الفصل السادس والثلاثون

إن كان هناك شخصٌ أكثرُ بؤسًا وحزنًا من جون كينيون في الحدود الواسعة لكندا، فيجب بالفعل أن يُرثى بشدةٍ لحاله. بعد أن أرسل جون برقيته إلى ونتوورث، عاد إلى فندقه الكئيب جدًّا. وفي صباح اليوم التالي عندما استيقظ، كان يعرف أن ونتوورث قد وصلَته الرسالة، لكن الاحتمالات كانت عشَرةَ آلاف إلى واحدٍ أنه لن يستطيعَ الحصول على المال في الوقت المناسب، هذا إن كان سيستطيعُ الحصول عليه من الأساس. ومع ذلك، قرَّر البقاءَ في أوتاوا، رغم كرهِه الشديد للمكان، حتى انتهاء مدة العقد. وبعد ذلك، رأى أن يُلقي نظرةً على المناجم، ويرى ما إن كان بإمكانه الحصولُ على أي عمل متعلقٍ بإدارة أحدها. إن هذا كان سيُمكِّنه من كسبِ بعض المال، الذي من خلاله سيستطيع تسديد الديون التي كان سيتكبَّدها هو وونتوورث نتيجةً لمضاربتهما الفاشلة. كان يشعر بإحباطٍ شديد لدرجة أنه فعل ما كان سيفعله معظمُ الإنجليز الآخرين لو كانوا مكانَه؛ وهو السير لوقت طويل. لقد وقف على الجسر المطلِّ على نهر أوتاوا وأخذ ينظر لبعض الوقت إلى شلالات شوديير، ويُراقب الضبابَ وهو يرتفع من الهاوية التي تندفع إليها المياه. ثم مشى بطول الجانب الآخَر من النهر، وسط المناشر الضخمة وأكوام الحطب الهائلة التي لا نهاية لها، برائحتها الصنوبرية الجميلة. وشيئًا فشيئًا، وجد نفسَه في الريف، واقتربت الغابةُ من الطريق السيِّئ الذي كان يسير عليه. ورغم ذلك، ظلَّ يسير، دون أن يعبَأ بالمكان الذي هو ذاهبٌ إليه. وهنا وهناك، كان يرى أراضيَ مجتثَّةَ الأشجار في الغابة، وكوخًا مصنوعًا من الحطب أو ربما حظيرة. ونتج عن كلِّ هذا، نظرًا إلى أنه كان ذا صحة جيدة، أنه سرعان ما شعر بجوع شديد، وهو أمرٌ لفَت انتباهه بشدةٍ رغم الإحباط الذي كان يُعانيه. لاحظ أن المساء كان يحلُّ عليه، وسرَّه بشدة أن يجد بيتًا ريفيًّا كان مظهره أفضلَ من الأكواخ العادية التي تركها خلفه. وهناك، طلب طعامًا، وسرعان ما جلس وحصل على وجبة كبيرة، وقد عوَّضَت بشدة عدمَ جودتها شهيتُه الكبيرةُ للأكل. وبعد الأكل، بدأ يُدرك مدى تعبِه، واندهش عندما سمع مِن مضيِّفه مدى بُعده عن أوتاوا.

قال المزارع: «لا يُمكنك الذَّهاب إلى هناك الليلة؛ لا جدوى من المحاولة. ابقَ معنا، وسأُقِلُّك إلى هناك غدًا. سأذهب إلى هناك عصرًا.»

وهكذا، بقي كينيون هناك طَوال الليل، ونام النومَ الذي لا أحلام به والناتج عن الإنهاك والشِّبع.

ولم يصل إلى مدينة أوتاوا إلا في وقت متأخر بعض الشيء من عصر اليوم التالي. وبينما هو في طريقه إلى فندقه، اندهش لسماع اسمِه يُنادى مِن خلفه. وعندما استدار، رأى رجلًا، لم يتعرَّف عليه، يجري خلفه.

