الملاحق والمصادر

الملحق الأول: عن الأثر الذي اسمه الصليب المقدَّس

قصة وجود الصليب في مايو سنة ٣٢٨ قصةٌ معروفةٌ حق المعرفة، ومن المحقَّق أن الخشب الذي وجدته الإمبراطورة «هيلانة» بقي مدة قرون. وقد ذكر سقراط (راجع Eccl. Hist lib I. XVII) أن هيلانة وضعت قطعة منه في صندوق من فضة وجعلته في بيت المقدس، وأرسلت القطعة الأخرى إلى الإمبراطور. والدليل تامٌّ غير منقطع على تاريخ ذلك الصليب فيما بعد ذلك من الأيام.
فلنبدأ بما كان في القرن الرابع؛ فإنا نجد في الرسالة المكتوبة عن «كنائس قسطنطين في بيت المقدس» في الجزء الأول مما نشرته جمعية Palestine Pilgrims Text Society، صفحة ٢٣–٢٥، اقتباسًا من كتاب الصلوات يُبين أن في كنيسة قسطنطين مذبحًا من الفضة والذهب قائمًا على تسعة أعمدة، وأن الصليب كان مزيَّنًا بالذهب والجواهر. ويذكر تيودوسيوس (De Terra Sancta) «المخدع الذي فيه صليب السيد المسيح، والصليب نفسه مزيَّن بالذهب والجوهر، ومن فوقه السماء، وحوله قضبانٌ متقاطعة من الذهب». وكذلك تذكر «القديسة سلفيا الأكيتانية» (حوالَي سنة ٣٨٥ للميلاد) استعمال البخور في كنيسة القيامة في عُرْض قولها وهي تذكر الاحتفال بيوم «الجمعة الطيبة»، وقد شهدت فقالت: «ثم أُحضرَ صندوقٌ مغطًّى بالفضة، وفيه الخشب المقدَّس خشب الصليب، ثم فُتح وأُخرجَ ما فيه، ووُضع خشب الصليب بما عليه من النقوش فوق مِنضدة، ثم أقبل الناس فقبَّلوه» (نفس الكتاب، صفحة ٦٣).

وقد زار «أنطونيوس الشهيد» الأماكن المقدَّسة حوالَي سنة ٥٦٥ للميلاد، ورأى هناك ذلك الأثر لا يزال باقيًا في مدخل كنيسة قسطنطين، وكان محفوظًا هناك في مخدع أو مشهد، وهو لا يذكر شيئًا عن الصندوق، بل يذكر الإسفنجة والقصبة، وقد قيل إن نيقتاس أنجى تلك القصبة في القرن السابع.

وقد رأينا أن الصليب قد أخذه الفرس في سنة ٦١٥ عندما فتحوا بيت المقدس، وبعثوا به إلى كسرى مع سائر الغنائم، ثم أعاده هرقل في سنة ٦٢٨ فأتى إلى القسطنطينية في ذلك الشتاء، ثم أعاده إلى موضعه في كنيسة قسطنطين باحتفالٍ عظيم سنة ٦٢٩، ثم أُرسل إلى القسطنطينية بعد ذلك ببضع سنين حوالَي سنة ٦٣٦؛ لكي يحفظه من الوقوع في يد الفاتحين المسلمين.

وقد رآه في قسطنطينية نحو سنة ٦٧٠ الحاج «أركولفوس»، وكان قد زار بيت المقدس ورأى الكنائس الكبرى كما كانت بعد أن أعاد بناءها مودستوس. وهذا دليلٌ هام؛ لأنه يدل على مقدار تسامح المسلمين في معاملة الكنائس المسيحية نحو آخر القرن السابع، ولكن «أركولفوس» يذكر أن الصليب كان محفوظًا في كنيسة أيا صوفيا في صندوق من الخشب محفوظ في مخدع أو مشهدٍ فسيح في منتهى الجمال. وكان ذلك الأثر يوضع فوق مذبح من الذهب في ثلاثة أيام في العام، وهي يوم خميس العهد والجمعة الطيبة والليلة التي تسبق يوم عيد الفصح؛ ففي اليوم الأول كان الإمبراطور وجيشه يدخلون فيقبِّلون الصليب يتقدمهم الإمبراطور ثم أكابر رجال الجيش حسب درجاتهم، وفي اليوم التالي كانت الملكة تدخل مع وصيفاتها وسائر نساء الأعيان ليقبِّلنه، وفي اليوم الثالث كان البطريق ورجال الدين يدخلون ليفعلوا مثل هذا مع تقديم الأكابر، ثم كان الأثر يوضع بعد ذلك في صندوق ويُعاد إلى مشهده (انظر الكتاب المذكور، الجزء الثاني، صفحة ٥٥-٥٦).

وقد ذكر بورفيروجنيتوس مثل هذا الخبر عن الصليب في القرن العاشر. على أنه يظهر أن الصندوق الذي كان موضوعًا فيه كان عند ذلك في موضعٍ آخر من الكنيسة، ويُحيط شيء من الظلام بما آل إليه أمر الصليب في النهاية، وما آل إليه أمر سائر الآثار التي كانت محفوظة في كنيسة أيا صوفيا. وقد أفاض في وصف هذا الأمر المستر «ليتابي» والمستر «سوينسن» في كتابٍ مُمتع، وهو St. Sophia, Constantinople، صفحة ٩٢ و٩٣ و٩٧ وما بعدها … إلخ.

الملحق الثاني: في تواريخ الفتح الفارسي

مما يُشَك فيه أن نستطيع اليوم أن نعرف على سبيل البت تاريخ الحوادث المتصلة بالفتح الفارسي لمصر؛ فقد ذهب بعض المؤرخين المُحدَثين إلى أن ذلك الحادث كان بعد سنة ٦١٦ للميلاد. ويقول «جلزر» — وقد كتب رسالةً غزيرة العلم عن هذا الأمر (Leontius Von Neopolis، صفحة ١٥١) — إن الإسكندرية لا يمكن أن يكون فتح الفرس لها قبل سنة ٦١٩. وهو يُخالف في ذلك رأي «فون جوتشمت» الذي يذهب إلى أن ذلك الحادث كان قبل ذلك بسنة أو سنتين.
والحجج التي يُورِدها «جلزر» هي كما يلي: أن تيوفانز يجعل الفتح الفارسي في سنة ٦١٦. ويقول ابن العبري إنه كان في السنة السابعة من حكم هرقل، آخذًا ذلك عن البطريق ميخائيل إذ يقول (طبعة بيت المقدس، صفحة ٢٩٣) إن شاه-ورز غزا مصر في السنة السابعة من حكم هرقل. ويذهب إيزيدور (Roncalli. Chron, Min، الجزء الثاني ٤٦١) إلى أن الفتح كان في سنة ٦١٦. ويقول الطبري إن مفاتيح الإسكندرية أُرسلت إلى كسرى في السنة الثامنة والعشرين من حكمه؛ أي سنة ٦١٧-سنة ٦١٨. «وهو في ذلك يُثبت التاريخ الذي سبق أن رُوي عن ميخائيل».
ويجدر بنا أن نُلاحظ هنا أن السنة السابعة من حكم هرقل هي من أكتوبر سنة ٦١٦ إلى أكتوبر سنة ٦١٧، في حين أن السنة الثامنة والعشرين من حكم كسرى تقع من منتصف سنة ٦١٧ إلى منتصف سنة ٦١٨، ولا يقع أي جزء منها في سنة ٦١٦؛ وعلى ذلك فليس الاتفاق واضحًا بين خبر الطبري وخبر ميخائيل، وفوق ذلك أن ابن العبري (أو أبا الفرج) يذكر بوضوح في موضعٍ آخر (His. Dyn، طبعة بوكوك، صفحة ٩٩) أن فتح الفرس لبيت المقدس كان في السنة الخامسة من حكم هرقل، وهو في ذلك يُناقض نفسه كما فعل في مواضع كثيرة.
ويقول «جلزر» فوق ذلك إن «فون جوتشمت» قد بيَّن بيانًا دقيقًا (Kleine Schriften، الجزء الثالث، صفحة ٤٧٣ وما بعدها) أن غزوة الفرس لا يمكن أن تكون وقعت قبل سنة ٦١٧؛ لأن «المراجع السورية تدل على أن زيارة أثناسيوس الأنطاكي للبطريق أنستاسيوس المونوفيسي بالإسكندرية كانت في سنة ٦١٦»، في حين أن المعروف أن البطريق الذي كان على ولاية الدين عندما فتح الفرس الإسكندرية كان أندرونيكوس. وفوق ذلك لقد كان «نيقتاس» هو المُساعد على توحيد الكنيستين وصاحب الفكرة في هذا كما يقول ابن العبري، وقد هرب نيقتاس مع حنا الرحوم عند مقدم الفرس. ويذهب «فون جوتشمت» إلى أن وفاة أنستاسيوس كانت في ١٨ ديسمبر سنة ٦١٦، وقد أقام خلَفه أندرونيكوس (كما أسلفنا في متن كتابنا هذا) في المدينة واستطاع ذلك. ويقول «جلزر» إن هذا يدل دلالةً واضحة على أن الإسكندرية كانت على الأقل في أول ولاية أندرونيكوس للبطرقة (آخر سنة ٦١٦) لا تزال تحت حكم الروم؛ وعلى ذلك فلا يمكن أن يكون فتح الفرس قبل صيف سنة ٦١٧ كما يذهب إليه «فون جوتشمت».
وإنا نرى على وجه الإجمال أن تواريخ «فون جوتشمت» صحيحة، على أنها لا تخلو من الصعوبة، وأول اعتراض هو أنه ليس من الثابت أن السنة التي يُورِدها المؤرخون السوريون تتفق مع سنة ٦١٦؛ وذلك لأن هؤلاء المؤرخين ولو أنهم يتبعون التقويم اليوناني أو «السلوخي» في تاريخهم، يختلفون عنه عادةً في حسابهم بسنة؛ إذ يجعلون بدأه من سنة ٣١١ قبل الميلاد بدلًا من سنة ٣١٢ (راجع Trésor de Chronologie، المجموعة ٣٦)؛ وعلى ذلك فمن المحتمل أن يكون الدليل المستند إلى الكُتاب السوريين أميل إلى سنة ٦١٥ لا إلى سنة ٦١٦، وفي هذه الحالة يتفق ذلك التاريخ مع ما جاء في «الديوان الشرقي»؛ إذ يذهب إلى أن زيارة أثناسيوس لمصر كانت في السنة التي فتح الفرس فيها بيت المقدس عنوة. وفوق ذلك يقول الكاتب المصري ساويرس الأشمونيني: إن وفاة البطريق المصري أنستاسيوس في ٢٢ كيهك (١٨ ديسمبر) من سنة ٣٣٠ للشهداء. وقد أخطأ «رينودو» إذ ذهب إلى أن ذلك يُوافق سنة ٦١٤؛ لأن كيهك يقع في سنة ٦١٣. وهذه الأخبار لا يمكن التوفيق بينها، ولكن لا يمكن على الأقل أن نجعل فتح بيت المقدس في سنة ٦١٣.
على أنه يجدر بنا أن نذكر أدلةً سوى هؤلاء من المؤرخين السوريين؛ إذ من المعلوم أنه توجد نُسخٌ مخطوطة سورية من الإنجيل تاريخها في القرن السابع، وقد كُتبت في دير الهانطون بقرب الإسكندرية، كتبها توما الهركلي وبولص التلوي، وأمر بكتابتها البطريق أثناسيوس نفسه وهو في زيارته لمصر، وكانت هذه المخطوطات جزءًا من مراجعةٍ شاملة للنص السرياني على النص اليوناني نص Philoxenus؛ فتاريخ هذه المخطوطات ذو أهميةٍ عظمى.
«ومن المعلوم أن توما الهركلي أتمَّ ترجمته لنص العهد الجديد إلى السريانية في سنة ٩٢٧ من التاريخ اليوناني».١ وسنة ٩٢٧ هذه إن لم تكن مُوافقة لسنة ٩٢٦ المُعتادة كانت من ابتداء أكتوبر سنة ٦١٥ إلى أكتوبر ٦١٦. وتوجد أيضًا نسخةٌ مخطوطة أخرى (سريانية ذات ست روايات) في المتحف البريطاني (Add. Mss. 144, 376)، وقد كُتِب فيها أنها تمَّت في السنة عينها سنة ٦١٥-٦١٦. والنسخة الخطية للكتاب الثالث للملوك مؤرخ في شباط سنة ٩٢٧، وذلك يُوافق فبراير سنة ٦١٦. ونسخة الكتاب الرابع للملوك كُتِب بها ما يدل على أن بولص وأثناسيوس كانا يُقيمان في الإسكندرية في سنة ٩٢٨، وهي تقع بين أكتوبر سنة ٦١٦ وأكتوبر سنة ٦١٧. وهذا يحدِّد وقت زيارة البطريق السوري في خريف سنة ٦١٦. وقد ذُكر في نسخةٍ أخرى خطية من النُّسخ السريانية ذات الروايات الست وُجدت في ميلان، أن تاريخ تمامها كان في سنة ٩٢٨، وذلك في سنة ٦١٦-٦١٧.

ففي كل هذه النسخ الخطية ذكر دراسة علمية تجري في سلام في دير الهانطون مدة سنتين بين سنة ٦١٥ و٦١٧، وهذا يحدِّد عرَضًا وقت زيارة البطريق السوري، ويجعلها في أكتوبر سنة ٦١٦؛ لأن مُضيفه البطريق القبطي تُوفي في ديسمبر من ذلك العام. وقد كان حساب تلك التواريخ على ما اعتاده الناس من التاريخ بالحساب اليوناني. على أننا إذا ذهبنا إلى أن حساب تلك التواريخ كان على حسب التاريخ السوري الخاص كان لزامًا علينا أن نجعل وقت تلك الزيارة في سنة ٦١٥-٦١٦، وأن نجعل العمل من سنة ٦١٤ إلى سنة ٦١٦. فإذا ذهبنا هذا المذهب وقع الاتفاق بين قولنا وبين قول ابن العبري إذ يقول في كتابه «تاريخ الكنائس»، صفحة ٢٦٧–٢٦٩: «إن أثناسيوس ذهب إلى الإسكندرية وكان بطريقها أنستاسيوس، وعقد معه وفاقًا واتحادًا، ووقع هذا الاتحاد بين كنيستنا السورية وكنيسة مصر في سنة ٩٢٧ من التاريخ اليوناني» (وهي من أكتوبر سنة ٦١٥ إلى أكتوبر سنة ٦١٦)؛ إذ إن ابن العبري لا يتبع الطريقة السورية التي تُخالف التاريخ المُعتاد. ولا يمكن التوفيق بين وجوه هذا الخلاف إلا إذا سِرنا على طريقةٍ أخرى في حساب التاريخ. ولما كان سريان بابل خاصةً هم الذين قدَّموا حسابهم على التاريخ اليوناني بسنة، لم يكن بعيدًا أن يكون توما الهركلي وبولص التلوي قد سارا على تلك الطريقة؛ وإذن يقع الاتفاق بين الديوان الشرقي وبين النسخ الخطية من الإنجيل وأبي الفرج، وكل هؤلاء يجعلون تاريخ توحيد الكنيستين في أكتوبر سنة ٦١٥. ويلوح لنا أن هذا حلٌّ عادلٌ قريب إلى الأذهان.

ونرى أنه لا يزال من الضروري أن نجعل وفاة البطريق القبطي في ١٨ ديسمبر سنة ٦١٦، وليس في سنة ٦١٥؛ وذلك لأننا لا نجد طريقةً أخرى نجعل بها ولاية خليفته أندرونيكوس تُوافق التواريخ المعروفة في مدتها وفي تاريخ انتهائها؛ فإن مدتها معروفة بأنها كانت بضعة أيام وست سنوات آخرها ٨ طوبة (٣ يناير). فإذا قلنا إن يوم ٣ يناير من سنةٍ ما هو تاريخ وفاة أندرونيكوس وبدء ولاية بنيامين، لم نجد سنة فيها كل الشروط المطلوبة إلا سنة ٦٢٣؛ فمن جهةٍ لا شك في أن أندرونيكوس شهد بدء غزوة الفرس، ونرى أنها كانت في أواخر سنة ٦١٦؛ ومن جهةٍ أخرى لا شك في أن هذا البطريق كان حيًّا في أول أمر الإسلام؛ فإن الديوان الشرقي يجعل مدة ولاية أندرونيكوس بين سنة ٦١١–٦١٧، ولكنه يذكر بعد ذلك «أن في مدته علا أمر المسلمين»، وذلك في يوليو سنة ٦٢٢. ويُوافق على هذا مكين؛ إذ يجعل اختيار بنيامين في السنة الأولى للهجرة سنة ٦٢٢-٦٢٣. وشهادة أبي صالح كذلك واضحةٌ صريحة؛ فإنه يذكر أن أندرونيكوس كان بطريقًا «في أول ظهور المسلمين في السنة الثانية عشرة من حكم هرقل» (طبعة Butler, Evetts، صفحة ٢٣١). وهذا التواتر في الأدلة على أن تاريخ ولاية بنيامين كان في شهر يناير سنة ٦٢٣ برهانٌ قوي لا يكاد شيءٌ يقِف له. وأما Le Quien فإنه يتبع تاريخ ساويرس؛ إذ يقول إن ولاية أندرونيكوس كانت من سنة ٦١٩–٦٢٢.
فإن تم لنا إثبات أن وفاة أندرونيكوس كانت حوالَي ٣ يناير سنة ٦٢٣، وأن مدة ولايته كانت ست سنوات تزيد قليلًا أولها ١٨ ديسمبر، ويُخيَّل إلينا أننا قد أثبتنا ذلك؛ كان أول ولايته في سنة ٦١٦، وكانت وفاة أنستاسيوس في ١٨ ديسمبر سنة ٦١٦، وهذا التاريخ يُوافق ما أثبته «فون جوتشمت» (راجع Kleine Schriften. ii، صفحة ٤٧١–٤٧٤).

ولقد ساقنا هذا الكلام إلى الاستطراد والبعد عما كنا فيه من ذكر النسخ المخطوطة من الإنجيل التي كُتبت في دير الهانطون، ولكن من الضروري أن نعود إلى ذكرها حينًا.

فهذه النسخ المخطوطة تدل على: (١) أن توما الهركلي كان يعمل في الترجمة مدة سنتين على الأقل قبل زيارة البطريق السوري. (٢) أن الزيارة نفسها يغلب أن تكون وقعت في أكتوبر سنة ٦١٥. (٣) أن بولص التلوي بقي يعمل مدة ثلاثة أشهر على الأقل بعد الزيارة؛ أي إلى يناير سنة ٦١٦.

وهنا تقوم صعوبة؛ إذ ذُكر عرَضًا أن أثناسيوس ذهب مع خمسة من الأساقفة السوريين، في حين أن سياق قول ابن العبري يدل دلالةً قاطعة على أن توما الهركلي طُرد من أسقفيته في «مابوج» وهرب إلى مصر لاجئًا. ولا موضع للشك في أن توما وبولص كانا في مصر وقت تلك الزيارة، ولا في أن ثلاثة أساقفة آخرين إما جاءوا مع أثناسيوس، وإما طُردوا ولجئوا إلى مصر هاربين من فتح الفرس لفلسطين. ولدينا عبارةٌ صريحة ذكرها حنا مسكوس، وهي أن أساقفةً كثيرين هربوا إلى مصر لاجئين. ولكن الأقرب إلى الاحتمال أن هؤلاء العلماء السوريين بمُقامهم في الإسكندرية واتصالهم الناشئ من ذلك بالبطريق القبطي قبل زيارة بطريق أنطاكية، قد مهَّدوا السبيل إلى الاتحاد الرسمي الذي تمَّ سريعًا بعد اجتماع البطريقين.

وبعدُ، فقد بقي جزءٌ واحد من الدليل الذي يمكن أن نستخلصه من هذه النسخ المخطوطة، وذلك أنه من أكبر الأمور دلالةً أن كل الكتب الأخرى من الإنجيل التي تُنسب إلى بولص التلوي ليس بينها كتابٌ واحد يُذكر فيه تاريخ، وآخر تاريخ هو كما بيَّنا أول سنة ٦١٦. ويلوح لنا أنه ليس من المقبول عقلًا أن يُقال إن العمل مع ذلك قد تمَّ في الدير نفسه دير الأنطونيين Antonines٢ في الظروف نفسها، وأن نجعل غزوة الفرس على ذلك فيما بعد سنة ٦١٦، بل إن الأمر على عكس هذا؛ فإن هؤلاء العلماء السوريين الذين رأوا أو سمعوا بما أحدثه الفرس من التخريب العظيم ببلادهم، كان لا بد لهم أن ينزعجوا عند أول نبأ يصلهم عن مقدم الفرس إلى مصر. وإنه لمن أقرب الأمور أن يكونوا قد هربوا في البحر في صيف سنة ٦١٦ ومعهم رهبان دير الهانطون بما معهم من ثمين المتاع، ومن ذلك النسخ المخطوطة اليونانية للكتاب المقدَّس، ولكنا بغير أن نأخذ بهذا الرأي نرى دوننا رأيًا آخر محتملًا في تفسير ما كان، وهو يتفق مع استمرار العمل في مصر. ويدفعنا ذكر ذلك إلى القول في أمر أُهمل إهمالًا عجيبًا، ويجمُل بنا على ذلك أن نؤكده بعض التأكيد؛ فإن من عادة الكُتاب الذين كتبوا عن هذا العصر أنهم دائمًا يذكرون فتح الفرس كأنه حادثٌ واحد يجعلون له تاريخ سنة واحدة، ومعنى هذا أنهم «يعجزون عن أن يُميزوا بين غزو مصر وبين فتح الإسكندرية»، وهذان الحادثان لا بد كان بينهما سنة على الأقل. ومما لا شك فيه أن الكُتاب القدماء كانوا أحيانًا يذكرون لفتح الفرس تاريخ أحد الحادثين، وأحيانًا يذكرون له تاريخ الحادث الآخر، وهذه الحقيقة تُفسر كثيرًا مما يسُود ذلك الأمر من الخلط والاختلاف.

ويمكننا أن نقول إنه قد صار من المدلَّل عليه أن الفرس لم يكونوا قد ساروا إلى مصر في أول سنة ٦١٦. ولئن قلنا إنهم كانوا يستطيعون أن يدخلوا في حربٍ جديدة عقب فتح بيت المقدس، فإنه ليس من المحتمل أن يُقدموا على عبور الصحراء في فصل الصيف؛ فيمكن على ذلك أن نذهب إلى أن سيرهم إلى مصر بدأ في خريف سنة ٦١٦، وأن جيشهم فتح الفرما ونهب الأديرة فيها قبل آخر تلك السنة، ثم كان عليهم بعد ذلك أن يسيروا إلى منفيس وإلى فتح الحصن المنيع حصن بابليون، وأن يُحاربوا الروم في طريقهم على فرع النيل الغربي مارِّين بمدينة نقيوس (ونعلم أنهم فعلوا ذلك) حتى بلغوا الإسكندرية، ونعرف كذلك أنهم قضَوا وقتًا طويلًا في حصار المدينة قبل أن تُسلمها إليهم الخيانة، ولا يُمكن أن يكون ذلك قد استغرق أقل من سنة؛ وعلى ذلك فمن المُحال أن نجعل فتح الإسكندرية قبل آخر سنة ٦١٧، أو أول سنة ٦١٨، على أي مذهب من مذاهب التاريخ.

وعلى ذلك فمن السهل أن نقول إن العلماء السوريين بقوا في عملهم في دير الهانطون حتى قربت جيوش الفرس ثم هربوا إلى المدينة، وكان الهرب منها في البحر مُمكنًا في كل وقت؛ وبهذا كان يمكنهم أن يبقوا سنتين أخريين قد تكونان كافيتين لإتمام عملهم.

حسبُنا ما ذكرناه عن المراجع السورية، ولكن يجدر بنا أن نتنبَّه إلى أن تلك الحجة التي ساقتنا إلى القول إن شتاء سنة ٦١٧-٦١٨ هو الوقت الذي لا يمكن أن تكون الإسكندرية قد فُتحت قبله، تسوقنا كذلك إلى اتفاقٍ دقيق مع التاريخ الذي ذكره الطبري، وهي كذلك تسوقنا إلى قريب من الاتفاق مع ما ذهب إليه فون جوتشمت. ولو أننا سلكنا مسلكًا مُخالفًا لِما سلكه، وكانت الحقائق التي بنينا برهاننا عليها فيها شيء من التضارب مع حقائقه، فقد ذهب إلى «أن الإسكندرية كانت في ديسمبر سنة ٦١٦ لا تزال مع الروم، وأنه لا يمكن أن يكون الفتح الفارسي قد وقع قبل صيف سنة ٦١٧» (إذا كان يقصد بقوله «الفتح الفارسي» فتح الإسكندرية). والطبري يتجاوز هذا التحديد قليلًا؛ إذ يقول إن مفاتيح الإسكندرية لم تُرسَل إلى كسرى قبل الشتاء. وإنا نتفق معه في هذا الرأي؛ فنقول على ذلك إجمالًا إن التواريخ كانت كما يلي:
  • (١)

    فتح بيت المقدس كان في آخر مايو سنة ٦١٥.

  • (٢)

    زيارة أثناسيوس للإسكندرية كانت في أكتوبر سنة ٦١٥.

  • (٣)

    سير الفرس إلى مصر كان في خريف سنة ٦١٦.

  • (٤)

    موت البطريق القبطي كان في ١٨ ديسمبر سنة ٦١٦.

  • (٥)

    فتح بابليون كان في ربيع سنة ٦١٧.

  • (٦)

    فتح الإسكندرية كان في آخر سنة ٦١٧.

  • (٧)

    إخضاع مصر جميعها كان في سنة ٦١٨.

ولعلنا نقول فوق ذلك إن فتح الصعيد لا يمكن أن يكون قد تم قبل شتاء سنة ٦١٨ بزمنٍ طويل؛ لأننا نعرف من ورقة بردي قبطية مؤرَّخة أن «أرسنوية» أو الفيوم كانت لا تزال في ملك الروم في التاسع من يونيو سنة ٦١٨ (Corpus Papyrorum Raineri، الجزء الثاني، صفحة ٢٢؛ (ed. J. Krall.) Koptische Texte). ولكنا نقول على وجه الإجمال إن هذا البيان يدل على أنه قد وقعت بين فتح بيت المقدس وتمام فتح مصر مدة ثلاث سنوات، وهو يُوافق كل المُوافقة ما ذكره أبو الفرج (طبعة Pococke، راجع ما سبق).
وهذا النظام يمكِّننا من أن نقول إن بعث حنا الرحوم لمساعدة بيت المقدس كان في شتاء سنة ٦١٥-٦١٦؛ فإن من بعثهم ذهبوا عن طريق البر، وما كانوا ليستطيعوا ذلك لو كانت جيوش الفرس في طريقها إلى مصر؛ وعلى ذلك يكون هروب حنا الرحوم مع نيقتاس في خريف سنة ٦١٦، إذا كانا قد هربا عندما جاءهما نبأ غزوة الفرس. على أن قول Leontius يُفيد أنهما هربا قُبيل فتح الإسكندرية؛ أي بعد ذلك التاريخ بعام، ولكنا فوق كل هذا نرى أن هذا النظام في التاريخ يتفق مع تأريخ مؤرخي العرب في ذكرهم تاريخ حياة البطارقة، وفي ذكرهم مدة احتلال الفرس لمصر، وهذه المدة كما يقول جلزر كانت عشر سنوات، وهو حق.
وأما البطارقة القبط فنرى أن تواريخهم كما يلي:
  • (١)

    أنستاسيوس من يونيو سنة ٦٠٤ إلى ١٨ ديسمبر سنة ٦١٦.

  • (٢)

    أندرونيكوس من ديسمبر سنة ٦١٦ إلى ٣ يناير سنة ٦٢٣.

  • (٣)

    بنيامين من يناير سنة ٦٢٣ إلى ٣ يناير سنة ٦٦٢.

وأما البطارقة الملكانيون فتاريخهم كما يلي:
  • (١)

    تيودور قُتل في سنة ٦٠٩.

  • (٢)

    حنا الرحوم من سنة ٦٠٩ إلى سنة ٦١٦ أو سنة ٦١٧.

  • (٣)

    جورج من سنة ٦٢١ إلى سنة ٦٣٠ أو سنة ٦٣١.

  • (٤)

    قيرس من سنة ٦٣١ إلى سنة ٦٤٢.

فإذا نحن اتبعنا «جلزر» فيما ذهب إليه معتمدًا على حجةٍ واحدة، وهو Thomas Presbyter، من أن اتحاد الكنيستين المصرية والسورية قد وقع في سنة ٦١٨؛ وجب علينا أن نغيِّر كل نظامنا في تتابع تواريخ بطارقة القبط، ووجب علينا فوق ذلك أن نجعل ولاية بنيامين على الأقل في سنة ٦٢٥، في حين أن المؤرخين المصريين يكرِّرون أن ولايته بدأت في سنة ٦٢٢-٦٢٣، وهي سنة هجرة النبي وظهوره. وأما نحن فنرى أن هذا الاتفاق برهانٌ قاطع، ولو لم يكن لدينا برهانٌ غيره على تاريخ ولاية بنيامين، ولكنه من أمهل الأمور أن نُورِد براهين كثيرة من المؤرخين المصريين على تفنيد قول من قال إن ولايته كانت في سنة ٦٢٥.
وأما احتلال الفرس لمصر مدة عشر سنوات، فقد ذهب «جلزر» إلى أن تلك المدة انتهت سنة ٦٢٩؛ أي بعد سنة على الأقل من صلح هرقل وشيرويه. ولكنا نرى ثلاث حجج قوية تنقض ذلك الرأي:
  • (١)

    أن القصد من كل خطة هرقل في سنة ٦٢٢ والسنوات التي بعدها كان تخفيف ضغط الفرس عن عاصمته وعن مصر. وإنه لمن أقرب الأمور أن تكون مصر قد أُخليت من الفرس بسبب هذا الضغط منذ ربيع سنة ٦٢٧، حتى ولو لم يقُم على ذلك برهان؛ وعلى هذا تكون مدة الفتح الفارسي منذ أول الغزو عشر سنوات تزيد قليلًا.

  • (٢)

    ولو لم يكن الأمر كما ذكرنا فقد ذكر سبيوس أن شيرويه في صلح فبراير سنة ٦٢٨ رضي أن يُخلي في الحال كل ما كان يملكه من بلاد الروم، وأخرج جيوشه منها.

  • (٣)

    أن النبي محمدًا بعث رسله إلى الأمراء في صيف سنة ٦٢٧ أو خريفها على الأكثر كما روى الطبري؛ لأنه يذكر أن الرسل الذين أرسلهم كسرى إلى اليمن حُجزوا هناك بضعة أشهر حتى أتت أنباء موت الملك، وكان موته في فبراير سنة ٦٢٨. ولا شك في أن النبي عندما بعث رسوله إلى مصر كانت مصر قد عادت إلى دولة الروم، وكان يحكمها والي هرقل «المقوقس» كما يُسمونه خطأً.

وليس اعتماد «جلزر» على «نيقفوروس» مما يدعم اتخاذه تاريخ سنة ٦٢٩؛ فإن نيقفوروس يقول: «إن سارباروس بعد أن سمع بموت كسرى وشيرويه وقباذ وهرمزداس رجع من بلاد الروم.» ثم قال: «ولما تم الصلح أعاد سارباروس مصر وسائر بلاد الشرق إلى الروم، وأخرج منها مسالح الفرس، وبعث بالصليب واهب الحياة إلى الإمبراطور.» ولكن الشاه-ورز لم يصِر ملكًا باتفاقه مع هرقل إلا في آخر سنة ٦٢٩ على الأقل (Journal Asiatique, 1866، صفحة ٢٢٠)، في حين أنه من المؤكد أن هرقل استعاد الصليب في سنة ٦٢٨. وفوق ذلك إن نيقفوروس نفسه قال بعد أن ذكر عدة حوادث أخرى إن الصليب أخذه هرقل بعد ذلك إلى بيت المقدس، ثم أعاده إلى القسطنطينية وتلقَّاه فيها البطريق سرجيوس، «وقد كان حدوث ذلك في الخمس عشرة سنة الثانية» (أي في سنة ٦٢٩). وإذا كان لنا أن نستخلص شيئًا من هذا الخبر المفكَّك استخلصنا أن الفرس خرجوا من مصر قبل استعادة الصليب؛ أي قبل سبتمبر سنة ٦٢٨، ولكن ذلك الخبر لا يدل على شيءٍ سوى أن نيقفوروس هذا شاهدٌ غير عدل لا يُعوَّل على قوله.

والحقيقة هي أن مدة احتلال الفرس وهي السنين العشر، يمكن أن يُعَد أولها إما عند دخول الفرس إلى مصر، وإما من أول فتح الإسكندرية، وإما من إتمام فتح مصر إلى أسوان، ويختلف مدى تلك المدة باختلاف الوقت الذي يُعتبر الابتداء منه.

