الفصل الثاني

المشهد الأول

(منزل ريفي فخم ضخم – كل شيء ينمُّ عن ثراء – مكتب في الوسط، ومكتبة في الخلفية – صور على الجدار لموسيقيين – نصف غرفة مكتب تُرى إلى اليسار – وستائر في كل مكان.)

(وعندما يرتفع الستار نرى فرجًا يحاول إخراج نبيه .. ونبيه يعترض.)

فرج : موش أصول اللي بتعمله ده.
نبيه : دا بيت الشعب.
فرج : ولو .. برضه تستأذن عشان الست نبوية يمكن لسه نايمة.
نبيه : لسه نايمة ازاي بس .. بقينا الضُّهرية أهه .. ثم احنا بقى لنا شهر وزيادة ما عقدناش اجتماعات.
فرج : تعالى بس معاي نستنَّى بره.
نبيه : الرجال موش ممكن يستنُّوا أكتر من كده.
فرج : أؤكد لك إن الاجتماع مش حيتأجِّل .. مكرم أفندي أكِّد لي .. وانا عارف إنه صاحي من بدري.
نبيه : أنا سمعت إنه من يوم ما اتجوز الست نبوية وسكن هنا والمواعيد اتلخبطت .. شهر زيادة.
فرج : يا أخي بس تعالى معاي.

(يشده ويخرجان.)

(بمجرد خروجهما تدخل الست نبوية ومعها مكرم يتهامسان وفي حالة نفسية هادئة وابتسامات.)

نبوية (ضاحكة على نكتة همسها لها مكرم.) : لا لا لأ .. كفاية.

(مكرم يهمس شيئًا.)

نبوية (ضاحكة) : إنت حكايتك إيه النهارده؟

(مكرم يهمس ثانيًا.)

نبوية : مش معقول .. صحيح؟
مكرم : زي ما بقولك.
نبوية : وازاي قدرت .. المدة دي كلها؟
مكرم : ما كانش فيه حل.
نبوية : ما قدرتش تفهم الإنسان .. دا رأيي في الموضوع.
مكرم : والله لا الهندسة ولا الزراعة عايزة فهم عميق للإنسان.
نبوية : يمكن .. لكن خلاص .. الحمد لله .. (تستدير إليه في شغف) لقينا بعض بعد سنين .. من بعد النهارده ما فيش داعي بقى للقلق والتردد.
مكرم : برضه موش قادر أصدق.
نبوية : إنت موش شفت كل حاجة؟ أنا موش ورِّيتك بنفسي كل اللي كنت عايز تشوفه واكتر كمان؟
مكرم : دا صحيح.
نبوية : عايز إيه تاني بقى؟
مكرم : موش عارف.
نبوية : لا لأ .. إحنا اتفقنا نبطَّل حكاية موش عارف دي.
مكرم : طبعًا طبعًا.
نبوية : إنت بقيت تعرف كل حاجة.
مكرم : طبعًا طبعًا.
نبوية : موش بس تعرف .. إنت بقيت في موقف (تضحك) قصدي في مركز مختلف النهارده.
مكرم : ما فيهاش كلام.
نبوية : خلاص .. يلَّا بِينَا نخلَّص الشغل اللي في إيدينا ده .. (بدلال) إحنا بقى لنا كتير سايبين الشغل.
مكرم : فات الزمن زي الأحلام.
نبوية : وأجمل م الأحلام ..(تغير لهجتها) نشوف بقى مشروع القناية؟
مكرم : ما قلت لك كله جاهز .. الورق أهه، والرسومات، وكل حاجة.
نبوية : عظيم.
مكرم : العقبة الوحيدة هي التكاليف.
نبوية : أنا موش قلت لك تنسى الموضوع ده؟ كام مرة شرحت لك .. المعدات عندنا والأنفار موجودين. والجمعية متكفِّلة بكل حاجة .. (جادة) حاول بقى تنسى الاصطلاحات السخيفة بتاعة الجامعة دي .. «التكاليف» دي كلمة تُستخدم بس لمَّا نكون محتاجين لحاجة من برَّه .. لكن إحنا أهه (تُريه ورقة) عندنا كل حاجة في ميت حلاوة.
مكرم : أقصد .. موازنة التكاليف والأرباح.
نبوية (بدلال) : وبرضه تنسى كلمة «الأرباح» دي.
مكرم : نسيت.
نبوية : يا مكرم يا حبيبي ما دام كل حاجة في إيدينا، وبترجع لنا احنا؛ يبقى خلاص.
مكرم : أقصد التوزيع اﻟ ..
نبوية : وكلمة التوزيع كمان .. (تضحك) يظهر بتعرف تشتغل أحسن في أوضة الشغل .. (تغمز له) تعالى معاي.
مكرم : وهو كذلك.

(يخرجان بينما يدخل من اليسار فرج ومعه محروس ونبيه وحميد.)