سأله الرجل، وهو يلهث بعض الشيء: «اسمك كينيون، أليس كذلك؟»

«بلى، هذا اسمي.»

«أعتقد أنك لا تتذكرني. أنا موظفُ مكتب التلغراف. لدينا برقية بانتظارك منذ بعضِ الوقت، برقية من لندن. لقد فتَّشنا عنك في كل أنحاء المدينة، لكننا لم نستطِع العثور عليك.»

قال كينيون: «آه، هل هي مهمة؟»

«في الواقع، هذا ما لا أعرفه. من الأفضل أن تأتي معي إلى المكتب وتحصلَ عليها. بالطبع، إن الناس بوجهٍ عام لا يُرسلون برقياتٍ غيرَ مهمة. أتذكَّر أنها كانت تقول شيئًا عن ضرورة انتظار شيء.»

مشَيا معًا إلى مكتب التلغراف. كان الساعي لا يزال يبحث عن كينيون ومعه البرقيةُ الأصلية، ولكن الموظَّف فتح الملف وقرأ النسخة عليه.

ثم قال: «كما ترى، إنه بحاجةٍ إلى رد؛ لهذا ظننتُ أنه من المهم الوصولُ إليك. سيكون لديك متسَعٌ من الوقت لإرسال الردِّ الليلة.»

أخذ جون قلمًا رصاصيًّا وكتب البرقية التي تسلَّمَها ونتوورث. ودفع مقابلَ البرقية ثم قال:

«سأذهب إلى فندقي؛ إنه فندق … سأنتظر هناك، وإن أتت أيُّ برقياتٍ لي، فأرسلها إليَّ بأسرعِ ما يمكن.»

رد الموظف: «اتفقنا، هذه أفضلُ خطة؛ إذ إننا سنعرف بالضبط أين نجدُك. بالطبع، لا جدوى من بقائك هنا؛ لأننا بإمكاننا الوصولُ إليك في غضون خمس دقائق. ربما يكون من الأفضل أن أتصل هاتفيًّا بالفندق لأخبرهم بمجيء برقيات إليك.»

قال كينيون: «رائعٌ للغاية؛ سأترك الأمر بالكامل تحتَ تصرفك.»

شعر جون بأن البرقية التي تسلَّمها كانت فألًا حسنًا، بغضِّ النظر عما إذا كان ذلك نتيجةَ ذَهابه إلى الريف أم لا. وتأمَّل الحظ السيئ الهائل الذي عاناه في المسألة برُمَّتها من البداية وحتى النهاية، وفكَّر في مقولة السيد لونجوورث العجوز المفضلة: «لا يوجد شيء اسمه حظ.»

ثم كان هناك طَرْقٌ على باب غرفته، وقال خادم الفندق:

«يوجد رجلٌ هنا يرغب في الحديث إليك.»

كان الرد: «دعه يصعد.» وبعد دقيقتين، دخل فون برينت.

سأله: «هل هناك أيُّ أخبار؟»

رد جون، الذي كان في حالة مزاجية جعَلَته يشكُّ في كل الأشياء والأشخاص:

«لا، لا جديد.»

«آه، أنا حزينٌ لسماع هذا. كان لدي بعضُ الأمل في أنك ربما تستطيع توفير المال قبل الساعة الثانية عشرة غدًا. بالطبع، أنت تعرف أن العقد ينتهي غدًا في وقت الظهيرة؟»

«نعم، أعرف هذا.»

«هل تعلم أن لونجوورث في أوتاوا؟»

رد كينيون: «لا، لقد كنتُ أنا نفسي خارج المدينة.»

