وفجأة غرقت الجزيرة!

صرخت «ريما» صرخة عالية … ثم انجذب «خالد» جذبة قوية جعلتْه يجذب «قيس»، وعندما استطاع الاثنان أن يَقفا تمامًا، كانت «ريما» تصرخ: أنقذاني … أنقذاني …

لقد سقطت «ريما» داخل حُفرة عميقة، وكان صوتها يتردَّد صداه داخلها …

قال «قيس» هامسًا: يجب أن نُدلِّي لها بالحبل، ثم نجذبها، دون أي صوت …

انحنى «قيس» على حافة الحفرة التي كانت تُغطيها أوراق الأشجار وفروعها، ثم أخرج بطارية صغيرة، أخفاها داخل الحفرة، حتى لا يَظهر ضوءُها في الخارج، ثم أضاءها … كانت «ريما» بعيدة تمامًا … همس إليها «قيس»: لا تَنزعجي … ولا يجب أن تُصدري أي صوت، حتى لا ينكشف موقفنا …

مدَّت «ريما» يدها وأمسكت بالحبل … أخذ «قيس» و«خالد» يجذبانها، حتى اقتربت من حافة الحفرة … مد «خالد» يده وأمسك يدها، ثم جذبها بهدوء، حتى أخرجها من الحفرة … كانت بعض الدماء تسيل من ساقها …

قال «خالد»: لا بأس … لقد انتهت الأزمة …

تجمَّد الثلاثة، وأمسكوا بأيدي بعضهم … لقد كان هناك صوت أقدام تقترب … كان يبدو أن الأقدام تقترب على حذر … أخرج «قيس» جهاز الاتصال اللاسلكي الصغير ثم أدارَه، ولم تمضِ سوى لحظة، حتى همس بصوت مملوء بالفرح: «أحمد» و«عثمان» يَقتربان!

ظلت الأقدام تقترب أكثر فأكثر … ثم صاح «عثمان»: الشياطين!

كانت لحظة مشحونة بالسعادة … أخيرًا، لقد اجتمع الشياطين، أمسكوا بأيدي بعضهم، ثم غيروا اتجاه السير وخلف شجرة ضخمة، جلسوا جميعًا … قال «أحمد»: ينبغي أن نستريح حتى الصباح، إننا أمام عملية كبيرة … سوف نُقسِّم أنفسنا، ثلاثة ينامون، واثنان يقومان بالحراسة … وهكذا حتى الصباح …

قال «قيس»: سوف أبدأ نوبة الحراسة …

خالد: وأنا مع «قيس»، لقد تعبتُما تمامًا …

ريما: أنا و«خالد» نبدأ الحراسة … فأنتم الثلاثة تعبتم كثيرًا … هكذا استقر التقسيم، وتمدَّد الشياطين الثلاثة تحت الشجرة … كان هواء الليل رقيقًا، حتى إنهم لم يَلبثُوا أن استغرقوا في النوم، في نفس الوقت الذي كان فيه «خالد» و«ريما» يقومان بالحراسة في شكل دائرة حول الشجرة … كانت أصوات هادئة أحيانًا تقطع صمت الجزيرة بأشجارها … صوت عصفور أو صوت كلب ينبح قليلًا ثم يهدأ … مضت حوالي الساعة، ثم فجأة، توقف «خالد» … كان يبدو أن أصوات أقدام تَقترِب … اقتربت «ريما» من «خالد» وقالت بصوت هامس: يبدو أن أحدًا يقترب منا!

خالد: إنها أصوات أقدام كثيرة …

ريما: هل نوقظ الباقين؟

خالد: أعتقد أنه يجب أن ننتظر قليلًا، حتى تقترب الأصوات أكثر، فإذا أصبحت قريبة تمامًا، يُمكن أن نوقظهم …

تجمَّد الاثنان في مكانهما، بينما كانت أصوات الأقدام تقترب أكثر فأكثر، حتى أصبح من الضروري إيقاظ الشياطين الثلاثة … اقترب «خالد» بسرعة من «أحمد» ثم هزَّه برفق … فتح «أحمد» عينيه، ونظر إلى «خالد» بدهشة … وبصوت مُمتلئ بالنعاس سأل: هل بدأت نوبة حراستي؟

خالد: لا لم تبدأ بعد … لكن يبدو أن أصواتًا غريبة تقترب منَّا …

قفز «أحمد» قفزة سريعة، وأصبح متحفزًا لأي طارئ في نفس اللحظة، كانت «ريما» توقظ «عثمان» و«قيس» … هب «عثمان» مذعورًا وهو يقول: ماذا هناك؟ لم تردَّ «ريما»؛ فقد كانت توقظ «قيس» …

في تلك اللحظة … التفَّ الشياطين حول بعضهم، وبدءوا ينصتون جيدًا، كان صوت الأقدام يقترب أكثر … فجأةً صاحَبَ الصوت نباح كلب، وسمع الشياطين صوتًا يتحدث بالإنجليزية: لا بد أنهم في مكان قريب. رد آخر: إنهم في منطقة قريبة من هنا، ما دامت الكلاب تَنبح بهذا الشكل … إننا يمكن أن نُطلِق الكلاب، سوف تَكشِف أماكنهم …

