إن فردة حذاء لا تساوي شيئًا!

كانت المعلومات التي أحضرتها «إلهام» قليلة … ولا تلقي ضوءًا ولو ضئيلًا على اللغز العجيب … وقرأت «إلهام»:

معلومات إضافية … أولًا: إن شحنة الذهب كانت في طريقها إلى سويسرا … ثانيًا: كان القطار يسير بسرعة نحو ٩٠ كيلومترًا في الساعة … وقد خرج من أسوان في السادسة مساءً ليصل إلى القاهرة في السادسة صباحًا. يقوم رجال على أكبر درجة من الخبرة بمسح الطريق من أسوان إلى القاهرة على امتداد طول شريط السكة الحديد للبحث عن أي آثار لما حدث … أرجو أن يطير ستة من الشياطين فورًا إلى القاهرة … هناك فيلا في شارع الهرم رقم ٤١٢ محجوزة لهم وبها كل ما يطلبون من أسلحة وأجهزة اتصال وغيرها … سأنتقل إلى الكهف السري لأتابع نشاطكم. قف.

انتهى التقرير … ودخل «سرور» يحمل صندوقًا متوسط الحجم وضعه على مائدة الاجتماعات ثم خرج … وأسرع «أحمد» يفتح الصندوق … وأخرج منه قطارًا صغيرًا يدور بالبطاريات، وسرعان ما كان الشياطين اﻟ «١٣» يحيطون بالقطار الصغير واشتركوا جميعًا في تجهيزه للسير، وقد وضعوا سبع عربات خلف القاطرة … ووضعوا علامة على العربة الوسطى ثم انطلق القطار يسير في دائرة ووقفوا جميعًا يتأملونه …

أخذ القطار يدور ويدور … والأنظار كلها معلقة به … وطلب «أحمد» قطعة من الخيط الرفيع ثم أوقف القطار وفك الشنكل الذي يربط العربة الثالثة بالعربة الرابعة وبدله بالخيط الرفيع أي ربط به العربة الرابعة (عربة الذهب) بالعربة الثالثة … ثم أطلق القطار يجري … وبعد لحظات وضع أُصبعه على عربة الذهب … وانقطع الخيط … ومضت القاطرة تشد ثلاث عربات … بينما اندفعت العربات الأربع الباقية تسير فترة قصيرة، ثم تباطأ سيرها حتى توقفت، ودارت القاطرة وخلفها العربات الثلاث حتى وصلت إلى العربات الأربع الواقفة فخبطتها من الخلف، ثم مضت بها تدور.

وقال «أحمد» وهو يعتدل في وقفته: شيء غير معقول! غير معقول!

واجتمع الشياطين مرة أخرى حول المائدة لتقرير أسماء المسافرين إلى القاهرة … وساد الصمت الغرفة … ولم يكن يقطعه سوى صوت القطار الصغير وهو يجري ويجري ويدور ويدور.

قال «أحمد»: نريد أربعة آخرين غيري أنا و«عثمان».

بو عمير: إنني أرحب بالاشتراك في هذه المهمة.

وارتفعت بقية الأصوات تطلب الاشتراك أيضًا … وقالت «زبيدة»: هل نجعلها بالاقتراع؟

قيس: أقترح أن نترك ﻟ «أحمد» حرية اختيار المسافرين.

قال «أحمد»: أشكرك يا «قيس» … والحقيقة أننا أمام جريمة دُبِّرَتْ بأكبر درجة ممكنة من الذكاء العلمي … فقد تم سرقة عربة قطار كاملة بحراسها دون أن تُطلَق رصاصة واحدة. أو يتم أي عمل من أعمال العنف، ولهذا فإني أقترح أن تنضم لنا «زبيدة» باعتبارها تخصصت في الأعمال الهندسية … و«بو عمير» لأننا قد نتقاتل في جبال الصعيد، وهو متمرن على هذه المناطق … و«خالد» …

قالت «إلهام» مسرعة: أرجو أن تسمحوا لي بالانضمام أيضًا، فإنني لم أزر مصر من قبل.