فرج : اتفضلوا .. اتفضلوا .. اتفضلوا .. محروس إنتو اخوات مافيش داعي للعزايم .. (يُجلسهم حول مائدة مستديرة) نبيه يمكن ما حضرشي جزء من الأحداث الأخيرة، وعشان كده لازم أوضَّح له إن الهدف من الاجتماع النهارده يختلف عن كل مرة.
نبيه : أنا عندي فكرة مبدئية.
فرج : ما تآخذنيش يا نبيه يا خويا .. إنت بُعدك عننا الفترة دي كان له أثره في إدراكك للمشاكل اللي بتواجهنا .. وده طبعًا ما يأثَّرش على مركزك كعضو في إدارة الجمعية.
نبيه (ينهض معترضًا) : أنا أطالب بتفسير للملاحظة الأخيرة دي.
فرج : هدِّي نفسك يا نبيه .. أنا موش باهدِّدك.
نبيه : التلويح بالتهديد ممكن يوجع أكتر م التهديد.
محروس : اسمع يا نبيه يا خويا .. إحنا إذا بدأنا الاجتماع بالشكل ده يبقى موش ممكن حنوصل لحاجة أبدًا.
حميد (في لهجة جادة كأنما هو شخص مختلف تمامًا عمَّا رأيناه في الفصل الأول) : فرج يقصد إن عدم معرفتك بالمشاكل «لن يؤثر» على مركزك .. واضحة دي؟
نبيه : أنا حاسكت نزولًا على رأي الأغلبية فقط .. لكن أرجو تسجيل اعتراضي على التلميح بإمكان التأثير على مركزي.
فرج : أنا حاخُش في الموضوع مباشرة .. ميت حلاوة بتواجه — لأول مرة في تاريخها الحديث — وجود أجنبي.
محروس : هم اتنين في الحقيقة.
فرج : ده المقصود .. المهم إن هذا الوجود بيشكِّل تهديد لنظام حياتنا .. النظام اللي بيستهدف خدمة الناس جميعًا .. ودلوقت حادعو حميد يقدِّم لنا موجز بحثه في الموضوع.
حميد (يتنحنح، ويتصنع الأهمية) : في الحقيقة أنا راقبت المدعو مكرم والمدعو غريب فترة غير قصيرة .. وفي الحقيقة اشتبكت مع كل منهما في مناقشات طويلة باعتباري مواطنًا عاديًّا.
محروس : بلاش النحوي قوي يا حميد عشان خاطري .. أَصلي انت عارف …
نبيه : أنا أعترض على اللهجة التي يتكلم بها حميد .. إذ إنه حين يقول: «كأنني مواطن عادي»؛ يريد في الحقيقة أن يقول أنه مواطن غير عادي .. وهذا يمثِّل انتهاكًا للقانون الأساسي للجمعية الذي ينصُّ على المساواة المطلقة.
فرج : نبيه .. أنا حانذرك رسميًّا.
نبيه : وأنا أرفض الإنذار.
فرج : أنذرك.
نبيه : أرفض.
محروس : يا خوانَّا كفاية كده أرجوكم .. يا نبيه إحنا كلنا بنحب بعض، وما نقصدش نجرح بعض.
نبيه : أنا عضو منتخب من جميع العاملين بصيد الأسماك في البلد، ويؤيِّدني بالإجماع كل مَن له …
فرج (مقاطعًا بحدة) : إحنا دلوقت بنتكلم في حاجة أخطر من ده كله .. إحنا قدَّامنا مشكلة ما انتش قادر تدرك أبعادها.
نبيه : أنا حاسكت نزولًا على رأي الأغلبية .. لكن لازم أسجل اعتراضي على اتهامي الضمني بالجهل.
فرج : أرجوك يا نبيه كفاية .. اتفضل كمِّل يا حميد .. من غير نحوي لو أمكن.
حميد : الخلاصة إنه إذا كنا نقدر نسيطر على مكرم .. والست نبوية بتتولَّى العملية دي في الحقيقة .. فمش حنقدر نتخلص من غريب.
محروس : نتخلص منه بتقول؟!
فرج : الموضوع هو إن وصوله معناه إن السلطات اتنبِّهت .. معناه إن اسمنا ظهر على الخريطة .. معناه إن أهل مصر بَقُم يعرفوا ويسمعوا عن ميت حلاوة .. المسئولين اللي في إيدهم البوليس والجيش.
نبيه : أعترض على صياغة العبارة الأخيرة .. إحنا موش مجرمين أو خارجين على القانون عشان نخاف م البوليس والجيش.
فرج : اللي أقصده هو إن الهدوء اللي بيسود حياتنا ممكن يتأثر لو عرف الناس في مصر بالتجربة بتاعتنا.
حميد : وده اللي بيدعونا للتخلص منه.
محروس : ما يضيع.
فرج : غلط .. إذا لجأنا للطريقة دي يبقى كأننا بنصب زيت ع النار .. أنا في الحقيقة حضَّرت خطة لمواجهته تتمشَّى مع سياستنا.
نبيه : إنت بتتكلم يا فرج كإننا خفافيش غاويين الضلمة .. أنا أعترض بشدة على الإيحاء بهذا.
فرج : يعني عايز تعمل إيه؟
نبيه : إحنا تجربة رائدة ولازم ترى النور .. لازم الناس كلها تشوف نجاحنا، وتنبهر بيه، وتتعلم منه.
فرج : كلام جميل .. بس لازم تعرف إن غريب بك راجل روتيني .. ولا يمكن التفاهم معاه إلا بلغته؛ ولهذا قررت أواجهه بالنظرية السادسة.
نبيه : ممكن يعترض .. لو قلنا له إن احنا ما بندفعش ضرايب لأن الدولة لا تؤدي لنا خدمات .. ودا صحيح طبعًا؛ ممكن يقدِّم لنا أوراق تثبت إن الدولة بتؤدي لنا خدمات إحنا عارفين إنها وهمية، وبعدين يطالبنا بالضرايب، وبالطريقة دي يدمر حياتنا.
حميد : الحقيقة كلام معقول.
فرج : إزاي بس يا حميد؟
حميد : غريب من أمهر موظفي الحكومة.
محروس : النظرية السادسة عبقرية.
فرج : يا اخوانَّا لازم نقرر.
نبيه : ونأخذ الأصوات.
محروس : وأنا رأيي نواجهه.
حميد : رأيي ننتظر شوية.
فرج : يبقى انقسمنا .. الأمر بقى للست نبوية .. صوتها هو اللي حيحسم الموضوع.
نبيه : إذن نفض الاجتماع للمداولات الجانبية.

(يُدَقُّ صَنْج، وتدخل الست نبوية .. الجميع يلتفُّون حولها في رهبة، ثم تبدأ.)

نبوية : مكرم خلَّص مشروع القناية الجديدة .. وتقدروا تعتبروا الموضوع منتهي .. أما بالنسبة لغريب فأنا عايزة أسمع آراءكم.
فرج : إحنا اتناقشنا في الموضوع، والنتيجة كانت تمام زي ما سيادتك توقعتي.
نبوية : كده كده؟ يبقى لازم نتَّخذ إجراء حاسم، وإلا الموقف حيفلت من إيدينا .. أنا فكَّرت إني أتعامل مع غريب بك بنفسي .. حد معترض؟

(وجوم وتبادل نظرات حذر وقلق.)

أنا عايزاكو تعبَّروا عن آراءكو بحرية تامة .. اتكلموا .. بس لازم تعرفوا إن القضية اللي في إيدينا أكبر من الخلافات الشخصية .. إحنا عايزين وحدة فكرية .. موش عايزين خلافات في الرأي.

(وجوم.)

هيه .. رأيكو إيه؟ اتكلموا بحرية .. إيه رأيك يا نبيه؟ بلغني إنك كنت غايب فترة طويلة .. بقى لك مدة ما حضرتش اجتماعاتنا .. يا ترى إيه السبب؟!
نبيه : كل خير يا فندم.
نبوية : ورأيك إيه في اقتراح فرج؟
نبيه : كل اللي بتصوَّره هو إننا ننتظر شوية .. نسيب غريب لحد ما يتأقلم.
نبوية : ورأيك في اقتراح فرج؟
نبيه : فرج آراؤه متسرعة.
نبوية : يعني لسه معترض على فرج .. يا ترى بينك وبينه إيه؟ إنت عارف إن كلنا متساويين هنا .. كلنا بنتمتع بالمساواة.
نبيه : بعضنا بيتمتع بمساواة أكتر من غيره.
نبوية : بتحسد فرج على المركز بتاعه؟ ولَّا عايز أملاك تانية؟
نبيه : أنا ما عنديش أملاك خالص .. كلها أملاك الجمعية .. الناس.
نبوية : إحنا لا يمكن نقبل تصرفك الحاقد الحسود ده.. (تَدقُّ الصَّنْج) أنا اتخذت قرار بقبول استقالتك من عضوية اللجنة.

