : قصدك الراديو؟
مكرم : اختراع ممتاز .. ما حدش سمع عنه هنا .. ما حدش سمع ع الجرايد حتى .. الناس عايشين زي ما كانوا عايشين من خمسين ولَّا من ميت سنة .. معزولين عن بقية مصر والعالم.
غريب : أنا فعلًا دُخت على ما قدرت أحدد موقع المكان ده ع الخريطة.
مكرم : كويس إنك لقيته .. ده موش موجود في خرايط كتيرة .. ومع ذلك فأنا رأيي إنه مكان ممتاز .. قدر ينسى الزمن زي الزمن ما نسيه .. قدر يخلق لنفسه قوانينه الخاصة .. أحكامه الغريبة اللي ما حدش يفهمها غيره .. أصبح عالم غريب قائم بذاته .. زي عالم الفن.
غريب : قصدك إيه؟
مكرم : لا مؤاخذة، يمكن انت ما لكش في الفن.
غريب : بالعكس دا أنا بحب الفن موت.
مكرم : كويس .. أهو زي ما يكون رواية مستقلة لها أشخاصها وقوانينها وأحداثها.
غريب : قصدك شخصية مستقلة؟
مكرم : لا يا حبيبي لا .. أكثر من كده بكتير .. دول منقطعين عن العالم الخارجي بصورة تامة .. شايف الكوبري المكسور اللي هناك ده؟ أنا في رأيي إنه بيمثل العلاقة اللي بينهم وبين أهل مصر كلها.
غريب : وانت جيت هنا ازاي؟
مكرم : دي قصة طويلة .. اتعيِّنت بالغلط .. من كتر فرحتي بالتعيين في الحكومة كتبت ع الاستمارة يا ميت حلاوة، قام الموظف مضاها م المدير على إنها اسم البلد اللي أنا رايحها.
غريب : الغلط يتصلح.
مكرم : مستحيل .. كان لازم أنفذ يا تضيع الوظيفة.
غريب : ما فيش زي الحكومة .. لازم بتاخد اتناشر جنيه زيي.
مكرم : في الحقيقة ما باخدش حاجة دلوقت خالص.
غريب : يا راجل مش معقول.

(تدخل سونة في عجلة.)

مكرم : سونة أهي .. لا مؤاخذة .. لازم أستأذن خمسة.
غريب (غامزًا في فهم) : ميعاد خصوصي؟
مكرم : حتعرف بعدين.
سونة : إزيَّك يا سي مكرم.
مكرم : إزيِّك يا سونة؟
سونة : كنت عايزاك في كلمة صغيرة.
مكرم : وما له .. اتفضلي.
سونة : أَصلي مكسوفة.
مكرم : آه .. من البيك؟ ولا يهمِّك .. دا الأستاذ غريب بك .. مأمور ضرايب.
غريب : تشرفنا يا هانم.

(سونة تهمس له بعض الكلمات، ثم تخرج.)

مكرم : وهو كذلك.

(فرج يأمر الشاعر بالانصراف، ويواجه الجمهور.)

فرج : أرجوكم .. اسمعوني لحظة .. نظرًا لظروف خارجة عن إرادتنا .. وبصراحة لأن الشاعر لم يحفظ القصيدة .. فقد تقرر تأجيل الاحتفال إلى ما بعد العشا .. انصراف .. (صائحًا) انصراف، بقول موعدنا بعد العشا .. انصراف.
(إظلام سريع.)

المشهد الثاني

(يرفع الستار فورًا؛ لنرى مكرمًا واقفًا وحده.)

مكرم : الدنيا ليِّلت أهه ولسه ما جاتش .. يا ترى إيه اللي أخَّرْها كده؟ أنا واثق إنها قالت لي أشوفك المغربية عند الجمعية.

(يدخل حميد.)

حميد : إنت لسه هنا يا مكرم أفندي؟
مكرم : إزيَّك يا عم حميد .. إيه اللي جابك دلوقت؟
حميد : خير .. خير .. كل خير.
مكرم : جاي تعمل إيه بقول؟
حميد : خير إن شاء الله.
مكرم : جاي تِطمن على الدكان وتروَّح؟
حميد : لا والله .. أنا حاعمل تعميرة للصبح هنا .. أصل البلد هايصة، وانا ما حِبِّش الهيصة.
مكرم : آه .. عشان الفريق انتصر؟
حميد : لا .. عشان الغنم ضاعت.
مكرم : غنم مين لا سمح الله؟
حميد : غنم مين؟ جرى إيه يا مكرم أفندي؟ هو انت لسه حاتعلم عن بلدنا؟
مكرم : قصدك غنم الجمعية؟
حميد : غنمنا كلنا.
مكرم : برضه مش فاهم.
حميد : وهي دي فيها حاجة تتفهم؟ اقعد .. اقعد .. خد لك نفَسين معاي هنا .. (يُحضِر جوزة، ويقدِّم أخرى لمكرم) اتفضل .. خد يا راجل روَّق دمك.
مكرم : معلهش ما تآخذنيش .. بس أصلها موش داخلة مخي .. غنم الناس .. غنم ميت حلاوة .. تضيع؟
حميد : تلات تلاف أربع تلاف راس .. كله ضاع.

(يقرقر الجوزة.)

