الفصل الرابع والعشرون

وصف الإسكندرية عند الفتح

أرسل عمرو إلى الخليفة كتابًا مشهورًا يصف فتح الإسكندرية، والرواية المُتداولة عنه هي: «لقد فتح الله علينا مدينةً من صفتها أن بها أربعة آلاف قصر، وأربعة آلاف حمام، وأربعمائة ملهًى، واثنَي عشر ألف بائع للخضر، وأربعين ألفًا من اليهود أهل الذمة.»١ ونرى أن هذه الأعداد فيها مبالغة، ولعلها لم تكن كذلك في الكتاب الذي بعث به عمرو، بل نقلها النُّساخ خطأً.٢ ومع ذلك فإنها تدل دلالةً واضحة على ما كان للمدينة من الأثر العظيم في نفوس الفاتحين، وقد أدهشهم عِظمها وفخامتها، ولكن لقد بهرهم فوق ذلك منها تألُّقها وسناها، فقال أحد من وصفها: «إن الإسكندرية مدينة يكثر المرمر في أرضها وبنائها وعُمدها.» وقال آخر: إن المدينة تبدو بيضاء لامعة في النهار والليل.٣ وقال في موضعٍ آخر إن أهلها جميعًا كانوا يلبسون الثياب السود والحمر؛ لأن أرضها وبناءها من المرمر الأبيض، وكان تألق الرخام سببًا في اتخاذ الرهبان السواد في لباسهم. وكان من المؤلم أن يسير الإنسان في المدينة بالليل؛ فإن ضوء القمر إذا وقع فيها على الرخام الأبيض جعلها تُضيء، حتى كان الحائك يستطيع أن يضع الخيط في الإبرة بغير أن يستضيء بمصباح، وما كان يستطيع أحدٌ أن يدخل المدينة إلا إذا اتخذ غطاءً لعينَيه يقيهما بهر الطلاء والمرمر. وقال مؤرخٌ عربيٌّ آخر٤ في القرن العاشر إن الناس كانوا يتخذون سترًا من الحرير الأخضر يُغطون به الطرق، يتَّقون بذلك وهج الضوء على الرخام.٥
وقال المؤرخ نفسه إن الطُّرق كلها كانت تكتنفها العُمد. وكان هذا ولا شك صحيحًا في الطريقين العظيمين اللذين وصفناهما من قبلُ وهما يقطعان المدينة من أطرافها، فكان أحدهما من أول المدينة في الشرق إلى آخرها في الغرب يصل بين باب الشمس وباب القمر،٦ وكان الثاني يجري في المدينة من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، وكانا يتلاقيان ويقطع أحدهما الآخر في ميدانٍ فسيح به الحدائق وتُحيط به القصور الجميلة. وكان لكثير من القصور في وسط المدينة حدائق غنَّاء؛ فقد قال السيوطي — والظاهر أنه يروي ذلك عن ابن عبد الحكم٧ — إن الإسكندرية كانت تشمل مدائن ثلاثًا؛ إحداها إلى جانب الأخرى، وكان لكلٍّ منها سورٌ قائم بها، وحول الجميع سورٌ يُحيط بها. ولعله يُشير بهذا إلى الأحياء الثلاثة: حي المصريين، وحي الروم، وحي اليهود. ولكنا نشكُّ في دقة هذه الرواية. وقد روى عبد الله بن ظريف أن المدينة كان بها سبع قلاع وسبعة خنادق، وكانت قلعة الفرس بلا شك تُعدُّ إحدى عجائب الإسكندرية.
وما كانت دهشة العرب من رسم المدينة بأعظم من دهشتهم مما كان تحت أرضها من المباني؛ فقد رأوا بها عددًا عظيمًا من الصهاريج العجيبة تحت الأرض، كان لبعضها طبقاتٌ يلي بعضها بعضًا أربعة أو خمسة، وكان في كل طبقة منها عددٌ عظيم من الحجرات والأعمدة، حتى لقد قال السيوطي إن الإسكندرية مدينةٌ قائمة على مدينة، وإنه ليس في البلاد مثلها على وجه الأرض. وكان بها عددٌ عظيم من الأعمدة لم يُرَ مثلها في موضعٍ آخر في علوِّها وعِظم حجمها. وكانت هذه الحجرات الدفينة تُستخدم لخزن المياه توصل إليها في قنواتٍ تجري من الترعة الحلوة التي كانت تشقُّ المدينة في حي المصريين، وكانت تُملأ في أوان الفيضان فيشرب الناس منها مدة الحول.٨
وكان أفخم أحياء أنحاء المدينة فيما مضى جهةً اسمها «البروكيون»، وكان إلى شمالها ميناء الإسكندرية، وإلى جنوبها الشارع الأعظم الآتي من باب الشمس إلى الحدائق الوسطى بالمدينة. ولا شك قد هدم أورليان جانبًا عظيمًا من ذلك الموضع، ولكنا نظنُّ أن أخبار ما حل به من التخريب فيها مبالغة.٩ وما كانت آثار ذلك التخريب لتبقى فيه بغير أن تُصلح ويُعاد بناؤه إلى سابق عهده. وعلى أي حال فقد كانت فيه قصور البطالسة والمقبرة الكبرى التي كانت فيها جثة الإسكندر في غشاء من الذهب، وكان فيه المتحف، وتتصل به مكاتبه العجيبة التي كانت مَقرَّ العلوم في العالم أجمع. وكان في ذلك الحي إلى الشرق معبدٌ مكشوفٌ اسمه «التترابيلوس»، وهو إيوان به أربعة صفوف من الأعمدة تُحيط به. وقيل إن الإسكندر دفن هناك النبي «أرميا»، فكان ذلك الموضع مشهدًا يحترمه الناس احترامًا بالغًا.١٠ وإلى جانب ذلك المشهد كنيسة القديسة «ماريا دروثيا» بناها «أولوجيوس»، وإلى شرقها فيما يلي الأسوار على مقربة من البحر الكنيسةُ الكبرى كنيسة القديس «مرقص»،١١ وكانت عند ذلك لا تزال ماثلة، وفيها مدفن من المرمر به جثمان ذلك الرسول. وقد قال «أركولفوس»:١٢ «إذا أتيت من بلاد مصر ودخلت المدينة ألفيت عند جانبها الشمالي كنيسةً كبرى فيها جثمان مرقص الإنجيلي، وترى قبره أمام المحراب في الجانب الشرقي وقد أقيم فوقه شاهد من المرمر.» وكان في الحي نفسه كنيستا القديسين «تيودور» و«أنستاسيوس».١٣
ولم تكن كنيسة القديس مرقص في القرن السابع أكبر كنائس المدينة وأعظمها شأنًا، بل كان أعظم منها كنيسة القيصريون، وكانت في الحي نفسه عند ثنية المرفأ الأعظم، وقد بلغت من عِظم الشأن أن كادت تحلَّ محلَّ الكنيسة الكبرى؛ فقد كان بناؤها جليلًا، ولها مسلَّتان قديمتان في فنائها، فكانت تُشرِف فوق أسوار المدينة أظهر الأشياء التي يراها الرائي أول وهلة في صدر ما يراه١٤ إذا أتى من الميناء داخلًا مما يلي المنارة، فكانت في هذه الجهة لها مظهرٌ يعدل مظهر «الأكروبولس» والسرابيوم وعمود «دقلديانوس» في نهاية المدينة من الجانب الآخر. وكانت كنيسة القيصريون في مبدأ أمرها معبدًا للأوثان، بدأت كليوبترا في بنائه إعظامًا لقيصر، ثم أتمَّه أغسطس. وإنه لجديرٌ بنا أن نرى ما جاء من صفته في كتاب «فيلو» إذ قال:١٥ «وكان هذا المعبد معبد قيصر، الذي يُعرف في الإسكندرية باسم سبستيان (أغسطس)، أثرًا لا مثيل له، وكان على ميناءٍ فسيحة، عظيم البناء، عجيب الصناعة، عالي السُّمك، يعدُّه الناس علَمًا من أعلام البحر، وقد زانته أبدع الصور والتماثيل، تُقدَّم إليها جليل الهدايا والقرابين، وكانت تُجمله كله حليةٌ من الذهب والفضة، فكان نموذجًا في جمال تنسيقه وإبداع أجزائه التي كان يشملها من متاحف ومكتبات وقباب وساحات وأبهاء ومَماشٍ وخمائل من أشجارٍ ظاهرة، قد وُضع كل شيء في موضعه اللائق به، وأبدعت فيه يد الصناعة فأبرزته في حلةٍ أنيقة من الرونق، بُذل في سبيلها المال لم يدَّخر باذله ثمينًا ولا غاليًا، وكان فوق ذلك جلاء عين أهل الأسفار في البحر إذا وقعت عليه في روحاتهم وغدواتهم.»
