شَهْرَزَادُ بِنْتُ الْوَزِيرِ

(١) عَدْلُ شَهْرِيارَ

كانَ الْمَلِكُ «شَهْرَيَارُ» أَعْظَمَ مُلُوكِ عَصْرِهِ شَأْنًا، وَأَعَزَّهُمْ سُلْطانًا.

وَقَدْ حَكَمَ شَعْبَهَ — فِي أَوَّلِ عَهْدِهِ — حُكْمًا أَسَاسُهُ الْعَدْلُ؛ فَأَمَّنَ الْخَائِفَ، وَانْتَصَفَ لِلضَّعِيفِ مِنَ الْقَوِيِّ، وَسَهِرَ عَلَى رَاحَةِ الشَّعْبِ، وَشَجَّعَ الْعِلْمَ والْعُلَماءَ، وَلَمْ يَأْلُ جُهْدًا فِي إِسْعَادِ شَعْبِهِ؛ حَتَّى أَطْلَقُوا عَلَيْهِ لَقَبَ: «حَارِس الْعَدالَةِ».

(٢) غَدْرُ «بَهْرَمَةَ»

أَمَّا زَوْجَتُهُ «بَهْرَمَةُ»، فَكانَتْ عَلَى الْعَكْسِ مِنْهُ تَجْمَعُ بَيْنَ الْغَدْرِ وَالْخِداعِ، وَلُؤْمِ الطِّبَاعِ. وَلَمْ يَكُنْ يَعْدِلُ جَمالَ هَيْئَتِها، وَحُسْنَ صُورَتِها، إِلَّا قَبُحُ سَرِيرَتِها (خُبْثُ نِيَّتِها)، وَسُوءُ سِيرَتِها. وَقَدْ سُمِّيَتْ «بَهْرَمَةَ»، وَمَعْناها: «زَهْرَةُ الْوَرْدِ»، أَوْ «جَمَالُ الزَّهْرِ».

وَلَوْ أَنْصَفُوا لَسَمَّوْها: «شَوْكَ الْوَرْدِ» أَوْ «زَهْرَةَ الشَّرِّ». فَقَدْ أَبَى عَلَيْها لُؤْمُ طَبْعِها، إِلَّا أَنْ تَغْدِرَ بِزَوْجِها.

(٣) ظُنُونٌ وَأَوْهامٌ

وَلَمْ يَكَدْ «شَهْرِيارُ» يَتَعَرَّفُ حَقِيقَتَها، وَيَطَّلِعُ عَلَى سِرِّها، حَتَّى أَذْهَلَتْهُ الْمُفَاجَأَةُ؛ فَتَمَلَّكَهُ الْغَيْظُ، وَاشْتَدَّ بِهِ الْحُزْنُ، حَتَّى كَادَا يُسْلِمَانِهِ إِلَى الْجُنُونِ.

فَانْقَلَبَ شَخْصًا آخَرَ، عَلَى الضِّدِّ مِمَّا كانَ، وَتَحَوَّلَتْ وَدَاعَتُهُ شَراسَةً، وَحِكْمَتُهُ جَهْلًا، وَحِلْمُهُ طَيْشًا، وَعَدْلُهُ ظُلْمًا، وَرَحْمَتُهُ قَسَاوَةً، وَذَكَاؤُهُ غَباوَةً.

وَاسْتَوْلَى عَلَيْهِ الْوَهْمُ، فَخَيَّلَ إِلَيْهِ أَنَّ النِّسَاءَ كُلَّهُنَّ، مِثْلُ «بَهْرَمَةَ»: غَادِرَاتٌ، لَا عَهْدَ لَهُنَّ، وَلا وَفاءَ.

وَنَسِيَ أَنَّ طَبائِعَ النَّاسِ — رِجالًا وَنِسَاءً — تَخْتَلِفُ: فَمِنْهُمُ الطَّيِّبُ وَالْخَبِيثُ، وَالْوَفِيُّ وَالْغَادِرُ، وَالْأَمِينُ وَالْخَائِنُ، وَالْخَيِّرُ وَالشِّرِّيرُ، وَالرَّحِيمُ وَالْقاسِي.

(٤) غُولُ النِّساءِ

فَلَمْ يَكْتَفِ «شَهْرِيارُ» بِقَتْلِ «بَهْرَمَةَ»، بَلْ عَزَمَ عَلَى الِانْتِقامِ مِنْ بَناتِ جِنْسِها وَمُؤَاخَذَتِهِنَّ بِذَنْبِهَا، فَأَمَرَ وَزِيرَهُ «آزَادَ» أَنْ يَخْتارَ لَهُ — كُلَّ يَوْمٍ — فَتاةً مِنْ حِسانِ الْمَدِيْنَةِ، يَتَزَوَّجُهَا لَيْلَةً: لَيْلَةً وَاحِدَةً لا تُثَنَّى.

فَإِذا طَلَعَ الصُّبْحُ أَمَرَ «آزادَ» بِقَتْلِها؛ لِيَنْجُوَ مِنْ غَدْرِها، وَيَأْمَنَ مِنْ مَكْرِها.

وَقَدْ أَصْبَحَ لَهُ ذَلِكَ الْقانُوْنُ الْجَائِرُ شَرِيعَةً لَا يَحِيدُ عَنْها، وَلا يَتَسَمَّحُ فِي مُخَالَفَتِهَا.

فَلا غَرْوَ إِذا اسْتَوْلَى عَلَى الْأَهْلِينَ الْخَوْفُ وَالْفَزَعُ، وَتَمَلَّكَهُمُ الرُّعْبُ وَالْهَلَعُ.

وَلَا عَجَبَ إِذا أَطْلَقُوا عَلَيْهِ لَقَبَ: «غُولِ النِّسَاءِ»، بَعْدَ أَنْ كَانُوا يُطْلِقُونَ عَلَيْهِ لَقَبَ: «حَارِسِ الْعَدالَةِ.»

(٥) الشَّقِيقَتانِ

وَرَجَعَ الْوَزِيرُ «آزادُ» إِلَىَ بَيْتِهِ — ذَاتَ لَيْلَةٍ — مَحْزُونًا مَهْمُوْمًا، لَا يَدْرِي كَيْفَ يَصْنَعُ مَعَ ذَلِكَ الظَّالِمِ الْمَخْبُولِ.

وَكانَ لِـ«آزادَ» بِنْتانِ جَمِيلَتانِ، كِلْتاهُما مَعْرُوفَةٌ بِرَجَاحَةِ الْعَقْلِ وَكَرِيِمِ الْخِصَالِ. اسْمُ الْكُبْرَى: «شَهْرَزادُ»، وَاسْمُ الصُّغْرَى: «دِينارَزَادُ». وَكَانَتْ «شَهْرَزادُ» تَجْمَعُ بَيْنَ الشَّجَاعَةِ وَالْأَلْمَعِيَّةِ وَحُبِّ الْخَيْرِ.

وَقَدْ طَهَّرَ اللهُ قَلْبَها مِنَ الْأَنَانِيَّةِ، وَمَيَّزَها — فِيْما مَيَّزَها مِنْ شَرِيْفِ الْخِلالِ — بِالْإِيثارِ، فَلَمْ تُقَصِّرْ فِي مُعَاوَنَةِ الْبائِسِيِنَ، وَدَفْعِ الْأَذَى عَنِ الْمَظْلُومِينَ.