مكرم : بس ده موش ممكن! مستحيل!
حميد : إيه هو اللي موش ممكن؟ إنت بتكدِّبني؟
مكرم : العفو يا حميد يا صاحبي .. بس أصله يعني .. إزاي؟!
حميد : زي الناس .. دهدي.
مكرم : بس الناس ما بتتسرقش.
حميد : بتضيع .. والغنم ضاعت.
مكرم : كانت في زريبة لا مؤاخذة، وبعدين راحت زريبة تانية؟
حميد : خرجت من كل زرايب البلد .. زهقت م الحبسة .. طهقت .. هجِّت.
مكرم : وما حدش عرف راحت فين .. م الجرة اللي ع الأرض .. من صوتها .. من ريحتها؟
حميد : شوف يا مكرم يا بني .. الحاجات دي أكبر من عقولنا .. الغنم باختصار سابت الزريبة الكبيرة والزرايب الصغيرة كمان وخرجت.
مكرم : موش ممكن يكون حد سرقها؟
حميد : علمه عند ربي .. (يجلس ليدخن في هدوء) أنا خلِّيني مع الجوزة هنا للصبح لحد ما يهدوا .. زي كل مرة.
مكرم : كل مرة ازاي؟
حميد : يعني .. كل ما تضيع حاجة كتيرة كده يعملوا شوية دوشة وبعدين يهدوا.
مكرم : لا مؤاخذة .. أَصلي أول مرة أسمع فيها على حاجة زي كده .. لسه ما عرفتش ميت حلاوة كويس.
حميد : الجوزة جاهزة.
مكرم : لا متشكر.
حميد : مستنِّي حد هنا؟
مكرم : لا أبدًا .. ليه؟
حميد : باحسب البِت سونة جاية تقابلك هنا.
مكرم : وإيه اللي خلاك تتصور إني … إني …
حميد : إيهِّيه .. أمَّال إيه اللي حيجيبك هنا بعد المغربية لوحدك؟! إيه اللي يخليك تسيب غريب فرقع لوز بتاعك؟
مكرم : فرقع لوز مين؟ دا مأمور ضرايب.
حميد : وتِنكر ليه؟ هي فيها حاجة؟ كنت بس عايز أقولك إن سونة جايز تتأخر .. جوزها مشغول في حكاية الغنم، ولسه ما حضَّرتلوش العشا.
مكرم (مصعوقًا) : جوزها؟
حميد : لهونت ما تعرفش إنها اتجوِّزت محروس الصبح؟
مكرم : لأ .. آه .. لأ في الحقيقة.
حميد : هي مش قالتلك إنها حتتجوز محروس الأول، وبعدين تتجوزك؟
مكرم : دا كان هزار.
حميد : ما فيش حد حدانا بيهزر.
مكرم : خدعتني.
حميد : خدعتك ليه بس؟ أهي اتجوزته زي ما قالتلك.
مكرم : وهو ده موش خداع؟
حميد : خداع ليه كفى الله الشر؟ محروس اتقدِّم لها قبلك .. ووعدته .. وبعدين اتقدِّمت لها انت ووعدتك .. يبقى انت بعده.
مكرم (منفجرًا) : بعده إمتى بس يا حميد يا خويا؟ هو دخول الحمَّام زي خروجه؟! خلاص .. اتجوزت محروس يبقى أنا انتهيت .. وانا اللي كنت حاطط أملي كله فيها .. وبصراحة ما صبَّرنيش ع البلد الغريبة دي إلا سونة.
حميد : يا ابني اعقل .. سونة عند وعدها.
مكرم : وعد إيه بقى يا حميد انت كمان؟ بتحبني وعايزة تتجوزني .. تقوم تتجوز واحد تاني؟

(يدخل رجلان إلى المحل المفتوح إلى أقصى اليمين — الجمعية — فيحملان أكياسًا ويخرجان.)

مكرم : استنَّى يا جدع انت وهوَّا .. رايحين فين؟
الرجل ١ : مسا الفل عليك.
الرجل ٢ : مسا الخير يا حميد.
مكرم : إنتو آخدين القمح ده ورايحين فين؟
الرجل ١ : نطحنه.
مكرم : أيوه عارف .. بس ده بتاعكو؟
الرجل ٢ : بتاعك انت؟
مكرم : لا.
الرجل ٢ : أمَّال إيه اللي مدايقك؟
مكرم : دا بتاع الجمعية .. بتاع المجتمع .. بتاع الناس.
الرجل ٢ : واحنا مش ناس برضه يا مكرم أفندي؟
مكرم : أيوه .. لكن ..
الرجل ١ : لكن إيه بس؟ نوَّرنا يا سيدنا الأفندي.
مكرم : إذا كل واحد خد شوية حيخلص.
الرجل ٢ : ما هو لازم يخلص م الجمعية عشان نجيب غيره م الصوامع.
مكرم : قصدي إذا اتوزع ع الناس كلها يمكن ينوبكوا أقل م اللي خدتوه.
الرجل ١ : ممكن.
الرجل ٢ : يعني قصدك نرجَّع شوية؟
الرجل ١ : قصدك أخدنا كتير؟
مكرم : ما اعرفش.
الرجل ٢ : دا يَدُوْبك قد عشر أرغفة سن.
مكرم : كدهه؟!
الرجل ١ : نرجَّع قد إيه؟
مكرم : ما اعرفش.
الرجل ٢ : إيه اللي ما اعرفش؟ أمَّال بس زعلان قوي وبتصرخ ليه؟
الرجل ١ : يلَّا بينا يا برهوم.
الرجل ٢ : خليناك بعافية يا سي مكرم .. سلامو عليكم.

(يخرجان.)

مكرم : أنا أعصابي تلفت يا حميد.
حميد : اللي يسمعك كده يقول دا لسه واصل النهارده. أمَّال لو ما كانش بقى لك معانا مدة طويلة؟
مكرم : نفسي آخد على حكاية الجمعية دي موش قادر.
حميد : بكرة حتاخد عليها وعلى غيرها.

(ضجة في الخلفية، ويدخل رجل ومعه شرطي ورجال كثيرون.)

الرجل : ومِشْيِت الغنم طوَّالي لحاد البحر.
الشرطي : كان معاهم ناس؟
الرجل : أبدًا .. كان قدامهم زي ما تقول لا مؤاخذة كبش كبير.. حاجة محترمة .. بقرون، وليَّة قاد كدهه.
الشرطي : عظيم عظيم، وبعدين.
الرجل : تعالوا ورايا.
الشرطي : قول لي الأول .. كان فيه كباش تانية معاه؟
الرجل : أمَّال .. كتير.
الشرطي : عال .. عال.
امرأة (من وسط الحشد) : سُمان؟
الرجل : إلا سمان .. حاجة تعجبك.
المرأة : كان فيهم واحد بقرن معووج؟
الشرطي : مش مهمة دي.
المرأة : إزاي مش مهمة؟ دا كنت حاطة عيني عليه .. كنت غاوياه خالص.
الرجل : أنا والله ما خدتش بالي.
الشرطي : إنما الكل اتجهوا ناحية البحر؟

(حميد يتقدَّم من الشرطي، ويخاطبه.)