(يدخل الشرطي عبد العال.)

نبيه : أنا ما قدِّمتش استقالة.
نبوية : حد منعك؟
نبيه : أنا عضو منتخب من جميع العاملين بصيد الأسماك.
نبوية : يعني ضامن أصواتهم؟ (تضحك) عبد العال .. (يدخل إبراهيم).
اقرا يا إبراهيم القرار اللي اتخذِته نقابة الصيادين.
إبراهيم (يقرأ) : بعد النظر في سلوك المدعو نبيه مرزوق نائب المنطقة في الجمعية، وبعد أن ثبت للنقابة تغيُّبه عن البلدة لفترات طويلة، واتصاله بجهات أجنبية، وكذلك حصوله على مساكن متعددة في ميت حلاوة مما يتنافى مع المبادئ الأساسية للجمعية .. فقد قررت اللجنة النقابية فَصْلَه من جميع وظائفه.
نبيه : لا يمكن .. مش معقول .. إزاي يا إبراهيم؟
نبوية : سمعت بودانك؟
نبيه : أنا أنكر كل الاتهامات .. أنا بريء.

(يتقدَّم منه عبد العال وخلفه رجلان.)

عايزين إيه؟ يا نهار موش فايت .. يا ست نبوية أرجوكي .. اسمعي دفاعي .. اديني فرصة.
نبوية : والله يا نبيه أنا ما اتخذتش ضدك أي إجراء؛ إنت مشكلتك مع النقابة .. إنت موش تعرف إبراهيم دهه؟
نبيه : دا حبيبي .. النائب بتاعي.
نبوية : ولمَّا حبيبك والنائب بتاعك يقرأ عليك البيان ده؛ موش لازم تصدقه؟!
نبيه : أرجوكي.
نبوية : إنت مذعور من إيه؟
نبيه : أنا حاضيع .. موش عايز أضيع .. أرجوكي.
نبوية : أنا عارفة إنك كنت في الخارج في مهمة خاصة بتسويق الأسماك .. لكن ما كنتش أعرف إنك اتصلت بجهات أجنبية!
نبيه : ما هو كان لازم أتصل بجهات أجنبية؛ عشان أبيع لهم السمك .. يا ست أرجوكي .. افهميني.

(يتقدَّم الرجال منه، ويحيطون به.)

إنتو حتودُّوني فين؟ يا ست ارحميني .. يا فرج .. يا حميد .. بحق العيش والملح.
نبوية : حتحصل انتخابات جديدة في نقابة الصيادين من القاعدة للقمَّة.
نبيه : أرجوكي .. أنا حاضيع .. موش عايز أضيع.

(يخرج به الرجلان ووراءهم عبد العال.)

نبوية : ودلوقت .. ما دام عندنا الجرأة الكافية لمواجهة مشاكلنا .. وطالما ما فيش خلاف على مبادئنا وسياستنا .. نبدأ الاجتماع .. لعلكم موافقين إني أواجه غريب بنفسي؟ (لا أحد يرد) اللي عايز يعترض يقول بصراحة (صمت) ما فيش اعتراض؟ وهو كذلك .. عايزة آخد رأيكو كمان في إني أنيب واحد بدالي أثناء غيابي .. إيه رأيكم؟
فرج : مين؟
حميد : مين؟
محروس : مين؟
نبوية : مكرم .. اتفضل يا مكرم.

(يدخل مكرم – يسود الوجوم، وينزل الستار.)

(ستار)

المشهد الثاني

(نفس المنظر – عندما يُفتح الستار نرى فرجًا قلقًا يذرِّع المسرح جيئةً وذهابًا، ثم تدخل عبلة في قلق، وتقترب منه في توتر.)

فرج : إيه اللي جابِك هنا؟
عبلة : ما تزعلش مني يا فرج؟
فرج : إيه اللي جابِك بقول؟
عبلة : والنبي ما تزعل.
فرج : وبعدين معاكي بقى؟ انطقي.
عبلة : أَصلي .. عايزة أسيبك.
فرج : وهو أنا ماسكك.
عبلة : قصدي .. أسيبك خالص.
فرج : مع السلامة .. غوري.
عبلة (تنهار باكية) : أَصلي باحب غريب أفندي.
فرج : هيه .. فهمت.
عبلة : من يوم ما اكلِّمت معاه وانا عقلي موش في راسي .. موش عارفة أتلم على نفسي .. ما باكلش .. ما بانامش.
فرج : عال عال .. لَف عقلك لفندي ده؟ قالك إيه بالظبط؟ قال حياخدك مصر؟ حيسكِّنك في شقة في شبرا؟
عبلة : والنبي ما قال حاجة .. أنا اللي .. اللي ..
فرج : اللي عينك فارغة.
عبلة : ما تزعلشي مني.
فرج : اسمعي.
عبلة : إنت زعلان مني.
فرج : لأ .. أنا موش زعلان .. إنتي بس روحي دلوقت وانا حاحصلك بعد ساعة .. يلَّا يا حبيبتي.

(تسير في قلق متجاهلة كلامه، ثم تجلس على كرسي في أقصى المسرح.)

(في غضب) إنتي سمعتيني ولَّا لأ (تتجاهله؛ فيضطر إلى تغيير لهجته) معلهش .. أنا عارفك عِنَديِّة .. لكن عشان خاطري .. بلاش النهارده أرجوكي روحي وانا حاحصلك على طول.
عبلة : توعدني؟
فرج : بإيه؟
عبلة : بإني إذا روحت دلوقت تفسخ الخطوبة النهارده.
فرج : خلاص .. أوعدك .. يلَّا بقى.

(تخرج.)

(تسمع ضجة في الخارج وطبل ومزامير، ويدخل المسرح راقصون وراقصات ومغني ومغنية.)

المغنية :
الفرحة اكتملت لينا،
والسعد ملا ليالينا،
الخاين ضاع وعصابته،
والفجر أهو هل علينا.
الجمهور : يسقط الخائن .. يسقط الخائن.
المغني :
مبروك يا أهل الجمعية،
الخير عم الزراعية،
الخاين ضاع وجماعته،
قرب نفرح بالزينة.
الجمهور : يسقط الخائن .. يسقط الخائن.
المغنية :
مين يقدر مين يعادينا؟
الدنيا اهي ضحكت لينا؛
طهَّرنا الصيد وشباكه،
واهو كاس الحب ساقينا.
الجمهور : عايزين نبوية .. عايزين نبوية.