وقال فيه حنا النقيوسي: «إنه القصر الجليل.» وقد غيَّره قسطنطين الأكبر فجعله كنيسةً مسيحية، وأهداه إلى اسم القديس ميخائيل،١٦ ولكنه كان عند الفتح العربي لا يزال مُحتفظًا باسمه الأول «القيصريون»، ولم يصِر كنيسةً بطريقيةً عظمى إلا حوالَي سنة ٣٥٠ للميلاد، ولكن في سنة ٣٦٦ في أيام أنستاسيوس جاء جمعٌ عظيم من قومٍ هائجين ثائرين من الوثنيين وأتباع المذهب الآري المسيحي، ودخلوا فناءها ثم اقتحموها، وأحرقوا المذبح والعرش وما كان فيها من النمارق والسُّتر، وسوى مما وصلت إليه أيديهم. ولئن كان قد بقي شيء من المكتبات التي ذكرها فيلو فإنها لا بد قد أُحرقت عند ذلك، ثم أُعيدَ بناء الكنيسة وأُصلحت في عام ٣٦٨. وإن الذين يقرءون قصة «هيباشيا» يعلمون أنها وقعت في كنيسة القيصريون فيما بعد هذا العصر بنحو خمسين عامًا؛ فإن غوغاء المسيحيين وعامتهم ممن أعماهم التعصب للدين١٧ أتَوا بتلك الفتاة الحكيمة فمزَّقوا جسمها تمزيقًا، فكان وُثوبهم هذا وما فيه من خروج وعنف جديرًا بالمعبد القديم معبد زحل (ساتورن). وقد جاء في الأخبار أن تيموثي إيلوروس فرَّ إلى بئر المعمودية في هذه الكنيسة لاجئًا إليها بعد نحو خمسين سنة من ذلك العهد، فدخل إليه الناس وأخرجوه منها ثم نفَوه. فلما عاد «تيموثي» إلى الإسكندرية بعد أن أقام في منفاه عشرين عامًا «لقيه الناس في موكبٍ حافل، تُوقد فيه المشاعل، وتُنشَد فيه آيات المديح يُرتلها قومٌ مُختلفو الأجناس واللغات»، فسار في موكبه هذا يحْدُوه النصر إلى أن بلغ تلك الكنيسة عينها كنيسة القيصريون.١٨
ولم يبقَ شيء من وصف ما في تلك الكنيسة من داخلها، ولكن الذي لا شك فيه أنها كانت على طراز الكنائس البيزنطية (البازليكية)، وأنها بقيت على ما كان بها من الحلية الجليلة والزينة البديعة. وكان آخر ما عهدته تلك الكنيسة من مشاهد المجد في عهد الإمبراطورية صلاة الفرح بعودة قيرس، ولا بد أن خطبته إذ ذاك كان لا يزال يذكرها من شهد دخول عمرو بجيشه إلى المدينة، ولكنها لم تبقَ مدةً طويلة بعد فتح العرب؛ فلم يبقَ إلا اسمها في صورته العربية، وهو القيصرية. وكان يُسمَّى به في أول الأمر نوع من القصور أو الأبنية العامة، ثم وصل إلينا بعد أن دخل على دلالته تغيير.١٩
وقد عجِب العرب أشد العجب من المسلَّتين من الصخر المحبَّب الأحمر (الجرانيت) اللتين كانتا في صدر الكنيسة، وكان مؤرخوهم يُكثرون من وصفهما؛ فقال اليعقوبي (وهو من كُتاب القرن التاسع) إنه قد كان هناك مسلَّتان من الحجر الملوَّن تحتهما قاعدتان من البرونز على شكل الجُعل، وعليهما نقوشٌ قديمة.٢٠ وقال مثلَ ذلك ابنُ رستاه (وهو من كُتاب القرن العاشر)، فوصف أثرين كلٌّ منهما على شكل منارة مربَّعة تحتهما قاعدتان على صورة العقرب من النحاس أو الشبه، وعليهما نقوش، وقيل إن صورة العقرب قد صُهرت بنارٍ أُوقدت تحتها فوقع الأثران.٢١ وجاءت قصة في كتاب ابن الفقيه (وهو ممن كان يعيش في أيام ابن رستاه)، وفي هذه القصة بدأ الخطأ العجيب الذي خلط بين هاتين المسلَّتين وبين «الفاروس»، وهي التي كان العرب يُسمُّونها منارة الإسكندرية، قال إن منارة الإسكندرية قائمة في البحر على قاعدة من الزجاج على شكل الجُعل. وقال: ولها عمودان قائمان على قاعدتين؛ إحداهما من الزجاج، والأخرى من الشبه، وكانت قاعدة الشبه على صورة العقرب، وقاعدة الزجاج على صورة الجُعل.٢٢ فما إن أتى عهد المسعودي حتى كانت هذه القصة قد اتَّخذت صورةً ثابتة، وأصبحت خرافةً يبتهج العرب بذكرها، فقال المسعودي: وكانت المنارة قائمة على أساس من الزجاج له صورة السرطان، وكان بناؤها على لسان من الأرض بارز في البحر، وكان على رأسها صور من معدن الشبه؛ إحداها تُشير بيُمناها إلى الشمس وتدور معها في السماء، فإذا غربت الشمس وضعت يدها؛ وصورةٌ أخرى تُشير إلى البحر في الجهة التي يأتي منها العدو، فإذا ما اقترب من المدينة خرج منها صوتٌ هائل يُسمع على بُعْد ثلاثة أميال، فيُنذر أهل المدينة بالخطر.٢٣
ومن المعلوم أن «الفاروس» أو المنارة كانت أثرًا غير المسلَّتين، وهي بناءٌ مَتين من الحجر شاهق العلو. وإنه لمن المُضحِك أن يتصوَّر أحدٌ أن بناءها العظيم يقوم على كرسي من الزجاج على هيئة السرطان، ومع ذلك فإنه مما يسرُّ النفسَ أن يصل الإنسان إلى أصل هذه الخرافة التي تظهر في مبدأ الأمر سخيفةً لا معنى لها؛ فإنها إنما نشأت من سوء فهم لِما ذكره مؤرخو العرب الأوائل من الحقائق التاريخية وتحرَّوا في ذكره الدقة العظيمة. فلا شك في أن المسلَّتين اللتين كانتا أمام كنيسة «القيصريون» عند دخول عمرو في الإسكندرية، كانتا على قاعدتين على هيئة السرطان كما وصفهما العرب الأوائل؛ فقد قام الدليل على هذا عند نقل إحدى المسلتين إلى نيويورك؛ إذ وُجد أن هذا الحجر الهائل كان قائمًا على أربع صور من المعدن على هيئة السرطان، وكانت هذه تفصل بين المسلة وبين القاعدة. وكانت القاعدة من قطعةٍ واحدة من صخر «الجرانيت»، وكان من تحتها ثلاث طبقات مُدرَّجة من الحجر، ولم يكشف سندَ نقل المسلَّة إلا تمثالٌ واحد من التماثيل الأربعة التي على هيئة السرطان؛ لأن القاعدة كانت قد مضى عليها زمنٌ طويل وهي مدفونة تحت الأرض.٢٤ وكان ذلك التمثال نفسه مشوَّهًا، ولكن لم يكن ثَمة شكٌّ في الغرض من تلك التماثيل؛ إذ قد وُجدت كتابة باللغتين اليونانية واللاتينية على المعدن، وكانت لا تزال ظاهرة، وفيها مِصداق لِما رواه كُتاب العرب.٢٥ وهذا مثل من الأمثلة الظاهرة التي كانت فيها أعمال الحفر والتنقيب مُساعدةً للتاريخ مُصدقةً له.

وقد يقول قائل: وماذا كان من أمر الجعلان أو العقارب الزجاجية التي تحت المسلة الأخرى، وما تحسب ذلك القول إلا إحدى الأقاصيص؟ وليس شيءٌ أشد خطأً من مثل هذا القول؛ لأننا إذا سمعنا وصف أمرين مُتصلين اتصالًا وثيقًا، وصدق أحدهما صدقًا لا شبهة فيه، وكان من آيات الدقة، فإن أعجب العجب أن نقول إن الأمر الآخر مكذوبٌ لا صدق فيه؛ فما يكون قولنا هذا إلا تكذيبًا لا مُبرر له للتاريخ كله. وليس في وصف هذه المسلات ما يجعلنا في حيرة بين ما يقتضيه العلم وما يقتضيه التاريخ. لا جَرم أننا لا نُصدق أن تقوم قطعةٌ عظيمة من الصخر في حجم تلك المسلة التي نُسميها مسلة كليوبترا على جعالين من الزجاج مما يُصنع في أيامنا هذه، وما كان في الزجاج قِطعٌ تبلغ من الحجم ما يكفي لمثل هذا القصد، ولكنا نعلم في المعادن معدنًا عظيم الصلابة والرونق، وهو الحجر الأسود (الأبسيدي) الذي يُشبِه الزجاج، ويُعرَف بالزجاج الطبيعي. ولعل الجعالين التي كانت تحت المسلة الثانية — وهي القائمة اليوم في لندرة — كانت من ذلك الحجر الأسود. وإذا كان هذا غير ممكن فلعلها كانت من حجرٍ آخر متينٍ شديد الصقل. وإنا نؤثِر أن نُصدق ما قاله كُتاب العرب بنصه كما جاء في قولهم، على أن نُكذبهم فيه بعدما ظهر من صدقهم فيه صدقًا جليًّا. فإنا لا نشكُّ في أن المصريين كانوا فوق براعتهم في صناعة الزجاج يعرفون من عظيم أسرار صناعته ما تجهل، وليس بالمُستبعَد أن يكونوا قد استطاعوا صناعة صنف من الزجاج يبلغ من المتانة أن يحمل مثل تلك الكتلة الصخرية العظيمة. ومن المُفيد هنا أن نقول إن المسلة التي حُملت إلى لندن كانت قد وقعت على الأرض قبل الأخرى بزمنٍ طويل.

إذن نقول إن أثرين عظيمين كانا قائمين أمام القيصريون على قاعدتين ذواتَي طبقات، وكان أحدهما قائمًا على أربعة سرطانات من النحاس أو الشبه، وكان الثاني قائمًا على أربعة تماثيل من الزجاج المتين أو الحجر الأبسيدي على صورة العقارب. وإذا نحن أزَلْنا ما طرأ من الخلط على هذا الوصف بين المنارة والمسلتين، عرفنا أن التماثيل النحاسية التي يذكرها المقريزي لم تكن في أعلى المنارة حيث لا تكون ظاهرة لرأي العين، ولكنها كانت في أعلى المسلات، وكان التمثال «الذي يُشير إلى الشمس» بغير شك تمثالًا ذا جَناحَين يُمثِّل «هرميس» أو «نيكي Nike» (إلهة النصر عند اليونان)، وأغلب الظن أنه كان قائمًا على قدمٍ واحدة فوق قمة المسلة،٢٦ يمدُّ يده اليمنى على عادة اليونان في تصوير تماثيلهم. وكان التمثال الآخر الذي «يُشير إلى البحر» صورةً أخرى لا يُقصد بها إلا التجميل والزينة وإيجاد التماثل في المنظر. ولا بد أن هذه الأعمدة العظيمة القديمة كانت باهرة الرونق والجمال في صنعها ورسمها الذي أبدعته يد الصُّناع في عصر أغسطس، وأنها كانت ذات أثر عظيم في النفس إذا ما وقعت العين على قمتها الشاهقة؛ إذ تمرُّ بها السفن في دخولها إلى المرفأ أو خروجها منه.