حميد : إنت عامل في نفسك كده ليه يا عب عال؟ إيه اللي ملبسك ميري النهارده؟
الشرطي : أعمل إيه؟ زنقة الغنم .. بكرة تفوت يا عم حميد.
حميد (إلى الرجل) : والكلام ده كان ع المغربية كده يا بني؟
الرجل : ع المغربية بالظبط من دقيقة واحدة.
حميد : والغنم دي كلها فاتت من هنا؟
الرجل : أنا شايفها بعيني.
حميد : ولا سابتش جرة ع الأرض التراب دي كلها؟
الرجل (متلعثمًا) : ما هم .. ما هم .. كانوا بيمشوا بشويش.
حميد (إلى الشرطي) : دا كداب يا عبد العال.
الشرطي : كداب؟ (إلى الجمهور) الراجل كداب.
الجمهور (يصيح) : كداب .. كداب.

(يخرج الجميع خلف الرجل الذي خاف وبدأ يجري في ذعر من الجمهور.)

مكرم (إلى حميد) : ما فيش أمل .. أروَّح أنا بقى.
حميد : يا بني زمانها جاية .. ما دام قالت جاية يبقى حتيجي.
مكرم : وتيجي ولا ما تجيش .. ما خلاص.
حميد : خليك صبور بس.. أهو محروس (يدخل محروس).
مكرم : جوزها؟
محروس : مكرم أفندي .. سونة بتعتذر .. أصلها تعبانة شوية .. وع العموم إن كان فيه حاجة تحب تقولها لها يا إما تقول لي عليها — ما تنكسفش — أو تتفضل معاي.
مكرم : قول لها كل سنة وانتي طيبة (يضحك حميد).
(إظلام سريع.)

المشهد الثالث

(نفس المنظر – الشاعر يجلس ويدندن على الربابة – فرج يصطحب عبلة معه هذه المرة – يعلن على الجمهور بداية الحفل.)

فرج : الآن .. استجابةً لطلب الجماهير .. شاعر الغبرا.. ومطرب الأُمرا .. زيد أبو زيد الدرويش.
الجمهور : يعيش .. يعيش.
الشاعر (يبدأ) :
أول ما نبدا نصلي ع النبي المختار،
واللي ما يسمع ينشوي بالنار،
المصطفى أوصى بضرب الكافر،
والحر ما يعاشر غير الأحرار.

(مكرم يدخل ثائرًا.)

مكرم (يسأل مجموعة إلى اليمين) : ما حدش عرف الغنم راحت فين؟
(يسكت الشاعر بينما يتهامس الناس في دهشة: غنم .. غنم؟ غنم إيه؟)

(يسأل مجموعة أخرى) ما حدش شاف خرفان تايهة؟ كام نعجة كده هايمة وضايعة؟

(لا أحد يلتفت إليه.)

– فرج .. إنت يا ملك المهرجان .. سامعني يا فرج.
فرج (قادمًا إليه) : إيه بس يا مكرم أفندي كفى الله الشر .. الناس عايزة تفرح وتزقطط.
مكرم : ما حدش بيرُد عليَّ ليه؟
فرج : م الفرحة يا مكرم.
مكرم : بالخيبة التقيلة؟
فرج : بالنصر العظيم .. بالخلود.
مكرم : إنت موش عارف بيحصل إيه في ميت حلاوة النهارده؟
فرج : يا أخي روق وهيص .. دقِّي يا مزيكا.

(أثناء الحوار التالي تتحرك شفاه الشاعر، ولكن دون أن نسمع ما يقول، والناس تستحسن ما يتغنَّى به.)

مكرم : أعمل إيه عشان أخليك تفهم؟
فرج : ما تقلقش .. أنا قلت للست نبوية وهي حتتصرَّف.
مكرم : إحنا ما لنا وما لها دلوقت .. إحنا في المصيبة اللي احنا فيها .. أنا لحد دلوقت موش عايز أقول لغريب بك ع اللي بيحصل .. لكن مسيره يعرف .. وساعتها بقى …
فرج : الضرايب يعني؟ ولا يهمك .. ما حدش عنده فلوس خالص.
مكرم : يا فرج يا خويا المسألة معقَّدة أكتر من كده .. إحنا ممكن نخبِّي عنه حكاية الغنم دي.
فرج : تخبِّي إيه يا مكرم أفندي؟ إحنا ما عندناش حاجة تستخبى.
مكرم : دي مسئولية يا فرج.
فرج : مسئولية إيه وكلام فارغ إيه؟ إن كان عايز يشوف الغنم نورِّيها له.
مكرم : نورِّيها له منين؟ إنت موش عارف إن الغنم ضاعت؟
فرج : نفرَّجه ع المعيز.
مكرم : يا فرج افهمني .. الراجل بتاع قانون موش تاجر مواشي .. الحكومة هي اللي باعتاه.
فرج : بقى الحكومة تبعت أفندي محترم .. بك بمنشة عشان يتفرج ع الغنم؟
مكرم : عشان يحقق في الضرايب.
فرج : اسمع يا مكرم .. إنت أحسن لك تقابل الست نبوية.
مكرم : أنا؟ أقابلها أنا؟
فرج : ما تخافش .. خليك جريء.
مكرم : تيجي معاي؟
فرج : لأ .. قابلها انت، واتفاهم معاها.
مكرم : لوحدي؟!
فرج : خليك راجل .. خليك مجدع .. مجدع.

(يرتفع صوت الشاعر بينما يتهامس مكرم وفرج.)

الشاعر :
المجدع أبو أيوب شايل شومة،

•••

راجل ومولود بطل من يومه،
نزل الحمى وحمى الوطيس قدامه،
رفع الدراع ونزل كما الإعصار.

•••

زاغ العدو براسه تقولشي حنش،
فارع طويل أبيض في وشه نمش،
سرخ العدو سرخة وهب كبش،
راوغ كمثل التعلب المكَّار.

•••

يومك يا أبو أيوب ما يهمكش،
انهض وشد دراعك المفتول،
نهض الفتوة زي شعلة نار،
وفي لحظة أخرج خنجره البتَّار.

•••

خنجر مزنهر زي نور الفجر،
رأسه بتضوي جُوَّه سابع ليل،
غمزه الفتوة جُوَّه بطن عدوه،
خلَّاه يغني آه يا عيني يا ليل.
الجمهور : يعيش .. يعيش.

(أثناء الإنشاد فرج يترك مكرم، وينادي عبلة فتأتي إليهما بينما يدخل غريب بمجرد انتهاء الشاعر من آخر مقطع.)

