الفصل الخامس عشر

لندن الموحلة والممطرة التي يُغلفها الضباب؛ لندن بحافلات النقل العامِّ السريعة الممتلئة بالركاب التي تنطلق في الشوارع، وتُعَد أخطرَ من عربات روما ذاتِ العجَلتَين؛ لندن مرة أخرى! التي تجرُّها الخيول؛ لندن، بطرقها المزدحمة، ومرورها المتوقِّف في الأركان بسبب إيقاف السير من قِبَل رجل شرطةٍ برفعه ليده المغطَّاة بقفاز أبيض؛ لندن، بعرباتها ذات الأربع العجلات التي تجرُّها الخيول والممتلئة عن آخرها بالمتاع، وعرباتها ذات العجلتَين التي تسير بسرعة، متفاديةً عجلاتِ المركبات الأخرى بشِقِّ الأنفس، بينما راكبُها يجلس وهو يُدخن بهدوء أو يُوجِّه سائقَه للطريق بمظلته؛ لندن، الممتلئةُ طرقُها دائمًا بكل أنواع العربات ذاتِ العجلات؛ من العربات ذات الأربعة الأحصنة وحتى العربات ذات العجَلتين التي تُدفَع باليد. لندن، لندن، لندن، لندن! بدا أن الاسم كان يرنُّ في أذنَي جون كينيون بينما كان يسير بخفَّةٍ بطول الرصيف المزدحم المؤدِّي إليها. إنَّ صخب شوارع لندن المزدحمة كان أعذبَ موسيقى في العالم بالنسبة إليه، كما كان بالنسبة إلى أي شخص أُعجب يومًا بلندن. اشرب من نافورة تريفي، وستعود ثانيةً إلى روما. اشرب من صخب وضجيج لندن، ولن تشعر أبدًا بحنينٍ داخلك لأيِّ مدينة في العالم سِواها. لندن هي لندن، وجون كينيون كان يعشق حتى عيوبَها بينما كان يسير في طرقاتها.

انطلق كينيون إلى مكتب جورج ونتوورث، واصطحب معه هذا الرجل الشابَّ، وذهَبا معًا إلى مكان انعقاد الاجتماع المؤجَّل لمجلس إدارة شركة لندن سينديكيت. كانت هناك أسئلةٌ ستُطرَح على الرجلَين، ولم يفهم المديرون سببَ عرض التقريرين عليهم فجأة، قبل وصول الخبيرين اللذَين أرسلوهما. لذا، فقد اكتفَوا بقراءة المستندات في الاجتماع السابق وأرجَئوا قرارَهم حتى يحينَ الوقت الذي يمكن أن يحضر فيه الخبيران شخصيًّا. معظم المديرين كانوا هناك، لكن كينيون، رغم أنه نظر بتلهُّف إليهم، لم يرَ وسطهم السيد لونجوورث العجوز. طُرِحت على كينيون أسئلةٌ عن مكان المناجم ونِتاجها وغيرهما من التفاصيل التي أراد المديرون معرفتَها. ثم خضع ونتوورث لاستجواب مماثل. وأشار إلى التناقضات التي وجَدها في الحسابات. وأوضح أن هناك رغبةً واضحة من جانب مُلَّاك المناجم المختلفة لأن يبدوَ أن المناجم تُحقق أرباحًا أكبرَ من الأرباح الحقيقية، وأجاب على نحوٍ واضح ومقنِع عن كلِّ الأسئلة التي طُرِحت عليه. شكَر رئيس الشركة الشابَّين على العناية الواضحة التي أبدَياها في القيام بعمَلِهما، وتحوَّل الاجتماع بعد ذلك إلى جلسة خاصة لتدارُسِ القرار الذي يجب اتخاذُه بشأن المناجم. وعندما خرج الصديقان من المبنى، قال كينيون:

«شكرًا للربِّ أن هذا الأمر انتهى وانتهينا منه. والآن، يا جورج، ما رأيك بخصوص منجم الميكا؟»

قال ونتوورث: «أعتقد أنه من الأفضل أن نذهبَ إلى مكتبي ونتشاور هناك بهدوء في الأمر. دعنا نعقد جلسةً خاصة كما فعل هؤلاء المديرون. أشعر الآن بأنني غنيٌّ بعد حصولي على شيكي، وبعد كمِّ الشكر الذي وجَّهه لي رئيسُ الشركة؛ لذا، سأدفع شلنًا لأستقلَّ عرَبة بخيول كي أصِلَ إلى مكتبي على نحوٍ سريع ومريح. في واقع الأمر، منذ مجيئي إلى لندن، وأنا أُنفق كلَّ فائض نقديتي على عربات الأجرة هذه. إنها بالتأكيد أفضلُ وأرخص مَرْكبات في العالم. تذكَّر كم أخذ منا ذلك اللصُّ ليُوصلنا من الفندق إلى السفينة في نيويورك.»