«حسنًا، لقد جاء الليلة الماضية. ولديه المال في البنك، كما قلت لك. والآن، أنا لن أقبلَه حتى آخرِ لحظة. بالطبع، قانونًا، لا يُمكنني قَبوله قبل ذلك الوقت، وقانونًا بنفس القدْر، أنا لا يُمكنني رفض ماله عندما يعرضه. أنا حزينٌ للغاية لحدوث كل هذا؛ حزين على نحوٍ أكبر مما يُمكنني إخبارُك. وأتمنى ألا تعتقد أنني يمكن أن أُلام على أي شيء فيما يتعلق بهذا الأمر.»

«لا، أنت لا يمكن أن تُلام إطلاقًا على أي شيء. لا يوجد مخطئٌ سواي. أشعر أنني كنتُ متهاونًا على نحوٍ يستحقُّ اللوم، وحسن الظن بالآخَرين على نحوٍ مبالَغ فيه.»

«أتمنى بصدقٍ لو كنت أعرف من أين يمكنك الحصولُ على المال؛ لكنني، بالطبع، لو كنتُ أعرف هذا، لكنتُ قد حصلت عليه لنفسي منذ مدَّة طويلة.»

قال كينيون: «أنا ممتنٌّ لك بشدة، لكن الشيء الوحيد الذي يمكن أن تفعله من أجلي هو التأكُّد من أن ساعتك ليست مقدَّمة غدًا. ربما آتي إلى المكتب قبل الساعة الثانية عشرة؛ هذا هو المكان الذي سأجدك فيه، على ما أعتقد؟»

«نعم؛ سأكون هناك طَوال فترة الظهيرة. لن أغادر حتى الساعة الثانية عشرة.»

«رائعٌ جدًّا؛ أنا ممتنٌّ بشدة، يا سيد فون برينت، لتعاطفك. أؤكد لك أنني ليس لديَّ الكثير من الأصدقاء، وأنه … حسنًا، أنا ممتنٌّ لك، هذا كل ما في الأمر. إن الرجل الإنجليزي، كما تعلم، ليس سخيًّا في مسألة الشكر، لكنني أعني ما أقول.»

رد فون برينت: «أنا متأكِّد أنك تفعل، وأنا حزينٌ فقط لأن مساعدتي ليست كبيرة. حسنًا، وداعًا، وأتمنى أن أراك غدًا.»

بعد أن رحل، زاد نفادُ صبرٍ كينيون مع مرور الساعات. وترك الفندق، وتوجَّه مباشرةً إلى مكتب التلغراف؛ لكن شيئًا لم يصل إليه.

قال الموظف: «أخشى أنه لن يكون هناك أيُّ شيء آخر الليلة. إن أتى شيءٌ في وقت متأخر، فهل أُرسله لفندقك؟»

«بالتأكيد؛ بغضِّ النظر عن الساعة التي يأتي فيها، أرجو أن تجعلَني أحصل عليه بأسرعِ ما يُمكن. إنه مهمٌّ للغاية.»

ترك المكتب ومشى في الشارع، وبينما كان يمرُّ بالفندق الرئيسي في المكان، رأى لونجوورث الشابَّ يقف تحت الرِّواق المعمَّد للفندق وهو في كاملِ هندامه كالمعتاد، وكان يرتدي نظارته الأحادية التي كانت مصدرَ إعجاب كلِّ مَن في أوتاوا؛ إذ لم يكن لها أيُّ مثيل في المدينة.

قال هذا الشاب: «كيف حالك، يا كينيون؟»

رد كينيون: «سيدي العزيز، آخر مرة تحدثتَ فيها إليَّ، قلتَ إنك لا تودُّ أن تتحدث إليَّ مرة أخرى. أنا أشاركك من كل قلبي الشعورَ نفسَه، ولا أودُّ الحديث إليك على الإطلاق.»