وَكَانَتْ — إِلَى ذَلِكَ — مَشْغُوفَةً بِالْقِرَاءَةِ وَالدَّرْسِ، دَائِبَةَ الِاطِّلاعِ عَلَى كُتُبِ التَّارِيخِ وَالْأَدَبِ، دَائِمَة الْبَحْثِ وَالتَّنْقِيبِ فِي سِيَرِ الْمَاضِينَ، وَأَخْبَارِ الْأَوَّلِينَ، فَلَمْ تَتْرُكْ شَيْئًا يَصِلُ إِلَيْهِ عِلْمُها مِنْ نَفَائِسِ الْكُتُبِ، إِلَّا جَلَبَتْهُ إِلَى قَصْرِها، وَحَفِظَتْ رَوَائِعَهُ فِي صَدْرِها.

(٦) حَيْرَةُ «آزادَ»

فَلَمَّا رَأَتْ أَبَاها مُسْتَسلِمًا لِهَواجِسِهِ وَأَشْجَانِهِ، مُسْتَغْرِقًا فِي هُمُومِهِ وَأَحْزَانِهِ، اقْتَرَبَتْ مِنْهُ مُستَعْطِفَةً، وَسَأَلَتْهُ مُتَلَطِّفةً، لِتَعْرِف ما حَزَنَهُ وَغَمَّهُ، وَأَقْلَقَ بَالَهُ وَأَهَمَّهُ.

فَرَوَى الْوَزِيرُ لِبِنْتِهِ قِصَّةَ «شَهْرِيارَ» وَكَيْفَ ساءَ طَبْعُهُ، وَتَغَيَّرَتْ حَالُهُ مِنَ الرَّحْمَةِ إِلَى الْقَسْوَةِ؛ فَراحَ يَفْجَعُ النَّاسَ فِي بَنَاتِهِنَّ، وَيَقْتُلُ زَوْجَاتِهِ فِي كُلِّ صَباحٍ، فَلا تَكَادُ تُشْرِقُ شَمْسُ يَوْمِهِ، حَتَّى تَغْرُبَ مَعَها شَمْسُ حَيَاةِ زَوْجَتِهِ، دُونَ أَنْ تَأْخُذَهُ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ رَحْمَةٌ وَلا شَفَقَةٌ.

(٧) ثَوْرَةُ «شَهْرَزادَ»

فَسَأَلَتْهُ «شَهْرَزادُ» مُتَعَجِّبَةً: كَيْفَ يَكُونُ هذا؟

وَمَا فَائِدَةُ الْعَقْلِ إِذا لَمْ يُنْقِذْ بَنِي الْإِنْسانِ، وَيُخَلِّصْهُمْ مِنْ صُنُوْفِ الضَّيْمِ وَالْهَوَانِ؟

أَلَيْسَ فِي الدَّوْلَةِ كُلِّها حَكِيمٌ شُجاعٌ يَبْذُلُ لَهُ النَّصْحَ، لَعَلَّهُ يَكُفُّ عَنْ هَذَيانِهِ، وَيُقْلِعُ عَنْ طُغْيَانِهِ؟

فَقالَ «آزادُ»: «لَيْسَ فِي الدُّنْيا كُلِّها مَنْ يَجْرُؤُ عَلَى نُصْحِ هذا الثَّائِرِ الْمَخْبُولِ.»

فَقالَتْ «شَهْرَزادُ»: «إِذا اجْتَمَعَ الرَّأْيُ وَالشَّجَاعَةُ لِكَائِنٍ كَانَ، تَيَسَّرَ لَهُ الصَّعْبُ وَهانَ.»

(٨) غَضْبَةُ الْوَزِيرِ

فَقالَ لَها مُتَعَجِّبًا: «كَيْفَ تَقُولِينَ؟ لَقَدْ عَجَزَ حُكَمَاءُ الدَّوْلَةِ ومُفَكِّرُوها عَنْ مُعَالَجَةِ أَمْرِهِ!»

فَقالَتْ «شَهْرَزادُ»: «لَوْ أَذِنْتَ لِي — يا أَبِي — فِي لِقَائِهِ، لَعَرَفْتُ كَيْفَ أَرْجِعُه إِلَى الصَّوَابِ، وَأَسْتَعِيدُ مَا فَقَدَهُ مِن الثِّقَةِ بِبَناتِ جِنسِي، وَأَكُفُّ عَنْهُنَّ شَرَّهُ وَأَذاهُ طُولَ الْحَياةِ.»

فَصَرَخَ الْوَزِيرُ مُفْزَّعًا مِنْ شَنَاعَةِ مَا سَمِعَ، وَقالَ: «أَيَّ هَذَيانٍ تَنْطِقِينَ؟ وَبِأَيِّ عَقْلٍ تُفَكِّرينَ؟ وَعَلَى أَيِّ هَوْلٍ تُقْدِمِينَ؟

لَقَدْ كُنْتِ — حَتَّى قُبَيْلَ هذِهِ اللَّحْظَةِ — مِثالَ التَّعَقُّلِ وَالْحِكْمَةِ.

فَما بَالُ الْحَمَاقَةِ وَالْغَفْلَةِ تَسْتَوْلِيانِ عَلَيْكِ، وتُطَوِّحَانِ بِكِ فِي مَطاوِحِ الْهَلاكِ؟»

(٩) وَاجِبُ الْقَادِرِ

فَقالَتْ لَهُ مُتَوَدِّدَةً بَاسِمَةً: «أَتُرَى — يَا أَبَتاهُ — أَنَّ مِنَ الْحَمَاقَةِ وَالْغَفْلَةِ أَنْ يَبْذُلَ الْقادِرُ جُهْدَهُ فِي مُسَاعَدَةِ الْعَاجِزِ؟ أَلَيْس مِنْ وَاجِبِ السَّابِحِ الْمَاهِرِ أَنْ يُنْقِذَ الْمِشْرِفَ عَلَى الْغَرَقِ، وَلَوْ عَرَّضَ حَيَاتَهُ لِلتَّلَفِ؟

أَلَيْسَ مِنْ وَاجِبِ الطَّبِيبِ أَنْ يُكَافِحَ الطَّاعُونَ وَالْوَبَأَ، دُونَ أَنْ يَثْنِيَهُ (يَرْجِعَهُ) عَنْ ذَلِكَ مَا يَتَعَرَّضُ لَهُ مِنَ الْمَخَاطِرِ؟

أَلَيْسَ مِنْ وَاجِبِ الْجُنْدِيِّ أَنْ يُجَابِهَ (يُوَاجِهَ) الْمَوْتَ فِي سَبِيلِ بِلادِهِ؟

فَما بَالِي أَحْرِصُ عَلَى الْحَيَاةِ؟ وَكَيْفَ أُحْجِمُ عَنْ دَفْعِ الْأَذَى عَنْ بَنَاتِ جِنْسِي، وَأَنا قادِرَةٌ عَلَى إِنْقاذِهِنَّ؟

أَلَمْ تَقُلْ لِي مِنْ قَبْلُ: «إِنَّ اللهَ فِي عَوْنِ الْإِنْسانِ، ما دامَ الْإِنْسَانُ فِي عَوْنِ غَيْرِهِ؟»

(١٠) لُغَةُ الْحَيَوانِ

فَقَالَ لَها الْوَزِيرُ: «ما أَبْلَغَ حُجَّتَكِ، وَأَعْظَمَ شَجاعَتَكِ! وَلكِنَّ أَخْوَفَ ما أَخَافُهُ عَلَيْكِ، أَنْ يُصِيبَكِ ما أَصابَ الْحِمَارَ حِينَ تَصَدَّى لِإِنْقاذِ صَاحِبِهِ الثَّوْرِ، فَجُوزِيَ عَلَى صَنِيعِهِ شَرَّ الْجَزَاءِ.»

