الفصل الخامس عشر

آثار المدينة

(١) مسجد حمزة

فأَوَّلُ ما نذكر مِنْ ذلك مَسْجِدُ حمْزَةَ — عَمِّ النبي — بِقِبْلِيِّ الجَبلِ، والجَبَلُ جنُوبيُّ المدينةِ، وَهو على مقدار ثلاثة أميال.

وَعلى قَبْرِه مَسْجدٌ مَبْنِيٌّ، والْقَبْرُ برحَبَةٍ جَنُوبيَّ المسجدِ. والشُّهداءُ بإِزائِه، والغارُ الذي أَوَى إِليهِ النَّبيُّ، وَبإِزاءِ الشُّهَداءِ تُرْبَةٌ حَمْراءُ هي التُّرْبةُ التي تُنْسَبُ إلى حمزةَ، وَيَتَبَرَّكُ الناسُ بها.

(٢) بابُ البَقِيع

و«بقيعُ الغَرْقَدِ» شَرْقِيَّ المدينةِ، يُخرَجُ إِليهِ على باب يُعْرَفُ ببابِ البَقِيعِ. وَأَوَّلُ ما تَلقى عنْ يَسارِكَ — عندَ خُروجِكَ من الباب — مشهدُ صَفِيَّةَ عمةِ النبيِّ، أُمِّ الزُّبَيْر بنِ الْعَوَّامِ. وَأمامَ هذِه الترْبةِ قبرُ مالِكِ بن أَنَس: الإِمامِ المَدنِيِّ، وعليْهِ قُبَّةٌ صغيرةٌ مُخْتَصَرَةُ البناءِ.

(٣) السُّلالة الطاهرة

وَأَمامَهُ قبرُ السُّلالةِ الطَّاهرَةِ: إِبراهيمَ ابنِ النبيِّ ، وَعليهِ قُبةٌ بَيضاءُ. وَعَلَى اليمينِ منها تُرْبَةُ ابنٍ لِعُمَرَ بنِ الخطَّابِ — رضي اللهُ عنهُ — اسمُهُ عبدُ الرحمنِ الأَوسَطُ، وَهو المعرُوفُ بأَبي شَحْمَةَ، وَهو الذي جَلَدَهُ أَبوهُ الْحدَّ فمرِضَ فماتَ. وَبإِزائها رَوضةٌ صغيرةٌ فيها ثلاثةٌ من أَولادِ النبيِّ. وَيَلِيها رَوضةُ العبَّاسِ بنِ عبدِ المُطَّلِبِ، والْحَسَنِ بنِ عليٍّ، وَهي قُبةٌ مُرتَفعةٌ في الهواءِ عَلَى مَقرَبةٍ من بابِ البَقيعِ، وَعن يمينِ الخارجِ منهُ. وَقبراهُما مُرْتَفِعانِ عن الأَرضِ، مُتَّسِعانِ مُغَشَّيانِ بأَلواحِ مُلْصَقَةٍ أَبدعَ إِلصاقٍ، مُرَصَّعَة بصفائِحِ الصُّفْرِ (النُّحاسِ) وَمَسامِيرهِ، على أَبدعِ صِفة، وَأَجملِ مَنظَر.

(٤) بَيْتُ الحَزَن

وَعَلَى هذا الشكل قَبرُ إِبراهيمَ ابنِ النبيِّ. وَيَلي هذه القُبةَ العَبَّاسيَّةَ بيْتٌ يُنْسَبُ لِفاطمَةَ بنْتِ رسولِ اللهِ، وَيُعْرفُ ببَيتِ الْحَزَنِ. يُقال إِنه الذي آوَتْ إِلَيْهِ والتَزَمَت فيهِ الحُزْنَ عَلَى مَوتِ أَبيها.

(٥) مشاهد البَقيع

وَفي آخر البَقِيعِ قبرُ عُثْمانَ الشَّهِيدِ المَظْلومِ، وَعليهِ قُبَّةٌ صَغيرَةٌ مُخْتَصَرَةٌ، وَعَلَى مَقرَبة منه مشهَدُ فاطمةَ بنْتِ أَسدٍ: أُمِّ عَلِيٍّ. وَمشاهِدُ هذا البَقيعِ أَكْثَرُ من أن تُحْصَى، لأَنهُ مدفِنُ الجُمْهورِ الأَعْظَم من الصَّحابةِ المُهاجرِينَ والأَنْصارِ (رضيَ اللهُ عنهم أَجمعين).

