الفتحة الصخرية تختفي!

أوقف «أحمد» موتور الغواصة، وظل هو و«قيس» يتأمَّلان هذا الضباب الكثيف … لم تمضِ لحظات، حتى كان الضباب يَنقشع … نظر الاثنان إلى بعضهما … ماذا يعني هذا؟ … ظلا يرقبان الجزيرة التي ظهرت … كانت عبارة عن كتلة صخرية ضخمة في وسطها مجموعة من الأشجار الاستوائية العالية … أدار «أحمد» الموتور، وبدأ يتَّجه بالغواصة إلى الجزيرة، لكن الطائر المسكين أنقذهما في آخر لحظة … لقد اقترب طائر «النورس» الأبيض الجميل من الجزيرة، وقبل أن يصلَ إليها سقط ميتًا … هذه هي الجزيرة إذن … وهذا هو نطاقها السام … وبدا واضحًا، أنه ينبغي عليهما أن يعودا إلى حيث جاءا، ولتكن لهما جولة أخرى بعد اجتماع الشياطين …

ضغط «أحمد» أحد الأزرار، فبدأت الغوَّاصة تأخذ طريقها مرةً أخرى إلى القاع، ثم تأخذ مسارها حسب «البوصلة» المُضيئة إلى الشاطئ …

في نفس الوقت كان الشياطين الثلاثة في عمل آخر داخل ميناء «بومباي» الضخم … كان «هان» قد رتَّب الأمور قبل أن يصل الجميع … كان «خالد» يعمل حمالًا و«ريما» و«عثمان» يعملان في بوفيه الميناء … كان الثلاثة يَعرفون بالتحديد أوصاف «فيشر» و«تراب»، وكان وجود «خالد» في عمله كحمَّال يُتيح له أن يرى حركة الميناء على أرصفته … في نفس الوقت كانت «ريما» ومعها «عثمان» يريان حركة السفر، داخل البوفيه، من خلال المنتظرين والمسافرين …

سمع «خالد» ميكريفون الميناء يقول: وصلت الباخرة «فريدم» على الرصيف رقم «١٥» … يتم الإنزال بعد نصف ساعة … أسرع «خالد» في اتجاه رصيف رقم «١٥» ووقف يرقب الباخرة الضخمة … كانت الباخرة «فريدم» أو «الحرية» تأخُذ موقفها على الرصيف، بينما آلاف المنتظرين يرفعون أيديهم بالتحية … كان المنظر مثيرًا، لكنه لم يستغرق «خالد» الذي كان يرقب لنشًا صغيرًا، يقترب من الباخرة، وهو يطلق صفارة ضخمة … كان اللنش يحمل عددًا من البحارة، يلبسون ملابس البحرية، لكن واحدًا من بينهم كان يلبس ملابس عادية … كان أقصر الموجودين، ضئيل الجسم … تذكر «خالد» ما عرفه عن «فيشر» … اقترب من رصيف الميناء، حيث اقترب اللنش أكثر، حتى اصطدم برقة بحاجز الرصيف، وفي رشاقة قفز أحد البحارة أولًا، ثم مدَّ يده إلى الرجل الضئيل الجسم فأمسك بيده، حتى قفز هو الآخر إلى الرصيف … ظل «خالد» يتشاغل برؤية حركة الميناء، في نفس اللحظة التي كان يرقب فيها بحارة اللنش وهذا الرجل الضئيل الجسم … تحرك الجميع، فتبعهم … كانوا يأخذون طريقهم إلى البوفيه، وعندما جلسوا، اقترب «خالد» من «عثمان» وأسرَّ له شيئًا، ثم انصرف … نادى الرجل الضئيل على عامل البوفيه، فأسرع «عثمان».