فَقَالَتْ لَهُ مُتَعَجِّبَةً: «ما سَمِعْتُ بِهذِهِ الْقِصَّةِ مِنْ قَبْلُ! وَما أَشْوَقَنِي إِلَى سَماعِها!»

فَقَالَ «آزادُ»: «عَاشَ فِي قَدِيِمِ الزَّمانِ تَاجِرٌ مِنْ أَغْنِيَاءِ الرِّيفِ، اسْمُهُ: «عَمَّارٌ»، عَلَّمَهُ صَاحِبٌ لَهُ مِنَ الْجِنِّ لُغَةَ الْحَيَوَانِ، بَعْدَ أَنْ أَخَذَ عَلَيْهِ الْعُهُودَ وَالْمَوَاثِيقَ أَنْ يَكْتُمَ سِرَّهُ فَلا يَبُوحَ بِهِ لِكَائِنٍ كانَ، وَأَنْذَرَهُ بِالْهَلاكِ إِذَا خَالَفَ ما عاهَدَهُ عَلَيْهِ.»

(١١) شَكْوَى الثَّوْرِ

وَمَرَّ «عَمَّارٌ» — ذاتَ يَوْمٍ — فِي دَسْكَرَتِهِ، عَلَى مَقْرَبَةٍ مِنْ حِمَارٍ وَثَوْرٍ.

فَسَمِعَ الثَّوْرَ يَقُولُ لِلْحِمَارِ شَاكِيًا مُتَأَلِّمًا: «ما أَهْنَأَ بَالَكَ يَا عَزِيزِي، وَأَسْعَدَ عَيْشَكَ، وَأَقَلَّ تَعَبَكَ!

لَقَدِ اجْتَمَعَ لَكَ كُلُّ ما شِئْتَ مِنْ أَسْبابِ الرَّاحَةِ وَالطُّمَأْنِينَةِ.

فَعِنْدكَ خادِمٌ يَرْعاكَ لَيْلَ نَهارَ، وَلَا يُقَصِّرُ فِي نَظَافَتِكَ وَخِدْمَتِكَ وَجَلْبِ مَا تُحِبُّ؛ مِنْ ماءٍ عَذْبٍ، وَطَعامٍ سائِغٍ. لا يُقَدَّمُ لَكَ الشَّعِيرُ وَالْفُولُ وَالتِّبْنُ إِلَّا مُغَرْبَلًا مُنَقًّى.

وَلَيْسَ لَكَ مِنْ عَمَلٍ تُؤَدِّيهِ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ تَحْمِلَ التَّاجِرَ إِذَا أَرادَ النُّزْهَةَ.

أَمَّا أَنا، فَأَلْقَى مِنْ جالِباتِ التَّعاسَةِ وَمُنَغِّصاتِ الشَّقَاءِ، عَكْسَ ما تَلْقَاهُ أَنْتَ مِنْ جَالِباتِ الطُّمَأْنِينَةِ وَأَسْبابِ الْهَناءِ.

شَدَّ مَا اخْتَلَفَ الْقِسْمُ! وَشَتَّانَ بَيْنَ حَالَيْنا! فَأَنْتَ تَنامُ وَتَصْحُو كَما تَشاءُ!

أَمَّا أَنا فَلا يَكادُ الْفَجْرُ يَطْلُعُ حَتَّى يُوْقِظَنِي الزَّارِعُ لِجَرِّ المِحْراثِ، وَإِدارَةِ السَّاقِيَةِ أَوِ الطَّاحُونَةِ، وَما إِلَى ذَلِكَ مِنْ مُرْهِقِ الْأَعْمالِ.

فَإِذا انْقَضَى الْيَوْمُ رَجَعَتُ إِلَى الْإِصْطَبْلِ، فَلَمْ أَجِدْ مَنْ الْغِذَاءِ مَا يَكْفِيْنِي.

وَغِذَائِي — عَلَى قِلَّتِهِ — غَيرُ مَعْنِيٍّ بِنَظافَتِهِ؛ لَا يُغَرْبِلُهُ أَحَدٌ، وَلَا يُنَقِّيهِ مِمَّا عَلِقَ بِهِ مِنَ التُّرابِ وَالْمَدَرِ (قِطَعِ الطِّينِ اليَابِسِ).»

(١٢) نَصِيحَةُ الْحِمارِ

وَسَكَتَ «آزادُ» قَلِيلًا.

ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى «شَهْرَزادَ» مُسْتَأْنِفًا حَدِيثَهُ، قالَ: «وَهنا تَأَلَّمَ الْحِمارُ لِصَاحِبِهِ — كَمَا تَأَلَّمْتِ أَنْتِ لصَوَاحِبِكِ — وَقالَ لِلثَّوْرِ مَحْزُوْنًا: «شَدَّ ما حَزَنَتْنِي شَكْواكَ، وَإِنْ كُنْتُ لا أُعْفِيكَ مِنَ اللَّوْمِ، عَلَى رِضَائِكَ بِالْهَوانِ وَالضَّيْمِ، بِرَغْمِ ما وَهَبَ اللهُ لَكَ مِنْ بَسْطَةٍ فِي جِسْمِكَ، وَوَفْرَةٍ فِي قُوَّتِكَ. وَلَوْ شِئْتَ الرَّاحَةَ لَما عَزَّتْ عَلَيْكَ، وَلَنْ تُعْوِزَكَ الْحِيلَةُ إِذا أَرَدْتَ الْخَلاصَ. وَماذا عَلَيْكَ إِذا دَعَوْكَ إِلَى جَرِّ الْمِحْراثِ، فَتَصَنَّعْتَ الْمَرَضَ، وَتَظاهَرْتَ بِالضَّعْفِ، فَأَلْقَيْتَ بِجِسْمِكَ عَلَى الْأَرْضِ، كَأَنَّكَ خَائِرُ الْقُوَى، لا قُدْرَةَ لَكَ عَلَى الْعَمَلِ؟

وَماذا يَضِيرُكَ إِذا تَظاهَرْتَ بِالْجُنُونِ، وَرُحْتُ تَقْفِزُ ثَائِرًا، ضَارِبًا الْأَرْضَ بِأَرْجُلِكَ؟ وَهَيْهاتَ أَنْ يُرْغِمُوكَ عَلَى الْعَمَلِ، فِي كِلْتَا الْحالَيْنِ، مَهْما يَبْذُلُوا مِنْ جُهُودٍ».

(١٣) جَزاءُ النَّصِيحَةِ

فَشَكَرَ الثَّوْرُ لِلْحِمَارِ نَصِيحَتَهُ.

وَعاد «عَمَّارٌ» إِلَى دَارِهِ مُتَعَجِّبًا مِمَّا سَمِعَ.