وأما المتحف فلا نجد له ذكرًا باقيًا إلى يومنا هذا، ولا بد لنا أن نقول إنه تخرَّب وزال قبل ذلك بزمنٍ طويل، ولعل زواله كان في الحريق الكبير الذي أحدثه يوليوس قيصر عندما حاصره المصريون في ذلك الحي تحت قيادة «أخيلاس»،٢٧ أو لعل ذلك وقع في النضال الأخير الذي كان في أواخر عهد الوثنية والاضطراب الذي حل بها عند احتضارها.٢٨
حسبنا ما تقدَّم من ذكر الكنيسة، ولنصِف بعد ذلك «السرابيوم»، وهو طائفة من الأبنية ذات جمال رائع كان لها أثرٌ عظيم في نفوس العرب، وكان في حيٍّ آخر من أحياء المدينة في الموضع الذي به اليوم عمود «دقلديانوس». وكان هذا الحي معروفًا بالحي المصري الذي لم يضِع اسمه في وقت من الأوقات، وذلك الاسم هو «راقوتي»؛ فإن القبط لم يُسمُّوا فيما بينهم مدينة الإسكندرية باسم بانيها العظيم، بل كان أكثر حديثهم عنها باسم القرية التي كانت لبعض الصيَّادين قبل الإسكندر بزمنٍ طويل. وهذا دليل على شدة احتفاظهم بقديمهم لا يعبئون في ذلك بمر الزمن. وقد عُرِف موضع السرابيوم معرفةً لا موضع للشك فيها مما جاء في وصفه في الكتب القديمة، ومما أسفر عنه البحث الأثري في العصور الحديثة. ويُقرَن ذكر السرابيوم عادةً بذكر عمود دقلديانوس، وهو الذي سمَّاه العرب «عمود السواري»، وكان على مقربة من الباب الجنوبي للمدينة، وهو الذي يُسميه العرب باب الشجرة.٢٩ ولا يتفق أهل الآثار على أنه كان قائمًا على ربوةٍ تُشبِه «الأكروبولس» في أثينا، وليس سطح الإسكندرية في الوقت الحاضر مما يُسهِّل تحقيق هذا الأمر. ومهما يكن من شيء فقد كان حصنًا معظمه من صنعة الإنسان مع علوه وإشرافه فوق المدينة؛ فقد كان قائمًا على نهد له نواة من الصخر الطبيعي، ولكن سائره كان من صُنْع الإنسان. وكانت أسواره المُنيفة تُحيط بآزاجٍ معقودة تحت الأرض طبقات بعضها فوق بعض.٣٠ فكان حصنًا عظيمًا مربَّع الشكل، أعلاه مسطحٌ تزينه أبنيةٌ بديعة. والظاهر أنه كان يُدخل إليه من طريقين؛ أحدهما تسير عليه العجلات، والآخر سُلَّم له مائة درجة. على أننا لسنا نعرف القصد الذي من أجله بُنِي ذلك السُّلم.٣١ وكان موضعه في الجهة الشرقية من البناء، وفي أعلاه المدخل، وتدعمه أربعة أعمدة عظيمة في كل جانب اثنان منها، وكان للمدخل أبواب من معدن الشبه.٣٢
وأما شكل البناء الذي على القمة وترتيبه، فليس من السهل أن نُدركه مما بقي لدينا من وصفه، ولكن يلوح لنا أنه كان على ما نحن مُورِدون فيما يلي: فقد كان شكله مستطيلًا، طوله خمسمائة ذراع في عرض مائتين وخمسين.٣٣ ويُحيط بأعلى النهد من كل جانب صفٌّ من البناء المُنيف البديع يتصل في مواضع كثيرة بحرم المعبد، وكان في داخل هذه الجوانب الأربعة من البناء فناءٌ يُحيط به صفٌّ عريض من الأعمدة، وكان فيه كذلك من الوسط أربعة صفوف من الأعمدة يذهب كل صف منها من وسطه إلى جانب من جوانبه، فكانت هذه الأعمدة على هيئةٍ قريبة من صليب في الوسط يُحيط به إطارٌ مستطيل الشكل، ولكن وسط هذا المستطيل، وهو قلب الحصن كله، كان فيه معبد «سرابيس»، وكان من سوء الحظ أن هذا المعبد قد تهدَّم قبل فتح العرب بمدةٍ طويلة، ولكن لا شك في أنه قد كان بناءً من أروع الأبنية وأعظمها. وكان حرمه مستطيلًا في وسطه بهوٌ له أعمدة من أثمن المرمر، وكانت جدرانه من الرخام من داخلها وخارجها. وكان في وسط ذلك البهو تمثالٌ عظيم للمعبود «سرابيس» من الخشب المُلبَّس بالذهب والعاج، له ذراعان ممدودتان تكاد كلٌّ منهما تلمس الحائط الذي يليها. وكان في يُسراه سيف، وتحت يمناه صورةٌ مروِّعة للأعجوبة «قربروس» لها رءوسٌ ثلاثة: رأس أسد، ورأس كلب، ورأس ذئب. وقد التفَّ حولها جميعًا أفعى عظيمة.٣٤ وكانت تزين المعبدَ جميعه زينة باهرة من النقوش التي لا تُقدَّر بثمن، وكانت من المرمر والشبه، وكان أظهر ما فيها سلسلة من نقوش تُمثِّل حروب «برسيوس». وكان حول جدران ذلك المعبد صفٌّ من جليل الأعمدة تجري مُوازيةً لصف الأعمدة المُحيطة بالفناء جميعه، وتصلها به الصفوف الأربعة التي على هيئة الصليب، والتي سبق لنا ذكرها، وكانت الأبواب العظيمة التي تُحيط بالمعبد لا مثيل لها في الفخامة والجلال. وكانت رءوس الأعمدة من معدن الشبه تُغطيه طبقة من الذهب، وأما السقوف فكانت يُغطيها الذهب والألوان الزاهية في حين كانت الجدران والأرض من أثمن المرمر.٣٥
لكن أهم من ذلك كله أن عقود هذا المعبد كانت لها أبواب تُفضي إلى حجرات في البناء الأعظم كان في بعضها مكتبة الإسكندرية الكبرى،٣٦ وكان في البعض الآخر مشاهد لآلهة مصر القديمة، وكان في بعض مواضع من حرم هذا المعبد مسلَّتان قديمتان، وحوض ماء عظيم من المرمر فائق الجمال. وكان العمود العظيم المعروف بعمود دقلديانوس في وقت فتح العرب قائمًا فوق القلعة مُشرِفًا عليها،٣٧ على أننا لسنا نعلم في أي وقت أقيم. وكان في موضع من السرابيوم كنيسة باسم القديس «يوحنا المعمدان»، وكان فيه سوى هذه كنائس أخرى كانت لا تزال عند ذلك قائمة، منها كنائس القديسين «قزمان» و«دميان» و«الإنجيليون».٣٨ وقد بقيت الكنيسة الأخيرة إلى ما بعد الفتح، ولكنها كانت يُخشى عليها التهدُّم، فأعيد بناؤها في أواخر القرن السابع، وقام على ذلك البطريق إسحاق.٣٩
بقي علينا أن نذكر بناءً آخر، وهو البناء المُلاصق لمدخل السرابيوم، ويُعَد جزءًا منه، وهو «الأقوس»، ومعناه البيت. ويمتاز عن سائر بناء القلعة بأن كانت له قبةٌ مذهَّبةٌ عاليةٌ قائمة على دائرةٍ مزدوجة من الأعمدة. ولم يتضح لنا القصد من هذا البناء، ولعله لم يُقصد منه غير الزينة. والظاهر أنه بقي بعد أن تهدَّم المعبد، ويرِد ذكره في أخبار العرب مع «عمود السواري».٤٠ وقد قيلت في ذلك العمود قصصٌ عجيبة؛ فقيل إنه كان جزءًا من معبدٍ بناه سليمان. وهذا ما ذهب إليه أصحاب الرأي السائد. وقال ابن الفقيه: إن الإنسان إذا رمى عليه قطعة من الخزف أو الزجاج، وقال عند ذلك «باسم سليمان بن داود تُكسَري»؛ انكسرت، ولكنه إذا لم يذكر ذلك الطلسم لم تنكسر. وقيلت قصةٌ أخرى، وهي أن الإنسان إذا أقفل عينَيه وسار إلى ذلك العمود لم يستطع أن يبلغه. وقال السيوطي في سذاجة إنه قد جرَّب ذلك الأمر بنفسه مرارًا وظهر له صدقه، وقال ذلك المؤرخ إن «أهل العلم في الإسكندرية» يذكرون أن هذا العمود كانت عليه قبةٌ جلس تحتها أرسطاطاليس وهو ينظر في علم الفلك، وهذه بقية من ذكر القبة والمكتبة. وقد روى المقريزي عن المسعودي وصفًا للسرابيوم، وهو وصفٌ لا بأس به، فقال: «وكان بالإسكندرية قصرٌ عظيم لا يُماثله قصر في بلاد العالم، قائم على تلٍّ عظيم تجاه باب المدينة، وكان طوله خمسمائة ذراع في عرض مائتين وخمسين، وله بابٌ عظيم كلُّ جانب منه قطعةٌ واحدة من الصخر، وكذلك أعلاه حجرٌ واحد، وكان في ذلك القصر مائة عمود، وفي صدره عمودٌ عظيم لم يُرَ مثله في الحجم، وله قمة كالتاج.» ويقول الكاتب نفسه إن ذلك العمود يهتزُّ عند هبوب الريح عليه. وكان الاعتقاد السائد أن هذه الأبنية أقامها الجن والعمالقة من البشر الأوائل. قال السيوطي إنه قد بنى الجان لسليمان في الإسكندرية إيوانًا للاجتماع، به ثلاثمائة عمود علوُّ كلٍّ منها ثلاثون ذراعًا، وكانت من المرمر المجزع بلغ من صقله أن صار كالمرآة يرى الإنسان فيه مَن يسير خلفه، وكان في وسط الإيوان عمودٌ علوُّه مائة ذراع وأحد عشر ذراعًا، وكان سقفه قطعةً واحدةً مربَّعة من المرمر الأخضر نحته الجن،٤١ وكان هؤلاء الجان على صورة الإنسان، لهم رءوس كالقباب وعيونٌ تمزق الأسود. وقد ورد عن ذلك رأيٌ آخر، وهو أن الأحجار كانت في الأزمان السالفة ليِّنة كالطين، أو كما قال كاتبٌ آخر: «وكان من السهل أن يعمل الناس قبل الظهر في محاجر المرمر؛ إذ يكون المرمر كأنه العجين في لِينه، ولكنه يصير بعد الظهر صلبًا يتعذر اقتلاعه.»
وهذه القصص تُظهر دهشة العرب مما رأوا من الأبنية التي صارت ملكًا لهم. وإنه لمن المؤلم أن يقرأ الإنسان أخبار تخريبها وهدمها، ولكن العدل يقضي علينا أن نذكر أن أكثر ذلك التخريب كان من فعل الزلازل، فما أتى القرن الحادي عشر حتى كانت المدينة كلها أطلالًا خربة، ولكن العجب أن يذكر كُتاب ذلك العصر أن الأعمدة كانت لا تزال قائمة،٤٢ ويقولون إن عدتها كانت خمسمائة. وقد رآها الإدريسي بعد مائة عام من ذلك الوقت، وقال في وصف ذلك إن العمود الأكبر كان حوله فضاء فيه ستة عشر عمودًا عند كل من جانبَيه الضيقين، وسبعة وستون عمودًا عند كل من طرفَيه العريضين.٤٣ وقال بنيامين «التودلي»،٤٤ وقد زار المدينة في عام ١١٦٠، إنه رأى بناءً عظيمًا جميلًا فيه أعمدة من المرمر تفصل بين حجراته الكثيرة، وقال إن ذلك كان في «مدرسة أرسطو». وذلك مثل ما يقوله الكُتاب المسلمون؛ إذ يُسمُّونه «قبة أرسطو» أو «بيت الحكمة». غير أنه حدث في عام ١١٦٧ أن حاكمًا جاهلًا للإسكندرية اسمه «قراجا»، وكان من وزراء صلاح الدين، أمر بهدم هذه الأعمدة، وحمل أكثرها إلى البحر فألقاها فيه ليحُول بين العدو وبين النزول إلى البر.٤٥ ومنذ ذلك الحين بقي عمود «دقلديانوس» وحده في مجده، بقية مما كان في قلعة الإسكندرية٤٦ من الأبنية التي لم يكن لها مثيل.
ولنترك الآن معالجة مسألة المكتبة وما حل بها، فسنجعل لذلك موضعًا آخر، ولنمضِ إلى ذكرِ أثرٍ آخر أو أثرين جديرين بالذكر. كان المَلهى الذي ذكره العرب في غرب القلعة على ما يلوح لنا، وكان هناك من غير شك ميدانٌ لسِباق الخيل في خارج المدينة مما يلي الباب الشرقي. وقيل إن٤٧ ذلك الميدان كان يتسع لألف ألف من النظارة، وكان بناؤه يجعل كل من فيه يرى ما يجري به، سواء في ذلك من كان في أعلاه أو في أسفله، وكانوا يسمعون كل ما يُقال بغير ازدحام أو مشقَّة. وأما دار التمثيل فقد كانت في موضع من حي «البروكيون»، وكانت بناءً عظيمًا قائمًا بنفسه.
ولكن المنارة كانت موضعًا لأعظم إعجاب العرب وأكبر دهشتهم. وقد كان ذلك البناء الضخم كما هو معروف قائمًا في الشمال الشرقي من جزيرة «فاروس»، وكانت تلك الجزيرة متصلة ببر المدينة بطريقٍ طويلٍ قائم على عقودٍ اسمه «الهبتاستاديوم»، وكانت الجزيرة في وقت الفتح العربي يُحيط بها مرسى السفن، وفيها أبنيةٌ مختلفة كان أكبرها كنيستان؛ إحداهما ﻟ «القديسة صوفيا»، والأخرى ﻟ «القديس فوستوس»، وبينهما نُزلٌ للأغراب.٤٨ وكانت بتلك الجزيرة في أيام قيصر قريةٌ كبيرة، وكان أهلها قومًا لا خلاق لهم. وقد قال قيصر عن المنارة إنها قطعةٌ عجيبة من البناء،٤٩ ووصفها سترابو بأنها برجٌ ذو بناءٍ عجيب من الحجر الأبيض وله طبقاتٌ عدة.٥٠ وقد كان بناؤها على يد «سوستراتوس الكنيدي» في أيام «بطليموس فلادلفوس»، وكان القصد منها هداية السفن. وقد أصابها هدم من فعل البحر ومن أسبابٍ أخرى، ولكنها كانت تُرمَّم كلما دعت الحال٥١ إلى ترميمها. فكانت في أيام فتح العرب صالحة لم يفسد منها شيء، تلمع في النهار في ضوء الشمس، وتُضيء بنورها في الليل على البحر إلى بعد عدة فراسخ من الإسكندرية. وكان شاطئ تلك الجهات ضحلًا لا مرفأ له، وكانت السفن الآتية إلى الإسكندرية تعبُر إليها بحرًا فسيحًا لا معالم فيه من البر؛ فكان من أكبر النعم أن يُقام علَمٌ ظاهر في النهار والليل على مسافة ستين ميلًا أو سبعين.