مكرم (يتجه إليه، ويرحب به بينما ينفرد فرج بعبلة) : أهلًا غريب بك .. اتفضل .. إياك تكون استريحت شوية.
غريب : أبدًا والله .. من ساعة ما سبتك وانا بلِف على رجلي .. ما كنتش متصوِّر إن البلد كبيرة للدرجة دي.
مكرم : المهم تكون عجبتك.
غريب : ظريفة .. ظريفة خالص.
مكرم : وناوي تمشي إمتى؟
غريب : لمَّا انتهي من عملية الضرايب المتأخرة.
مكرم : طيب ما دام حتقعد معانا بقى.
غريب : أقعد معاكو ازاي؟

(تدخل سونة وتجري إلى مكرم.)

سونة : مكرم .. مكرم .. قالوا لي إنك هنا.
مكرم : إزيِّك يا سونة؟
سونة : إزيَّك يا مكرم؟
مكرم : وازَّي محروس؟
سونة : إنت زعلان مني؟
مكرم : أبدًا .. وحازعل منك ليه؟
سونة : إنت بتهزر.
مكرم : ما حدش حدانا بيهزر.
غريب (يتقدَّم منهما) : اسمحي لي أقدِّم نفسي.
سونة (مستمرة) : يعني حاتيجي معاي.
مكرم : آجي معاكي فين؟
غريب : مأمور ضرايب .. ليسانس حقوق.
سونة : ع البيت طبعًا.
مكرم : أنهو بيت؟
سونة : بيتنا طبعًا .. دهدي .. داني بدور عليك م الصبح.
مكرم : محروس عايزني في حاجة؟
سونة : كولنا .. كلتنا عايزينك يا سي مكرم.
غريب : ما تروَّح معاها يا مكرم .. خليك اسبور، أنا أفهم في الحاجات دي كويس قوي .. اتفضل، ما تخافش عليَّ .. أنا حاقدر اتصرَّف لوحدي.
مكرم : إنت عارف دي مين يا غريب بك؟
غريب : سبق اتعرفنا.
مكرم : دي يا سيدي سونة هانم .. بنت أم سونة.. حبيبتي .. كنت لحاد النهارده الصبح بحبها وبتحبني.
غريب : وبطلتوا تحبوا فجأة ليه؟
مكرم : أنا ما بطَّلتش .. بس هي اتجوزت محروس.
غريب : رغم إنها بتحبك؟! غير منطقي.
سونة : يعني إيه يا سي غريب؟
غريب : يعني مش معقول.

(يتقدَّم منهم فرج وعبلة.)

فرج : إيه يا مكرم أفندي .. مش مندمج في الحفل ليه؟
مكرم : الموضوع اتلعبك حبتين.
فرج : خير إن شالله.
غريب : اسمح لي أقدِّم نفسي.
فرج : أهلًا غريب بك.
غريب : اسمي غريب .. وصلت الصبح .. والآنسة؟
فرج : آه .. دي عبلة .. خطيبتي.
غريب (هامسًا لمكرم) : رائعة الجمال.
مكرم (هامسًا لغريب) : ابعد عنها طاوعني.
فرج : كتكوتة خالص .. مش كده؟ أنا أول واحد بتتجوزه في حياتها .. إيه رأيك يا غريب بك؟

(مكرم يتعاتب مع سونة بعيدًا.)

غريب : مبروك.
فرج : حلوة؟
غريب : رائعة.
فرج : إحنا بنحترم الجواز هنا جدًّا .. كل واحد لازم يتجوز .. وما دام عاجباك يبقى …
غريب (مقاطعًا في حرج) : أنا ما اقصدش يا فرج أفندي.
فرج : لا يمكن .. لازم نجوِّزك ونفرح بيك.
غريب (في ارتباك شديد) : يا فرج أفندي أنا كنت باجاملك.
فرج : يعني موش عاجباك؟
عبلة (تبكي) : يا ميلة بختي ياني .. هُمَّ بنات مصر أحلى مني .. آه ياني آه ياني.
غريب : ما اقصدش يا عبلة هانم .. إنتي شكلِك ممتاز.
فرج : يبقى اتفقنا .. خلاص.
غريب : بس أنا موش ممكن أتجوِّز .. أنا في مهمة خاصة .. في مهمة رسمية .. في شغل .. يا ناس افهموني (يصيح على مكرم) مكرم .. يا مكرم أفندي .. أرجوك الحقني.

(مكرم وسونة يقتربان منهم.)

مكرم : موش كنت بتقول حتقدر تتصرَّف؟
غريب : موش وقت شماتة أرجوك .. اتكلم .. اشرح لهم إني في مهمة رسمية.
مكرم : طيب وما له.
غريب : يا مكرم دول عايزين يجوِّزوني!
عبلة (صارخة) : شكلي ممتاز.
مكرم (ضاحكًا) : دي ميت حلاوة يا بيه.
فرج : واللي منه لا بد عنه.
غريب : دي خطيبتك يا فرج أفندي.
عبلة : أتجوزك بعد فرج على طول.
فرج : وأنا ما عنديش مانع.
غريب : لكن أنا عندي .. عندي عذر.
فرج : ما فيش أعذار .. خلاص .. مبروك.

(يعلو صوت الشاعر.)

الشاعر :
النور بدا زي القمر ما يهل،
عم السما، وكسا الجناين طل،
السعد وعد قالوها في الأمثال،
مبروك لكل حبيب، وليلة زي الفل.
مكرم (صائحًا) : بس يا شاعر الغبرا .. كفاية يا مطرب الأُمرا (إلى غريب) عرفت أنا قصدي إيه يا غريب بيه؟ آدي ميت حلاوة، وآدي أول لحسة تلحسها منها. لمعلوماتك .. كان فيه هنا تلات آلاف أربع آلاف راس غنم وضاعوا .. حدش يعرف راحت فين؟ اسألهم.
(يسأل مجموعات الناس.)

الغنم راحت فين؟ طارت؟ عدَّت البحر؟ أكلتوها؟ طب فين نصيبي؟ اتسرقت؟ إزاي؟ إزاي؟ الحرامي حيودِّيها فين؟ ما كانش فيه غنم أصلًا؟ طب دانا شايفها بعينيَّ دول؟ يا ناس حتجنن .. ضرايب ما بتدفعوش موش شغلي .. ما سمعتوش عن الراديو ولا الجرايد ولا التليفون .. أريح .. ما عندكوش مواصلات وخلافه .. أجدع .. إنما الغنم .. الغنم راحت فين؟ الغنم راحت فين؟

(يعلو صوته في كريشندو بينما يحيط به الجمهور ويُطبِق عليه.)

