الفصل الثاني والعشرون

حديث سياسي للشيخ سليمان

الإمام عمر يصغي إلى ترجمة الإمبراطور هرقل وحروبه الكبرى مع الفرس، وأسباب ضعف سلطنة القسطنطينية (بزنطية أو الروم).

***

فاستنأذن إيليا حينئذ، وأعمل المهماز في شاكلة جواده قاصدًا المزرعة وراء جبل الزيتون بعد أن تواعدوا على الالتقاء تحت الأرزة التي على الجبل.

ولا يقدر القلم على وصف السرور الذي حاق بالشيخ سليمان وأهل المزرعة حين عودة إيليا إليهم بعد أن يئسوا من عودته كل تلك المدة الطويلة، ولم يقفوا له على أثر مع كل بحثهم وتفتيشهم.

وقد قص إيليا على الشيخ سليمان كل ما جرى له منذ وقوعه أسيرًا في أيدي العرب والتقائه بأستير وأبيها، وتركه إياها وشأنها بعد التقائها بأبيها، وفتح المدينة، وطلب رئيس الفتح الشيخ سليمان؛ ليسمع منه أخبار المملكة، وتفاصيل الحرب الكبرى التي قامت بين الإمبراطور والفرس، وأن هذه خير فرصة تُغتنم للتقرب من هؤلاء الفاتحين.

فركب الشيخ سليمان مع إيليا، وقصدا الجبل، فوجدا الإمام عمر والمسلمين ينتظرونهما تحت الأرزة.

ولما وصل إيليا والشيخ سلَّم الشيخ باحترام على الأمير فرد عليه الأمير السلام، وحادثه هنيهة، ثم طلب أن يرى المكان الذي رُفع منه عيسى، فذهب إيليا به وبحاشيته إلى هذا المكان، وبعد أن شاهدوه عادوا وجلسوا تحت الأرزة.

ولما أخذ كل واحد منهم مكانه قال الإمام: أيها الشيخ، قص علينا ما رأيته في تلك الحروب الشديدة، وقبل ذلك أخبرنا عن أصل ملككم هِرَقل١ فإنني سمعت أنه لم يكن ابن ملك.
فقال الشيخ: بل هو ابن أمير أيها الأمير، وقد نال المملكة بهمته، وتفصيل ذلك٢ أنه في زمن الإمبراطور موريس حدثت ثورة في بلاد الفرس اضطرت ملكها هرمز إلى الفرار منها والالتجاء إلى القسطنطينية. فأكرمه سلطانها موريس، وأمده بالجنود، فعاد هرمز إلى كرسيه، وملك باسم كسرى برويز٣ وكانت الحروب يومئذ قائمة بين الإمبراطور موريس والتتر، وكان لدى ملك التتر ألوف من أسرى الروم. فطلب ملك التتر نصف دينار فدية كل أسير، وكان الإمبراطور موريس مشهورًا بالبخل مع شدة بأسه فأبى دفع هذا المبلغ، فقتل حينئذ ملك التتر أولئك الأسرى نكاية له. فلما علم الشعب في القسطنطينية بذلك ثاروا على الإمبراطور وخلعوه، وولوا مكانه أحد قواد الجند، ويدعى (فوكاس)٤ فقبض فوكاس على موريس وأبنائه وقتلهم. فلما بلغ هذا الأمر إلى مسامع ملك الفرس غضب ونهض لمحاربة فوكاس، وذلك لسببين: الأول: الانتقام منه لموريس الذي أحسن إليه، والثاني: لاغتنام هذه الفرصة وتوسيع أملاكه. فدخل جيش الفرس يومئذ إلى سوريا فاتحًا، وفي أثناء ذلك ظهر ضعف فوكاس، وسخط عليه الناس، فكاتبوا رجلًا من أكابر قواد الجيش كان والي أفريقيا ويدعى «هراقليوس» أن يأتي إليهم ليخلعوا فوكاس ويولُّوه، وكان لهذا الوالي ابن يدعى أيضًا هراقليوس وابن أخ يدعى نيستاس. فجهز هراقليوس الابن أسطولًا عظيمًا وحشد نيستاس جيشًا كثيفًا، واتفقا على الزحف إلى القسطنطينية لإسقاط فوكاس. الأول بحرًا والثاني برًّا عن طريق مصر وسوريا، وتعاهدا على أن الذي يسبق إلى العاصمة تكون المملكة له. فسبق إليها هراقليوس الابن بأسطوله فخلع فوكاس أعداؤه وقتلوه، وولوا هراقليوس مكانه، وهو الإمبراطور الحاضر.
وما مرت أربع سنوات على ملك الإمبراطور حتى فتح الفرس سوريا ومصر، واستولى قائدهم شهرباز الملقب «بالجاموس الملكي» على هذه المدينة (القدس) فأحرق كنيسة القيامة، وأخذ منها الصليب الحقيقي.٥ ثم اشتد الاضطراب في السلطنة، وقام أنصار فوكاس يطلبون ثأره، وتوفيت زوجة الإمبراطور فتزوج ثانية بأخت زوجته خلافًا لنظام الكنيسة، وكان الإمبراطور فقيرًا لا يملك مالًا ينظم به أمور ملكه. فيئس من هذه المصاعب، وعزم على الالتجاء إلى قرطجنة (تونس اليوم) ليتخذها قادة ملكه بدل القسطنطينية استراحة من الفتن، ولكن البطريرك سرجيوس شدد عزائمه، وأخذه إلى كنيسة آجيا صوفيا، وأجبره فيها على أن يقسم بأنه لا يترك العاصمة. فقوي عزم الإمبراطور، وبعث برسالة خصوصية إلى ملك الفرس يجامله فيها، ويطلب منه الصليب، ويسأله عقد الصلح. فأجابه كسرى برويز جوابًا مهينًا ثارت له الأمة كلها. ففتح البطريرك سرجيوس خزائن الكنيسة، وأخرج منها للإمبراطور الأموال اللازمة؛ لحشد الجند، وتهافت الناس من كل صوب على التطوع في سبيل استرداد الصليب، وفي ثاني يوم من عيد الفصح سنة ٦٢٢ تناول الإمبراطور سر القربان في حفلة رسمية حافلة، وخرج من القسطنطينية بجيشه يطلب بلاد الفرس والحماس شديد في الأمة، وقد نزل بأسطوله وجيشه في عرصوص (قرب الإسكندرونة) وهو المكان الذي نزل فيه قبلًا إسكندر الكبير لما قصده داريوس، وقد أحسن الإمبراطور بهذا الاختيار؛ لأن المقاتل يستطيع من ذلك المكان إصابة سلطنة الفرس في قلبها.
وكنتُ يومئذ أيها الأمير الجليل قائد مائة في هذا الجيش. فأجبرنا الفرس على الانسحاب من مصر وسوريا، وأخذنا نطاردهم من مكان إلى مكان والنصر حليفنا، وكانت الإمبراطورة معنا ترافق الإمبراطور لرغبتها في أن تكون أول من يسترد الصليب، وكان كسرى برويز قد نزل في فنزكا من أعمال أتروباتينا٦ بأربعين ألف مقاتل، وجعل باقي جنده تحت قيادة قائده الكبير سايس. فهاجمهما الإمبراطور وهو في طريقه يخرب المدن والقرى ويحرقها، ولما بلغ فنزكا فر كسرى من وجهه فدخلها الإمبراطور، وهدم هيكل الشمس المشهور الذي كان فيها، وحطم آلات صناعية كانت فيه تمثل انقضاض، الصاعقة ونزول المطر٧ ولما خاف انضمام الأتراك إلى الفرس تقرب إلى«زبيل» زعيم الترك، فقابله في تفليس، ووعده بأن يزوجه ابنته، وبذلك جعل الأتراك من حزبه، وبعد ست سنوات من سفره أي في سنة ٦٢٨ وصل دستجرد عاصمة الفرس، ففر كسرى منها أيضًا، فدخلها الإمبراطور، وأحرق تلك العاصمة الفاخرة، وبذلك تضعضعت مملكة الفرس فدبت بين أهلها عقارب الانحلال والفتنة، وأصيب كسرى بمرض عضال فأوصى بالملك لأحد أبنائه فقام عليه ابنٌ آخر، فاستأثر بالأمر، وسجن أباه وعذبه حتى مات، وكتب هذا الابن فصالح الإمبراطور، ومن ذلك الحين اشتغلت مملكة الفرس بفتنها، واضطراباتها الداخلية.