قال «أحمد» بصوت هامس: يجب أن نُغادر المكان فورًا، إنَّ الصوت يأتي من جهة اليمين … هيا نتجه إلى الاتجاه المعاكس … تحرَّك الشياطين بسرعة … ومع حركتهم ظلت الأصوات تقترب، ثم فجأة … حاصرهم ضوء قوي كأنَّ الجزيرة قد غرقت في ضوء النهار … أغمض الشياطين أعينهم بسرعة لشدة الضوء … ثم انبطحوا أرضًا، وزحفوا في اتجاه شجرة كافور ضخمة، حتى اختفوا خلفها … في نفس الوقت الذي كانت تَقترب فيه أصوات نباح الكلاب بدأ الشياطين يتحفَّزون … إنهم أمام معركة شرسة … كانت أصوات الكلاب تُحاصرُهم، مع اقتراب أصوات أفراد العصابة أيضًا … همس «أحمد»: «ريما» و«خالد» يزحفان بعيدًا، دعونا نُواجه نحن الثلاثة هذا الموقف … على الأقل يكون هناك من يتصرَّف، إذا حدث شيء …

في لمح البصر … كانت «ريما» و«خالد» يزحفان بعيدًا، حتى اختفيا عن الأنظار … ووقف الشياطين الثلاثة عندما صاح «فيشر»: لا داعيَ للهرب … استسلمُوا خير لكم …

لم ينطق أحد الشياطين الثلاثة … ولم يستسلموا … نظروا حولهم … كان رجال العصابة يقفون في نصف دائرة بينما الكلاب الضخمة مربوطة في سلاسل، يُمسكها بعض الحرَّاس العمالقة … ضحك «فيشر» وهو يقول: لا أظنُّ أنكم سوف تُفلتُون هذه المرة …

اقترب ثلاثة من رجال العصابة من الشياطين الثلاثة، حتى أصبحوا بجوارهم تمامًا … قال «فيشر»: هيا ضعوا القيود في أيديهم. تقدَّم أفراد العصابة أكثر … مدَّ «أحمد» يدَيه إلى الرجل، وعندما كان يضع القيد في يدَيه، كانت ضربة قوية من قدم «أحمد» قد استقرت في بطنه حتى إنه صرخ … وفي لمح البصر، كان «عثمان» يَطير في الهواء ويضرب الآخر بمشط رجله … بينما كان «قيس» يوجه لكمة قوية إلى فكِّ الرجل الثالث … لم تكن هناك فرصة ليستخدم الآخرون مسدَّساتهم، حتى لا تُصيب زملاءهم … فقد بدأت معركة بالأيدي …

كان من الواضح، أن الشياطين سوف يقعون في أيدي العصابة لكثرتهم بعد أن انضمَّ الآخرون إلى زملائهم … لكن أنقذ الموقف كله في لحظة واحدة أنَّ الغابة غرقت من جديد في الظلام …

صرخ «فيشر»: ماذا حدث؟

وعندما أخرج أحدهم بطارية يُضيء بها المكان كان الشياطين الثلاثة قد اختفوا … قال «فيشر»: أطلقوا الكلاب!

لم يكن الشياطين الثلاثة قد انصرفوا بعيدًا … لقد كانوا فوق شجرة قريبة، تطلُّ على أفراد العصابة …

أخرج «أحمد» من حقيبته الصغيرة، أنبوبة بها غاز مُثير للسعال وفتحها، ثم ألقى بها تحت الشجرة … في نفس اللحظة التي اقتربت فيها الكلاب من الشجرة، وخلفهم أفراد العصابة يَجرُون …

فجأة … انتابت الجميع نوبة سعال حادة، جعلت الشياطين يَغرقون في حالة ضحك مكتوم … ابتعد رجال العصابة عن الشجرة، فنزل الشياطين يتبعونهم في ترقب.

في نفس الوقت … كانت «ريما» و«خالد» يقفان فوق شجرة مانجو ضخمة، ينتظران ما يمكن أن تسفر عنه المعركة …

ولم تمضِ لحظات، حتى كان نباح الكلاب يقترب … قال «خالد»: يبدو أنهم قبضوا على الشياطين!

اقترب نباح الكلاب أكثر، واقتربت معه أصوات رجال العصابة حتى أصبحوا تحت الشجرة تمامًا … قفزت الكلاب حول الشجرة تَنبح … قال واحد من العصابة: لا بد أنهم فوق الشجرة … لكن فجأة تمدَّدت الكلاب على الأرض، غارقة في نوم عميق …

صرخ «فيشر»: ما هذا؟ يبدو أننا نُقابل شياطين … أو رجالًا من كوكب آخر!

اقترب رجال العصابة من كلابِهم الضخمة، يرَون ما حدث غير أن الكلاب لم تتحرك … نظر «فيشر» إلى رجال العصابة ثم قال: لا بدَّ أن نَنصرف حالًا … وأن نغادر الجزيرة!