قال لونجوورث بنبرةٍ مرحة: «صديقي العزيز، لم يحدث أيُّ شيء. لقد كنت بالتأكيد، في نيويورك، سيِّئ المِزاج قليلًا. الجميع يكون كذلك في نيويورك؛ إنه مكانٌ كريه! أنا لا أعتقد أنه أسوأُ من أوتاوا، لكن الهواء هنا أكثرُ نقاءً. بالمناسبة، ربما يمكنني أنا وأنت التوصُّل إلى اتفاقٍ ما. أنا سأشتري ذلك المنجمَ غدًا، كما تعرف بلا شك. وأودُّ أن يكون تحتَ إدارة رجلٍ كُفء وأمين. إن كان مبلغ مائتي ألفِ جنيه في السنَة مناسبًا لك، فأعتقد أننا يُمكننا أن نجعلَك تُدير المنجم.»

رد كينيون: «شكرًا لك!»

«كنتُ أعرف أنك ستكون ممتنًّا لذلك؛ فقط فكِّر جيدًا في الأمر، هلا تفعل ذلك؟ ولا تتخذ أيَّ قرار متسرِّع. ربما يُمكننا إعطاؤك مبلغًا أكثرَ قليلًا من هذا؛ ولكن حتى يتضحَ لنا مدى جودةِ المنجم، فمن غيرِ المحتمل أننا سنُنفق الكثير من المال عليه.»

قال جون: «بالطبع، أفضل ردٍّ على ملاحظتك سيكون طرحَك أرضًا؛ لكنني، إلى جانب كوني مواطنًا ملتزمًا بالقانون، لا أرغب في دخولِ السجن الليلةَ لقيامي بهذا؛ لأن هناك فرصةَ واحدٍ في الألف، يا سيد لونجوورث، أن تكون لي علاقةٌ ما بذلك المنجم قبل الساعة الثانية عشرة غدًا.»

قال لونجوورث: «آه، لقد حان الآن دوري لأكون ممتنًّا!» ثم أضاف: «في أي صراعٍ عنيف، أخشى أنك ستنتصر عليَّ على نحوٍ أسهل مما ستفعل في أي سجالٍ قائم على حُسن التصرف.»

«هل تُسميه حُسن تصرف؟ أعتقد أنك تُشير إلى تصرفك فيما يتعلق بالمنجم. إنني أُسميه سرقة.»

«أوه، هل تفعل هذا؟ حسنًا، هذا هو نوع الحديث الذي يُؤدي إلى العراك؛ وحيث إنني أيضًا مواطنٌ ملتزم بالقانون، فلن أستمرَّ في هذا النقاش أكثرَ من ذلك. أتمنى لك وقتًا طيبًا للغاية، سيد كينيون.»

تركه الشابُّ ودخل الفندق. وسار جون إلى فندقه الأكثرِ تواضعًا بكثير، وذهب لينامَ الليلة في غرفته. لكنه لم ينَمْ جيدًا. وطوال الليل، كان يتخيَّل أن سُعاة التلغراف يَطرُقون بابَ غرفته، وكان يقوم من حينٍ لآخَر ليتسلَّمَ البرقياتِ التي كانت تختفي عندما يستيقظ. وبعد وقتٍ قصير من تناول الإفطار، ذهب إلى مكتب التلغراف، لكنه لم يجد شيئًا وصله.

قال موظف التلغراف: «أخشى ألا يأتي شيءٌ قبل وقت الظهيرة.»

ردَّد جون ما قاله: «قبل وقت الظهيرة!» ثم أضاف: «لماذا؟»

«إن الأسلاك بها مشكلةٌ في بعض الأماكن في الشرق، ويتأخر وصولُ الرسائل كثيرًا. ربما لاحظتَ نقص أخبارِ الشرق في الصحف الصباحيَّة؟ لقد أتت أخبارٌ قليلة للغاية من الشرق الليلة الماضية.» وأضاف عندما لاحظَ نظرة الاهتمام القلِق في عينَي جون: «هل البرقيةُ التي تنتظرها تتعلق بأمورٍ مالية؟»

«نعم، إنها كذلك.»