أما الصليب فقد كان مخبوءًا في فنزكا عاصمة عبادة النار، وقد دل عليه القائد شهرباز. فلما وجده الإمبراطور، ودخل به إلى القسطنطينية ظافرًا ارتجت السلطنة من جهاتها الأربع. ثم جاء به بنفسه ونصبه هنا في الجلجلة بيده.

وكان الشيخ يتكلم، والترجمان يترجم كلامه، والحاضرون مصغون كأن على رءوسهم الطير، وكان خالد بن الوليد أشدهم اهتمامًا بهذا الحديث؛ لأنه دخل بلاد الفرس، وفتح كثيرًا من بلدانها كما تقدم. فلما فرغ الشيخ من كلامه، ووقف يستريح، انحنى خالد نحو أبي عبيدة، وقال له: كان مَثل الروم مَثل كلاب الصيد فإنها اصطادت لنا لا لها؛ إذ بسحقها سلطنة كسرى سهلت علينا الاستيلاء على بلاد فارس، ولولا ذلك فربما تعذر علينا فتحها.

فالتفت حينئذ الإمام عمر إلى خالد، وقال: لقد سمعتك يا خالد فاتَّق الله فإنه لا معين سواه.

فسكت خالد، ولم يُبد جوابًا.

ثم التفت عمر إلى الترجمان، وقال: سل الشيخ. فإذا كانت هذه قوة الملك وجنده يومئذ، فما حل بتلك القوة؟ ولقد سمعت أن الملك احتاج المال فأين ذهب بالغنائم التي غنمها جيشه من الفرس، وهم مشهورون بالغنى والكنوز؟

فأجاب الشيخ: أما الكنوز التي عاد بها من بلاد الفرس فإنه دفعها كلها إلى بطريرك القسطنطينية وفاء للأموال التي أخذها منه لتعبئة الجيش والإنفاق على الحرب كما تقدم، وهذا ما أسخط الجند والأمة، وقد قال بعضهم: إن ذلك حق؛ لأنه وفى دَينًا عليه، ولكن البعض الآخر يقول: إن أملاك وأموال الإكليروس إنما جُمعت من الأمة فإذا أنفقت في سبيل الأمة كان إنفاقها في خير الوجوه. فبدل إعادة تلك الأموال إلى خزائن الإكليروس وحبسها فيها كان يجب إصلاح أحوال الأمة بها.

فقال عمر: أحسنت أيها الشيخ البهي.

فأردف الشيخ بقوله: أما ضعف المملكة بعد تلك القوة فله أسباب عديدة، وإذا شئتم بسطت لكم تلك الأسباب كلها.

فأجاب عمر: تكلم أيها الشيخ.

فقال الشيخ بعد أن تنحنح، وألقى نظرة إلى إيليا: لما تغلب قسطنطين الكبير على رومة نقل كرسي الملك إلى بزنطية٨ فانشقت الإمبراطورية الرومانية إلى شطرين: شرقي وهو هذا، وغربي وهو شطر رومة، وبما إن العنصر اليوناني كان حفظ نفسه في المستعمرات الرومانية أثناء الحكم الروماني فقد نمت إمبراطوريته الشرقية نموًّا سريعًا، وكان سلاطين هذه الإمبراطورية يسمون أنفسهم: «إمبراطرة الرومان»، ويجعلون اللغة اللاتينية لغة رسمية إلا أن السلطنة مع ذلك كانت يونانية الباطن، وهذا ما كان من أسباب قوتها، وهكذا بينما كانت رومة والأمم التابعة لها تخضع لملك القوط، وتصير أممًا بربرية كانت سلطنة الشرق بمركزها البزنطي الجامع بين يونان الغرب ويونان الشرق زاهية زاهرة لا سلطة لأحد عليها.
ولكن في مقابلة ذلك كان بين كنيستي رومة والقسطنطينية فرق كلي. فإن الأولى كانت تهتم بالمسائل العملية المفيدة فائدة اجتماعية، وتطبق عليها المبادئ الدينية، وأما الثانية: فإنها انصرفت من سوء الحظ إلى مجادلات عقيمة في لاهوت المسيح٩ كما سيجيء.
ولما قام الإمبراطور جوستنيانوس المشهور عدَل عن السياسة اليونانية إلى سياسة عمومية. فبدل أن يهتم ببلاده وأهلها اليونان، فيقويها ويقويهم، ويصلح شئونها وشئونهم، انصرف إلى إعادة السلطنة الرومانية إلى ما كانت عليه من الاتساع. فبعث لاسترداد أفريقيا من أيدي الفنداليين الذين أنشئوا فيها مملكة واسعة، وناصب القوطيين الحرب في إيطاليا حتى مزقهم تمزيقًا، وكان ساعده في ذلك القائد بليزار المشهور بأنيبال العصر الجديد، ولكن الإمبراطور لم يستفد من ذلك كثيرًا؛ لأن السلطنة كانت تعجز عن حكم بلاد واسعة الأطراف إلى هذا الحد، فكان كأنه أفنى قواه في الغرب، وأهمل الشرق مع أن فيه حياة سلطنته، ولذلك كان يترضى الفرس بما يُسكتهم ويلهيهم عنه بينما البرابرة في شمال القارة الغربية يخربون الولايات والهونيون يبلغون حتى أسوار القسطنطينية.١٠
هذا من جهة الخارج، أما جهة الداخل فإنه اضطهد العنصر اليوناني الذي هو قوة الإمبراطورية وعضدها؛ فقاوم المشتغلين بالعلوم القديمة، وحذف درس الفلسفة والحقوق في آثينا، وأوجب اتخاذ اللغة اللاتينية لغة رسمية. هذا فضلًا عن تضحيته لكنيسة رومة الاستقلال الذي كان يطلبه بطاركة الشرق منذ القرن الرابع.١١

وبعد وفاته ثار مغاربة أفريقيا، واستولى اللومبارديون على شمالي إيطاليا، واستمروا يحاربونها للاستيلاء على شبه الجزيرة كلها. ثم تحرك الفرس يتهددون حياة المملكة في آسيا، والسلافيون يتهددون حياتها في أوروبا. فلما قام الإمبراطور هراقليوس كما تقدم الكلام وجد المملكة بين هذه الأمم التي كانت تنازعها البقاء نزاعًا شديدًا، وقد فصلتُ لكم ماذا فعل بالفرس وكيف سحق سلطنتهم. أما السلافيون فإنهم لا يزالون يهاجمون سلطنته.

فمن كل ما تقدم يظهر سببان عظيمان من أسباب ضعف السلطنة. «الأول» رغبتها في أن تحكم العالم أجمع، ولذلك تفني قواها عبثًا ولا تحسن حكم نفسها. «والثاني» أعداؤها المحيطون بها ينازعونها الحياة دائمًا.

ولكن هنالك سبب ثالث ربما كان أصل الأسباب كلها وهو المسألة الدينية، وأريد بها مداخلة الدنيا بالدين والدين بالدنيا.