وقد كتب كُتاب العرب شيئًا كثيرًا عن هذه المنارة؛ فقال الإصطخري٥٢ إن المنارة قائمة على صخرة في البحر، وبها أكثر من ثلاثمائة غرفة لا يهتدي فيها الزائر إلا إذا هداه دليل. وقال ابن حوقل:٥٣ إنها مبنية من صخورٍ منحوتة قد جُمع بعضها إلى بعض وشُدَّت بالرصاص، ولا يُشبِهها شيء على وجه الأرض. وقد وصفها الإدريسي مثل ذلك الوصف٥٤ مع تفصيلٍ أعظم، فقال: إن المنارة لا يُماثلها شيء في بلاد العالم في قوة بنائها ونظامها؛ فهي من أصلب الصخور صُبَّ بينها الرصاص المُنصهر، حتى إن حجارتها لا ينفصل بعضها عن بعض. ويصل ماء البحر إليها من جهة الشمال، وعلوُّها نحو ثلاثمائة ذراع، كل ذراع ثلاثة أشبار؛ فطولها مثل قامة مائة رجل؛ منها سبعون قامة بين الأرض والطبقة الوسطى، وست وعشرون قامة بين الطبقة الوسطى والقمة، وعلو المصباح الذي بها أربع قامات.٥٥ وهيئة بناء برج المَنارة معروفةٌ لا شك فيها؛ فقد كانت ذات طبقات أربع، كلٌّ منها أضيق قُطرًا من الطبقة التي أسفلها. وكانت الطبقة الأولى مما يلي الأرض مربَّعة، والتي تليها ذات ثمانية أضلاع، وكانت الثالثة مُستديرة، وأما الطبقة العليا فكانت مصباحًا مكشوفًا، وبها مواضع للنار التي يُهتدى بها، ومرآةٌ عجيبة. وكان في أعلى الطبقة الأولى المربعة طنفٌ عريض عند قاعدة الطبقة الثانية المثمَّنة يُشرِف على المدينة والبحر، وكان بين الطبقة المثمَّنة والطبقة الدائرية التي فوقها طنفٌ آخر أقل اتساعًا من الأول،٥٦ ولكنه يُشبِهه. وكان الصعود إليها على سُلَّم يُغطيه سقف من الحجارة٥٧ يصِل بين جدرانها، وكان تحت السلم غُرفٌ عدَّة، ويضيق ما بين السُّلم من الفراغ بعد الطبقة الثانية، حتى يتضاءل الفضاء الذي بداخل المنارة فلا تبقى إلا فرجةٌ صغيرة كالبئر في وسطه، وكان الضوء يصل إليها من نوافذ في جدارها كله من أعلاه إلى أسفله.٥٨
وقد عجِب العرب من عدد غرف المنارة ومن تداخلها؛ فقال المقريزي: ويُقال إن كل من دخل المنارة اختبل وضلَّ الطريق مما بها من الغُرف العدة والطبقات والمماشي. وقيل إن المغاربة عندما جاءوا إلى الإسكندرية في خلافة المقتدر، دخل جماعة منهم إلى المنارة على ظهور الخيل، فضلُّوا طريقهم حتى جاءوا إلى شق في كرسي الزجاج الذي على هيئة السرطان،٥٩ وهو الذي يقوم عليه البناء، فوقع كثير منهم فيه وهلكوا.٦٠ ولكن قيلت في المرآة قصصٌ أعجب من هذا. وقد أجمع كُتاب العرب على أنها كانت في ذاتها بصرف النظر عن المنارة التي كانت هي قائمة عليها، إحدى عجائب العالم. فقيل: قد كان في مدينة «راقوتي» قبةٌ مذهَّبة على أعمدة من الشبه، وكان فوقها منارة في أعلاها مرآة من معدنٍ مركب يبلغ قُطرها خمسة أشبار.٦١ وكانت تلك المرآة تُتخذ لإحراق سفن العدو. وقد قُلِّدت هذه المرآة في مدينة الإسكندر، فأقيم مثلها على رأس المنارة، ولكنها كانت تُستخدم في رؤية العدو من بُعْد «إذا أقبل من بلاد الروم». وقد دخلت المبالغة على وصفها بعد قليل، فرُوي عن عبد الله بن عمرو أنه قال: «ومن عجائب بلاد العالم المرآة التي على منارة الإسكندرية، وهي تكشف ما يجري في القسطنطينية.»٦٢ ولكن المسعودي يصفها بأنها «مرآةٌ عظيمة من الحجر الشفَّاف، يمكن أن تُرى فيها السفن الآتية من بلاد الروم وهي بعيدة عن مدى البصر». وقال كاتبٌ آخر مثلَ هذا المعنى، ولكنه يذكر أن هذه المرآة كانت من «زجاجٍ مدبَّر»؛ أي مُحكَم الصنعة.٦٣ وقال كاتبٌ ثالث إنها كانت من «الحديد الصيني» أو الصلب الثقيل.٦٤ وقد أجمع الكل على أنها كانت تُظهر السفن وهي أبعد من مدى البصر، فكان الإنسان إذا جلس تحتها رأى كل شيء من مكانه إلى القسطنطينية.

وأما الغرض الذي من أجله أُقيمت المرآة فمُختلَف فيه؛ فهل لم تكن تُتخذ إلا لتنعكس عليها أشعَّة الشمس في النهار وضوء النار في الليل لهداية السفن؟ وهل كانت مرآةً مما اعتاد الناس اتخاذها، أم كان لها سطحٌ يختلف عن ذلك له قدرة على كسر الضوء؛ فلذلك كانت حقيقةً تُتخذ لإحراق السفن إذا ما سطعت عليها أشعة الشمس القوية في مصر؟ والجواب على هذا موكول إلى العلماء، ولكن من أعجب الأمور أن يذكر مؤرخو العرب في القرن العاشر للميلاد من وصف هذه المرآة ما يمكن أن نعدَّه تنبؤًا باستعمال المِنظار المُقرِّب (التلسكوب). وإنه من العجيب كذلك أن يُجمع كل هؤلاء الكُتاب على أنها كانت من مادةٍ شفَّافة، فيقول بعضهم من الزجاج المدبَّر، ويقول البعض من حجرٍ شفَّاف؛ فإن هذا القول وصف لعدسةٍ ضوئية وليس لمرآة. أليس إذن من الممكن أن تكون مدرسة الإسكندرية العظمى التي فاقت في علوم الرياضة والحيل قد كشفت سر العدسة الضوئية وصنعتها، ثم نُسي أمر هذا السر بعد تخريب المنارة؟

وإنه من الثابت أن المنارة كانت تُتخذ علَمًا للإشارة، كما كانت تُستخدم لهداية السفن، ولكن ليس من الواضح عندنا أكانت النار تُوقد بها في الليل والنهار؛ فإن الإدريسي إنما يذكر النار بالليل «وسحابة من الدخان في النهار»، ولكن جاء في وصفٍ آخر للمنارة أن الديادبة كانوا يُقيمون بها على استعداد لإبقاء النيران بالليل.٦٥ ولكن من سوء الحظ أنَّا لا نجد دليلًا على ما جرت به العادة في أول الأمر؛ لأن المنارة لحِقها كثير من الهدم والتخريب في مدة القرن الأول بعد الفتح العربي. ولذلك التهديم قصة؛ وذلك أنه في خلافة الوليد بن عبد الملك في القرن الثامن للميلاد، رأى الروم فعل المنارة، وضايَقهم من أمرها أنها كانت مرقبًا يُساعد المسلمين على ردِّ غارات البحر ويحميهم من المُباغتة، فعوَّلوا على الاحتيال في تخريبها. فذهب رجلٌ من خواصِّ٦٦ ملك الروم إلى الخليفة يحمل الهدايا النفيسة، وتظاهَر بأن الملك قد وجد عليه مَوجدةً عظيمة وسعى في قتله، وأنه جاء راغبًا في الإسلام، فصدَّقه الخليفة، ورحَّب بإسلامه وقرَّبه، وتنصَّح الرجل إلى الخليفة في دفائن استُخرجت من بلاد الشام، فشرهت نفسه إلى الأموال، فمال إلى تصديق ما وصفه ذلك الرومي الداهية من كنوزٍ عظيمة من الذهب والجوهر كانت من قبلُ لملوك مصر القديمة، وقال إنها مدفونة في آزاج ومَخادع تحت المنارة. فأرسل الخليفة جماعة من جنده ليستخرجوا ذلك، فهدموا نصف المنارة وأزالوا المرآة، وتم ذلك قبل أن يفطن أحد إلى المكيدة. فضجَّ الناس وعزموا على منع ذلك الهدم، وبعثوا إلى الخليفة بخبرها، فنُذر الخائن بالأمر فهرب في الليل إلى بلاده، وكانت حيلته قد تمَّت، وهُدم من المنارة نِصفها أو على الأقل ثُلثها، وبلغ الخائن ما أراد؛ إذ هدم المرآة السحرية. وعرف العرب أنهم خُدعوا بعد أن انقضى الأمر، و«بنَوا مرآة من الآجر، ولكنهم لم يستطيعوا أن يُعيدوها إلى علوها السابق، فلما وضعوا المرآة عليها لم تُفِد شيئًا».٦٧
وليس ثَمة سببٌ يدعو إلى الشك في جوهر هذه القصة، وليس من العَجب أن يتعذر إصلاح ما تلف من المنارة؛ فلا شك أنها كانت من آيات البناء؛ إذ بقيت قائمةً مدة قرون وهي شاهقة العلو ناهدة في أطباق الفضاء، وما كان البنَّاءون في مدة حكم العرب ليبلغوا ما بلغه سلفهم في عهد البطالسة. ولم يرِد في كتاب المسعودي ذكر لسعي العرب في إعادة بنائها، بل يُفهم من قوله أنهم لم يفعلوا شيئًا في سبيل ذلك، ولكن لعله مُخطئ. ولا نعرف بعد ذلك إلا قليلًا من أخبار المنارة؛ فقد ورد أن أحمد بن طولون٦٨ جعل على قمتها قبةً من الخشب حوالَي سنة ٨٧٥ للميلاد. وفي ذلك ما يدل على أن هذا البناء لم يكن يُعَد منارة على سابق عهده، بل صار مَرقبًا لا يُستخدم لغير ذلك، ولكن هذه القبة لم تبقَ مدةً طويلة، ولما أن أزالها الريح أقيم في موضعها مسجد في مدة الملك الكامل. وقد حدث بعد مدة ابن طولون ببضع سنين أن تهدَّمت إحدى قوائمها من جهة الغرب مما يلي البحر، فبناها خمارويه.٦٩ وفي القرن الذي بعد ذلك لعشر من رمضان لعام ٣٤٤ للهجرة (وذلك يُوافق الثامن والعشرين من ديسمبر سنة ٩٥٥ للميلاد)، تهدَّم نحو ثلاثين ذراعًا من قمتها في زلازل شديدة أحسَّ بها الناس في كل بلاد مصر والشام وشمال أفريقيا، وكانت لها هزَّاتٌ عنيفة بقيت تتوالى نحو نصف ساعة.٧٠ وفي عام ١١٨٢ ذكر ابن جبير٧١ أنه رأى مسجدًا آخر على رأسها. ويقول ذلك الكاتب إن علوَّها كان نيفًا ومائة وخمسين ذراعًا. وفي ذلك دلالة على مقدار نقصان البناء عما كان عليه في أول عهده. وبعد ذلك الوقت بنحو أربعين عامًا كتب ياقوت وصفًا لها، ورسم لها رسمًا مربَّعًا ﮐ «الحصن»، له طبقةٌ ثانيةٌ قصيرة من فوقها قبةٌ صغيرة. واستطرد من ذكر ذلك إلى أن قال: إن أخبار عِظم تلك المنارة وما ورد من تعظيم شأنها لم تكن إلا «أكاذيب وتغرير». ولقد كان حكمه ذلك وليد التسرع؛ فالظاهر أنه لم يفطن إلى ما أحدثه الدهر فيها من التغير. ولقد جاء في قوله: «وبحثت عن موضع المرآة فلم أجد له أثرًا.» وكيف يرجو أن يراها على مثل ذلك الطلل المتهدِّم المشوَّه وهو كل ما كان باقيًا في وقت زيارته؟٧٢ ولكن ما حدث بها من التلف بعد ذلك كان أعظم وأبلغ؛ فقد وصفها كاتبٌ عربي في أيام قلاوون بأنها «طللٌ بالٍ».٧٣ مع أن السلطان «بيبرس» كان قد رمَّمها قبل ذلك وأصلح منها، وقد سعى من جاء بعد ذلك في إصلاحها، غير أنه يلوح لنا أن الزلزال الذي وقع في عام ١٣٧٥ دمَّر معظمها، فلم تبقَ منها إلا الطبقة السفلى من البرج.٧٤
ولئن ذهبت منارة «الفاروس» وتطاوَل على زوالها أمد الدهر، فقد بقيت منها هيئتها وجمال منظرها، وما كانت مُستعملة من أجله؛ وذلك أن منائر المساجد المصرية إنما رُسمت على رسمها،٧٥ ونُسجت على منوالها، وقد سُميت باسمها. وإن منائر القاهرة وإن اختلفت أشكالها وتباينت رسومها، لا تزال الكثرة منها على رسم منارة «سوستراتوس» لا فرق فيما بينها؛ فهي برجٌ قاعدته عند الأرض مربَّعة الشكل، ثم تصير بعد ذلك مثمَّنة الأضلاع، وتدِقُّ في حجمها، ثم تدِقُّ بعد ذلك ويستدير شكلها، ثم يعلوها عند القمة مصباح.