«هل يعرفونك في البنك؟»

«لا، أعتقد أنهم لا يعرفونني.»

«إذن، لو كنتُ مكانك، لكنت سأذهب إلى البنك وأُعرفهم بنفسي، بحيث، إن كانت المسألة مسألةَ دقائق، لا يضيع أيُّ وقت غير ضروري. ومن الأفضل أن تُخبرهم بأنك تتوقع حوالةً مالية بالإبراق، وعلى الرغم من أن تلك الحوالات تُصرف بدون أيِّ تحقُّق من الهوية في البنك، فهم يتخذون كافةَ الاحتياطات للتأكد من عدم وقوع المال في يد الأشخاص الخاطئين.»

قال كينيون: «شكرًا لك.» ثم أردف: «أنا ممتنٌّ بشدة لك لاقتراحك هذا. وسأنفذه.»

بمجردِ أن فتح البنكُ أبوابه، قدَّم جون كينيون نفسَه للصراف.

«إنني بانتظار وصول مبلغٍ كبير من المال من إنجلترا اليوم. إنه مهمٌّ للغاية بحيث، عندما يصل، يجب ألا يكون هناك أيُّ تأخير في حصولي عليه. أريد أن أعرف إن كانت هناك أيُّ إجراءات روتينية يجب اتخاذُها.»

سأله الموظف: «من أين سيأتي المبلغ؟»

«سيأتي مِن إنجلترا.»

«هل هناك أيُّ شخص في أوتاوا يعرفك؟»

«نعم؛ أعرف موظَّفَ مكتب التلغراف الموجود هنا.»

قال الصراف بتشكُّك بعضَ الشيء: «إممم! هل هناك شخصٌ آخر؟»

«السيد فون برينت يعرفني جيدًا.»

«هذا سيكفي. أعتقد أن عليك أن تجعل السيد فون برينت يأتي إلى هنا ويُؤكد أنك الرجلُ الذي يحمل اسم كينيون. بعدَئذٍ، في اللحظة التي ستصل فيها برقيتك، سيكون المالُ تحت تصرفك.»

أسرع كينيون إلى مكتب فون برينت ووجده بمفرده.

«هلا تذهب إلى البنك وتقول لهم إنني كينيون؟»

«بالتأكيد. هل وصل المال؟»

«لا، إنه لم يصل؛ لكنني أنتظر وصولَه، وأريد الاستعدادَ لأيِّ طارئ. أنا لا أريد أي تأخير بسبب التحقُّق من هُويتي عندما يأتي.»

قال فون برينت: «إنْ جاء بالإبراق، فلن تكون هناك حاجةٌ إلى التحقق من الهوية. أنت تعرف أن البنك لن يكون مسئولًا في هذه الحالة. إنهم يأخذون المال والمخاطرةُ تقع بالكامل على عاتق المرسِل. إنهم قد يدفعونه لموظف التلغراف الذي يستقبل الرسالة! أعتقد أنهم لن يكونوا مسئولين عن هذا. ومع ذلك، من الأفضل ألا يجري إغفال أيِّ شيء.»

ذهب الاثنان إلى البنك، وقال فون برينت للصرَّاف: «هذا هو جون كينيون.»

ردَّ الصراف: «رائعٌ جدًّا.» ثم أردف: «هل ذهبتَ لمكتب التلغراف مؤخرًا، يا سيد كينيون؟»

«لا، لم أفعل؛ على الأقل، منذ نصف الساعة أو نحوِ ذلك.»

«حسنًا، لو كنتُ مكانك، لكنت سأذهب إلى هناك بأسرعِ ما يمكن.»

قال فون برينت، بمجرد وصوله إلى الباب: «هذا يعني أنهم قد وصلَهم إخطارٌ بتحويل المال. أعتقد أنه موجود بالفعل في البنك لك. سأعود لمكتبي ولن أُغادره حتى تأتي.»

أسرع جون إلى مكتب التلغراف.