وأصل البلاء في هذه المسألة: مداخلة الإمبراطرة في شئون الكنيسة؛ لأن ذلك جر بحكم الطبع مداخلة الكنيسة في شئون الإمبراطورية، وفي ذات يوم قال أحد الإمبراطرة لأحد البطاركة: دبِّر أنت الكنيسة ودعني أدبِّر سلطنتي. فأجابه البطريرك: هذا قول لم يُسمع بمثله فإنه بمثابة قول الجسد للنفس دعيني وشأني فإنني غير محتاج إلى مساعدتك.١٢ فنشأ عن هذا سعي البطاركة والإمبراطرة في وضع العقول كلها في قالب واحد؛ ليجعلوها تعتقد اعتقادًا واحدًا، وبما أن السلطنة كانت مؤلفة من عدة عناصر مختلفة الآراء والمشارب والمصالح فقد تحتم حدوث الشقاق فيها.
فيومئذ قام آريوس يجحد لاهوت الكلمة، والمكدونيون يجحدون لاهوت الروح القدس، وقام النساطرة ينكرون اتحاد الطبيعتين في المسيح وأوتيشيوس ينكر الطبيعة البشرية في المسيح بعد التجسد، والقائلون بالمشيئة الواحدة ينكرون المشيئة البشرية مع اعترافهم بالطبيعتين. فجمع الإمبراطرة المجامع للفصل في هذه المعتقدات؛ فحكمت المجامع برفضها ونبذ أصحابها، ولكن بعض الإمبراطرة كانوا يعودون إلى بعضها فتعتقد رعيتهم فيهم الكفر فيقومون إلى خلعهم، ولما كان يثور الشعب عليهم كان الإمبراطرة يلجئون إلى الكنيسة، والمقرر أنه في هذه الحالة من حق البطريرك الإذن في تسليمهم للشعب أو حمايتهم منه، وعلى ذلك كان الإمبراطرة تحت سلطة البطاركة.١٣
وكما كان الاضطراب من حيث الإمبراطرة فقد كان من حيث البطاركة. فقد كان للبطريركية الواحدة ثلاثة بطاركة (الأول) البطريرك الذي يُعزل لمقاومته الإمبراطرة أو الشعب. (والثاني) البطريرك الذي عُين مكانه (والثالث) البطريرك الذي يُرشح نفسه لأن يكون بطريركًا، ولكن لكل واحد من هؤلاء الثلاثة أعوان وأنصار متحمسون، ولكل فريق منهم آراء ومصالح وأهواء. فكانوا في اضطراب دائم، واضطرابهم هذا كان يقلق كل السلطنة لما بين السلطتين من الاتصال١٤ كما تقدم.
ومما لا يحتاج إلى بيان: أن الرغبة في توحيد المعتقد تؤدي إلى اضطهاد المخالف في المعتقد، وهذا ما جعل بعض الإمبراطرة يضطهدون الطوائف المخالفة لهم، والتي عاشت قبل ذلك في ظل الرومان بكل حرية كالسامريين واليهود والمانيشيين والسبتيين والمونتانيين والوثنيين الذين كانوا كثيرين في داخلية البلاد خصوصًا بين أهل الزراعة؛ لإصرارهم على دينهم القديم، ولقد كنت أحب أن يكون الإمبراطور جوستنيانوس حيًّا الآن ليرى الخطأ الذي ارتكبه في فناء السامريين في هذه البلاد (فلسطين) واضطهاده اليهود فيها اضطهادًا جعلهم أعداء لمملكته وأضعف منها هذا الجانب الذي دخلتم منه إلى الشام وفلسطين مع أنه كان من المصلحة تقويته.١٥ فإنه حينئذ كان يعلم أنه لم يكن بذلك الاضطهاد والقتل يزيد عدد المؤمنين بل كان ينقص عدد الرجال اللازم بقاؤهم، واستمالتهم للدفاع عن السلطنة، ويربي في قلب السلطنة عدوًّا شديدًا لها. وهذا الأمر لازم دائمًا عن المظالم والاضطهادات الدينية.
ولو كان الخطب من هذا الوجه فقط لكان هيِّنًا؛ بل كان هناك خطب أشد. فإن الأديرة غصت بالرهبان والشبان الهاربين من تنازع الحياة؛ لأن الرهبانية تضمن رزق الراهب وتعطيه السيادة بثمن بخس، ولرغبة الرهبانيات في السيادة المطلقة كانت تتخذ السياسة الدينية آلة لمحاربة البطاركة والإمبراطرة، والذي جعل لهم هذه القوة صرفهم الشعب إلى ظاهر الدين عن باطنه وتحريضه على عبادة الصور والأيقونات١٦ فشغف الشعب بهذه العبادة شغفًا ما بعده شغف، وكلما قويت شهوته هذه زادت سلطة الرهبان عليه، وسواء كانت هذه العبادة عبادة أو إكرامًا فإن الشعب انصرف إليها عن باطن الدين، وصار عنده الفضل في تقديس الأيقونات لا في فضائل النفس ومكارم الأخلاق، والذي زاد تمسك الشعب بهذا النوع من الظواهر الدينية انطباع البشر على حب الفنون، وتمثيل هذه الفنون لهم الأشخاص والرجال الكرام الذين يحبونهم. فلما قام بعض الإمبراطرة لمقاومة الأيقونات والصور اعتبر الرومان أن هذه المقاومة موجهة إليهم،١٧ وكان الإمبراطرة ينسبون أولئك الرهبان إلى «الوثنية» وأولئك الرهبان ينسبون الإمبراطرة إلى السحر، وكانوا يشيرون إلى الكنائس التي أزال منها الإمبراطرة الصور والأيقوات، ويقولون لهم: إن حكامهم لم يفعلوا بها هكذا إلا لكي يعبدوا فيها الشيطان١٨ فكان الشعب يهيج لذلك أشد هياج، ويعتقد أن من واجباته خلع حكامه، ولم يكن هناك ملوك يتخذون الطريق الوسط، ويُسكِّنونه بتخفيف استعمال الصور والأيقونات بدل حذفها وإظهار الغرض الحقيقي منها، ولذلك كان النزاع الشديد مستمرًّا بين الفريقين، وكثيرون من البطاركة والأساقفة انتصروا للإمبراطرة على الرهبان؛ لأن الرهبان كانوا ينازعونهم كل سلطة وسيادة، وكان هؤلاء يغتنمون كل الفرص لرفع شأنهم لدى الشعب بالتزلف إليه وإسقاط مزاحميهم، ولما كانت تُعاد الصور والأيقونات إلى الكنائس كان شأنهم يرتفع عند الشعب ارتفاعًا عظيمًا، وهكذا بلغوا بسذاجة الشعب أسمى درجات السلطة، وطردوا باقي الإكليروس منها، وصاروا مملكة في المملكة حتى إن الإمبراطرة كانوا يضطرون للدفاع عنهم.١٩