ولقد سعينا في هذا التعليق أن نُظهر أن كثيرًا من الخلط ناشئٌ عن إغفال التمييز بين غزو مصر وفتح مصر؛ فهما معنيان غير مُترادفين، وحادثان لم يقعا في وقتٍ واحد. ولذلك الخلط سببٌ آخر، وهو إغفال التفريق بين السنة الميلادية (التي أولها أول شهر يناير) وبين السنة اليونانية من تاريخ الإسكندر (التي أولها أول سبتمبر)، وهي تقع في جزأين من سنتين من سِني الميلاد. وفوق ذلك سببٌ ثالث، وهو إغفال الانتباه إلى طريق حساب السنة اليونانية عند السريان؛ فإنها أحيانًا تختلف عن التاريخ اليوناني المُعتاد بسنة، وفيها تبدأ السنة في أول أكتوبر بدل ابتدائها في أول سبتمبر. والسبب الأخير في الخطأ يصحُّ لنا أن نذكُره، وهو الاعتماد في حساب التواريخ على أساسٍ غاية في الضيق. ويحدث هذا من طريقين: إما بالمبالغة في تضييق الفترة التي يُستمد الدليل منها، وإما بتضييق المجال الذي يُستمد منه الدليل. فإنه لا يكفي أن نبحث في تواريخ فترة نحو عشر سنوات أو اثنتَي عشرة سنة ثم ننتهي من ذلك البحث إلى نهاية بغير أن ننظر إلى ما ينشأ عن ذلك من النتائج؛ أعني بغير أن ننظر إلى علاقة هذه التواريخ بما قبلها وبما بعدها من التواريخ، ونتحقق من أن ما ينشأ عن ذلك من النتائج يخرج ثابتًا بعد التمحيص والنقد. ويجمُل كذلك أن نذكُر أننا إذ نُعالج هذه الحوادث التي وقعت في القرن السابع نعتمد على مراجع تاريخية مختلفة الأنواع كثيرة العدد؛ ففيها اليوناني والأرمني والسرياني والعربي والمصري، وفي كلٍّ منها شيءٌ يجب الرجوع إليه. وليس من العدل أن نضع نظامًا للتاريخ نستمدُّه من طائفة أو اثنتين من هؤلاء الكُتاب بغير أن نأبه كما ينبغي بالآخرين. وإنا ونحن نكتب هذا نشعر أعمق الشعور بالصعاب التي تُحيط بمثل هذا السعي إلى التوفيق بين المراجع التي قد تكون في الحقيقة كما هي في الظاهر غير قابلة للتوفيق، ولكن لعلنا غير مغرورين إذا نحن بيَّنا بعض الصعاب التي تعترض طريق الباحثين في بحثهم. ويجمُل بنا أن نقول إننا وإن اختلفنا مع «جلزر» نفعل ذلك وفي نفوسنا كل الإعجاب بمؤلفه النفيس الغزير العلم الدقيق البحث. ولسنا ندَّعي أن نظام التاريخ الذي وضعناه خالٍ من الصعاب، ولكنا قد ندَّعي أننا قد وضعناه على أُسسٍ واسعة، وأننا قد وفَّقنا به بين عددٍ عظيم من مراجع كل منها مُنفصل عن الآخر كل الانفصال، ومُباين له أكبر المُباينة.

ليس في كل تاريخ مصر شخصٌ جمع بين الشهرة والخفاء مثل الشخص الذي يُطلَق عليه الاسم العربي المقوقس أو المقوقِس، ولا خلاف في أن ذلك الشخص كان أعظم الروم أثرًا في أزمة الفتح العربي، وأنه كان العامل على تسليم مصر، ولكن هذا كل ما لا يُختلف فيه، وأما حقيقة شخصه واسمه وجنسه وعمله الذي كان يعمله في الدولة، وبلائه الذي أبلاه، ومعنى لقبه نفسه الذي يُعرف به، كل تلك الأمور مختلَف فيها، وطالما تكلَّم فيها الباحثون، وذهب كلٌّ مذهبًا في الإجابة عنها، ولكن تلك الإجابة تنمُّ عن تبايُن في الآراء لا يمكن التوفيق معه بينها. وما كنا لنعجب من ذلك الاختلاف؛ فإنه من الجلي أن مؤرخي العرب أنفسهم كانوا من أول الأمر في حيرةٍ عظيمة ودهشة من هذا الأمر، ومن الكُتاب المُحدَثين نجد Von Ranke، في صفحة ١٤٢ وما بعدها من كتابه Weltgeschichte V. i، يزعم أن المقوقس كان حاكم مصر، وأنه كان قبطيًّا. ولكن يلوح لنا أنه كان يشك في حقيقته التاريخية. وأما De Geoje في كتاب De Mokaukis Van Egypte في كتاب Etudes dedieés a Leemans، فإنه يذكر أن الظاهر أن مؤرخي العرب قد خلطوا في بعض المواضع بين المقوقس وقيرس البطريق الإمبراطوري في الإسكندرية مع أنه كان شخصًا آخر، وله عملٌ غير عمل المقوقس. وأما الأستاذ Karabacek في مقاله Der Mokaukis Von Aegypten (Mitheilungen aus der Sammlung der Papyrus Erzherzog Rainer) (الجزء الأول، صفحة ١–١١)، فإنه يذهب إلى أن اسم المقوقس هو جورج بن مينا برقبيوس Barkabios؛ وبهذا يُفسر اسم «فرقب» أو «قرقب» الذي يُسمي به بعض المؤرخين أبا المقوقس. ويزعم Karabacek أن المقوقس كان حاكمًا لإقليم، ويزعم أن لقبه تحريفٌ عربي للفظ اليوناني،(٦١) ويأخذ ذلك اللفظ على أنه كان لقبًا تشريفيًّا يُعادل لفظ(٦٢) وسواه مما يوجد في أوراق البردي المختلفة من القرن السابع. وأما المستر «ملن» في تعليقه عن «جورج المقوقس» في كتابه Egypt under Roman Rule، صفحة ٢٢٤، فإنه يذهب إلى أنه كان جورج حاكم الإقليم الذي ذكره حنا النقيوسي، والذي يظن أنه كان حاكم Augustamnica؛ أي أثريب. انظر كتاب Actes des martyres de L’Egypte (Hyvernat) (الجزء الأول، صفحة ٢٩٦). على أن أثريب لا يصح أن تُعَد «على الحدود الشرقية لمصر» كما تستلزمه حجة المستر «ملن». وأما الأستاذ استانلي لين بول في كتابه Egypt in the Mid. Ages، صفحة ٥، هامش ٢، فإنه يميل إلى ترجيح مذهب أن ذلك الاسم تحريف للقب اليوناني السابق الذكر،(٦٣) ويتبع رأي المستر «ملن» في زعمه أنه كان «جورج حاكم الإقليم الشرقي»، مُخالفًا في ذلك ما جاء في الأخبار العربية من أن المقوقس كان «حاكم مصر كلها، وأنه كان يُقيم في الإسكندرية».
ثم إنه يقبل القصة المُتداولة التي تجعل المقوقس قبطيًّا. وهكذا نرى الأستاذ «بوري» يُسميه «الحاكم القبطي» لمصر، وذلك في كتابه Later Rom. Empire، الجزء الثاني، صفحة ٢٧٠. وترى أن أخبار هؤلاء المؤرخين جميعها لا يمكن وصفها بخير من أنها جزئية وغير تامة؛ لأنهم لم يُعالجوا ذلك الأمر معالجةً كافية، ولم يُبينوا آثاره في تاريخ الفتح، ثم لم يفحصوا رأيهم بمقابلته بالصعاب التي تنشأ من إطلاقه، وما يلقى الباحث عند اتباع ذلك الرأي من المشاكل، وفوق كل ذلك ليس المقوقس بالشخص الأوحد الذي اختُلف في حقيقته؛ فإن جُل كبار قادة تلك الحرب من روم ومصريين يُحيط بهم ظلام وإبهام، وكثيرًا ما يختلط بعضهم ببعض. فإذا نحن وُفقنا إلى معرفة كُنْه المقوقس لم نصِل إلا إلى نصف حل العقدة، فلا بد لنا من أن نفحص أشخاصًا آخرين في الوقت عينه ونعرف حقيقتهم، ولكنا نرى أن هذه الضرورة لم يُدركها أحد إلى الآن حق إدراكها؛ وعلى ذلك نستطيع أن نقول إن هذه المشكلة في مجملها لم يُعالجها أحد علاجًا وافيًا. فالحقيقة أن الخلط في الأسماء والأشخاص مُتسرب في كل تاريخ مدة الفتح تسربًا عظيمًا، لا يُدرك عِظم المشكلات التي به حق الإدراك إلا مَن يُعاني كتابة ذلك التاريخ أو يحاول كتابته، ونرى أن الأجدر بنا أن نبدأ بذكر ما قاله أكبر مؤرخي العرب، ونرى ما في قولهم من الأخبار التي تُوضح هذا الأمر الذي نحن بصدده أو تُساعد على حل إشكاله.
  • البلاذري: (المولود سنة ٨٠٦ للميلاد) يذكر المقوقس ويقول إنه صالَح عمرًا، وإنه كان في جانب القبط بعد أن أبى هرقل أن يُقرَّ صلحه. ويذكر عند وصف ثورة منويل أن بعض الرواة يذهبون إلى أنه ساعد العرب، ويذهب بعضهم إلى أنه كان قد مات قبل ذلك.
  • الطبري: (٨٣٩–٩٢٣) يفرِّق بين حاكم الإسكندرية وبين حاكم منفيس، ويذكر أن الأخير كان المقوقس، وأنه كان عظيم القبط، وأنه أرسل إلى منفيس جيشًا تحت قيادة «الجاثليق الذي كان كبير أساقفة النصارى، واسمه ابن مريم».
  • سعيد بن بطريق: (المولود سنة ٨٧٦ للميلاد) وكان ملكانيًّا، ويذكر أن المقوقس كان عاملًا على الأموال في مصر لهرقل، وكان يعقوبيًّا في الباطن، ولكنه كان في الظاهر ملكانيًّا، وأنه منع الجزية التي كان عليه أن يُرسلها للإمبراطور منذ حصار الفرس للقسطنطينية، ولم يذكر للمقوقس اسمًا، وذكر أنه كان حيًّا إلى ما بعد ثورة منويل.
  • النسخة الخطية من كتاب ساويرس الأشمونيني: (أوائل القرن العاشر) وهي غاية في عِظم الشأن؛ فقد جاء فيها: «لما استعاد هرقل بلاده استعمل عمالًا عليها، فأرسل إلينا في أرض مصر قيرس ليكون حاكمًا وبطريقًا معًا.» ويقول عن اضطهاد السنوات العشر ومدة هروب بنيامين: «وكانت هذه هي السنوات التي كان فيها هرقل والمقوقس يحكمان مصر.» ثم قال: «ولما انتهت مدة السنوات العشر لحكم هرقل وولاية المقوقس …» ثم قال في وصفه: «الحاكم الكافر الذي كان بطريقًا وحاكمًا للإسكندرية.» وفي الختام روى عن بنيامين أنه قال: «مدة الاضطهاد الذي نزل بي عندما طردني المقوقس …» وقد كان ساويرس هو الذي ذكر أن بنيامين هرب من ولايته عند مقدم قيرس؛ ومن هذا يُرى أن ساويرس يذهب إلى أن قيرس هو المقوقس.

تأتي بعد هذا فترةٌ تقرُب من قرنين إلى أن يجيء ابن الأثير (المولود في سنة ١١٦٠ للميلاد)، وهو يذكر أبا مريم وأبا مريام، وأن الأول كان جاثليق منفيس (ولنُلاحظ خطأ ذلك اللقب)، وأن الثاني كان أسقفًا، وأن المقوقس أرسلهما ليُقاتلا عمرًا، ولكنهما فاوضاه وصالحاه على شروطٍ رفضها المقوقس، وأن المقوقس كان يقود الجيش بنفسه في وقعة عين شمس. ثم ذكره بعد ذلك على أنه حاكم الإسكندرية في وقت الحصار، وأنه صالَح عمرًا وكان حيًّا عند ثورة منويل.

وابن الأثير مُضطرب في ترتيب الحوادث في أول مدة الفتح.

  • أبو صالح: (كتب حوالَي سنة ١٢٠٠ للميلاد) يذكر أن «محمدًا بعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس حاكم الإسكندرية»؛ أي في سنة ٦ للهجرة (وأولها ٢٣ مايو سنة ٦٢٧). ويقول بعد ذكر عودة مصر إلى الروم: «إن هرقل استعمل على مصر جريج بن مينا المقوقس.» ثم ذكر ديرًا في الصعيد فقال: «إن بنيامين اختفى هناك في حكم الإمبراطور الروماني هرقل الخلقيدوني، وحين كان جريج بن مينا المقوقس حاكمًا على مصر حتى تمَّت مدة السنوات العشر، وكان ذلك هربًا منهما كما أنذره الملك.» ثم قال المؤلف بعد ذلك إن تلك كانت السنوات العشر التي قاسى فيها المؤمنون (القبط) الاضطهاد. ولكن أبا صالح ينقل من كتاب «الجناح» أن أسقف الروم في مصر والإسكندرية كان اسمه قيرس (صفحة ٧٣).
  • ياقوت: (المولود حوالَي سنة ١١٧٨ للميلاد) يعقِّد الأمور تعقيدًا أشد؛ فهو يذكر أن حصن بابليون كان حاكمه «المندفور» الذي اسمه الأعيرج، نائبًا عن المقوقس ابن قرقب اليوناني الذي كان يُقيم في الإسكندرية.
  • مكين: (المولود حوالَي سنة ١٢٠٥ للميلاد) يذكر أن عامل هرقل على مصر هو المقوقس، وأنه هو وعظماء القبط صالحوا عمرًا.
  • ابن خلدون: (المولود سنة ١٣٣٢ للميلاد، وكتب في أواخر القرن الرابع عشر) يتبع ابن الأثير، ولكن له خلطًا خاصًّا به، وهو يجعل المقوقس قبطيًّا.
  • ابن دقماق: (كتب حوالَي سنة ١٤٠٠) يذكر المقوقس الرومي عامل هرقل.
  • المقريزي: (المولود سنة ١٣٦٥ ميلادية) يروي عن يزيد بن أبي حبيب عبارة أن المقوقس الرومي كان واليًا على مصر وصالَح عمرًا، ويروي عن ابن عبد الحكم خبر حياة المقوقس في وقت ثورة منويل. وابن عبد الحكم مؤرخٌ قديم (مات سنة ٨٧٠ للميلاد)، وكتابه موجود في نسخةٍ خطية، ولكنه قصصي، كما أنه مؤرخٌ، غير أنه ذو قيمةٍ عظيمة في كثير من الأحيان، وقد نقل Weil عنه كثيرًا.

    ويتفق المقريزي مع ياقوت في ذكر «الأعيرج»، وفي أن المقوقس بن قرقب (أو قرقت) كان يونانيًّا، ويذكر أن القبط كان لهم في الإسكندرية أسقفٌ اسمه «أبو ميامن»، وأن المقوقس صالَح العرب، غير أن هرقل لم يُقرَّ صلحه وعنَّفه، على أنه كان كالقبط في الجبن والخسة، وذكر قيرس فقال إن هرقل «أقام قيرس بطرك الإسكندرية» (وأخطأ فذكر فيرس بالفاء بدل قيرس بالقاف).

    وأما كتاب الواقدي (وهو كتابٌ قصصي غير ثابت التاريخ) فقد جاء فيه أن ملك القبط كان عند ذلك المقوقس بن رعيل.

  • أبو المحاسن: (المولود سنة ١٤٠٩) يجعل بنيامين القبطي أسقف الإسكندرية، ويقول إن قائد قصر الشمع كان الأغيرج (بِالغين)، وكان تحت أمر المقوقس. وجاء في نسختين خطيتين أن اسم المقوقس جريح (بالحاء) بن مينا. وهذا تحريفٌ ظاهر لاسم «جريج بن مينا». وقد ذكر المؤرخ نفسه في موضعٍ آخر أن قائد الحصن كان المندفور المسمَّى الأغيرج من قِبل المقوقس بن قرقب اليوناني. ويروي هذا المؤلف عن ابن كثير قصة (منقولة من ابن إسحاق وغيره) أن المسلمين عندما دخلوا مصر قابلهم أبو مريم جاثليق مصر وأبو مريام الأسقف، ثم ذكر هذين القسَّين العظيمين عند بناء الفسطاط.
  • السيوطي: (المولود سنة ١٤٤٥ ميلادية) يكاد يتفق مع أبي المحاسن، وهو يذكر أن الحصن كان يقوده المندفول المسمَّى الأعيرج من قِبل المقوقس بن قرقب اليوناني، ويذكر أن مُقام المقوقس كان في الإسكندرية، وأنه صالَح عمرًا، ولكن هرقل لم يُقرَّ صلحه، وأن اسم الأسقف القبطي «أبو ميامن».
وهذا العرض لكبار المؤرخين العرب يُظهر وجوه اختلافهم الكثيرة، ولكن من الجلي أنهم يذكرون ثلاثة أشخاص يجب معرفة حقيقتهم، وهم: المقوقس، وأبو مريم، والأعيرج. وسنذكرهم بادئين بالأخير، ثم الذي قبله، فالذي قبله:
  • (١)
    الأعرج – الأعيرج – الأغيرج: ويظهر أن هذا الاسم جاء أولًا في ياقوت (أول القرن الثالث عشر) على أنه اسم قائد حصن بابليون، وأن لقبه كان المندفور، ويجوز أن ذلك كان تحريفًا للفظ «المندتور»، وهو تعريب اللقب البيزنطي، على أن ذلك اللقب لا يظهر أنه استُعمل في غير ذلك الاستعمال وقُصد به القائد. وقد أخذ أبو المحاسن ذلك عن ياقوت، وكذلك أخذ عنه السيوطي، على أن السيوطي جعل ذلك اللقب «المندقول»، وهو تحريف في النسخ. ويقول الأستاذ «لين بول» إن الأعرج والأعيرجإن قائد قصر الشمع كان الأغيرج هو «أرطبون» أحد قُواد الروم، وإنه كان كذلك يُسمى ابن «قرقب» (انظر Eg. in The Middle Ages، صفحة ٥، هامش ٢). ولكن ليس ثَمة مرجعٌ حقيقي لذلك الرأي في شخصيته، ولا في نقل اسم «ابن قرقب» من المقوقس إلى الأعرج، ولكنا نرى أن الأعرج ما هو إلا قلبٌ ناشئ من النقل الكثير للفظ «جرج» أو «جريج»، وأن اسم قائد الحصن في الواقع هو «جورج»، ولعله شخصٌ غير «جورج الحاكم للإقليم» الذي ذكره حنا النقيوسي.
  • (٢)
    أبو مريم: وصف الأستاذ «لين بول» هذا الشخص بأنه «جاثليق» مصر، وأنه انضم إلى جيش عمرو. ولفظ جاثليق لا معنى له إلا «بطريق»، وأول من ذكره من مراجعنا «الطبري»؛ فقد جعلته معلوماته الفارسية يذكر ذلك اللفظ على أنه اسم كبير أساقفة مذاهب النسطوريين والأرمن، ويكثُر ذكره في كتب سبيوس وسواه، ويعرفه DU Cange حق المعرفة. والحقيقة أن الطبري نفسه يُفسر ذلك اللفظ بأنه كبير أساقفة النصارى، ولكنه يقول بعد ذلك عبارةً مُحيرة، وهي أن اسمه كان «ابن مريم». ويمكننا أن نسلِّم بأنه قد كان في مصر رئيسان للأساقفة أو بطريقان في وقت الفتح، وهما قيرس وبنيامين، ونزيد على ذلك أنه قد يجوز أن بطريقًا ثالثًا كان موجودًا عند ذلك، وهو بطريقٌ مجهول (للجايانيين)، ولكن ذلك غير هام فيما نحن فيه، وابن مريم لا يمكن أن يكون هو «قيرس»، ولكنه يمكن أن يكون المقصود به «بنيامين»، ونرجو أن نستطيع البرهان على أن ذلك هو المقصود؛ فإنه في مدة ابن الأثير كان الاسم قد حُرِّف إلى «أبي ميامين»، في حين أن أبا المحاسن يذكر — وهذا طبعًا صحيح — أن الأسقف القبطي في الإسكندرية كان اسمه بنيامين، ويذكر السيوطي أن الأسقف القبطي هو «أبو ميامين»، وليس على الإنسان إلا أن يقرِن هذه الحقائق بعضها إلى بعض فيرى لأول نظرة أنه من أسهل الأمور تحريف اسم «أبي بنيامين» إلى «أبي ميامين»، ثم إلى «أبي مريم»، في حين أن «ابن مريم» يجوز أن يكون تحريفًا للاسم بنيامين؛ فإن كُتاب العرب كانوا يعرفون أن اسم مريم اسم يُجله النصارى إجلالًا عظيمًا، فأخطئوا في لفظ «أبا» فظنوا أنه اللفظ العربي «أبو»، في حين أن نزع الجزء الأول من «بنيامين» وهو «بن»، وخُلط باللفظ العربي «ابن»، ونشأ من ذلك الخلط أسماءٌ عجيبة زادها تحريف النُّساخ خطأً، فذهبوا إلى تسمية الأسقف باسم «أبي مريم» و«ابن مريم»، ونستطيع الآن أن نستبعد اسم «أبي مريم»٤ ونحن واثقون من أن ذلك الاسم لم يكن. وكذلك أسماء «أبي مريم» و«ابن مريم» و«أبي ميامين»، وأن نجعل مكان هذه الصور الغريبة اسم «بنيامين» الذي كان كبير أساقفة القبط في الإسكندرية. غير أنه لا يكفي أن نستبعد هذه الخيالات؛ فإنا إذا سلَّمنا أن الشخص التاريخي المقصود هو بنيامين، فإنه من المُحال أن نقبل ما قيل عنه من أنه اشترك مع عمرو أي اشتراك فيما ذُكر عنه، فلم يُحاربه ولم يُفاوضه. وأما ما ذكره الطبري ومن اتبعه كابن الأثير عن بنيامين فإنه قولٌ سخيف؛ فقد جعلوه قائدًا حربيًّا تحت حكم المقوقس. وقد سعى الطبري إلى جعل خبره مقبولًا لا تناقض فيه، فجعل المقوقس أميرًا للقبط. ولكن كل الأدلة المُستمدة من المؤرخين المصريين تدل على أن هذين الرأيين غير صحيحين (وكان الطبري غريبًا عن مصر وإن كان قد زارها)؛ فالمؤرخون المصريون مُجمِعون على أن بنيامين بقي مُختفيًا في الصعيد مدة عشر سنوات قبل الفتح العربي، وثلاث سنوات في مدة الفتح. ولو لم يكن لدينا غير ما كتبه ساويرس «حياة بنيامين»، لكان ذلك كافيًا للبت في هذا الأمر، غير أن كل المؤرخين من حنا النقيوسي إلى ما بعده مُتفقون في هذا الرأي؛ فكيف لنا إذن أن نُدرك علة ما يعزوه مؤرخو العرب إلى بنيامين من الاشتراك في الأمور عند الفتح؟ والتعليل هو ما يلي: أنهم وجدوا في الأخبار القديمة أو الروايات السابقة أن زعيم المُدافعين والرئيس الذي فاوض في شروط الصلح مع الغزاة هو كبير أساقفة الإسكندرية، ووجدوا بعد الفتح وفي التاريخ القبطي أن كبير الأساقفة في الإسكندرية المُعترَف به هو بنيامين، وفوق ذلك لقد كان بنيامين هو الذي جاء إلى عمرو وصالحه في وقت الفتح الثاني للإسكندرية عند ثورة منويل؛ فاختلط هذا الخبر بالصلح الذي كان مع قيرس؛ وعلى ذلك اختلط الشخصان، وعُزِي إلى بنيامين فعل ما فعله قيرس عند الفتح، ولكن لا بد لنا أن نُعالج الأمر الفاصل، ألا وهو حقيقة شخصية المقوقس؛ حتى لا يُقال إن تفسيرنا هذا تفسير شيء غامض بمثله.
  • (٣)

    المقوقس: يذكر جُل مؤرخي العرب شخصًا يُطلَق عليه ذلك اللقب، ولكن مما يسترعي النظرَ أن مِن بين من ذكرنا من المؤلفين لا يذكر الآتون اسمًا لصاحب ذلك اللقب، وهم البلاذري والطبري وسعيد بن بطريق وساويرس، ولا ابن الأثير نفسه. حقًّا إن الواقدي يُسميه «ابن رعيل»، ولكن هذا اسم من الأسماء العجيبة الخيالية التي ترِد في قصص العرب قبل التاريخ لتسمية الملوك والسحرة ومن إليهم، فلا نجد أن المقوقس اسمه جريج بن مينا حتى نأتي إلى عام سنة ١٢٠٠ للميلاد؛ إذ يُطلِق عليه ذلك الاسمَ «أبو صالح»، في حين أن ياقوت الذي كان في نفس عصره يُسميه «جريج بن قرقب اليوناني». وهذا الاختلاف يدل على وجود روايتين مختلفتين أو مصدرين مُنفصلين للخبر. ومن العجيب أن هذا استنتاج يدل عليه ما نجده بعد مدة من ذلك العصر؛ إذ نجد مؤرخًا واحدًا وهو أبو المحاسن ينسب ذلك الشخص «جريج» إلى النسبتين في مواضع مختلفة، فيُسميه تارةً «ابن مينا» وتارةً «ابن قرقب اليوناني»، ويكفي أن نقول أولًا إن هذين الاسمين لا يمكن التوفيق بينهما، وإنهما يرجعان إلى مرجع في عصرٍ متأخر، ولا يمكننا بهما أن نعرف شيئًا عن حقيقة المقوقس؛ فيجب علينا إذن أن ندعهما، وأن نسعى إلى اكتناه حقيقته من نواحٍ أخرى لا علاقة لها بهذين الاسمين، فإذا تمَّ لنا ذلك نظرنا فيما وصلنا إليه من بحثنا لنرى هل نستطيع بعد أن عرفنا حقيقة المقوقس أن نفهم سبب هذين الاسمين. ولنعُد الآن إلى مراجعنا؛ فإن البلاذري لا يُفيدنا كثيرًا في بحثنا. وأما الطبري فإنه بلا شك يُضلله ويُعميه؛ فإنه يجعل المقوقس «أمير القبط»، وفوق ذلك يجعله الزعيم الذي يُفاوض العرب في التسليم وهو في داخل حصن بابليون، وهو مُخطئ في هذا خطأً مزدوجًا؛ فإن المقوقس لم يكن من القبط، ولم يكن في الحصن عند فتحه، على أن البلاذري يذكر أن المقوقس حاكم الإسكندرية. ويقول سعيد بن بطريق إنه كان مُراقب الأموال من قِبل هرقل. ويجب أن نذكر أن سعيد بن بطريق كان ملكانيًّا، وقد ذكر أن المقوقس كان ملكانيًّا، ولكنه ذكر أنه كان يُبطن الاعتقاد في مذهب القبط. وتلك عبارةٌ فاسدة اخترعها لكي يُفسر ما كان من المقوقس. فلا نستطيع أن نجد حلًّا للغز المقوقس وحقيقته حتى نأتي إلى ساويرس؛ فإن الحل فيه واضح لا إبهام فيه، وقد كان ساويرس قبطيًّا، ولم يكن به ما يحدوه إلى إخفاء ما أتى به المقوقس، وفوق ذلك قد كتب تاريخه مُستندًا إلى وثائق، بعضها قبطي وبعضها غير قبطي، كانت محفوظة في مكتبة دير مقار، وفي دير «نهيا»، وفي مجموعاتٍ أخرى عند أفراد الناس. ولقد تجد فيه بلا شك في بعض الأحوال أخبارًا غير دقيقة وأخرى مُستحيلة، ولكنه مع ذلك يذكر طائفةً كبيرة من الأخبار لا نجدها في التواريخ القديمة التي ذكرناها آنفًا، وإليك ما جاء في كتاب ساويرس: «استعمل هرقل قيرس بعد استعادة مصر من الفرس، وجعل له ولاية الدين والحكم في الإسكندرية.» ونعلم أنه بقي في عمله عشر سنين اضطهد القبط في أثنائها اضطهادًا عظيمًا، وقد وصف بنيامين مدة هذا الاضطهاد بأنها «عشر سنين كان هرقل وقيرس يحكمان فيها مصر»، ثم نجده يذكر قيرس فيُسميه «الحاكم الكافر الذي كان حاكمًا وبطريقًا للإسكندرية مدة حكم الروم»، وفوق ذلك يذكر ساويرس أن بنيامين هرب عند قدوم قيرس؛ لأن ملَكًا حذَّره، ثم ذكر أن بنيامين قال: «إن المقوقس طردني وشرَّدني.» وعلى ذلك فليس ثَمة بقية من الشك في أن ساويرس يذهب إلى أن المقوقس هو قيرس، ويفرِّق بينه وبين بنيامين.

وسنُحاول أن نُبرهن على أن ساويرس على الحق وأن كل مؤرِّخي العرب على خطأ فيما خالفوه فيه.

فمن الحقائق التي لا يُختلف فيها عن هذا العصر أن قيرس كان ذا سلطان في أمر الدنيا وأمر الدين معًا، وحقيقةٌ أخرى وهي أنه لما استعمله هرقل بطريقًا وواليًا اضطهد القبط مدة عشر سنوات. ويذكر حنا النقيوسي «الاضطهاد الذي شهره هرقل في بلاد مصر جميعها على أتباع مذهب السُّنة (القبط)، وذلك بتحريض البطريق الخلقيدوني «قيرس»». وتاريخ القبط مملوء بذكر هذا المعنى.

فكل تاريخ الفتح في كتاب حنا قائم على أن قيرس كان واليًا على مصر ولا خلاف في ذلك، ولكن أبا صالح يذكر أن هرقل استعمل على البلاد المقوقس، وأن هروب بنيامين بقي عشر سنوات كما أوحى إليه الملك، وأن تلك كانت مدة حكم المقوقس في مصر. حقًّا إن أبا صالح يُسمي المقوقس جريج بن مينا، ولكنا سنتكلم في ذلك بعد حين وجيز. ويتفق ابن دقماق ومكين في أن عامل هرقل على مصر كان المقوقس. ويذكر المقريزي أن المقوقس هو الذي صالَح العرب، وأن مولاه هرقل أبى إقرار صلحه، وقد تبعه في ذلك أبو المحاسن والسيوطي؛ وعلى ذلك فثَمة اتفاق بين مؤرخي العرب في العمل الذي كان يعمله المقوقس، ولكنهم لا يتفقون في ذكر الاسم الذي كان به يُسمى، ولو لم يكن لدينا من المراجع غير هؤلاء لمَا بلغت حجتنا من القوة ما بلغته. على أن حجتنا قد تستند على دعامةٍ قوية من قول ساويرس وحده.

لكننا نجد دوننا بعض وثائق قبطية وأخرى عربية قليلة العدد لها علاقة بهذا الأمر؛ فلدينا «تاريخ حياة شنودة» الذي نشره أميلنو، وهو عن أصلٍ قبطي كُتِب في القرن السابع، وقد جاء فيه الخبر الآتي على صورة نبوءة، وهو: «ثم سيظهر المسيخ الدجال، ويمثل بين يدَي ملك الروم، فيجمع له ولاية الدين والدنيا، وسيجيء إلى مصر ويُناصب فيها كبير الأساقفة بالإسكندرية العداء، وسيهرب منه هذا إلى أرض تيمان.» وهذا بغير شك وصفٌ لقيرس وما كان منه من معاملة بنيامين، ولكن ثَمة قطعة من وثيقةٍ أخرى في المكتبة البودلية (Mss. Copt. Clar. Press.)، وقد نشرها كذلك أميلنو تحت عنوان حياة «صمويل القلموني».
وقد ذكر في هذه القطعة خبر زيارة شخص إلى الدير، واسم ذلك الشخص ⲡⲕⲁϫⲭⲓⲟⲥ ⲡⲉⲡⲥⲉϫⲧⲟⲁⲣⲭⲏⲉⲡⲓⲥⲕⲟⲡⲟⲥ أو ⲕⲁϫⲭⲓⲟⲥ «البطريق الكاذب»، وقد ذكرنا هذه القصة في متن كتابنا هذا (الباب الثالث عشر)، ولا حاجة بنا إلى إعادتها هنا، ولكن اﻟ ⲕⲁϫⲭⲓⲟⲥ لم يقتصر على تسميته في ذلك الخبر بالبطريق، بل من الجلي أنه سُمي كذلك «مُراقب خراج أرض مصر»؛ ⲧⲁⲝⲓⲁⲣⲭⲏⲥ ⲉϫⲛ ⲇⲏⲙⲱϭⲓⲟⲛ ⲛⲧⲉⲭⲱⲣⲁ ⲛⲕⲏⲙⲉ وعلى ذلك فقد جاء في وثيقةٍ٥ مما تخلَّف عن ذلك العصر ذكر البطريق «الخلقيدوني» (أي الملكاني)، وهو لا يعترف له القبط بالسلطان، بل إنهم يُوالون بطريقهم بنيامين. على أن ذلك البطريق الخلقيدوني قد جُمع له السلطان الديني والدنيوي على بلاد مصر، وفوق هذا يُسمى ذلك الشخص باسم ⲡⲕⲁϫⲭⲓⲟς.

ولا حاجة بنا إلى بيان مقدار الاتفاق الوثيق بين هذا الوصف وبين ما جاء في كتاب ساويرس عن عمل قيرس البطريق الخلقيدوني ووالي هرقل، وهو فوق ذلك متفقٌ بعض الاتفاق مع ما جاء في كتاب «سعيد بن بطريق» ومكين وابن دقماق والمقريزي، ولكن أكبر ما يهمُّ المطَّلِع على هذه القطعة أننا نجد فيها اسم المقوقس في الصورة الأصلية القبطية، وأنه يُطلَق على شخص لا نجد بعد شكًّا في أنه هو بعينه قيرس.

