الفصل السابع عشر

حصن بابليون

بقي من حصن بابليون إلى نحو أوائل القرن العشرين ما يدل على ما كانت عليه هيئته وعظمة خطره، وكان الفضل للقبط في حفظ تلك البقية؛ إذ اجتمعت لهم كنائس عدة فيه منذ أول عهد المسيحية؛ لأنهم وجدوا وراء أسواره منعة لهم في أيام المحنة والشدة، وكانت كل أسوار الحصن للقبط إلا ما كان منها للملكانيين، وهو موضع كنيسة «مار جرجس»، وإلا ما كان منها لليهود وهو موضع بيعتهم. والظاهر أن المسلمين لم يحفلوا بالمحافظة على ذلك الأثر مع ما كان له من الخطر في أيام فتحهم ومع كثرة ما كتبه مؤرخوهم عنه.

ولكنه خُرِّب تخريبًا يُرثى له منذ احتلال الإنجليز لمصر؛ إذ شعر أهله عند ذلك بالاطمئنان والأمن؛ فقد أصبح الأمر مُستقرًّا لا حاجة معه إلى الأسوار المنيعة، وصار القبط واليونان واليهود وكأنهم يتبارَون في هدم أسواره كلما بدا لهم فتح باب في ناحية أو إقامة بناء في جانب منه. فإذا نحن قلنا إن السنين الثمانية عشرة الأخيرة قد شهدت من تهديمه أكثر مما شهدته القرون الثمانية عشرة التي قبلها، لم يكن في قولنا شيء من المبالغة.

فلما أن انتهى الأمر إلى ذلك، وحدث الضرر الذي كان يُخشى؛ تدخَّلت الحكومة وبسطت حمايتها على ما بقي منه، ولكن ما أقل ما قد بقي منه!

وموضع ذلك القصر المتهدِّم فيما يُسمى «مصر القديمة»،١ وكان باقيًا من الأسوار ثلاثة جوانب لم يكد يمسسها أذًى منذ بضع سنين، ولكن لم يبقَ منها اليوم إلا قطع من جانبين اثنين، وأما الثالث فقد شُوِّه ومُسخ مسخًا. وكان سُمْك أسواره ثماني عشرة قدمًا، وكان بناؤها من الآجر والحجارة؛ طبقة من هذه وطبقة من تلك. وكان مُحيط الأسوار على شكل مربَّع غير منتظم، ولكنا لا نستطيع البت في أمر سعته ومساحته حتى تُكشف جدران الجانب الرابع، وهو الجانب الذي لم يبقَ منه أثر. ويتخلل كلًّا من الجانبين الجنوبي والشرقي من أسوار الحصن أربعة أبراج بارزة، بينها مسافاتٌ غير متساوية، وكانت ثلاثة من هذه الأبراج الأربعة التي إلى الجنوب لا تزال ظاهرة إلى عهدٍ قريب، وأما الآن فإن أحدها قد تهدَّم واندثر ولم يبقَ إلا اثنان، ونستطيع أن نرى بينهما الباب العظيم القديم الذي كُشف مما كان علاه من الأقذار والأتربة إلى نحو ثلاثين قدمًا.٢ وأما الجانب الغربي فلم تكن به بروج، ونستطيع أن ندرك علة ذلك متى عرفنا أنه في وقت بناء الحصن كان ماء النيل يجري تحت أسواره فكانت السفن ترسو تحتها، وقد بقيت الحال كذلك إلى أيام فتح العرب. وكان للحصن بابٌ آخر في تجاه النهر، ولعله كان بين الصرحين العظيمين المستديرين اللذين بقيا إلى عهدٍ قريب، لم يبلغ منهما التهدُّم مبلغًا كبيرًا إلا فيما انتابهما في المدة الأخيرة من التغير. وأما اليوم فقد بقي