(ستار سريع.)

المشهد الرابع

(نفس المنظر – ضوء النهار يعُم – يدخل مكرم وغريب من أقصى اليمين، ويدخل في الوقت نفسه فرج من أقصى اليسار.)

(الناس تدخل الجمعية إلى أقصى اليمين، وتخرج محملة بالبضائع.)

مكرم : أهو فرج يا غريب بك.
غريب : هو ميعادها الساعة كام؟
مكرم : الضُّهر .. صباح الخير يا فرج.
فرج : أهلًا وسهلًا بغريب بك .. على الله تكون نمت كويس.
غريب : الست نبوية جاية الساعة كام؟
مكرم : ما قلت لك الضُّهر.
غريب : يعني الساعة …
مكرم : ما فيش ساعة .. فيه فجر وصبح وضحى وضهر وعصر ومغرب وعشا .. وبعد العشا.

(يدخل حميد خارجًا من باب دكانه.)

حميد : لحقنا بقينا نهار؟!
مكرم : ونهار .. وليل.
فرج : إنت لسه سُطَل يا حميد؟
حميد : مين؟ فرج .. مكرم؟ إنت لسه هنا؟
مكرم : لا انت عايز تفوق، ولا حد غاوي يشوف نور النهار.
حميد : قصدك أحرق دمي عشان أفوق .. ولَّا أفوق عشان أحرق دمي؟ (في هدوء) ليه؟ فيه إيه في الدنيا يستاهل حرق الدم؟
مكرم : ما هو ما دام انت نايم في العسل حتعرف الحقيقة ازاي؟
حميد : واعرف ليه؟
مكرم : لا آه .. اسمح لي بقى.
غريب : أنا عارف نوع الأستاذ حميد كويس .. فاهمه تمام.
مكرم : أنا مش قلت لك تسكت يا غريب بيه؟ إنت عايز تطيَّر شوية المخ اللي فاضلين لي؟ إحنا موش اتفقنا إنك تسكت خالص وما تتكلمش إلا في الضرايب المتأخرة؟
غريب : بقى لها سنين.
مكرم : ومع الست نبوية بس.
غريب : أعصابك تلفت خالص يا مكرم أفندي.
مكرم : أعصابي؟ (في انهيار واضطراب شديد) أعصابي حديد .. نحاس .. فولاذ .. أصل أنا ممكن أستحمل .. ممكن أتغيَّر (صارخًا) إنت فاكرني هفأ؟
غريب : ما تشوف له حاجة ياخدها يا أستاذ فرج (إلى حميد) حاجة تهدِّي أعصابه يا أستاذ حميد .. أنا مش مستريَّح لمنظره أبدًا.
مكرم (صائحًا) : ما له منظري يا عمر؟ مش أحسن من فرج .. بقى تصدق إن فرج ده خرِّيج جامعة زيِّنا .. فرج ده اللي دلوقت لابس بلدي، واتخصَّص في المهرجانات والغوازي والمطربات .. اتحوِّل .. انتهى يا غريب بك .. أنا لا يمكن أتحوِّل .. ولا انت ليه؟
فرج : كفاية بقى يا مكرم أفندي.
حميد : أنا متهيأ لي سمعت الكلام ده قبل كده .. إمتى يا حميد؟ زمان خالص.
فرج : أرجوك يا مكرم .. تعالى معاي نستعجل الست نبوية.

(يسحبه من ذراعه.)

مكرم : ليه؟ ما قلتليش ليه؟
فرج : تعالى بس.

(يخرجان.)

حميد : من أيام طنابير المية ما ضاعت.
غريب (مدهوشًا) : ودي ضاعت زي الغنم كده ما ضاعت؟ يعني مشيت لوحدها كده؟ هجِّت؟
حميد : دي حاجة فوق عقولنا يا غريب بيه.
غريب : أقصد يعني مفهوم إن الغنم تمشي .. تزهق .. تسيب الحظيرة وتخرج .. لكن الطنابير .. إزاي؟
حميد : وانت يهمك في إيه؟ إنت ما لك؟
غريب : ما لي ازاي؟
حميد : هي طنابيرك؟
غريب : لا .. بس برضه يهمني.
حميد : ليه؟
غريب : طبيعة عملي .. حضرتك عارف إني باحقَّق في الضرايب المتأخرة على ميت حلاوة.
حميد : ميت حلاوة كلها مرة واحدة؟
غريب : ثبت لنا من دفاتر الحكومة في مصر إنه ما دخلش للدولة أي ضرايب من أهالي المنطقة دي من سنين وسنين.
حميد : الضرايب دي فلوس يعني؟
غريب : طبعًا.
حميد : بس احنا ما عندناش.
غريب : ما عندكوش إيه؟
حميد : عندنا .. بس قليل.
غريب : تدفعوا .. على قدكوا.
حميد : قليل يعني.
غريب : قليل، ولَّا كتير.
حميد : بس احنا ما عندناش.
غريب : وبعدين يا أستاذ حميد؟ الأراضي .. المحاصيل .. الغلال .. المواشي والأغنام.
حميد : أيوه صحيح.
غريب : دي كلها تساوي كتير.

(صمت.)