ولكن أميلنو قد أخطأ الصواب فيما ذهب إليه؛ فإنه اضطرَّ إلى أن يذهب إلى أن المقوقس كان بطريقًا ملكانيًّا، ولكنه لم يفكر في أنه هو قيرس بعينه؛ فهو يقول في الحقيقة إنه من أصعب الأمور تعيينه؛ فإن قيرس كان قد ترك البلاد في سنة ٦٣٩، ثم قال: «ولعل المقوقس قد اختير ليحلَّ محل قيرس عند ذلك، بل لعله كان عدوًّا لقيرس.» ولكن من أعظم الخِدمات التي خدمها ذلك العالم الفرنسي للآداب المصرية أنه لا يدَّعي أنه بحث بحثًا خاصًّا في تاريخ الفتح العربي؛ وعلى ذلك فإنه كتب مقالًا عن المقوقس بعنوان «قِطعٌ قبطية» في جريدة Journal Asiatique، شهر أكتوبر ونوفمبر سنة ١٨٨٨، صفحة ٣٨٩–٤٠٩، وهو مقالٌ ذو قيمةٍ حقيقية، ولكنه لم يبحث فيه بحثًا مُستفيضًا واسع النطاق، ولم يُرتب المراجع التي أخذ عنها ترتيبًا راعى فيه ترتيب التواريخ أو القيم، وكذلك قد أخذ في مقاله ذاك برأي بعض من سبقه من المؤرخين بغير أن يفحصه فحصًا نقَّادًا؛ فمثلًا عندما ذهب إلى أن المقوقس كان بطريقًا ملكانيًّا كان دونه اعتراض، وهو أنه «إذا صح ذلك فكيف لم يذكر شيئًا عنه المؤرخون القبط الذين كتبوا باللغة العربية، مثل سعيد بن بطريق ومكين وأبي الفرج؟» ويلوح أن هذا اعتراضٌ قوي، ولكنه لا يلبث أن يختفي إذا ما مسَّه النقد، وقد أجاب أميلنو عليه بقوله: «ويجب أن نُجيب ببساطة أننا لا نعرف شيئًا عن ذلك؛ فإن المؤرخَين الأخيرين لم يكتب أولهما وهو مكين غيرَ سطرين اثنين عن المقوقس، ولم يذكره ثانيهما وهو أبو الفرج، وقد كتب فيه سعيد بن بطريق فحاباه. ولو قلنا إنه عرف ذلك الأمر فمن الجائز أنه غفره له لِما كان منه فيما بعد، ولكنه إذا لم يعرفه كان جهله به سببًا قويًّا في أنه لم يذكره، وفوق ذلك فقد كتب سعيد كتابه بعد هذه الحوادث بما لا يقل عن ستمائة عام.»
يقول إن ابن بطريق قبطي، وإنه كتب بعد الفتح بما لا يقل عن ستمائة عام، وما أغرب هذا من قول! فإن المؤرخين الثلاثة الذين ذكرهم أميلنو، أحدهم أبو الفرج، لم يكن قبطيًّا البتة، ولم يكن كذلك مصريًّا، بل كان سوريًّا، وأما الثاني فهو سعيد بن بطريق، ولم يكن قبطيًّا، بل كان بطريقًا ملكانيًّا، مع أنه لا يقول إن المقوقس كان هو بعينه قيرس. وقد كتب سعيد بن بطريق بعد الفتح بأقل من ثلاثمائة عام، وليس «بما لا يقل عن ستمائة عام». وقد قال سعيد بن بطريق فوق ذلك صراحةً إن المقوقس كان مُراقب الخراج من قِبل هرقل، وهو يكاد في ذلك يتفق في النص مع وثيقة أميلنو. وأما الثالث مكين فقد كان مسيحيًّا، ويجوز أنه كان قبطيًّا، ولكنه مؤرخٌ متأخر، وليس له قيمةٌ كبرى. ومن هذا يظهر أن اعتراض أميلنو الخاص بمن سمَّاهم مؤرخي القبط لا يدعمه أساس. على أنه ثَمة مؤرخٌ قبطي من المتقدمين ومن أكبر المؤرخين شأنًا، وقد كتب بالعربية، ودليله كما سبق القول كافٍ وحده إذا لم يدعمه دليلٌ آخر للدلالة على حقيقة المقوقس دلالةً لا شك فيها، وهو ساويرس، ولكن أميلنو لا يأخذ عنه. ولنُوجزْ هنا النتائج التي استخلصها أميلنو، وهي:
  • (١)

    أن خبر إرسال النبي محمد إلى المقوقس كتابًا في عام ٦٢٧ خبرٌ غير حقيقي.

  • (٢)
    أن اسم المقوقس هو جورج بن مينا، وأما اسم «ابن قرقب» فإنه تسميةٌ أخرى.(٦٤)
  • (٣)

    أن المقوقس كان أحد أبوَيه قبطيًّا إن لم يكونا قبطيَّين كليهما، وأنه كان في خدمة الإمبراطور، وأنه كان في أول الأمر على المذهب الملكاني.

  • (٤)

    أنه كان بطريقًا ملكانيًّا، ولكن تاريخ ولايته غير معروف إلا بالظن والحدس.

  • (٥)
    أن لفظ المقوقس كان لقبًا لُقِّب به، وهو مُشتق من لفظ(٦٥) أو من،(٦٦) وهو اسم قطعة صغيرة من النقود البرونزية كانت تُتداول منذ أيام جستن.
والآن قد بلغنا موضعًا نذكر فيه مؤلَّفًا عظيمًا في ذلك البحث للأستاذ العلَّامة البرتغالي F. M. E. Pereira، وهو Vida da Abba Samuel do Mosteire do Kalamon، وهو ترجمة عن اللغة الأثيوبية من كتاب «حياة صمويل»، وبه تعليقات ورسائل قيِّمة، من بينها رسالةٌ قصيرة عن المقوقس (صفحة ٤١–٥٣). ولا يأخذ هذا المؤلف شيئًا عن النسخة المخطوطة من كتاب ساويرس، وهو في ذلك مثل أميلنو، وهو يتبع أميلنو في كثير من المواضع، وهو مثله لا يتحرَّى الدقة في تصنيف مراجعه ولا يُرتبهم بحسب قدورهم، ولكنه يُظهر مقدار القرب بين الخبر في النص الأثيوبي وبين الخبر في النص القبطي. على أنه من أعجب الأمور أن ذلك النص الأثيوبي مثل كل مراجعنا لا يذكر اسم أكبر عامل في تلك الحوادث، بل يُسميه «الحاكم»، وتُسميه القطعة القبطية ⲡⲕⲟⲗⲭⲓⲟⲥ و«بطريقًا». والنتائج التي استخلصها Pereira مُخالفةٌ بعض المخالفة لِما استخلصه أميلنو، وهي كما يلي:
  • (١)
    أن صاحب الاضطهاد شخصٌ عُرِف باسم ⲡⲕⲁϫⲭⲓⲟς أو المقوقس.
  • (٢)

    أنه كان من أصلٍ يوناني.

  • (٣)

    أنه كان بطريق الإسكندرية، وحاكم مصر، ومُراقب الأموال.

  • (٤)

    أن اسمه كان قيرس.

  • (٥)
    أن اسم المقوقس مُشتق من لفظ(٦٧) أو من لفظ(٦٨)
لم يبقَ علينا إلا أن نقول كلمةً أخرى في أن المقوقس هو قيرس؛ فقد نقل أميلنو عن التقويم القبطي للكنيسة ما ذكره التقويم عن يوم ٨ طوبة، وهو يوم وفاة بنيامين، ما يأتي: «قاسى بنيامين شدةً عظيمة على يد المقوقس، فهرب إلى الصعيد حيث قضى مدة عشر سنوات كاملة … وكان المقوقس رئيس مذهب خلقيدونية، وقد استُعمل واليًا وبطريقًا على مصر.» ويتفق التقويم الأثيوبي مع هذا اتفاقًا تامًّا، وقد نقله Pereira بتمامه، وقد جاءت فيه هذه الكلمات (راجع أصل الكتاب، صفحة ١٧٣، والترجمة ١٨٠): «والمقوقس أي الحاكم والبطريق في الإسكندرية وكل أرض مصر.» حقًّا إن النسخة الخطية لهذا التقويم يلوح أنها مؤرَّخة في القرن الخامس عشر (انظر فهرس النسخ الخطية الأثيوبية في المكتبة الأهلية، سنة ١٨٧٧، صفحة ١٥٢). ولكنها مع ذلك ترجع إلى أصلٍ قديم جدًّا. وعلى كل حال فما يسترعي النظرَ مقدارُ الدقة العظيمة التي بقيت فيها الرواية الصحيحة لهذا الخبر محفوظةً في هذه السجلات التي للكنيستين (وكانتا طبعًا على اتصالٍ وثيق)، في حين أن المؤرخين العاديين قد خلط معظمهم هذه الأخبار وجعلوها غامضة، حتى ضاع فيها الحق.
ولكن لقد صار من المحقَّق المقطوع به أن قيرس هو المقوقس بعينه، وأن المقوقس كان قيرس الذي استعمله هرقل حاكمًا وبطريقًا في الإسكندرية. وإنه لمن العجيب أن حنا النقيوسي لا يذكر لقبًا يُشبِه المقوقس أو ⲡⲕⲁϫⲭⲓⲟς، ولكن تاريخه لهذا العصر حافل بالأدلة على أن قيرس البطريق هو الذي قام بالاضطهاد مدة السنوات العشر، وأنه كان حاكم بلاد مصر. وأما ما قيل من أن المقوقس قد ورد ذكره في سنة ٦٢٧ على أنه كان حاكم مصر، إذ أرسل النبي محمد كتابه إلى ذلك الحاكم يدعوه فيه إلى الإسلام، فإنه اعتراضٌ يسهل الجواب عليه؛ فإن من أوضح الحقائق أن مؤرخي العرب الذين يذكرون اسم المقوقس ليس عند أحدهم أي إدراك لمعنى ذلك اللفظ ولا لاشتقاقه، وقد استُعمل اللفظ وقُصد به حاكم مصر في سنة ٦٢٧ خطأً؛ فقد كان عند مؤرخي العرب أمران:
  • (١)

    أن النبي محمدًا أرسل رسولًا إلى حاكم مصر في سنة ٦٢٧.

  • (٢)
    أن حاكم مصر في وقت فتح مصر كان اسمه المقوقس، وهو الذي كان أكثر الناس ذكرًا في تاريخ ذلك الفتح، فاستنتجوا من ذلك خطأً أن الحاكم السابق كان اسمه المقوقس كذلك، وهذا خلطٌ كان وقوعه من أسهل الأمور، ويكاد يكون لا بد منه في عقول لم تكن بطبعها نقَّادة. فليس ثَمة ما يُبرر تكذيب خبر بعث النبي للرسول إلى مصر كما فعل أميلنو؛ إذ إنه خبر قد قام عليه من الدليل ما قام على أي خبر مصدَّق من أخبار تاريخ الإسلام. وقد حدث مثل هذا الخلط وفسَّرنا به إطلاق لقب المقوقس في وقت ثورة منويل على بنيامين. وخلاصة القول أن لفظ المقوقس يُطلَق على ثلاثة أشخاص:
    • (١)

      على الحاكم الذي جاءه كتاب النبي محمد قبل الفتح بسنوات.

    • (٢)

      على الحاكم الذي كان في وقت الفتح.

    • (٣)

      على عظيم القبط في وقت ثورة منويل.

وهذا يدل على أن العرب لم تكن عندهم صورةٌ واضحة عنه، ولكن دلَّت الأدلة كلها على أن ذلك اللقب كان يُطلَق على الحاكم الذي كان على مصر في وقت الفتح؛ فإن كل المؤرخين العرب يدلُّون على أن قطب الحوادث التي أحدثها المقوقس هو تسليم مصر، وقد دلَّ حنا النقيوسي دلالةً قاطعة على أن الذي سلَّم مصر وخانها هو قيرس.

بقي علينا أن نُظهر كيف أصبح قيرس يُدعى جريج بن مينا أو جريج بن قرقب؛ فإن حنا النقيوسي كما رأينا ذكر رجلًا اسمه «جورج» حاكم الإقليم الذي أمره عمرو أن يُقيم جسرًا على الترعة عند قليوب؛ وعلى ذلك قد كان «جورج» هذا شخصًا تاريخيًّا كان له مكانٌ عظيم في وقت الفتح العربي، ولعله الشخص نفسه الذي نلقاه تحت اسم «الأعيرج»، وإنه من السهل أن نعتقد أن مؤرخي العرب قد خلطوا بينه وبين قيرس. ولسنا نقدر أن نقول أكان جورج هذا هو «جريج بن مينا» أو «ابن قرقب»، ولسنا نرى لهذا كبير قيمة، ولكنا لا نقدر أن نُوافق Karabacek على أن والده كان يُدعى بالاسمين معًا، ولو أنه من الجائز أن «قرقب» صحتها «فرقب» بالفاء، وأن «فرقب» تعريب الاسم اليوناني.(٦٩)
فإن لفظ «قرقب» لم يُذكر في الكتب العربية إلا في عصرٍ متأخر جدًّا،٦ فأحرِ به ألا يكون أكثر من تحريف أو سلسلة من التحريف عند النسخ. وقد قال أبو صالح، صفحة ١٥٦، إن اسم «قرقر» مُشتق من «جريجوريوس». فإذا ذهبنا إلى أن لفظ «قرقر» قد حُرِّف فصار «قرقب»، وهو احتمالٌ قريبٌ كل القرب، بدا لنا تفسيرٌ سهلٌ قريب، وهو أن «ابن قرقب» ليس إلا تحريف «ابن قرقر»، وأن معناه «ابن جريجوريوس». ولنُلاحظ كذلك أن «جريجوريوس» تُكتب في لغة الأرمن «جريجر»، وأن ذلك الاسم من الأسماء الشائعة في تلك البلاد، والصورة المُعتادة بين القبط والأرمن اليوم من اسم «جريجوريوس» هي «كركور»؛ وعلى ذلك فإنه من أقرب الأمور أن قيرس كان «ابن جريجوريوس»، وأن جورج كان «ابن مينا». وقد نبَّهَنا المسيو «كازانوفا» إلى أن «ابن قرقب» إن هو إلا تحريفٌ بسيط لاسم «أبو قرص». وعلى ذلك نرى في الحقيقة اسم «قيرس» مُختفيًا تحت لفظ «ابن قرقب»، وهذا الاقتراح وجيه، كما أنه ينمُّ عن ذكاء.
وأما البحث في معنى لفظ المقوقس واشتقاقه فأصعب وأعسر؛ فقد جاء في المراجع المتأخرة أمثال كتاب «الدميري» «حياة الحيوان» (حوالَي سنة ١٤٠٠)، و«القاموس» الذي يأخذ عنه (في القرن الخامس عشر)، ما يدل على أن لفظ المقوقس معناه «الحمامة المطوَّقة»، وقد ذُكرت عدة أقاصيص في تفسير ذلك اللقب، ولكن لا يكاد أحدٌ يشكُّ في أن هذا الاشتقاق مسخ للحقيقة، وهي أن اسم المقوقس قد أُطلقَ في العصور المتأخرة على «الحمامة المطوَّقة» على وجه الدعابة والاستظراف. وكذلك لا نستطيع أن نقبل ما ذهب إليه Karabacek من أن ذلك اللفظ مُشتق من اللفظ اليوناني؛(٧٠) فليس ثَمة من دليل على ما يظهر على وجود مثل ذلك اللقب. وإن قرب الشبه بين اللفظ اليوناني واللفظ العربي هو في الحقيقة هادم لذلك الرأي؛ فإنه لا يُتصور أن يكون العرب قد حكَوا ذلك اللفظ اليوناني على صورته بغير تحريف.
وقد رأينا أن لقب المقوقس قد ذُكر في النصوص القبطية القديمة هكذا ⲡⲕⲁϫⲭⲓⲟⲥ، وأن «أميلنو» و«بريرا» قد اتفقا في أنه مُشتق من لفظٍ بيزنطي قيل إن معناه قطعة من النقود البرونزية صغيرةٌ مثقوبة، كما اتفقا في أن ذلك الاسم قد أُطلقَ على قيرس على سبيل السخرية من عمله، وهو مُراقبة الأموال أو الضرائب أو الجزية. وهذا التفسير وإن كان بعيدًا وفيه تكلفٌ عظيم، قد يكون أقرب إلى الأذهان لو صحَّ الدليل على أن لفظ(َ٧٠) أو لفظ(٧١) كان مستعملًا في مصر أو سواها من البلاد في ذلك الوقت أو في أي وقت آخر. وأما نحن فلا نعرف ثَمة هذا الدليل، ولسنا ندري أين وجد أميلنو مثل هذه الألفاظ، فهو يُشير إلى Du Cange؛ إذ يذكر أن لفظ(٧٢) معناه إناءٌ صغير أو قدح، كما أنه يذكر مثلًا استُعمل فيه ذلك اللفظ بمعنى قطعةٍ مخروقة من النقد، وقد ذكر أن المرجع في ذلك كان (نوفمبر ١٠٥) جستن. وقد احترس Du Cange فذكر بعد ذلك أن قراءة لفظ(٧٣) في ذلك المرجع مشكوك فيها، وقد يكون المقصود هو لفظ.(٧٤) ومثل هذا القول هو الذي اعتمد عليه «أميلنو» في إثبات وجود ما زعم وجوده من «قطعة من النقد البيزنطي كانت مستعملة منذ أيام جستن». وقد أخذ «بريرا» هذا الاشتقاق بغير أن يشكَّ فيه، فقال: «إن هذا اللفظ مكتوب على صورة(٧٥) وصورة،(٧٦) وهو اسم لقطعة من النقود مخروقة كانت مستعملة منذ أيام «الإمبراطور جستن»» (صفحة ٥٣). ولكن هذا الدليل قائم على أساس واهٍ، ويجب علينا أن نرفضه؛ وعلى ذلك فليس دوننا إلى الآن تفسيرٌ مقبول للقب المقوقس. ولعلنا لن نستطيع أن نجد حلًّا لتلك المسألة، ومع هذا فإنا مُقدِمون على إيراد رأيين في حلها سنعرضهما على علَّاتهما كما عنا لنا:
  • (١)
    أن كُتاب العرب الذين ذكروا «المقوقس» ضبطوا اللفظ بكسر القاف الثانية، وهو ضبط اللفظ الذي أُطلقَ في العصور المتأخرة على الحمامة المطوَّقة. ولعلهم كتبوا اللفظ على هذه الصورة ليُظهروا التشابه بين الاثنين. على أن اللفظ مضبوط بلا شك في اللغة الأثيوبية بفتح القاف الثانية، ولا نكاد نشك في أن ذلك الاسم نُقل إلى اللغة الأثيوبية في عصرٍ مُتقدم جدًّا. وبعد، فإن الكُتاب الذين عالجوا هذه المسألة لم يُعنَ أحد منهم بأن يبحث عن البلاد التي جاء قيرس منها، ولا عن أصله ومنشئه. ولنذكر أنه لم يكن مصريًّا، وأنه لم يكن من أهل القسطنطينية. ومما لا شك فيه أن موطن قيرس وأصله كانا من أكبر مواضع التساؤل بين أهل الإسكندرية الذين اعتادوا الفضول والاهتمام بالأمور. ولا شك أن الجواب على تساؤلهم في هذا الشأن كان «قفقاسيوس»؛ وذلك لأن هرقل قد نقل قيرس من ولاية الدين في «فاسيس» ببلاد «القوقاز»؛ وعلى ذلك فإنه من أقرب الأمور أنه كان يُسمى «قفقاسيوس»(٧٧) باللغة اليونانية، وأن هذا اللفظ اليوناني نُقل إلى اللغة القبطية؛ إما على صورة ⲕⲁϫⲕⲁⲥⲓⲟⲥ(٧٨) (قفقيوس)، وإما على صورة ⲕⲁϫⲭⲓⲟⲥ (قلخيوس). ونشأ من هذه الصورة القليلة التحريف الاسم العربي «المقوقس» في القرن السابع أو الثامن، فبقي إلى القرن العاشر في صورةٍ أكثر تحريفًا، وهي ⲡⲕⲁϫⲭⲓⲟς في الوثيقة الخطية في المكتبة اﻟ «بودلية»، وحرف «م» القبطي في اللغة القبطية من السهل التعبير عنه في اللغة العربية بحرف «ميم مضمومة»، وقد يُساعد على ذلك وجه الشبه بين ذلك اللفظ المنحوت في العربية وبين صيغة اسمَي الفاعل والمفعول. وهذا التفسير وإن كان غير خالٍ من وجوه الاعتراض قائمٌ على أساس من التاريخ على الأقل. وإذا كان التغيير من لفظ قفقاسيوس إلى لفظ قفقيوس يُعَد انتقالًا كبيرًا لا يُبرره مرُّ الزمن ولو كان مرَّ قرنين، كان الناس في أثنائهما يتكلمان القبطية ويكتبان بها؛ فإنا نقول إن مدينة «فاسيس» كانت في إقليم قلخيس Colchis، ولعل قيرس قد لُقب بلقب «القلخي»، والانتقال سهل جدًّا من هذا اللفظ إلى ⲡⲕⲁϫⲭⲓⲟⲥ.(٧٩)
  • (٢)
    وأما التفسير الثاني فهو كما يلي: جاء في تفسير Du Cange للألفاظ المستعملة في كتابه أن لفظ(٨٠) بمعنى Amatus وAmasius، ومؤنثه،(٨١) ومعناه Concubina، وهو لفظ يدل على نوع من الرذيلة، ومن السهل والطبيعي أن يُشتق من ذلك اللفظ صفة(٨٢) إذا لم تكن تلك الصفة موجودة، ويكون إطلاقها على الشخص الذي يتصف بتلك الرذيلة. وهذه الصفة(٨٣) تُنقل إلى اللغة القبطية على صورة ⲡⲕⲁϫⲭⲓⲟⲥ مع عدم تغيير الصفة، ومع تغيير أداة التعريف، وذلك على قياس اشتقاق لفظ آخر من لفظ(٨٤) استُعمل أكثر من مرة في الوثيقة نفسها التي ورد فيه اللفظ السابق، وهو كذلك لفظ يُقصد به الشخص عينه، أي قيرس، ولكن قد يُقال إن وصف قيرس بهذه الأوصاف القبيحة لا يستند إلى حقيقة في التاريخ فلنسلِّم بهذا، ولكن ليس معنى ذلك أن القبط لم يصِفوه بتلك الأوصاف، بل على عكس ذلك، إنه من أقرب الأمور أن يكونوا قد فعلوا ذلك؛ إذ إن اضطهاد قيرس لهم مدة السنوات العشر قد بذر في قلوبهم كراهةً عظيمة كانوا ينفسون عنها بسبِّه وقذفه بالتهم؛ فقد وُصف قيرس في هذه الوثيقة عينها بأنه «الفاجر» و«اليهودي» و«الكافر» و«ابن الشيطان» و«المسيخ»، وبأن مذهبه كان «شيطانيًّا»، وعقيدته «مدنَّسة»، وبأنه «ملعونٌ أكثر من لعنة الشيطان وشيعته من الجن». فهل من المنتظر أن يُطعن قيرس في دينه هذا الطعن ثم ينجو خُلقه من التجريح والقذف؟ فإذا جُعلت حياته الخاصة هدفًا لمثل هذا السِّباب المُقذِع فأولى به أن يُتهم بالرذيلة التي يدل عليها لفظ،(٨٥) وإن كانت تلك التهمة لا حقيقة لها. وقد أبدينا هذين الرأيين، ويلوح أنهما مُنفصلان ولا توفيق بينهما، ولكنا نقول إنهما قد يكونان مُتصلين اتصالًا وثيقًا؛ فإنه من السهل أن نتصوَّر أن المقوقس كان في أول الأمر يُدعى قفقاسيوس،(٨٦) أو قلخيقوس،(٨٧) أو قلخيوس،(٨٨) ثم تلقَّف المصريون في دعايتهم بما هم عليه من سرعة البديهة ذلك اللفظ، وحوَّلوه إلى الوصف القبيح؛(٨٩) وعلى هذا تحوَّل لفظٌ مُشتق في أصله من اسم إقليم جغرافي فأصبح شتمًا قذرًا، وبقي الاسم بعد ذلك مدة قرون بعد أن نُسيت دلالته الحقيقية كل النسيان.

تعليقٌ جديد للمؤلف في موضوع المقوقس

تردَّدت المُكاتبة بين المعرِّب وحضرة الدكتور الفاضل مؤلف هذا الكتاب (Dr. A. J. Butler) في موضوع المقوقس، وقد تفضَّل بتعليقٍ جديد يُثبت رأيه في أن المقوقس لم يكن سوى «قيرس» البطريق الملكاني بالإسكندرية، وها نحن مُورِدوه هنا:

وقد وجدنا دليلًا جديدًا على أن المقوقس كان «قيرس» بعينه، وجدناه في كتابٍ منسوخ باليد في باريس (منسوخات عربية رقم ١٥٠، صفحات ٢٠–٣١)، وقد جاءت في هذه النسخة قصة عن «الأبا صمويل القلموني»، وفيها يروي عن صمويل أنه يُبدي أشد الكراهة والإنكار للمقوقس الفاجر (الذي يجب ألا يُذكر اسمه)، وقد سمَّاه على وجه التعيين باسم «كبيرس المقوقس»، وذلك بلا شكٍّ خطأ من الناسخ لاسم «كيرس المقوقس» كما يقول الأستاذ «جاستون فيت». وهذه النسخة المخطوطة منقولة من أصلٍ قبطي، وصفحاتها بالفعل مرقومة باللغة القبطية. وهذا التعزيز المُستقل لرأينا في شخصية المقوقس له دلالةٌ كبيرة.

الملحق الرابع: في تواريخ الفتح العربي

ما أكثر الصِّعاب التي تعترض الإنسان إذا عالج التواريخ في ذلك العصر، حتى ليُخيَّل إلينا أن الوصول إلى الحقيقة فيها يكاد يكون مستحيلًا؛ فليس على الكاتب فيها أن يُقابل مسألةً واحدة، بل عليه أن يُقابل عدة مسائل مُتشابكة مُتداخلة يلوح للإنسان أنه إذا حل عقدة منها في ناحية دعا ذلك إلى تعقُّدٍ جديد في ناحيةٍ أخرى، ولكن المستر E. W. Brooks قد عمل كثيرًا على تسهيل الأمور؛ فإن مقاله الغزير العلم في ذلك الموضوع بمجلة Byzantinische Leitschrift (١٨٩٥، صفحة ٤٣٦–٤٤٥)، يمكن أن يُقال إنه أخرج ذلك العصر من حيِّز الظن، وجعله قائمًا على أساسٍ علمي؛ فبحثه يجب أن يكون أساس أي دراسة، سواء أكانت دراسة للتواريخ أم كانت لترتيب الحوادث في ذلك العصر. وإني أُبادر بأن أُقرَّ بما أنا مَدين به لذلك البحث.

والمراجع اليونانية لا قيمة لها كما دل على ذلك المستر بروكس، فلا يذكر تيوفانز ولا نيقفوروس فتح الإسكندرية، ولو أن الأخير يذكر أن هرقلوناس أعاد قيرس إلى بطرقة الإسكندرية بعد موت أخيه من أبيه قسطنطين في مايو سنة ٦٤١، وهذا يُفيد أن المدينة لم تكن عند ذلك قد فُتحت ولا قربت من الفتح، وتاريخ نيقفوروس ينتهي إلى سنة ٦٤١، ولا يبدأ بعدُ إلا من سنة ٦٦٨، ولكن نيقفوروس وتيوفانز لا يُوثَق بهما فيما يتعلق بأول جزء من تاريخ الفتح؛ فتاريخهما مليء بالمُتناقضات، وكلاهما في ترتيب الحوادث لا بد أن يؤدي فعلًا إلى تضليل المؤرخين الذين يعتمدون عليهما تضليلًا كبيرًا.

وأما مؤرخو السوريين والأرمن فيلوح أنهما لا يفضلون اليونانيين؛ فمثلًا اليشع النصيبي (نسخة المتحف البريطاني الخطية ٧–١٩٧، صفحة ٢٩، وقد نقل عنها المستر بروكس) يجعل فتح الإسكندرية في سنة ٢٠ للهجرة (ديسمبر ٦٤٠-ديسمبر ٦٤١). وأما أبو الفرج فإنه لا يذكر شيئًا إلا ما ذكره عن القصة المعروفة قصة إحراق مكتبة الإسكندرية، وكذلك سبيوس فإنه لا يذكر شيئًا.

وأما المؤرخون العرب فإنهم مثل اليونانيين في إغفال ذكر الحوادث والخلط والتناقض، ولكن لا يخلو درس كتبهم من فائدة.

  • ابن عبد الحكم: نقل عنه Weil في كتاب Geschichte der Chalifen، وهو يقول إن عمرًا كان عند العريش في يوم الأضحى؛ أي عاشر ذي الحجة سنة ١٨ للهجرة (١٢ ديسمبر سنة ٦٣٩)، ويذكر أن حصار الإسكندرية بقي تسعة أشهر بعد موت هرقل. ونقل السيوطي عن ذلك المؤرخ أنه قال إنه بعد فتح مصر أرسل عمرو جرائد الخيل إلى القرى والمدائن التي في جوار مصر، وبقيت الفيوم لا يعرف عنها شيئًا مدة سنة.
  • البلاذري: يذكر أن غزوة مصر كانت في سنة ١٩ للهجرة (وهي تبدأ في ٢ يناير سنة ٦٤٠)، ويذكر أن وقعة عين شمس وغزوة الفيوم كانتا بعد فتح حصن بابليون، ويقول إن عمرًا سار إلى الشمال، أي إلى الإسكندرية، في سنة ٢١ للهجرة (١٠ ديسمبر سنة ٦٤١-٢٩ نوفمبر سنة ٦٤٢) بعد أن مكث مدة في حصن بابليون، وإنه في السنة عينها عام الرمادة كتب عمر بن الخطاب إلى عمرو يأمره بإرسال الجزية بالبحر. ويذكر كذلك عبارة أن مصر قد فُتحت في سنة ٢٠ للهجرة. وقد جرت العادة أن تُفهم معنى «مصر» على أنها القُطر المصري كله، في حين أن المقصود بها هنا بغير شك مدينةُ مصر (أو منفيس) التي سبقت الفسطاط.
  • ابن قتيبة: يذكر أن وقعة «باب اليون» قد انتصر فيها عمرو في سنة ٢٠.
  • الطبري: يذكر أن الأمر بفتح مصر بلغ عمرًا في أوائل سنة ٢٠ للهجرة (أواخر شهر ديسمبر سنة ٦٤٠)، ويذكر أن فتح بابليون كان على وجه التعيين في ربيع الثاني من السنة عينها (من ٢٠ مارس:١٧ أبريل سنة ٦٤١). وإن بين هاتين العبارتين لتناقضًا؛ فإنه من المُحال أن يكون حصن بابليون قد فُتح بعد ثلاثة أشهر من ورود الأمر إلى عمرو وهو في فلسطين بأن يغزو مصر، ولكن لقد عزَّزت المراجع الأخرى صحة التاريخ الثاني؛ وعلى ذلك فالتاريخ الأول لا بد أن يكون غير صحيح، ولكنا إذا جعلنا أول الغزوة في أوائل سنة ١٩ بدلًا من أوائل سنة ٢٠، وقع الاتفاق تقريبًا على تاريخ أول الفتح بين ابن عبد الحكم والبلاذري والطبري. وفي الحقيقة نرى أنه من المؤكد أن الطبري لا بد قد كتب سنة ١٩ لأنه عندما ذكر خبر وفاة عمرو، قال إنه قضى أربع سنوات على ولاية مصر في مدة عمر بن الخطاب. وكانت وفاة عمر في سنة ٢٣ للهجرة؛ وعلى ذلك فلا بد أن تكون ولاية عمرو قد بدأت في ذي الحجة من سنة ١٩ للهجرة، وأنه لا يُعقل أن يُقال إن مدة ولايته تبدأ قبل ابتداء الغزوة.

    وقد ذكر الطبري أيضًا أن الإسكندرية سلَّمت بعد حصار خمسة أشهر، وأن الثورة (التي نُسميها ثورة منويل) كانت في أوائل سنة ٢٥ للهجرة.

  • أوتيكيوس: (وهو ابن بطريق): وأما عبارة أوتيكيوس فهي كما يلي: فُتحت الفرما (وهي بلوز) بعد حصار شهر، وفُتح حصن بابليون بعد حصار سبعة أشهر، وخرج المقوقس من الحصن في وقت الفيضان، وحدثت ثلاث وقعات بين بابليون والإسكندرية، وفُتحت «المدينة العظمى» في يوم الجمعة مُستهل شهر المحرَّم من سنة ٢٠ للهجرة، وهي السنة العشرون لحكم هرقل والثامنة من خلافة عمر.

    ثم تلا ذلك فتح برقة، وفُتحت طرابلس سنة ٢٢ للهجرة. فإذا كان يقصد بيوم الجمعة من محرَّم أول يوم في ذلك الشهر من سنة ٢٠، وافَق ذلك يوم ٢١ ديسمبر سنة ٦٤٠، ولكن أول يوم في المحرم من السنة الثامنة لخلافة عمر كان يُوافق العاشر من ديسمبر سنة ٦٤١، ولم يقع أي هذين اليومين في يوم الجمعة، والتاريخ الأول لا يقع إلا في السنة الحادية والثلاثين من حكم هرقل، وكان هرقل قد تُوفي قبل ذلك التاريخ. وحسبُنا هذا من ابن بطريق.