من أحدهما أثر، في حين لم يبقَ من الآخر شيء تراه العين؛ لأنه دخل في بناء مربع أقامه أبناء العرب في العصر الحديث. وكان كل صرح من هذين الصرحين دائريًّا يبلغ قُطره نحو مائة قدم، وكان في داخله دائرةٌ أخرى من البناء، وتقطع ما بين الدائرتين الخارجة والداخلة جدرانٌ من البناء تقسم الصرح إلى ثمانية أقسام، كان في كلٍّ منها سُلَّم حجري صاعد إلى أعلى البناء. وأما علو الأسوار فكان على وجه الإجمال نحو ستين قدمًا كما أظهره الحفر الحديث، ولكن الحصن كله مطمورٌ اليوم إلى نحو ثلاثين قدمًا فيما تخلَّف حوله من أثر العصور المُتتالية عليه. وأما الصروح فكانت أعلى من ذلك؛ فكان الصاعد إلى أعلاها يُشرِف على منظرٍ عظيم يبلغ مداه إلى المقطم من الشرق، وإلى الجيزة والأهرام وصحراء لوبيا من الغرب، وإلى قِطعٍ كبيرة من نهر النيل من الشمال والجنوب، وكان الناظر من هناك في وقت غزوة العرب، وذلك قبل أن تُبنى القاهرة، لا يقف شيء دون بصره حتى يبلغ مدينة عين شمس.٣
وكان بين الصرحين الكبيرين سورٌ ساتر ينفذ منه الباب الذي ذكرناه آنفًا، ولكن ذلك الباب ليس هو الذي يُكثِر مؤرخو العرب من وصفه ويقرنونه باسم المقوقس؛ فإن الباب الذي يقصدونه هو الجنوبي، وهو الذي نراه اليوم ماثلًا، وأما ذلك الباب بين الصرحين فقد تهدَّم أو طُمر في الأرض فلم يبقَ اليوم له أثر. وهذه حقيقةٌ أصبحت ثابتة لا ريب فيها؛ لأن البحث الحديث قد أظهر أمرًا عجيبًا، وهو أن النيل نفسه أو فرعًا قصيرًا منه كان في وقت الفتح يبلغ إلى الباب الأكبر الجنوبي (وهو ما يُسميه العرب بالباب الغربي)،٤ وإلى مَرسى السفن الذي كانت ترسو عليه السفن الرومانية، وكان لذلك المرسى درجٌ يهبط منه إلى الماء كلما تغيَّر علو النهر. وإن وجود هذا المَرسى إلى اليوم لدليلٌ على دقة وصف مؤرخي العرب في بعض الأحيان لما يرون. ولعل ذلك كان حال الباب الذي كان بين الصرحين المستديرين اللذين كانا تجاه جزيرة الروضة، ولكن من الثابت أن ذلك الباب الجنوبي — باب كنيسة المعلقة — هو الذي يرِد ذكره في أخبار مؤرخي العرب ويُسمُّونه «الباب الحديدي»، وتدل على هذا أدلةٌ كثيرة: (أولها) أن البحث قد كشف عن المرسى الذي كان هناك في النهر عند ذلك، و(ثانيها) أن الباب الذي لا يزال باقيًا إلى اليوم فيه مَجرًى عميق منقور في البناء كانت جوانب الباب تجري فيه إذ يدلى من عل، وكان ذلك الباب إما مصنوعًا من الحديد أو عليه غطاء من صفائح الحديد، و(ثالثها) أن المقريزي٥ ينصُّ على أن الباب الحديدي هو الباب الغربي (الذي نُسميه نحن في كتابنا هذا بالباب الجنوبي)، في حين أن ابن دقماق٦ — وكان يعيش في عصر المقريزي — يقول إن الباب الغربي هو الباب الذي يلي كنيسة المعلقة.