ابتعد رجال العصابة … بينما الشياطين ينظرون إليهم في سخرية …

اختفى أفراد العصابة تمامًا … وبصفير هامس، نادى الشياطين لبعضهم، ثم اجتمعوا مرة أخرى …

قال «عثمان»: يجب أن نتبعهم فورًا.

قال «أحمد»: بل العكس يجب أن نتركهم حتى الصباح، إنهم الآن مُضطربون تمامًا، ولن يناموا بقية الليل … وهذا يسهل لنا مأموريتنا في الصباح؛ فنحن أيضًا في حاجة إلى النوم … ونظر إلى «خالد» وقال: فكرة رائعة لأنك أطفأت الأنوار، لقد كنا في موقف صعب …

ابتسم «خالد» وقال: إنَّ الصدفة وحدها هي التي فعلت ذلك؛ فقد رأينا مولد الكهرباء أمامنا، ونحن نَنسحب …

نظم الشياطين بعضهم … فنام «خالد» و«ريما» و«عثمان»، وظل «أحمد» و«قيس» في الحراسة … انقضت ثلاث ساعات، استيقظ في نهايتها «خالد» و«عثمان»، بينما ظلت «ريما» نائمة … وتوليا هما الحراسة … وعندما كانت أضواء الفجر تزحف إلى الدنيا كانت الغابة لا تزال هادئة تمامًا … بدأ نور الشمس يغمر قمم الأشجار فيُغطيها بلَون كالذهب، وبدأت أصوات العصافير تملأ المكان، وكأنها تعزف سيمفونية النهار … تمطَّى «أحمد» في نومه، ثم فتح عينيه … كان «عثمان» و«خالد» يقفان كالجنود في الوقت الذي يغطُّ فيه «قيس» و«ريما» في نوم عميق … قال «أحمد»: صباح الخير أيها الرجال … التفَت «عثمان» و«خالد» إليه، وابتسما … قال «عثمان»: صباح العصافير التي تشدو على الأغصان … ضحك الثلاثة، وقفز «أحمد» في نشاط … قال: يجب أن نجهز الإفطار حالًا … ضحك الثلاثة، بينما كان «أحمد» يتحرَّك وهو يرقب الأشجار التي تحمل ثمارها بين الموز، والمانجو، والكاكاو، وجوز الهند. أخذ يَجمع بعضًا منها، وقد غطى الأرض فقد كانت كلها ثمارًا ناضجة تمامًا، سقطت بفعل هذا النضج … اقترب من الشياطين وهو يقول: إفطار استوائي … ضحك «عثمان» و«خالد»، وقال «أحمد»: يكفي نومًا للشياطين … إننا نُريد أن نفاجئهم الآن …

استيقظت «ريما» و«قيس» … قالت «ريما»: شيء رائع هذا الصباح … ابتسم «قيس» وقال: الأروع منه تلك الليلة الماضية … إنها فعلًا جزيرة ذهبية …

ضحك الجميع، وأسرعوا إلى الإفطار … رفعت «ريما» ثمرة جوز هند مكسورة، وشربت ماءها وهي تقول: ماء الحياة … وفي نفس الوقت كان الآخرون يرفعون جوز الهند، ويشربون ماءه … انتهى الطعام في ضحك، وقال «أحمد»: الآن … يجب أن يبدأ العمل … أخرج جهاز الإرسال الصغير، وأرسل رسالة إلى رقم «صفر» … كان يقول في الرسالة: «من «ش. ك. س» إلى رقم «صفر» … نحن في المرحلة الأخيرة من العملية … تحيَّات الشياطين …»

تقدم الشياطين في تشكيل كرأس حربة … «أحمد» في المقدمة، وعن يمينه «خالد» و«عثمان» متأخِّرَين قليلًا … وعن يساره «قيس» و«ريما»، متأخرَّين قليلًا هما الآخران … كان «أحمد» يُمسك جهاز الرادار الصغير الذي كان يكشف له موقع كوخ العصابة، وكانت أرقام الرادار تقول إن الكوخ يبعد عنهما مسافة كيلومترين … أسرع الشياطين في سيرهم، إلا أن «ريما» بدأت تشعر بالتعب بعد قليل، فتأخَّر معها «قيس»، وقال «أحمد»: إنكما تعرفان اتجاهنا، فاتبعانا … نريد أن نصل إليهم قبل أن يستعدُّوا لشيء …

وقفت «ريما» تستريح قليلًا، بينما كان الشياطين الثلاثة يُسرعون في خطوهم في اتجاه الكوخ … ومن بين أغصان الأشجار، ظهرت مياه المحيط الزرقاء اللانهائية. نظر «أحمد» إلى «عثمان» و«خالد» وقال: تريان المحيط؟ نظر الاثنان إلى حيث يشير، ثم ابتسما … كانت المسافة الزرقاء مع خضرة الأشجار، تُشكِّل منظرًا بديعًا …

فجأة سمع الشياطين صفيرًا، نظر «أحمد» في الاتجاه الذي يصدر منه الصوت … وكانت المفاجأة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