  • ساويرس الأشمونيني: يذكر أن أمير المؤمنين أرسل جيشًا بقيادة عمرو في سنة ٣٥٧ للشهداء، وأن جيش المسلمين هبط إلى مصر في قوةٍ عظيمة في ١٢ بئونة؛ أي في شهر ديسمبر الروماني. وفي هذا أيضًا خطأ؛ فإن يوم ١٢ بئونة (أو بايني) يُوافق ٦ يونيو، في حين أنه إذا كان المقصود هو ديسمبر سنة ٣٥٧ للشهداء، كان ذلك ديسمبر سنة ٦٤٠، وليس سنة ٦٤١. وقد جاء في «الديوان الشرقي» أنه «في ١٢ بئونة ٣٥٧ للشهداء جاء عمرو إلى مصر وفتحها». ولكن ١٢ بئونة سنة ٣٥٧ للشهداء تُوافق ٦ يونيو سنة ٦٤١. ويذكر المقريزي على وجه التعيين أن القبط يذكرون أن تاريخ فتح «الحصن» هو ١٢ بئونة. ويذكر ساويرس أيضًا أن المسلمين فتحوا الإسكندرية في سنة ٣٦٠ للشهداء (وهدموا أسوارها). وهذه الإضافة تدل على أنه يقصد الفتح الثاني بعد ثورة منويل. وفي الحقيقة أن تواريخ ساويرس لا تُساعد على جلاء الظلمة.
  • أبو صالح: لا يزيد على ما نعرف إلا قليلًا؛ فإنه يذكر نقلًا عن كتاب الجناح أن عمرًا فتح مصر في سنة ١٩ للهجرة (٢ يناير–٢٠ ديسمبر سنة ٦٤٠)، وأنه عسكر خارج موضع اسمه «جنان الريحان» (صفحة ٧٣). ويقول أيضًا إن عمرًا فتح مصر في غُرة المحرم من عام ٢٠ للهجرة، وينقل (أو يُسيء نقل) التاريخ الذي ذكره ساويرس.
  • ياقوت: هذا كاتبٌ عظيم الشأن، وهو يذكر أن عمرًا طلب إلى الخليفة عمر أن يأذن له في فتح مصر سنة ١٨ للهجرة (من ١٢ يناير سنة ٦٣٩: ٢ يناير سنة ٦٤٠)، وأن الروم لقوا عمرًا أول مرة في مصر عند الفرما، واستمرَّ القتال شهرين، وبعد ذلك لم يلقَ العرب كبير كيد حتى بلغوا بلبيس، ثم قاتلوا الروم هناك مدة شهر قتالًا متصلًا، ثم ساروا سيرًا سهلًا إلى أم دنين أو المقس، وبقوا هناك يُقاتلون نحو شهرين.

    ومعنى هذا أن القتال استمرَّ ستة أشهر من أول الغزو مع حساب المدة اللازمة للسير، وهذا يُوصلنا بدقةٍ عظيمة من ١٢ ديسمبر إلى ٦ يونيو.

    وقال ياقوت: إن عمرًا عند ذلك أرسل يطلب الإمداد، وإن فتح الحصن كان مدة فيضان النيل؛ أي في سبتمبر أو بعد ذلك بقليل. على أن ذلك الكاتب يقول بعد صفحة أو قريبًا من ذلك إن فتح بابليون كان في يوم الجمعة أول المحرم من سنة ٢٠ للهجرة (٢١ ديسمبر سنة ٦٤٠)، وهو التاريخ الذي يُذكر عادةً أن الإسكندرية قد فُتحت فيه، وفي هذا ما فيه من التضليل. وقد قال ياقوت بعد ذلك إن عمرًا سار إلى الإسكندرية في ربيع الأول من سنة ٢٠ للهجرة (٢٠ فبراير–٢٠ مارس سنة ٦٤١). ولعل هذا تحريف، وأنه يقصد ربيع الثاني. ثم قال إن عمرًا لما بلغ الإسكندرية حاصرها مدة ستة أشهر. وقال في موضعٍ آخر إن فتح الإسكندرية كان في سنة ٢٠ (وآخرها ٩ ديسمبر سنة ٦٤١)، وإن عمرًا صالَح أهل برقة سنة ٢١ للهجرة (١٠ ديسمبر سنة ٦٤١-٢٩ نوفمبر سنة ٦٤٢).

  • أما «ابن خلدون»: فإنه ذكر أن عمرًا استأذن في فتح مصر عقب فتح بيت المقدس، وأن ذلك كان في سنة ٢١ للهجرة، وأن عمرًا سار إلى إفريقية (برقة) في سنة ٢١ نفسها.
  • وأما «المقريزي»: فقد أفاض في القول؛ فقد كرَّر أن عمرًا كان عند العريش في يوم الأضحى، وأنه قضى شهرًا في الفرما، وأن المقوقس خرج من الحصن في مدة فيضان النيل، وأن مدة الفيضان كانت لم تنقضِ عندما فتح العرب الحصن، ولكنه روى عن الكندي أنه قال إن عمرًا سار إلى الإسكندرية بعد فتح حصن بابليون، وأن ذلك كان في ربيع الأول سنة ٢٠ للهجرة. وروى عن آخر أن ذلك كان في جمادى الثانية (أول ربيع الأول في ٢٠ فبراير، أول ربيع الثاني في ٢٠ مارس، وأول جمادى الأولى في ١٧ أبريل سنة ٦٤١، وأول جمادى الثانية في ١٨ مايو، والتاريخ الصحيح هو جمادى الأولى كما سنرى)، وقال إن موت هرقل كان في سنة ١٩ للهجرة. وهو غير صحيح. ويقول المقريزي إن ذلك شجَّع المسلمين فضيَّقوا الحصار على الحصن، ولكنه روى عن الليث تاريخًا آخر، وهو سنة ٢٠ للهجرة، وهو الصحيح. وقال إن فتح الإسكندرية كان بعد موت هرقل بتسعة أشهر وخمسة أيام، وإنه كان في يوم الجمعة أول المحرم سنة ٢١ للهجرة (١٠ ديسمبر سنة ٦٤١، ولكن ذلك اليوم كان يوم اثنين). ويذكر الليث أن الفتح الأول كان في سنة ٢٢ للهجرة (أولها ٣٠ نوفمبر سنة ٦٤٢). ويُورِد المقريزي أسماء جماعة من المؤرخين روى عنهم تواريخ لها علاقة بالفتح، وهم يختلفون بين سنة ١٦ وسنة ٢٦ للهجرة. ويقول بعد ذلك إن الأرجح أن سنة ٢٠ هي الصحيحة، وهي التي يقبلها أكثر المؤرخين.
  • أبو المحاسن: ينقل عن الذهبي أن عمر بن الخطاب كتب إلى عمرو يأمره بغزو مصر في سنة ٢٠ للهجرة (أولها ٢١ ديسمبر سنة ٦٤٠). وينقل عن ابن عبد الحكم أن حصار بابليون بقي سبعة أشهر. أما هو فيذكر أن فتح مصر (ولعله يقصد بها مدينة مصر) كان في أول المحرم سنة ٢٠ للهجرة. وينقل عن ابن كثير والواقدي وأبي معشر أن فتح مصر كان في ذلك العام نفسه. ويذكر الواقدي أن فتح الإسكندرية كان في السنة نفسها. أما أبو معشر فيذكر أنه كان في سنة ٢٥ للهجرة. وأما سيف فإنه يذكر أن مصر والإسكندرية فُتحتا في سنة ١٦ للهجرة، وأن ولاية عمرو على مصر تبدأ في سنة ٢٠ للهجرة.
  • السيوطي: بعد أن ذكر نقلًا عن الليث أن موت هرقل كان في سنة ٢٠ للهجرة، قال إن حصار الإسكندرية استمرَّ تسعة أشهر بعد ذلك، إلا أنه ابتدأ قبل وفاة هرقل بخمسة أشهر، ولكنه قال مع ذلك إن فتح الإسكندرية كان في أول المحرم سنة ٢٠ للهجرة. وهذا سهو؛ لأن السيوطي يذكر بعد صفحات من هذا أن فتح الإسكندرية الأول كان في سنة ٢١ للهجرة، وأن الفتح الثاني كان في سنة ٢٥ للهجرة، وينقل عن القضاعي نقلًا عن ابن قتيبة أن عمرًا عاد من الإسكندرية (أي إلى بابليون) في ذي القعدة سنة ٢٠ للهجرة (أكتوبر–نوفمبر سنة ٦٤١).

وحسبُنا هذا من المراجع العربية الكبرى، وإن ما بينهم من الخلاف عظيم. ومن الواضح أنه لا يمكن التوفيق بينهم فيه، ولكن من السهل أن نعيِّن بعض أسباب هذا الخلط الذي يقع فيه هؤلاء الكُتاب جميعًا، وهو الذي ضلَّل المؤرخين المُحدَثين وحيَّرهم، فلعله ليس في التاريخ عصر في مثل قِصر تلك المدة، وفيه مثل هذا العدد الكبير من المساقط التي يقع فيها من أراد البحث في ترتيب التواريخ؛ فإن دوننا هذا عصرًا مدته ثلاث سنوات، وهي مثل مدة الفتح الفارسي، ويُذكر لنا من غيرِ تدقيقِ تاريخٍ واحد على أنه تاريخ الفتح، ولكن يُقصد به أحيانًا أول غزو البلاد وأحيانًا تمام فتحها، ثم إن اسم مصر يُقصد به أحيانًا مدينة مصر (وهي منفيس بقرب بابليون من الجنوب) وأحيانًا يُقصد به القُطر المصري، وهذا مما يؤسف له.

وعلى ذلك فذِكر «فتح منفيس» في كثير من الأحيان لا يمكن التفريق بينه وبين «فتح بلاد مصر»، ثم إن فتح بابليون كان حادثًا مُخالفًا لفتح مدينة مصر، في حين أن هذين الموضعين قريبان كل القرب وكان لا مناص من الخلط بين حوادثهما، ثم إن الإسكندرية لم تُفتح مرةً واحدة، بل مرتين. وقد وجد المؤرخون، حتى أقدمهم من الذين كتبوا بعد الفتح بمائتَي عام، أن أخبار الفتح غير جليَّة، وقد نُسي ترتيب الحوادث فيها؛ وعلى ذلك فنحن أميل إلى أن نعدَّ أخطاءهم وتناقُضهم أمرًا يؤسف له، وأنه ليس عجيبًا ولا غير متوقَّع.

ولكن قد أشرق على تاريخ فتح العرب وترتيب حوادثه نورٌ جديد لم يسبق للناس عهد به، وذلك من كتاب حنا الأسقف القبطي لمدينة نقيوس، وقد كان حاضرًا تولية البطريق إسحاق في سنة ٦٩٠ للميلاد، ولعله قد وُلِد قريبًا من وقت الفتح، ولكن لا بد له أن يكون قد سمع أخبار ذلك الفتح ممن شهده؛ فشهادته على ذلك ذات قيمة كبرى فيما يشهد فيه. حقًّا إن بعض أجزاء ذلك التاريخ ناقصة لا ذكر لها في ذلك الكتاب، وهو أمرٌ مؤسف له، كما أن أجزاءً أخرى منه قد دخلها كثير من المسخ وتغيير الترتيب، فلا نكاد نستبين لها معنًى، ولكن مع كل ما في النسخة الخطية الأثيوبية قد جاء فيها بعض تواريخ جديدة تسترعي النظر بدقتها العظيمة، وهذه التواريخ بمثابة معالم ثابتة نستطيع أن نستدل بها على نظامٍ علمي في ترتيب التواريخ.

لقد رأينا فيما سلف أن كتاب حنا قد أُغفلَ فيه ذكر كل ما يتعلق بمدة الفتح الفارسي، وهذا النقص يبدأ من استيلاء هرقل إلى ما بعد ذلك بثلاثين عامًا؛ أي من حوالَي سنة ٦١٠ إلى حوالَي سنة ٦٤٠. ولا يرِد فيه ذكر لدخول العرب إلى مصر. وأول استئناف لذلك التاريخ بعد ذلك هو عندما علم «تيودور» قائد جيوش الروم في مصر بهزيمة «حنا» قائد فرقة الخفر في الفيوم وموته، وذكر بعد ذلك أن جيوش الروم اجتمعت عند حصن بابليون وقد عوَّلت على أن تلقى العرب قبل أوان فيضان النيل، والنيل يبدأ مده في أواسط الصيف، ويبلغ جمامه في الاعتدال الخريفي؛ وعلى ذلك يمكن أن نقول إن وقعة هليوبوليس كانت في «يوليو» أو في «أغسطس». فإذا نحن اتَّبعنا قول ابن عبد الحكم أو البلاذري أو الطبري في أن دخول العرب كان في شهر ديسمبر سنة ٦٣٩، كانت وقعة هليوبوليس في يوليو أو أغسطس من عام ٦٤٠، وكان من القريب أن أول أمداد جيش العرب أبصرها الروم من بروج حصن بابليون في ٦ يونيو، وهو اليوم الذي قام الدليل من قول ساويرس وغيره على أنه كان من أثبت الأيام ذكرًا عند القبط، على أنه لم يكن يوم حادث خطير من حوادث الفتح. والمستر بروكس مُحقٌّ بغير شك في أنه اعتبر البابين الرابع عشر بعد المائة والخامس عشر بعد المائة من تاريخ حنا في غير موضعهما؛ فعنوان الباب الخامس عشر بعد المائة هكذا: «كيف استولى المسلمون على مصر في السنة الرابعة عشرة من الدولة القمرية، واستولوا على حصن بابليون في السنة الخامسة عشرة؟» في حين أنه مما يؤسف له أن الوصف الذي يصدُق عليه هذا العنوان ساقط من الكتاب. وقد ورد في الفصل السادس عشر بعد المائة أن موت هرقل كان في «السنة الحادية والثلاثين من حكمه في الشهر المصري «يكاتيب»، وهو يُوافق الشهر الروماني «فبراير» في السنة الرابعة عشرة من الدورة، وهي سنة ٣٥٧ للشهداء». وقد جاء في الباب السابع عشر بعد المائة أن تسليم حصن بابليون كان في يوم الفصح (الاثنين). وجاء في الباب الثامن عشر بعد المائة «أن فتح «نقيوس» كان في يوم الأحد الذي بعده (١٨ جنبوت) في السنة الخامسة عشرة من الدورة». وقد قال المستر «بروكس»، مُتبعًا في ذلك رأي «زوتنبرج»، إن تاريخ موت هرقل هو التاريخ الوحيد بين هذه التواريخ الذي يمكن أن نفحصه، وهو مذكور في ذلك الكتاب في منتهى الدقة؛ فإنا نعلم أن هرقل قد مات في ١١ فبراير سنة ٦٤١. وقال إن هذه الحقيقة دليلٌ قوي على أننا يمكن أن نعتبر التواريخ الأخرى صحيحةً دقيقة. ولكن كلا هذين المؤرخين وجد نفسه مُضطرًّا بعد هذا القول إلى أن يُظهر أن التواريخ الأخرى صحيحةً بعض الصحة لا كل الصحة؛ فقال المستر بروكس في عُرْض ذكره سِني الدورة التي ورد ذكرها في عنوان الباب الخامس عشر بعد المائة: «ولا نظن أننا نستطيع أن نثق ثقةً كبرى بهذه التواريخ» (صفحة ٤٣٩). ثم أظهر بعد ذلك أن يوم «١٨ جنبوت» الواقع في يوم الأحد لم يكن في السنة الخامسة عشرة من سِني الدورة كما قال حنا، وقصارى قوله هو أن الواجب أن نُغير التاريخ الذي ذكره حنا، وهو «١٣ مايو سنة ٦٤٢»، فنجعله «١٣ مايو سنة ٦٤١». ومعنى هذا أن الواجب أن نُبرهن على خطأ جزء من قول «حنا النقيوسي».

وبعد، فإنا نجرؤ أن نقول إن هذا الرأي لا حاجة بنا إليه ولا ضرورة تدعو إليه؛ فإن الخطأ إنما نشأ من خطأ في فهم ما قصده حنا بقوله «سِني الدورة»؛ فإن ناقديه أخذوا ذلك على أن المقصود منه سِنو الدورة التي ابتدعها قسطنطين (وكلٌّ منها خمسة عشر عامًا)، ولكن حنا نفسه يُسميها بوضوح «الدولة القمرية»، وليس يقصد دورة قسطنطين. حقًّا إن التأريخ بتلك الدورة القسطنطينية كان في عصر حنا غير مُهمَل، بل كان لا يزال مستعملًا في مصر، ولكن المقصود هو الدورة الديونيسية Dionysian، وكلٌّ منها تسعة عشر عامًا، وقد بقيت مستعملة إلى يومنا هذا، وتُسمَّى أعدادها عادةً «الأعداد الذهبية». ويزعم «زوتنبرج» أن هذه الدورة لم تكن مستعملة في التاريخ المدني، ولكن ما دام التاريخ بدورة قسطنطين كان غير شائع في مصر، فقد كان حنا معذورًا كل العذر في أنه يعمد إلى التأريخ بالتقويم الديني الخاص بالكنيسة، وقد كان على تمام الإلمام به؛ إذ كان رجلًا من علماء الأساقفة؛ وعلى ذلك فإنا مُورِدون ما جاء في كتابه فيما يلي:
  • (١)

    فتح مدينة مصر في السنة الرابعة عشرة من سِني الدورة.

  • (٢)

    موت هرقل في السنة الرابعة عشرة من الدورة في ١١ فبراير سنة ٦٤١.

  • (٣)

    فتح حصن بابليون في السنة الخامسة عشرة من الدورة في الاثنين (الفصح)؛ أي في ٩ أبريل سنة ٦٤١.

  • (٤)

    فتح نقيوس في السنة الخامسة عشرة من الدورة في ١٣ مايو سنة ٦٤١.

ويظهر من هذا البيان أنه إذا كان قد نقل ما كتبه حنا على حقيقته، كانت سنة الدورة التي يؤرَّخ بها تتغير فيما بين ١١ فبراير و٩ أبريل. وهذا هو الأمر الواقع بالدقة؛ فإن الدورة القمرية الديونيسية كان أولها ٢٣ مارس (راجع كتاب S. Butcher في Ecclesiastical Calendar، صفحة ٧٣؛ وكتاب Handy-book of Dates، تأليف Bond، صفحة ٢١٨)، والسنة الرابعة عشرة من الدورة تقع ما بين ٢٣ مارس سنة ٦٤٠، و٢٢ مارس سنة ٦٤١. وكذلك السنة الخامسة عشرة؛ فإنها تبدأ من ٢٣ مارس سنة ٦٤١، وتنتهي في ٢٢ مارس سنة ٦٤٢. فإذا صحَّ رأينا هذا ثبت أن تواريخ حنا صحيحة لا خطأ فيها؛ فليس فيها شيءٌ يجب البرهان على فساده، بل إن ثقتنا في تواريخ هذا المؤرخ تزداد زيادةً عظمى.
ويجدر بنا أن نزيد على هذا أن الدورة القسطنطينية التي كانت تُستعمل في مصر قبل الفتح كانت قد صارت لا قيمة لها في التاريخ؛ إذ إنها كما دل عليه Wilcken في كتابه Hermes ١٩، صفحة ٢٩٣ وما بعدها، بدل أن تبدأ من شهر توت، وهو أول السنة المصرية، فتكون بذلك مُتفقة مع أول سنة من سِني التقويم؛ كانت تبدأ أحيانًا من أول حكم الإمبراطور الحاكم، وأحيانًا أخرى من أيامٍ أخرى مختلفة من أيام الصيف، مُتبعةً في ذلك نظامًا لا يستطيع أحدٌ أن يفهمه، وهو نظامٌ أشبه شيء بالفوضى المطلقة؛ ولهذا كان الأجدر بنا أن نحمد كاتبًا قديرًا مثل حنا على أنه استعمل تاريخًا ثابتًا لا يطعن أحد في قيمته.

على أنه قد وردت عبارةٌ أخرى في تاريخ حنا، وذكر فيها تاريخ سنة من سِني الدورة يُخيَّل إلى من يراها أن رأينا الذي ذكرناه غير صحيح؛ فقد جاء في الباب الحادي والعشرين بعد المائة قوله: «وفي السنة الثانية من الدورة القمرية جاء حنا من دمياط، وساعد المسلمين كيما يمنعهم من تخريب المدينة.» وهذه السنة يكون أولها ٢٣ مارس سنة ٦٤٦، وآخرها ٢٢ مارس سنة ٦٤٧؛ وعلى هذا فلا بد أن يكون هذا الحادث قد وقع بعد ثورة منويل، ولم يُذكر عن تلك الثورة لفظٌ واحد في كل تاريخ حنا، ومع ذلك فإنا نرى ذلك التاريخ صحيحًا؛ لأن وجود فجوة أخرى في آخر ذلك الكتاب أمرٌ غير مُستغرَب. فإذا نحن لم نذهب إلى هذا الرأي، واعتبرنا أن المقصود هو السنة الثانية من الدورة القسطنطينية؛ كان التاريخ المقصود هو عام «٦٤٣-٦٤٤»، ولكن هذا في حكم المستحيل؛ إذ لم يرِد أي خبر عن حادثٍ وقع في ذلك العام يمكن أن يحدو بالعرب إلى تخريب الإسكندرية، في حين أنه قد جاء في كل الأخبار أن ثورة منويل وعودة الروم إلى الإسكندرية كانتا حوالَي نوفمبر سنة ٦٤٥، ولم تُهزم جيوشه إلا بعد عدة أشهر، ولا يكاد يُشَك في أن فتح العرب للإسكندرية ثانيةً وقع بعد ٢٣ مارس سنة ٦٤٦. ونعلم كذلك أنه عند الفتح الثاني للمدينة أُحرقَ جانبٌ كبير فيها، وهدم عمرو جانبًا من الأسوار؛ فلا يبعد أن يكون قد فكَّر في تخريب المدينة كلها. وفوق ذلك يظهر أن «زوتنبرج» أغفل في ترجمته كلمةً ذات شأن؛ فإنه قال في ترجمته: «وبعد أن استولى «عمرو» على الإسكندرية جفَّف الترعة التي تُوصل الماء إلى المدينة.» في حين أن الدكتور شارل يقول في ترجمة هذه العبارة عينها: «ولما استولى عمرو على مدينة الإسكندرية كان كثيرًا ما يُجفف الترعة.» وهذه الكلمات تدل على أن الكاتب كان وهو يكتب هذه العبارة التي ورد فيها ذلك التاريخ يَسبح بفكره فيما بعد الفتح الأول للمدينة بمدةٍ طويلة، وسنرى أن ذلك الفتح الأول كان في سنة ٦٤٢؛ وعلى ذلك يكون التاريخ الذي نحن بصدده يُوافق رأينا في أن المقصود هو التأريخ بالدورة الديونيسية القمرية؛ ولهذا نجرؤ على أن نعدَّ هذا الرأي ولا وهن فيه، ولا وجه للطعن.

نُقبِل الآن على ذكر تاريخ من أهم التواريخ، على أنه تُحيط به عُقَد يحار المرء فيها، وذلك تاريخ عودة البطريق قيرس إلى الإسكندرية من قسطنطينية؛ فقد دعاه هرقل حوالَي نصف نوفمبر سنة ٦٤٠ بعد أن صالَح العرب على تسليم بابليون ذلك الصلح الذي لم يتم. ويلوح أنه نُفي عند ذلك، ثم أعاده قسطنطين الثالث خلَف هرقل إلى الحظوة، وكان عازمًا على أن يُعيده إلى مصر، فعاجَلته المنيَّة بعد أن حكم مائة يوم، فمات ذلك الإمبراطور في مايو سنة ٦٤١، وخلَفه على المُلك هرقلوناس، ولكن ثورة فلنتين في ذلك الصيف نفسه عملت على أن يُشرِك معه في الحكم أخاه من أبيه، وهو قنسطانز. وقريبًا من ذلك الوقت أرسل قيرس إلى مصر ومعه الأمداد، وقد كان في «رودس» في أوائل سبتمبر، ولعله كان يأخذ ما كان هناك في دار الصناعة البحرية (الترسانة) من الذخائر. وكان «تيودور» قائد جيوش مصر في رودس كذلك، وخلع بيعة الإمبراطورة «مرتينه»؛ إذ حرَّضه على ذلك فلنتين، وأراد أن يسافر إلى بنطابوليس، ولكنه نزل إلى الإسكندرية مع قيرس في فجر يوم ١٧ «مسكرم» أو «توت»، وهو عيد الصليب؛ أي في ١٤ سبتمبر.

هذا ما يمكن أن نستخلصه من تاريخ حنا الذي تغيَّرت معالمه تغيرًا يؤسف له، وهذه الأخبار يُعززها ما جاء في تاريخ نيقفوروس؛ إذ يقول إن «قيرس» أعاده هرقلوناس إلى مصر، ولكنا الآن آتون إلى خبر من تلك الأخبار التي كُتبت بعد حدوث حوادثها على صورة النبوءة، وهي كثيرة في تواريخ القبط، وهي تستلزم أن تكون عودة قيرس في عيد الفصح؛ فقد روى حنا أنه بُعَيد عودته (راجع الفصل العشرين بعد المائة) أُقيمَ احتفال في الكنيسة العظمى كنيسة القيصريون في عيد الفصح، واختار القمص للصلاة ترتيلًا غير ما كان يجب أن يختاره لذلك اليوم؛ أي المزمورة التي مَطلعها: «وهذا هو اليوم الذي جعله الله … إلخ» (راجع المزمورة الثامنة عشرة بعد المائة ٢٤–٢٦). وقد عُدَّ هذا التغيير فألًا سيئًا، وذاعت كلمةٌ قالها القسوس، وهي أن قيرس لن يشهد بعد ذلك اليوم عيدًا آخر للفصح. فلما مات قيرس بعد ذلك في يوم الخميس المقدس «٢٥ مجابت»، أي قبل عيد الفصح التالي بثلاثة أيام، تذكَّر الناس النبوءة، وقالوا إنها قد تحقَّقت. وقد قال المستر بروكس بوضوحٍ مُقنِع إن يوم «٢٥ مجابت» أو «فامنوت» يُوافق ٢١ مارس، وليس ٢ أبريل كما زعم زوتنبرج في حسابه، ثم قال إن عيد الفصح في سنة ٦٤٢ كان في يوم ٢٤ مارس من ذلك العام، وإنه في ذلك العام وحده قد وقع يوم الخميس المقدَّس في «٢٥ مجابت»؛ وعلى ذلك «فقد ثبت تاريخ وفاة قيرس ثبوتًا لا شك فيه، وأنه كان يوم الخميس ٢١ مارس من سنة ٦٤٢». وينتج من ذلك أن يوم الفصح الذي ذُكر في ذلك الخبر أن قيرس قد عاد فيه كان يوم الفصح من عام ٦٤١، وهو يوم ٨ أبريل.

فإذا أجملنا ما قاله حنا كان كما يلي:
  • (١)

    نزل قيرس في مصر ١٤ سبتمبر بعد موت هرقل؛ أي سنة ٦٤١.

  • (٢)

    أنه أقام عيد الفصح سنة ٦٤١، وهو يوم عودته.

  • (٣)

    أنه مات في ٢١ مارس سنة ٦٤٢.

وهذه الأخبار ظاهرة التناقض، ولا يشكُّ زوتنبرج في أن قيرس نزل في أرض مصر في يوم ١٤ سبتمبر، ويرى أنه من الغريب أن تُقام صلاة بمناسبة عودته بعد سبعة أشهر منها، ولكنه مع ذلك قبِل هذا الأمر الغريب هذه الغرابة، وجعل موت قيرس في سنة ٦٤٣. وأما المستر بروكس فإنه يرى رأيًا آخر؛ فإنه برهن برهانًا قاطعًا على أن قيرس مات في يوم الخميس الذي قبل عيد الفصح من سنة ٦٤٢، ثم برهن على أن زوتنبرج مُخطئ فيما ذهب إليه من أن عودة «تيودور» وعودة «قيرس» كانتا في وقتٍ واحد، وجعل عودة قيرس في عيد الفصح من عام ٦٤١، وهو يُدرك ما يُواجهه من الصعوبة في تكذيب تاريخ حنا، وهو أن عودة قيرس كانت بعد وفاة قسطنطين الثالث وما يُعززها من قول نيقفوروس، ولكنه يميل إلى أن يقول إن كتاب حنا قد داخَله شيء من الخطأ في ذلك الموضع، ثم يقول في ختام حجته: «وأما البت في مسألة عودة قيرس، وأنها كانت قبل عيد الفصح من عام ٦٤١، فأمرٌ يجب أن يبقى موضعًا للنظر والبحث، وأما ما قصده حنا فلا شك عندنا في أنه كان يقصد أن يقول إن قيرس قد عاد في ذلك الوقت المذكور، وإنه لمن المحتمل أن التاريخ قد غُيِّر قصدًا لإدخال ذكر النبوءة» (راجع موضع ذكر ذلك في الملحق الثاني).

ولسنا نُوافق على هذه الآراء كل الموافقة؛ فإن التاريخ الذي ذكر زوتنبرج أن قيرس قد مات فيه لا يؤيده شيء.٧ هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى فإنا نرى أن المستر بروكس مُخطئ في قوله إن عودة قيرس لم تقع مع عودة تيودور في وقتٍ واحد، وإن عودة تيودور كانت وحدها في ١٤ سبتمبر سنة ٦٤١. ويقول المستر بروكس إن هذين الحادثين «مُنفصلان كل الانفصال». ولكن نص الكتاب فيه ما يلي: «فدخل الإسكندريةَ «تيودور» في ليلة السابع عشر من شهر «مسكرم» في عيد الصليب، وخرج أهل الإسكندرية أجمعين من نساء ورجال وهم بين شُبان وشِيب ليلقَوا البطريق قيرس وهم فرِحون يشكرون الله على عودة بطريق الإسكندرية، وصحب تيودور البطريق خُفيةً إلى كنيسة «التبيونيسيين»، وأقفلا الباب وراءهما.» وإنا إزاء هذا القول لا يسعنا إلا أن نرى أنه من المُحال أن يكون هذان الرجلان قد أتيا في وقتين مُتفرقين، أو أنه عندما أتى «تيودور» كان قيرس قد مضى عليه في الإسكندرية خمسة أشهر أو يزيد. وفوق ذلك فإنا لو قلنا إن قيرس قد عاد في يوم الفصح من سنة ٦٤١ لنشأت من ذلك صعابٌ أخرى؛ فأول شيء يجب علينا أن نكذِّب كل ما ذكره حنا من حوادث القسطنطينية بعد موت هرقل، أو على الأقل أن نكذِّب نصيب قيرس من تلك الحوادث، كما أنه يجب أن نكذِّب ما جاء في كتاب «نيقفوروس»، وفوق كل ذلك يجب علينا أن نكذِّب عبارةً أخرى في كتاب حنا، وهي في منتهى الوضوح؛ فإنه ذكر بعد وصفه الصلاة في القيصريون أن قيرس عاد «حينذاك» إلى بابليون. والمستر بروكس يقبل هذا القول، ويُضيف إليه أن حصن بابليون «كان قد صار قبل ذلك بقليل إلى يد العرب»؛ إذ إنه قد فُتح كما برهن هو على ذلك في ٩ أبريل سنة ٦٤١. غير أنه عاد في الصفحة التالية لذلك فقال إن تسليم الإسكندرية الذي اتفق قيرس عليه مع عمرو في بابليون، وهو بغير جدال القصدُ الذي قصد إليه من زيارته لحصن بابليون، قد حدث في الشهر الذي بين ١٢ أكتوبر و١٠ نوفمبر من سنة ٦٤١. فكيف لنا أن نُوفق بين هاتين العبارتين؟ وفوق ذلك فإنا نعرف من كتاب حنا ومن سواه من المراجع أن عمرًا غادَر حصن بابليون عقب فتحه، فكان في مدينة نقيوس في ١٣ مايو، ولم يكن في فترة مُقامه بالحصن متَّسَع لزيارة قيرس ومُفاوضته، ثم إننا إذا قلنا إن تاريخ تسليم الإسكندرية كان في تلك الفترة كنَّا بذلك عاملين — كما لا بد أن يُقرَّ المستر بروكس — على نقل التواريخ من مواضعها واضطرابها.
وعلى ذلك فإنا إذا وافَقنا زوتنبرج على أن قيرس نزل بأرض مصر مع تيودور في يوم الصليب، أي في يوم ١٤ سبتمبر سنة ٦٤١، وإذا وافقنا المستر بروكس على أن قيرس مات في يوم خميس العهد التالي، أي في يوم ٢١ مارس سنة ٦٤٢؛ كان لا بد لنا من التوفيق بين قولنا هذا وبين ما جاء في كتاب حنا. وإنا نستطيع أن نجد المفتاح الذي يفتح لنا ما استغلق من هذا الأمر بدرس ما جاء بذلك الكتاب؛ فإنا إذا فحصنا ما جاء به اتَّضح لنا من خلاله أن العيد الذي أقيمت فيه الصلاة بمناسبة عودة قيرس، ورُتلت فيه المزمورة التي في غير موضعها، لم يكن عيد الفصح، بل كان عيد إعلاء الصليب؛ أي العيد الذي نرى أن قيرس نزل إلى أرض مصر في يومه، وذلك لأسباب؛ أولها أن الخبر يذكر لنا صراحةً أن الخطبة التي خطبها قيرس كانت كلها عن الصليب،٨ وأنه قد احتفل في موكبٍ يحمل القطعة من الصليب المقدَّس، أو الصليب الذي أحضره إليه القائد حنا قبل منفاه، وسار بذلك الموكب من دير التبيونيسيين، وكل هذه التفاصيل تكون لا موضع لها إذا كان المقصود هو عيد الفصح، وهي كلها في موضعها الصحيح إذا كان المقصود هو يوم الصليب المقدَّس. وفوق ذلك فقد ذكر أن قيرس جاء من دير التبيونيسيين إلى كنيسة القيصريون لحضور الاحتفال بعيد الفصح المزعوم، كما قد ذكر قبل ذلك بأسطرٍ أن تيودور قد عاد عقب نزوله إلى البر إلى دير التبيونيسيين في صحبة قيرس. وإذا كان ذلك الحادث قد وقع في يوم عيد الفصح حقيقةً لمَا كان لوجوده في دير التبيونيسيين في ذلك الوقت معنًى، في حين أنه إذا كان المقصود هو عيد الصليب كما نرى نحن كان الوجود بالدير حينئذٍ ضرورةً من ألزم الضرورات؛ إذ يكون قيرس عندما نزل إلى البر ذهب إلى الدير، ثم ذهب من هناك في موكب إلى كنيسة القيصريون، ثم إن المزمورة «هذا هو اليوم … إلخ» هي التي كانت تُستعمل «في الأعياد السيدية وكامل أيام الفطر». ولسنا نستطيع أن نعرف إذا كان استعماله في الترتيل في الصلاة يدل دلالةً واضحة على أن اليوم المقصود هو يوم الفصح أو هو يومٌ آخر. وإنا نرى على وجه الإجمال أنه لا شك في أن تلك الصلاة التي حضرها قيرس عند عودته كانت صلاة عيد الصليب؛ أي إن عودته كانت في يوم ١٤ سبتمبر سنة ٦٤١.
ولكن إذا كان الأمر كذلك، فما القول في النبوءة؟ وجوابنا على ذلك يتناول أمرين: (١) أن تلك النبوءة تبقى على ما لها من القيمة، فإذا كانت قد قِيلت في وقت صلاة عيد الصليب كان المقصود منها عيد الصليب الذي بعده، أو كان المقصود منها يوم الفصح المُقبِل، وقد صحَّت على كلا الحالين. (٢) أن التفسير المقبول عقلًا هو أن قيرس عندما عاد رأى الناس عليه أمارات المرض أو التغير، وأوَّلوا حادث الترتيل بما أحسُّوه من التطير في نفوسهم؛ فقد كانت عبارة النبوءة كما يلي: «إنه لن يشهد عيدًا آخر للفصح.» فلما مضت بضع سنين على ذلك أصبحت وفاته قُبيل عيد الفصح قطب تلك القصة، فحُوِّرت عبارتها بعد أن نُسيت تفاصيل الحادث الذي حدث، وعُزِي أصل النبوءة إلى يوم عيد الفصح ما دامت وفاة قيرس قد وقعت قبل يوم عيد الفصح الذي بعده. وذلك تجوُّز لم يُراعَ معه ترتيب التواريخ والحوادث؛ وعلى ذلك قد كان من الطبيعي أن تُزاد على عبارة حنا العبارة الآتية: «في يوم عيد القيامة.» وذلك في موضعٍ يظهر فيه هذا القول غريبًا في غير موضعه.٩ وهذه العبارة بغير شك زيادةٌ من بعض النُّساخ أدخلها على النص الأصلي، وإذا نحن حذفناها زالت كل أسباب الحيرة، واتَّضح سياق الحوادث، واستبان بعد أن كان مُختلطًا خفيًّا.