ومن أغرب ما يُذكر هنا أن ذلك الباب الحديدي الذي يلي المرسى القديم كان إلى سنة ١٤٠٠ للميلاد لا يزال مدخل الحصن الذي يلِجه الناس منه، وكان السوق الذي يُسمُّونه «السوق الكبير» واقعًا إلى جوار ذلك الباب، وكانت هناك طريق تنفذ من ذلك الباب مما يلي كنيسة المعلقة، ثم تسلك الحصن كله حتى تخرج من أسواره من باب في الشمال في تجاه جامع عمرو. وكان إلى جوار ذلك الباب الحديدي كذلك مَخفر بنائه، ولعله كان ذلك البناء الروماني المُنفصل عن الحصن، وقد بقيت للآن منه بقيةٌ صغيرة. ومع أن عبارة ابن دقماق يُفهم منها أن الحصن كانت له أبوابٌ عدة أخرى، فإنه لا يذكُر إلا بابًا آخر، وهو في الجانب الغربي، ولعله كان الباب بين الصرحين. وما دام الأمر كما وصفنا، فإنه يكون من الثابت أن السور الغربي كان على النيل، وأن السفن كانت تبلغ الباب الحديدي، ولكن النهر في هذه الأيام قد بعد بعدًا كبيرًا عن أسوار الحصن، وعلت الأرض حوله فطمرت نصف أسواره، فذلك النصف من الأسوار قد بقي تحت الأرض محفوظًا إلى اليوم لم تعصف به يد الهدم، ولعله ينكشف يومًا مما علاه فيظهر للعين.

وكانت جزيرة الروضة كذلك ذات حصون ومنعة في ذلك العصر، وكانت تزيد في قوة حصن بابليون وخطره الحربي بأنها كانت في وسط النهر تملك زمامه. ويظهر من قول ابن دقماق٧ أن العرب غزَوا تلك الجزيرة في أثناء حصارهم لحصن بابليون، فلما خرج الروم من هناك هدم عمرو بعض أسوارها وحصونها، فبقيت مجردةً عاطلة حتى أعاد ابن طولون بناء أسوارها في عام ٨٧٦ ليجعلها مَقرًّا لخزائنه وقصره الخاص. وكانت تلك الجزيرة تُتخذ لغرضٍ آخر، فكان يُسميها العرب في العصور المتأخرة «جزيرة دار الصناعة»، وقد بُني مقياس النيل في الطرف الجنوبي منها في سنة ٧١٦ للميلاد بدل مقياس قديم كان في حصن بابليون.
وكان الإقليم الذي إلى شرق الحصن في وقت الفتح مَزارع فسيحة، وكانت إلى شماله الحدائق وحوائط الكرم، وفيما يليها إلى الجبل الشرقي كنائس وأديرةٌ متصلة إلى الموضع الذي به اليوم جامع ابن طولون وقلعة الكبش. وقد بقيت بعض هذه الكنائس وتلك الأديرة إلى اليوم، بعضها داخل سور القاهرة وبعضها خارجه، مع أن الملك الناصر بن قلاوون٨ هدم أكثرها في القرن الرابع عشر.
وأما منشأ بناء الحصن فقد ذهبنا فيه إلى رأيٍ٩ ظهرت صحته فيما بعد عندما نُشر ديوان «حنا النقيوسي»، وذلك الرأي هو أن أول من بناه الإمبراطور الروماني «تراجان» في العام المُتمم للمائة من الميلاد. وقد جاء في ديوان حنا أن اليهود ثاروا بالإسكندرية مرة، فأرسل إليهم «تراجان» جيشًا عظيمًا وجعل أميره «مرقيوس تربو»، ثم جاء بنفسه إلى مصر، وبنى بها حصنًا، وجعل فيه قلعةً منيعةً قوية، وجعل فيها ماءً كثيرًا.١٠ ولعل هذه الكلمة الأخيرة يقصد بها ما حفره من الآبار عند الصرح المستدير وفي مواضع أخرى من الحصن، ثم قال بعد ذلك إن أصل ذلك الحصن كان بناءً أقامه «بختنصر» وسمَّاه باسم عاصمة ملكه «بابليون»، وذلك عندما غزا مصر، فأقام تراجان أسوار الحصن على أساسه وزاد في بنائه.١١ وعلى كل حال فلا شك في أن البناء القائم اليوم بناءٌ روماني، ولا نظن أن تراجان جعل بناءه على نسقٍ كان في ذلك الموضع من قبل.