(تدخل الست نبوية.)

المغني :
ارقصي يلَّا انتي وهيه؛
هنُّوا أميرة الجمعية،
الكل حبايب هايمة،
وإيديها كمان في ايدينا.

(تشير نبوية بعد لحظة؛ فيهدأ الجميع.)

نبوية : إيه دول يا فرج؟
فرج : دول أهل بحري يا ست .. خرجوا تلقائيًّا يعبَّروا عن فرحتهم بضياع الخاين.
نبوية : كويس .. ع العموم كفاية بقى .. يلَّا .. أنا ما عنديش وقت، لازم أروح أشوف الشغل ماشي ازاي في القناية .. يلَّا.

(يخرج الجميع ما عدا فرج.)

نبوية : إنت بتعمل إيه هنا يا فرج؟
فرج (ينظر حوله، فلا يجد أحدًا؛ فينهار) : نبوية .. حياتي وعنيَّه .. بتعملي فيَّه كده ليه؟ أنا عمري خنتك؟! أنا عبدك .. ملكك .. خاتم في إيدك .. شيليني من صباع .. وحطِّيني في صباع .. لكن ما تعمليش فيَّ كده.
نبوية : إيه اللي جرالك النهارده؟
فرج : أنا حياتي كلها بين إيديكي .. عطيتها لك مرة .. ومستعد اديهالك تاني .. نبوية .. اسمعيني أرجوكي؛ أنا بقى لي مدة موش عارف أنا مين .. ماشي أكلِّم نفسي في الحارة .. مشيت ع الترعة زي المجانين أرمي طوبة في المية .. أكلم السمك والشجر والحجر.
نبوية : سلامتك يا فرج .. إنت عيان؟
فرج : أنا كويس يا نبوية .. عقلي اللي ضاع .. عايز أضيع .. ما عدتش أستحمل.
نبوية : إيه بس اللي حصل؟
فرج : يعني موش عارفة؟ أنا يوم ما وصلت البلد دي كنت مغمَّض زي مكرم .. كنت كتاب مقفول .. ورقة صفرا بتسأل مين أخذ ده ومين عطى ده .. فتحتي عنيَّه .. وما عدتش عايز أعرف غيرك .. حبك صاغني، وخلقني من جديد.
نبوية : قصدك إيه م الكلام ده كله؟
فرج : النار يا نبوية .. النار .. أنا عارف إن ده ضد مبادئ الجمعية .. ضد مبادئ الإنسانية نفسها، لكن (في خجل) أنا باغير.
نبوية : ﺑﺘ أه؟
فرج : أنا باعترف.
نبوية : بتعترف بإيه؟
فرج : أنا غيران من مكرم.
نبوية : إنت عارف انت بتقول إيه؟
فرج : عارف .. باحكم على نفسي بالضياع .. لكن .. مش قادر .. مش طايق حد يتجوزك غيري.
نبوية : إنت عارف معنى الكلام ده كويس؟
فرج : عارف .. وموش قادر .. الليل أصبح جحيم .. والنهار طريق طويل بيوصَّلني للجحيم .. كل ساعة بتفوت بتقرب لحظة العذاب .. لحظة الضلمة .. لمَّا الشمس تغيب والاقي نفسي لوحدي وافكر فيكي .. أفكر .. واتصور إنك مع الملعون .. آه .. آه.
نبوية (تلين قليلًا) : أنا خايفة عليك يا فرج.
فرج : أنا انتهيت .. (يبكي).
نبوية : بعد كل الزمن ده؟ ليه يا فرج؟ ليه تسمح بإحساس دنيء إنه يتغلِّب عليك؟ إحنا بشر .. بني آدمين .. مش حيوانات .. الاحتكار ده خلِّيناه للمخلوقات الدنيئة .. الديوك اللي بتقتل بعضها عشان الفراخ .. الديب اللي ما يطيقش حد يقرب من الديبة .. إنت إنسان .. إنت أسمى من ده كله.
فرج (يبكي) : عارف .. عارف.
نبوية : ما فيش إنسان من حقه يمتلك أي إنسان تاني. إزاي تتصور إن من حقك تمتلكني؟
فرج : امتلكيني إنتي.
نبوية : لا من حقي، ولا من حقك .. ولا من حق أي بشر؛ إحنا يوم ما لغينا الملكية الفردية هنا لغينا آخر صلة بتربطنا بعالم الحيوان .. الكلب هو اللي بيهْتَم بالأرض بتاعته .. أما احنا فوق ده كله .. إحنا بنشترك في كل حاجة .. وعشان كده لغينا الغيرة.
فرج : نبوية .. أنا جاي أودعك .. أنا عارف إن ضعفي غير جدير بميت حلاوة .. أنا ماشي .. حاوفَّر عليكي مهمة عقابي.
نبوية : بكل أسف موش حتقدر.
فرج (مذعورًا) : قصدك إيه؟
نبوية : إنت أصبحت خطر علينا كلنا.
فرج : مانا ماشي.
نبوية : مجرد إحساسك بالغيرة دي .. شهوة الامتلاك اللي اتولدت عندك ممكن تدمر الدنيا كلها.
فرج : مانا سايبكم.
نبوية : برضه موش ممكن .. خروجك واتصالك بالأجانب ممكن يهدد سلام حياتنا، وفي الحالة النفسية اللي انت فيها دي موش ممكن نضمن إنك تقول الكلام الصح، وتشرح الموقف كما يجب أن يكون .. ولهذا قررت …
فرج (يصرخ) : أرجوكي .. بلاش.
نبوية : قررت إنك تُراقَب.
فرج : بحق حبنا القديم .. بحق الماضي.
نبوية : الماضي قوة مدمرة .. إحنا قوة مستقبلية.
فرج (يركع على ركبتيه) : أرجوكي .. أرجوكي.
نبوية : ترجوني يعني إيه؟ العواطف الغير منطقية دي سبناها للأطفال .. إنت عارف انت بتلعب بإيه دلوقت؟ بالنار .. إنت عايز تضحي بمصائر الناس عشان عاطفة سخيفة ما لهاش مبرر.

(تَدقُّ الصَّنْج فيدخل رجلان مسلحان.)

فرج : حتعملي فيَّا إيه؟
نبوية : يوضع تحت المراقبة .. ويوضع كل ما يتصل به تحت المراقبة.