فماذا كانت نتيجة هذه التربية الرهبانية في المملكة؟

إنكم تستغربون ولا شك إذا علمتم أن قائدًا من قواد السلطنة رفع الحصار عن مدينة كان يحصرها في مقابلة أثر ديني أعطوه إياه.٢٠
ولا ريب أنكم تدهشون أيضًا إذا أخبرتكم أن أحد قواد الإمبراطور موريس لما كان يومًا على وشك الدخول في قتال مع عدو له قبل المعركة أخذ يبكي حزنًا على الدم الذي سيسفك فيها٢١ ولست أجهل أن دموع القائد جميلة للغاية؛ لحبه الخير والسلام وكراهته للآثام، ولكن ما الحيلة؟ إن هذه العواطف لا تستحسن إلا في الأديرة والمجالس الأدبية؛ لأنه يجب على الجندي المدافع عن وطنه أن يُحسن وظيفته، أي يجب أن يحسن أن يكون شديدًا قاسيًا غليظ القلب والحسام، وبدون ذلك لا تثبت المملكة إذا كان أمامها أعداء أقوياء.
ونهاية العجب والاستغراب أن إمبراطورًا٢٢ أهمل قواه البحرية؛ لأنهم أخبروه أن الله راضٍ عنه كل الرضى لغيرته على الكنيسة، ولذلك فهو لا يسمح لأحد بمهاجمة مملكته، وهذا الإمبراطور نفسه كان يقول: إنه يخشى أن يناقشه الله الحساب عن الزمن الذي يصرفه في تدبير سلطنته؛ إذ يجب عليه صرف جميع أوقاته في الاهتمام بالشئون الروحية.٢٣
هكذا كانت نتيجة السياسة حين مداخلتها في الدين. «فكان من أعظم أسباب مصائب اليونان جهلهم الحدود التي بين السلطة الإكليريكية والسلطة المدنية، ولذلك وقع الفريقان في أغلاط متواصلة، والفصل بين هاتين السلطتين الذي عليه تُبنى دعائم راحة الشعوب ليس أساسه الدين فقط ولكن أساسه أيضًا العقل والطبيعة. فإنهما يقضيان بأن الاشياء التي من طبيعتها الانفصال والتباعد والتي لا يمكن أن توجد معًا إلا منفصلة متباعدة بعضها عن بعض — يجب أن لا تمتزج أبدًا، وهذا الفصل كان معروفًا عند قدماء الرومان أكثر مما كان في القسطنطينية، ولئن كان إكليروسهم الوثني غير منفصل عن طبقات الهيئة الحاكمة. فإنه لما وقف الإمبراطور كلوديوس منزل «شيشرون» للحرية بعد نفيه وعاد شيشرون من منفاه طلب استرداد منزله؛ فحكم رؤساء الكهنة بأنه يمكن رد منزله إليه دون أن يكون في ذلك إهانة للدين إذا كان المنزل قد وُقف بلا أمر خصوصي من الشعب. قال شيشرون: وقد قالوا إنهم ينظرون في صحة الوقف لا في صحة الشريعة التي سنها الشعب، وإنهم إذا كانوا نظروا في القضية الأولى كرؤساء كهنة فإنهم ينظرون في هذه القضية كأعضاء مجلس الشيوخ».٢٤

هذا هو أعظم الأسباب في ضعف سلطنة بزنطية، وإنما يستمد هذا السبب أهميته الخصوصية من صرفه فكر الحكومة والأمة عن الإصلاحات الاجتماعية والحوادث الخطيرة، وشغلها بالمجادلات الدينية العقيمة.

انظروا أيها السادة لأعطيكم برهانًا صغيرًا يدلكم علينا أحسن دلالة. قبل أن تصلوا إلى هذه المدينة بيوم واحدٍ لتحصروها كان شعبها يملأ الدنيا ضجيجًا على طريق بيت لحم طلبًا لتعميد فتاة يهودية وجدها في طريقه، وكان يهتم بهذه الفتاة أكثر من اهتمامه بجنودكم الزاحفة إلينا.

ومن هنا تعلمون مبلغ ضعف تربيته السياسية وعواطفه الوطنية. أستغفر الله فإنه يجب عليَّ أن لا أذكر «الوطن» بشفتيَّ إذ الوطن عندنا الدين؛ بل الدين عندنا فوق الوطن وفوق كل شيء.

وهكذا بدل أن يقوم الشعب، ويطلب إصلاحات اجتماعية كإنشاء جمعيات لمساعدة الزراع والصناع والعمال، وفتح الترع لجر المياه للحقول، وأنشاء المدارس لتعليم أبناء الأمة، ووضع نظامات جديدة لتقوية العائلة والسلطة الحاكمة ضد الرهبان الذين تقدم ذكرهم، ونقل معامل الفرس إلى السلطنة أو إنشاء مثلها فيها — نراه إذا قالوا له مثلًا هذه قطعة من حذاء بولس أو بطرس أو هذا أثر من مريم المجدليَّة فإنه ينسى كل تلك الإصلاحات ويبيعها كلها بهذا الأثر.

فما أسهل إرضاء الشعب الديني أيها السادة.

ولكني إذا كنت ألوم الإمبراطور لإهماله شعبه إلى ذلك الحد فأنا أشفق عليه. فإن السلطة متعددة الأحزاب الآن، وهذا من أسباب ضعفها أيضًا. فإن الأحزاب في البلاد الجمهورية تنفع الأمة لظهور الحقائق بالبحث واحتكاك الأفكار، ولكنها في البلاد الملكية المطلقة تكون سبب ضعف لها؛ لأن كل حزب منها يقدر أن يستبد بالحزب الآخر فيقوم هذا إلى الثأر منه، وهكذا دواليك إلى ما شاء الله، وأهم أحزابنا الآن «الخضر» و«الزرق» وأصل تسميتهم هكذا أن ساقة المركبات الذين كانوا يتسابقون إلى الجوائز في حلبة السباق كان فريق منهم يلبسون ثيابًا زرقاء وفريق ثيابًا خضراء. فكان الحاضرون يتحزبون لهم حزبين يسمون «الخضر» و«الزرق»٢٥ وقد انتشرت هذه القسمة في كل مدن الإمبراطورية، وصارت قسمة سياسية، ولما قام جوستنيانوس انتصر «للزرق» وظلم «الخضر» فقوي الزرق حتى صاروا يدوسون نظامات المملكة، وكذلك الخضر عبثوا بالنظامات؛ لأنهم رأوا رفاقهم الزرق لا يحترمونها، وكان كل قاتل وشرير في ذلك الزمن من حزب الزرق، وكل مقتول من حزب الخضر.٢٦ فسادت الفوضى بين الناس، وانتهكت حرمة النسب والصداقة والواجبات ومعرفة الجميل بقيام الناس والعائلات بعضهم على بعض يفنون بعضهم بعضًا.
ومما زاد الاضطراب واختلال الأمن اعتقاد شاع في المملكة وهو «أنه من المحرم سفك الدم المسيحي»٢٧ فكانت كل الجنايات والجرائم التي لا تتعلق بالدين يعاقب صاحبها عقابًا خفيفًا.٢٨
وبما أن أمراض العقل تتحول ولا تزول فقد اتخذ التنجيم والتنبؤ صورة غير الصورة القديمة. فقد كان الوثنيون من اليونان والرومان يستطلعون البخت ويرون الغيب بنظرهم في أحشاء الذبيحة أو مراقبتهم طير الطيور يمينًا أو يسارًا. فحلَّ عند المسيحيين محل هذه الطريقة استطلاع البخت والغيب بالنظر إلى أشياء توضع في حوض ماء.٢٩
وكانت حوادث المملكة السياسية تضرم نار الطمع في النفوس، حتى إنه لم يكن في السلطنة رجل عظيم إلا وقد تُنبئ له بأنه سيتولى الإمبراطورية، وكانت الثورات والفتن في الإمبراطورية تتوالى بلا انقطاع، وبما أن الأسر المتنازعة على الملك كانت تمر على العرش بسرعة فلم يكن الناس مخلصين لواحدة منها، وكانوا يتخذون كل الطرق للوصول إلى العرش. فتارة بالجند، وطورًا بالإكليروس، وآونة بشعب القسطنطينية، وأخرى بشعب باقي المدن.٣٠
ولما تكاثرت الفتن والثورات، وحلَّت بالمملكة المصائب في الخارج صار الناس ينسبون كل ذلك إلى سوء تدبير ملوكهم فازدادت الفتن والمصائب بهذا الاعتقاد، وهكذا أنتجت الثورات ثورات، وصارت النتيجة سببًا.٣١
وما كان يزيد ضعف الحكومة يومئذ انقيادها إلى آراء النساء. فإنه كان من المقرر في الشرق اتخاذ عدة نساء إضعافًا للسلطة العظيمة التي تكون للمرأة الواحدة على الرجل في هواء الشرق الحار. أما في عرش القسطنطينية فقد كانت المرأة واحدة تبعًا لنظام المسيحية، وهذا الأمر كان من أسباب ضعف الحكومة أحيانًا.٣٢

وبما أن الجيش كان له يد ورأي في السياسة فقد أفضى هذا الأمر إلى تمرده أحيانًا، وبذلك ضعف نظام الجندية، وقد كان القائد بليزار يقول لجنوده في ساحة الحرب: «إن جنود الفرس لا يفضلونكم في الشجاعة، ولكنهم يفضلونكم في الطاعة لقوادهم» وفضلًا عن ذلك فإن الترف والمدنية أضعفا نفوس الأمة وميلها إلى الحروب في حين أن باقي الأمم التي تحيط بها لم يكن لها شغل غير الحرب، وبذلك وهن عزمها أمام أعدائها، وصار لا يجدد قواها ونشاطها إلا التحريض الديني كالحثِّ مثلًا على استخلاص الصليب كما حدث في حروب الفرس.