وتسير عبارة حنا بعد ذلك سيرًا طبيعيًّا؛ فإنه بعد يوم الصليب بقليلٍ ذهب قيرس إلى بابليون يطلب لقاء عمرو. وقد أثبت ابن قتيبة أن عودته من غزوته في الدلتا كانت في ذي القعدة من سنة ٢٠ (١٢ أكتوبر–١٠ نوفمبر سنة ٦٤١)، وهي الغزوة التي لم يتمَّ فيها شيئًا من الفتح. وهذا معناه أن ذهاب قيرس إلى بابليون كان نحو آخر أكتوبر؛ وعلى ذلك لا يمكن أن نجعل تاريخ الصلح في ١٧ أكتوبر كما يزعم المستر بروكس؛ فإن عمرًا إذا كان قد عاد إلى بابليون في أوائل ذي القعدة (وهو أمرٌ لم يُذكر)، كان لا بد من مضي أيام عدة قبل أن يستقرَّ الأمر على شروط الصلح؛ ولهذا لا نرى أن الصلح قد تم قبل آخر ذي القعدة، ونرى في الحقيقة أن الصلح الذي اتفق قيرس مع عمرو عليه قد وقع في ٨ نوفمبر على وجه التعيين. وقد كان من شرط هذا الصلح أن تُباح مدة هدنة قدرُها أحد عشر شهرًا، وكان على جنود الروم أن تجلو عن الإسكندرية في أثنائها. وقد اختار المستر بروكس لذلك تاريخ ١٧ أكتوبر لأن هذا التاريخ يقع قبل يوم ١٧ سبتمبر سنة ٦٤٢ بأحد عشر شهرًا؛ إذ إنه يزعم أن ذلك التاريخ الأخير هو يوم إخلاء الإسكندرية للعرب. ولكن ليس ثَمة من سببٍ يحدو بنا إلى أن نقول إن جيش الروم قد بقي في الإسكندرية إلى آخر يوم من أيام الهدنة؛ إذ كانوا قد تجهَّزوا قبل ذلك للسفر. وإنا إذا حسبنا مدة الهدنة بالشهور العربية من يوم ٨ نوفمبر كانت نهايتها يوم ٢٩ سبتمبر. وأما المستر بروكس فإنه يؤكد أن تاريخه (أي ١٧ أكتوبر) «يتفق كل الاتفاق مع ما ذكره ابن عبد الحكم من أن الحصار استمرَّ تسعة أشهر بعد موت هرقل». وكانت وفاة هرقل في يوم الأحد ١١ فبراير سنة ٦٤١، فإذا نحن عددنا المدة بالحساب العربي وقع آخر أجل الهدنة في شهر نوفمبر، ولكن المقريزي قد ذكر أن فتح الإسكندرية كان بعد موت هرقل بتسعة أشهر وخمسة أيام، واليوم الحادي عشر من شهر فبراير سنة ٦٤١ يُوافق يوم ٢٣ صفر، فإذا حسبنا تسعة أشهر وخمسة أيام من هذا التاريخ بلغ بنا الحساب يوم ٢٨ يوم ذي القعدة، وهو يوم الخميس ٨ نوفمبر.

هذا ما نراه التاريخ الصحيح. وقد لاحَظ المستر بروكس أن الصلح لا يمكن أن يكون قد وقع بعد نوفمبر؛ لأن قيرس عند عودته من بابليون إلى الإسكندرية طلب من تيودور أن يحمل ذلك الصلح إلى الإمبراطور هرقل (أي هرقلوناس)، وقد كانت وفاته في انتهاء هذا الشهر (نوفمبر)، ولكن من الأمور التي تستحق البحث أن نرى هل مؤرخو العرب إذ يُورِدون المدة الصحيحة بين وفاة هرقل الأول وتسليم الإسكندرية، يجعلون وفاته في يوم ١١ فبراير أو في ١١ مارس؛ فقد ذكر تيوفانز وقدرينوس خطأً أن وفاته كانت في ١١ مارس، ولعل هذا قد ضلَّل مؤرخي العرب؛ فإنه من العجيب أننا إذا حسبنا مدة الأشهر التسعة والأيام الخمسة بادئين من ١١ مارس (أو ٢٢ ربيع الثاني)، بلغ الحساب بنا يوم ٢٧ من ذي الحجة (أي ٧ ديسمبر)، وهذا اليوم السابع من ديسمبر كان يوم جمعة، وهو قريب من أول المحرم (١٠ ديسمبر) الذي ثبت في أخبار العرب أنه كان يوم فتح الإسكندرية.

وبعد، فقد برهن المستر بروكس برهانًا قويًّا على أن التواريخ الباقية إلى الآن من التواريخ التي ذكرها حنا إذا فُسرت على حقيقتها تنصُّ على أن ولاية البطريق بطرس خلَف قيرس على بطرقة الملكانيين كانت في ١٤ يوليو سنة ٦٤٢، وعلى أن الروم أخلَوا الإسكندرية في السابع عشر من سبتمبر من ذلك العام نفسه (صفحة ٤٤٣). ويجدر بنا أن نزيد على هذا أن عودة بنيامين من منفاه في الصعيد كانت في سنة ٦٤٤، ولعلها كانت أقرب إلى نهاية العام منها إلى أوله.١٠

ولكنا مُضطرون إلى أن نُخالف المستر بروكس في أمر أو أمرين في رأيه ذاك؛ فإنه ينقل عن «ابن بطريق» وابن عبد الحكم ومكين أنهم اتفقوا على أن مدة حصار الإسكندرية كانت أربعة عشر شهرًا، وعلى ذلك جعل بدء ذلك الحصار في أواخر أغسطس من سنة ٦٤٠، وكذلك ينقل عن «ابن بطريق» أن حصار بابليون بقي سبعة أشهر. ولما كان فتح بابليون قد وقع في ٩ أبريل سنة ٦٤١، كان أول الحصار في أوائل شهر سبتمبر سنة ٦٤٠؛ وعلى ذلك يكون العرب قد حاصَروا المَعقلين في وقتٍ واحد تقريبًا، وذلك أمرٌ غير ممكن من الوِجهة الحربية المحضة؛ فإن عمرًا لم يكن معه في وقت من الأوقات جندٌ كافٍ لحصار الحصنين معًا، وفوق ذلك ليس ثَمة مؤرخ يدعم حجة المستر بروكس فيما ذهب إليه، بل إن المراجع كلها تنقض رأيه؛ فإن حنا نفسه يقول إن عمرًا غادَر حصن بابليون بعد فتحه في ٩ أبريل سنة ٦٤١، وإنه فتح نقيوس بعد ذلك بشهر. وإذا نحن أرَّخنا سقوطها بشهر جمادى الأولى، وهو وسط بين ربيع الأول الذي ذكره الكندي وياقوت، وبين جمادى الثانية وهو الذي ذكره المؤرخ الذي نقل عنه المقريزي؛ كان ذلك مُوافقًا كل الموافقة لِما جاء في كتاب حنا. وسار جيش عمرو بعد فتح نقيوس إلى الشمال، وإنه لمن القريب أن يكون قد حاصر الإسكندرية في آخر شهر يونيو أو في أوائل شهر يوليو من عام ٦٤١، ومن هذا الوقت تبدأ مدة الحصار الأربعة عشر شهرًا، وليس من شهر أغسطس ولا من شهر سبتمبر سنة ٦٤٠، ذلك إذا أردنا الأخذ بما جاء في تواريخ ابن بطريق (أوتيكيوس) وابن عبد الحكم ومكين؛ أي إن مدة الأربعة عشر شهرًا يجب أن تُحسب من وقت تسليم المدينة في أواخر سبتمبر سنة ٦٤٢ راجعةً إلى أول الفتح، لا أن تُحسب من تاريخ الصلح الذي كان في سنة ٦٤١.

هذه النتيجة تُفضي بنا إلى اتفاقٍ يكاد يكون تامًّا مع ما جاء في الطبري؛ إذ يقول إن مدة الحصار كانت خمسة أشهر (قبل التسليم). وإذا حسبنا ما بين أول يوليو و٨ نوفمبر كان ذلك تمام أربعة أشهر ونصف من الشهور العربية. ويلوح أن هذا الاتفاق يُعزز التاريخين اللذين أخذنا بهما، وهو في نفس الوقت يُبين لنا سبب ذلك الاختلاف الكبير بين المؤرخين في تقدير مدة الحصار؛ فمن الواضح أن بعضهم بدأ حسابه من أول وقوف العرب دون الإسكندرية إلى مُعاهدة التسليم، وبعضهم حسب المدة إلى وقت إخلاء الروم للمدينة فعلًا. والظاهر أن عبارة السيوطي التي نقلناها آنفًا فيها خلطٌ بين ما جاء في الطبري وما جاء في أوتيكيوس، وهي خطأٌ واضح. وأما اليعقوبي والبلاذري وابن خلدون وسواهم من المؤرخين، فإنهم يذكرون أن مدة الحصار كانت ثلاثة أشهر. وظاهرٌ أنهم يقصدون أنه قد مضت ثلاثة أشهر من الحصار قبل معاهدة الصلح. فإذا أضفنا إلى تلك المدة مدة الهدنة، وهي أحد عشر شهرًا، رجعنا إلى أن المدة بين أول مجيء العرب أمام المدينة ودخولهم فيها كانت أربعة عشر شهرًا. ومن ذلك يتضح أن هذه الأخبار وإن ظهر عليها شيء من الاختلاف يمكن التوفيق بين مواضع الخلاف فيها، أو التقريب بينها تقريبًا يسترعي الأنظار.

وكذلك نُخالف ما ذهب إليه المستر بروكس من أن «فترة الأحد عشر شهرًا قضاها عمرو في غزو بنطابوليس» (يقصد مدة الهدنة)؛ فإنا نسلِّم بأن نص عبارة كتاب حنا كما هي تُساعد على الأخذ بهذا الرأي؛ وذلك لأن الفقرة القصيرة التي ذُكرت فيها هذه الغزوة جاءت قبل ذكر موت قيرس مباشرةً، ولكن قد جاء ذكر موت قيرس في موضعٍ آخر بعد ذلك. وظاهرٌ أن ذلك الباب ممسوخ الترتيب؛ فلا يمكن أن تقوم حجة على ترتيب أخباره. وإن الأسباب الحربية بغير شك كانت تمنع عمرًا من أن يُغامر بالقيام بغزوةٍ بعيدة قبل أن يملك الإسكندرية، وهي القاعدة الوحيدة التي كان يمكن أن تبدأ منها مثل هذه الغزوة. وأما ابن الأثير فإنه يُورِد قولًا قاطعًا في ذلك التاريخ، فيجعل تلك الغزوة في سنة ٢٢ للهجرة. وأما سواه من مؤرخي العرب فإنهم مهما اختلفوا في ذلك التاريخ مُتفقون على أن فتح برقة إنما كان بعد سنة من تملُّك الإسكندرية (راجع ابن بطريق وياقوت)؛ وعلى هذا فإنا جعلنا تاريخ غزوة بنطابوليس في الشتاء الذي أعقب إخلاء الإسكندرية، وقد بدأت السنة الثانية والعشرون للهجرة في ٣٠ نوفمبر سنة ٦٤٢، فإذا كانت الغزوة قد وقعت بعد أول السنة بقليل، كان ذلك إيضاحًا سهلًا لِما وقع فيه مؤرخو العرب من الاختلاف بين سنة ٢١ وسنة ٢٢ للهجرة.

ولسنا نشكُّ في أن عمرًا كان كثير الأعمال في بابليون، ولعله كان يتجهَّز لإتمام فتح الصعيد أو إخضاعه. وقد كان بغير شك يستعدُّ لإعادة حفر قناة تراجان؛ فقد جاء في البلاذري أن عام القحط في بلاد العرب كان سنة ٢١ للهجرة (وأولها ١٠ ديسمبر سنة ٦٤١). وجاء في تاريخ ابن الأثير أن عمرًا أرسل في ذلك العام القمح إلى المدينة في الخليج الذي حفره، ولعل ذلك كان في أغسطس أو سبتمبر من عام ٦٤٢.

وما كان حفر ذلك الخليج بممكن إلا في الشتاء في وقت انخفاض النيل، كما أنه ما كان سير السفن فيه مُمكنًا في غير فصل الصيف عند فيضان النيل. وكان عمرو في شتاء «سنة ٦٤٠-٦٤١» مُقبِلًا على حصار بابليون مُشتغلًا به، فلم يكن من الممكن حفر ذلك الخليج إلا في شتاء «سنة ٦٤١-٦٤٢» كما يُفهم من تاريخ ابن الأثير. وقد جاء في ذلك التاريخ عينه أن تاريخ غزو عمرو لبرقة كان على وجه التعيين في سنة ٢٢ للهجرة، وهي تبدأ من يوم ٣٠ نوفمبر سنة ٦٤٢، وتنتهي في يوم ٢٠ نوفمبر سنة ٦٤٣.

وعلى ذلك فإنا مُورِدون التواريخ الآتية:
  • (١)

    كان جيش عمرو في العريش في ١٢ ديسمبر سنة ٦٣٩. وقد ذُكر هذا اليوم في كتاب ابن عبد الحكم، ولكن البلاذري والطبري وياقوت ومكين يكادون يتفقون في إيراد تاريخ الغزوة.

  • (٢)

    فتح الفرما حوالَي ٢٠ يناير سنة ٦٤٠. وقد اتفق ابن بطريق وياقوت وغيرهم على أن المدينة فُتحت بعد حصار شهر واحد.

  • (٣)

    غزوة عمرو لإقليم الفيوم في مايو سنة ٦٤٠. ولا يذكر هذا التاريخَ غيرُ حنا النقيوسي وحده.

  • (٤)

    وصول إمداد العرب في ٦ يونيو سنة ٦٤٠. وهذا مأخوذ من ساويرس، ولكنه مشكوك فيه.

  • (٥)

    وقعة هليوبوليس في يوليو سنة ٦٤٠. وقد تبع ذلك فتح مدينة مصر.

  • (٦)

    بدء حصار حصن بابليون بدأ في سبتمبر سنة ٦٤٠. وهذا يتفق عليه ابن عبد الحكم وابن بطريق (أوتيكيوس).

  • (٧)

    معاهدة قيرس المقوقس التي رفضها هرقل في أكتوبر سنة ٦٤٠.

  • (٨)

    تسليم حصن بابليون في ٩ أبريل سنة ٦٤١. وقد جاء ذكر هذا اليوم في كتاب حنا النقيوسي. وهذا اليوم هو تاريخ «فتح مصر»، أو بعبارةٍ أصحَّ تاريخ فتح مدينة مصر. وأوثق المؤرخين يجعلون ذلك في سنة ٢٠ للهجرة كما ذكر المقريزي، ومن بين هؤلاء الثقاة ابن قتيبة وابن بطريق وياقوت وأبو المحاسن وابن كثير والواقدي وأبو معشر … إلخ. على أنهم لا يتفقون جميعًا في قصدهم من عبارة «فتح مصر»؛ فبعضهم يعني بها فتح حصن بابليون، وبعضهم يقصد بها فتح الإسكندرية، ولكن الطبري يجعل فتح بابليون في ربيع الثاني من سنة ٢٠ للهجرة (٢٠ مارس–١٧ أبريل سنة ٦٤١)؛ وعلى ذلك فهو متفق كل الاتفاق مع ما جاء في كتاب حنا النقيوسي.

  • (٩)

    فتح نقيوس في ١٣ مايو سنة ٦٤١.

  • (١٠)

    الهجوم على الإسكندرية في آخر يونيو سنة ٦٤١.

  • (١١)

    عودة قيرس في ١٤ سبتمبر سنة ٦٤١.

  • (١٢)

    تسليم الإسكندرية في ٨ نوفمبر سنة ٦٤١.

  • (١٣)

    حفر خليج تراجان في شتاء «سنة ٦٤١-٦٤٢».

  • (١٤)

    موت قيرس في ٢١ مارس سنة ٦٤٢.

  • (١٥)

    ولاية خلَف قيرس في ١٤ يوليو سنة ٦٤٢.

  • (١٦)

    إخلاء الروم للإسكندرية في ١٧ سبتمبر سنة ٦٤٢.

  • (١٧)

    غزوة بنطابوليس في شتاء «سنة ٦٤٢-٦٤٣».

  • (١٨)

    عودة بنيامين في خريف سنة ٦٤٤.

  • (١٩)

    ثورة منويل في أواخر سنة ٦٤٥.

  • (٢٠)

    فتح العرب الثاني للإسكندرية في صيف سنة ٦٤٦.

وهذه التواريخ وإن جاءت في ذيل كتابنا قد اضطررنا إلى استخلاصها قبل كتابة هذا التاريخ؛ فإن تسلسُل الحوادث كما هو ظاهرٌ متوقفٌ على البت في أمر هذه التواريخ. ولقد كان ذلك أمرًا عسيرًا، بل هو سلسلة من المشكلات. وقد اضطررنا أن نعرض طريقنا في حلها تفصيلًا، وإنا آسفون للإطالة في هذا المقال، وقد خالفنا المستر بروكس في عدة مواضع ذات شأن من هذه التواريخ التي ذكرناها، ولكنا لا يجمُل بنا أن نختتم هذا القول بغير أن نعود إلى الإقرار بما على الباحثين طرًّا من دَين لأبحاثه وآرائه.

الملحق الخامس: في سن عمرو بن العاص

اختلف مؤرخو العرب بعض الاختلاف في سنة عمرو بن العاص عند موته، على أن اتفاقهم يكاد يكون تامًّا في تعيين تاريخ وفاته؛ فإنه في حكم المسلَّم به أنه تُوفي في يوم عيد الفطر من عام ٤٣ للهجرة، ويُوافق ذلك يوم ٦ يناير سنة ٦٦٤. وقد قيل إن عمره إذ ذاك كان تسعين سنة، وقيل كان ثلاثًا وسبعين، وقيل كان سبعين. ونرى أن الرأي الأخير هو الصحيح، وعلى كل حال لم تكن سنه تسعين سنة.

وقد ذهبنا في حسابنا إلى أن مؤرخي العرب يعدُّون بالسنين القمرية؛ وعلى ذلك فنحن إذا حسبنا عدد السنين اعتبرنا الفرق بين طول السنة القمرية والسنة الشمسية. وقد قال ابن قتيبة (وهو من كُتاب القرن التاسع) عند ذكره عمرو بن العاص (انظر طبعة Wustenfeld، صفحة ١٤٥ وما بعدها) إنه مات وهو في سن الثالثة والسبعين. وذلك في عام ٤٢ أو ٤٣ للهجرة، على أنه يقول إن بعض الرواة يذكر أنه مات سنة ٥١، ثم يقول بعد ذلك إن ابنه عبد الله مات وله من العمر اثنتان وسبعون سنة في سنة ٦٥ للهجرة، وكان أصغر من أبيه باثنتَي عشرة سنة لا أكثر. فإذا أصبح ذلك كان ميلاد عبد الله بن عمرو حوالَي سنة ٦١٥ للميلاد؛ وعلى ذلك يكون ميلاد عمرو في عام سنة ٦٠٣، وتكون سن عمرو عند موته في سنة ٦٦٤ نحو ثلاث وستين سنةً هجرية. ومن ذلك يظهر تناقض ابن قتيبة فيما ذهب إليه. وأما ابن خلكان فيذكر أن سن عمرو بن العاص كانت تسعين سنة، وقد رُوي ذلك عن الواقدي.

ويروي ابن الحجر روايته عن يحيى بن بكير أنه قال إن عمرًا عاش تسعين سنة، ثم قال إن عمرًا كان ابن سبع سنين عندما وُلِد عمر بن الخطاب. واتفق معه السيوطي في ذلك، فقال إن عمرًا مات في سن التسعين في سنة ٤٣ للهجرة. وقد مات عمر بن الخطاب في اليوم السادس والعشرين من ذي الحجة من سنة ٢٣ للهجرة (وذلك يُوافق يوم ٣ نوفمبر سنة ٦٤٤)، وكان عمره إذ ذاك خمسًا وخمسين سنة؛ وعلى ذلك فقد وُلِد عمر حوالَي سنة ٥٩٠ للميلاد. فإذا كان عمرو بن العاص ابن سبع سنين عند مولد عمر بن الخطاب كان ميلاده حوالَي سنة ٥٨٣ للميلاد؛ أي إن عمرًا لم يكن عمره عند موته تسعين سنة، بل كان ثمانين. على أنه قد اختُلف بعض الاختلاف في سنة عمر بن الخطاب عند موته؛ فقد ذكر ابن قتيبة مؤكدًا أن سِنه كانت عند موته خمسًا وخمسين سنة (صفحة ٩١)، ولكنه يروي أن الواقدي روى عن عامر بن سعد أنه مات وله من العمر ثلاث وستون سنة. فإذا نحن قلنا إن عمر بن الخطاب عاش ثلاثًا وستين سنة كان ميلاده حوالَي سنة ٥٨٢ للميلاد، وكان ميلاد عمرو بن العاص حوالَي سنة ٥٧٥ للميلاد؛ وعلى ذلك تكون سن عمرو في سنة ٦٦٤ فوق التسعين بالحساب العربي، وينتج أيضًا أنه كان عند الفتح له من العمر أكثر من أربع وستين أو خمس وستين من السنين الميلادية، وهذا قولٌ مُستبعد جدًّا.

وقال النواوي إن وفاة عمرو كانت حقًّا في يوم عيد الفطر من عام ٤٣ للهجرة، وإنها لم تكن في وقتٍ آخر مما ذكره المؤرخون، وهو يذكر أن سن عمرو عند وفاته كانت سبعين سنة (صفحة ٤٧٨ من طبعة Wustenfeld). ومعنى هذا أن مولد عمرو كان حوالَي ٥٩٥، وأن عمره كان حوالَي أربع وأربعين سنة في وقت فتح مصر.

وبعد، فإن علينا أن نُفصل أحد أمرين، وهما: أن قائد الجيوش العربية وقت الفتح كانت سِنُّه أربعًا وأربعين سنة، أو أنه كان ابن أربع وستين سنة. وإنا نرى بغير البحث الطويل أن الأمر غير مُحتاج إلى شكٍّ كثير؛ فإن روحًا وثَّابة مِقدامة ليس من الممكن أن تكمن في رجلٍ جاوَز منتصف الحياة وبعُد عنه مثل هذا البعد، وليس من القريب إلى التصوُّر أن يكون عمرو قد دخل فيما دخل فيه من فتح مصر وما تلا ذلك من الحوادث في مصر والشام وهو في سن الرابعة والستين؛ فمثلًا لو كان عمرو في سِن التسعين في سنة ٦٦٣ لكان في سن الخامسة والثمانين في وقع صِفين في عام ٦٥٨، والمعروف أنه قد أبلى في تلك الوقعة بلاءً عظيمًا، وأظهر فيها المُدهش من الرأي والعمل. وحسبُنا هذا الدليل وحده لتفنيد العبارة وإظهار سخفها. على أنه من أسهل الأمور أن نكشف عن منشئها؛ فإنه لا شيء أسهل من أن يُخطئ الناقل في العربية عند قراءة سبعين فيجعلها تسعين، وليس شيءٌ أقرب إلى التوقع من أن يُحرَّف لفظ سبعين عند النسخ فيصير تسعين، ويؤيد هذا أن المتأخرين من المؤرخين هم الذين ذكروا العدد الأكبر؛ وعلى ذلك يمكننا أن نبتَّ في الأمر فنقول إن عمرًا مات وهو في سن السبعين.

الملحق السادس: في تواريخ بطارقة القبط بعد بنيامين في القرن السابع

قد اضطرَّتنا معالجة المسائل التي لها علاقة بتاريخ الفتح العربي إلى أن نُشير أحيانًا إلى خلفاء بنيامين، وإن في إثبات تواريخهم لشأنًا يُذكر فيما نحن فيه، وليس أقل هذه المسائل شأنًا إثبات التاريخ الذي كتب فيه حنا النقيوسي كتابه، وإثبات ذلك لا يكون إلا من طريقٍ غير مباشر كما هي العادة، ولكن ذلك الإثبات قائم على الأكثر على إثبات التاريخ الذي تولَّى فيه البطريق إسحاق؛ إذ كان حنا أحد مَن شهدوا الاحتفال بتوليته، وكان إسحاق البطريق الثالث بعد بنيامين، وكان البطريقان المتوسطان بينه وبين بنيامين هما «أجاثو» وحنا السمنودي. ويلوح لنا أنه من الممكن أن نُثبت تاريخ تولية إسحاق على وجه الدقة؛ ولهذا نرى أن خير طريق نسلكه هو إثبات هذا التاريخ، ثم الرجوع منه إلى التواريخ السابقة.

والمرجع الأكبر لنا في استمداد الأخبار هو الكتاب القبطي «حياة إسحاق»، وقد نشره مع ترجمة له العلَّامة أميلنو في كتاب His. du Patr. Copte Isaac، وقد أظهر ذلك الكاتب في مقدمته القيِّمة أن تلك الوثيقة القبطية لا تذكر أن إسحاق تُوفي في التاسع من هاتور (هو يُوافق ٥ نوفمبر، وليس ٦ نوفمبر كما ذكر هناك).

قال الكاتب: «وقد اقتصرت كل الأخبار التاريخية على ذكر ذلك التاريخ، ومعنى ذلك أنها لا تُفيدنا بشيء مُطلقًا.» ولكن مكين يذكر في تاريخه أن تاريخ وفاة إسحاق سنة ٦٩ للهجرة؛ ومن ذلك يستخلص أميلنو أن إسحاق مات في ٦ نوفمبر سنة ٦٨٨. وأما فون جوتشمت فإنه يذكر أن وفاته كانت في الخامس من نوفمبر سنة ٦٩٢.

على أن أميلنو قد أخطأ الصواب؛ إذ قال إن الوثيقة القبطية لا تذكر شيئًا آخر من الأخبار التي تحدِّد التواريخ؛ إذ إنه قد أغفل عبارة لها شأنٌ كبير؛ فقد جاء في تلك الوثيقة (في صفحة ٥٠) أن إسحاق احتفل بولايته في ٨ كيهك، «وكان ذلك يوم أحد»، وهو اليوم اللائق بهذا الاحتفال. ولم يقع يوم ٨ كيهك حوالَي هذا العصر في يوم أحد إلا في سنة ٦٨٤ وسنة ٦٩٠، فأما سنة ٦٨٤ فإنه من المُحال أن تكون هي المقصودة؛ وعلى ذلك فإن إسحاق قد احتفل بتوليته في «٨ كيهك، المُوافق ٤ ديسمبر سنة ٦٩٠»؛ وعلى ذلك فهذا هو التاريخ الذي شهده حنا النقيوسي. وقد قال ساويرس في مدة ولاية إسحاق أقوالًا مختلفة في النسخ المخطوطة المختلفة، فهو يجعلها بين سنتين وتسعة أشهر وبين ثلاث سنوات، ولكنا إذا علمنا أن إسحاق قد مات في ٥ نوفمبر، وإذا قلنا إنه تُوفي في الخامس من نوفمبر سنة ٦٩٣؛ كانت مدة ولايته سنتين وأحد عشر شهرًا، وهي المدة التي ذكرها المقريزي.

وقد يكون من السهل أن نقرأ مقدمة أميلنو كلها، ثم نُظهر السبب في أنه أخطأ الخطأ كله في إثبات تاريخ ميلاد إسحاق؛ إذ يجعل ذلك التاريخ قبل الفتح العربي، ويجعل إسحاق في نحو الثمانية عشرة من عمره في وقت ذلك الفتح (ويذكر أن الفتح كان سنة ٦٤٠)؛ فهو يجعل تاريخ ميلاده سنة ٦٢٢. وقد ساقه إلى هذه النتيجة على الأخص ما ذُكر من أن إسحاق كان في صباه مُلحَقًا بقريب له اسمه Meneson، وكان هذا القريب ناموسًا لجورج حاكم أرض مصر ⲛⲭⲁⲣⲧⲟⲗⲁⲣⲓⲟⲥ ϧⲁ ⲣⲁⲧϥ ⲛⲋⲉⲱⲣⲋⲓⲟⲥ ⲉϥⲟⲓ ⲛⲉⲡⲁⲣⲭⲟⲥ ⲉϯⲭⲱⲣⲁ ⲛⲧⲉ ⲭⲏⲙⲓ. وهذا اللقب عجيب؛ إذ إنه يُظهر كيف بقيت الألقاب اليونانية مستعملة في مصر بعد الفتح العربي. ولسنا نشكُّ لحظةً في أن تلك الألقاب قد بقيت في مصر بعد ذلك الفتح؛ فقد جاء في الوثيقة عينها ذكر عامل بلقب Augustal، صفحة ٧٣، وأنه كان متصلًا اتصالًا مباشرًا مع «ملك العرب» (عبد العزيز)، وقد ذُكر اسمه قبل ذلك ببعض صفحات (صفحة ٤٣ و٦٤)؛ فوجود هذا اللقب على ذلك لا يدل على أن إسحاق قضى صباه تحت حكم الروم. والحق أنه قد ثبت أنه هرب في الصحراء وكان بعدُ لا يزال في سِن الصِّبا، وكان ذلك بعد الفتح؛ إذ إنا نجد أهله بعد ذلك بقليل يستشيرون بطريقًا قبطيًّا في الإسكندرية في أمره.
وليس من الممكن أن يكون هذا قد وقع بين سنة ٦٣١–سنة ٦٤٤؛ إذ لم يكن ثَمة في الإسكندرية بطريقٌ قبطي وقتئذٍ، كما أنه ليس من الممكن أن يقع هذا قبل سنة ٦٣١؛ إذ قد ذُكر عنه عقب هروبه أنه حادَث قسيسًا من قسوس الريف. وقد جاء في ذلك الخبر (في صفحة ١٢): «أنه قد شهد الكثيرون أن ذلك القس كان من القديسين أهل الإيمان، وأنه كان ممن أُحضرَ بين يدَي قيرس فحكم عليه بأن يُجلَد عدة جلدات لأنه أظهر إيمانه.»١١ وهذا القول يدل على أن مدة الاضطهاد الذي أنزله قيرس كانت قد انقضت، وهي بين سنة ٦٣١–سنة ٦٤١؛ وعلى ذلك فإن لجوء أهل إسحاق إلى البطريق كان ولا بد بعد سنة ٦٤٤؛ وعلى ذلك نقول إن البطريق كان بنيامين.
وليس ثَمة من دليلٍ يدل على تاريخ لجوء أهل إسحاق إلى البطريق، وفي أي عشرة من عشرات السنين كان، ولا ندري أكان حوالَي سنة ٦٥٠، أو حوالَي سنة ٦٦٠، أو حوالَي سنة ٦٧٠. على أننا نميل إلى ترجيح التاريخ الأول؛ وذلك لأننا نهتمُّ أكبر الاهتمام بالعبارات المُتكررة التي تنصُّ على صبا إسحاق إذ ذاك. ونحن في ذلك نُخالف ما ذهب إليه أميلنو؛ فإنه مثلًا لا يجد صعوبة في تأويل معنى Jeune Garçon «صبي صغير» على أنه كان رجلًا متوسط السن، مع أن هذا اللفظ قد ورد نقيضًا للفظ «الهرم» (صفحة ٢٥-٢٦). فإذا ذهبنا إلى أن ذلك التاريخ المقصود كان حوالَي سنة ٦٥٧، كان ميلاد إسحاق إلى سنة ٦٤٠، وكانت سنه عند وفاته ثلاثًا وخمسين سنة، وكان البطريق الذي استعمله ناموسًا مدة من الزمن بغير شك البطريقَ «أجاثو»، مع أن البطريق الوحيد الذي ذكر حنا النقيوسي اسمه هو «حنا السمنودي»، صفحة ٤٢، وهو الذي رشَّح إسحاق لولاية الدين بعده. ويجدر بنا أن نزيد على هذا أن أميلنو إذا كان مُصيبًا فيما ذهب إليه من ترتيب التواريخ، أي إن ميلاد إسحاق كان في سنة ٦٢٢، فإن مدة الاضطهاد الأكبر، وهي بين سنة ٦٣١ وسنة ٦٤١، تقع إذ كانت سن إسحاق بين التاسعة والتاسعة عشرة، ولكنا قدَّمنا أنه لم يكن للقبط إذ ذاك بطريق في الإسكندرية كما يستلزمه ذلك الخبر، في حين أننا إذا ذهبنا كما فعلنا إلى أن مولد إسحاق كان حوالَي سنة ٦٤٠، وأنه هرب إلى الصحراء حوالَي سنة ٦٥٧؛ استوى لنا القول وأصبح طبيعيًّا؛ فإن بنيامين قد عاد إلى الإسكندرية قبل ذلك بثلاث عشرة سنة، وكانت هذه المدة في الحقيقة أكثر مدة صبا إسحاق.

