فكرة الشيطان

ما كادت «إلهام» تراهما حتى صاحت: لقد اتصل رقم «صفر». إن العالِم الأثري «رينيه بلانكارد» لم يغادر باريس … لقد أرسل إلى مصلحة الآثار يطلب تأجيل موعد وصول البعثة إلى الشتاء.

قال «أحمد»: هذا ما توقعته … إن «بلانكارد» الذي قابلناه عالِمٌ مزيف. وقد كنت أريد أن أسأل مفتش الآثار عن أسلوبه في العمل هو ورجاله. لا بُدَّ أنه لاحظ أنهم بلا خبرة في الحفريات هيَّا بنا.

وقفز الأربعة إلى السيارة وانطلقوا إلى معسكر البعثة … وعندما وصلوا كانت في انتظارهم مفاجأة … لم يكن هناك أحد على الإطلاق …

وكاد «أحمد» يدير السيارة عندما صاحت «إلهام»: «أحمد» … انتظر!

وأوقف «أحمد» السيارة. وقفزت «إلهام» منها واتجهت نحو تل الرمال الكبير الذي يخفي المعسكر … ووقفت أمام شيء وأخذت تتفرس فيه … ثم أشارت إلى بقية الشياطين فأسرعوا إليها. وأشارت «إلهام» إلى الشيء الذي لفت نظرها … كانت مجموعة من الأسلاك الكهربائية بارزة من الأرض … وقالت «إلهام»: إنها تمتد تحت التل الرملي.

خالد: وماذا يعني هذا؟

إلهام: معناه أن تحت التل أجهزة تدار بالكهرباء.

وأمسكت «إلهام» بقطعة خشب وبدأت تحفر بجوار الأسلاك … كلما أزالت التراب بدت الأسلاك ممتدة أكثر … واشترك بقية الشياطين في الحفر … والأسلاك تمتد وتمتد … وقال «أحمد»: خذ السيارة يا «بو عمير» واذهب إلى المدينة … أحضر لنا أدوات للحفر!

وقفز «بو عمير» إلى السيارة وانطلق بأقصى سرعة … وعندما عاد وجد الشياطين قد حفروا حفرة واسعة …

وقذف إليهم «بو عمير» بأدوات الحفر ونزل معهم، وقال موجِّهًا حديثه إلى «أحمد»: سألت في الطريق عن سيارات بعثة «بلانكارد» المزعومة … لم يرَهم أحد …

أحمد: لم يمروا في المدينة؟

بو عمير: أبدًا … سألت شرطي المرور … سألت في الفندق.

أحمد: لن يذهبوا بعيدًا … إن أمامهم ثماني ساعات على الأقل للوصول إلى القاهرة … ثم الإسكندرية لشحن السيارات … وسنتصل بالضابط «أكرم» في الوقت المناسب.

وبدأ الحفر يزداد عمقًا … وفجأة اصطدمت فأس بشيء صلب رن رنينًا واضحًا في الصمت المخيم على المكان البعيد … وصاح «أحمد»: إنها العربة، عربة الذهب!

ونظر إليه الشياطين مدهوشين … وعاد يقول وهو منهمك في الحفر: هذه هي الفكرة التي كانت بخيالي … عربة القطار تخرج من الخط إلى مخبأ محفور … ثم تختفي إلى الأبد.

وبدأ هيكل العربة يظهر فعلًا … وفجأة قالت «إلهام»: أسرعوا قليلًا … إن قلبي يحدثني بشيء غريب …

وانهالت المعاول على التل وقال «أحمد»: لقد صنعوا غرفة كاملة لإخفاء العربة … وهذه الأسلاك كانت تضيء الغرفة والعربة.

وفجأة رفع «أحمد» يده مشيرًا للشياطين بالكف عن الحفر … ثم وضع أُذنه على الجزء البارز من العربة وقال: هناك حركة في الداخل … أسرعوا!

وأخذت المعاول تنهال حتى وصلت إلى باب العربة، ففتحوها ووقع بصرهم على «عثمان» و«زبيدة» مكومين في جانب العربة يلبسان أجهزة أكسجين للتنفس … ولم يكن في العربة شيء آخر إلا بعض حبال من الصلب … وكان الذهب قد اختفى!

أسرع الشياطين إلى إفاقة «عثمان» و«زبيدة» كانا قد أصيبا بإغماء منذ فترة، وكادا يختنقان رغم ماسورة التهوية التي كانت تمتد من العربة تحت الرمال وتبرز على مسافة بعيدة.

قال «أحمد»: لقد اتضح كل شيء الآن … هيَّا بنا … المهم هو العثور على العصابة.

وذهبوا إلى المعسكر حيث نزل «عثمان» و«زبيدة»، و«إلهام» و«خالد»، وأخذ «أحمد» و«بو عمير» السيارة وأسرعا إلى مديرية الأمن … وهناك شرح «أحمد» للضابط المسئول ما حدث … وبدأت أجهزة التليفون واللاسلكي تعمل بين الأقصر والقاهرة … وخرجت سيارات الشرطة تبحث عن سيارات العصابة الهاربة.