ثُمَّ جاءَ الزَّارِعُ فِي صَباحِ الْيَوْمِ التَّالِي، وَأَفْضَى إِلَيْهِ بِعَجْزِ الثَّوْرِ عَنِ الْعَمَلِ لِمَرَضِهِ، فَأَدْرَكَ التَّاجِرُ أَنْ الثَّوْرِ قَدِ اسْتمَعَ إِلَى نُصْحِ الْحِمَارِ.

فَأَمَرَ الزَّارِعَ أَنْ يَحُلَّ الْحِمارَ مَكانَ صَاحِبِهِ فِي حَرْثِ الْأَرْضِ.

فَكانَ أَشْأَمَ يَوْمٍ لَقِيَهُ الْحِمارُ فِي حَياتِهِ.

وَلَمْ يَكَدِ النَّهَارُ يَنْقَضِي، حَتَّى عادَ الْحِمارُ الْمِسْكِينُ إِلَى زَرِيبَتِهِ، خَائِرَ الْعَزْمِ، مُحَطَّمَ الْأَعْصابِ، يَحْسَبُهُ مَنْ رَآهُ نِصْفَ مَيِّتٍ، أَوْ نِصْفَ حَيٍّ.

(١٤) سِكِّينَةُ الْجَزَّارِ

وَلَمْ يَكَدِ الْحِمارُ يَعُودُ إِلَى الْإِصْطَبْلِ، حَتَّى سَأَلَ الثَّوْرَ: «كَيْفَ أَنْتَ الْيَوْمَ؟»

فَأَجابَهُ رَاضِيًا مَسْرُورًا: «لَقَدْ أَرَحْتَنِي مِنْ الْعَمَلِ طُولَ الْيَوْمِ، فَمَا أَدْرِي كَيْفَ أَشْكُرُكَ عَلَى نَصِيحَتِكَ الْبارِعَةِ؟»

فَسَأَلَهُ الْحِمارِ وَقَدْ تَمَلَّكَهُ الْحُزْنُ، وَاشْتَدَّ بِهِ الضِّيقُ: «فَماذا أَنْتَ صَانِعٌ غَدًا؟»

فَقالَ الثَّوْرُ: «لَقَدْ رَأَيْتُ — فِي نَصِيحَتِكَ الثَّمِينَةِ — خَيْرَ وَسِيلَةٍ لِهَناءَتِي وَراحَتِي. وَلَنْ أُخالِفَ لَكَ رَأْيًا بَعْدَ الْيَوْمِ.»

فَقالَ الْحِمارُ: «إِنَّ مَحَبَّتِي لَكَ تَحْتِمُ عَلَيَّ أَنْ أُبَصِّرَكَ بِمَواطِنِ الْأَخْطارِ، قَبْلَ أَنْ تَتَعَرَّضَ لَها، فَقَدْ آذَيْتُكَ مِنْ حَيْثُ أَرَدْتُ أَنْ أَنْفَعَكَ!»

فَسَأَلَهُ الثَّوْرُ مُتَعَجِّبًا: «كَيْفَ تَقُولُ آذَيْتَنِي؟ لَقَدْ أَرَحْتَنِي وَأَسْعَدْتَنِي!»

فَقالَ الْحِمَارُ: «لَقَدْ سَمِعْتُ مَالِكنَا التَّاجِرَ، يَقُولُ لِحَارِسِنا الزَّارِعِ: «إِذا لَمْ يُشْفَ الثَّوْرُ مِنْ مَرَضِهِ غَدًا، فَاسْتَدْعِ لَهُ الْجَزَّارَ لِيَذْبَحَهُ، لِنَنْتَفِعَ بِلَحْمِهِ، قَبْلَ أَنْ يَشْتَدَّ بِهِ الْمَرَضُ فَيَمُوتَ.»

فَارْتَعَبَ الثَّوْرُ مِمَّا سَمِعَ، وَأَقْبَلَ عَلَى صَاحِبِهِ يَلْتَمِسُ مِنْهُ النَّصِيْحَةَ لِلْخُرُوجِ مِنْ هَذَا الْمَأْزِقِ.

فَقالَ الْحِمارُ: «الرَّأْيُ عِنْدِي أَنْ تَعُودَ إِلَى سَابِقِ عَهْدِكَ، فَتُقْبِلَ عَلَى الطَّعَامِ بِشَهِيَّةٍ، وَتْنشَطَ إِلَى عَمَلِكَ فِي صَباحِ الْغَدِ؛ حَتَّى تَأْمَنَ سِكِّينَةَ الْجَزَّارِ.»

فَشَكَرَ الثَّوْرُ لِلْحِمَارِ نَصِيحَتَهُ، وَلَمْ يَتَرَدَّدْ فِي قَبُولِهَا.

(١٥) عِنادُ الزَّوْجَةِ

وَسَمِعَ «عَمَّارٌ» حِوَارَهُما — وَهُوَ جَالِسٌ مَعَ زَوْجَتِهِ «نَوَارَ»، فَلَمْ يَتَمالَكْ أَنِ اسْتَغْرَقَ فِي الضَّحِكِ، مُتَعَجِّبًا مِنْ حِيلَةِ الْحِمارِ، وَغَفْلَةِ الثَّوْرِ.

فَسَأَلَتْهُ «نَوَارُ»: «مِمَّ تَضْحَكُ يا عَمَّارُ؟»

فَقالَ لَها: «ذَكَرْتُ شَيْئًا فَضَحِكْتُ.»

فَأَلَحَّتْ عَلَيْهِ فِي السُؤَالِ، لِيُخْبِرَها بِجَلِيَّةِ الْأَمْرِ.

فَقالَ لَها: «إِنَّهُ سِرٌّ اسْتَوْدَعَنِيهِ صاحِبٌ لِي قَدِيمٌ مِن الْجِنِّ، لا يَسَعُنِي مُخالَفَتُهُ.

وَقَدْ أَنْذَرَنِي بِالْهَلاكِ الْعَاجِلِ إِذا بُحْتُ بِسِرِّهِ لِأَيِّ إِنْسانٍ، أَوْ أَطْلَعْتُ عَلَيْهِ كَائِنًا كَانَ.»

وَهُنَا الْتَفَتَ «آزادُ» إِلَى فَتَاتِهِ «شَهْرَزادَ»، وَهُوَ يَقُولُ: «كَانَتْ «نَوارُ» مُتَشَبِّثَةً بِرَأْيِهِا.

وَلَمْ تَكُنْ أَقَلَّ مِنْكِ إِصْرارًا وَعِنادًا، فَأَبَتْ إِلّا أَنْ تُرْغِمْ «عَمَّارًا» عَلَى الْإِفْضاءِ لَها بِسِرِّهِ، مُهما تَكُنِ الْعَواقِبُ.

وَاسْتَدْعَى الزَّوْجَانِ أَقارِبِهُما الْأَدْنَيْنَ، واحْتَكَما إِلَيْهِمْ، فَأَجْمَعُوا عَلَى خَطَأِ «نَوارَ».

فَلَمْ تُذْعِنُ لِحُكْمِهِمْ، وَتَرَكَتْهُمْ مُغْضَبَةً حانِقَةً، وَأَقْفَلَتْ بَابَ حُجْرَتِهَا عَلَيْها.

(١٦) حِوارُ الدِّيكِ

وَخَرَجَ «عَمَّار» إِلَى دَسْكَرَتِهِ، لَيُرَفِّهَ عَنْ نَفْسِهِ.