وبعد أن أثبتنا تاريخ الاحتفال بولاية إسحاق وموته، نقول إن سابقه حنا السمنودي تُوفي في أول كيهك (٢٧ نوفمبر) من إحدى السنين بعد أن ولي أمر الدين تسع سنين؛ وعلى هذا تكون وفاته في ٢٧ نوفمبر سنة ٦٩٠، ولكن ذلك لو صحَّ لوجب علينا أن نسلِّم أن الاحتفال بتولية إسحاق حدث بالضبط بعد أسبوع من موت سلفه، في حين أن تاريخ حياته القبطي يحتوي على ذكرٍ مفصَّل لِما وقع من الخلاف في المدة التي كانت ولاية الدين فيها شاغرة بعد موت سلفه، وما وقع من المَسعى لتولية رجل آخر اسمه «جورج»؛ إذ ادَّعى أنه هو الذي وقع عليه الاختيار الصحيح. على أن كبير الشمامسة أمر ألا يُولَّى «جورج» حتى جاء أمرٌ من قِبل الحاكم العربي، فاجتمع الأساقفة عنده في بابليون ليعرضوا عليه الأمر، فلما فحص تاريخ «جورج» في حياته الماضية وجد أنه لم يكن على ما يجب أن يكون عليه. وقد جاء الناس من جميع البلاد ليسمعوا حكم «عبد العزيز» في ذلك الأمر، فلما حكم بما أرادوا من إحقاق أمر إسحاق طربوا ورقصوا جميعًا، وعمَّ السرور البلاد من بابليون إلى الإسكندرية (صفحة ٤٤–٤٩). ومن الجلي أن ذلك لا بد يحتاج إلى وقتٍ طويل؛ فنحن مُضطرون إلى القول إن وفاة حنا السمنودي كانت في أول كيهك (٢٧ نوفمبر) سنة ٦٨٩، مع أننا نقول إن الاحتفال بتولية إسحاق كان في ٨ كيهك سنة ٦٩٠، أو بقولٍ آخر إن ولاية الدين بقيت شاغرةً مدة عام. وهذا الاستنتاج يؤيده ما جاء في الديوان الشرقي؛ إذ جاء فيه أن حنا مات في أول كيهك، وكان ذلك يوم السبت. وقد رأينا أن يوم ٨ كيهك كان في سنة ٦٩٠ يوم أحد، فيكون أول كيهك من ذاك العام يوم أحد أيضًا، ولكن أول كيهك كان يوم السبت كما هو المطلوب في عام سنة ٦٨٩.

فإذا نحن حسبنا مدة ولاية حنا تسع سنين، رجع بنا الحساب إلى أن أول تلك الولاية كان في سنة ٦٨٠، وقد مات سلفه «أجاثو» في ١٣ أكتوبر؛ وعلى ذلك يكون الاتفاق قريبًا كل القرب بين حسابنا والتاريخ المذكور. وكانت وفاة أجاثو في ١٣ أكتوبر سنة ٦٨٠ بعد أن ولي أمر الدين مدة تسع عشرة سنة كما جاء في الأخبار، ولكنا رأينا أن وفاة بنيامين كانت في ٨ طوبة (وذلك يُوافق ٣ يناير سنة ٦٦٢)، والمدة بين التاريخين ثماني عشرة سنة وعشرة أشهر تنقص قليلًا، وذلك تقريبٌ شديد القرب؛ وعلى ذلك نرى أن حساب التواريخ يتفق بعضه مع بعض اتفاقًا وثيقًا.

وإنا نستطيع الآن أن نُورِد التواريخ مرتَّبة، وقد كان جُل اعتمادنا فيها على ما جاء في كتاب ساويرس. وقد راجعناها على ما جاء في تاريخ حياة إسحاق وسوى ذلك من المراجع، فاتفقت اتفاقًا عظيمًا يجعلنا نستبعد احتمال الخطأ فيها. وقد اتفق فون جوتشمت معنا فيما أثبتناه من تواريخ وفاة بنيامين وأجاثو، ولكنه يُخالفنا في تاريخ وفاة حنا السمنودي، فيجعلها في ٢ مايو سنة ٦٨٩ (Kleine Schriften II، صفحة ٥٠٠).

ولكن ذلك لا يعتمد على مرجع كافٍ، وهو فوق ذلك يجعل الاحتفال بتولية إسحاق في فبراير سنة ٦٩٠، ووفاته في ٥ نوفمبر سنة ٦٩٢، ولكن هذين التاريخين قد ظهر فسادهما مما جاء في تاريخ حياته القبطي؛ فالتواريخ الحقيقية على ما يلوح لنا هي الآتية:

البطريق تاريخ التولية مدة الولاية تاريخ الوفاة
(١) بنيامين يناير سنة ٦٢٣ ٣٩ سنة ٣ يناير سنة ٦٦٢
(٢) أجاثو يناير سنة ٦٦٢ ١٩ سنة ١٣ أكتوبر سنة ٦٨٠
(٣) حنا السمنودي أكتوبر سنة ٦٨٠ ٩ سنوات ٢٧ نوفمبر سنة ٦٨٩
ثم جاءت مدة سنة بقيت فيها الولاية شاغرة.
(٤) إسحاق ٤ ديسمبر سنة ٦٩٠ ٣ سنوات ٥ نوفمبر سنة ٦٩٣
(٥) سيمون يناير سنة ٦٩٤ سنوات ١٨ يوليو سنة ٧٠١

ويمكن أن تقرأ التواريخ الخاصة بسيمون والسبب الذي من أجله تأخَّرت توليته في كتاب «رينودوه».

الملحق السابع: وفيه بحثٌ جديد للمؤلف في شخصية المقوقس

لم تزَل النفس غير قانعة بما قيل في المقوقس وشخصيته، وكل ما جاء في مؤلفات العرب والفرنجة خاصًّا لا يزيد النفس إلا تساؤلًا؛ فلا تزال حقيقته وصفته واسمه مجالًا لمختلف الأقوال، غير أن مؤلف هذا الكتاب الدكتور بتلر قد وُفق لحسن الحظ إلى حل أكثر غوامض هذا الأمر، وهو الجزء المتعلق بإثبات أن المقصود بالمقوقس في وقت غزو العرب لمصر هو «قيرس» بطريق الإسكندرية الملكاني، الذي جمع له هرقل ولاية الدين وجباية الخراج بأرض مصر، وقد تردَّدت المُكاتبة بين المترجم والمؤلف بهذا الشأن، وظهر من أثنائها أن أكبر المُعارضين لرأي المؤلف في شخصية المقوقس كان الأستاذ «استانلي لين بول»؛ إذ كان له رأيٌ آخر، وهو أن المقوقس لم يكن سوى حاكم الإقليم الشرقي من مصر، غير أنه عاد عن رأيه ومُعارضته للدكتور بتلر على أثر بحث قيِّم طبعه في سنة ١٩١٢، وهو The Treaty of Misr in Tabary.

قال مؤلف الكتاب في أحد كتبه للمترجم إن الأستاذ «استانلي لين بول» عندما قرأ ذلك البحث عاد عن رأيه، وأرسل إليه يُعلن صراحةً أنه قد رجع عن رأيه في المقوقس، وأنه آمن بما قال به الدكتور بتلر. ولم يكن على الأستاذ «استانلي لين بول» في ذلك من غضاضة؛ فشيمة العلماء حب الحقيقة وحب الرجوع إليها، لا تأخذهم في ذلك عصبية لرأي.

وقد أشار المؤلف على مترجم هذا الكتاب أن يُلحِق بآخره مُلحَقًا جديدًا يضمِّنه الفصل الذي جاء في بحثه الأخير عن المقوقس، وهو عبارة عن خطابٍ نقدي موجَّه خاصةً إلى الأستاذ «لين بول»، قارع المؤلف فيه بالحجة الدامغة حتى أظهر حقيقة المقوقس، وأنه لم يكن سوى «قيرس».

على أنه لا تزال سُحبٌ من الشك تحُوم حول نواحٍ أخرى من ذلك الموضوع، فما معنى المقوقس؟ وهل كان لقبًا خاصًّا لقيرس أم كان لقبًا لحاكم مصر؟ وما كان اسم ذلك الحاكم؟ ولماذا سُمي جريج بن مينا أو ابن قرقب أو ابن فرقب؟ وهل أُطلقَ لقب المقوقس على سوى قيرس؟ وإذا كان كذلك فمن الذي أُطلقَ عليه اللقب قبل قيرس؟ ومن الذي أُطلقَ عليه بعده؟ كل هذه أسئلة لا تزال الإجابة عنها تحتاج إلى بحث. على أننا إذا لم نستطع أن نُجيب عن هذه الأسئلة إجابةً باتَّة، فإنا نستطيع أن نلمِّح إلى مذاهب الباحثين فيها.

وقد رأينا أن نلخِّص بحث المؤلف الذي سبق لنا ذكره، حتى إذا ما أوجزنا تلخيصه ترجمنا الجزء الخاص بالمقوقس بنصه؛ إذ هو المقصود من ذلك البحث.

ويتلخص ذلك البحث في معالجة المسائل الآتية:
  • (١)

    البحث في وقت «معاهدة مصر» ومكانها.

  • (٢)

    البحث فيمن كانا طرفَي هذه المعاهدة.

  • (٣)

    البحث في معنى المعاهدة.

  • (٤)

    البحث في مبلغ صحتها.

  • (٥)

    البحث في شخصية المقوقس.

البحث في وقت «معاهدة مصر» ومكانها

كان للمؤلف رأيٌ ذهب إليه في كتابه هذا «فتح العرب لمصر»، وهو أن المعاهدة التي يُسميها مؤرخو العرب «معاهدة مصر» لم تكن في الحقيقة معاهدةً عُقدت في مصر، بل كانت «معاهدة الإسكندرية»، ولكنه في رسالته الأخيرة التي سمَّاها باسم هذه المعاهدة، وهي «معاهدة مصر في كتاب الطبري»، عدل عن رأيه السابق، وسلَّم بصحة ما ذهب إليه الطبري من أن تلك المعاهدة إنما كانت في مصر. غير أن المؤلف يحتفظ برأيٍ خاص في المكان الذي عُقدت فيه، فيقول إنها لم تكن المعاهدة التي عُقدت عند تسليم حصن بابليون (قصر الشمع)، بل هي إما أن تكون المعاهدة التي عُقدت عند فتح مدينة مصر (قبل سقوط الحصن)، وإما أن تكون المعاهدة التي تفاوَض المقوقس مع عمرو في عقدها في أول حصار الحصن، ولكن الإمبراطور هرقل رفضها ولم يرضَ بها. ويذهب المؤلف إلى أن الرأي الأول هو الأقرب إلى الحقيقة في نظره.

البحث فيمن كانا طرفَي هذه المعاهدة

ناقش الدكتور بتلر رأي من يقولون إن المعاهدة كانت بين العرب من جانب وبين القبط من جانبٍ آخر، وخرج من بحثه على أن المعاهدة إنما كانت بين رجال الدولة الرومانية بمصر من جانب والعرب من الجانب الآخر، وأن رجال الدولة الرومانية بمصر كانوا يتعاقدون مع العرب عن أهل مصر جميعًا، سواء في ذلك القبطي والرومي واليهودي وسوى هؤلاء؛ إذ كانت المعاهدة بين طرفَين مُتحاربين، وكان الجيش المُدافع عن مصر جيش الدولة الرومانية، وأما القبط فلم يكونوا أصحاب الدولة والجيش والحصون.

البحث في معنى المعاهدة

ليس في هذا البحث تعليق على موضوع من موضوعات كتابنا بزيادة أو نقص أو تعديل؛ ولهذا آثرنا تركه.

البحث في صحة المعاهدة

استعرض المؤلف رأيين متناقضين؛ الأول: رأي الدكتور «لين بول»، وهو يؤمن بما يقوله الطبري إيمانًا لا شك فيه. والثاني: رأي «ولهاوزن» و«كايتاني». وأولهما يشكُّ في كل ما رواه «سيف» رواية الطبري، وثانيهما يرى أن معاهدة مصر على وجه الإجمال مشكوك فيها. ثم أبدى المؤلف بعد ذلك رأيه الشخصي إذ قال: «ولعل الصواب بين هذين الرأيين المُغاليين.» وجعل يُبين أن المعاهدة إذا كانت صادقة فموضعها ليس عند تسليم حصن بابليون (قصر الشمع) كما يقول الطبري (وكان ذلك في ٩ أبريل سنة ٦٤١)؛ لأن هرقل كان عند ذلك قد مات، ولم يكن المقوقس في مصر. وخلص من بحثه إلى أن تلك المعاهدة «في مجملها صحيحة، ولكن تعيين موضعها الحقيقي في التاريخ من أصعب الأمور»، ثم انتهى بعد ذلك كما سبق إلى أن المعاهدة «إما أن تكون المعاهدة التي كانت في شهر أكتوبر في وقت فيضان النيل، وهي المعاهدة التي رفضها الإمبراطور، وإما أن تكون المعاهدة التي تمَّت عند تسليم مدينة مصر».

البحث في شخصية المقوقس

لا حاجة بنا إلى الاعتذار عن ترجمة كل حجة المؤلف في هذا الباب كما أسلفنا، وعلى هذا ندع الكلمة للمؤلف:

قد سبق أن تكرَّر في بحثنا هذا اسم المقوقس في عُرْض الكلام عن طرفَي المعاهدة، ولم نخرج عن قولنا عند ذلك للكلام عن شخصيته، ولكن الدكتور «لين بول» قد تحدَّى مذهبنا الذي ذهبنا إليه من أنه هو «قيرس» البطريق الإمبراطوري وحاكم مصر من قِبل الدولة الرومانية. وقد آن لنا أن نُناظره ونُقابل تحدِّيه. وقد قبِل كثيرون من صفوة العلماء في أوروبا وفي مصر رأينا في المقوقس، وإن لم يقبلوه كله فقد قبِلوا منه جانبًا، ولكنا لا نريد أن نحتمي بظلِّهم، ولا أن نقول إن رأيهم أرجح وزنًا في نظرنا من انتقاد الدكتور «لين بول»؛ ولهذا نرى أن نصمد لرأيه فنفحصه. قال الدكتور «لين بول» ما يأتي بعد أن عرض أدلَّتي التي أخذتها عن مؤلفات القبط، وهي «كتاب ساويرس، وتقويم حياة القديسين، وحياة صمويل القلموني»، قال:

«فإذا ذهبنا إلى أن ترجمة هذه النصوص صحيحةٌ دقيقة، وإذا قلنا إن هذه النسخ المخطوطة، وأكثرها مُتأخر العهد، منقولة نقلًا صحيحًا عن الوثائق الأصلية الأولى التي يُعتمد عليها، وليس لي أن أقول في هذا الأمر رأيًا، إذا سلَّمنا بذلك كله خرجنا على أن هذه النصوص مُجتمعةً تدل على أن قيرس والمقوقس كانا في نظر هؤلاء الكُتاب شخصًا واحدًا، وهذا رأي لا يكاد يُنازع فيه أحد، غير أن دوننا سؤالًا واحدًا وهو: هل كان هؤلاء الكُتاب ممن يُعتمد على قولهم؟»

وقال: «وكل المسألة تدور حول قطب واحد، ألا وهو مقدار تصديق كاتبين أو ثلاثة من كُتاب القبط من جهة وسلسلة مؤرخي العرب من جهةٍ أخرى. وإنا إذا لم يكن لدينا غير هذه النصوص القبطية والأثيوبية لكان من المحتمل أن نقول إن البرهان قد تم على أن شخص المقوقس هو قيرس، ولكنا إذا نظرنا إلى سلسلة كتب المؤرخين من العرب، تلك السلسلة الطويلة التي لا يزال بعضها باقيًا، في حين أن بعضها ضاع ولم يبقَ منه إلا ذكره فيما تخلَّف من الكتب الباقية، وإذا رأينا أن تلك السلسلة لا توجد في أي فرد منها أقل إشارة إلى أن المقوقس هو قيرس، إذا رأينا ذلك لم يسعنا إلا أن نرى دليلهم قاطعًا ولو أنه دليلٌ سلبي؛ إذ كيف لا يذكر واحد من هؤلاء المؤرخين أن المقوقس كان قسيسًا، بل رئيس أساقفة؟ ولمَ يُسمُّونه باسم «جريج بن مينا» أو «ابن قرقب» إذا كان اسمه الحقيقي قيرس؟ ولمَ يذكر أبو صالح أن هرقل جعل على مصر «جريج بن مينا المقوقس»؟ وأبو صالح كاتبٌ مسيحي كتب حوالَي سنة ١٢٠٠ للميلاد، ولم نرَه ينقل عن كتاب «الجناح» أن أسقف الروم في مصر والإسكندرية كان اسمه قيرس؟ وكيف لا نجد مؤرخًا ممن كتب عن مصر، سواء أكان مسلمًا أم مسيحيًّا، يذكر صراحةً أن لفظ المقوقس كان لقبًا أو نعتًا نُعت به البطريق المقوقس؟»

وقد أطلنا في إيراد هذه النُّبذ لأنَّا حريصون على أن نعرض حجة الدكتور «لين بول» عرضًا تامًّا لا مُواربة فيه ولا مُواراة. فمجمل قوله إذن أنه يريد أن يجرح الدليل الذي أخذناه عن الموارد القبطية بأن يُورِد دونها نتائج سلبية مِن كتب العرب، ويصل إلى تلك النتائج من سكوت هذه الكتب وإغفالها وخلطها في ذلك الموضوع.

فلنبدأ بذكر المؤرخين العرب؛ فإن ذلك الدليل السلبي المتَّخَذ من سكوتهم له قيمةٌ كبرى في البرهان، ولكنه لا يدل على أكثر من أن المؤرخين العرب ليس لديهم عن هذا الأمر شيءٌ سوى شك وخلط، وأنهم في ذكرهم لأخباره يُبْدون أكبر الاضطراب والتناقض، وليس خلطهم في ذكر الأخبار إلا نتيجة لاختلاط الأمر عندهم واستغلاقه عليهم. ولئن كان ثَمة شيءٌ مؤكد فهو أن مؤرخي العرب تلقَّفوا المقوقس سماعًا أو روايةً نقله بعضهم عن بعض بغير أن يفهموا له معنًى، وأن الاسم بقي بينهم دون سواه، واختلط عليهم الاسم الحقيقي للشخص الذي كان يُلقَّب به، فحسبوا ذلك لقبًا مُبهَمًا أصله غير عربي يُطلَق على حاكم مصر. فهم يُسمُّون حاكم مصر في زمن النبي المقوقس، ويُسمُّون حاكمها في زمن الفتح المقوقس. ولا يهمُّنا كثيرًا فيما نحن بصدده من الحجة أن نبحث في أول ما استعمل العرب ذلك اللقب له؛ أأطلقوه على حاكم مصر في وقت رسالة النبي، ثم أطلقوه بعد ذلك من باب التوسع والتمثيل على حاكم مصر في زمن الفتح، أم قد سمعوه (كما نظن نحن) أولًا في زمن الفتح ثم أطلقوه خطأً على الحاكم الذي جاءته رسالة النبي؟ وعلى أي حال فقد كان ذلك اللقب يُطلَق على العامل على مصر من قِبل إمبراطور الروم؛ أي على الحاكم العام لمصر.١٢ على أن الدكتور «لين بول» عندما رأى ما ينبني على التسليم بهذا الأمر حاوَل أن يتخلص من ذلك على النحو الآتي:

قال: «هذا هو الدليل الإيجابي للدكتور بتلر؛ فإن الاتفاقات التي يبني عليها حكمه أيضًا هي أن قيرس من جهة والمقوقس من جهةٍ أخرى كان كلاهما حاكمًا على مصر من قِبل هرقل، وأن مؤرخي اليونان وحنا النقيوسي كلاهما يذكرون أن قيرس صالَح العرب، وأن مؤرخي العرب يذكرون أن المقوقس صالَح العرب، ولكن هذه الاتفاقات يمكن أن نُفسرها تفسيرًا آخر بأن المقوقس كان حاكمًا تابعًا قام بمصالحة العرب، وأن قيرس البطريق والحاكم الأعلى أقرَّ ما قام به تابعه، وبعث بذلك إلى الإمبراطور.»

فأنت ترى أنه أراد أن يتحاشى أن يقول إن المقوقس كان هو قيرس عينه، فلجأ إلى أن قال إنه لم يكن بالحاكم الأعلى على مصر، بل كان حاكمًا تابعًا. وقد مضى في رأيه هذا فخلص إلى نتيجة، وهي: «ولا يدلنا ما نجد من الأدلة في تواريخ العرب إلا على أن المقوقس قد يكون تيودور، لا يقف في سبيل ذلك إلا الاسم.» ويقصد بتيودور حاكم الإسكندرية الحربي. وفي الحق أن المقوقس إذا كان هو تيودور فإنه لا يكون «جريج بن مينا»، والحقيقة أن اسم «جريج بن مينا» لا يُناسب شخصًا من أشخاص هذا التاريخ العجيب المليء بالحوادث، ولا يتفق مع نظرية من النظريات التي أقيمت لتوضيحه، ويجب أن نعدَّه اسمًا مغلوطًا.١٣ فلنمضِ الآن إلى فحص أقوال مؤرخي العرب لنرى بأي وصف يصفون المقوقس، ولنبدأ بالطبري؛ فلا يُنكر أحدٌ أنه يُفرق في رواية من رواياته بين المقوقس وبين جاثليق مصر، فلننظر فيما هو المقصود من لفظ جاثليق مصر، فهو لفظ لا يُطلِقه أحد إطلاقًا صحيحًا على عظيم من عظماء رجال الكنيسة، ولم يستعمله أحد لذلك المعنى؛ فهو اصطلاحٌ أرمني أو سوري أو نسطوري. وقد عرفه الطبري في طبرستان أو في بغداد، ثم أطلقه خطأً في مصر، ولا شك في أن معناه «المترانوس»، ولكن ليس من اللازم أن يُقصد به البطريق. وفوق ذلك قد رأينا أن لفظ مصر له مدلولان؛ إما قُطر مصر وإما مدينة مصر؛ وعلى ذلك فجاثليق مصر قد لا يكون معناه سوى «مترانوس مدينة مصر»، في حين أن الدكتور لين بول وسواه يُفسرونه عادةً تفسيرًا غير ممكن؛ إذ يجعلون معناه «بطريق القُطر المصري». وإنه من المحتمل أن يكون قد وُجد بمدينة مصر «مترانوس» غير بطريق القُطر كله؛ فإنه من المعروف أنه قد كان لمدينة مصر أسقف، وقد ورد اللقب كثيرًا في التاريخ القبطي، وقد كان في بابليون أسقف، وهو أسقف حصن بابليون، وكان في منفيس أسقف، وفي حلوان أسقف، وقد كان أسقف مصر مقدَّمًا على سائر أساقفة ذلك الإقليم، وكان لقب «مترانوس» يُطلَق فوق ذلك على أسقف دمياط. وإنه من العسير أن نتصوَّر أن أسقف مصر — وقد كانت العاصمة الثانية بعد الإسكندرية — يكون أقل شأنًا وأحطَّ مقامًا من سواه، وذلك إذا لم يكن «مترانوس». ويجمُل بنا أن نذكر هنا أننا نرى أنه من المُحال أن يُقال بطريق مصر؛ لأن هذا يكون لقبًا غير ممكن الوجود؛ فقد كان البطريق يُقال له «بطريق الإسكندرية»، ولم يُطلَق عليه غير ذلك اللقب أبدًا، ولم يُذكر مرةً لقب «بطريق مدينة مصر» أو «بطريق القطر المصري». وإنا إذا استعملنا ذلك اللقب كنا في الخطأ كمن يذكر في بلاد الإنجليز «كبير أساقفة إنجلترا».١٤ ولقب «مترانوس مصر» ليس مُستمدًّا من الظن والحدس؛ إذ قد وجدناه مستعملًا حوالَي سنة ٧٥٠ للميلاد؛ إذ وُصف رجلٌ اسمه تيودور بأنه كان «المترانوس أسقف مصر».

فإذا نحن ذهبنا مع هذا الرأي زالت من أمامنا كل الصعاب التي نشأت من التمييز بين الجاثليق والمقوقس؛ فقد كانا شخصين متفرِّقين، ولم يقُل أحدٌ مرةً إن أسقف مصر كان هو المقوقس. وكذلك إذا اتبعنا ذلك الرأي زالت الصعوبة النائشة من اسم «أبي مريام»؛ فإنا لا نقول عند ذلك إن هذا الاسم غير ممكن — وهذا خطأٌ وقعنا فيه، واتبعنا فيه الدكتور لين بول — بل نكتفي بأن نقول إن وجود هذا الاسم في الموضع الذي يُذكر فيه مشكوك في صحته، ويصحُّ لنا أن نُنبه إلى أمرٍ نظنُّ أنه لم يتنبه له أحد من قبل، وذلك أن هذا الاسم يُطلَق على المسيحي الذي أسلم في بلهيب، كما ذكره الطبري في روايته عن أخبار تسليم الإسكندرية؛ إذ قال إن اسمه عبد الله عبد الرحمن أبو مريام. ولا شك في أن الاسمين الأولين إضافتان من المسلمين على الاسم الأصلي؛ فذلك الاسم على ذلك ممكن. غير أن إطلاقه على «أبي مريام المترانوس» و«أبي مريام الأسقف»، ثم «أبي مريام الذي أسلم»، نقول إن إطلاقه على كل هؤلاء دليلٌ قاطع على الخلط الذي لا يمكن معه التأكد من تلك التسمية. على أننا إذا قلنا إن أسقف مدينة مصر وأسقفًا آخر هما اللذان قابلا عمرًا، لم يكن في ذلك شيءٌ يتعارض مع رأينا في معنى عبارة الطبري؛ فإنها تُفيد أنهما قد أُرسلا من قِبل المقوقس ثم عادا إليه. والحق أن هذا التفسير يتفق مع رأينا اتفاقًا حسنًا.

وقبل أن ننتقل من القول في عبارة الطبري يجب علينا أن نُنبه إلى تناقض في قوله؛ فبَيْنا هو يقول في رواية إن عمرًا عندما جاءه الزبير مُمدًّا قابله أبو مريم وأبو مريام وقاتلاه، إذا به يقول في روايةٍ أخرى إن عمرًا والمقوقس الْتَقيا في عين شمس والْتَحم جيشاهما في القتال. ولسنا نرى موضعًا للشك في أن هاتين العبارتين تُشيران إلى حادثةٍ واحدة، وهذا مثل من الأمثلة التي تدل على ضرورة درس روايات الطبري مفردة، ثم قرن بعضها إلى بعض ودرسها معًا. فإذا سلَّمنا بأن الحادثة المقصودة واحدة، وأن رواية من الروايتين تُشير إلى أن جاثليق مصر هو الذي قابَل عمرًا، ثم أعقب ذلك وقعة عين شمس، وأن الثانية تُشير إلى أن المقوقس هو الذي فعل ذلك؛ أمكن أن نقول إن المقوقس هو جاثليق مصر، وأن ذلك الجاثليق قد يكون جاثليق القُطر المصري؛ أي إنه قد يكون هو البطريق قيرس. وإذا صحَّ ذلك كانت الرواية التي تُميز قيرس وتجعله شخصًا آخر غير المقوقس روايةً مُخطئة. ويجب أن نذكر أنه لا يصحُّ أن نثق بمختلف الروايات ثقةً مُتساوية إذا كانت رواياتٍ مُتناقضة، فيجب علينا أن نُميز بينها ونُوازن بين دلالاتها لنرى أيها أوثق وأصدق.

وإن قول الطبري إذا فسَّرناه على وجهه يتفق مع رأينا الذي نريد البرهان عليه، لا، بل إنه يُعززه ويدعمه. ويصحُّ لنا أن نزيد هنا أننا لا نجد كلمةً واحدة في تاريخه تُشير تلميحًا أو تدل صريحًا على أن المقوقس كان تابعًا من أصاغر العمال في الدولة.

والآن فلننظر إلى المؤرخين الآخرين لنرى إذا كان أحدهم يُعزز حجة الدكتور «لين بول»؛ فقد جاءت في تاريخ ابن عبد الحكم (حوالَي سنة ٨٥٠ للميلاد) عبارةٌ ذات شأن، ونرى بحسب علمنا أنه لم يلتفت إليها أحد في هذا الصدد؛ فقد جاء فيه قوله: «فوجَّه هرقل ملك الروم المقوقس أميرًا على مصر، وجعل إليه حربها وجباية خراجها، ونزل الإسكندرية.» فما معنى هذا القول سوى أنه كان الحاكم الأعلى بمصر؟ وإذا كان ابن عبد الحكم يذكر أن المقوقس كان على جباية الخراج في مصر، فقد ذكر ذلك أيضًا سعيد بن البطريق (٨٧٦–٩٣٩)، كما أن قوله هذا يُوافق ما جاء في وثيقةٍ قبطيةٍ متخلفة من القرن السابع، وفيها ذكر زيارة «المقوقس البطريق الكاذب» لدير القلمون، وفيها يوصف ذلك البطريق بأنه «مُراقب الخراج في أرض مصر». ولا شك في أن هذا الدليل ذو خطرٍ عظيم. وقد ذُكرت هذه الحادثة عينها في النسخة العربية من التقويم القبطي لحياة القديسين؛ فقد جاء فيه صراحةً أن الشخص الذي حاول أن يجعل صمويل يعترف بالعقيدة الخلقيدونية أو الملكانية كان اسمه المقوقس. وهذا دليلٌ واضح على أن لفظ ⲡⲕⲁϫⲭⲓⲟς هو الأصل القبطي للفظ «المقوقس». وفوق ذلك جاء في وثيقةٍ مخطوطةٍ أخرى وصف «البطريق» بعد اسم المقوقس؛ وعلى ذلك فقد قام الدليل من هاتين الوثيقتين القبطيتين على أن الشخص الذي كان مُراقبًا للخراج في مصر هو المقوقس كما قال ابن عبد الحكم، وكذلك كان هو البطريق الملكاني وكبير الأساقفة؛ أي قيرس.
ولكنا نجد فوق ذلك اتفاقًا آخر يسترعي النظر بين ابن عبد الحكم ومؤرخٍ آخر مستقل عنه؛ فقد ذكر المؤرخ العربي عبارتين عن المقوقس؛ إحداهما تنصُّ على عمله الحربي، والأخرى تنصُّ على عمله في جباية الأموال. فأما فيما يخصُّ جبايته للمال فلدينا دليلٌ واضح يُعزز ذلك في وثيقةٍ قبطية، وأما فيما يخصُّ عمله الحربي فإنا مُورِدون هنا تعزيزًا عجيبًا نأخذه من وثيقةٍ سريانية تخلَّفت من القرن السابع، ولم يمضِ على كشفها إلا زمنٌ قصير، ألا وهي «الديوان المجهول الكاتب» Chronicon Anonymum، وقد ترجمها وعُني بنشرها الأستاذ جويدي، وطبعها بين مجموعة الدواوين الصغرى Chronica Minora، وكانت كتابتها في القرن السابع بُعَيد فتح العرب لمصر، وقد جاء فيها أن العرب قد عاقَهم عن الفتح في أول الأمر أن حدود مصر كان يُدافع عنها جيشٌ قوي كبير حشده بها بطريق الإسكندرية. وهذه العبارة إذا سمعها الإنسان أول مرة أنكرها ولم يكد يُصدقها إذا هو سمعها وحدها، فأنى لبطريقٍ أن يُدبر هذه الأمور الحربية المحصَّنة؟ ولكن إذا عرفنا أن البطريق كان عند ذلك قيرس، ولا يُنكر أحدٌ أنه قد كان، وإذا كان قيرس هو المقوقس؛ كانت عبارة هذه الوثيقة السريانية القديمة متفقةً كل الاتفاق مع وصف ابن عبد الحكم لحاكم مصر، وأنه كان صاحب الحرب المُطلَق فيها.

حسبُنا هذا من ابن عبد الحكم، ومن الواضح أنه لا يستطيع أحدٌ أن يُنكر أنه يذكر أن المقوقس أرسله هرقل إلى مصر، وجعل له حربها وجباية خراجها، ولا يمكن أن يكون هذا وصف عامل تابع من الأوساط. وقد قام البرهان على أن قول هذا المؤرخ العربي قد عزَّزته وثيقتان؛ إحداهما قبطية والأخرى سريانية، تكادان تكونان مما كُتِب في عصر الفتح العربي أو قد كُتِبتا فيه.