قال الرجل بالإنجليزية: أريد قهوة باللبن … وطلب الآخرون أشياء أخرى … خلال ذلك، كان «عثمان» يَرقُب ذلك الرجل … سمع أحد البحارة يتحدث إليه ويُناديه باسم «هل»، نظر «عثمان» إلى يدَي «هل» كانت كاملة الأصابع، وإن كانت اليُمنى، يُغطي السبابة فيها غطاء أبيض … أسرع «عثمان» يُلبي طلباتهم، وعندما عاد تعمد أن يقدم كوب القهوة له … أشار له «هل» أن يضعها على الترابيزة … قدم «عثمان» بقية الطلبات للآخرين، ووقف بعيدًا، يرقب لحظة أن يرفع «هل» كوب القهوة، بيده … كان البحارة مستغرقين في الحديث … لحظة، ورفع «هل» كوب القهوة بيده اليسرى … فكر «عثمان» قد تكون عادة في الرجل أن يَستخدم يده اليسرى، وقد يكون لإصابة ما في يده اليمنى … لكن ظلَّ مع تلبية طلبات الزبائن في البوفيه، لا يجعل «هل» يغيب عن عينيه في نفس اللحظة … كانت «ريما» التي تعمل داخل البوفيه في تجهيز طلبات الزبائن مُستغرقة تمامًا في عملها … كانت حركة البوفيه نشيطة، حتى إن «عثمان» شعر بالتعب، لكثرة تنقله بين الترابيزات …

وفي نفس الوقت … كان «أحمد» و«قيس» قد خرجا من المحيط، واتخذا طريقهما إلى الميناء … في الخارج أوقفا السيارة، ثم تقدما من البوابة، أوقفهما حرس الميناء فأخرج «أحمد» كارنيهًا، وما إن رآه الحارس، حتى أفسح له الطريق … دخل الاثنان واتجها إلى البوفيه جلسا كزبائن، ثم أشارا ﻟ «عثمان» الذي أقبل نحوهما متعبًا … طلب «أحمد» كوب قهوة باللبن، وطلب «قيس» كوب شاي باللبن … وعندما انصرف «عثمان»، كان الاثنان يضحكان، وهما ينظران إلى «ريما» التي كانت مشغولة تمامًا بعملها.

أجال «أحمد» عينيه في الجالسين … ومن بعيد رأى «خالد» يدفع عربة نقلِ حقائب صغيرة أمامه، كان يبدو أن العربة ثقيلة الوزن … وعندما مرَّ على البوفيه، التقت أعينهم وأشاروا لبعضهم بالتحية …

أقبل «عثمان» بالقهوة والشاي، وتحدث إلى «أحمد» وهو يلفت نظره إلى مجموعة «هل» …

انصرف «عثمان» وبدأ «أحمد» مراقبتهم …

كان الوقت يمر سريعًا وسط حركة البوفيه والميناء … عاد «خالد» وهو يدفع العربة الفارغة الآن، وبدأت مجموعة أخرى من عمال البوفيه وعاملاته في استلام العمل مكان المجموعة الأولى … خرجت «ريما» وتبعها «عثمان». تقدَّما في اتجاه الباب، فتبعهما «قيس» … تباطأ «عثمان» قليلًا، حتى لحق به «قيس» … قال «عثمان»: إننا في الطريق إلى المقر السري … العنوان شارع المهراجا رقم «٤٨» … عاد «قيس» ولحق «عثمان» ﺑ «ريما» …

كان «خالد» يجلس مع «أحمد» … قال «قيس»: ينبغي أن ينصرف «خالد» للراحة، فغدًا لدينا عمل كثير …

خالد: سوف أنصرف حالًا … إنني في غاية التعب …

انصرف «خالد»، وظل «أحمد» و«قيس» في مكانهما يرقبان مجموعة البحارة … كان «هل» قد انتهى من احتساء القهوة، ثم وقف، فوقف الآخرون، وعندما تقدموا في اتجاه رصيف الميناء حيث يقف اللنش، تبعهما الاثنان … لحظات، حتى نزل الجميع، ثم انطلق اللنش في سرعة رهيبة، لفت نظر «أحمد» … أخذ الاثنان طريقهما للخروج من الميناء، لقد بدا أن هناك خطوات طيبة …

في المقر السري، اجتمع الشياطين … قال «أحمد»: لقد اكتشفنا الجزيرة!