وَكانَ فِي فِنائِها دِيكٌ وَخَمْسُونَ دَجاجَةً. وَكانَ يَجْلِسُ عَلَى مَقْرَبَةٍ مِنْها كَلْبُهُ الْأَمِينُ، فَرَأَى الدِّيكَ يَنْقُرُ إِحْدَى دَجاجاتِهِ، ثَائِرًا مُغْتَاظًا.

وَسَمِعَ الْكَلْبَ يَنْهَاهُ عَنْ قَسْوَتِهِ، وَيَلُومُهُ عَلَى شَرَاسَتِهِ قَائِلا: «ما أجْدَرَكَ أَنْ تَقْتَدِيَ بِأَخْلاقِ مَالِكِنا «عَمَّارٍ» الَّذِي يَتَرَفَّقُ بِنا، وَلا يَقْسُو عَلَيْنا، وَلَوْ أَسَأْنا.»

فَلا يَكادُ الدِّيكُ يَسْتَمِعُ إِلَى نَصِيحَةِ الْكَلْبِ حَتَّى يَسْخَرَ مِنْهُ قَائِلًا: أَتُرِيدُنِي عَلَى أَنْ أَقْتَدِي ﺑ«عَمَّارٍ» فِي لِينِهِ وَضَعْفِهِ!

أَيْنَ عَجْزُهُ مِنْ قُوَّتِي، وَاسْتِكانَتُهُ مِنْ جُرْأَتِي؟

إِنَّنِي أَسُوسُ — بِحَزْمِي — خَمْسِينَ دَجَاجَةً، لَا تَجْرُؤُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ عَلَى عِصْيَانِي.

أَمَّا «عَمَّارٌ» فَيَعْجَزُ عَنْ سِيَاسَةِ «نَوارَ» وَحْدَها، وَيَقِفُ حَائِرًا مَكْتُوَفَ الْيَدَيْنِ أَمامَ حَمَاقَتِها وَعِنادِهَا، وَلا يُبَالِي أَنْ يَهْلِكَ فِي سَبِيلِ إِرْضاءِ فُضُولِها.

وَلَوْ أَنَّنِي كُنْتُ مَكانَهُ، لَعَرَفْتُ كَيْفَ أُقَوِّمُ اعْوِجاجَها!»

فَقالَ الْكَلْبُ: «وَماذا كُنْتَ تَصْنَعُ يا عَزِيزِي الدِّيك؟»

فَقالَ الدِّيكُ: «كُنْتُ أُلْقِي عَلَيْها دَرْسًا قَاسِيًا لا تَنْسَاهُ، وَلا تُمْحَى مِنْ قَلْبِها ذِكْراه!»

فَقالَ الْكَلْبُ: «فَماذا كُنْتَ صَانِعًا؟»

فَقالَ الدِّيكُ: «كُنْتُ أَهْرِيها (أَضْرِبُها بِالْهِراوَةِ، وَهِيَ الْعَصا الْغَلِيظَةُ)، حَتَّى تَثُوبَ إِلَى رُشْدِها، وَتَكُفَّ عَنْ عِنادِها، وَلا تَعُودَ — بَعْدَ ذَلِكَ — إِلَى مِثْلِها.»

فَقالَ الْكَلْبُ: «بِئْسَ ما رَأَيْتَ يَا صاحِبِي، إِذْ تُداوِي الْخَطَأَ بِخَطَأ مِثْلِهِ، وَتَدْفَعُ الْسَّيِّئَةَ بِسَيِّئَةٍ مِثْلهَا! إِنَّمَا يُداوَى الْخَطَأُ بِالصَّوَابِ، وَتُدْفَعُ الْإِسَاءَةُ بِالْإِحْسانِ.

وَلَنْ يُعْوِزَ «عَمَّارًا» — وَهُوَ رَاجِحُ الْعَقْلِ، بِارِعُ الحِيلَةِ — أَنْ يَخْرُجَ مِنْ هَذا الْمَأْزِقِ، دُوْنَ أَنْ يُعَرِّضَ حَيَاتِهِ لِلتَّلَفِ، أَوْ يُسِيءَ إِلَى زَوْجَتِهِ.»

(١٧) سرُّ الْجِنِّيِّ

لَمْ يَكَدْ «عَمَّارٌ» يَسْتَمِعُ إِلَى هذا الْحِوارِ، حَتَّى لَاحَتْ لَهُ بِارِقَةٌ فِي الْخَلاصِ مِنْ وَرْطَتِهِ.

فَدَخَلَ الْحُجْرَةَ، فَحَيَّا «نَوارَ» وَهُوَ مُطْرِقٌ عَابِسٌ، كَأَنَّما يُفَكِّرُ فِي خَطَرٍ دَاهِمٍ.

ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى «نَوارَ»، وَهُوَ يَقُولُ فِي لَهْجَةٍ تَجْمَعُ بَيْنَ الْحَيْرَةِ وَالْأَسَفِ، وَتَبْعَثُ الرُّعْبَ فِي الْقُلُوبِ: «هَلُمِّي يا «نَوارَ»، لِأُطْلِعَكِ عَلَى السِّرِّ الْخَطِيرِ الَّذِي اسْتَوْدَعَنِيهِ الْجِنِّيُّ، وَنَهانِي عَنْ إِذَاعَتِهِ. هَلُمِّي وَلا تُبْطِئِي فِي إِعْدَادِ الْكَفَنِ، قَبْلَ بَدْءِ الْحَدِيْثِ؛ فَلَنْ أَلْفِظَ آَخِرَ حَرْفٍ مِنْهُ حَتَّى أَلْفِظَ آخِرَ نَفَسٍ مِنْ أَنْفاسِ الْحَياةِ مَعَهُ.»

فَلَمَّا رَأَتْهُ جَادًّا فِي طَلَبِ الْكَفَنِ سَرَتِ الرِّعْدَةُ فِي جِسْمِها، وَسَأَلَتْهُ مُضْطَرِبَةً: «وَمَنِ الَّذِي يَقْتُلُكَ؟»

فَقالَ: «وَهَلْ يَقْتُلُنِي غَيْرُ الْجِنِّيِّ الَّذِي اسْتَوْدَعَنِي سِرَّهُ؟»

فَنَظَرَتْ إِلَيْهِ «نوار» تُسَائِلُهُ مُتَحَيِّرَةً: «كَيْفَ؟ … وَهَلْ يَحْضُرُ الْجِنِّيُّ إِلَيْنا؟ وَلِماذا؟»

فَأَجابَها «عَمَّارٌ»، وَقَدْ جازَتْ عَلَيْها حِيلَتُهُ: «إِنَّما يَقْتُلُنِي الْجِنِّيُّ جَزاءَ مُخَالَفَتِي عَهْدَهُ!»

وَلا تَسْأَلِي عَمَّا اسْتَوْلَى عَلَيْها مِنَ الْفَزَعِ حِينَ تَمَثَّلَتِ الْجِنِّيَّ قَادِمًا، وَهُوَ يَهُمُّ بِقَتْلِ زَوْجِها أَمامَها، ثُمَّ لا يَلْبَثُ أَنْ يَقْتُلَها هِيَ أَيْضًا.