  • البلاذري: (٨٠٩–٨٩٣ للميلاد)، ليس قوله في المقوقس شديد الدقة؛ فهو يذكر أنه صالَح عمرًا على عهد ثم ردَّه هرقل، ونحسب المقصود بذلك معاهدة مصر، ثم يذكره بعد ذلك قائدًا في الإسكندرية في مدة حصار العرب لها، ثم يذكر أنه فاوَض عمرًا في تسليم المدينة. ولم ترِد في تاريخ هذا المؤرخ كلمةٌ واحدة تُعزز قول من يقول إن المقوقس كان عاملًا تابعًا. وفي الحقيقة يتفق ما جاء في تاريخ البلاذري في هذا الشأن مع ما جاء في كتاب حنا النقيوسي من أخبار قيرس.
  • اليعقوبي: (المتوفَّى سنة ٨٧٣ للميلاد)، ولم يكن من أهل مصر، وهو يذكر أن المقوقس صالَح عمرًا، وأن هرقل ردَّ ذلك الصلح.
  • ابن الأثير: (١١٦٠–١٢٣٢ للميلاد)، والظاهر أنه ينقل عن الطبري، ولكنه يصف «أبا مريم» بأن المقوقس أرسله ليُقابل عمرًا، ويصفه بأنه جاثليق منفيس. وهذا يدل على أنه فهم من لفظ «جاثليق مصر» أنه يُقصد به أسقف مدينة مصر، وليس بطريق الإسكندرية؛ وعلى ذلك فليس في قول ابن الأثير ما يُناقض الأدلة على أن المقوقس كان هو قيرس بعينه. ويصحُّ لنا هنا أن نزيد على ذلك أن مؤرخي العرب لم يُميزوا تمييزًا واضحًا بين الأسقف وبين كبير الأساقفة؛ فإن أبا المحاسن يذكر «أبا مريم» بأنه كان جاثليق مصر، ثم يذكر «بنيامين» بأنه كان أسقف أهم المصادر العربية الإسكندرية. وكذلك ليس لفظ «أسقف روما» باللفظ الغريب عن عُرْف التاريخ، بل إنه يرِد في الأخبار هكذا «ويُقصد به بابا روما»، ولكن ابن الأثير يذكر أن المقوقس أمر بالقتال في عين شمس مُتبعًا في ذلك رأي الأطربون الحربي، ويذكر كذلك أنه فاوَض في الصلح في الإسكندرية؛ وعلى ذلك فليس في قول هذا المؤرخ ما يُعزز قول من يقول إن المقوقس كان عاملًا تابعًا.
  • ياقوت: (١١٧٨–١٢٢٨ للميلاد)، يذكر أن المقوقس هو صاحب الصلح الذي عُقِد باسم القبط والروم، وأنه صالَح على شرط أن ينفذ بالعهد إلى الإمبراطور ليُقرَّه. وهذا دليل على أن هذا المؤرخ كان يعدُّه حاكم مصر.
  • المكين: (١٢٠٥–١٢٧٣ للميلاد)، يذكر أن المقوقس كان حاكم مصر من قِبل هرقل؛ أي إنه كان نائب الملك فيها.
  • ابن دقماق: (حوالَي ١٣٥٠–١٤٠٦ للميلاد)، يروي عن ابن وهب أنه روى عن الليث بن سعد أن المقوقس الرومي الذي كان ملك مصر صالَح عمرًا.
  • المقريزي: (١٣٦٥–١٤٤٢ للميلاد)، يروي عن يزيد بن أبي حبيب أنه قال إن المقوقس الرومي كان واليًا على مصر، وأنه صالَح عمرًا. ويقول إن قائد الحصن (أي بابليون) كان «الأعيرج» من قِبل المقوقس، ويذكر بعد ذلك أن المقوقس كان حاكم البلاد من قِبل هرقل، ويذكر أنه عقد صلح مصر، وأن الإمبراطور ردَّه ولم يُقرَّه، وأنه لام ذلك الحاكم النائب عنه على أنه رضي «أن يكون ومن معه من الروم في حال القبط أذلَّاء» … إلخ. وليس ثَمة ظل من الشبهة في أن المقريزي يعدُّ المقوقس نائب الملك في مصر.
  • أبو المحاسن: (١٤١١–١٤٦٩ للميلاد)، وهو يذكر أن قائد قصر الشمع (أي حصن بابليون) كان «الأعيرج» من قِبل المقوقس.

    ويقول هذا المؤرخ مرةً أخرى: «ثم بدأ حصار الحصن، وكان قائده المندفور من قِبل المقوقس بن قرقب اليوناني.» ثم يذكر بعد ذلك عظماء المصريين وحاكمهم المقوقس؛ فلم يكن ثَمة شكٌّ في أمره، ولم يظن أبو المحاسن أنه كان عاملًا تابعًا.

  • السيوطي: (١٤٤٥–١٥٠٥ للميلاد)، وكان مثل أبي المحاسن مُتفقًا معه في الرأي، فقال إن الإمبراطور هرقل رد صلح المقوقس مع العرب وأمثال ذلك القول.

وها نحن قد عرضنا أدلة مؤرخي العرب، واخترنا ما بها من تعريف بسلطة المقوقس وعمله في مصر، مُبتدئين بابن عبد الحكم إلى أن انتهينا بالسيوطي؛ وذلك كيما نُقابل العبارة التي أوردها الدكتور «لين بول»، وهي أن أقوال مؤرخي العرب وأدلتهم يؤخذ منها أن المقوقس قد يكون حاكمًا من الأتباع، أو عاملًا من العمال من قِبل الحاكم العام بمصر. وإذ قد فرغنا من عرضنا هذا فماذا نحن واجدون؟ إنهم جميعًا لا يشذُّ منهم أحد يصفونه بأنه ملك أو أمير، أو يصفون عمله في عبارات لا يمكن أن تُفيد إلا السلطان الأعلى في مصر؛ وعلى هذا لا يمكن أن يُقال شيء عن المؤرخين العرب سوى أن قولهم إنما يدل على أن المقوقس كان الوالي على مصر من قِبل هرقل، ولا يمكن أن تُعزز عباراتهم رأيًا آخر يذهب إلى أن عمله كان عمل تابع في المحل الثاني؛ وإذًا فقد كان المقوقس حاكم مصر من قِبل الإمبراطور كما قال عنه ابن عبد الحكم.

هذا الذي قلناه يلوح لنا ثابتًا ثبوتًا لا بأس به، ولكن الدكتور «لين بول» إذا كان قد لجأ إلى رأيه ذلك فقال إن المقوقس كان عاملًا تابعًا، إذ لم يجد رأيًا سواه يلجأ إليه كي يتخلص من أن يقول إن المقوقس كان هو قيرس بعينه؛ فقد صارت حجته الآن واهيةً لا يقوم لها قائم بعد أن ثبت أن هذا الرأي لا يتفق مع دلالة المؤرخين العرب الذين اعتمد على أقوالهم، وبنى رأيه على دلالتهم.

غير أن حجته كانت ذات شعبتين؛ الأولى: أن قول المؤرخين العرب ينقض قول من يقول إن المقوقس كان هو قيرس. والثانية: أن قول المؤرخين القبط لا يصحُّ تصديقه ولا الأخذ به. وقد بيَّنا في قولنا السالف فساد الشعبة الأولى من حجته، وأظهرنا بُطلانها، فلنمضِ الآن إلى الشعبة الثانية لنرى محاولته تجريح المؤرخين القبط وإثبات فساد قولهم. حقًّا لسنا نُنكر أننا قلنا في مقدمة كتابنا «فتح العرب لمصر» إن بعض وثائق قبطية سمَّيناها ليس لها كبير قيمة، ولكن هذا القول قد اتُّخذ في الحجة سلاحًا لحربنا، وكان في ذلك بعض شيء من الظلم لنا؛ فإنما أوردنا سببًا لرأينا هذا الذي قلناه، وهو أن أولئك المؤرخين القبط «كانوا يستطيعون أن يدلُّونا على كثير، لكنهم لا يُورِدون إلا النزر اليسير من الأخبار، ويلمِّحون تلميحًا عرَضيًا إلى تاريخ عصرهم»، ولكن من الواضح أنه ليس من العدل في شيءٍ أن تُغفَل كل الأخبار التي يُورِدها المؤرخون القبط بحجة أنهم لا يُورِدون أكثر منها؛ فإن الإشارة التي في هذه الوثائق والتلميح الذي يبدو منها إلى حوادث التاريخ يجيء فيها عرَضًا بغير قصد. وإذا كانت تلك الإشارة يقصد بها أولئك المؤرخون الحوادث التي تجري في عصرهم، كانت ذات قيمة لا تُنكر ولا يُجحد فضلها. وقد سبق لنا أن أظهرنا أعظم التقدير للوثيقة القبطية المخطوطة التي تخلَّفت من القرن السابع، وهي الوثيقة «البودلية» التي تحكي قصة زيارة البطريق الملكاني لدير القلمون، وبيَّنا أنها تتفق مع ما جاء من ذكر هذا الحادث في النسخة العربية من تقويم حياة القديسين (وفيها يُذكر اسم الزائر أنه المقوقس). فهل كنَّا لنرفض مثل هذه الحجة ونُغفلها؟ لا، بل لقد فعلنا عكس ذلك؛ إذ بيَّنا أن وثيقةً أخرى سريانيةً مُتخلفة عن القرن السابع تُثبت أن قيرس كان صاحب السلطة الحربية في مصر. ولنا أن نزيد هنا أن جمع السلطة العليا في أمور الدين والدنيا معًا في شخصٍ واحد لم يكن بدعةً جديدة، بل كانت له سابقةٌ واضحة في القرن السادس؛ فقد عرض جستنيان على تيودوسيوس أن يكون بطريق الإسكندرية وحاكم مصر معًا إذا هو قبِل كتاب ليو ومذهبه الديني. وإذا كان الأمر كذلك لم يكن عجبًا من هرقل أن يجمع الرياستين في شخص قيرس. وقد أورد ساويرس هذين الخبرين، أو لعلهما وردا في تاريخه؛ فإن ديوان تاريخه وما أُضيفَ إليه بعده مجموعةٌ قيِّمة من الأخبار يُقرُّ أهل البحث والدرس لها اليوم بالفضل. ولسنا نُنكر أننا لم نذكر ذلك الكتاب من قبل بما يليق به من الإكبار، ولكنا عندما ذكرناه من قبل لم نكن على علمٍ كامل به؛ إذ كان عند ذلك نسخةً مخطوطة، غير أنه الآن قد أصبح جُله منشورًا، وقد قال عنه المستر Evetts، وهو الذي ينشره مع ترجمة له: «إن تاريخ بطارقة الإسكندرية هو الكتاب العمدة في تواريخ البطارقة للكنيسة القبطية، والجزء الأول منه مجموعةٌ جمعها ساويرس أسقف الأشمونين بالصعيد نقلها عن وثائق يونانية وأخرى قبطية، وجدها في الأديرة التي في بلاده فترجمها بمساعدة بعض القسوس القارئين. وقد صار كتاب تاريخ البطارقة أتمَّ وأكثر فائدة وأكبر قيمة منذ القرن السابع، ولا سيَّما في وقت فتح العرب، فنجد فيه سلسلة من تواريخ حياة حقيقية كتبها كُتاب من أهل عصرها.» وليس يُخالف أحدٌ هذا الرأي إذا كان ممن درس كتاب ساويرس حق دراسته. ولما كنَّا لم نرَ أحدًا سبق إلى بحث في هذا الأمر دعَّمه بالحجة وعزَّزه بالرأي، كان لنا أن نجرؤ على بيان بعض الأسباب التي تُبرر إجلالنا لساويرس وإكبارنا له كحجة في التاريخ. يظهر أنه قد جرت العادة منذ أقدم الأزمان على أن تُكتب أخبار الكنيسة القبطية في صورة تراجم للحياة على الأكثر، وعلى أن تُحفظ في مكتبة الدير المعروف دير مقاريوس في وادي النطرون، ولم يكن مأمنٌ أصلح لذلك الغرض من ذلك المكان وراء أسوار ذلك الدير المحصَّن البعيد في الصحراء، وقد حُفظت في ذلك الدير الوثائق المخطوطة التي استمدَّ منها ساويرس تاريخه. وقد وُجدت فقرةٌ مؤرَّخة في أول يونيو من سنة ١٠٨١ للميلاد قد أضيفت إلى ذلك الديوان، وفيها ما يلي: «إلى هنا انتهى الفصل السادس عشر الذي تمَّ به تاريخ الآباء إلى سيمون الثاني وأربعين من البطارقة، وسيَلي ذلك ما ترجمناه عن الوثائق في دير القديس مقاريوس، وهو تاريخ البطارقة من ميخائيل الأخير إلى سنوتيوس الأول. وقد ترجمنا في هذا الدير تاريخ حياة تسعة آخرين من البطارقة في سنة ٧٩٦ للشهداء (سنة ١٠٨٠ للميلاد). وقد كتب هذا «أبا قيروس» الدمنهوري بمشيئة الله التي أعانتنا على أن نجد هذه الأخبار في دير القديس مقاريوس بمساعدة الأخ تيودور الخازن ابن بولص، في يوم الأحد السادس من شهر بئونة من عام ٧٩٧ للشهداء الأكرمين. وقد قارنَّا الوثائق بعضها إلى بعض، ووجدنا أنها تتفق مع ما لدينا من الصور فاقتنعنا بصحتها.»

وهذا خبرٌ يدل على دراسة المصادر الأصلية بعناية ودقة ومحاسبة للنفس، وفي استطاعتنا أن نرى مثل هذا السعي الدقيق متصلًا إلى ما قبل هذا التاريخ بنحو أربعة قرون، فإننا نجد نبذةً أخرى نعلم منها أن الحوادث التي وقعت إلى أيام خلقيدونية و«ديوسكوروس» (حوالَي سنة ٤٥٠ للميلاد) كانت «تُدوَّن في الجزء الثاني عشر من دواوين تاريخ الكنيسة»، ثم إذا أردنا أن نطَّلع على تاريخ الحوادث من أيام «قيريل» إلى أيام الإسكندر، «أمكن أن نجد ذلك في كتاب المعلم الكاتب جورج كبير شمَّاسي البطريق سيمون وكاتبه» (٦٨٩–٧٠١ للميلاد). وقد كتب ذلك الرجل كذلك تاريخه في دير القديس مقاريوس، ويقول الكاتب بعد ذلك: «وعلى ذلك فأنا العبد المُخطئ الذليل، أرجوكم أن تدعوا لي السيد المسيح أن يفكَّ عقدة لساني الضعيف، وأن يشرح قلبي المُظلم، وأن يهب لي من البيان ما أستطيع به أن أبيِّن لكم أيها الإخوان وأيها الأب ما سألتموني بيانه. ولست أرجو أن أبيِّن لكم شيئًا أكون فيه معلِّمًا لكم أو مُرشدًا أتعالى به عليكم، بل أكون فيه باحثًا دارسًا؛ إذ قد رأيت بعيني ما كتبت. وإن عِظم الحوادث التي رأيتها تجعل من واجبي أن أدوِّنها، ذلك عدا ما سمعته ممن هم أكبر مني سنًّا من أصحابي الذين أثق في قولهم وأعتمد على صدقهم. والسيد المسيح يعلم أننا لم نزِد شيئًا على الحقائق، بل قد ذكرنا ما وقع إلى أيام وفاة الأب المرحوم تيودور بطريق الإسكندرية، وما جرى من أمور الدول في أيامه إلى آخر الفصل السابع عشر من التاريخ الذي أتممناه آنفًا» (أي إلى سنة ٧٤٣ للميلاد). ثم قال المؤرخ: «والآن فإنا كاتبون الفصل الثامن عشر من تاريخ الكنيسة.» ثم بعد بضعة أسطر من هذا تراه يعلِّق على عبارة من عباراته فيقول: «إذ قد شهدنا بأعيُننا مرارًا عدة.» ثم قال أيضًا: «وأقاموا ملِكًا اسمه قرياقوس (في بلاد النوبة)، وبقي ملكًا إلى اليوم الذي نكتب فيه هذا التاريخ.» وفي هذا دليل على أن الكاتب يكتب عن عصره في القرن الثامن من الميلاد. وقد كان ذلك المؤرخ كاتبًا لموسى أسقف أوسيم بالقرب من الجيزة، وهو يتكلم دائمًا عن نفسه في ذكر الحوادث، فيقول مثلًا: «فذهبنا إلى القصر وكان معنا الأبا تيودور أسقف مصر.» إلى غير ذلك، ويقتبس قطعة من مذكرات البطريق ميخائيل (في موضوع دير مينا بقرب مريوط)، وقد أُرسلت تلك المذكرات إلى كاتب عبد الملك. ونرى ذلك المؤرخ من جهةٍ أخرى يُدافع عن نفسه لحذف بعض الحوادث بقوله: «وقد ذكرنا هذه الأمور في كتاب تاريخ حياة «ميخائيل»، وهو مُنفصل عن هذا التاريخ.» ولكنه يذكر بعد ذلك حوادث تاريخية مثل موت مروان، فيقول: «وقد قتلوه ومثَّلوا به، ونكسوا رأسه بعد أن أسروه، وقد كنا من شهود هذا الحادث.»

وفي القرن السابع كتب كاتب في ذلك التاريخ ترجمة حياة حنا الثالث (٦٧٧–٦٨٦ للميلاد)، ووصف قصة رحلة حنا الأخيرة إلى الإسكندرية، فقال: «وكان كاتب هذا الخبر معه؛ فإنه كان ابنه في الله.» ويمضي الكاتب بعد ذلك في ذكر تفاصيل دقيقة لا يستطيع أن يُورِد مثلَها إلا كاتبٌ من أهل العصر نفسه.

وبعد، فإن كثيرًا من الأمور التي يُشير إليها الكاتب في تاريخ ساويرس يمكن تحقيقها، وقد ظهرت صحتها ظهورًا جليًّا؛ فمثلًا جاء في أخبار سيمون الأول قوله: «وفي يوم من أيام الأحد جاءت الأخبار إلى الأمير أن جيش الروم ثار بالملك جستنيان وعزله، وولَّى مكانَه «ليونتيوس».» وقد كانت ولاية سيمون للبطرقة من ٦٨٩ إلى ٧٠١ للميلاد، أو هي إلى سنة ٧٠٠ للميلاد، وكان عزل جستنيان الثاني في سنة ٦٩٥. ومثلٌ آخر قولُه: كانت مملكة الروم في ذلك الحين تتخبَّط تخبُّط الصِّبية في لهوهم؛ فإن الروم بعد أن عزلوا ملكهم جستنيان جعلوا مكانه «ليونتيوس» ملكًا عليهم، ولكنه قُتل قبل أن يُتمَّ السنة الثالثة من حكمه، وولي بعده «أبيماروس»، ويُسمى «تيبريوس»، وبعده ولي «فليبيكوس»، وبعد سنتين ولي «أنستاسيوس» ملكًا على الروم، ولا يزال يلي المُلك (وقول الكاتب «ولا يزال يلي الملك» يقصد به الوقت الذي كان يكتب فيه تاريخه).

ونرى أنه يكفينا مثلٌ آخر بعد هذه الأمثلة، وذلك عندما كان قرَّة الظالم واليَ مصر؛ فقد جاء عنه أنه عسف بالناس عسفًا شديدًا، وابتزَّ أموالهم، واستصفى أملاكهم الخاصة وأراضيهم وأرزاقهم وأوقافهم، حتى صار الناس إلى الفقر المُدقِع، قال الكاتب: «فجعل الناس يهربون من مكان إلى آخر، ولكن لم يعصمهم منه مكان.» فإن قرَّة كان يُرسل رسله وراء الهاربين. قال الكاتب عن هؤلاء الرسل إنهم يجمعون الهاربين من كل مكان، ويرجعونهم إلى بلادهم مقيَّدين، ويُعاقبونهم. وهذه الأخبار كلها تُذكر على أنها وقعت في أيام بطرقة الإسكندر الثاني (٧٠٥–٧٣٠ للميلاد). وهذه الحقائق قد ثبتت بغير شك عندما كُشفت ورقة البردي المسمَّاة «أفروديتو»؛ إذ جاء نفس الخبر — عن هروب الناس — في تلك الوثائق اليونانية وتاريخها (٧٠٨–٧١٠ للميلاد). وهذا الاتفاق بين الخبرين دليلٌ قوي على دقة كتاب «تاريخ البطارقة».

حقًّا إنه لا يمكن في بعض الأحوال أن نعرف الكاتب الحقيقي لخبرٍ من أخبار ذلك الديوان؛ وسبب ذلك أن التراجم والوثائق الأخرى التي أُدخلت فيه قد كتبها كُتابٌ مختلفون في مدة حياة البطارقة المُتعاقبين أو بعد موتهم بقليل؛ وعلى ذلك فإن حكاية الكاتب عن نفسه يقصد أشخاصًا مختلفين؛ فمثلًا قال المصنف في آخر ترجمة حياة ميخائيل الأول: «وقد بقي البطريق على كرسي الكرازة ثلاثًا وعشرين سنة ونصف سنة، كما وجدنا ذلك في مكتبة دير القديس مقاريوس إلى سنة ٧٦٨.» ولا يمكن أن يكون هذا المُصنف هو عين الكاتب الذي يذكر «أنستاسيوس» أنه صار إمبراطور الروم، وأنه كان لا يزال على عرش الدولة إلى وقته، مع أن هذا الكاتب لا بد أن يكون هو الكاتب الذي علَّق على قوله «لا يزال»؛ فالحقيقة أن النسخ المخطوطة التي كانت في المكتبة كانت تُنقل حرفًا حرفًا ولفظًا لفظًا عن أصحابها، وهي ترجع إلى أقدم الأزمان، وأكثرها كُتِب في وقت حدوث الحوادث التي تصفها، وهذه الحقيقة تجعل لتلك الوثائق أكبر قيمة. حقًّا إن تلك الدواوين لا تخلو من ذكر خوارق المألوف والمعجزات، كما أنها لا تخلو من الأخطاء كما لا يخلو ديوان مؤرخ عربي منها، ولكنا إذا استبعدنا من وثائق التاريخ القديم كل ما تشوبه الخرافات أو تتخلله الأخطاء، وإذا نحن أغفلنا تلك الوثائق فلم نعتد بدلالتها؛ لم يبقَ لنا إلا القليل في أي باب من أبواب التاريخ. وإنا نقول إجمالًا غير وجِلين ولا مُوارين، إن أخبار دواوين تراجم البطارقة صادقة في جملتها فيما تنصُّ عليه من أخبار التاريخ، وقد ثبت ذلك وخلص من كل شك.

لقد خرجنا عما كنَّا فيه، وطال بنا القول في سواه، غير أنه لم يكن لنا بد من ذلك لكي ندحض حجة الدكتور «لين بول» في تجريح دلالة ساويرس. وقد تمسَّك الدكتور «لين بول» بكلمة خُيِّل إليه أن ساويرس قالها، وهي اعتراف بعدم معرفة اللغة اليونانية أو القبطية. حقًّا لقد حدث هذا الاعتراف، وصاحبه هو كاتب المقدمة الثالثة للكتاب، ولكن قام الدليل القوي على أن اسم ساويرس قد ألصقه الناسخ خطأً بتلك المقدمة، ولم يكن في الإمكان أن يكون ساويرس كاتبها. فإذا نحن فحصنا الأمر لم نجد إلا تبريرًا ضعيفًا، أو لعلنا لا نجد تبريرًا لقول من يقول إن ساويرس لم يعرف اللغة اليونانية ولا اللغة القبطية. وإذا أمعنَّا النظر وجدنا كل ما يدل على أن تاريخه كان تصنيفًا بالغًا مبلغًا عظيمًا من الدقة قائمًا على أساس من الوثائق الصحيحة؛ فمن الخطأ على ذلك أن نجرح دلالته. وفي الحق إنا لا نعلم أن مؤرخًا واحدًا من المؤرخين العرب يمكن أن نُظهر أن تاريخه يعدل كتاب ساويرس في أنه قائم على سلسلةٍ غير منقطعة من الأخبار المدوَّنة التي كتب أكثرَها كُتابٌ عاشوا في عصرها؛ فإن المؤرخين العرب يروون أخبارًا عدة عن العصور القديمة، ولكنهم قلَّما ينقلون عن الوثائق الأصلية نصوصها أو يسندون أخبارهم إليها. ومعنى هذا القول أن التاريخ القبطي قائم على أساسٍ أقرب إلى العلم وأمتن في الدلالة، ألا وهو أساس الوثائق المخطوطة.

وبعد، فإن ما ذكرناه آنفًا يدل على أن لكتاب ساويرس قيمةً عظيمة بين مصادر التاريخ، وعلى أن قوله في المقوقس وشخصيته لا يجوز أن يُغفل بغير روية ولا فحص. فلنمضِ الآن إلى قول ساويرس، أو بقولٍ أدقَّ لِنمضِ إلى قول المؤرخ الذي ترجم حياة بنيامين لنرى ما فيه.

قال: «ولَّى هرقل قيرس حاكمًا على مصر، وجعل له ولاية الدين والحكم معًا.» فلما جاء قيرس إلى الإسكندرية أنذر بنيامين، فهرب إلى دير بالصحراء في الصعيد، وبقي به مختفيًا مدة عشر سنوات. قال المؤرخ: «وكانت تلك السنوات هي التي حكم فيها هرقل والمقوقس بلاد مصر.» ثم قال بعد ذلك عن قيرس إنه «حاكم الإسكندرية الكافر الذي كان بطريقًا وحاكمًا من قِبل الروم». وهذا القول يؤكد أن قيرس كان هو المقوقس تأكيدًا لا إبهام فيه، وقد بيَّنا أن هذا يتفق كل الاتفاق مع ما جاء في النسخة العربية من تقويم القديسين؛ إذ جاء فيها: «كان المقوقس كبير المذهب الخلقيدوني، وقد جُعِل حاكمًا على مصر وبطريقًا لها.» كما أنه يتفق مع النسخة الأثيوبية من ذلك التقويم؛ إذ جاء فيها: «المقوقس أي الحاكم والبطريق في الإسكندرية وفي جميع بلاد مصر.» وقد أظهرنا كذلك الاتفاق التام مع ما جاء في الوثائق المخطوطة «البودلية»، وهي مما تخلَّف عن ذلك العصر، وفيها نص على أن المقوقس كان يجمع الرئاستين؛ رئاسة الدين ورئاسة جباية الأموال في مصر. كما أننا أظهرنا أن وثيقةً مخطوطةً سريانية تختلف عن زمنٍ قريب من ذلك العصر، وهي الديوان المجهول الكاتب Chronicon Anonymum، قد جاء فيها أن بطريق الإسكندرية هو الذي دافَع العرب عن مصر، في حين أن ابن عبد الحكم يصف عامل هرقل على مصر بأنه كان يجمع سلطة الحرب الكاملة وسلطة جباية الأموال، ويُسميه بالمقوقس.

وقول مؤرخي اليونان يُوصلنا إلى النتيجة نفسها؛ فإن نيقفوروس يذكر أن هرقل أرسل «ماريانوس» إلى الإسكندرية ليشترك مع قيرس بطريق الإسكندرية في الاستقرار على خطةٍ يسيران عليها مع العرب، ثم يقول في موضعٍ آخر إن قيرس كان أسقف الإسكندرية.

وتيوفانز أصرح قولًا إذ يقول: «ولما مات جورج (البطريق الملكاني أو الخلقيدوني) أُرسلَ قيرس ليكون أسقف الإسكندرية بعده.» ولما ذكر العرب قال: «فغزَوا مصر، واتُّهم قيرس بأنه سلَّم ذهب مصر إلى العرب، فأرسل إليه الإمبراطور رسالةً شديدة يأمره فيها أن يعود من مصر.»

فالحقائق التي يدل عليها قول هذين المؤرخين هي أولًا أنهما على أن قيرس كان بطريق الإسكندرية. ويقول نيقفوروس إن «مريانوس» كان قائدًا حربيًّا أرسله هرقل، وأمره أن يشترك مع قيرس في الاحتيال في أمر العرب خاصة. وهذه عبارةٌ تدل على أن قيرس كان له أمر الدنيا كما كان له أمر الدين في مصر، في حين أن تيوفانز يقول إن قيرس عندما رضي بدفع الجزية للعرب غضب عليه هرقل، وأمره بالعودة من مصر. وهذه العبارة كذلك تدل على أن قيرس كان له أمر الدنيا؛ إذ كان نائبًا عن هرقل. ولا شك أن تيوفانز يعني بقوله هذا معاهدة مصر التي رضي بها قيرس ثم ردَّها هرقل غاضبًا.

وما أقرب الصلة بين قول هذين المؤرخين اليونانيين وبين قول مؤرخي العرب اللهم إلا في أمرٍ واحد، وهو أن العرب يذكرون اسم المقوقس في المواضع التي يذكر فيها اليونان اسم قيرس؛ فإن مؤرخي العرب مُتفقون على أن الذي صالَح عمرًا هو المقوقس، وأن ذلك الصلح كان مشروطًا فيه الرجوع إلى هرقل لموافقته، وأن هرقل غضب وردَّه حانقًا. حقًّا إن العرب لا يذكرون أن هرقل أمر المقوقس بالعودة من مصر، ولكن المؤرخ الذي كان قريبًا من ذلك العصر، وهو حنا النقيوسي، ذكر أن قيرس أمره هرقل بالعودة والخروج من مصر.

بقي علينا أن نذكر باختصارٍ ما قاله مؤرخان مسيحيان من مؤرخي العرب، وهما أبو صالح وسعيد بن البطريق (أوتيكيوس)؛ فقد قال أبو صالح إن المقوقس ولَّاه هرقل على مصر، وقال كذلك إن السنوات العشر التي كان فيها البطريق بنيامين طريدًا في منفاه كانت السنوات التي حكم فيها المقوقس مصر. ولسنا نُنكر أن أبا صالح يقول إن اسم المقوقس هو جورج بن مينا، ولا نُنكر أن سواه من المؤرخين يذكرون له أسماءً أخرى، ولكن حسبُنا أن نقول إنه لم يُورِد أحدٌ من المؤرخين الأولين اسمًا ما لحامل ذلك اللقب المقوقس، فإذا جاء ذكر اسم له بعد موت المقوقس بخمسة قرون أو ستة لم يكن ذلك دليلًا يُقاوم الأدلة المُتراصَّة المُتراكمة التي تدل على أن المقوقس هو قيرس؛ وعلى ذلك يمكن أن نقول إن أبا صالح الأرمني يتفق مع مؤرخي القبط واليونان والمصريين في ذكر العمل الذي كان يعمله المقوقس، ويتفق مع ساويرس في أن المقوقس كان المُضطهِد الخلقيدوني الذي اضطهد القبط وطرد بنيامين إلى منفاه.

وأما سعيد بن البطريق (سنة ٨٧٦–٩٣٩) فقد كتب قبل أبي صالح بنحو ثلاثة قرون، ويجب أن نذكر أنه لم يكن خلقيدونيًّا فحسب، بل قد كان بطريقًا ملكانيًّا لمصر، وهو يقول: «وبعد هرب جورج صار قيرس بطريق الإسكندرية، وكان مارونيًّا على مذهب هرقل.» وقال في موضعٍ آخر: «وكان العامل على الخراج بمصر المقوقس من قِبل هرقل الملك.» ثم قال: «وكان يعقوبيًّا (أي قبطيًّا) يكره الروم، ولكنه كان يخشى أن يُظهر عقيدته اليعقوبية خوفًا من أن يقتله الروم.»

ولا شك في أن ذلك المؤرخ الذي كان بطريقًا ملكانيًّا كان شديد الحرص على أن يُزيل عن قيرس معرَّة تسليم مصر إلى العرب، فاضطرَّه ذلك إلى أن يتورَّط في أقوالٍ عجيبة. فلما قال إن قيرس جاء إلى مصر عند تولية هرقل ليكون بطريقًا للإسكندرية، قال في نفس الصفحة إنه لم يُولَّ بطريقٌ ملكاني للإسكندرية لمدة سبع وتسعين سنة بعد هروب جورج. وهذا قلبٌ جريء ومسخ لحقائق التاريخ؛ فالظاهر من هذا أن ابن البطريق لا يرضى بأن يسلِّم بأن قيرس كان بطريقًا ملكانيًّا، وهو في الوقت عينه يتهم المقوقس بأنه كان قبطيًّا يُخفي عقيدته في قلبه، وهذه التهمة اعتراف منه بأن المقوقس كان ملكانيًّا في ظاهره — حقًّا إن ابن البطريق لا يقول صراحةً إن قيرس كان المقوقس، ولكنه هذا الاتفاق في قوله ذو دلالةٍ عظمى — ولقد قال إن المقوقس كان العامل على الخراج من قِبل هرقل؛ فهو بذلك يتفق مع ابن عبد الحكم ومع الوثائق القبطية «البودلية». وابن البطريق مثل سائر مؤرخي العرب يذكر أن المقوقس كان حاضرًا في حصن بابليون عند الحصار، ثم خرج منه إلى الروضة لمُفاوضة عمرو، وأنه صالَح عمرًا بعد ذلك على معاهدة مصر. ولكنا نرى أن ابن البطريق لم يذكر أن قيرس هو المقوقس لأنه كان يجهل ذلك الأمر، لا لأنه كان يقصد التضليل والتدليس. ولقد ظهر جهله بذلك الأمر في موضعٍ آخر؛ إذ قال إن المقوقس كان حيًّا في وقت ثورة منويل.

إلى هنا قد بيَّنا ما هنالك من أدلة بينها اتفاقٌ عجيب في بعض الأحايين واختلافٌ واسع في أحايين أخرى، وقد استمددنا تلك الأدلة من وثائقها الأصلية، ومنها ما تخلَّف عن العصر الذي نصِفه، وهي من أصولٍ متباينة؛ منها اليوناني والقبطي والسرياني والعربي، وكلها تدل على أن المقوقس إنما هو قيرس بطريق الإسكندرية، والعامل على الخراج، والحاكم العام على مصر في وقت الفتح. وليس ينقض هذا الرأيَ أن يقول قائل إن مؤرخي العرب قد يُطلِقون لقب المقوقس أحيانًا على شخصٍ يُسمُّونه ليس هو قيرس، ولسنا نُنكر أن الأمر كذلك، ولكنا نُنكر كل الإنكار تلك النتيجة التي يذهب إليها أصحاب ذلك القول، وهي أن لقب المقوقس لم يكن علَمًا على شخصٍ معينٍ واحد، وحجتهم في ذلك أنه قد أُطلقَ خطأً في بعض الأحوال على أشخاصٍ متعدِّدين، ويلوح لنا أن العلَّامة «كايتاني» من بين من يذهبون هذا المذهب. وأما الحقيقة التي نراها فهي أن المؤرخين العرب إنما كتب أكثرهم وليس عنده عن المقوقس أكثر من صورةٍ ضئيلةٍ مُبهَمة عن المقوقس، وأنه كان حاكمًا على مصر؛ فليس من العجيب أن نجدهم يصوِّرونه أحيانًا مشتركًا في أعمال أو حوادث لم يكن مشتركًا فيها بنفسه أو لم يحضر حدوثها. ولا شك أنهم قد ضلُّوا في أمر اسمه وشخصه؛ ولذلك فهم يُخطئون فيها، ولكن المسألة التي نحن بصددها باقية، وهي أن يكشف خلافهم عن حقيقة شخصية المقوقس، وأن نعرف من كان بين الناس. ولم يذكر مؤرخٌ عربي، وما كان له أن يذكر، أن ذلك اللقب قد أُطلقَ على ثلاثة أشخاص كلهم حُق له أن يُلقَّب به، وليس في طاقة المنطق أن يُبيح لقائلٍ أن يقول إن وجود الخلاف يجعل ذلك اللغز مُتعسرًا على العقول لا تستطيع حله، بل إن واجب النقد التاريخي أن يُصفي ما هنالك من خلاف، وأن يُزيح ما تراكَم منه على الحقيقة فيكشفها ويجلوها. ولعلنا يحق لنا أن نعتقد أنه إذا عُرضت الأدلة عرضًا لا ميل فيه ولا تحيُّز، أمكن أن نصل إلى نتيجةٍ مؤكدةٍ ليس فيها شك، وهي أن المقوقس لم يكن سوى «قيرس»، وأنه لا ينبغي لذلك اللقب أن يُطلَق على سواه من الناس.