وقال: «ألم يصل أيُّ شيء لي بعد؟»

رد الموظف بابتسامة: «لا شيء بعد، سيد كينيون؛ لكني أعتقد أن كل شيء سيكون على ما يُرام. أتمنى ذلك.»

أخذ الوقتُ يمضي بسرعته المعتادة، غير أنه بدا لكينيون أن الساعة كانت تسير بسرعةٍ رهيبة. حانت الساعة الحادية عشرة، وكان هو لا يزال يَذْرع مكتب التلغراف جَيئةً وذهابًا. عرَض عليه موظفُ المكتب استضافتَه في غرفة الضيوف، لكنه رفض. وفي كل مرة كانت آلة التلغراف تعمل، كانت أذُنَا جون تتأهَّبان، وتحاولان فهم أي شيء منها.

مرَّت عشرُ دقائق بعد الحادية عشرة!

ثم عشر دقائق أخرى، ولم تصل أيُّ برقية! تراكَم العرقُ البارد على جبين جون، وتأوَّه بصوت عالٍ.

قال الموظف: «أعتقد أنها مهمة للغاية.»

«مهمة «للغاية».»

«حسنًا، الآن، يجب عليَّ ألا أقول هذا، لكنني أعلم أن المال موجودٌ في البنك لك. ربما إن ذهبتَ إلى هناك وطلبته، فسيُعطونه لك.»

كانت الساعة الحادية عشرة وخمسًا عشرين دقيقة عندما وصل مسرعًا إلى البنك.

قال للصراف: «أنا متأكدٌ أن المال موجود لي هنا. هل من الممكن أن أحصل عليه؟»

«هل حصلتَ على البرقية؟»

«لا، لم أحصل.»

«حسنًا، كما تعرف، نحن لا يُمكننا دفع المال حتى نرى برقيتك. إن كان عاملُ الوقت مهمًّا، فيجب ألا تُغادر مكتب التلغراف، وفي اللحظة التي ستصل إليك رسالتك، تعالَ إلى هنا؛ وحينها لن يكون هناك أيُّ تأخير. هل ترغب في سحب كل المبلغ على الفور؟»

«أنا لا أعرف مقداره، لكن يجب أن أحصل على عِشرين ألف جنيه.»

«رائعٌ للغاية، لتوفير الوقت، من الأفضل أن تكتب شيكًا بعشرينَ ألف جنيه؛ هذا سيكون …»

وهنا، أعطى عدد الدولارات بسعرِ اليوم في مقابل الجنيه. ثم أضاف: «اكتب فقط شيكًا بهذا المبلغ، وسأعتمدُه. إن الشيك المعتمَد جيدٌ للغاية. وفي اللحظة التي ستحصل فيها على رسالتك، سأعطيك الشيك المعتمد.»

كتب جون الشيك وأعطاه للصراف، وكان ينظر للساعة وهو يفعل هذا. كانت الساعة حينَها الثانية عشرة إلا خمسًا وعشرين دقيقة. جرى جون إلى مكتب التلغراف بأقصى سرعةٍ بإمكانه، لكنه رأى فقط النظرةَ الخاليةَ من أيِّ تعبير على وجه الموظف.

وقال، وهو يهزُّ رأسه: «إنها لم تأتِ بعد.»

تدريجيًّا، بدأ اليأس يتسرَّب للرجل المنتظر. لقد كان ضياع كلِّ شيء أسوأ من عدم وجود أيِّ أملٍ على الإطلاق في النجاح. لقد كان الأمر أشبهَ بإعدام رجلٍ أُعفِيَ من العقوبة. عاود تذرُّعَه العصبي جيئةً وذهابًا في غرفة التعذيب هذه. أصبحت الساعة الآن الثانية عشرة إلا الربع. سمع دقاتِ الساعة ترن في مكانٍ ما. إن لم تأتِ الرسالة قبل أن ترن ثانية، فسيكون قد انتهى الأمر للأبد.