إن تاريخ آثار الإسكندرية لم يكتبه أحدٌ بعد، وإن من أراد كتابته لا بد له من بحثٍ كثير لا يتيسَّر اليوم في كثير من المواضع، وهو بحث لا غنى عنه في إثبات ما يُراد إثباته. على أن وصفنا الذي نصِفه الآن على ما فيه من نقص قد يُفيده في بيان ما وقعت عليه أنظار العرب من تلك الآثار عند أول دخولهم في المدينة.

ولم يكن مظهر العاصمة من خارجها بأقل أثرًا أو أحقر منظرًا؛ فكانت الأسوار في شمال المدينة تُساير الشاطئ في انحنائه كما سبقت الإشارة إلى ذلك، وكانت الأسوار في جنوبها تتبع الترعة حتى تدخل إلى المدينة وتجري فيها، وكان كل ذلك بناءً مَتينًا بارع الصناعة تنهض فيه بروج وحصون، فتجعل له هيئةً منوَّعة ظلَّت يُعجَب بحسنها السُّفار الذين كانوا يرَونها في السنين الغابرة من أيام الفتح حتى العصور الوسطى.٧٦
١  إذا قرأنا ذلك ٤٠٠ قصر وحمام، و٢٠ ملهًى، و١٢٠٠ بائع للخضر، و٤٠٠٠٠ يهودي؛ لم يكن في التقرير شيءٌ غير ممكن؛ فقد ذكر زكريا المتليني (وهو دقيق الإحصاء) أن روما كان بها ١٧٩٧ بيتًا للعظماء (أو قصرًا)، و٩٢٦ حمامًا (صفحة ٣١٧-٨). وقد جاء نص كتاب عمرو في ابن عبد الحكم وفي ابن بطريق والمقريزي ومكين. وقد ذكر المقريزي مبالغةً على عادته رواها عن أبي قابيل، وهي أنه كان بين الحمامات ١٢٠٠٠ بناءً بعقد، وأن أصغرها كان فيه ١٠٠٠ غرفة للجلوس.
٢  الإصطخري (Bibl. Geog. Arab. Ed. de Goeje)، الجزء الأول، صفحة ٥١.
٣  السيوطي «حسن المحاضرة». وكان رهبان سرابيس يلبسون السواد، ولكن من المشكوك فيه أن يكون هذا هو السبب (انظر كتاب الدكتور Botti، صفحة ٣٧، هامش ٢) (Fouilles a la Colonne Theodosienne).
٤  المسعودي (صفحة ٤٢٩).
٥  يظهر الأثر العام الذي أحدثته الإسكندرية في نفوس المسلمين مما جاء في ابن دقماق (الجزء الخامس، صفحة ١١٧)؛ فقد جاء فيه أن عبد الملك بن جريج قال إنه غزا ستين مرة، وإن الله إذا مدَّ في أجله شهرًا حتى يصل إلى شواطئ الإسكندرية كان هذا الشهر أعز عليه من الغزوات الستين التي غزاها. وقال في صفحة ١١٨ إنه قد جاء في التوراة أن الإنسان إذا طاف حول الإسكندرية في الصباح جعل الله له تاجًا مرصَّعًا باللؤلؤ، معطَّرًا بالمِسك والكافور، يُضيء من الشرق إلى الغرب.
٦  يُخطئ بعض المؤرخين في وصف موضع هذين البابين، فيقول إنهما كانا في شمال المدينة وجنوبها. ولئن كان ثَمة شك في ذلك، فإن قول حنا النقيوسي كفيل بإزالته؛ فهو قولٌ صريح (صفحة ٤١٥)؛ إذ يقول إن «أنطونيوس بيوس» بنى «باب الشمس» في الشرق و«باب القمر» في الغرب. والظاهر أن أميلنو كان من بين الذين أخطئوا؛ إذ قال: «وكان باب الشمس في جنوب المدينة بقرب الخليج الذي يأتي من النيل» (Geog Copte، صفحة ٣٢). وقد كان باب الشمس هو باب عين شمس (انظر الكتاب السابق، صفحة ٤٢)، ولكن الطريق إلى مدينة عين شمس يسير من الباب الشرقي، ولم يكن يخرج من الباب الجنوبي طريقٌ واضح اللهم إلا طريق للسفن. ومقالة أميلنو عن الإسكندرية قصيرة ولا تشفي غلة.
٧  قال حنا مسكوس: «إذ إنها كانت جنَّات في وسط المدينة في بيوت العظماء»(٣٢) (مسارح الأرواح، فصل ٢٠٧).
٨  بقيت بعض هذه الصهاريج إلى الآن. انظر المقال الذي عنوانه «صهاريج الإسكندرية» للدكتور «يوتى» في مجلة جمعية الآثار بالإسكندرية، رقم ٢، سنة ١٨٩٩، صفحة ١٥ وما بعدها، وبها بعض رسوم هامة. وقد ذكر «قيصر» هذه الصهاريج (De Bell. Civ. IV)، وذكر القناة المُوصلة إليها.
٩  أميانوس مرقلينوس XXII 16. ويُفهم منه أن المدينة فقدت أكبر جزء فيها، وهو «البروكيون»، عقب التخريب الذي أحدثته الثورات في وقت أورليان، ولكن حنا النقيوسي يدل دلالةً قاطعة على أن مساحة المدينة لم تقلَّ تلك القلة المذكورة، وأن الأسوار الشرقية كانت لا تزال على عهدها من القوة. وقال «أنطونيوس مارتير» وقد زار المدينة قبل الفتح بقرن (حوالَي سنة ٥٦٥ للميلاد): «إن الإسكندرية مدينةٌ عظيمة.» وما كان ليذكر ذلك الوصف عنها إذا كان أجمل حي بها وأجلها قد تهدَّم وتخرَّب (Pal. Pil. Text Soc.، الجزء الثاني، صفحة ٣٥).
١٠  حنا مسكوس في «مسارح الأرواح»، الفصل ٧٧. وقد نقل أميلنو في Geog. Copte، صفحة ٢٩، عن نسخةٍ خطيةٍ قبطية تذكر أن التترابيلوس كان في وسط المدينة، ويستنتج من ذلك أنه كان في الميدان الأعظم، ولكن هذه العبارة مُبهَمة لا يمكن أن يستند إليها مثل هذا الاستنتاج.
١١  يقول حنا النقيوسي (صفحة ٥٢٤) إنها كانت قريبة من البحر. وفي صفحة ٥٤٨: إنها كانت بقرب باب من أبواب المدينة. والظاهر أنه قد كان بالإسكندرية كنيسةٌ أخرى بهذا الاسم (انظر أميلنو Geog. Copte، صفحة ٣٧-٨).
١٢  كان Arculfus في مصر حوالَي سنة ٦٧٠ للميلاد (Pal. Pil. Text. Soc.، الجزء الثالث، صفحة ٥٢). وقد اضمحلت المدينة بعد مائتَي عام، حتى إن «برنار الحكيم» حوالَي سنة ٨٧٠ يقول: «ووراء الباب الشرقي دير القديس مرقص، ويعيش الرهبان في تلك الكنيسة التي كان فيها مدفنه، ولكن البنادقة أتوا في البحر وحُملوا إلى جزيرتهم» (الكتاب نفسه، صفحة ٥). وفي سنة ١٣٥٠ كانت الكنيسة التي استُشهد فيها القديس مرقص «على نحو ميلين شرق الإسكندرية» (انظر الكتاب نفسه، الجزء السادس، صفحة ٣٣). ومن هذا يتضح مقدار اضمحلال المدينة.
١٣  حنا النقيوسي، ٥٤٣.
١٤  وقد أثبت هذا سترابو وفيلو وبليني. انظر مقالًا هامًّا للمنسنيور Kyrillos II، وعنوانها «هيكل القيصريون»، في مجلة الجمعية الخديوية الجغرافية، المجموعة الخامسة، رقم ٦، فبراير سنة ١٩٠٠ (القاهرة ١٩٠٠)، وقد أخذنا كثيرًا من الأخبار عن هذه المقالة. قال أميلنو وقد نسي ما قاله المؤرخون العرب والقدماء جميعًا هذا القول العجيب: «ولا ندري أين موضع القيصريون؛ فإنه لا يوجد وصف لذلك مطلقًا» (Geog. Copte، صفحة ٣٢). ولكن ما دام موضع المسلَّتين معروفًا، فإن موضع القيصريون لا يمكن أن يُشكَّ فيه كما سنرى فيما بعد.
١٥  رسالة فيلو من يهود الإسكندرية إلى «كاليجولا» في كتاب «يوسفوس». انظر طبعة السير R. L’Estrange (لندن، سنة ١٧٠٢، fol. p. 1087).
١٦  جاء في تاريخ القديسين عن ١٢ بئونة (عيد الملك الأكبر ميخائيل) قولٌ عجيب، وهو: «والسبب الذي من أجله يُقيم عيد القديس ميخائيل في هذا اليوم، هو أنه قد كان بالإسكندرية معبدٌ كبير بنته كليوبترا ابنة بطليموس للإله زحل (ساتورن)، وكان عيده يُقام هناك في هذا اليوم، وهو ١٢ بئونة، وبقيت هذه العادة بين الناس إلى أيام البطريق الإسكندر في أيام الإمبراطور قسطنطين.» واستمرَّ التقويم بعد ذلك. يقول إن الإسكندر عوَّل على هدم ذلك الوثن، ولكن الناس أبَوا أن يتركوا ما اعتادوه قديمًا، ورفضوا أن يُبطلوا عيدهم فيه، فرأى البطريق أن يُبقي العيد، وأن يُبقي الناس على إجازتهم في البطالة ذلك اليوم، وأن يُضحي فيه بالأضاحي ويُطعم الفقراء لوجه الله الحق، بدل أن يكون ذلك قربانًا للوثن، وأبدل اسم اليوم فجعله باسم القديس ميخائيل، فقبِل الناس رأيه وهدموا الوثن، ولكن اسم القيصريون بقي علَمًا على الموضع، وبقيت الكنيسة إلى أن جاء المسلمون فهُدمت. وهذا ختام ما جاء في ذلك الخبر. ويقول سعيد بن بطريق إنه قد صُنِع صليب من البرونز الذي كان التمثال مصنوعًا منه، ثم قال: «إن الكنيسة دمَّرتها النيران عندما أتى أهل الغرب وأغاروا على الإسكندرية وخرَّبوها.» وهذا القول غامض. وقد ظل القبط على عادتهم في إقامة عيد في هذا اليوم ينحرون فيه القرابين. (انظر كتاب Pat. Gr. Migne، الجزء ١١١، المجموعة ١٠٠٥).