حميد : صحيح.
غريب : وعشان كده لازم تدفعوا حق الدولة.
حميد : صحيح.
غريب : لأن الدولة لها حق .. لها نصيب في كل حاجة عندكو .. مقابل الخدمات العامة اللي الدولة بتأدِّيها لكم.
حميد : صحيح.
غريب : كل الخدمات اللي انتو ما تقدروش عليها لوحدكم .. زي الطرق .. الشوارع.
حميد : ما لها الطرق؟
غريب : الطرق اللي الحكومة بتعملها .. الطرق المرصوفة.
حميد : هي الحكومة بتعمل طرق؟!
غريب : طبعًا .. وشوارع، وكباري .. طرق مرصوفة عشان المواصلات.
حميد : لكن احنا ما عندناش لا طرق مرصوفة، ولا كباري.
غريب : إزاي بقى؟ طبعًا فيه .. أمَّال بتمشوا في إيه؟
حميد : قصدك حواري ميت حلاوة؟
غريب : والطرق اللي واصلة لها.
حميد : بس دي معمولة من زمان واصل .. من قبل الخديوي عباس أفندينا.
غريب (يضحك) : ولو .. ولو يا أستاذ حميد .. بس دي اتصلَّحت.
حميد : أبدًا .. عمرها ما اتصلَّحت.
غريب : اللهم ألهمنا الصبر .. بلاش الطرق .. عندك الإنارة.
حميد : اللُّمض الجاز؟ الكلوبات دهي بتاعة الحكومة كمان؟
غريب : بلاش اللُّمض .. المية.
حميد : النيل؟
غريب (منفجرًا) : المرافق العامة، والخدمات التي لا يستطيع الأفراد القيام بها .. هذا إلى جانب.
حميد (مقاطعًا) : والله يا فندي أنا مش فاهم حاجة واصل .. أنا قايم لمراتي .. (هامسًا) أصل مراتي ما تحبنيش أتأخر واصل (يضحك).
غريب : طب اتفضل .. اتفضل .. (صارخًا) روح .. روح لها .. روح!
حميد : إنت أعصابك فايرة ليه؟
غريب : أنا أعصابي فايرة؟
حميد : زي مكرم أفندي .. إحنا حناخد إيه م الدنيا .. أول واحدة اتجوزتها كانت زَيكو كده .. والناس زمان قبل ما تعملوا الجمعية كانوا زَيكو كده .. يتخانقوا ويزعقوا .. كل واحد كان عنده حتة أرض ولَّا غنماية يحصل لها حاجة يروح مزعق .. هو الزعيق حيجيب إيه؟! كانت الدنيا تتكركب كل يوم ع الفاضي لحد ما عملوا الجمعية.
غريب : دا من زمان قوي؟
حميد : أنا فاكر بقى!
غريب : من خمسين سنة مثلًا؟
حميد : بقولك موش فاكر .. وافتكر ليه؟ (يضحك) مراتي الجديدة ما تحبِّنيش أفتكر حاجة واصل .. أروح الدكان إن كان فيه حاجة تتعمل أعملها .. وإن ما كانش فيه .. طظ.
غريب (مقاطعًا) : مفهوم مفهوم .. لكن قُولِّي .. إنت بتكسب كام في الشهر؟
حميد : باكسب إيه؟
غريب : فلوس يعني.
حميد : ما اعرفش والله.
غريب : ما تعرفش ازاي؟
حميد : ما احبِّش اعرف الحاجات دي .. وتفرق إيه يعني؟ اللي باعوزه باخده م الجمعية ع البطاقة وخلاص.
غريب : بس الإنسان بيحتاج لحاجات تانية غير الأكل واللبس.
حميد (يضحك في خبث) : عارف عارف.
غريب (يضحك في غيظ) : كده كده.
حميد : أنا اتأخَّرت عليها ياما .. سلامو عليكم.

(يخرج.)

غريب (وحده على المسرح) : أنا بدأت أفهم الناس دُوْل .. كلهم تعابين .. الهيصة اللي عاملينها دي .. الموالد والأفراح والليالي الملاح .. كله نصب .. عايزين ياخدوني في دوكه، ويتهرَّبوا م الضرايب .. آل عاملين جمعية آل .. حاطِّين فيها كل حاجة .. آل يعني بيشتركوا في كل حاجة .. وما فيش حد عنده مِلك خاص .. ولمَّا ما يكونش لحد مِلك خاص .. يبقى ما فيش على حد ضرايب .. لكن على مين؟ أنا حاورِّيهم .. (يتردد ويفكر) ومع ذلك .. ده زي الحلم اللي طول عمري باحلمه .. الناس كلها قابلاني على إني بك وآخر احترامات .. وحتى .. خوف .. أي والله خوف .. أنا ممكن ابقى حاجة تانية خالص في البلد دي .. حاجة كبيرة قوي لو قدرت أخُش فيهم، والعب اللعبة بتاعتهم وابقى زيهم .. (ينظر إلى الساعة في قلق) بس ازاي؟ الست نبوية هي المشرفة ع الجمعية .. لو قدرت أتفاهم معاها .. افتكرت! دي حتى بعتا لي نشرة النهارده الصبح .. فين؟ أهيه .. (يقرأ من ورقة) حينما يصبح كل شيء ملكًا للجميع؛ يتم القضاء على الاحتكار والاستغلال اللذين ينبعان أساسًا من غريزة التملُّك .. من التركيز على الذات، وشهوة السيطرة على المادة .. وما يتبع ذلك من نزوع للسيطرة على الآخرين (يتأمل) كلام غريب .. (يعود للقراءة) إن مجتمعنا قد تخلَّص نهائيًّا من الفردية، ونزع بكل طاقاته نحو الحب .. (يفكر) الحب .. أنهو حب؟

(تدخل عبلة.)

عبلة : حبيبي.
غريب : عبلة؟!
عبلة : حبيبي.
غريب : إيه اللي جابك؟
عبلة : إنت مش بتحبني.
غريب : إنتي جميلة جدًّا، لكن — اسمعي — فرج زمانه جاي.
عبلة : أنا ما لي وما له .. أنا جاية لك انت.
غريب : هو مش خطيبك برضه؟
عبلة : أنا بحبك (تتقدَّم منه).
غريب (يبتعد عنها) : عبلة.
عبلة : يعني موش عايزني؟ أنا عيبي إيه؟ (تبكي) آه ياني .. آه ياني .. عشان موش من مصر؟ هم بنات مصر أحلى مني؟
غريب : ما تعيطيش يا عبلة .. إنتي روعة .. وقمر .. وكويسة خالص!
عبلة (تتغير من بكاء إلى فرح مفاجئ) : يعني بتحبني .. وحتتجوزني؟
غريب : وفرج يا عبلة؟ نودِّيه فين؟ (يصيح في جنون) يا مثبت العقل يا رب .. ممكن أفهم ازاي أتجوزك وانتي مخطوبة؟ ممكن تقولي لي؟!
عبلة : ما هو .. بَعد منُّه حاتجوزك على طول.
غريب : بَعد منُّه؟ بعد ما يفرج عنك؟
عبلة : دا كلَّتها يومين يا سي غريب (في سعادة) يا سي لفندي.
غريب : كلها يومين ويسيبك؟
عبلة : أمَّال إيه؟ يا سعدك يا هناكي .. يا مرات لفندي .. لفندي الحلو .. لفندي القمر.