فَأَقْبَلَتْ «نَوارَ» عَلَى زَوْجِها «عَمَّارٍ» نَادِمَةً مُتَحَسِّرَةً، تَائِبَةً مِنْ ذَنْبِها مُسْتَغْفِرَةً، مُتَوَسِّلَةً إِلَيْهِ أَنْ يَحْتَفِظَ بُسرِّ الْجِنِّيَّ، فَلا يَبُوحَ بِهِ لِأَحَدٍ.

وَلَمْ يَكَدْ «آزادُ» يَنْتَهِي مِنْ قِصَّتِهِ، حَتَّى الْتَفَتَ إِلَى «شَهْرَزادَ» قَائِلًا: «لَقَدْ بَحَثْتُ عَنْ حِيلَةٍ أُخَوِّفُكِ بِها، كَما احْتَالَ «عَمَّارٌ» عَلَى زَوْجَتِهِ، فَلَمْ أَهْتَدِ إِلَى شَيْءٍ. فَما أَنْتِ مِمَّنْ تَجُوزُ عَلَيْهِ الْأَوْهامُ، كَمَا جازَتْ عَلَى تِلْكِ الْمَرْأَةِ الْغَافِلَةِ نَوارَ.»

(١٨) الْغَزالَةُ وَالْأَسَدُ

فَقَالَتْ «شَهْرَزادُ»: «قَرَّ عَيْنًا يا أَبَتاهُ، فَلَنْ يُصِيبَنِي مَكْرُوهٌ إِنْ شاءَ اللهُ.

وَلَنْ أَكُونَ كَالْحِمارِ الَّذِي أَشْقَى نَفْسَهُ، وَعَجَزَ عَنْ إِنْقاذِ صَاحِبِهِ؛ وَلا مِثْلَ «نَوارَ» الَّتِي أَقْحَمَتْ نَفْسَها فِيما لا يَعْنِيها.

إِنَّما أَكُونُ كَالْغَزالَةِ الَّتِي خَلَّصَتْ — بِحِيلَتِها — بَناتِ جِنْسِها، مِنَ الْأَسَدِ، وَأَنْقَذَتْهُنَّ مِنَ الْهَلاكِ.»

فَسَأَلَهَا «آزادُ»: «وَكَيْفَ كانَ ذَلِكِ؟»

فَقالَتْ «شَهْرَزادُ»: «عَاشَ فِي قَدِيمِ الزَّمانِ جَماعَةٌ مِنَ الْغِزْلانِ، فِي رَاحَةٍ وَأَمْنٍ وَاطْمِئْنَان.

ثُمَّ وَفَدَ عَلَيْهِنَّ أَسَدٌ، فَأَشْقَاهُنَّ، وَنَغَّصَ عَيْشَهُنَّ. فَاجْتَمَعَ رَأْيُهُنَّ عَلَى أَنْ يَتَوَجَّهْنَ إِلَيْهِ بِاقْتِراحٍ، إِذَا رَضِيَ بِهِ أَمَّنَهُنَّ.

وَكُنَّ قَدْ أَجْمَعْنَ عَلَى أَنْ يَقْتَرِعْنَ — كُلَّ يَوْمٍ — فِيما بَيْنَهُنَّ، ثُمَّ يَبْعَثْنَ بِمَنْ تَقَعُ عَلَيْها الْقُرْعَةُ — فِي صُحْبَةِ رَسُولِ مِنْهُنَّ — لِتَكُونَ طَعامَ الْأَسَدِ طُولَ يَوْمِهِ.

فَابْتَهَجَ الْأَسَدُ لِاقْتِراحِهِنَ … وَدَاوَمْنَ عَلَى ذَلِكَ أَيَّامًا. ثُمَّ وَفَدَتْ عَلَيْهِنَّ — مِنْ بَعْضِ الْوِدْيانِ الْقَرِيبَةِ — غَزالَةٌ ذَكِيَّةٌ.

وَلَمَّا عَلِمَتْ قِصَّتَهُنَّ مَعَ الْأَسَدِ سَخِرَتْ مِنْهُنَّ، مُتَعَجِّبَةً مِنْ عَجْزِهِنَّ، وَسُوءِ رَأْيِهِنَّ.

وَقالَتْ لَهُنَّ فِيما قَالَتْ: «لَقَدِ اسْتَوْلَى الْخَوْفُ عَلَى قُلُوبِكُنَّ، فَهَرَبْتُنَّ إِلَى الْمَوْتِ، خَوْفًا مِنَ الْمَوْتِ.»

فَقُلْنَ لَها: «فَكَيْفَ نَتَّقِي بَطْشَ الْأَسَدِ، وَأَيُّ حِيلَةٍ تُشِيرِينَ بِها عَلَيْنا يَا أُخْتَنا الْغَزالَة، لِنَسْتَجْلِبَ رِضَاهُ، أَوْ نَكُفَّ عَنَّا أَذاهُ؟»

فَقَالَتْ لَهُنَّ: «لا تَبْعَثْنَ إِلَيْهِ غَدًا بِأَحَدٍ غَيْرِي؛ لَعَلِّي أَبْلُغُ بِحِيلَتِي ما لا يَبْلُغُهُ الْأَسَدُ بِقُوَّتِهِ.»

(١٩) حِيلَةُ الْغَزالَةِ

فَلَمَّا جاءَ الْغَدُ ذَهَبَتْ إِلَيْهِ الْغَزَالَةُ وَحْدَها مُتَباطِئَةً، فَلَمْ تَصِلْ إِلَى عَرِينِهِ (بَيْتِهِ) إِلَّا بَعْدَ أَنْ تَمْلَّكَهُ الْغَضَبُ، وَلَوَّعَهُ الْجُوعُ.

وَلَمْ يَكَدِ الْأَسَدُ يَرَاها حَتَّى سَأَلَها: «لِماذا تَأَخَّرْتِ عَنْ مَوْعِدِ الْغَداءِ؟»

فَقالَتْ لَهُ: «لَقَدْ حَدَثَ الْيَوْمَ — يَا مَوْلَاي — ما لَمْ يَكُنْ فِي الْحُسْبانِ؛ فَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ صَوَاحِبِي بِغَزالَة مَعِي لِتَأْكُلَها. وَلَمْ أَكَدْ أَبْلُغُ مُنْتَصَفَ الطَّرِيقِ، حَتَّى لَقِيَنِي أَسَدٌ فِي مِثْلِ سَطْوَتِكَ وَقُوَّتِكَ.

وَحَاوَلَ أَنْ يَغْتَصِبَ الْغَزَالَةَ مِنِّي، فَحَذَّرْتُهُ بَطْشَكَ وَانْتِقامَكَ، فَشَتمَنِي وَشَتَمَكَ، وَكَادَ يَفْتِكُ بِي، فَهَرَبْتُ إِلَيْكَ، مُسْتَنْجِدَةً بِكَ.»

فَانْخَدَعَ الْأَسَدُ بِحِيلَتِهَا، وَسَأَلَهَا: «أَيْنَ مَكانُ هذا الْغَاصِبِ السَّفِيهِ؟»

فَمَشَتِ الْغَزَالَةُ وَالْأَسَدُ يَتْبَعُها، حَتَّى بَلَغا عَيْنَ مَاءٍ عَمِيقَةً صَافِيَةً.

وَنَظَرَ الْأَسَدُ فَرَأَى خَيَالَهُ وَخَيَالَها فِي الْماءِ، فَأَيْقَنَ صِدْقَ مَا حَدَّثَتْهُ بِهِ.