١٧  أخذنا هذا الخبر عن سقراط، وقد كتبه بُعَيد الحادثة (Hist. Eccl. VII، صفحة ١٣–١٥). وقد ذكر حنا النقيوسي (صفحة ٤٦٤–٦) خبرًا يتَّهم فيه هيباشيا بالسحر، ويُوافق على قتلها، ولكنه يُوضح أنها عُرِّيت في القيصريون ثم جُرَّت في الشوارع حتى ماتت، ثم أُحرقت في موضعٍ اسمه «الفينارون».
١٨  ديوان زكريا المتليني (صفحة ١١٠). ويذكر زكريا «الكنيسة العظمى» هنا، وكذلك في صفحة ٦٧، ولكنه في صفحة ٦٤ يقول صراحةً: «وكانت الكنيسة العظمى تُسمَّى كنيسة قيصريون.» وهذا يدل على أن القيصريون هي «الكنيسة العظمى». والترحيب بعودة «تيموثي» يُشبِه الترحيب الذي كان بعودة قيرس شبهًا عجيبًا، وذلك عند عودته من منفاه.
١٩  لا يزال الطريق الأعظم في مدينةٍ عربية يُسمَّى الآن «القيصرية». وقد جاء في كتاب شمس الدين المقدسي ما قد يُفهم منه أن المسلمين كانوا في أول الأمر يُطلِقون ذلك اللفظ على مساجدهم الكبرى (Bibl. Geog. Arab. part III، صفحة ١٩٧). وقد كان يُطلَق بلا شك للدلالة على الموضع المربَّع الذي تُحيط به الأعمدة، وقد يكون ذلك الموضع مسجدًا، وقد يكون، والاستعمال الحديث لهذا اللفظ مأخوذ عن الأمر الأخير (انظر أبا صالح، صفحة ١١٦، هامش ١). والطريق الأعظم هو بالطبع الموضع الذي يجري فيه البيع والشراء والتبادل في المدن الشرقية.
٢٠  (Bibl. Geog. Arab. part VII، صفحة ٣٣٩).
٢١  نفس الكتاب، صفحة ١١٧. انظر كذلك Athenoeum يوليو سنة ١٨٨٧، وما كتبه De Goeje تعليقًا على هذه العبارة.
٢٢  نفس الكتاب، الجزء الخامس، صفحة ٧٠ و٧١.
٢٣  قد آثرنا ترجمة ما جاء في الأصل الإنجليزي لمخالفته لنص المسعودي، ونظرًا لأهمية هذه الفقرة قد أتينا بعضها من كتاب المسعودي (مروج الذهب، الجزء الأول، صفحة ٢٣٢، طبعة المطبعة البهية بمصر)، قال: «وإن الذي بناها جعلها على كرسي من الزجاج على هيئة السرطان في جوف البحر، وعلى طرف اللسان الذي هو داخل في البحر من البر، وجعل على أعلاها تماثيل من النحاس وغيره، فيها تمثال قد أشار بسبَّابته من يده اليمنى نحو الشمس أينما كانت من الفلك، وإذا علت في الفلك فأصبعه مُشيرة نحوها، فإذا انخفضت انخفضت يده سفلًا يدور معها حيث دارت. ومنها تمثال يُشير بيده إلى البحر إذا صار العدو منه على نحو من ليلة، فإذا دنا وجاز أن يُرى بالبصر لقرب المسافة سُمع لذلك التمثال صوتٌ هائل يُسمع من ميلين أو ثلاثة، فيعلم أهل المدينة أن العدو قد دنا منهم، ويرمقونه بأبصارهم. ومنها تمثالٌ كلما مضى من الليل أو النهار ساعةٌ سمعوا له صوتًا بخلاف ما صوَّت في الساعة التي قبلها، وصوته مُطرِب.» (المعرِّب)
٢٤  نقله المقريزي في خططه، الجزء الأول، صفحة ٢٥٥. وقد سار السيوطي خطوةً أخرى فنقل عن كتاب «مباهج الفكر»، فقال: «المنارة مبنيَّة بحجارةٍ مُهندَمة مضبَّبة بالرصاص على قناطر من الزجاج، والقناطر على ظهر سرطان من نحاس» (حسن المحاضرة، الجزء الأول، صفحة ٥٣). وقد بيَّن ابن رستاه ذلك الخلط عندما قال إن المنارة كانت مبنية على أربعة سرطانات من الزجاج.
٢٥  نجد رسمًا للسرطان في صورة ٧ من كتاب L. Col. H. H. Gorringe، وهو كتاب Egyptian Obelisks (لندن، ١٨٨٥)، وتوجد به صورٌ أخرى للبناء. وقد وصف Neroutsos Bey في كتابه L’Ancienne Alexandrie، صفحة ١٦ و١٧، وضع المسلة الأصلية. ولم تبقَ إلا دعامةٌ واحدة من الدعامات الأربع التي كانت على هيئة السرطان، وكان من النحاس القديم Cuivre reputé Aurifere، «وكانت هذه الدعامة على هيئة السرطان البحري راقدًا على بطنه فوق قطعة من حجر الجرانيت، وفوق ظهره فتحة تُدخل إلى ما تحت جِرم المسلة». وكانت الدعامات الثلاث الأخرى على الصورة عينها؛ وبذلك كانت المسلة منفصلةً كل الانفصال عن جسم البناء الذي تحتها.
٢٦  قام الدليل على أن المسلات كان لها غطاءٌ على قمتها من المعدن.
٢٧  انظر ما جاء بعدُ في [الفصل الخامس والعشرون: مكتبة الإسكندرية]، وقد عالجنا فيها هذا الأمر.
٢٨  يقول Matter إن المتحف لا يُذكر بعد القرن الخامس. Ecole d’Alexandrie، الجزء الأول، صفحة ٣٣١. والدكتور Botti يقول إن المتحف زال من زمنٍ قديم قبل ذلك التاريخ، «ولم يبقَ المتحف بعد زمن كركلا» (Fouilles à la colonne Theodosienne، صفحة ١٣٨). وهذا البحث الذي بحثه الدكتور Botti ذو قيمةٍ عظمى لتاريخ الإسكندرية ووصف سطحها، ويقصد بقوله «العمود التيودوسي» ما يُعرَف عادةً بعمود دقلديانوس، وأما اسم «عمود بومبي» فناشئٌ عن خطأ في قراءة النقوش التي تحته.
٢٩  يذكر ياقوت والقزويني هذا الاسم.
٣٠  لا تزال النواة الصخرية ظاهرة إلى اليوم، وإن وصف «روفينوس» لا يدع مجالًا للشك في أن القلعة كانت بوجهٍ عام كومًا عظيمًا من البناء، ويقول: «وليس في ذلك الموضع ربوةٌ طبيعية، ولكنه واقع على قمة مائة درجة أو تزيد، وهي من صُنْع الإنسان، وهو منعزل، وحوله مربَّعاتٌ متسعة من كل جانب، وكل الممرَّات إلى القمة واقعةٌ تحت أروقةٍ ذات قباب … والأجزاء الخارجية من السور المُحيط فيها مَخادع ومحاريب وأبنيةٌ عالية يسكنها القسوس، أو أولئك الذين يُسمُّونهم النُّساك الذين يريدون أن يتطهَّروا. وفوق ذلك كان ذلك السور مُحاطًا من الداخل بأروقةٍ تزينها مربَّعات من الحجارة، وفي وسط المساحة كلها كان يوجد معبدٌ فيه أعمدةٌ عاليةٌ ثمينة، ويُغطي واجهتَه المرمرُ البديع، وكان فيه تمثال ﻟ «سرابيس» بلغ من عِظمه أنه كان يلمس بيده اليمنى جدارًا من الجُدران وبيده اليسرى الجدار الآخر. وقد قيل إن ذلك المعبد استُعمل في بنائه كل أنواع المعادن والأخشاب.»
ولا يذكُر روفينوس المكتبة، ولكنه رأى هدم الصنم، وقد يكون لحق بذلك هدم المعبد كله. وقد ذكر أونابيوس أن هدم البناء كان تامًّا، قال: «وألقَوا مراسيهم في السرابيوم، وحاربوا الأماكن المقدسة، ولم يتركوا غير أرض السرابيوم لثقل الحجارة؛ لأنها كانت لا يمكن نقلها، وقد خلطوا الأشياء وخرَّبوها … إلخ.»(٣٣) وكان هذا في حكم تيودوسوس عندما كان تيوفيلوس بطريقًا للإسكندرية ورومانوس قائدًا لحاميتها.
٣١  الظاهر أن الدكتور «بوتى» لم يلتفت إلى طريق العربات في بحثه الأول في هذا الأمر (L’Acropole d’Alexandrie، صفحة ٧)؛ إذ لم يكن أمامه كل ما قاله «أفطونيوس»، فقال: «وعلى ذلك لم تكن له طُرقٌ يُولَج إليه منها إلا طريقًا واحدًا، وهو السُّلم الأثري ذو الدرجات المائة، ولم تكن له طريق لسير العربات.» ولكنه في كتابه Colonne Theodosienne، صفحة ٢٤، قد فصَّل الأمر فيما كتبه، وتفصيله يدل على أنه قد كان هناك طريق للعربات في أحد جوانبه. وقد ترجم الدكتور «بوتى» في كتابه الأخير (صفحة ٨٢) قول أفطونيوس ترجمةً عجيبة، فجعلها: «فإذا ما دخل الإنسان القلعة «لم يجد إلا» هضبةً واحدة مقسَّمة إلى أربعة أجنحة مُتشابهة، ونظامه المُستطيل يُشبِه قالبًا من الآجر.»(٣٤) ومن المؤكد أن قوله معناه «أن الشكل العام لبنائه مستطيل».(٣٥) وأما ما قبل ذلك فمعناه أن الفضاء الذي فيه هذا المستطيل مقسَّم إلى أربعة أضلاع مُتساوية الطول؛ أي إنها أعمدة على شكل الصليب كما وصفناها في متن كتابنا.
٣٢  قد جاء وصف القلعة ومدخلها في كتاب Polybius عند ذكر ثورة Cleomenes، فقال: «فحص قائد القلعة باب الدخول» (٣٩). ولو ذكر Matter هذه القطعة لمَا شك في قول أفطونيوس إذا استعمل لفظ «القلعة» Ecole d’Alexandrie، الجزء الأول، صفحة ٣٢٥.
٣٣  أخذنا هذا القياس عن المسعودي، ووصف البناء مأخوذ من مقارنةٍ دقيقة لِما جاء في كتاب Ruffinus وAphthonius، ولكن الأخير بعيدٌ كل البعد عن الوضوح حتى في المواضع التي يقصد فيها الدقة. وقد زار «أفطونيوس» الإسكندرية حوالَي سنة ٣١٥ بعد الميلاد، وقد أورد في كتابه Progymnastmata مُوازنةً بين «أكروبولس» مدينة أثينا و«أكروبولس» الإسكندرية، وهي موازنةٌ شائقة على ما فيها من غموض. انظر ما كتبه الدكتور Botti في Colonne Theodosienne، صفحة ٢٤ وما بعدها، ولكن يحسُن قراءة كل هذا المؤلَّف، وكذلك قراءة ما كتبه في L’Acropole D’Alex. et La Serapium، ونحن مَدينون لكلا هذين الكتابين دينًا عظيمًا.