وعاد «أحمد» و«بو عمير» إلى المعسكر … وأخرج «أحمد» القطار الصغير وركب تحويلة في مكان ما من القضبان ثم ترك القطار يدور ويدور، وفجأة مدَّ «أحمد» يده وفصل العربة الرابعة … عربة الذهب … وتركها تسير بين العربة الثالثة والخامسة وهي مفكوكة … وعندما مرت عند التحويلة مضت وحدها على التحويلة. ثم تبعتها بقية العربات بقوة الاندفاع، وبعد قليل توقفت العربة الرابعة … والعربات التي تليها … بينما استمرت الثلاث العربات الأولى في الدوران … وفجأة انحنى «أحمد» على القطار وقال: أظن أنني حللت اللغز! أريد قطعة خيط صغيرة!

وقامت «إلهام» فأحضرت قطعة الخيط … وأعاد «أحمد» ترتيب القطار ثم ربط العربة الثالثة والخامسة بقطعة الخيط … بينما فك «الشناكل» التي كانت تربط العربة الرابعة (عربة الذهب) بالعربتين الثالثة والخامسة وتركها مفكوكة ولكن محصورة بينهما … وعندما وصلت العربة الرابعة عند التحويلة أدارها «أحمد» في اتجاه التحويلة … فمضت وحدها … بينما مضى القطار في طريقه … وشدت قطعة الخيط بقية العربات إلى القطار … وصاح «خالد»: تمامًا … تمامًا!

وصاحت «إلهام»: إنها خطة شيطانية!

ومد «بو عمير» يده وهزَّ كتف «أحمد» الذي ظل مستغرقًا في التفكير … ثم مدَّ يديه وأعاد التجربة … ربط العربة الثالثة بالعربة الخامسة … وترك العربة الرابعة مفكوكة ثم حولها، ومرة أخرى مضى القطار يجر ست عربات … الأولى والثانية والثالثة ثم الخامسة والسادسة والسابعة … بينما مضت الرابعة إلى التحويلة وتوقفت عند نهايتها …

ولأول مرة ابتسم «أحمد» وقال: أعتقد أن هذا ما حدث بالضبط … لقد كانت الفكرة تدور في رأسي وسأعيد عليكم ترتيب الحوادث كما أتخيلها.

عرفت العصابة بقصة عربة الذهب منذ فترة … وبدأت تضع خطتها في باريس … وبطريقة ما عرفت العصابة أن بعثة «بلانكارد» لن تحضر في الصيف إلى مصر، وحصلت العصابة على الخطاب المرسل لتأجيل البعثة … وأرسلت خطابًا مزورًا إلى مصلحة الآثار المصرية بأن البعثة ستصل في مايو.

وجاءت البعثة … أقصد العصابة … واختاروا المكان الملائم لتحويل عربة الذهب … ثم قاموا تحت ستار البحث عن الآثار بحفر التل الترابي قرب التحويلة وحوَّلوه إلى غرفة … وصنعوا لها بابًا من الخشب موَّهوه بالتراب والصخور … وتمَّ تحويل العربة كما شرحت لكم الآن.

لقد صعدوا إلى القطار ليلًا وهو يهدئ من سرعته عند منطقة الإصلاح … ثم ربطوا العربة الثالثة والخامسة بحبال الصلب التي وجدناها في العربة … وفكوا العربة الرابعة … عربة الذهب … ثم قاموا بتحويلها إلى الغرفة السرية … وظلت العربة الثالثة مربوطة إلى الخامسة بحبال الصلب … وبقوة اندفاع العربة الخامسة استطاعوا إعادة ربط العربة الثالثة بها بواسطة الشنكل، ثم فكوا حبال الصلب التي أصبح لا فائدة منها … وهكذا مضى القطار في طريقه يجر ست عربات فقط.

قالت «إلهام»: سأُسرع بإرسال تقرير إلى رقم «صفر».

وبعد أن انتهت «إلهام» من إرسال التقرير … سمعوا صوت سيارة مُقبِلة … كانت إحدى سيارات الشرطة … ونزل ضابط شاب فحيَّاهم وقال: لقد عثرنا على سيارات العصابة على طريق الأقصر القُصير … لقد كانوا يحاولون الهرب عن طريق البحر الأحمر … وقد اعترفوا بكل شيء …

وروى لهم الضابط الاعترافات … كانت مطابقة تمامًا لفكرة «أحمد» الذي شرح لهم كيف اشتبه في «بلانكارد» عندما سأله عن حادث السرقة فقال إنه يعرفه … رغم أن الحادث لم ينشر عنه شيء …

وصل الشياطين إلى فيلا شارع الهرم في ساعة متأخرة من تلك الليلة … وقبل أن يناموا وصلهم شكر من رقم «صفر» على عملهم البارع في الكشف عن سرقة قطار الذهب المثيرة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