قال كينيون: «أنا لا أحب تذكُّرَ هذا الأمر؛ فإنه يُصيبني بقُشَعْريرة!»

«هل تعرف، يا جون، أنني يجب ألا أحزن إن لم أرَ ثانيةً مدينة نيويورك العظيمة. إن لندن تُلائمني بشدة.»

«أوه، أنا لا أعرف! إن نيويورك رائعة. أُقرُّ بأن هناك واحدًا أو اثنَين من مُواطنيها لا أهتمُّ كثيرًا بأمرهما.»

قال ونتوورث: «إممم.» ثم بعد بضعِ دقائقَ من التفكير، قال فجأة، دون أي مقدمات: «هل تعرف، يا جون، أنني كدت أقعُ في غرام تلك الفتاة؟»

«ظننتُ أنك كنتَ منجرفًا في هذا الاتجاه.»

«منجرف! إنه لم يكن انجرافًا. لقد كان سقوطًا سريعًا ومجنونًا عبر الشلَّال، وقد بدأتُ مؤخرًا فقط أرى كيف أنني نجوتُ منه بأعجوبة. إن الرعب الذي كنتُ أشعر به في تلك الأيام، عندما كنت أظن أن الرسالة كانت ستُرسَل إلى نيويورك، منَع تمامًا تكوُّن أيِّ شعورٍ آخر تجاهها. لو كنت قد وجدت أنها فتاةٌ عابثة لا أملُّ منها — أو شيئًا من هذا القبيل — كانت تعبث معي، لشعرتُ بصدمةٍ كبيرة بالطبع، لكني كنت سأفكر في مشاعري. والآن، الشيء الغريب هو أنني لم أبدأ في التفكير في مشاعري حتى قَدِمتُ إلى لندن.»

«رائع جدًّا، يا ونتوورث؛ لو كنتُ مكانك، ما كنت سأفكر فيها الآن.»

«لا، أنا لا أنوي ذلك، تحديدًا. إن حقيقة أنني أتحدثُ معك بشأنها تُوضح أن تأثيرها لم يكن عميقًا جدًّا.»

أخذ ونتوورث نفَسًا طويلًا يمكن أن يُعتقَد خطَأً أنه تنهيدة، إن لم يكن قد أوضح منذ لحظاتٍ كيف أنه تحرَّر تمامًا من الشَّرَك الذي أوقعَته فيه لبعض الوقت الآنسةُ بروستر.

«رغم ذلك، إنها فتاة جميلة جدًّا، يا جون. لا يُمكنك إنكارُ هذا.»

«ليست لديَّ الرغبة في إنكار ذلك. أنا ببساطة لا أريد التفكير فيها على الإطلاق.»

«لا، ونحن لسنا في حاجةٍ إلى ذلك، حمدًا للرب. لكنها كانت مبهرة وذكية جدًّا. بالطبع، أنت لم تكن تعرفها مثلما فعلت. أنا لم أقابل قطُّ من قبلُ شخصًا … حسنًا، كل هذا أصبح من الماضي وانتهينا منه. لقد أخبرتها بكلِّ شيء عن أمر منجم الميكا الخاص بنا، وقد أعطتني نصيحةً حكيمة للغاية بشأنِه.»

ابتسم كينيون، لكنه احتفظَ بهدوئه.

«أوه نعم، أنا أعرف ما تُفكر فيه. لقد تحدثت عن مناجم أخرى أيضًا؛ لكن كان هذا خطئي، وليس خطأها على وجه التحديد. إنها كانت تتصوَّر أنها تفعل الشيءَ الصحيح، وفي النهاية، كما تعلم، أعتقد أننا أحيانًا لا ننظر بعين الاعتبار بالقدر الكافي إلى وجهة نظر الآخَرين.»

ضحك كينيون مِلءَ شدقَيه.

«يبدو لي أنك تُدافع عنها بالفعل. أتذكر أنك لم تأبَهْ كثيرًا بوجهة نظرها عندما كنت تجلس على مجموعة من الحبال في مقدمة السفينة؛ تلك الأيام التي لم تكن تتكلم فيها حتى معي.»