(يخرج مع الرجلين بينما تعود الموسيقى والضجيج، ويدخل الجمهور والراقصات.)

إحنا موش قلنا كفاية؟ (تخطر لها فكرة) ولَّا اسمعوا تعالوا معاي .. حنروح مشوار صغير عند القناية .. نعبَّر تعبير تلقائي عن فرحتنا بحفر القناية الجديدة .. لازم يكون شعورنا تلقائي .. حاقولكم تقولوا إيه بالضبط وتعملوا إيه بالضبط تلقائيًّا.

(يخرج الجميع بينما يدخل مكرم وسونة في تلصُّص.)

مكرم (داخلًا ومشيرًا إلى سونة أن تتبعه) : تعالي تعالي .. كلهم خرجوا.
سونة : أنا خايفة.
مكرم : تعالي بس .. لازم أورِّيكي بعض الأوراق.
سونة : وانا أفهم في الحاجات دي؟
مكرم : تفهمي ونُص .. تعالي.

(يُخرج أوراقًا من درج المكتب، ويريها لسونة.)

سونة : يا خبر .. ودا معقول؟
مكرم : آدي سر العملية.
سونة : واحنا ولا واخدين بالنا.
مكرم : المسألة كانت واضحة م الأول.
سونة : أما انت شاطر بشكل .. يا سلام يا سي مكرم .. أنا ما باشبعش من قعدتك وكلامك.
مكرم : وأنا باحب أكلمك قوي يا سونة.
سونة : تكلمني بس؟
مكرم : أكلمك وامشي معاكي وكل حاجة.
سونة : ما عُدْتِش غاويني يا سي مكرم؟!
مكرم : أصل فيه حاجة شاغلاني قوي.
سونة (بدلال) : عارفة.
مكرم : عايز أقول لك عليها بس خايف.
سونة : خايف من إيه؟
مكرم : موش عارف حتقولي عليا إيه؟
سونة : حاقول إيه يعني؟
مكرم : إنتي بتقولي إنتي عارفاها .. مش كده؟
سونة : قوللي يا سي مكرم .. والنبي.
مكرم : الغنم راحت فين؟
سونة : الغنم؟!
مكرم : تلات تلاف أربع تلاف راس غنم راحوا فين؟ هه؟ اسمعيني كويس يا سونة .. أنا منكو وعليكو صحيح .. وباحبكو موت وكل حاجة .. بس فيه حاجات .. أقول إيه؟ إزاي كل الغنم دي قدرت تهرب م البلد كدهه؟!
سونة : تهرب ازاي؟
مكرم : أمَّال راحت فين؟ ما هي لازم هربت .. بس برضه على رأيك تهرب ازاي؟ وتهرب من إيه؟ ما هي عايشة مبسوطة بتاكل وتشرب وبتنام، وبتخلف وترضع وتربِّي .. بتزيد وبتنتشر .. بتغني وتنبسط .. المراعي قدامها، والمية حواليها، والسما صافية فوقيها .. تهرب ليه؟!
ما لهاش صاحب يسأل عليها؟
سونة : دي غنم الجمعية يا سي مكرم.
مكرم : ولمَّا الغنم دي بتاعة الجمعية .. ليه الجمعية ما بتدوَّرش عليها؟ ليه ما حدش بيبلغ السلطات؟ يمكن عندهم طريقة .. إذا كانت اتسرقت يلاقوها .. إذا كانت غرقت يقولوا لنا .. بس نعرف إيه اللي حصل.
سونة : بس ده مش ممكن.
مكرم : ليه؟

(تَسمع أصوات في الخارج.)

سونة : حاسب يا سي مكرم.
مكرم : فيه إيه؟
سونة : موش عارفة .. سامعة حِس.

(يُنصتان – يسمع صوت نبوية وغريب في ضحك عالٍ.)

مكرم : دي نبوية .. وأظن غريب معاها .. تعالي نستخبَّى هنا في الأوضة دي .. خلينا نسمع حيقولوا إيه.

(يدخلان في الحاجز على المسرح – نحن نراهما بينما لا يستطيع غريب ونبوية رؤيتَهما.)

نبوية (داخلة) : زي ما بقولك.
غريب : يعني عايزة تقولي إن الأرض دي موش موجودة خالص ع الخريطة؟
نبوية : موش بالضبط .. لكن اللي موجود منها عُشر اللي موجود في الحقيقة .. إحنا اللي عملناها .. بمجهودنا وجهد أولادنا .. وطبعًا فيه مناطق لسه مرسومة ع الخريطة كجزء من النيل .. ولذلك تلاقي إن الطبيعة كمان مسئولة عن اللي حصل.
غريب : شيء مذهل.
نبوية : أبدًا .. من كام سنة كده لاحظنا إن النيل بدأ يبعد ويدِّينا أرض جديدة .. قمنا أضفناها لميت حلاوة.
غريب : من أمتع ما يمكن.
نبوية : حيث كده نشوف إذا كنا نقدر نسوِّي عمليات الضرايب المتأخرة دي .. (تضحك) إذا كان فيه ضرايب مستحقة علينا صحيح.
غريب : المسألة فيها نظر .. وممكن نتفاهم (ينظر في الساعة).
نبوية : مستعجل على إيه؟ آه .. لازم عبلة بتستنَّاك .. مبروك.
غريب : مش قادر أصبر.
نبوية : اتحكِّم في نفسك شوية امَّال .. عيب كده يا غريب بك .. إنت ضيف علينا .. ولازم تعرف إن احنا ضد الإثارة الزايدة .. زي ما انت شايف .. الناس مسالمين وهاديين وطيبين .. بيؤدوا أشغالهم في هدوء وأمانة .. عمرهم ما يشغلوا نفسهم بشئون الجمعية.
غريب : شيء مذهل.
نبوية : إيه هو اللي مذهل؟ حيلاقوا منين لجنة عليا تهتم بشئونهم بالصورة دي؟ توفر لهم الأكل مجانًا تقريبًا .. واللبس .. والأفراح .. والمغنى.
غريب : اهتمامهم بالفن ملحوظ.
نبوية : دول دايمًا يعبَّروا عن أحاسيسهم بصورة تلقائية؛ وعشان كده ما عندناش عواطف إنسانية معقدة .. لا غيرة، ولا كراهية، ولا خوف.
غريب : بس ده ضد الطبيعة البشرية.
نبوية : بالعكس .. دا هو ده اللي بيميِّز الإنسان .. أنا مثلًا لا يمكن أغير ولا أتهز من المشاعر دي .. وموش ممكن أكره أبدًا .. ولا أعرف الحنق والغيرة.
غريب : أنا لازم مختلف.
نبوية : اسمع كلامي .. أنا موش اتجوزت مكرم؟
غريب : فيه إشاعات.
نبوية : لا .. دا صحيح.
غريب : أنا متصوِّر إنه …
نبوية : وعارف إن مكرم كان معجب بسونة.
غريب : أهي دي بقى إشاعة.
نبوية : شوف اسمع أما أقولك .. أنا ما حبِّش حد يعارضني .. حتى ولو كان عايز يبسطني (بتهديد) إنت غاوي معارضة من يومك.
غريب : يا نبوية هانم.
نبوية : اتفضل .. عايز تشوف بعينك؟ (تفتح باب الحاجز على المسرح) تعالى يا مكرم .. تعالي يا سونة .. اتفضل .. كانوا بيعملوا إيه جُوَّه؟ (في حماس وعصبية) جاوبني .. قول لي .. اتكلم .. كانوا بيذاكروا؟ بيشتغلوا؟ دا مكرم اللي كان مفروض يكون مع الأنفار عند القناية .. ودي سونة اللي رسميًّا متجوزة محروس .. لكن أنا موش غيرانة .. إطلاقًا .. بالعكس .. المشاعر دي ماتت عندي تمامًا. (في هدوء) اتفضل يا غريب بك .. أنا النموذج الحي لِمَا يجب أن يكون عليه الإنسان .. الإنسان اللي لازم يسمو على كل ما يربطه بعالم الإثارة النابعة من الامتلاك .. أنا لا أمتلك مكرم ولا مكرم يمتلكني .. (كريشندو إلى النهاية) حبي له أعمق من الإثارة السطحية .. أعمق من الغيرة .. من الحنق .. من الانتقام .. وكذلك حبي لسونة .. لن تؤثر علاقتها مع جوزي على حبي لها .. أنا باحِبه .. وباحبَّها .. باحبَّها .. باحبَّها.
(ستار)