ووافق الجميع … وبدأ استعداد الستة … «أحمد» و«عثمان» و«بو عمير» و«خالد» و«إلهام» و«زبيدة» … وقام «سرور» بالاتصال بشركات الطيران، وتحددت الساعة السادسة مساءً لسفرهم على طائرة شركة طيران الشرق الأوسط.

وعقد الستة اجتماعًا، وبدأ «أحمد» الحديث قائلًا: إنني أعتقد أنها مهمة من أصعب المهام التي أوكلت إلينا … إننا نبحث عن إبرة في كومة من القش كما يقولون … صحيح أننا نبحث عن عربة قطار بضاعة، ولكن يجب ألَّا ننسى أن المنطقة التي نعمل فيها يبلغ طولها ١٠٠٠ كيلومتر، هي المسافة بين القاهرة وأسوان … ومعنى هذا أن البحث عن عربة قطار في هذه المسافة الهائلة أصعب من البحث عن إبرة في كوم من القش … هذا من ناحية الطول … أمَّا على الجانبين … فهناك نهر النيل … وزراعات القصب والقطن الواسعة … وهناك الجبال والصحارى وعشرات من مشاهد الطبيعة المتنوعة …

وسكت «أحمد» لحظات ثم مضى يقول: إن العصابة التي قامت بهذه الخطة المذهلة عصابة أجنبية متخصصة … فسرقة عربة من قطار يسير بسرعة ٩٠ كيلومترًا في الساعة تحتاج إلى قدر كبير من العلم والمعرفة والتخطيط الدقيق … ولكن هناك شيئًا في جانبنا …

قالت «زبيدة»: كيف؟!

أحمد: إن شهر أغسطس في مصر من أشد الشهور حرارة … حيث يقل عدد السواح الذين يترددون على مدن الصعيد المختلفة لمشاهدة آثار الفراعنة العظيمة … ولست أشك لحظة أن أفراد العصابة قد وصلوا مصر في شكل سواح، فهذا هو التبرير الوحيد لذهابهم إلى الصعيد … وقلة عدد السواح في الصيف سيضيق نطاق بحثنا.

بو عمير: هل تنوي البدء في البحث عن أشخاص معينين نزلوا في مدن الصعيد في تلك الفترة؟

أحمد: ليست في ذهني خطة معيَّنة حتى الآن … ولكن البحث عن هؤلاء السواح جزء من تفكيري … وعندما نصل إلى مصر سنجد أن قوات الشرطة والجهات المسئولة عن الأمن قد قامت بجهد كبير للحصول على أكبر قدر من المعلومات … ورجال الشرطة في مصر من أمهر الرجال … وأعتقد أن فكرة البحث عن السواح ستكون ضمن تفكيرهم، لهذا فإنني أرجو من «إلهام» أن تطلب من رقم «صفر» أن يوافينا في القاهرة بتقرير عمَّا وصل إليه رجال الشرطة من بحثهم … سنستعد الآن … وليفكِّر كل منكم لو كان مكان العصابة فما هي الخطة المثلى التي يضعها لسرقة عربة قطار يسير بسرعة ٩٠ كيلومترًا …

ابتسمت «إلهام» ﻟ «أحمد» قائلة: إنها طريقة تفكيرك الدائمة … كيف يفكر الطرف الآخر؟

ردَّ «أحمد» على ابتسامتها بضحكة وقال: على كل حال … إنها طريقة أثبتت جدواها حتى الآن … فهل عندكِ طريقة أخرى؟!

قالت «إلهام»: على العكس … إنني أتفق معك تمامًا …

وانفض اجتماع الشياطين الستة … وأخذ كل منهم يجهز معداته للسفر … كان «أحمد» يشعر بحنين قوي سيطر عليه تمامًا … إنه سيعود إلى مصر التي أوحشته كثيرًا … وكان سعيدًا لأن «إلهام» سوف تسافر معه … ستشاهد عظمة مصر، وآثارها، وناسها الظرفاء الكرماء.