«أعترف بذلك، يا جون. لا، أنا لا أدافع عنها. لقد نجحتُ في إبعادها تمامًا عن فكري؛ بعد بعض الجهد. ماذا عن حالتك، يا جون؟»

«حالتي! ماذا تقصد؟»

«أنت تعرف جيدًا ما أقصد.»

«أعتقد أنني أتغاضى عن القليل من التصنُّع، فهل ستفعل أنت ذلك؟ لكن الرجل يُصبح عصبيًّا بعضَ الشيء عندما يُطرَح عليه مثلُ هذا السؤال. إن حالتي على الوضع الذي ترَكناها عليه في كوينزتاون.»

«ألم ترَها منذ ذلك الحين؟»

«لا.»

«ألن تفعل؟»

«أنا حقًّا لا أعرف ماذا سأفعل.»

«جون، إن هذه السيدة الشابة لديها اهتمامٌ شخصي واضحٌ بك.»

«يا ليتني كنتُ متأكدًا من هذا، أو بالأحرى، يا ليتني كنت متأكدًا من الأمر وفي وضعٍ يسمح لي … لكن ما الفائدة من الكلام؟ أنا فقيرٌ جدًّا.»

«لا، لكن إن نجح مشروعُ المنجم الخاص بنا، فسرعان ما ستصبح غنيًّا.»

«نعم، لكن كم سأربح؟ أنا لن أستطيع أبدًا نسيان نبرة الاستخفاف المتكبرة التي كان يتحدث بها شخصٌ معين عن الخمسين ألف جنيه. إن الأمر يصيبني بالقُشَعريرة كلما فكَّرت فيه. إن الخمسين ألف جنيه بالنسبة إليها كانت تبدو قليلة جدًّا؛ أما بالنسبة إليَّ فشيءٌ قد أحصل عليه بعد صراعٍ مدى حياتي.»

«لو كنتُ مكانك، ما كنتُ لأدعَ هذا يُحبطني كثيرًا؛ بالإضافة إلى ذلك، عليك … أوه! ها نحن قد وصلنا. سنتحدَّث عن هذا في وقتٍ آخر.»

بعد دفعِ أجرة سائق عرَبة الأجرة، صعد الشابَّان لأعلى إلى غرفة ونتوورث، وأغلقا الباب وراءهما، وسحب جون كرسيًّا ليجلس عليه بجانب صديقه.

قال ونتوورث: «والآن، ماذا فعلت بخصوص المنجم؟»

«لم أفعل شيئًا على الإطلاق. لقد كنتُ بانتظار هذا الاجتماع معك.»

«يا صاح، إن الوقت عاملٌ مهم في أي شيء من هذا النوع.»

«نعم، أعتقد ذلك.»

«كما ترى، إننا نخسَر خيارنا؛ فكل يوم نُضيعه يُقلل كثيرًا من فرصنا في النجاح. ألديك أيُّ اقتراح؟»

«سأُخبرك بما فكَّرت في فعله. لقد قلت لك إن ابن أخي السيد لونجوورث تحدَّث إليَّ كثيرًا عن المنجم في وقت سابق. لقد قدَّمتني إليه ابنة عمه، وبدا أنها كانت تعتقد أنه قد يكون لديه بعضُ الاهتمام بتأسيس الشركة. كان عليَّ أن أتشاورَ معك؛ لأن لونجوورث كان يرى أننا لا بد أن نجعل سعر المنجم مائتي ألف جنيه بدلًا من خمسين ألف جنيه.»

أطلق ونتوورث صافرةً طويلة.

«نعم، إنه يبدو مبلغًا كبيرًا للغاية؛ لكنه يرى أنه ينبغي أن يكون كذلك إذا كان سيعود بربح عشرة بالمائة. يُمكننا جعله مائتي ألف إذا كان بإمكاننا إثباتُ أن هناك فرصةً جيدة لتحقيق أرباحٍ كبيرة.»

«في الواقع، هذا يبدو معقولًا. ما الذي قاله بخلاف ذلك؟»

«إنه لم يقل أكثرَ من ذلك بشأنه؛ لأنني أخبرته بأن عليَّ أن أُشاورك في الأمر.»

«ولماذا لم تفعل؟ إن وجودنا معه على متن السفينة يُعَد واحدةً من أفضلِ الفرص التي كان يُمكننا الحصول عليها للحديث معه. في حقيقة الأمر، ربما كان بالإمكان إنهاءُ الاتفاق معه برُمتِه هناك.»