على أنه من المحقَّق أنه قد كان في تلك الجهة حصنٌ قديم؛ فقد جاء سترابو١٢ إلى مصر قبل عهد تراجان بنحو مائة وثلاثين عامًا، وقد ذكر أنه رأى حصنًا قويًّا على نهد من الصخر، وقال إن السبب في تسميته أن جماعة من أسرى بابل كانت مُقيمة فيه. وقال تيودور١٣ إن ملك مصر «سيزوستريس» جاء بجماعة من أسرى البابليين وأنزلهم في قصر، فأطلقوا على القصر اسم المدينة التي جاءوا منها. ويقول المؤرخ «يوسفوس»١٤ إن الحصن لم يُبنَ إلا في أيام غزوة الفرس في حكم الملك قمبيز. وقال «ابن بطريق»١٥ إن «آخوس»، وهو «أرتخشيارش أوخوس»، هو الذي بنى الحصن. وإذن نستطيع أن نقول إنه قد كان على مقربة من موضع الحصن القائم في الوقت الحاضر حصنٌ قديم كانوا يُطلِقون عليه اسم «بابليون» مدةَ قرونٍ طويلة قبل أيام تراجان، ولكنا بيَّنَّا في موضعٍ آخر١٦ أن ذلك الحصن القديم كان على نهدٍ صخري كما قال سترابو، وكان ذلك إلى الجنوب من الموضع الذي به الحصن اليوم (ولا يزال ذلك النهد الصخري إلى اليوم ماثلًا يُرى). ولعل ذلك النهد الصخري وما جاوَره كان داخلًا في مدينة مصر في وقت غزوة العرب، وكانت مصر إذ ذاك تتصل شمالًا بموضع الحصن الروماني، ولعلها كانت تتصل بما بعد ذلك. وكان حول الحصن خندقٌ أعاد المقوقس (قيرس) حفره، واتخذ عليه قنطرةً متحركة.١٧ وإنا نظن أنه كان لا يزال بمدينة مصر في ذلك الوقت كثير من مباني المصريين القدماء؛ فإن الباحثين اليوم يعثرون في كثير من الأحياء على حجارةٍ كبيرة وعليها نقوش بالخط الهيروغليفي.
وقد سبَّب اسم «بابليون» ارتباكًا كبيرًا لكُتاب العرب، وبقي ذلك الاسم إلى اليوم، ولكنه لا يُطلَق على الحصن نفسه، فاسمه الآن «قصر الشمع»، بل يُطلَق على ديرٍ صغير على مسافةٍ قليلة من الحصن نحو الجنوب، وهو «دير بابليون»، وكان اسم الحصن باللغة القبطية في وقت الفتح «بابلون-آن-خيمى»، ومعناه «بابليون مصر»؛١٨ فكان من السهل تحريفه في اللغة العربية؛ لأن أول جزء منه «باب»، ويمكن أن يُفهم أن الجزء الثاني منه مُضاف إلى الأول، وقد سبقت الإشارة إلى هذا.١٩ وليس من السهل أن نعرف أصل تسميته بقصر الشمع في اللغة العربية؛ فقد يكون لفظ «الشمع» تحريفًا للكلمة القبطية «خيمى»، ولكن قد نصَّت الأخبار على أنه قد كان في حصن «بابليون» القديم هيكل للنار، وأنه قد بُني هيكلٌ آخر مِثله في صرح من الصروح بالحصن الروماني، وذلك في مدة تملُّك الفرس للبلاد في القرن السابع. ونجد في كتاب ياقوت ذكر «قبة الدخان».٢٠ ولعل منشأ ذلك أن الصروح العالية كانت تُتخذ في وقت الحروب مراقب تُبعث منها الإشارات، فلعله قد جُعل على أحد الصرحين أو عليهما معًا منائر تُوقد فيها النِّيران للإشارة، فنشأ من ذلك اسم قصر الشمع.٢١ ومهما يكن من أمر العرب وتحريفهم لاسم الحصن، فقد ظل كُتاب أوروبا في القرون الوسطى يُطلِقون على ذلك الموضع اسم «بابليون»، وليس اسم مصر، وحفظوا تلك التسمية إلى ما بعد بناء القاهرة، فصاروا يُطلِقون على مدينة مصر اسم «بابليون»، ويُسمُّون حاكمها «سلطان بابليون».٢٢