وَقَفَزَ عَلَى ظِلِّهِ غَاضِبًا لِيَفْتِكَ بِصَاحِبِهِ، فَغَرِقَ فِي الْحالِ.

وَنَجَتِ الْغَزَالَةُ وَصَوَاحِبُهَا، بِفَضْلِ رَجَاحَةِ عَقْلِها، وَبَرَاعَةِ حِيلَتِها.

وَلَنْ يَكُوْنَ «شَهْرِيارُ» أَقْوَى صَوْلَةً مِنَ الْأَسَدِ، وَلا «شَهْرَزادُ» أَقَلَّ شَجاعَةً مِنَ الْغَزَالَةِ.

(٢٠) حُجَّةٌ مُقْنِعَةٌ

وَإِذا كَانَتِ الْغَزالَةُ قَدِ اسْتَطاعَتْ أَنْ تُغْرِقَ — بِحِيلَتِها — غُولَ الْوُحُوشِ فِي الْماءِ، فَإِنِّي قَادِرَةٌ إِنْ شاءَ اللهُ عَلَى إِغْراقِ غُولِ النِّساء فِي عُبابٍ (سَيْلٍ) مِنَ السِّحْرِ، يَمْلَأُ قَلْبَهُ رَحْمَةً وَحَنَانًا، وَيُبَدِّلُهُ بِقَسْوَتِهِ وَبَطْشِهِ أَمْنًا لصَواحِبي وَاطْمِئْنَانًا.

وَلَيْسَ يَخْفَى عَلَى فِطْنَتِكَ — يَا أَبَتِ — أَنَّ ما يُبْدِيهِ «شَهْرِيارُ» مِنْ قَسْوَةٍ وَعُنْفٍ، لَيْسَ مَرْجِعُهُ إِلَى طَبْعٍ لَئِيمٍ، بَلْ هِيَ لُوثَةٌ مِنَ الْخَبالِ الْعَارِضِ فَاجَأَتْهُ، حِينَ غَدَرَتْ بِهِ زَوْجَتُهُ وَخَانَتْهُ.

وَلَوْ أَنَّهُ لَقِيَ نَاصِحًا أَمِينًا، شُجَاعًا حَكِيمًا، يَضْرِبُ لَهُ بِارِعَ الْأَمْثالِ، لَنَفَعَهُ بِنُصْحِهِ وَهِدَايَتِهِ.

وَلَعَلَّهُ لَوْ عَثَرَ عَلَى الْمَرْأَةِ الْوَفِيَّةِ الرَّاشِدَةِ لَسَكَنِ إِلَيْها، وَأَنِسَ بِها، وَعادَ سِيرَتَهُ الْأُولَى مِنْ رَحْمَةٍ وَإِحْسانٍ، وَعَدْلٍ وحَنَانٍ.

وَلَنْ تَعْجِزَ الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ، وَالْمَوْعِظَةُ الْحَسَنَةُ، عَنْ شِفاءِ مَرِيضِ النَّفْسِ مِنْ دَائِهِ، إِذَا وَفَّقَنِي اللهُ إِلَى تَصْوِيرِهِما لَهُ، فِي أُسْلُوبٍ قَصَصِيٍّ مُمْتِعٍ جَذَّابٍ، وَعَرْضِهِما عَلَيْهِ فِي مَعْرِضٍ بَارِعٍ أَخَّاذٍ.»

وَما زالَتْ «شَهْرَزادُ» تُحاوِرُ أَباها، حَتَّى أَقْنَعتْهُ بِسَدادِ حُجَّتِها، وَصِحَّةِ رَأْيِهَا.

(٢١) زَواجُ «شَهْرَزادَ»

فَذَهَبَ «آزادُ» إِلَى مَلِيِكِهِ وَرَفَعَ إِلَيْهِ رَغْبَةَ بِنْتِهِ «شَهْرَزادَ» فِي تَزَوُّجِهِ.

وَلا تَسَلْ عَنْ دَهْشَةِ الْمَلِكِ مِمَّا سَمِعَ؛ فَقَدِ الْتَفَتَ إِلَى وَزِيرِهِ مُتَحَيِّرًا، وَقالَ: «أَلَسْتَ عَارِفًا بِمَصِيرِ ابْنَتِكَ بَعْدَ الزَّوَاجِ؟

أَلا تَعْلَمُ أَنَّنِي آمِرُكَ بِقَتْلِها غَدًا، كَما أَمَرْتُكَ بِقَتْلِ غَيْرِها مِنْ قَبْلُ؟»

وَدَارَ بَيْنَهُما حِوَارٌ طَوِيلٌ، انْتَهَى بِقَبُولِ الْمَلِكِ زَواجَها، بَعْدَ أَنْ أَنْذَرَ أَباها بِإِهْلاكِها، كَما أَهْلَكَ مَنْ سَبَقْنَها.

أَمَّا «شَهْرَزادُ» فَقَدْ فَرِحَتْ بِتَحْقِيقِ أُمْنِيَّتِها، وَلَمْ تُضِعْ وَقْتَهَا؛ فَنَادَتْ «دِينارَزادَ» أُخْتَها، وَقَالَتْ لَها: «إِنِّي مُقْدِمَةٌ — يا أُخْتاهُ — عَلَى أَمْرٍ جَسِيمٍ، لِتَحْقِيقِ غَايَةٍ نَبِيلَةٍ. وَسَيَكُونُ لِي — فِي بَرَاعَتِكِ — مَخْلَصٌ مِنْ هذا الْمَأْزِقِ وَنَجاةٌ.»

ثُمَّ أَفْضَتْ إِلَيْها بِدِخْلَتِها، وَأَطْلَعَتْها عَلَى تَفْصِيلِ خُطَّتِها.

(٢٢) حِيلَةٌ بارِعَةٌ

وَلَمْ يَكَدْ «شَهْرِيارُ» يَرَاهَا حَتَّى بَهَرَهُ جَمَالُهَا وَثَباتُها.

وَلَمْ يَكَدْ يَتَحَدَّثُ إِلَيْها حَتَّى تَبَيَّنَ لَهُ رَجَاحَةُ عَقْلِها، وَأَصَالَة رَأْيِها، فَهَشَّ لَها وَبَشَّ.

فَانْتَهَزَتِ الْفُرْصَةَ، وَقَالَتْ لَهُ: «ما أَسْعَدَنِي بِما ظَفِرْتُ بِهِ مِنْ شَرَفٍ لا يُدَانِيهِ شَرَفٌ، إِذْ أَتاحَ لِيَ الْحَظُّ السَّعِيدُ أَنْ أَمْثُلَ فِي حَضْرَةِ مَلِكِ الْمُلُوكِ!

وَلَيْسَ لِي — بَعْدَ أَنْ ظَفِرْتُ بِهذا الشَّرَفِ — إِلِّا أُمْنِيَّةٌ، ما أَظُنُّ مَلِيكِي الْعَظِيمَ يَضِنُّ عَلَيَّ بِتَحْقِيقِها.»