بقي على الساعة الثانية عشرة أربعَ عشرةَ دقيقة … ثم ثلاثَ عشرة دقيقة … ثم اثنتا عشرة دقيقة … ثم أحدَ عشرة دقيقة … ثم عشر دقائق، ومع ذلك، لم …

صاح الموظف بصوت عالٍ وسعادةٍ كبيرة: «ها هي! إنها تأتي … إنها هي المطلوبة … «جون كينيون، أوتاوا».» ثم كتب بنفس سرعةِ نقلِ الآلة للرسالة. ثم أردفت: «ها هي البرقية؛ والآن أسرع!»

لم يكن جون يحتاج إلى أن يحثَّه أحدٌ على الإسراع. لقد بدأ الناس يلاحظونه حيث إن الرجل لم يكن يفعل شيئًا سِوى الجري بين البنك ومكتب التلغراف.

لقد كانت الساعة الثانية عشرة إلا سبعِ دقائق عندما وصل إلى البنك.

«هل تلك البرقية هي المطلوبة؟» هكذا قال، وهو يدفعها عبر الفتحة المقوسة.

نظر إليها الموظف بهدوءٍ مستفز، ثم قارنها ببعض الأوراق.

قال له جون مناشدًا: «بالله عليك، أسرع!»

قال الصراف على نحوٍ بارد، وهو ينظر إلى الساعة ويستمرُّ في فحصه: «لديك متسَع من الوقت». ثم أضاف: «نعم، إنها هي المطلوبة. ها هو الشيك المعتمَد الخاص بك.»

التقطه جون، وخرَج مسرعًا من البنك كما قد يفعل أيُّ سارق. وكانت الساعة قد بلغَت الثانية عشرة إلا خمسَ دقائق عندما وصل إلى درجات السُّلم التي تؤدي إلى مكتب السيد فون برينت. الآن، بدا أن كل القلق الذي كان يشعر به قد هجَره. لقد كان هادئًا وباردًا كما لو كان أمامه خمسةُ أيام، وليس بضع دقائق، للقيام بدفع المبلغ. لقد صعد درجاتِ السلَّم بهدوء، وسار عبر الممر وطرقَ باب مكتب فون برينت.

«ادخل!» كان الرد الذي سمعه.

فتح الباب، وهو ينظر إلى الساعة الموجودة خلف رأس فون برينت.

لقد بقي ثلاثُ دقائق على حلول الساعة الثانية عشرة.

كان السيد لونجوورث الشاب يجلس هناك، ويعلو وجهَه بعضُ الشحوب، وبدا أن هناك لمعةً منذِرة بالسوء في نظارته. لم يقل شيئًا، وتجاهل جون كينيون تمامًا وجوده.

قال لفون برينت، بعد أن أومأ له محييًا إياه: «أعتقد أن عَقْدي لم تنتهِ مدتُه بعد؟»

قال فون برينت: «يتبقى منها القليلُ جدًّا، لكن ربما ستفي بالغرض. لديك دقيقتان ونصف الدقيقة.»

سأله جون: «هل الأوراق جاهزة؟»

«كلها جاهزة، كلُّ شيء فيما عدا كتابة الأسماء.»

«رائع جدًّا، ها هو المال.»

نظر فون برينت إلى الشيك المعتمَد. ثم قال: «هذا ملائمٌ تمامًا، والمنجم أصبح مِلكَك.»

ثم قام ومد يدَه عبر الطاولة لكينيون، الذي أمسكها بحرارة.

قام أيضًا لونجوورث الشاب، وقال ببطء: «حيث إن هذا يبدو كلِقاء أخَوَين لم يلتقِيَا منذ مدَّة طويلة، فلن أتطفَّل عليكما. طاب يومك، يا سيد فون برينت.»

ثم عدل نظارته ببطء وخرج من المكتب.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