وبعدُ، فلنا كلمةٌ أخرى؛ فإنه لم يرِد لنا إلا القليل من أخبار ما كان في داخل الحصن من البناء في وقت حصار عمرو له، ولكنا نعرف أنه قد كان به مقياس للنيل بقيت آثاره إلى أيام المقريزي،٢٣ وكذلك نعرف أن بعض ما بقي به إلى اليوم من الكنائس كان عند ذلك قائمًا تُصلِّي فيه جنود الروم، نضرب لذلك مثل الكنيسة الكبرى كنيسة «أبو سرجة»، ولعلَّ منها كذلك كنيسة «المعلقة» نراها اليوم بعد أن مضى عليها من الدهر ثلاثة عشر قرنًا.٢٤
١  جاء في الأصل الإنجليزي now miscalled old Cairo، ومعناه: «فيما يُسمى الآن خطأً القاهرة القديمة.» والواقع أن الخطأ واقع في التسمية الإنجليزية وحدها؛ إذ إن اسم ذلك القُطر بالعربية «مصر القديمة»، وليس «القاهرة القديمة» كما هو في الإنجليزية؛ ولهذا آثرنا أن نحذف من الترجمة لفظ «خطأ»؛ إذ لا خطأ في التسمية العربية كما هو ظاهر. (المعرب)
٢  المؤرخون والأثريون مَدينون على السواء دينًا عظيمًا من الشكر إلى ماكس هرتز بك؛ لِما قام به من العمل الجليل بحفظ هذا الباب وإظهاره للعيان.
٣  قد حقَّق مؤلف هذا الكتاب ذلك. وقد جاء وصفٌ مفصَّل لهذه الصروح في كتاب Ancient Coptic Churches، وقد أثبتنا هنا رسم أجزاء السور التي كانت باقية إلى قُبيل احتلال الإنجليز لمصر، وفيه تغييرٌ يسير.
٤  وليس في الواقع وصف الباب بالغربي دقيقًا، كما أن وصفه بالجنوبي ليس صحيحًا؛ فإن جهات البوصلة مخالفة لذلك. على أن الجانب المُواجه للقاهرة أجدر بأن يُسمى الشمالي، والجانب المُواجه لحلوان الجنوبي.
٥  الخطط، الجزء الأول، صفحة ٢٨٦.
٦  الجزء الرابع، صفحة ٢٥ و٢٦. ولا يصف الكاتب الحصن، ولكنه يُسمي الأبواب والطرق والمساجد والكنائس التي كانت فيه. وإنا مُورِدون بعض ما جاء فيه في هذه الفقرة الهامة. قال عن «طريق المعلقة» إنه الطريق الذي يمرُّ أسفل كنيسة المعلقة، وهو الباب الذي يدخل منه الآتي من السوق الكبير إلى الحصن الروماني المُسمى قصر الشمع. وقال عن «طريق الحجر» إنه يُدخل إليه من مَخفر البناية، ومنه يُدخل إلى الحصن، وهو الباب (الشمالي) الشرقي للحصن، وأما الطريق السابق فهو (الجنوبي) الغربي، وسيأتي ذكر الأبواب الأخرى فيما بعد إن شاء الله. وقال عن «طريق محط القرب» إنه يُدخل إليه من سوق السمَّاكين ومن سوق القصَّابين، وهذا هو الباب الشمالي (الغربي) للحصن، وهو آخر الأبواب المشهورة في الحصن.
فالباب الذي سمَّيناه بالجنوبي أسفل المعلقة يُسميه ابن دقماق الغربي، وذلك لا خطأ فيه، ولكنه فيه شيء من التجوز والتكلف (وانظر كذلك ابن دقماق، الصفحات ١٥، ١٦، ٣٠، ٣٣، ٤٠، ٨١، ١٠٣، ١٠٤، ١٠٧، ١٠٨).