هذه أيها السادة أهم الأسباب التي أضعفت السلطنة، وقد فصلتها لكم باختصار. فلو تداركها اليونان لكان عندهم أجمل وأقوى وأعمر سلطنة في الأرض، ولما تمكن أحد غيرهم من منازعتهم في شيء.

لماذا بقيت سلطنة بزنطية (القسطنطينية) قرونًا طوالًا بعد مصائبها وأمراضها المذكورة آنفًا؟

وهنا سكت الشيخ ليستريح من تعب الكلام، وكان الحاضرون في أثناء كلامه يتحادثون همسًا، ويتبادلون أفكارهم وهم تارة يبتسمون وطورًا ينقبضون. أما الإمام عمر فإنه كان بينهم كالجبل الراسخ لا يحركه شيء، ولا تبدو على وجهه دلالة.

ولكن لما سكت الشيخ همس الإمام كلمتين في أذن أبي عبيدة. فقال أبو عبيدة للشيخ: أيها الشيخ لقد أحسنت الحديث. إنما يؤخذ من حديثك هذا أن المملكة متهدمة فهل يظن أنه قد دنت آخرتها على يدنا؟

فأطرق الشيخ سليمان مليًّا، ثم قال: إنني أرى أنكم لا تقدرون على هذه المملكة العظيمة في الغرب وإن قدرتم عليها في آسيا، وذلك لعدة أسباب أولًا: أنكم فتحتم بلاد الفرس وستملكونها وتسقطون دولتها. فهذا الفتح سيقوِّي الإمبراطورية؛ لأنها ستسترد كل جنودها القائمين على حدود الفرس، وهم خيرة جنودها؛ لتدافع بهم عن نفسها دفاعًا شديدًا. ثانيًا: أنكم بعد فتح الشام وفارس لا بد أن تفعل فيكم مدنيتهما وتجتذبكم إلى الترف والتمتع، وتثير الطمع والحسد في نفوس حكامكم لاتساع ملككم فتنقسم كلمتكم ويتنافس أمراؤكم فتقفون عن الفتح حيث أنتم.

فهنا نظر الأمراء بعضهم إلى بعض وضحكوا من حرية فكر هذا الشيخ. أما الشيخ فأردف بقوله: ثالثًا: أن القسطنطينية لا تُفتح إلا بالأساطيل البحرية، والإمبراطور لديه ما يدفع أساطيلكم إذا كان لكم أساطيل. فإن سوريًّا يُدعى «كالينيكشوس» اخترع له سيالًا إذا وُضع في أسطوانات ونُفخ على السفن أحرقها ولم يدعها تدنو من الشاطئ، وتركيب هذه النار محسوب في جملة الأسرار الإمبراطورية، واليونان يحرقون بها كل الأساطيل التي تدنو من بلادهم.

رابعًا: أن معامل الفرس الصناعية ستنتقل ولا شك إلى الإمبراطورية بعد فتحكم بلاد الفرس؛ لأنني أظن أنكم في هذا الطور من الفتح لا تهتمون كثيرًا بالمعامل والصنائع؛ إذ كفاكم منها ما لدى الشعوب المغلوبة التي تدخل تحت يدكم، وفضلًا عن ذلك فإن اليونان هم سلاطين البحار الآن، وتجارتهم أوسع التجارات، فلهذا كله سيبقى في مملكتهم من القوة الحيوية ما يمكنها من المقاومة والبقاء دهرًا طويلًا.

خامسًا: أن القبائل الذين أضعفوا السلطنة بحروبهم على شواطىء الدانوب قد أخذوا يتمدنون. أي أخذوا ببناء المدن على شواطىء هذا النهر. فدخولهم في طور الإقامة بعد طور الارتحال سيقوي السلطنة؛ لأنه يجعلهم بمثابة سور لها مانعًا عنها كل غارة جديدة.٣٣

فالذي أراه أن هذه الأسباب ستتغلب عليكم إذا لم تتغلبوا عليها.

فانبرى حينئذ خالد بن الوليد، وصاح: والله إنني لأخوض الآن بجوادي البحر إلى القسطنطينية إذا أذن لي أمير المؤمنين. فابتسم عمر لشجاعة خالد، ولكن الشيخ وإيليا ابتسما أيضًا.

النبوءة٣٤ عن مصير سلطنة بزنطية (القسطنطينية)

دمعتا الإمام عمر

وكان أبو عبيدة في أثناء ذلك مصغيًا. فقال حينئذ: أيها الشيخ أنت قلت: إن التنجيم والرجم بالغيب كثير في بلادكم. أفلم يتنبأ أحد عن مصير هذه السلطنة؟

فابتسم الشيخ وأجاب: بلى إن النبوءات كثيرة، وها إنني أذكر لكم إحداها.