صاح الباقون في سعادة قالت «ريما»: إذن … لقد اختصَرنا الطريق!

ابتسم «أحمد» وقال: بل لم يبدأ بعد … قال «خالد»: إنني أشك في الرجل الضئيل …

قال «عثمان»: تقصد «هل»؟

خالد: مَن «هل»؟

«عثمان»: الرجل الضئيل الجسم …

«أحمد»: إنني أضم صوتي إليكما، وهذا يحتاج إلى مراقبة يومية … وهذه مهمة «خالد» و«ريما» … أما «عثمان» فإنه سوف ينضمُّ إلينا؛ فقد نحاول دخول الجزيرة، اجتماعنا سوف يكون في الثامنة مساءً …

ريما: أظن أنكم في حاجة إلى الطعام الآن …

لم ينطق أحد، وكان هذا يعني أنهم جوعى … وبسرعة تحركت «ريما» إلى المطبخ، نظر الشياطين إلى بعضهم ثم ابتسموا، وقاموا جميعًا خلفها، لمساعدتها …

عندما انتهى الطعام الذي تناولوه في صمت، اتجه كلٌّ منهم إلى غرفته … وفي أقل من دقائق، كانوا جميعًا قد استغرقوا في النوم …

في الصباح … كان أول الذين استيقظوا هو «أحمد» وكان السبب هو تلك الإشارة الصوتية التي أصدرها الجهاز السري … كانت هناك إشارة من مستر «هان» تسأل عن الشياطين … رد «أحمد» على الإشارة بأن كل شيء على ما ينبغي … قفز «أحمد» من سريره، ودق جرسًا جعل الباقين يقفزون من أسرتهم … وفي دقائق، كانوا جميعًا في طريقهم إلى العمل …

اتجه «خالد» و«ريما» إلى الميناء … واتجه «أحمد» و«قيس» و«عثمان» إلى المحيط …

عندما توقفت السيارة عند الفتحة الصخرية، نزل منها الشياطين الثلاثة واستقلوا الغواصة الخاصة بهم … وبعد لحظات، بدأت الغواصة تغوص إلى أعماق المحيط … وعندما وصلت إلى الأرض الصلبة في الأعماق، اندفعت في اتجاه السَّهم الذي تشير إليه البوصلة المضيئة … كان الاتجاه إلى الجزيرة.

استمرت الغواصة في انطلاقها … ورغم عمق المحيط، إلا أن أضواء الغواصة كانت تضيء الأعماق تمامًا … لكن فجأة أظلمت الدنيا … برغم الأضواء … نظر الشياطين فوقهم، فوجدوا كتلة سوداء تتحرك …

أدار «أحمد» رادار الغواصة … فظهرت غواصة كبيرة على الشاشة … كانت الغواصة تتحرك، والشياطين يُراقبونها … وكان اتجاهها، هو نفس اتجاه السهم … كان الاتجاه هو الجزيرة …

قال «أحمد»: يبدو أننا سنجد طريقنا إلى داخل الجزيرة!

أخذ «أحمد» يتتبع الغواصة، التي دخلت إلى نطاق الجزيرة، ثم أخذت ترتفع إلى سطح الماء … داس «أحمد» على ذراع الطفو، فأخذت الغواصة تطفو … وعندما أصبحت قريبة من السطح أوقف الغواصة، فظلَّت واقفة تحت السطح …

في نفس الوقت الذي وصلت فيه الغواصة الكبيرة إلى السطح تمامًا وعلى شاشة الرادار … ظهرت المفاجأة …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