فَسَأَلَها عَمَّا تُرِيدُ، فَقَالَتْ لَهُ مُتَوَدِّدَةً: «إِنَّ لِي أُخْتًا لا أُطِيقُ فِرَاقَها. فَهَلْ يَأْذَنُ الْمَلِيكُ فِي إِحْضارِها إِلَى قَصْرِهِ لِأَنْعَمَ بِرُؤْيَتِها وَالْحَدِيثِ إِلَيْها فِي آخِرِ لَيْلَةٍ مِنْ عُمْرِي؟»

فَلَمْ يَتَرَدَّدِ الْمَلِكُ فِي إِجَابَةِ مُلْتَمَسِها الْهَيِّنِ الْيَسِيرِ. وَكانَتْ «شَهْرَزادُ» — كَما قُلْتُ لَكَ — قَدْ رَسَمَتْ لِأُخْتِهَا: «دِينارَزادَ» طَرِيقَ النَّجاةِ مِنْ بَطْشِ صَاحِبِها، فَأَوْصَتْها — فِيما أَوْصَتْها بِهِ — أَنْ تُوقِظَها مِنَ النَّوْمِ قُبَيْلَ الْفَجْرِ، تَسْأَلُهَا أَنْ تَقُصَّ عَلَيْها شَيْئًا مِنْ قِصَصِها الْمُمْتِعَةِ، لِتَنْعَمَ بِحَدِيثِها، فِي آخِرِ لَيْلَةٍ مِنْ حَياتِها.

وَلَمَّا أَشْرَفَ اللَّيْلُ عَلَى نِهايَتِهِ، وَلَمْ يَبْقَ عَلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَّا سَاعَةٌ وَاحِدَةٌ، أَيْقَظَتْ «دِينارَزادُ» أُخْتَها «شَهْرَزادَ»، وَهِي تَقُولُ: «إِذا لَمْ تَكُنْ أُخْتِي الْعَزِيزَةُ نَائِمَةً رَجَوْتُها أَنْ تَقَصَّ عَلَيَّ رَائِعَةً مِنْ قَصَصِها الشَّائِقِ الْمُبْدِعِ، الْحَبِيبِ إِلَى كُلِّ نَفْسٍ، قَبْلَ أَنْ تُفَارِقَنِي إِلَى غَيْرِ عَوْدَةٍ، وَأُحْرَمَ — إِلَى الْأَبَدِ — سَماعَ صَوْتِها الْحَنُون.»

فَأَجابَتْها «شَهْرَزادُ»: «ما أَسْعَدَنِي بِتَلْبِيَةِ رَجائِكِ — يا أُخْتَاهُ — إِذا أَذِنَ لَنا فِي ذَلِكِ مَلِيكُنا الْعَظِيمُ.»

فَلَمْ يَتَرَدَّدْ «شَهْرِيارُ» فِي إِجَابَةِ مُلْتَمَسِها.

فَانْتَهَزَتْ هذِهِ الْفُرْصَةَ الْمُوَاتِيَةَ، فَرَاحَتْ تَقُصُ عَلَيْهِ أَمْتَعَ قَصَصِ الْحَياةِ.

وَأَدْرَكَ «شَهْرَزادَ» الصَّباحُ، وَلَمْ تَكُنْ قَدْ أَتَمَّتْ قِصَّتهَا الْجَذَّابَةَ؛ فَاضْطُرَّ الْمَلِكُ أَنْ يُؤَجِّلَ قَتْلَهَا إِلَى اللَّيْلَةِ الْقادِمَةِ، حَتَّى يَسْتمِعَ إِلَى خِتامِ الْقِصَّةِ وَيَتَعَرَّفَ نِهايَتهَا.

وَفِي اللَّيْلَةِ التَّالِيَةِ صَنَعَتْ «شَهْرَزادُ» ما صَنَعَتْهُ فِي لَيْلَتِها الْماضِيَةِ.

وَهكَذا كانَتْ «شَهْرَزادُ» تَعْمِدُ — كُلَّ لَيْلَةٍ — إِلَى قَطْعِ حَدِيثِها فِي مَوَاقِفَ جَذَّابَةٍ مِنْ قِصَصِها، لِتُرْغِمَهُ عَلَى الْإِبْقاءِ عَلَى حَياتِها إِلَى لَيْلَةٍ قَادِمَةٍ، رَيْثَما تُتِمُّ الْقِصَّةَ.

وَما زالَتْ تَنْقُلُ الْمَلِكَ مِنْ فِتْنَةٍ إِلَى فِتْنَةٍ، وَمِنْ إِبْدَاعٍ إِلَى إِبْدَاعٍ، فِي أُسْلُوبٍ قَصَصِيٍّ رَائِعٍ جَذَّابٍ، حَتَّى انْقَضَى عَلَى زَواجِهِما أَلْفُ لَيْلَةٍ وَلَيْلَةٌ.

وَكَانَتْ قَدْ أَنْجَبَتْ مِنْهُ فِي أَثْنَائِها وَلَدَيْنِ، وَاسْتَوْلَتْ عَلَى إِعْجابِهِ وَثِقَتِهِ؛ بِما آتاها اللهُ مِنْ أَصَالَةِ حِكْمَةٍ، وَرَجاحَةِ عَقْلٍ، وَصِدْقِ وَفاءٍ.

فَلَمْ يُطِقْ فِراقَها، وَعاشَ مَعَها أَسْعَدَ عِيشَةٍ.

(٢٣) خَاتِمَةُ الْقِصَّةِ

وَكانَتْ هذِهِ الْحِيلَةُ الْبارِعَةُ سَبَبًا فِي خَلاصِها وَخَلاصِ بَناتِ جِنْسِها مِنَ الْهَلاكِ.

وَهكَذا تَمَّ لَها التَّوْفِيقُ، فَحَسَّنَتْ رَأْيَهُ فِي النِّساءِ، بِمِقْدَار ما قَبَّحَتْ «بَهْرَمَةُ» رَأْيَهُ فِيهِنَّ. وَعادَ «شَهْرِيارُ» إِلَى عَدْلِهِ وَإِحْسَانِهِ، وَرِفْقِهِ وَحَنانِهِ؛ فَأَحَبَّهُ شَعْبُهُ، وَافْتَتَنَ بِهِ، وَلَهِجَ بِشُكْرِهِ.

وَقَدِ اشْتَدَّ إِعْجابُهُ بِزَوْجَتِهِ، وَإِكْبارُهُ لَها، فَكافَأَها بِتَزْوِيجِ أُخْتِها «دِينارَزادَ» بِأَخِيهِ «شاهْ زَمان»: مَلِكِ «سَمَرْقَنْدَ».

وَهكَذا عَرَفَتْ «حَبِيبَةُ الشَّعْبِ» كَيْفَ تَجْلِبُ السَّعَادَة لَها ولِأُخْتِها وَأَبِيها، وَبَناتِ جِنْسِها وَذَوِيها، بَعْدَ أَنْ فَتَنَتْ زَوْجَها بِما أَوْدَعَتْهُ مِنْ قَصَصٍ ساحِرٍ، وَحَدِيثٍ بَاهِرٍ، أَسْلَمَهُ إِلَى عَالَمِ السَّعادَةِ وَالْهَناءِ، وَالْبَهْجَةِ وَالْبَهاءِ، لا كَما أَسْلَمَتِ الْغَزَالَةُ صاحِبَها الْأَسَدَ إِلَى عَالَمِ الْمَوْتِ وَالْفَناءِ، بَعْدَ أَنْ قَذَفَتْ بِهِ إِلَى قَرارِ الْماءِ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