«أوه، في واقع الأمر، كما تعرف، لم يكن بإمكاني التحدثُ إليك عن الموضوع؛ لأن هناك مشكلةً ما قد حدَثَت، وقد كنتَ تقضي أغلب وقتك في الجزء الأمامي من السفينة، جالسًا على مجموعة من الحبال تلعن العالم بوجهٍ عام ونفسك بوجه خاص.»

«آه، نعم، أتذكَّر ذلك، بالطبع … نعم. رائع جدًّا، إذن، أنت لم ترَ لونجوورث هذا منذ ذلك الحين، أليس كذلك؟»

«نعم، لم أفعل.»

«ألن يدخل الثريُّ العجوز في هذه الصفقة؟»

«بدا أن ابنتَه كانت تعتقد أنه لن يفعل؛ لأن المبلغ صغير جدًّا.»

«لماذا لا يقوم هو بالأمر كلِّه بنفسه؟ إذا جعلنا السعر مائةَ ألف جنيه أو مائتي ألف جنيه، فمن المفترض أن هذا سيكون مبلغًا كبيرًا بالقدر الكافي بالنسبة إليه، إذا كان سيقوم بالأمر بمفردِه.»

«في واقع الأمر، كما ترى، أنا لا أعتقد أنهم يُفكِّرون في الدخول في هذه الصفقة بهذا السعر، إلا كنوعٍ من المضاربة. بالطبع، إذا كانت لديهم النيَّة لشراء بعض الأسهم، فمن غير المحتمل أنهم سيقترحون رفع السعرِ من خمسين ألف جنيه إلى مائتي ألف جنيه. إن لونجوورث الشاب تحدَّث عن تقسيم الرِّبح. وزعم أنه مهما بلَغ حجم الربح الذي سنُحقِّقه عندما يكون السعر خمسين ألف، فسيكون صغيرًا جدًّا بحيث لا يُمكن تقسيمه على ثلاثةِ أشخاص. لقد أخبرته بالطبع أنك شريكي في هذا الأمر، ولهذا، اقترح أن يكون السعر مائتي ألف جنيه.»

«أعتقد أنه بدا أنه لم يكن يُبالي بمسألة تحقيق المنجم لربحٍ على هذا المبلغ من عدمه، أليس كذلك؟»

«إنه لم يذكر ذلك على وجه التحديد؛ على الأقل، إنه لم يُناقش ذلك. لقد سأل ما إذا كان سيُحقق ربحًا على مبلغ مائتي ألف، وأخبرته بأنني أظن أنه سيُحقق ربحًا قدرُه عشرةٌ بالمائة. هذا إن أُديرَ على نحوٍ صحيح؛ ثم قال بالطبع إن هذا هو سعره، وإننا سنكون حَمْقى للغاية لطرحه للبيع بسعر خمسين ألف جنيه عندما تكون قيمته الحقيقية في واقع الأمر مائتي ألف جنيه.»

فكَّر ونتوورث في هذا لبضعِ دقائق، وهو يطرق بقلمه الرصاص على المكتب ويُقطِّب جبينه.

«إنها تبدو قفزةً هائلة، من خمسين ألف جنيه إلى مائتي ألف جنيه، أليس كذلك، يا جون؟»

«بلى، إنها كذلك؛ إن الأمر يبدو كنوعٍ من الاحتيال. لكن كم سيكون أمرًا رائعًا إن أمكن تحقيقُه على أرض الواقع، وإن أدرَّ الرِّبحَ المناسب عندما نستطيع تنفيذ الخطة بنجاح!»

«بالطبع، أنا لن أكون طرَفًا، ولا أنت أيضًا، في أي تزوير.»

«بالطبع لا. أنا لن أُفكر ولو للحظةٍ في رفع السعر إذا لم أكن متأكدًا من أن المنجم يستحقُّ ذلك. لقد كنت أعمل على مجموعة كبيرة من الأرقام التي ستُثبت على وجه التقريب كم سيُدِر المنجم، وهي لديَّ هنا في جيبي، وأنا مقتنعٌ تمامًا بأنه سيُحقق ربحًا يصل على الأقل إلى ١٠ بالمائة، وربما ١٢ أو ١٥.»

«في واقع الأمر، لن يُريد أيُّ أحد نسبةَ ربحٍ أفضلَ من هذه على أموالهم. ألديك الأرقامُ؟»

«نعم، ها هي.»