قال المنجم: إن السلطنة ستصير إلى قوم مختونين، وهذه الولايات السورية التي هي أكثر الولايات عمرانًا وفيها اليونان أقوى منهم في سواها ستدخل تحت حكمكم، وأحد قوادكم٣٥ سيصل في سنة ٦٦٩ حتى أسوار العاصمة (القسطنطينية) ويحصرها، ولكنه يرتد عنها، وسيعبر البلغار أحد فروع السلافيين نهر الدانوب، ويؤسسون في ولايات الشمال مملكة قوية تنمو مدة ثلاثة قرون. ثم ينتشر السلافيون في أبيروس والتراس٣٦ ومكدونيا وتساليا والأتيك والمورة نفسها حتى سالونيك. فيقوم النزاع العظيم في الغرب بين العناصر السلافية والعنصر اليوناني، ومن سنة ٧١٦ إلى سنة ٨٤٢ يقوم إمبراطرة مصلحون٣٧ فيفرغون جهدهم في إضعاف نفوذ الإكليروس وعلى الخصوص الرهبان وتنقية العبادات وتقوية السلطة المدنية وسلطة الإمبراطرة، ومن الأسف أنهم سيضطرون بحماسة النزاع إلى بعض الاضطهادات، ولكنهم مع ذلك يصلحون إصلاحات عديدة؛ فيحسنون أحوال الفلاحين والزراع، ويلغون الرقيق، ويصلحون نظامات العائلة، وسيكون لهم أعوان ومساعدون من جميع الطبقات المستنيرة من الأمة ومن عقلاء الإكليروس أيضًا٣٨ وهذه الإصلاحات السياسية والدينية يتقبلها الناس بهدوء ولا يثورون ضدها إلا في إحدى الجزر.٣٩
وفي زمن أحد الإمبراطرة٤٠ يجتمع مجمع مؤلف من ٣٤٨ أسقفًا ويقررون إبطال الصور والأيقونات، فتكون نتيجة هذا القرار سلخ إيطاليا والكنيسة الغربية عن السلطنة الشرقية؛ لأنه حين وصول خبر إبطال الأيقونات إلى إيطاليا يقوم في نفس الشعب ميل للانفصال عن سلطة القسطنطينية، وطلب الاستقلال، ويساعدهم على ذلك رئيس كنيسة رومة مقاومة لقرار المجمع وسلطة الإمبراطور، ويومئذ يكون اللومبارديون مهددين إيطاليا والإيطاليون يخضعون لرئيس كنيستهم أكثر من خضوعهم للإمبراطور. فلما يرى رئيس الكنيسة الغربية أنه لا يُرجى من الإمبراطور مساعدة على اللومبارديين يستعين بالفرنك عليهم فتسقط سلطة الإمبراطور عن إيطاليا سقوطًا تامًّا، وتنضم إيطاليا إلى أملاك ملكين عظيمين للفرنك٤١ ثم إن رئيس الكنيسة الغربية رغبة في تقوية نفوذه وسلطته يمنح أعظم هذين الملكين٤٢ لقب «إمبراطور» ويتوِّجه في سنة ٨٠٠. فيستاء من ذلك إمبراطرة السلطنة الشرقية، ولا يعترفون له بهذا اللقب. ثم إن «الإمبراطور الغربي الجديد» تحدثه نفسه بتوحيد الإمبراطوريتين؛ ليكون «سلطان العالم» فينوي الزواج بإمبراطورة تكون على عرش السلطنة الشرقية٤٣ ثم يقوم أحد الإمبراطرة٤٤ ويعترف له بلقبه، وإن كان باقي الإمبراطرة بعده ينكرونه عليه، وفي سنة ٨٤٢ يجتمع مجمع في القسطنطيية ويقرر إعادة الصور.
وفي ختام القرن التاسع والعاشر تبلغ المملكة من السعة والقوة مبلغًا لم تدركه قبل ذلك. حتى إن أحد ملوكها٤٥ يدحر السلافيين في بلاد الروس، ويملي عليهم شروط الصلح، ويصل إلى ما وراء نهر الفرات، ولكن هذا العدو الهائل — الروس وفرعهم من البلغار والسرب — يبقى في وجه السلطنة كجبَّار رابض على صدرها. إلا أن هذا الجبار يتلطف يومًا وينجذب إلى المدنية اليونانية. فتأتي في سنة ٩٥٧ أرملة الملك الذي هاجم القسطنطينية٤٦ إلى هذه العاصمة وتعمَّد فيها، وفي سنة ٩٨٨ يتزوج أحد ملوك الروس٤٧ بأخت إمبراطور٤٨ ويُدخل إلى بلاده الدين المسيحي والمدنية اليونانية. فتصير مدينة كييف ثانية القسطنطينية من حيث نمو العمران والحضارة والمدنية، ولكن إمبراطورية اليونان تربي لنفسها في هذا الشعب الهائل الجديد الآخذ في التمدن عدوًّا لدودًا و«وارثًا» لقوتها وسلطنتها، وكأن الله يختار هذا الشعب الجديد لهذه الوظيفة؛ لأن الشعب اليوناني القديم يعجز عن إتمام وظيفته إلى النهاية للأمراض التي طرأت عليه، ومما يزيد أعداءه وأمراضه حروب يسمونها يومئذ حروبًا صليبية. فإن المنجم يقول: إن امراء الغرب سيتحدون يومًا على الشرق بتحريض رجال الدين، ويكون لهم يومئذ من هذا التحريض غرضان؛ الأول: إسقاط سلطنة اليونان لما بين الفريقين من الخلافات الدينية، والثاني: إفناء سلطة الإسلام واستخلاص القبر المقدس منها، وستكون هذه الحروب من أعظم الوسائل إلى تمدين الغرب؛ لأن الصليبيين يجدون في القسطنطينية والشرق من آثار العمران والعلوم والفنون والحكمة والعظمة ما يبهر عقولهم فيتهافتون على اقتباسه، ولكنهم يجزون هذه الأمم الممدَّنة في مقابلة ذلك شر جزاء؛ لأنهم يضعفونها بحروبهم، ويفرغون جهدهم في إسقاطها، ويستولون مدة على القسطنطينية منصرفين إليها عن الشرق وعن الإسلام. مع أنه لو يتحد الفريقان يومئذ؛ لتغير وجه الكرة الأرضية، ولكن إذا كان يمكن اتحاد الماء بالنار يمكن اتحاد اليوناني باللاتيني؛ لتخالف مصالحهما السياسية والدينية معًا، ولما يظن أحد الإمبراطرة٤٩ أن النزاع بين السلطنتين وارد من جهة الاختلاف في الدين فقط يتقرب من كنيسة رومة لإزالة الخلاف. فيرسل نوابًا من قِبله إلى مجمع ليون (سنة ١٢٧٤) ولكن الشرق وكنيسته يرفضون الاتفاق. فكأن هذا الإمبراطور يجهل ما يعرفه الجميع من أن كل أمة تحب أن تعيش حرة في بلادها، وتفهم دينها بعقول أبنائها لا بعقول غيرهم. ثم تصبح الحالة في القسطنطينية فوضى، ويكون للإيطاليين فيها محاكم خصوصية وقناصل يحكمون بينهم كأنهم مملكة في المملكة، وتثور حرب أهلية بين شيخ وحفيده٥٠ فيقوم خادم للشيخ٥١ ويغتصب الملك منهما، ويحالف الأتراك عليهما (سنة ١٣٤٧–١٣٥٥) ويكون ملك هذا الخادم مقصورًا على النزاع على الملك بينه وبين الوارث الشرعي من آل الشيخ٥٢ ولما يعود الملك إلى الوارث الحقيقي يقوم عليه ابنه، وسيبذل البندقيون والجنويون والأتراك جهدهم للاستفادة من هذه الفتن الداخلية ويوسعونها، وحينئذ تبدأ سلطة عظيمة في الانتشار.
فإن الأتراك بعد الاضطرابات التي ستسقط خلافة بغداد (سنة ١٢٥٨) تشتد شوكتهم فينتشرون من شرقي جبال الأوليمب في وادي سنغاريوس حيث يقيمون ويزحفون إلى القارة الغربية، ويساعدهم على انتشارهم هذا أن الأسرة المالكة٥٣ بعد أن تترك القسطنطينية لعدوها الداخلي الذي قام عليها، وتتخذ نيقية عاصمة لها حيث تقدر منها على مراقبة الأتراك والحرص على ولاياتها الآسيوية التي كانت كل قوة الإمبراطورية منها — تعود فتترك نيقية لاستردادها القسطنطينية. فيخلو الجو حينئذ للأتراك ويثبون على البلاد، وبدل أن يتحد السلافيون واليونان واللاتين عليهم يستعين بهم الإمبراطرة على سحق المملكة السربية التي أقامها السربيون. فيهدم سلطان تركي٥٤ مملكة السرب (سنة ١٣٨٩) وبذلك تقوى سلطة الأتراك قوة عظيمة. أما سلطنة بزنطية فإنها تصبح يومئذ عبارة عن بقايا ولايات منقطعة عن رأسها، ولكن بقاءها حينئذ إنما يكون مسببًا عن تعدد سلاطين الأتراك وانقسام قواتهم. فلما يقوم فيها سلطان قوي٥٥ ويوحد قوتهم وسلطتهم بإخضاعهم لسلطانه يهاجم القسطنطينية ويحصرها (١٣٩٧) ولكن انتصار سلطان المغول٥٦ على جنوده قرب أنقرة يرده عن هذه العاصمة. فيقوم بعده «التركي الفاتح» الذي كتب للقسطنطينية أن تفتح له٥٧ فيحصرها ويفتحها (سنة ١٤٥٣) ويجلس على عرش القياصرة العظام، بينما آخر إمبراطراتها٥٨ يموت بين جنوده موت الأبطال دفاعًا عن عاصمته وعرشه، وحينئذ تقوم في القسطنطينية الجديدة سلطنة جديدة عظيمة تبلغ من بسطة الجاه والعظمة أن تصل جنودها إلى قلب الغرب، وأساطيلها تستهزئ بشواطئه.

فلما انتهى الشيخ إلى هنا سكت، ونظر إلى إيليا فوجده مشغولًا عنه بالتأمل، وعلى وجهه دلائل التألم من شيء يفكر فيه. أما أمراء العرب فقد ساءهم ختام نبوءة الشيخ، وكان الزبير حاضرًا بينهم فانبرى، وقال: إن صاحبك المنجم يظن أننا سنصنع صنع الروم أي نشتغل لغيرنا. فوالله الذي لا إله إلا هو إننا سنملك القسطنطينية كما ملكنا بيت المقدس، ولو توارت عنا في السحاب.