الحوادث التاريخية

الثورة على هرقل في بنطابوليس سنة ٦٠٩م
النضال من أجل مصر سنة ٦٠٩-سنة ٦١٠
تولية هرقل إمبراطورًا ٥ أكتوبر سنة ٦١٠
إغارة الفرس على الشام سنة ٦١٤
حصار الفرس لمدينة دمشق نهاية مايو سنة ٦١٥
زيارة أثناسيوس لمدينة الإسكندرية أكتوبر سنة ٦١٥
مسير الفرس لمصر خريف سنة ٦١٦
فتح الفرس لبابليون أو تسليمها لهم ربيع سنة ٦١٧
فتح الفرس لمدينة الإسكندرية نهاية سنة ٦١٨
إخضاع مصر نهائيًّا سنة ٦١٨
بدء حرب هرقل الكبرى مع الفرس ربيع سنة ٦٢٢
هجرة الرسول ١٦ يوليو سنة ٦٢٢
جلاء الفرس عن مصر سنة ٦٢٧
كتاب الرسول إلى الحكام ٦٢٧-٦٢٨
هزيمة كسرى النهائية وموته فبراير سنة ٦٢٨
الاحتفال بإعلاء الصليب في دمشق ١٤ سبتمبر سنة ٦٢٩
بعث قيرس بطريقًا للإسكندرية سنة ٦٣١
الاضطهاد الأعظم للقبط ٦٣١–٦٤١
وفاة الرسول سنة ٦٣٢
فتح فلسطين والشام على يد العرب ٦٢٩–٦٤٠
وداع هرقل للشام سنة ٦٣٦
تسليم بيت المقدس لعمر بن الخطاب سنة ٦٣٧
غزو مصر ووصول عمرو إلى العريش ١٢ ديسمبر سنة ٦٣٩
الاستيلاء على بلوز (الفرما) يناير سنة ٦٤٠
غارة عمرو إلى الفيوم مايو سنة ٦٤٠
وصول الأمداد بقيادة الزبير ٦ يونيو سنة ٦٤٠
موقعة هليوبوليس وفتح مصر يوليو سنة ٦٤٠
بدء حصار حصن بابليون سبتمبر سنة ٦٤٠
معاهدة بابليون الأولى مع قيرس ورفض هرقل أكتوبر سنة ٦٤٠
استدعاء قيرس نهاية سنة ٦٤٠
موت هرقل ١١ فبراير سنة ٦٤١
تسليم بابليون والمعاهدة الثانية ٩ أبريل سنة ٦٤١
الاستيلاء على نيقيوس ١٣ مايو سنة ٦٤١
الهجوم على الإسكندرية نهاية يونيو سنة ٦٤١
عودة قيرس إلى مصر ١٤ سبتمبر سنة ٦٤١
تسليم الإسكندرية ٨ نوفمبر سنة ٦٤١
إعادة حفر ترعة تراجان شتاء ٦٤١-٦٤٢
بناء الفسطاط
موت قيرس ٢١ مارس سنة ٦٤٢
تعيين من يخلُف قيرس ١٤ يوليو سنة ٦٤٢
جلاء الروم عن الإسكندرية ١٧ سبتمبر سنة ٦٤٢
بعث عمرو إلى بنطابوليس شتاء ٦٤٢-٦٤٣
عودة بنيامين خريف سنة ٦٤٤
ثورة الإسكندرية بقيادة منويل نهاية سنة ٦٤٥
موقعة نيقيوس الثانية آخر فصل الربيع سنة ٦٤٦
إعادة فتح العرب لمدينة الإسكندرية صيف سنة ٦٤٦
استدعاء عمرو من مصر خريف سنة ٦٤٦
تولية عمرو حاكمًا لمصر أغسطس سنة ٦٥٨
موت بنيامين ٣ يناير سنة ٦٦٢
موت عمرو ٦ يناير سنة ٦٦٤
البطريق تاريخ التولية تاريخ الوفاة
البطارقة الملكانيون
تيودور ٦٠٩
حنا الرحوم ٦٠٩ ٦١٦ أو ٦١٧
جورج ٦٢١ ٦٣٠ أو ٦٣١
قيرس ٦٣١ ٢١ مارس ٦٤٢
بطرس ١٤ يوليو ٦٤٢ غير معلوم
بطارقة القبط
أنستاسيوس يونيو ٦٠٤ ١٨ ديسمبر ٦١٦
أندرونيكوس ديسمبر ٦١٦ ٣ يناير ٦٢٣
بنيامين يناير ٦٢٣ ٣ يناير ٦٦٢
أجاثو يناير ٦٦٢ ١٣ أكتوبر ٦٨٠
حنا السمنودي أكتوبر ٦٨٠ ٢٧ نوفمبر ٦٨٩
إسحاق ٤ ديسمبر ٦٩٠ ٥ نوفمبر ٦٩٣
سيمون يناير ٦٩٤ ١٨ يوليو ٧٠١

أهم المصادر العربية

  • ابن الأثير: الكامل، المطبوع بلندن سنة ١٨٦٨–١٨٧٤، لناشره C. J. Tornberg.
  • ابن حجر: الإصابة في معرفة أسماء الصحابة (أربعة أجزاء)، المطبوع ١٨٥٦، لناشرِيه A. Spranger وآخرين.
  • ابن حوقل البغدادي: المسالك والممالك (ضمن المكتبة الجغرافية العربية)، المطبوع سنة ١٨٧٠–١٨٧٩، لناشره De Goeje, M. J..
  • ابن خلدون: العبر وديوان المبتدأ والخبر (سبعة أجزاء)، المطبوع ببولاق سنة ١٢٨٣ﻫ.
  • ابن خلكان: وفيات الأعيان (أربعة أجزاء)، المطبوع بباريس سنة ١٨٤٢، لناشره De Slane.
  • ابن دقماق: الانتصار لواسطة عقد الأمصار، المطبوع ببولاق سنة ١٨٩٣، لناشره Dr. k. Vollers.
  • ابن رستاه (أحمد بن عمر): الأعلاق النفيسة (ضمن المكتبة الجغرافية العربية)، المطبوع سنة ١٨٧٠–١٨٧٩، لناشره De Goeje, M. J..
  • ابن عبد الحكم: نسخةٌ خطية بباريس M. S..
  • ابن الفقيه (أحمد بن محمد الهمذاني) البُلدان (ضمن: المكتبة الجغرافية العربية)، المطبوع سنة ١٨٧٠–١٨٧٩، لناشره De Goeje M. J..
  • ابن قتيبة: المعارف، المطبوع سنة ١٨٥٠، لناشره Wüstenfeld.
  • ابن واضح اليعقوبي: تاريخ اليعقوبي (جزءان)، المطبوع سنة ١٨٨٣، لناشره T. Houtsma، والمكتبة الجغرافية العربية De Goeje, M. J..
  • أبو صالح: تاريخ أبي صالح الأرمني، المطبوع بأكسفورد سنة ١٨٩٥، لناشرَيه Evetts and Bulter.
  • أبو الفدا: جغرافية أبي الفدا، ثلاثة مجلدات، المطبوع بباريس؛ الأصل سنة ١٨٤٠، الترجمة سنة ١٨٤٨، ١٨٨٣، لناشره J. T. Renaud.
  • أبو الفرج ابن العبري: مختصر تاريخ الدول، المطبوع سنة ١٦٦٣، في Oxon ، لناشره Pococke.
    تاريخ الكنائس (ثلاثة أجزاء)، المطبوع بلوفان سنة ١٨٧٢، لناشرَيه Abbeloos et Lamy.
  • أبو المحاسن: النجوم الزاهرة (جزءان)، المطبوع سنة ١٨٥٥–١٨٦١، لناشرَيه Juynboll et Matthes.
  • الإدريسي: نزهة المُشتاق في اختراق الآفاق، جغرافية بلاد النوبة، المطبوع بباريس سنة ١٦٠٩.
  • الإصطخري (إبراهيم بن محمد): مسالك الممالك (ضمن المكتبة الجغرافية العربية)، المطبوع سنة ١٨٧٠–١٨٧٩، لناشره De Goeje, M. J..
  • البلاذري: فتوح البُلدان، المطبوع سنة ١٨٦٦، لناشره De Goeje, M. J..
  • ساويرس الأشمونيني: سير البطارقة بالمدينة العظمى الإسكندرية.
  • سعيد بن بطريق (أوتيكيوس): نظم الجوهر، طُبع في باريس.
  • السيوطي: حسن المحاضرة، المطبوع بمصر سنة ١٢٩٩ﻫ.
    تاريخ الخلفاء، المطبوع بكلكتا سنة ١٨٨١، ترجمة H. S. Jarrett.
  • الطبري: تاريخ الأمم والملوك (أربعة أجزاء). (١) المطبوع بباريس سنة ١٨٧١، لناشره Zotenberg. (٢) في Lugd. Bat، سنة ١٨٧٩–١٨٩٠، لناشره De Goeje.
  • عبد اللطيف (البغدادي): أخبار مصر، الإفادة والاعتبار بذكر الخطط والآثار، المطبوع بأكسفورد سنة ١٨٠٠، لناشره White.
  • القزويني: آثار البلاد وأخبار العباد، المطبوع سنة ١٨٤٨-١٨٤٩، لناشره Wüstenfeld.
  • الماوردي: الأحكام السلطانية، المطبوع سنة ١٨٥٣، لناشره M. Enger.
  • المرتضى: تاريخ المصريين، المطبوع بلندن سنة ١٦٧٢، ترجمة J. Davies.
  • المسعودي: مروج الذهب، المطبوع بباريس سنة ١٨٦٣، لناشره Barbier de Maynard.
  • المقريزي: الخطط (جزءان)، المطبوع ببولاق سنة ١٢٧٠ﻫ.
  • المكين: تاريخ العرب، المطبوع سنة ١٦٢٥، (Lugd Bat) لناشره T. Erpenius.
  • ناصري خسرو: سفر نامه، المطبوع بباريس سنة ١٨٨١، لناشرها C. Schefer.
  • النووي: تهذيب الأسماء، المطبوع بجوتنجن سنة ١٨٧٢–١٨٧٧، لناشرها Wüstenfeld.
  • الواقدي: فتوح مصر، المطبوع بليدي سنة ١٩٢٥، ناشره Hamakar.
  • ياقوت: معجم البُلدان (ستة أجزاء)، المطبوع بليبزج سنة ١٨٦٦–١٨٧٣، لناشرها Wüstenfeld.

أهم المصادر الإفرنجية

  • Amélineau, E. : Vie d’un ÉÉvéque de Keft, Paris, 1887.
    • Fragments Coptes, and C., in Journal Asiatique, 1888.
    • Histoire du Patriarche Copte Isaac. Paris, 1890. 8 vo.
    • Vie de Shenoudi in Mém. Miss Arch. Franç. t. IV. i. p. 340.
    • Vie de Samuel: id., t. lV. ii. p. 774.
    • Géographie de l’Egypte à Epoque Copte, Paris, 1893. and c. 8 vo.
    • Histoire des Monastéres de la Basse Egypte. Paris, 1894.
  • Ammianus Marcellinus.
  • Botti, G. : L’Acropole d’Alexandrie et le Sérapeum. Alexandrie, 1895. 8 vo.
    • Fouilles à la Colonne Théodosienne. Alexandrie, 1897. 8 vo.
  • Brosset: Collection d’Historiens Arméniens. St. Pétersbourg, 1874. 2 tom. 8 vo.
  • Bury, Prof. J. B. : Gibbon’s Decline and Fall. London, 1896, 7 vols. 8 vo.
    • History of the Later Roman Empire. London, 1889. 2 vols. 8 vo.
  • Butcher, E. L. : Story of the Church of Egypt. London, 1897. 2 vols. 8 vo.
  • Butler, A. J. : Ancient Coptic Churches of Egypt. Oxford, 1884. 2 vols. 8 vo.
  • Cedrenus.
  • Champollion: L’Égypte sous les Pharaons. Paris, 1814, 2 vols. 8 vo.
  • Chronicon, Orientale.
  • Chronicon Paschale, ap. Migne, Patr. Gr. t, 92.
  • Crum, W. E. : Coptic Ostraka. London, 1902. 8 vo.
  • D’Anville: Mémoires sur I’Égypte. Paris, 1766. 4 to.
  • De Bock, W. : Matériaux pour servir à l’Archéologie de l’Égypte Chrétienne. St. Pétersbourg, 1901. Fol., with plates.
  • De Goeje, M. J. : v. Balâdhurî and Tabarî.
    • Mémoire sur les Carmathes du Bahrain. Leyde, 1862.
    • Conquête de la Syrie. Leyde, 1804.
    • Bibliotheca Geographica Arabicorum. Lugd. Bat. 1870–79. 8 vo.
  • Diehl, C. : L’Afrique Byzantine, Paris, 1896. 8 vo.
    • Justinien et la Civilisation Byzantine au Vle Siècle. Paris, 1901. 8 vo.
  • Drapeyron, L. : L’Empereur Héraclius. Paris, 1869. 8 vo.
  • Dulaurier: Chronologie Arménienne. Paris, 1859.
  • Egypt: Exploration Fund Reports.
  • Epiphanius: De Ponderibus et Mensuris.
  • Eunapius: Vita Aedesii.
  • Eusebius: Historia Ecclesiastica Ed. Heinechen. Leipzig, 1828. 3 vols. 8 vo.
  • Eutychius, Patriarcha Alexandrinus: Annales: ap. Migne, Patr. Gr.
  • Evetts and Butler: v. Abû Sâlih.
  • Gayet, A. : Le Costume en Égypte, Paris, 1900.
    • L’Art copte. Paris, 1902. 8 vo.
  • Gelzer, H. : Leontios von Neapolis Leben des Hiligen Johannes, Leipzig, 1893. 8 vo.
  • George of Pisidia: ap. Migne.
  • Gregorovius, F. : The Emperor. Hadrian: tr. M. E. Robinson. London, 1898. 8 vo.
  • Hamaker: Expugnatio Memphidis: v. Wakidî.
  • Holm, A. : History of Greece: tr. F. Clarke. London, 1898. 4 vols. 8 vo.
  • Hyvernat, H. : Actes des Martyrs de l’Égypte. Paris, 1886. Fol.
  • Jarrett, H. S. : History of the Caliphs: See Suyûtî.
  • Karabacek, J. : Mittheilungen aus der Sammlung der Papyrus. Erzherzog Rainer. Wein, 1887. and c. Fol.
    • Papyrus Erzherzog Rainer: Führer durch die Ausstellung, Wien, 1894. 4 to.
  • Koelle, S. W. : Mohammed and Mohammedanism. London, 1889. 8 vo.
  • Kyrilolos II, Mgr. : Le Temple du Césareum, in Bulletin de la Société Khédiviale de Géographie, Ve Série, No. 6, Fév. 1900 (Le Caire).
  • Lane-Poole, Prof. S. : Art of the Saracens in Egypt. London, 1886. 8 vo.
    • Egypt in the Middle Ages. London, 1901. 8 vo.
    • The Story of Cairo in Mediaeval Towns’ Series. London 1902.
  • Le Beau, C. : Histoire du Bas Empire. Ed. de Saint-Martin. Paris, 1824–38. 21 vols. 8 vo.
  • Le Strange, G. : Palestine under the Moslems. London, 1890. 8 vo.
  • Lethaby and Swainson: St. Sophia, Constantinople. London, 1894. 8 vo.
  • Mahaffy, Prof. J. P. : Empire of the Ptolemies. London, 1895.
  • Malan, S. C.: Original Documents of the Coptic Church. London, 1874. 8 vo.
  • Matter, M.: Histoire de l’École d’Alexandrie. Paris, 1840. 2 vols. 8 vo.
  • Michel Le Grand: Chronique, Ed. V. Langlois. Paris, 1866. 4 to.
  • Michelle Syrien: Chronique. Ed. J. B. Chabot. Paris, 1899, and c. 4 to.
  • Michelle, R. L.: Egyptian Calendar. London, 1900. 8. vo.
  • Milne, J. G.: Egypt, under Roman, Rule. London, 1898. 8 vo.
  • Moschus, John: Pratum Spirituale. Ap. Migne, Patr. Gr.
  • Murtadi: Egyptian History. Tr. J. Davies. London, 1672. 12 mo.
  • Neroutson Bey: L’Ancienne Alexandrie. Paris, 1888. 8 vo.
  • Nicephorus.
  • Nicephorus Callistus.
  • Niebuhr, C.: Voyage en Arabie. Amsterdam, 1776. 4 vols. 4 to.
  • Nikiou, Jean De: Chronique. Ed. Zotenberg in t. XXIV of Notices et Extraits des Mss. de la Bibl. Nat., and c. Paris, 1883. 4 to.
    • Also English translation lent by Dr. Charles.
  • Nourisson, V.: La Bibliothèque des Ptolémés. Alexandrie, 1893. 4 to.
  • Ockley S.: History of the Saracens. Ed, Bohn. London, 1847. 8 vo.
  • Orosius: Historiae.
  • Palestine Pilgrims Text Society’s Publications.
  • Papyri: Corpus Papyrorum Raineri. Ed. J. Krall. (Coptische Texte).
    • Fayûm Towns and their Papyri. Ed. Grenfell and Hunt.
    • The Amherst Papyri. Ed. P. E. Newberry.
  • Oxyrhynchus Papyri. Ed. Grenfell and Hunt.
  • Pereira, F. M. E.: Vida do Abba Samuel do Mosteiro do Kalamon. Lisboa, 1894. 8 vo.
    • Vida do Abba Daniel do Mosteiro de Soceté. Lisboa, 1897. 8 vo.
    • Historia dos Martyres de Nagran. Lisboa, 1899. 8 vo.
  • Quatremère, E.: Recherches sur la langue et la littérature de l’Égypte. Paris, 1808. 8 vo.
    • Mémoires Géographiques et Historiques sur l’Égypte. Paris, 1811. 2 tom. 8 vo.
  • Renaudot: Historia Patriarcharum Alexandrinorum. Paris, 1713. 4 to.
  • Rufinus: Vitae Patrum.
    • Historia Ecclesiastica.
  • Sebeos: Translation lent by Mr. Conybeare.
  • Severus of Ushmûnain: Brit. Mus. Ms. Or. 26, 100; Paris, Ms., and M. Simaikah. Bey’s Cairo Ms.
  • Sharpe, S.: Egypt under the Romans. London, 1842. 8 vo.
    • History of Egypt. Ed, Bohn. London, 1885. 2 vols.
  • Simaikah, A.: La Province Romaine de l’Égypte. Paris, 1892. 8 vo.
  • Socrates: Historia Ecclesiastica.
  • Sophronius: Opera, ap. Migne, Patr. Gr.
  • Sozomen: Historia Ecclesiastica.
  • Strzygowski, J.: Orient Oder Rom. Leipzig, 1901. 8 vo.
  • Susemihl, F.: Geschichte der Griechischen Litteratur in der Alexandrinerzeit. Leipzig, 1891-2. 2 vols. 8 vo.
  • Tarikh Regum Persiae. Ed. W. Schikard, Tübingen, 1628. to.
  • Theodoret: Historia Ecclesiastica.
  • Theophanes.
  • Usener, H.: De Stephano Alexandrino. Bonn, 1880. 8 vo.
    • Acta Martyris Anastasii. Bonn, 1894, 4 to.
  • Vansleb: Histoire de L’Eglise d’Alexandrie. Paris, 1677. 12 mo.
    • Nouvelle Relation d’un Voyage fait en Egypte, Paris, 1698. 12 mo.
  • Von Gutschmid, A.: Kleine Schriften, Leipzig, 1889–94. 8 vo.
  • Von Ranke: Weltgeschichte. Leipzig, 1884. Several vols. 8 vo.
  • Weil: Geschichte der Chalifen. Mannheim, 1846. 3 vols. 8 vo.
  • Wright, T.: Christianity in Arabia. London, 1895. 8 vo.
  • Zachariah of Mitylene: Chronicle tr. Hamilton and Books. London, 1889. 8 vo.
  • Zoega, G.: Catalogus Codd Copticorum Mss. Romae, 1810. Fol.

تتذييل بالألفاظ والعبارات اليونانية الواردة بهذا الكتاب، وهي المُشار إليها بأرقام في أعلاها نجمة، هكذا: «١، ٢، ٣ … إلخ»

Greek Word No.
Νίκιον 1
σφάζεται ἀπὸ ἐναντίων 2
Τὸ Ἔννατον 3
Ἔνατον 4
Σαλαμᾶ 5
Τὸ πέμπτον 6
Σαρβαραζᾶς 7
Σαρβαναζᾶς 8
Σάρβαρος 9
Ρουμίαζαν 10
παραγενόμην ἐν Ἀλεξανδρείᾳ κατὰ τὸν καιρὸν ἐν ᾧ εἰσῆλθον οἱ πέρσαι ἐν Αἰγύπτῳ, ἔτι ὄν των αὐτῶν ἐπὶ τὰ μέρη τῆς Νικίου καὶ Βαβυλῶνος τῆς κατ’ Αἴγυπτον 11
ταραχὴν καὶ θόρυβον τῆς περσικῆς ἐπιδρομῆς 12
ὡς ἔμελλεν Ἀλεξάνδρεια τοῖς ἀθέοις πέρσαις παραδίδοσθαι 13
(توضع قبل كلمة «والأشهر عنه» من تعليق (١) صفحة ١٣٥) Λειμὼν πνευματιπός 14
(توضع قبل كلمة «والأشهر عنه» من تعليق (١) صفحة ١٣٥) ὠφελειας χάριν 15
ὁ σχολαστικὸς 16
θεωρούμενος 17
θεωρια 18
διὰ τὸ εἶναι αὐτὸν πολύβιβλον ὑπὲρ πάντας τοὺς ἐν Ἀλεξανδρείᾳ ὄντας καὶ προθύμως παρασχεῖν τοῖς θέλουσιν 19
χάρτης 19
Σαὴν—Σάϊτος—Σαλβάρας 20
ΕΝ ΤΟΥΤΩΙ ΝΙΚΑ 21
ὅπως ὁ πεισας ἠρεμεῖν τοὺς βαρβάρους πείσῃ σὺν αὐτοῖς ἠρεμεῖν τὰς αἱρέσεις 22
λυπηθέντες ἀπῆλθον πρὸς τοὺς ὁμοφύλους καὶ ὡ δήγησαν αὐτοὺς ἐπὶ τὴν χώραν τῆς Γάξης στόμιον οὖσαν τῆς ἐρήμου κατὰ τὸ Σίναιον ὄρος 23
ἄρας καὶ τὰ τίμια ξύλα, ἐπὶ τὴν Κωνσταντινούπολιν ἀπῄει 24
ξύλα “ἀπὸ Ἱεροσολύμων” 25
αἰκισομένῳ 26
χαιρεου 27
φοσσᾶτον 28
φοσσᾶτον 29
φοσσᾶτον 30
φοσσᾶτον 31
φοσσᾶτον 32
εἰσὶ γὰρ παράδεισοι μέσον τῆς πόλεως ἐν τοῖς οἴκοις τῶν μεγιστάνων 33
ἀγνεύοντας 34
τῷ τε Σεραπείῳ κατελυμῄναντο καὶ τοῖς ἀναθήμασιν ἐπολέμησαν… τοῦ δὲ Σεραπείου μόνον τὸ ἔδαφος οὐχ ὐφείλοντο διὰ βάρος τῶν λίθων, οὐ γὰρ ἦσαν εὐμετακίνητοι, συαχέαντες δὲ ἅπαντα καὶ συνταρά ξαντες κ.τ.λ. 35
εἰσιόντι δὲ παρ’ αὐτὴν τὴν ἀκρόπολιν τέτταρσι πλευραις εἷς χῶρος ἴσαις διῄρεται (? διῄρηται) καὶ τὸ σχῆμα πλαίσιον τυγχάνει τοῦ μηχανήματος 36
τὸ σχῆμα τοῦ μηχανήματος 37
Βίος Ἀλεξάνδρου 38
τῇ δεξιή χειρὶ κομίζοντα θηρίον πολύμορφον τῇ δὲ εὐωνύμῳ σκῆπτρον κατέχοντα 39
παρῳκοδομῆνται δὲ σηκοὶ τῶν στοῶν ἔνδοθεν, οἱ μὲν ταμεῖα γεγενημένοι ταῖς βίβλοις, τοῖς φιλοπονοῦσιν ἀνεῳγμένοι φιλοσοφεῖν καὶ πόλιν ἅπασαν εἰς ἐξρυσίαν τῆς σοφίας ἐπαίροντες· οἱ δὲ τοὺς πάλαι τιμᾶν ἱδρύμενοι θεούς 40
τὸ μὲν οὖν Σεράπιον 41
ᾧδε ἥλω καὶ μετ’ οὐ πολὺ εἰς ἐκκλησίαν μετεσκευάσθη Ἀρχαδίου τοῦ βασιλέως ἐπώνυμον Σεράπιον 42
μετεσκευάσθη 43
τὸν γραμματικὸν Ἰωάννην ὃς ἐπεκλήθη Φιλόπονος 44
ἀκμάσαντα ἐπὶ τῆς παρούσης ἡγεμονίας 45
περικοπτόμενος τὸν στόλον ἠναγκάσθη διὰ πυρὸς ἀπώσασθαι τὸν κίνδυνον ὃ καὶ τὴν μεγάλην βιβλιοθήκην ἐκ τῶν νεωρίων ἐπινεμόμενον διέφθειρεν 46
τάς τε ἀποθήκας καὶ τοῦ σίτου καὶ τῶν βίβλων—πλείστων δὴ καὶ ἀρίστων, ὥς φασι, γενομένων—καθῆναι 47
ἀποθήκη τῶν βίβλων 48
βιβλιοθήκη 49
αὐλὴ δὲ κατὰ μέσον περίστυλος 50
αὐλή 51
παρῳκοδόμηνται δὲ σηκὶ τῶν στοῶν ἔνδοθεν κτλ 52
Σαράπιδι καὶ τοῖς συννάοις θεοῖς ὑπὲρ σωτηρίας αὐτοκράτορος Καίσαρος Τραιάνου Ἀδριανοῦ Σεγαστοῦ 53
ἐκ βάθρων ἀνέσπασε τὰ τῶν εἰδώλων τεμένη 54
τῶν πανταχοῦ γῆς, καθὰ φασί τινες, μέγιστός τε οὗτος καὶ κάλλιστος 55
λύεσθαι τοὺς ἐν Ἀλεξανδρείᾳ ναούς, ἀνακαθαίρει μὲν τὸ Μιθραῖον καταστρέφει δὲ τὸ Σαραπεῖον 56
τὸ Διονύσου ἱερὸν εἰς ἐκκλησίαν μετεσκεύαζε 57
τοῦ ναοῦ τούτου καθαιρουμένου 58
Ἰοβίανος 59
ἐν παλαιαῖς βιβλιοθήκαις 60
ἐν τῇ μεγάλῃ βιβλιοθήκῃ 61
62
ἐνδοξότατος 63
μεγαυχὴς 64
παρκάβιος 65
καύχον 66
καύχιον 67
καύχον 68
καύχιον 69
παρκάβιος 70
μεγαυχής °70
καύχον 71
καυχίον 72
καυκίον 73
καυκίοθ 74
καυκίον 75
καύχον 76
καύχιον 77
ἐκ τοῦ Καυκάσου-Καυκάσιος 78
79
καῦκος 80
καύχα 81
ὁ καύχιος 82
ὁ καύχιος 83
ὁ ἀσεβής 84
ὁ καύχιος 85
ὁ Καυχάσιος 86
ὁ Κολχικός 87
Κόλχιος 88
ὁ καύχιος 89
١  انظر Dict. Christ. Biog.، ترجمة توماس الهركلي وبولص التلوي.
٢  عجيبٌ أن يُسمى دير الأنطونيين Antonines في قاموس Dict. Christ. Biog، والمقصود طبعًا أن رهبانه كانوا يسيرون على مذهب مار أنطونيوس.
٣  قد كتب المؤلف رسالة بعد كتابة هذا الكتاب بنحو عشر سنوات، وهي The Treaty of Misr in Tabari، وأدخل فيها بعض التعديل على آرائه، وقد بيَّنا هذا في الملحق السابع. (المعرِّب)
٤  من المفيد أن نذكر هنا أن المؤلف قد عاد في رسالته The Treaty of Misr in Tabari، فقال إنه من الجائز أن يكون هذا الاسم تحريفًا لاسم قائد أرسله هرقل لمساعدة قيرس، وهو «مارينوس» أو «ماريانوس». وعلى ذلك يمكن أن نقول إن مؤرخي العرب لم يقصدوا «بنيامين» بمن سمَّوه «أبا مريم» أو «أبا مريام»، بل كانوا يقصدون قائدًا حربيًّا؛ وبذلك تبطل حجة المؤلف في تجريح مؤرخي العرب وحمل قولهم هنا على الخلط. (المعرِّب)
٥  ذهب Hyvernat إلى جعل تاريخ النسخة الخطية التي في مكتبة Bodleian حوالَي القرن العاشر.
٦  رأينا واجبنا التنبيه إلى أن هذا الاسم ورد في الطبري (الجزء الرابع، صفحة ٢٢٨، طبع المطبعة الحسينية بمصر)، وقد جاء فيه قوله: «فأبى أرطبون أن يُجيبهم، وأمر بمُناهضتهم … فلم يفجأ عمرًا والزبير إلا البياتُ من «فرقب»، وعمرو على عدة، فلقوه فقُتل ومن معه.» (المعرِّب)
٧  يتبع Pereira في كتابه Vido do Abl a Daniel (صفحة ١٨) رأيَ زوتنبرج في ترتيب التواريخ بغير فحص، كما يتبع رأي أميلنو في تاريخ إسحاق (صفحة ٢٩).
٨  وقد أخطأ زوتنبرج في فهم معنى هذه العبارة؛ فقد ترجمها كما يلي: «وأمر بفتح (؟) الحوض الذي كان فيه الصليب المقدَّس الذي جاءه قبل نفيه من القائد حنا.» وعلامة الاستفهام من وضع زوتنبرج نفسه، ولكن ترجمة الدكتور شارل كما يلي: «وعندئذٍ «مدح البئر التي وُجد فيها الصليب المقدس مدحًا كثيرًا»، وقد كان جاءه هذا الصليب قبل منفاه من القائد حنا.» وكان قيرس بغير شك يُعيد قصة العثور على الصليب في سنة ٣٢٦، ولا يبقى شك إذا ذكرنا أن ذكر العثور على الصليب وعيد إعلاء الصليب يُقام الاحتفال بهما معًا في يومٍ واحد في الكنيسة الشرقية، وذلك اليوم هو يوم ١٤ سبتمبر.
٩  جاء في كتاب زوتنبرج: «ولما بدءوا الاحتفال بالصلاة (في يوم عيد القيامة) بدلًا من أن يُرتلوا المزمورة الخاصة بذلك اليوم … إلخ.»
١٠  يجعل أميلنو عودة بنيامين في سنة ٦٤١ (Vie du Patriarche Isaac، صفحة VIX). ولكن هذا القول معناه أن مدة النفي كانت عشر سنوات بدلًا من ثلاث عشرة سنة، وهو المتفق عليه عند جُل المؤرخين.
١١  وقد ترجمها أميلنو: «أنهم أحضروه إلى محكمة قيرس.» وقد أخبرني المستر «كروم» أن هذه الترجمة لا تؤدي معنى الزمن (الماضي السابق) الذي في الأصل القبطي ⲉⲁϫⲧⲁϩⲟϥ.
١٢  قول المؤلف هنا ذو دلالةٍ عظمى؛ لأنه قد غيَّر رأيه الأول في معنى لفظ المقوقس على ما يلوح، وسلَّم بأنه يُقصد به الحاكم العام على مصر إطلاقًا. (المعرِّب)
١٣  إذا جاز لنا إبداء رأي عنَّ لنا مما رأيناه من عرض الآراء المختلفة في ذلك الأمر، أمكن أن نقول إن اسم «جريج بن مينا» قد يكون اسم حاكم مصر في الوقت الذي بعث فيه النبي عليه الصلاة والسلام بكتابه إلى مصر. وقد كان الحاكم الأعلى والبطريق الملكاني في مصر قبل قيرس هو «جورج» الذي ذكره الدكتور بتلر في كتابه هذا «فتح العرب لمصر»؛ فيكون هو الذي أتاه كتاب النبي عليه الصلاة والسلام، وقد يكون العرب أخذوا اسمه وأطلقوه خطأً على الذي جاء بعده.
١٤  يُقال دائمًا في إنجلترا «كبير أساقفة «كنتربري»».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