«رائعٌ للغاية، من الأفضل أن تتركها لي، وسأفحصها بدقة شديدة كما لو أنها أرقامُ شخص أشكُّ فيه بشدة، وآمُل أن تكون صحيحة؛ أما إذا لم تكن كذلك، فسأوضح لك مواضعَ الخلل فيها.»

«لكن، يا جورج، إنها مسألةٌ متعلقة بالحقائق أكثرَ من كونها متعلقةً بالأرقام. أنا أعتقد أن الجبل بأكمله مصنوعٌ من المعدن الذي يُعَدُّ ثمينًا للغاية، لكنني أرى أنه يُمكن استخراجُ ثُمن المادة الموجودةِ فيه فقط، وهو الأمر الذي يبدو لي تقديرًا معقولًا جدًّا.»

«نعم، لكن ما مدى الطلبِ عليها؟ ذلك هو السؤال المهم. قد تكون المادة مهمةً بالقدر الكافي، لكن لو كان يوجد عليها طلبٌ محدود؛ أقصد، أننا لو لدينا عشَرةُ أضعاف ما يحتاج إليه العالم، فإن الأجزاء التسعة الأخرى تكون نسبيًّا لا قيمة لها.»

«هذا صحيح.»

«هل تعرف عدد المنشآت الموجودة في العالم التي تستخدم هذه المادة؟»

«هناك العديد منها في إنجلترا، وأيضًا في الولايات المتحدة.»

«وماذا عن الضَّريبة المفروضة عليها في الولايات المتحدة؟»

«آه، هذا ما لا أعرفه.»

«حسنًا، يجب أن نعرف هذا. ما عليك إلا أن تكتب هنا استخداماتِها؛ وسأُحاول أنا الحصولَ على بعض المعلومات عن المصانع التي تحتاج إليها، وأيضًا عن الكميات التي تحتاج إليها في العام الواحد. سيكون علينا الحصولُ على كل تلك الحقائق والأرقام كي نضعَها أمام الأشخاص الذين سيقومون بالاستثمار؛ لأن النقطة المهمة، حسْبما أفهم، التي سنُبرزها ليست مادةَ الميكا، وإنما المادة الأخرى.»

«هذا صحيح.»

«رائعٌ جدًّا، إذن، اترك لي ما تعرفه بالفعل عن الأمر، وسأُحاول استكمالَ معلوماتك. في الحقيقة، علينا أن نستكملها، قبل أن يكون بإمكاننا الذَّهاب بها إلى أي شخص. والآن، أنصحك بزيارة آل لونجوورث — كلٍّ من لونجوورث العجوز والشاب — وقد تجد أن الحديث معهما في لندن مختلفٌ تمامًا عن الحديث معهما على متن سفينة «كالوريك». بالمناسبة، أتساءل عن سبب عدم وجود لونجوورث في اجتماع المديرين اليوم.»

«لا أعرف. لقد لاحظتُ غيابه.»

«من المحتمل جدًّا أنه قرَّر عدم الاستثمار في المناجم الأخرى، ومن ثَم قد تكون هناك إمكانيةٌ لاستثماره في منجمنا. هل تعرف عُنوانه؟»

«نعم، إنه معي.»

«إذن، لو كنتُ مكانك، لركبتُ عرَبة أجرةٍ وذهبتُ إلى هناك على الفور. وفي تلك الأثناء، سأُحاول ترتيبَ أرقامك على نحوٍ جيد، واستكمالَها قدر الإمكان. وهذا لن يكون أمرًا سهلًا، يا جون. يوجد الآن عددٌ كبير للغاية من المنشآت المعروضة على الناس للاستثمار فيها — الصحف زاخرةٌ بها — وكلٌّ منها يبدو أنه أفضلُ وسيلة لتحقيق الأرباح في العالم؛ لذا، إذا كنا سنطرحُ هذا المنجمَ للبيع دون أن يكون معنا مستثمرٌ معيَّن، فستكون مهمتُنا صعبةً للغاية.»

«إذن، أنت على استعدادٍ لرفع السعر حتى مائتي ألف جنيه؟»

«نعم، إذا كنت ترى أنه يستحقُّ ذلك. هذا ما يُمكننا تحديدُه على نحوٍ أفضل بعد فحصِنا للأرقام معًا. حريٌّ بنا أن نكون متأكِّدين من حقائقنا أولًا.»

«رائع جدًّا. وداعًا؛ سأذهب لمقابلة السيد لونجوورث.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