فقال الشيخ وقد رام تخفيف غضب الزبير وغيره: أيها الفارس الشجاع، لا تغضب لنبوءة المنجم فإنه يتكهن على غير هدى. أما نحن معاشر السوريين فسيان عندنا ملكتم السلطنة أنتم أو ملكها غيركم؛ لأننا لا نطلب من ملكها غير العدل والحرية.

فابتسم أبو عبيدة وسأل الشيخ: وهل فرغت نبوءة المنجم؟ أم بقي منها شيء لعل نوبتنا تأتي بعدها. فأجاب الشيخ: بل بقي منها شيء، وهي أن الذين رشحوا أنفسهم لوراثة سلطنة بزنطية كما تقدم الكلام يغضبون لانتقال هذا الإرث من يد اليونان إلى يد أمة «الفاتح» كما غضبتم الآن أنتم من ذلك. فيقومون إلى طلب هذا الإرث.

فقال أبو عبيدة: وبعد؟

فأجاب الشيخ: هنا سكت المنجم، ولم يعد يذكر شيئًا جليًّا، وإنما يقول: إنه بعد اضطرابات وحروب شديدة يُظهر فيها كل واحد من الفريقين منتهى البسالة والقوة تتحول سياسة العالم عن مجراها الأول. فإنه بعد أن يكون كل الخلاف والنزاع محصورًا في سلطنة عظمى ينازعها جيرانها البقاء ويطمعون فيها تقوم سلطنات عظيمة أخرى على أنقاض إيطاليا القديمة والسلطنة الغربية، فتنصرف الأهمية السياسية عن بزنطية إلى عواصم سلطنات الغرب الجديدة، وبدل أن يكون حينئذ همُّ «الوارث» مصروفًا إلى منازعة «الفاتح» لطلب إرثه يكون مصروفًا إلى مقاومة تلك السلطنات القوية الجديدة؛ ليحفظ نفسه منها، وإلى زيادة مستعمراته في جهات أخرى؛ لأن سياسة المستقبل سياسة فتوح استعمارية لا سياسة فتوح حربية وأطماع فارغة؛ بل إن «الوارث» و«الفاتح» سيتفقان بإزاء الخطر الجديد الوارد من باقي السلطنات الكبرى والصغرى، ويعيشان جنبًا إلى جنب بسلام وأمان كجارين كريمين، فإن الأرض واسعة لا تضيق عن الناس الكرام.

فقال أبو عبيدة: ولكن ألم يخبر المنجم شيئًا عن «الأصيل» صاحب الملك الأول. فأين يذهب؟

فأجاب الشيخ: نعم، أخبر عنه. فإنه يقول: إن هذا «الأصيل» يصغر بعد الكبر؛ لأنه لم يقدر على حفظ نفسه، وينحصر في شبه جزيرة صغيرة قرب القسطنطينية، ومن هناك يبقى متطالًا دائمًا إلى عاصمته القديمة مفكرًا فيها ومراقبًا «الوارث» عدوه القديم لئلا يسطو عليها.

فقال خالد ضاحكًا: والعجب من تعادي «الأصيل» و«الوارث» مع أنهما من دين واحد.

فضحك الشيخ وأجاب: إن المنجم يقول: إن «الأصيل» سيتفق يومًا مع «الفاتح» على «الوارث» وعناصره٥٩ حفظًا لمصالحه؛ لأن السياسة مبنية على المصالح لا على الأديان، والقرون القادمة سيكون الدين فيها أضعف العلائق بين الناس.

ويظهر أن الإمام عمر ضجر من هذا الحديث فظهرت دلائل الملل في وجهه فقال: لا عرافة ولا تنجيم في الإسلام، والله لم يدهشني شيء كغضب الزبير من تخرصات المنجم. فدعونا من هذه الأوهام. أيها الشيخ شكرًا؛ لأنك أوقفتنا على بعض أخبار المملكة. اتبعنا يا إيليا.

ثم نهض عمر فنهض الجميع لنهوضه عائدين إلى بيت المقدس، وعمر كثير التفكير والاهتمام.

وكان أبو عبيدة يسير إلى جانب الإمام عمر في مسيره وهو يفكر أيضًا، وبعد حين قال: ما قول أمير المؤمنين في أسباب سقوط دولة الروم؟ والله إن نفسي في أثناء كلام الشيخ كانت تنتفض خوفًا من أن يصيبنا يومًا ما أصابهم.

فسمع خالد كلام أبي عبيدة فدنا منه وقال: أيها الأمير نحن بعيدون عن كل ما أودى بالروم بُعد الأرض عن السماء. فلا رهبانية في الإسلام؛ لنخشى منها على ديننا وشعبنا، ولا تجبُّر ولا تكبر عندنا؛ لنترك ضعفاءنا يموتون جوعًا وضعفًا وأقوياءنا يحشدون الأموال ويسخِّرون لأنفسهم باقي الناس بأجور قليلة، وخليفتنا إنما يهتم بصلاح حال الشعب قبل اهتمامه بفسه وبأمراء أمته، وكل واحد منا أحب شيء إليه الموت في ساحة القتال طلبًا للجهاد؛ لأنه مروض على الحرب منذ نعومة أظفاره، وقبائلنا ملأ الله قلوبها بروح الإسلام، وغسلها من أدران الجاهلية؛ فهي متحدة على إعلاء كلمة الله اتحادًا لا انفصام بعده. فماذا نخاف بعد هذا؟

فسكت عمر ولم يجب، ولكنه بعد حين قال لأبي عبيدة: ادعُ لي إيليا. فأسرع إيليا ووراءه الترجمان. فسأله عمر: يا إيليا هل ورد للرهبان والصور ذكر في إنجيلكم؟ فأجاب إيليا: كلا أيها الأمير، فقال عمر: هل يعلمكم إنجيلكم التجبر والتكبر ويقسم أمتكم قسمين: سائدين ومسودين؟ فقال إيليا: معاذ الله أيها الأمير، فإنه يعلِّمنا أن الكبير فينا صغير والصغير فينا كبير، وأن رئيسنا يغسل قدمي كل واحد منا دلالة على اتضاعه واهتمامه بأمته.

فقال خالد: سبحان الله.

فقال عمر وقد هز رأسه: وهل يحضكم إنجيلكم على إدخار الأموال والاستئثار بها وإنفاقها في سبيل الشهوات والملاذ؟ فقال إيليا: أيها الأمير إن سيدنا المسيح كان يشترط على كل رجل يتبعه أن يبيع أملاكه، ويجيء بثمنها إلى صندوق الطائفة وهو «كبيت المال» عندكم.

فقال خالد أيضًا: سبحان الله.

فقال عمر: وهل يحضكم إنجيلكم على التنافس والتباغض، وقيام أفرادكم بعضهم على بعض، وشعوبكم بعضها على بعض؟ فقال إيليا: أيها الأمير إن إنجيلنا يقول: «لا تقاوموا الشر بالشر؛ بل من ضربكم على خدكم الأيمن فحوِّلوا له الأيسر، وأحبوا أعداءكم وباركوا مبغضيكم؛ لأنكم إذا لم تحبوا غير محبيكم فأي أجر لكم».

فصاح خالد هذه المرة بصوت أقوى مستغربًا: يا سبحان الله.