٣٤  Macrobius، الكتاب الأول، الفصل ٢٠. وقد وصف Pseudo Callisthenes في كتابه «حياة الإسكندر»(٣٦) هذا التمثال بقوله: «يحمل في يده اليمنى حيوانًا بريًّا له أوجهٌ كثيرة، وفي يده اليسرى سيفًا.»(٣٧)
٣٥  وإن وصف أميانوس لمِمَّا يستحق الاقتباس، إذ قال: «وبعد هذه كانت معابد قائمة على قوائم عالية، وكان السرابيوم أظهرها. وإن اللفظ ليعجز عن تصوير صورة حقيقية له؛ فقد كانت أبهاؤه ذات العماد/ وتماثيله التي كأنها من الأحياء، وسوى ذلك مما كان به من آثار الفن؛ كانت كلها تُميزه وتخلع عليه بهاءً يجعله فذًّا في العالم، لا يزيد عليه شيء فيه جمالًا اللهم إلا بناء الكابتول؛ ذلك الفخر الخالد الذي تفخر به روما العظيمة.»
ومن المحتمل أن رُمِّم معبد إيزيس وسيرابيس في روما إذا أظهرناه بحسب ما نتخيَّله من وصفه يمكن أن يُقرِّب إلينا صورة البناء الذي كان في الإسكندرية (انظر كتاب Lafaye، وهو Hist. des Cultes des Divinités d’Alex.، باريس، سنة ١٨٨٣، والصورة المُقابلة لصفحة ٢٢٤). وإن لغة Tacitus فيها كثير من التحفظ (Hist. IV، صفحة ٨٤)؛ فإنه لا يقول سوى أن المعبد كان مُناسبًا لحجم المدينة في عِظمه. وقد أساء Matter فهم هذه الجملة، فذهب إلى أن Tacitus يُشبِّه مجموعة هذا البناء بمدينة (Ecole d’Alex. t. i. p. 323). وقد ورد هذا الخطأ نفسه في كتاب Saint Martin؛ إذ يقول: وقد بلغ من عِظمه كما قال «تاسيت» أنه كان مثل مدينة (Histoire du Bas Emp.، تأليف Lebeau، الجزء الرابع، هامش صفحة ٤٠٦).
٣٦  لعل هذا هو المعنى المحقَّق لقول Aphthonius: «كانت المَخادع مبنيَّة في داخل الأروقة، وكان بعضها مُتخذًا للكتب توضع عليها وتُفتح لمن شاء أن يُكلف نفسه بالعناية بالفلسفة وإعادة القوة إلى الحكمة، وكان البعض الآخر مُتخذًا مشاهد للآلهة القديمة.»(٣٨)
٣٧  قال الدكتور Botti في كتابه السالف الذكر إنه أنشئ بعد هدم السرابيوم الذي حدث في سنة ٣٩١، ويُسمِّيه «العمود الثيودوسي».
٣٨  بحسب رأي الدكتور Botti كان اسم «الإنجيليون» في أول أمره «الأركاديون»، وكان أصل اسم «الأركاديون» «الكلوديون». وهو يقول فوق ذلك إن «الأركاديون» كان هو «الهادريانون» (انظر الكتاب السالف الذكر، صفحات ١٣٥ و١٣٨ و١٣٩). ويظهر لنا أن قوله هذا غير ثابت؛ فقد كان «الهدريانون» معبدًا، ثم جُعل موضعًا للسجلات تُحفظ فيه الدواوين والوثائق (انظر ما كُتِب في ذلك في أوراق بردي Oxyrhynchus، الجزء الأول صفحة ٦٨ و٧٢، والجزء الثاني صفحة ١٨٢). ومن المشكوك فيه أن هذا البناء كان على نجد السرابيوم، وليس ثَم مِن سبب لأن يُحوَّل إلى كنيسة إذا كان قد استُخدم لذلك الغرض النافع. وقد أخذ Gregorovius قوله عن تحويله إلى كنيسة عن كتاب Haeres XIX 2me (Epiphanius) (الإمبراطور هادريان، صفحة ٣٥٨). ويقول سعيد بن بطريق (انظر ميني، الجزء ١١١، المجموعة ١٠٢٥-٦، والمجموعة ١٠٣٠) إن تيوفيلوس بنى كنيسةً عظيمة باسم الإمبراطور «تيودوسيوس» وغطَّاها بالذهب، وذلك سوى ما بناه من كنائس أخرى كثيرة، مثل كنيسة العذراء وكنيسة القديس يوحنا. وأما عن الأركاديون فإنه يقول: «المعبد الإسكندري الأعظم الذي أنشئ تخليدًا لاسم أركاديوس.»
ولا شك أن هذا كان قبل سنة ٣٩٨، وهذا يتفق كل الاتفاق مع ما جاء في كتاب حنا النقيوسي، وهو أقدم من ذلك بكثير؛ فقد قال في صفحة ٤٥٠ إن البطريق «تيوفيلوس» بنى كنيسةً كبرى سمَّاها باسم الإمبراطور «تيودوسيوس»، وبنى أخرى سمَّاها باسم ابنه «أركاديوس»، وحوَّل أيضًا معبدًا في السرابيوم إلى كنيسةٍ سمَّاها باسم «هونوريوس»، ثم قال إن تلك الكنيسة المسمَّاة باسم هونوريوس كانت تُطلَق عليها اسم القديسَين «قزماس» و«دميان»، وكانت مُقابلة لكنيسة القديس بطرس. وإذا لم يُخطئ حنا فإن الأركاديون كانت بناءً جديدًا في أواخر القرن الرابع. ولكن هذا الأمر مُحير؛ فإن قول Sozomen (Hist. Eccl V.، صفحة ١٥) يُفهم منه أن معبد سرابيس هو الذي حُوِّل إلى كنيسة؛ فقد قال: «إن الذي كان عند ذلك معبد السرابيوم قد أُخذ، وبعد قليل حُوِّل إلى كنيسة الأركاديوس لقب الملك.»(٣٩) ولكن لفظ سرابيوم(٤٠) يجب أن يُفهم منه هنا الأكروبولس وليس المعبد فقط، ولفظ(٤١) لا بد يُقصد به «أعيد بناؤه»، وليس «حُوِّل»؛ فإن Sozomen يذكر بوضوحٍ أن المعبد قد هُدم.
٣٩  أميلنو (حياة البطريق القبطي إسحاق، صفحة ٥٧-٨).
٤٠  الظاهر أن هذا هو ما عناه السيوطي عند ذكره قبةً مغطَّاة بالنحاس، وأنها تلمع كالذهب، ولكن المقريزي يذكر قبةً قطعةً واحدة من الرخام الأبيض بديعة الصنع، وقد يكون المقصود بهذا كله شيئًا واحدًا.
٤١  حسن المحاضرة للسيوطي، صفحة ٥٥.
٤٢  الدكتور Botti (Colonne Theodosienne، صفحة ١ و٢).
٤٣  نفس الكتاب السابق، صفحة ١٢.
٤٤  نفس الكتاب. ولكن هذه الأعمدة كانت في الصفوف الخارجية، وأما أعمدة المعبد فقد زالت أو كانت على الأقل قد هُدمت في أيام تيودوسيوس.
٤٥  خطط المقريزي، الجزء الأول، صفحة ١٥٩. ولكن عبد اللطيف يقول إنه رأى ٤٠٠ من الأعمدة الكبرى مكسَّرة ومُلقاة على الشاطئ، وهو يقول إن «قراجا» قصد إلى أحد أمرين؛ إما أن يمنع أثر الموج في الشاطئ؛ إذ كانت تحفر ما تحت أسوار المدينة، وإما أن يدفع سفن العدو. ثم قال: وعلى أي حال فقد كان هذا عبثًا سيئًا يُشبِه عبث الأطفال (صفحة ١١٣).
٤٦  وقد أفصح ياقوت عن الأثر الذي أحدثه ذلك في نفسه بقوله إنه لما زار الإسكندرية طاف حول المدينة، فلم يجد بها شيئًا يستحق الإعجاب أو يُثير الدهشة إلا عمودًا اسمه عمود السواري بقرب الباب المسمَّى «باب الشجرة».
٤٧  المقريزي، الكتاب السالف، صفحة ١٥٨.
٤٨  هذه التفاصيل مأخوذة من كتاب Moschus «مسارح الأرواح»، الفصل ١٠٥ و١٠٦.
٤٩  والفاروس برجٌ شاهق العلو على الجزيرة مبني بناءً عظيمًا، واشتُق اسمه من اسم الجزيرة (Bell. Civ. iii Sub, fin).
٥٠  Geog, XVII. i 6.
٥١  جاء ذكر مثل هذا الإصلاح في الديوان اليوناني (Epid 674)، وقد ترجمنا تلك الأبيات من Amaranth and Asphodel كما يلي:
أنا صرحٌ أُغيث البحارة في اليم، أضيء عليهم بمصباحي الهادئ فأضيء الليل. كنت أهتزُّ إذا عصفت العواصف المُدوية، حتى تداركني أمون بحوله فأعاد قوَّتي.
فإذا ما جاز البحارة تلك الأمواج الثائرة رفعوا أيديهم إليه إذا ما صاروا على الأرض، كما يرفعونها للإله العظيم الذي يهزُّ الأرض.
٥٢  Bibl. Geo. Arab.، الجزء الأول، صفحة ٥١.
٥٣  الكتاب نفسه، الجزء الثاني، صفحة ٩٩.
٥٤  Geographia Nubiensis، صفحة ٩٤ و٩٥.
٥٥  لسنا ندري ما هو القياس المقصود بالدقة، ولكنا إذا قدَّرنا القامة بخمس أقدام لا أكثر كان علو البرج خمسمائة قدم. وأكثر الكُتاب المسلمين يذهبون إلى أن علوها ٣٠٠ ذراع. ولسنا نُخطئ إذا نحن جعلنا ذلك ٥٠٠ قدم إنجليزي. ومن العجيب أن الإدريسي لا يفرِّق بين الطبقة الأولى والطبقة الثانية من البرج. ويقول اليعقوبي إن علوها ١٧٥ ذراعًا. ويقول المسعودي، وكان في وقته، إن علوه الآن (في القرن العاشر) ٢٣٠ ذراعًا، ولكنه كان فيما مضى ٤٠٠ ذراع، ثم هدمتها الزلازل ومر الزمن. وقال القزويني إن الطبقتين الأولى والثانية كانتا مُتساويتين في العلو (ويقول إن كلًّا منهما كانت ٩٠ ذراعًا). فإذا كان الأمر كذلك فإن قياس الإدريسي يجعل علوَّ كلٍّ من الطبقتين الأوليين ١٠٥ ذراع، وعلو الثالثة ٧٨ ذراعًا، و١٢ ذراعًا للمصباح. ويلوح لنا أن هذا تقديرٌ قريب إلى الأذهان. وأما المقريزي فإنه يذكر قياسًا آخر، وهو ١٢١ ذراعًا للطبقة المربَّعة، و ذراعًا للمثمَّنة، و ذراعًا للمُستديرة. ويقول ابن الفقيه إن جماعةً ذكروا أن الأذرُع كانت أذرعًا سلطانية، فكانت ٣٠٠ ذراع منها تُساوي ٤٥٠ من أذرع اليد. وقال عبد اللطيف إنه قرأ نسخةً مخطوطة من كتاب أحد أهل الأسفار، فوجد به أن علو الطبقات هو ١٢١ و و، ويزيد عليها ١٠ أذرع للمصباح (أو المسجد الذي فوق القمة). ويقول Holm في كتابه Hist. of Greece ترجمة F. Clarke (الجزء الرابع، صفحة ٣٠٤): إن علوه ٦٥٠ قدمًا. ولكن هذا بعيد عن التصديق لأسبابٍ فنية في علم الحيل.
٥٦  المسعودي في Bibl. Geog. Arabe، الجزء الثامن، صفحة ٤٦، وكذا سواه من الكُتاب.
٥٧  ياقوت، الجزء الأول، صفحة ٢٥٦ وما بعدها.