المشهد الثالث

(نفس المنظر.)

(يدخل مكرم حاملًا حقيبة ومتجهًا إلى الخارج في عزم، وخلفه نبوية تحاول أن تستبقيه.)

نبوية : أرجوك يا مكرم .. خليك لبَعد الاجتماع.
مكرم : مستحيل .. حلاقي الغنم النهارده يعني حلاقيها النهارده.
نبوية : غنم إيه بس يا مكرم؟
مكرم : حلوة غنم إيه؟ الغنم .. التلات أربع تلاف راس اللي هجِّت .. الغنم يا نبوية.
نبوية : حبيبي.
مكرم : الغنم يا حبيبتي.
نبوية : بحق حبنا.
مكرم : بحق الغنم.
نبوية : إنت اتجننت؟
مكرم : يمكن .. لكن حلاقيها النهارده .. أنا قررت أحط إيدي على السر .. الجمعية مليانة ناس مش أُمَنَا — زي ما بنقول في مصر — ناس بيستغلُّوا لايحة الجمعية والحلم اللي اتحوِّل لكابوس.
نبوية (في جدية مرعبة) : ما فيش حد عندنا مش أمين.
مكرم : والغنم؟
نبوية (تلين ثانيًا) : أرجوك يا مكرم .. إحنا لازم نخلَّص الاجتماع بسرعة؛ لإن غريب اتجوز عبلة ودخل الجمعية، وبدأ يتصل بناس كتير في ميت حلاوة.
مكرم : ما انتو حتعدلوا اللايحة عشان تسمحوا له بالدخول.
نبوية : أنا عايزاك جنبي يا مكرم .. أنا باحبك.
مكرم : يا نبوية المسألة ما تحتملش التأجيل.
نبوية : مكرم .. أرجوك.
مكرم : نبوية .. ما تقلقيش عليَّ.
نبوية : حتغيب؟
مكرم : سلامو عليكم.
نبوية (وحدها على المسرح) : السرطان اللي بيدمر خلايا الحياة .. البقعة السودة اللي بتكبر وتكبر وتكبر .. وما لهاش ظلال .. لو كان لها ظل كنت عرفت إنها حقيقية .. لو كان وراها نور كنت عرفت إنها ظل .. (تنتبه كأنها وجدت الفكرة الصائبة) تمام .. الخلية الغريبة .. الجسم الغريب وسط خلايا البدن واللي مفروض يتحارب .. مفروض نحاربه .. نلفظه .. نرفضه .. ومع ذلك بنحبه، بنستسلم له .. بنسمح له يدمرنا .. خلية ورا خلية .. (منهارة) موش ممكن أنكر .. ممكن امثِّل على الناس، على التاريخ، وعلى عقلي حتى .. لكن الحقيقة بتوجع .. جُوَّايا هنا، في كل جزء من أجزاء جسمي بتكوي زي النار .. مكرم بقى جزء مني .. عايش جُوَّاي .. مرض .. دمار .. لكن ممتع وجميل .. أنا مندهشة ازاي قدرت أعيش السنين دي كلها من غير ما أحس الإحساس ده .. من غير ما أعرف القوة الغريبة اللي جُوَّاي دي .. الكائن الجديد .. لا .. القديم .. اللي كان دايمًا موجود وغريب عليَّ .. أنا لازم أسأل نفسي النهارده أنا إيه .. موش أنا مين؟ واحنا كلنا .. إحنا إيه؟ موش احنا مين.

(يدخل إبراهيم.)

إبراهيم : ست نبوية .. أرجوكي.
نبوية : خير .. يا ابراهيم.
إبراهيم : الرجالة بره موش قادرين يستنُّوا.
نبوية : خليهم يتفضلوا.
إبراهيم : سيادتك مرهقة شوية؟
نبوية : لا أبدًا .. خليهم يتفضلوا.
إبراهيم : أنا قلت نؤجل الاجتماع لغاية ما سي مكرم يرجع، لكن الرجالة بقى .. كلهم مصممين.
نبوية (تفقد أعصابها للحظة) : عايزين الاجتماع من غير مكرم؟ من غير الروح اللي بتدِّينا الحياة .. (صارخة) هم عارفين مكرم يعني إيه؟ هم فاهمين القيمة اللي قدامهم .. الحياة اللي خلقها؟

(صمت متوتر تعود فيه إلى الهدوء.)

ومع ذلك .. خليهم يتفضلوا .. قل لهم يتفضلوا.

(يخرج إبراهيم.)

(وحدها) أنا ليه عملت كده؟ إزاي أفقد أعصابي بالصورة دي؟ وازاي حاواجه ميت حلاوة بعد كده؟ (تجفف دموعها) أنا لازم اقف على رجلي تاني .. وأقوى من الأول .. اللي جُوَّاي ده شأني أنا .. شأن فرد .. إنسان عادي .. ذات محدودة صغيرة، لكن ميت حلاوة .. الجمعية .. العمل اللي لازم نؤديه.