(تغازله، وتشاغله.)

غريب : اسمعي بس يا عبلة.
عبلة : حبيبك ونصيبك.
غريب : اسمعي بس أرجوكي .. ممكن تقولي لي؟
عبلة : أقولك، وتقوللي يا لفندي.
غريب : إيه اللي يخليه يسيبك؟
عبلة : ألَّا ليه .. زي الناس .. عادي.
غريب : هي الناس بتسيب بعض عادي؟
عبلة : أما انت غريب صحيح.
غريب : أنا اللي غريب؟ (يضرب كفًّا بكف) إيه اللي يخلِّي راجل يسيب مراته؟ ممكن تقولي لي؟
عبلة : الوقت .. (في رزانة) لمَّا وقته يخلص.
غريب (ساخرًا) : يعني .. مدة الخدمة؟
عبلة (لا تفهم) : خدمة إيه؟
غريب : أقصد يعني .. عايزين تحددوا عقود الجواز بتاعكم بمدة .. بفترة زمنية؟
عبلة (لا تفهم) : كلامك حلو يا لفندي.
غريب : يعني .. لازم تنتهي في وقت محدد؟
عبلة : أمَّال تفضل طوَّالي؟!
غريب : موش تأبيدة يعني؟
عبلة : موش أه؟
غريب : موش مهم .. والوقت ده .. قد إيه؟
عبلة : حسب وحسب.
غريب : يُنص عليه في العقد؟
عبلة : كلامك حلو يا لفندي.
غريب : وأنا إذا اتجوزتك برضه لازم أسيبك؟
عبلة : عايز تسيبني؟ (تبكي) تسيبني ليه؟ أنا عملت حاجة؟
غريب : يا عبلة بس اسمعي.
عبلة : دانا بحبك خالص.
غريب (في لهجة حاسمة) : شوفي بقى .. تعيطي ما تعيطيش أنا موش حاتجوزك .. إنتو الظاهر عايزين تلغوا الاحتكار في الجواز برضه .. والظاهر إن الجمعية بتاعتكو حتخرب الدنيا خالص.
عبلة (تبكي) : مش حتتجوزني .. آه ياني .. آه ياني.
غريب : أصله كله كوم وإلغاء الاحتكار في الحاجات دي كوم .. شوفي يا عبلة .. أنا إذا كنت حاتجوزك يبقى على طول .. فاهمة؟ مؤبد .. موش أجوزك من هنا وتروحي تشوفي لك واحد تاني من هنا.
عبلة : أبدًا .. أبدًا.
غريب : أبدًا ازاي؟ أنا فاهمك كويس.
عبلة : أبدًا .. أبدًا.
غريب : ماديحنا فيها .. لسه مخطوبة وجاية تخطبيني.
عبلة : دانا بحبك.
غريب : لا احبِّك ولا تحبيني.
عبلة : يا ميلة بختي ياني .. آه ياني آه ياني (تخرج).
غريب : متهيَّأ لي عبلة بتخرَّف .. موش ممكن يبقى فيه عقود جواز بالشكل ده .. ولَّا يمكن برضا الطرفين .. برضه موش ممكن .. لازم أدرس الموضوع كويس.

(يدخل مكرم وحده حاملًا حقيبة صغيرة.)

مكرم : إنت لسه بتستنَّى يا غريب بك؟
غريب : إنتو مش رُحتوا تستعجلوا نبوية هانم؟
مكرم : أنا ماليش دعوة يا عم.
غريب : إنتو موش قلتوا …
مكرم : قلت لك أنا ماليش دعوة .. فرج اللي قال وفرج اللي راح .. أنا موش من ميت حلاوة .. (مترددًا) ولو اني منها برضه .. عايز أهج وموش قادر .. بس موش قادر ليه؟ ما هي الغنم هجِّت! إنت موش شايف إنها حاجة غريبة برضه إن الغنم تهج؟ متأسف يا غريب بك اني باكلمك في موضوع تاني غير الضرايب.
غريب : مفهوم مفهوم.
مكرم : ما اعتقدتش إنك فاهم.
غريب : حافهم إيه تاني؟
مكرم : الموضوع باختصار إن بقى لي أربعة وعشرين ساعة ما نمتش دقيقة واحدة .. من ساعة ما ضاعت الغنم وانا بلف الغيطان والبلد حتة حتة .. أسأل واشَمْشِم هنا وهناك .. عملت المستحيل قبل ما آجي أخدك على هنا عشان تقابل نبوية هانم.
غريب : كان باين عليك فعلًا.
مكرم : اللي موش باين عليَّ هو — ما تآخذنيش — إحساس غريب بالخوف.
غريب : بالخوف بتقول؟
مكرم : بالخوف .. بالرهبة .. يمكن بالرعب كمان .. الرعب اللي بييجي م المجهول.
غريب : دا انت التعب أثَّر فيك تمام.
مكرم : أبدًا .. أنا حاسس إن اللي حصل امبارح ده .. بدل ما يلقي الضوء على اللي ما كنتش فاهمه في ميت حلاوة خلاني أواجه كهف ضلمة غويط .. مليان بالأسرار والألغاز.
غريب : كل ده عشان سونة سابتك؟
مكرم : أبدًا .. عشان سونة ما سابتنيش! لو كانت سابتني عادي ما كانش بقى فيه لغز.
غريب : إنت اللي بقيت لغز.
مكرم : اسمعني بس .. سونة دي أنا حبِّيتها .. بنت ذكية وحلوة، وصُحبتها متعة .. كنت عارف ان محروس بيجري وراها صحيح، وانهم بيشتغلوا سوا في الغيط إلى آخره .. لكن دا ما يمنعش إنها استجابت لي .. كنت واثق إنه يومًا ما .. يومًا ما .. في المستقبل البعيد يمكن .. حنتجوز .. ميت حلاوة أصبحت بالنسبة لي حلم جميل، ودا اللي خلَّاني أبطَّل هندسة وزراعة، واتعلم صناعة السلال.
غريب : صناعة السلال؟
مكرم : آه .. ما لها السلال؟ جمع (سلة) .. يعني (سَبَت)! كنت قررت أشتغل بالسلال .. عيبها إيه؟ قررت أبقى زي أهل ميت حلاوة .. وأعيش هنا زي الناس ما هي عايشة .. يزرعوا ويقلعوا، وياكلوا ويشربوا ويناموا، ويلعبوا تحطيب، ويغنوا ويرقصوا .. حياة هانئة رائعة، زي حياة المعمِّرين بتوع أمريكا الجنوبية .. كان اتهيَّألي إني فهمت ميت حلاوة تمام .. وبعدين …

(صمت.)