٧  الجزء الرابع، صفحة ١٠٩. انظر كذلك كتاب Cairo Fifty Years Ago (E. W. Lane)، صفحة ١٣٢، (لندن ١٨٩٦)، وقد ذكر فيه الكاتب بقايا سور عظيم له بروجٌ مستديرة من عمل الرومان كان ظاهرًا في أيامه على الجزيرة.
٨  أخذنا كل هذه الفقرة عن المقريزي (الخطط، الجزء الأول، صفحة ٢٨٦). ويقول أيضًا: «وكان هذا الحصن مُطلًّا على النيل، وتصل السفن إلى بابه الغربي الذي كان يُعرف بباب الحديد، فانحسر بعد الفتح بأعوامٍ ماء النيل عن أرض تجاه الحصن والجامع العتيق (إلى الغرب).» وقد ذكر أبو صالح بعض كنائس في هذه الجهة بقيت بعد الفتح بمدةٍ طويلة، ولكنه يقول إن عمرو بن العاص هدم عددًا كبيرًا من الكنائس هناك (صفحة ١٣٣).
٩  Ancient Coptic Churches، الجزء الأول، صفحة ١٧٨.
١٠  صفحة ٤١٣.
١١  من العجيب أن يذكُر المقريزي الخبر نفسه بغير خلاف كبير، ولكنه يقول إن الحصن قد هدمه بختنصر ثم بناه الحاكم الروماني «أرجاليس بن مقراطيس» على أساسه الأول (الخطط، الجزء الأول، صفحة ٢٨٧). والظاهر أن الاسم المقصود «أركلاوس بن مرقاتس»، ولعله كان والي تراجان، أو لعله كان المهندس الذي تولَّى البناء.
١٢  Geog. lib. XVIIC. 1 and 35.
١٣  تيودور الصقلي (تاريخ)، الكتاب الأول، الفصل ٣٠٥٦.
١٤  Ant. Jud. ii. 15.
١٥  انظر كتاب أبي صالح، صفحة ١٧٧، هامش ٣، وقد أخذنا منه كلمات «ابن بطريق». وقد رأى Vansleb في سنة ١٦٧٢ بقايا هيكل عظيم من بيوت النار الفارسية، قيل إن الذي بناه هو «أرتخشيارش أوخوس» Nouvelle Relation d’un Voyage fait en Eg. p. 240، وكانت الأطلال بغير شك في داخل قصر الشمع.
١٦  Ancient Coptic Churches (الجزء الأول، صفحة ١٧٢–١٧٥).
١٧  يذكر «ساويرس» بين أعمال قيرس أنه حفر خنادق. ويقول أبو المحاسن: «وكانت الروم قد خندقوا حول الحصن، وجعلوا له أبوابًا (وتلك الأبواب هي القناطر التي تؤدي إلى الأبواب).» وقال أبو صالح (صفحة ٧٣): وحفر أهل الفسطاط خندقًا لصد العرب.
١٨  ⲃⲁⲃϫⲗⲟⲛ، أو ⲃⲁⲃϫⲗⲱⲛ ⲛⲭⲏⲙⲓ، أو ⲛⲕⲏⲙⲏ. انظر كتاب شمبوليون L’Egypte Sous Les Pharaons، الجزء الثاني، صفحة ٣٤. ولا يوجد دليل يُعزز ما ذهب إليه من أن لفظ ⲃⲁⲃⲏⲗ كان مستعملًا في مصر، فلا يرِد ذلك في كتب القبط ولا كتب العرب، ولكن اسم ⲭⲏⲙⲓ هو ⲕⲉϣⲣⲱⲙⲓ، وقد جاءا مُترادفين في نسخةٍ مخطوطة سمَّاها Zoega في كتابه Cat. Codd. Copt.، صفحة ٨٨.
١٩  انظر ما سبق في [الفصل الثاني: النضال من أجل مصر، الهامش رقم ٧].