أما عمر فإنه أنفض رأسه وسكت، وبقي يسير بجانب أبي عبيدة وخالد متنح عنهما، وبعد برهة رفع الإمام الجليل كمه إلى عينيه فنظر أبو عبيدة في وجهه فرأى دمعتين جميلتين تسطعان كلؤلؤتين في حدقتي الإمام. فصاح أبو عبيدة: ما أبكى أمير المؤمنين؟ فازداد عمر بكاء وقال: يا عامر إنني أبكي على أمتي؛ لأنني لا أعلم ما يحل بها بعدي. يا عامر، إنك تعلم أنني لم أرع العرب وأجمعهم بعد تفرق كلمتهم إلا بعصًا من حديد، فأخشى أن تدب عقارب الشقاق بينهم بعدي. يا عامر قد سمعت من الشاب إيليا ما هي شريعة الروم، وسمعتَ من الشيخ كيف خرجوا عنها، فأنا أخشى أن نخرج عن شريعتنا في مستقبل الزمان كما خرج الروم عن شريعتهم فيصيبنا ما أصابهم. يا عامر، إن بلاد الله وعباد الله لا تُساس إلا بالعدل والصدق والحق وإطلاق الحرية للغير؛ لأن لكل فرد وكل شعب حيزًا لا غنى له عن التحرك ضمنه، وإنصاف الناس حتى أصغرهم وأحقرهم، والاهتمام بالشعب قبل كل اهتمام، وتنزيه الدين عن اتخاذه دعامة للمصالح وللسياسة وآلة للبغض والشقاق، واعتبار الأمم التي تقبلنا وندخل بلادها أنسباء لنا. لها ما لنا وعليها ما علينا؛ لأنها في ذمة الله وذمتنا. فأنا أخشى يا عامر أن نغير ما بأنفسنا من هذا يومًا كما غيَّر الروم؛ فيغير الله نعمته علينا، وتنتقض أعمالنا.

فيا تربة جبل الزيتون التي شربتِ تينك الدمعتين الجميلتين اللتين جرتا من عيني الإمام العادل العظيم هل حفظتِهما في صدفة نفيسة كما يُحفظ الدرُّ النفيس. يا طيف الكمال الذي يسكن جو ذلك الجبل الكريم منذ دوت في فضائه خطب ابن الناصرة الإلهية ألم ترفرف حيئذ حمامتك السماوية على رأس ابن الخطاب حين لفظ هذا الكلام الجميل، ويا أيها المسلمون والمسيحيون في مشارق الأرض ومغاربها خصوصًا يا إخواننا الشرقيين ألا تنتفض عظامنا كلنا — انتفاض العصفور بلَّله القطر — بعد وقوفنا على أسباب سقوط سلطنة بزنطية، وتأملنا في التي خلفتها، وسماعنا الإمام عمر بعد وقوفه على هذه الأسباب يقول ما قاله.

١  في الأصل «هراقليوس» وهرقل مأخوذة من Eracle وهي اسمه مصغر تحببًا.
٢  كل ما يرد في هذا الفصل عن لسان الشيخ ملخص من تاريخ بزنطية، وإن لم يوضع عليه نجمة.
٣  يسميه الإفرنج خسرو الثاني أي كسرى الثاني أو «الملك العظيم».
٤  هو المشهور في مصر بأنه أمر عامله فيها بمنع المصريين من تولي الوظائف الأميرية؛ لتخصيصها باليونان، فثار لذلك المصريون بالإسكندرية بتحريض اليهود على الأكثر، فانتقم الإمبراطور من اليهود بأن أجبرهم على التنصُّر وعمَّدهم قسرًا.
٥  سنة ٦١٤م.
٦  هي اليوم توريس من أعمال أذربيجان. معنى أذربيجان بلاد النار، وقد سميت كذلك؛ لأن الفرس كانوا يومئذ يضعون فيها أعظم نيرانهم التي كانوا يعبدونها — وقد خبئوا يومئذ الصليب في هذا الموضع.
٧  هذا يدل على ارتقاء الفنون عند الفرس يومئذ.
٨  الأستانة اليوم.
٩  بابيت في تاريخ بزنطية.
١٠  بابيت، وكل هذه التفاصيل له.
١١  بابيت.
١٢  مونتسكيو الفيلسوف والشارع المشهور، ولكن هذا القول متأخر عن زمن الشيخ.
١٣  مونتسكيو في كتابه أسباب عظمة الرومان وأسباب سقوطهم.
١٤  مونتسكيو.
١٥  مونتسكيو، وقد نقل عن بروبوكوب المؤرخ اليوناني أن جوستنيانوس استأصل السامريين في فلسطين فصارت مقفرة بعدهم.
١٦  بما أننا نتكلم هنا عن أسباب سقوط سلطنة بزنطية القديمة، الأستانة، فقد رأينا جمع كل تلك الأسباب في كلام الشيخ، وإن كان أكثرها متأخرًا عنه.
١٧  مونتسكيو.
١٨  مونتسكيو.
١٩  لما فتح كانتاكوزينوس القسطنطينية وجد الإمبراطور حنا والإمبراطورة حنة مشغولين بمجمع ضد أعداء الرهبان، ولما حاصرهم محمد الفاتح بعد ذلك ليفتحها كما تم له ذلك كان أهلها مهتمين بمجمع فلورنسا أكثر من اهتمامهم بجيش الأتراك (مونتسكيو).
٢٠  مونتسكيو.
٢١  مونتسكيو.
٢٢  هو أندرونيكوس بالبولوغوس، وقد رواه مونتسكيو، ولكن بابيت يقول إن آل بالبولوغوس لم يهملوا بحريتهم وأساطيلهم إلا اعتمادًا على بحرية الجنوبيين محالفيهم.
٢٣  مونتسكيو.
٢٤  هذه الفقرة مترجمة حرفيًّا عن مونتسكيو.
٢٥  مونتسكيو.
٢٦  مونتسكيو.
٢٧  شاع هذا الاعتقاد على الخصوص حين ظهور الإسلام.
٢٨  مونتسكيو.
٢٩  مونتسكيو.
٣٠  مونتسكيو.
٣١  مونتسكيو.
٣٢  منقول حرفيًّا عن مونتسكيو، ولكن ليس الذنب في هذا الضعف «للمرأة الواحدة» بل لعدم وجود دستور ومجالس نيابية دستورية توقف الإمبراطور والإمبراطورة معًا عند حدودهما كالحال الآن في أوروبا وأميركا؛ حيث جميع الملوك والرؤساء بامرأة واحدة.
٣٣  هذه الأسباب أوردها مونتسكيو؛ ليعلل بها بقاء سلطنة بزنطية قرونًا بعد ظهور العرب، وأخذهم أملاكها في الشام وفارس مع ما كان في السلطنة من الضعف والاعتلال.
٣٤  وضعنا هنا هذه النبوءة؛ لنتمكن من ذكر مستقبل سلطنة بزنطية بعد ذكرنا حاضرها وماضيها.
٣٥  هو معاوية.
٣٦  هي رومانيا وبلغاريا اليوم.
٣٧  هم لاون الثالث وقسطنطين الخامس ولاون الرابع ولاون الخامس.
٣٨  باييت وكل هذه التفاصيل له.
٣٩  جزيرة سيكلاده اليونانية في الأرخبيل.
٤٠  قسطنطين الخامس.
٤١  يبينوس وشارلمان.
٤٢  شارلمان.
٤٣  الإمبراطورة أيرينا.
٤٤  ميخائيل الأول.
٤٥  يوحنا تزيمسيس.
٤٦  أولغا أرملة أيكو.
٤٧  فلاديمير.
٤٨  باسيليوس الثاني.
٤٩  ميخائيل باليولوغوس.
٥٠  أندرونيكوس الشيخ، وحفيده أندرونيكوس الشاب.
٥١  كانتاكوزينوس.
٥٢  يوحنا باليولوغوس.
٥٣  آل باليولوغوس.
٥٤  مراد الأول.
٥٥  بايزيد.
٥٦  تيمور لنك.
٥٧  محمد الفاتح المعروف بمحمد الثاني.
٥٨  قسطنطين دراجاليس.
٥٩  هو اتفاق الباب العالي واليونان في العام الماضي على البلغار في المسألة المكدونية، ومما تجب ملاحظته هنا أن هذا الاتفاق جاء منطبقًا على سياسة اليونان الماضية لما استعانوا على سحق سلطنة السرب بمراد الأول كما تقدم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