غريب : وبعدين سونة اتجوزت محروس!
مكرم : لأ .. وبعدين الغنم ضاعت!
غريب : ودي علاقتها إيه؟
مكرم : زي ما قلت لك .. لقيتني بواجه كهف ضلمة مخيف مش عارف أوله من آخره .. فاهمني؟
غريب : مش فاهم حاجة أبدًا.
مكرم : يا أخي المسألة واضحة .. الحلم بتاعي كان فردي .. ما كنتش باحلم أكتر من إني أحقق ذاتي .. ولو انه حلم متواضع في الحقيقة .. يعني السلال.
غريب : وممكن لسه تحققه.
مكرم : مستحيل! الغلطة الكبيرة كانت الغنم.
غريب : وانت ما لك بيها بس؟
مكرم : هي دي الغلطة .. كان لازم أقول أنا ما لي بيها .. كان لازم أطلَّع نفسي منها، لكن بمجرد ما شغلت نفسي بيها لقيت الكهف بينفتح .. والقوة الغريبة .. كأنها قوة القدر نفسه .. بتواجهني .. حسيت إن الحلم الصغير بتاعي بقى خيط تافه وسط كابوس كبير .. ما عادش عندي القدرة على إني أرسم طريق حياتي أو حتى أحلم (صمت) والغريب إن المسألة حصلت بسرعة جدًّا .. ضاعت الغنم .. وطارت سونة .. وبدأ الحلم يتشتت.
غريب : إنت النهارده شارب حاجة .. موش معقول كلامك ده.
مكرم : أنا خايف يا غريب.
غريب : موش ده مكرم اللي كان معاي الصبح .. بيطمِّن فيَّ ويهدِّي أعصابي!
مكرم : أنا خايف م اللي كنت خايف عليك انت منه .. الضياع!
غريب : لا .. ما يهمكش.
مكرم : ما قصدش الضياع النفسي اللي درسناه في الجامعة .. الضياع الحقيقي!
غريب : زي الغنم مثلًا؟
مكرم : زي الغنم!
غريب : حلوة دي!
مكرم : إيه اللي حلو فيها؟ أنا عارف إنه فيه ناس ضاعت .. كتير .. اتُّهموا في قضية ولَّا حاجة .. وبعدين ضاعوا.
غريب : تاهوا يعني؟
مكرم : يعني الناس صحيوا الصبح ما لقيوهمش!
غريب : بكرة يلاقوهم .. يا راجل روق.
مكرم : أنا خايف يا غريب.

(يدخل جماعة يصيحون وعلى رأسهم رجل يقول: «أهه أهه»، والناس تهتف خلفه.)

الرجل : أهه .. أهه .. حرامي الغنم.
الجمهور (يهتف) : إلى الجحيم يا عدو الشعب.
الرجل (مشيرًا إلى مكرم) : أبو بدلة قديمة .. دهه!
الجمهور : يسقط عدو الجمعية .. يسقط عدو الجمعية.

(مكرم يحاول الهرب بحقيبته، والاختباء والاحتماء خلف غريب.)

مكرم : عايزين إيه؟ أنا بريء.
غريب : إنتو مجانين .. ابعد انت وهوَّا.
الجمهور : يسقط عدو الشعب .. يسقط عدو الشعب.

(يُطبِقون عليه.)

مكرم : أنا ضعت!
رجل : اقتلوه.
رجل : ادبحوه.
رجل : اسلخوه.

(تدخل الست نبوية – يُصعق الجميع، ويتسمَّرون في أماكنهم، ويهمسون جميعًا – الست .. الست نبوية .. الست.)

نبوية : سيبوه.
مكرم : يا منجِّي م المهالك يا رب.
نبوية : إيه الدوشة دي انت وهوَّا (تنادي على الشرطي) عبد العال .. تعالى خد الاتنين اللي قالوا ادبحوه واسلخوه على برَّه.
الرجلان : مش قصدنا يا ست .. ارحمينا يا ست.
نبوية : إحنا لغينا القتل والدبح من زمان .. إنتو مش عارفين كده؟
الرجلان : إحنا في عرضك يا ست .. الرحمة .. الغفران.
نبوية : اللي يخرج عن تقاليد الجمعية ومبادئها مصيره إيه؟
الجمهور : يسقط الخونة .. إلى الجحيم يا خونة.
نبوية : خُدهم يا عبد العال .. حانحقق معاهم، ونشوف مين من بره ميت حلاوة حط في بقُّهم الكلام الفارغ ده.
الرجلان (خارجين مع عبد العال) : الرحمة .. الغفران.

(يخرجان مع الشرطي.)

نبوية : أنا سمعت عنكم كتير .. إنت مكرم .. والغريب ده؟
غريب : أتشرف بإني أقدِّم نفسي .. غريب بك .. مفتش ضرايب.
نبوية : أهلًا وسهلًا.
غريب : أنا باستنَّى حضرتِك م الصبح.
نبوية : أنا عايزاك تيجي لي بيت الشعب ع المغربية .. فرج حيورِّيك السكة.
مكرم : وهو كذلك.
غريب : أنا كنت باقول.
نبوية : أنا حاشوفك يا غريب بك بكرة في مقر الجمعية .. فين فرج؟

(يظهر فرج من وسط الحشود.)

فرج : أمرك.
نبوية : فرج .. فرَّق الناس، وتعالى معاي.
فرج : أمرك.

(فرج يصرف الجمهور، ثم يخرج مع الست.)

(مكرم وغريب وحدهما على المسرح.)

غريب : جات سليمة الحمد لله.
مكرم (في رعبٍ شديد) : أنا خايف يا غريب.
غريب : ما خلاص يا مكرم بقى .. جات سليمة بقولك .. خايف من إيه تاني؟!
مكرم : م الغنم يا غريب .. م الغنم .. الغنم!
(ستار)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