٢٠  ولكن يظهر أن ياقوت أخطأ فهم الاسم؛ فإنه يذكُر حصنًا اسمه قصر اليون أو قصر الشام أو قصر الشمع (الجزء الرابع، صفحة ٥٥١).
٢١  نقل المقريزي عن الواقدي أنه قال إنهم يُوقدون مشعلًا على الحصن في أول يوم من كل شهر إذا دخلت الشمس في برجٍ جديد، وإن الحصن بناه أحد الفراعنة واسمه الريان. وهذا غير مستغرب من الواقدي؛ فهو صاحب القصص الخيالية.
٢٢  انظر مثلًا كتاب Marino Sanuto، وسِواه من المؤلفين الذين جُمعت كتبهم معًا في الجزء التاسع والعشرين مما نشرته جمعية Pal. Pil. Text Soc..
٢٣  وقال عن دير البنات في قصر الشمع: «وكان هناك مقياس النيل قبل الإسلام، ولا تزال توجد آثار منه إلى يومنا هذا» (نقله أبو صالح عن الخطط في ذيل الكتاب، صفحة ٣٢٥).
٢٤  الظاهر أنه لا محل للشك فيما يخصُّ «أبو سرجة». على أنه عندما كتبنا كتاب Coptic Churches لم نجرؤ على أن نذهب إلى أن شيئًا من هذه الأبنية قديمٌ مِثل هذا القِدم. وقد ذُكر «أبو سرجة» حوالَي سنة ٦٩٠ في كتاب أميلنو Vie du Pat. Isaac، صفحة ٤٦. ونعلم كذلك من القطعة التي وُجدت عن حياة بنيامين أنه كان عند الفتح أسقف لحصن بابليون وأسقف لحلوان، وهذا دليلٌ قوي على كثرة عدد الكنائس في هذه الجهة (وإذا أردت الاطلاع على ما يتعلق بالحصن فانظر كتاب «أميلنو» Geog. Copte، صفحة ٧٥ وما بعدها؛ وكتاب «كاترمير» Mem. Geog. et Hist.، الجزء الأول، صفحة ٤٥ وما بعدها؛ وكتاب Hamaker «فتوح مصر» للواقدي، هامش صفحة ٩٠ وما بعدها، وصفحة ٤١، وهامش صفحة ١١٠، متن صفحة ٦٠، وقد ذكر فيها أن المعلقة قد افتداها القبط من عمرو، وقد كُتبت لوحة ذُكر عليها ذلك). على أن الكنيسة وإن وُجدت يشكُّ الإنسان في أنها كانت على ما هي عليه الآن فوق الباب الروماني؛ فإن الأسوار الخارجية ليست رومانية في شيء، وجزء من الكنيسة قائم على أسوارٍ بناؤها يجعل استعمال الباب غير ممكن؛ وعلى ذلك فهي مبنية بعد الفتح العربي. وقد أخطأ الواقدي إذ قال إن «دير بولص» هو قصر الشمع وبه المعلقة، ودير بولص الذي ذكره هو ولا بد الدير الصغير الواقع خارج الحصن، واسمه «دير بولص»، وهو قائم على غور بين الأطلال التي في جنوب الحصن. وتجد صورةً حسنة للباب الجنوبي كما كان قديمًا في كتاب «ر. هاي» Illustrations of Cairo (لندن ١٨٤٠)، ولكنا لا نعرف رسمًا للبناء كما كان في الأصل إلا ما رسمه «بوكوك»، وهو في منتهى عدم الدقة. وإن الرسم الذي تُحضره الآن لجنة حفظ الآثار العربية سيُخلِّد ذكرًا قيِّمًا للباب الروماني على الأقل. وتوجد بالحصن بِيعة لليهود كانت في الأصل كنيسةً مسيحية ترجع إلى ما قبل الفتح، وهي ذات دلالة عظمى، وقد هدمها اليهود حديثًا ليُقيموا محلها مكانًا آخر لعباداتهم، وقد هدم اليهود كذلك جانبًا عظيمًا من السور.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