(تَدقُّ الصَّنْج؛ فيدخل حارسان.)

قولوا للرجالة يتفضلوا .. الاجتماع حيبدأ حالًا.

(تصلح من هندامها، وتعدل خصلة من شعرها، وتنظر إلى المرآة في يدها بينما يدخل حميد ومحروس وإبراهيم وزقزوق.)

حميد : صباح الخير يا ست نبوية .. اتفضلوا يا رجالة .. اسمحي لي أقدِّم لك …
نبوية (في عصبية) : عارفاهم كلهم.
حميد : أقصد زقزوق.
نبوية : زقزوق ناصف .. عارفاه .. بتاع الغزل والنسيج.
حميد : أصله دلوقت هو الممثل الجديد للنقابة بعد إعادة الانتخابات.
نبوية (نفس العصبية) : عارفة قلت لك.
إبراهيم : وأنا حاخد مكان فرج.
نبوية (نفس العصبية) : الناس انتخبتك؟
إبراهيم : بالإجماع.
نبوية : ما فيش حد معارض؟
إبراهيم : أقليَّة مضلِّلة.
نبوية : قصدك إيه أقليَّة؟ مين دُوْل؟ إزاي نسمح بكده؟
إبراهيم (مقدِّمًا ورقة) : أسماؤهم هنا.
نبوية : حميد .. شوف دُوْل وقول لنا إيه رأيك؟ لازم نكون حاسمين في مواجهة المعارضة .. الاجتماع بتاعنا يمكن غير قانوني عشان مكرم موش موجود .. لكن لازم نتخذ الإجراء المناسب .. (في قلق) هو مكرم غاب ليه؟ راح فين بالضبط؟ (إلى محروس) إنت مراتك فين يا محروس؟
محروس : سونة؟!
نبوية : ما انتش عارف مراتك فين؟
محروس : لازم في الغيط.
نبوية : لازم يعني إيه؟ ما تعرفش مراتك فين؟ (يعلو صوتها، ويتهدَّج) مراتك بتاعتك .. ملكك .. إزاي تسمح لها … (تضع يدها على رأسها، وتبدو عليها أمارات الإعياء الشديد).
حميد : سلامتك يا نبوية.
نبوية : لا مؤاخذة .. استمروا انتو .. أنا حابقى كويسة.

(تخرج.)

حميد : الست تعبانة شوية.
زقزوق (فجأة) : لكل إنسان دوره الذي يؤديه بأمانة، وهو ينخرط في المجتمع الكبير الذي يضم الجماعات المتباينة.
محروس : إنت بتقول إيه؟
زقزوق : دي حتة من لايحة الجمعية.
حميد : وده وقته برضه؟
زقزوق : أنا حافظ اللايحة صَم.
محروس : برافو عليك.
زقزوق : ممكن أدلي بدلوي في الدلاء؟
حميد : عايز تقول إيه؟
زقزوق : اسمحوا لي يا إخواني إني أتكلم بصفتي عضو، وأرجو أن تنبهروا لسعة علمي واطلاعي .. أنا موش شوية زي ما انتو عارفين .. صحيح أنا عامل نسيج بسيط .. ولكن بجدي واجتهادي وحفظي لللائحة وصلت للعضوية، وبصراحة الدنيا موش سايعاني من الفرحة.
محروس : خُش في الموضوع.
زقزوق : أنا رأيي ذو شقين .. (متلذذًا) عظيمة كلمة شقين دي.
محروس : أرجوك يا زقزوق .. أنا موش فاهم حاجة أبدًا.
زقزوق : أولًا .. لا بد من القضاء على الأغراب اللي هُمَّ سبب المشكلة.
حميد : ما عَدش عندنا أغراب .. مكرم أفندي اتجوز الست نبوية، وبقى واحد مننا، وغريب بك اتجوز عبلة، وأصبح عضو عامل.
زقزوق : أمَّال احنا مجتمعين ليه؟
حميد : عشان نعدِّل اللايحة.
زقزوق : لا يمكن تعديل اللائحة .. وإذا كانت الست نبوية تصر على هذا فسوف أعارضها .. بقى أنا بعد ما حفظتها تيجوا تعدِّلوها؟ لا يمكن .. أنا حاقول لغريب بك .. أنا بصراحة اتناقشت معاه، وانبهرت بعلمه زي ما انبهر هو بعلمي .. وأعتقد أن إبراهيم بيشاركني هذا الرأي.
إبراهيم : تمام .. تمام.
زقزوق : أنا ملاحظ إن الست نبوية سمحت لنفسها بعواطف دنيئة زي الغرام والغيرة والغيظ .. (بتلذذ) كلمات تبدأ بحرف الغين.
محروس : قصدك إيه؟
زقزوق : قصدي إنها عواطف دون مستوى الجمعية، وضد اللايحة .. إزاي نسمح بإن ده يحصل في ميت حلاوة؟
حميد : إنت بتتكلم كلام مالوش معنى.
زقزوق : بالعكس .. ده من اللايحة رأسًا.

(يدخل غريب لاهثًا.)

غريب : لا مؤاخذة يا رجالة .. ممكن إبراهيم شوية؟
حميد : ممكن إيه؟
غريب : ييجي معاي للدكتور .. أصل عبلة عيانة خالص .. نقلتها لفوق م الباب الورَّاني.
حميد : اتفضل.

(يخرج إبراهيم وغريب.)