وكانت «إلهام» سعيدة لأنها ستسافر مع «أحمد» … وترى مصر التي لم تزُرْها من قبل، وهو شيء كان يضايقها … وعندما أرسلت باللاسلكي تطلب المعلومات التي سألها «أحمد» أن ترسلها … لم تنسَ أن تخبر رقم «صفر» بالتشكيل المسافر. وانتهى «عثمان» من حزم حقيبته الصغيرة، ولم ينسَ أن يضع فيها كرته الجهنمية التي كان يفكر في أن يطلق عليها اسمًا يتساوى مع الدَّور الكبير الذي تقوم به في مغامراتهم العنيفة.

ووقف «أحمد» يتحدث مع «زبيدة»، بينما كان «بو عمير» و«خالد» يقفان في النافذة يشاهدان بيروت في ذروة نشاطها، والسيارات تقطع الكورنيش بسرعتها الكبيرة … وقال «بو عمير»: ستوحشنا بيروت.

قال «خالد»: هل تتوقع أن تطول إقامتنا في مصر؟

بو عمير: من يدري … إن المغامرة تبدو غامضة للغاية … وقد فكرت كما طلب «أحمد» … وأصدقك القول إنني لا أتصور كيف استطاعت العصابة أن تنفذ هذه الخطة الجهنمية …

خالد: أؤكد لك يا «بو عمير» أنها تحويلة … تحويلة في مكان ما من الطريق تحولت إليها العربة … وليس هناك حل آخر …

بو عمير: إنني مقتنع تمامًا بما تقول … بل ليس هناك حل آخر … ولكن كيف تُحَوَّل عربة واحدة من قطار يسير بسرعة ٩٠ كيلومترًا دون أن تنفصل العربات الثلاث التالية؟!

خالد: هذه هي النقطة التي أعياني التفكير فيها …

ظهرت «إلهام» في الصالة الواسعة … ولحق بها «أحمد» … ثم بقية الشياطين المسافرين، وقالت «إلهام»: لقد تلقيت من رقم «صفر» ما يفيد أن أحد رجال الأمن في القاهرة يدعى «أكرم» سوف يتعاون معنا … وسيضع تحت أيدينا كل المعلومات المطلوبة، وقد أعطاني رقم تليفونه الخاص وكلمة السر التي نتحدث بها إليه حتى يعرفنا.

والتفَّ حولها الشياطين الخمسة … فقالت: كلمة السر هي: «فردة حذاء واحدة لا تساوي شيئًا».

وضحك الشياطين وقال «عثمان»: إلا إذا كانت لرجل أعرج!

قال «أحمد»: الساعة الآن الثانية عشرة … ما زال أمامنا وقت طويل … وسنتناول الغداء مبكرين قليلًا … ثم نرتاح حتى الواحدة لنكون في المطار قبل الإقلاع بساعة على الأقل.

وتفرق الأصدقاء … ومضت الساعات … وعندما استعد الجميع لمغادرة المقر … دق جهاز اللاسلكي … وأسرع «أحمد» فقد كان أقرب الموجودين إليه … كانت رسالة من رقم «صفر» يخطرهم أنه وصل إلى المقر السري الرئيسي في المنطقة «س×ص»، وأنه سيتلقَّى رسائلهم هناك، وخطرت ﻟ «أحمد» فكرة، فأرسل سؤالًا إلى رقم «صفر» طلب الإجابة عنه: متى فكر البنك السويسري الذي سيُشحَن إليه الذهب، أن ينقل الشحنة عن طريق البر والبحر وليس عن طريق الطائرات؟

وردَّ رقم «صفر»: منذ أربعة أشهر بالضبط.

وتبادل الشياطين اﻟ «١٣» التحيات … وبدأ الستة يغادرون المقر عندما صاح «أحمد»: أريد القطار الصغير معي …

وأسرع «سرور» يضعه في صندوقه ثم ناوله ﻟ «أحمد».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