٥٨  ليس من الواضح أكانت هناك درجات أم طريقٌ مُنحدر يُصعد عليه إلى البرج؛ فبعض الكُتاب يذكر درجات، وأما المسعودي فيقول إنه كان يُصعد إليه من طريقٍ مُنحدر لا درج له، وقال غيره إن الخيل كانت تصعد بأحمالها إلى كل غرفة. وإنه لما يهمُّ الإنسانَ أن يعرف كيف كان يُصعد بالوقود إلى قمة البرج لإيقاد نار المصباح، ولعله كان يُرفع من الفتحة المتوسطة في البناء بواسطة بكرة.
٥٩  قد بيَّنا أصل هذه القصة فيما سلف. وليس أوضح من ابن الفقيه في الدلالة على ما حدث من الخلط بين المنارة والمسلَّتين؛ فإنه بعد أن قال (Bible. Geog. Arab.، الجزء الخامس، صفحة ٧٠) إن منارة الإسكندرية قائمة على سرطان من الزجاج في البحر، قال في الصفحة التي بعدها إن منارة الإسكندرية كان لها عمودان قائمان على صورتين؛ إحداهما من النحاس، والأخرى من الزجاج. والصورة من النحاس على هيئة العقرب، والتي من الزجاج على صورة السرطان. والمرصد بجوارهما، ويُسمى المنارة. وقد روى السيوطي عن غيره من الكُتاب عبارةً تُفيد أن المنارة كانت قائمة على عقود من الزجاج قائمة فوق سرطان من النحاس. ويُفسر ياقوت سبب عمل الأساس من الزجاج بقصةٍ خرافية، هي أن الإسكندر (كذا) عندما أراد بناء المنارة ألقى في البحر بحجارة وآجر وصخر محبَّب وذهب وفضة ونحاس ورصاص وحديد وزجاج وسائر أنواع المعادن لكي يُجربها، ثم أخرجها وفحصها، فوجد أن الزجاج وحده لم ينقص ولم يفسد، فاختاره للبناء.
٦٠  المقريزي، ويبدأ وصف المنارة في الجزء الأول صفحة ١٥٥ من الخطط.
٦١  ينقل المقريزي هذا عن ابن وصيف شاه في كتابه «تاريخ مصر»، ويتفق معه المرتضى؛ إذ قال إنهم بنَوا برجًا صغيرًا في وسط المدينة على أعمدة من النحاس المذهَّب، وجعلوا عليه مرآةً متخذة من مواد مختلفة طولها خمسة أشبار في مثلها، وكان علو البرج مائة ذراع، وكانت المرآة تُستعمل لإحراق العدو، وكذلك فإن المنارة لم تُبنَ إلا لإقامة مرآة كانت فوقها (تاريخ مصر، صفحة ١٠٢).
٦٢  ابن الفقيه في Bible Geog. Arab.، الجزء الخامس، صفحة ٧١.
٦٣  هذا هو اللفظ الذي استعمله المقريزي «الزجاج المدبر».
٦٤  عن السيوطي، وهو يقول إن عرض المرآة كان سبع أذرع، وإنها كانت تُظهر السفن الآتية من بلاد أوروبا، وإنها كانت تُستعمل لإحراق العدو. وقال إنهم كانوا يُديرون المرآة نحو الشمس وهي مائلة للغروب، فتنعكس عليها الأشعَّة وتحرق سفن العدو.
٦٥  ذكر Arculfus حوالَي سنة ٦٧٠ ميلادية هذا «البرج الشاهق العلو»، فقال: «إنه كان يخدم فيه قومٌ يُوقدون المشاعل وقطع الخشب التي تُجمع لذلك الغرض؛ لكي تهدي السفن إلى البر، وتدلَّها على مدخل المضيق.» ثم قال: «وكان حول الجزيرة كذلك عروقٌ كبيرة الحجم قد وُضعت لتحمي الأساس من الانهيار من جرَّاء فعل ماء البحر» (Pal. Pil. Text Soc.، الجزء الثالث، صفحة ٥٠).
٦٦  جاء في روايةٍ أخرى أنه كان بعض قسوس النصارى، وأنه جاء بكتابٍ قديم فيه سر الكنز الدفين.
٦٧  السيوطي، الكتاب السابق، صفحة ٥٣. ولكن جمهور كُتاب العرب يذهبون إلى أن المرآة تحطَّمت، وهذا هو الأقرب.
٦٨  عن مؤلف «مباهج الفكر» الذي نقل عنه السيوطي.
٦٩  المسعودي.
٧٠  قال المسعودي إن ذلك حدث عندما كان في الفسطاط.
٧١  نقله المقريزي.
٧٢  يمكن أن تقرأ وصف ياقوت للمنارة في كتاب (Wustenfeld) Geographisches Worterbuch، الجزء الأول، صفحة ٢٨٦ وما بعدها.
٧٣  عن ابن فضل الله، وقد نقله عنه السيوطي.
٧٤  لا يكاد يوجد شك في أن قلعة فاروس (الفنار) التي تهدَّمت عند رمي القنابل على الإسكندرية هي في موضع المنارة القديمة، ويظهر أن بعض أجزائها قديمة، ولكن يلوح أن علماء الآثار القديمة لم يفحصوا هذا الموضع فحصًا جديًّا ليعرفوا رسم ما يستحق الرسم وحفظه. ويزعم المستر Kay الكاتب الأمريكي أنه قد كشف آثار الأساس الأصلي تحت جدران الحصن الموجود الذي بناه قايتباي (حوالَي سنة ١٤٨٠) (The American Architect And Building News، الجزء الحادي عشر، صفحة ١٠١-١٠٢، الصادرة في ٢٦ أغسطس سنة ١٨٨٢). ولكن سواه يجعلون الموضع في شرق الحصن في مكان يُغطيه البحر اليوم.
٧٥  قد عالجنا هذه النظرية في اﻟ Athenaeum، ٢٠ نوفمبر سنة ١٨٨٠، ولا نزال على رأينا في ذلك. أما من حيث الاسم فلفظ المنارة لا يُستخدم الآن للمئذنة، ولكنه كان يُستخدم في الأصل لذلك الغرض كما أخبرني الشيخ محمد عبده مُفتي الديار المصرية.
٧٦  يُخطئ جُل الرسوم التي تمثِّل الإسكندرية القديمة؛ إذ تجعل فضاءً عظيمًا بين الأسوار والترعة، وهذا الخطأ قد دل عليه الدليل القاطع؛ أولًا: بشهادة حنا النقيوسي في وصف القتال بين «نيقتاس» و«بنوسوس»، وقد أوردنا ذلك في الأبواب الأولى من كتابنا هذا. وثانيًا: بأن «أركولفوس» قد ذكر ذلك الأمر ذكرًا صريحًا؛ إذ يقول: «وتُحيط بالمدينة دائرةٌ عظيمة من الأسوار تُحصنها البروج الكثيرة المُقامة على شاطئ النهر ومنحنى ساحل البحر» (الكتاب المذكور، صفحة ٥٢). ثم قال في موضعٍ آخر: «ويُحيط بها من الجنوب مصبَّات نهر النيل، ويحفُّ بها من الشمال البحر، وعلى هذا فهي من كلا الجانبين يُحيط بها الماء» (نفس الكتاب، صفحة ٤٩). ولا شك أننا عالمون أن المدينة قد ضاقت رقعتها وضاقت بضيقها دائرة أسوارها، فلم تكن الأسوار التي تُحيط بها في العصور الوسطى هي التي كانت تُحيط بها في أول أيامها (انظر كتاب H, de Vaujany) (Recherches sur les anciens Monuments situés sur le Grand Port d’Alexandrie)، صفحة ٧٤ و٨٤، (الإسكندرية ١٨٨٨). ولكن الشكل العام لتلك الأسوار كان في أغلب الظن لا يزال على عهده، وقد كان لها بغير شك أثرٌ عظيم في نفوس السُّفار حتى بعد الفتح بسبعة قرون أو ثمانية؛ ففي سنة ١٣٥٠ كتب Ludolph Von Suchem يقول: «والإسكندرية اليوم أول مدينة بحرية في مصر، ومن أعظم مدائن السلطان؛ فهي من جانب على نهر النيل نهر جنة الفردوس إذ يصبُّ في البحر، وهي من الجانب الآخر على البحر. وهذه المدينة الجميلة منيعة تُحيط بها الأسوار العالية والصروح الباسقة التي يخالها الرائي أمنع من أن ينالها نائل … ولا تزال بها إلى اليوم كنيسةٌ عظيمةٌ بديعة البناء لم ينقص منها شيء، وقد حلتها النقوش المختلفة من الفسيفساء والرخام. والحق أن الإسكندرية لا يزال بها كنائس أخرى كثيرة فيها أجساد من القديسين» (Description of the Holy Land (tr, by Aubrey Stewart)، صفحة ٥٤–٤٦، لندن، ١٨٩٥). وكذلك يذكر Breydenbach حوالَي سنة ١٤٨٦ أنه رأى «مدينة الإسكندرية العظيمة يُحيط بها البحر الأعظم من جانب والحدائق اليانعة من الجانب الآخر»، ثم قال بعد ذلك إن كثيرين من زملائه السُّفار صعدوا على السور الخارجي ورأوا دائرة الحصون والخنادق، ثم وافقوا على رأيه، «وأنهم لم يرَوا مدينةً أبدع منها ولا أحصن؛ لِما بها من الآطام والأسوار العالية والبروج الشاهقة»، ولكنهم لم يرَوا في داخلها سوى الخراب والدمار اللهم إلا كنائس قليلة (Descriptio Terrae Sanctae، صفحة ١٠٢). ويمكن أن ترى رسمًا للإسكندرية القديمة في دار الكتب المصرية بالقاهرة وتاريخها سنة ١٦٠٠، وهي تُمثل دائرةً تامة من الأسوار، وتكون الأسوار في بعض المواضع مُزدوجة، ولكنه رسمٌ غير دقيق بغير مقياس ولا تناسب، وخيرٌ منه رسم D’Anville عند صفحة ٥٢ من كتابه Memoires sur L’Egypte، وبه رسم الأسوار القديمة والجديدة معًا. وتجد رسمًا تقريبيًّا في كتاب Janssonius، وهو Theatrum Urbium، الجزء الرابع (Ams, n, d,). وتجد في كتاب Oxon 1801 (Aegyptiaca) White رسمًا وطائفةً عظيمة من الأخبار، وكذلك في كتاب (Alexandrinisches Museum) Porthey (برلين سنة ١٨٣٨). وأكثر دوائر المعارف تُورِد بعض الرسوم، كما يفعل كتاب Selections from Strabo (Tozer). وكل هذه الرسوم صغيرة، وأكثرها يُسلِّم بأمورٍ ليست من المسلَّم بها. وأما الرسم الذي في كتاب Ecole d’Alexandrie (Matter) فإنه أكبر قليلًا، ولكنه غير دقيق وناقص في التفاصيل. وقد أورد كذلك Neroutsos Bey في كتابه L’Ancienne Alex. رسمًا على مقياسٍ أكبر. ولعله خير الرسوم، على أنه في بعض المواضع يظهر كأنه لا يفرِّق بين الأسوار البيزنطية والأسوار العربية، ولا شك أنه مُخطئ في جعل كنيسة القديس مرقص والتترابيليس في جنوب القيصريون، ولكنه أحسن في تصوير الموانئ التي على الترعة. ونجد في المتحف الحديث بالإسكندرية رسمًا للمدينة قديمًا وحديثًا على مقياسٍ كبير جدًّا. ولا شك أن البحوث القائمة في الوقت الحالي ستكشف بعد قليل عن رسم المدينة القديم، ولكن انخفاض الأرض في كل مساحة الإسكندرية القديمة وإغارة البحر عليها يجعلان إعادة الرسم من أشق الأمور. انظر مقال الدكتور Hogarth عن أبحاثه الحفرية في Eg. Eplor. Fund Report، سنة ١٨٩٤-١٨٩٥.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