زقزوق : العلاج المجاني من حق الجميع في المجتمع الذي تسوده العدالة والرفاهية.
حميد : إنت يا بني اسطوانة؟
زقزوق : يعني إيه؟
حميد : يعني بتلف تسمَّع كلام ما انتش فاهمه .. إنت عارف اللي بيحصل في ميت حلاوة النهارده؟ القلق اللي احنا شايفينه على وش الناس .. الكلام اللي بدءوا يرددوه من غير ما يفهموه .. الضرايب، والملكية، والفلوس، والحاجات دي كلها .. حاولنا سنين نجنِّبهم الكلام الكبير اللي ما منُّوش فايدة .. لكن بكل أسف .. إنت وأمثالك حيخربوها.
زقزوق : أنا وأمثالي؟
حميد : إنت وأمثالك من أنصاف المثقفين.
زقزوق : أنا نصف مثقف؟ نصف؟
حميد : فيه حاجة حصلت يا خوانا موش ممكن تنتهي على خير .. العواطف اللي انت بتتكلم عنها كان ممكن القضاء عليها لو ما كانتش الناس اتعلمت الكلمات الكبيرة بتاعتك دي.
زقزوق : الكلمات دي روح الجمعية.
حميد : وهلاكها .. حتموتها!
محروس : عبلة؟ بعد الشر.
حميد : عبلة إيه يا محروس؟ مرض عبلة ده تمثيل في تمثيل.
زقزوق : كدب يعني؟
حميد : تمثيل .. عبلة عايزة تأكِّد لنفسها مكان في البيت ده.
زقزوق : من حقها .. دا بيت الشعب .. بيت الجمعية.
حميد : وهي من الشعب .. مجرد ما دخلت واستقرِّت خلاص .. مستحيل حد يقدر يطلَّعها .. وغريب عارف إنه لو استقر هنا معاها، ومع الست نبوية ومكرم؛ حييجي اليوم اللي يبلع فيه الجمعية .. الراجل ده تعلب .. بقى انتو فاكرين إنه مقتنع إنه مافيش علينا ضرايب؟ غريب فهم الفولة من أول يوم.
زقزوق : قصدك إيه بالفولة؟
حميد : حاجات فوق عقلك .. لإنها موش في كتاب .. دلوقت يرجع إبراهيم وغريب والست نبوية يطمنونا عليها .. تأكَّدوا من كده .. أنا عايش طول عمري في ميت حلاوة، وفاهم الناس كويس .. غريب موش بس عايز يخُش معانا .. دا عايز يستقر هنا.

(يدخل غريب وإبراهيم.)

غريب : الحمد لله .. الأزمة فاتت.
إبراهيم : أنقذناها.
محروس : جبتوا الدكتور؟
إبراهيم : ما كانش فيه لزوم للدكتور.
حميد : يعني بقت كويسة، وتقدر تروَّح؟
غريب : لأ لأ لأ .. موش ممكن ننقلها دلوقت .. عايزالها وقت طويل في السرير .. في أوضتنا فوق.
حميد : هي دخلت م الباب الورَّاني، وسكنت في أوضتكم؟
زقزوق : السرعة الفائقة التي تماثلت بها للشفاء تؤكد صدق حدسنا، وتدعونا إلى تأمُّل العلاقات المتكافئة في المجتمع المثالي.
حميد : والله انت فلقتني يا زقزوق.
زقزوق : أحتج.
حميد : والست فين؟
غريب : جاية على طول.
زقزوق : أفلا يدعونا هذا إلى احتفال تلقائي من جانب الجماهير؟ أنا اتخذت قرارًا أرجوكم توافقوني عليه .. بكرة نخلِّيه عطلة رسمية احتفالًا بشفاء السيدة عبلة.

(يدخل مكرم.)

مكرم : فين نبوية؟
إبراهيم : حانده لها حالًا.

(يخرج إبراهيم.)

مكرم : ما خلَّصتوش الاجتماع؟ كويس .. أنا عايز أقول لكم حاجة مهمة جدًّا .. أنا لفِّيت على رجلي لمَّا دابوا .. ما خلِّيتش منطقة إلا زرتها .. ما خلِّتش بني آدم إلا وكلِّمته .. كنت بادوَّر على حاجة عكَّرت عليَّ حياتي هنا، وفي كل مكان.
محروس : هيه .. سبع ولَّا ضبع؟

(تدخل نبوية ووراءها غريب.)

مكرم : نبوية .. حبيبتي.
نبوية : اتأخرت يا مكرم.
مكرم : وحشتيني قوي.
نبوية : قلقت عليك خالص.
مكرم : نبوية .. اسمعيني كويس.

(زقزوق ينحاز هو وإبراهيم إلى جانب غريب بينما يدخل الرجال بالتدريج، ويقفون خلفهم.)

وانتو كمان .. اسمعوني كويس .. أنا لقيت الغنم.
غريب : مجنون.
نبوية (تبكي) : لا يا مكرم لا .. ما تقولش كده.
غريب : مكرم اتجنن.

(الرجال يرددون: اتجنن .. اتجنن.)

مكرم (صائحًا) : لقيتها بقول لكم .. فهمت الفولة .. عرفت اللي فيها.
غريب : مكرم اتجنن .. ولازم حسب اللايحة يوضع في الحجز.
نبوية : مستحيل .. مكرم مش ممكن يتحجز.
غريب : اللايحة صريحة.
نبوية : مكرم حبيبي .. مستحيل .. مستحيل.
غريب : لازم نطبَّق اللايحة .. وبصفتي عضو عامل لازم أصر على تطبيق لايحة الجمعية بحذافيرها.
نبوية : مش على مكرم .. أنا لا يمكن أسمح.
غريب : وفي نفس الوقت .. وإزاء العواطف السخيفة.
زقزوق : العواطف الدنيئة.
غريب : العواطف غير المنطقية التي تملَّكت الست نبوية .. وفي الحقيقة أثَّرت على إدارتها للجمعية لفترة طويلة .. وأدَّت إلى التخبُّط الشديد.

(وجوم.)

ليه فرج ما يضيعش؟ ليه يوضع فقط تحت المراقبة؟ بمجرد انتهاكه للايحة الجمعية؛ كان لازم يضيع .. لكن .. يا إخواني نرى أنه وُضع فقط تحت المراقبة .. ليه؟ لأن العواطف دي نفسها تدخَّلت.
الجمهور : يعيش غريب بك.
غريب : كنت باقول إنه إزاء العواطف اللي بتفسد نظام الجمعية .. وسوء الإدارة المتفشِّي في كل مكان .. فأنا أقترح عزلها.
زقزوق : وأنا أؤيد الاقتراح.
إبراهيم : غريب بك أقدر واحد على الإدارة.
الجمهور : يعيش غريب بك .. يعيش غريب بك.

(تلتصق نبوية بمكرم وهو يجفف دموعها.)

غريب : وإزاء هذا التحول الجميل .. سنعقد اجتماعًا في بيت الشعب غدًا للنظر في شئون الجمعية، وتطبيق اللائحة تطبيقًا حرفيًّا.
زقزوق (يصفق) : برافو .. برافو.
إبراهيم : يعيش غريب بك .. يعيش غريب بك.
الجمهور : يعيش .. يعيش.
مكرم (يوجه الكلام إلى الأشخاص واحدًا واحدًا) : حتعمل اجتماع يا غريب بك؟ وانتي عزلوكي يا نبوية؟ لسه بتحفظ في اللايحة يا زقزوق؟ وانت بتسقف ليه يا ابراهيم؟ وانت محتاس يا حميد؟ اعملوا اجتماع .. اعزلوا .. ضيَّعوا .. لكن أنا لقيت الغنم .. سامعينِّي؟ لقيت الغنم.
(ستار)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