(٦) مسجد قُباءَ

وَقُباءُ قِبْلِيَ المدينةِ، وَمنها إِليها نَحْوُ المِيلَيْنِ. وكانت مدينةً كبيرَةً متصلةً بالمدينةِ المُكَرَّمَةِ، والطريقُ إِليها بينَ حدائقِ النَّخْل المتَّصِلةِ، والنَّخِيلُ مُحْدِقٌ بالمدينةِ من جِهاتها، وَأَعْظَمُها جهةَ القِبلَةِ والشَّرْقِ، وَأَقلُّها جهةَ الغربِ، والمسجدُ المؤَسَّسُ عَلَى التقْوَى — بقُباءَ — مُجَدَّدٌ، وَهو مرَبَّعٌ مستوِي الطولِ والعَرْضِ، وَفيهِ مِئْذَنَةٌ طَويلةٌ بيضاءُ تظهرُ عَلَى بُعْدٍ، وفي صَحْنِهِ — مما يَلِي القِبْلَةَ — شِبْهُ مِحراب عَلَى مِصْطَبَة، هو أَوَّلُ موضع ركَعَ فيهِ النبيُّ . وَفي قِبْلَتِه محاريبُ، وَله بابٌ واحِدٌ من جهةِ الغرْبِ، وَهُو سَبْعُ بلاطات في الطُّولِ، وَمثلُها في العَرْض.
figure

(٧) ديار الأَبرار

وفي قِبلَة المسجدِ دارٌ لبَني النَّجَّار، وَيلِي دارَ بني النَّجَّارِ دارُ عائشةَ، وبإِزائها دارُ عُمَرَ، وَدارُ فاطِمَةَ، وَدارُ أَبي بكْر، وَآثارُ هذه القَرْيَةِ كثيرةٌ لا تُحصَى. ولِلْمَدِينَةِ المُكَرَّمَةِ أَربعة أبوابٍ وَهي تحت سُورَين، في كلِّ سورٍ بابٌ يُقابلُه آخَرُ، الواحدُ منها كله حديدٌ، وَيُعرَفُ باسمِه: «بابِ الحديدِ»، ويليهِ «بابُ الشريعةِ»، ثم «بابُ القِبْلَةِ» وَهُو مُغلَقٌ، ثم «بابُ البقِيعِ». وَقبل وُصولِك سُورَ المدينَةِ من جهةِ الغرب — بمقدارٍ يسيرٍ — تَلْقَى الخَنْدَقَ الشهيرَ الَّذِي صَنَعَهُ النبيُّ عند تحزُّبِ الأَحزابِ.

(٨) العين المباركة

وبينه وبين المدينةِ — عن يمينِ الطريقِ — العَينُ المنْسُوبَةُ لِلنبيِّ، وعليها حَلْقٌ (مَجْرى) عظيمٌ مُسْتَطِيلٌ. ومنبعُ العين وَسَطَ ذلك الحلْق، كأَنَّهُ الْحَوْض المسْتَطيل، وَتَحتَه سِقايَتان مُسْتَطيلتِانِ باستطالةِ الحَلْقِ، وقد ضُرِبَ بين كلِّ سِقاية وبين ذلك الحوْضِ بجدار. فأَصْبَحَ الحوض مُحْدَقًا بِجِدارَيْنِ. وهو يَمُدُّ السِّقايَتَيْنِ. ويُهبَطُ إِليهما عَلَى أَدْراجٍ عدَدُها نحوُ الخمسةِ والعشرين دَرَجًا، وماءُ هذه العَيْنِ المُبارَكة يعُمُّ أَهلَ الأَرْضِ، فضلًا عن أَهل المدينةِ، فهي لِتَطَهُّرِ الناسِ واستقائِهم، وغَسْل أَثوابهم. وذلك الحوضُ لا يُتناوَلُ فيه غيرُ الاِسْتِقاءِ (الشُّرب) خاصَّةً، صونًا لهُ، ومحافظةً عليه.

(٩) جبل الشيطان

وبالْقُرْب منها لجهةِ اليسارِ «جبلُ الشَّيْطانِ» حيثُ صَرَخَ — لَعَنَهُ اللهُ — يومَ أُحُدٍ حينَ قال: «قُتِلَ نَبِيُّكُمْ». وعَلَى شَفِيرِ ذلك الخَنْدَقِ حِصْنٌ يعرَفُ بِحِصْنِ العُزَّابِ، وهو خرِبٌ، قيل: إِنَّ عمرَ بناهُ لعُزَّابِ المدينةِ.

(١٠) طريقُ أُحُدٍ

وفي طَرِيق أُحُدٍ مَسْجِدُ عَلِيٍّ، ومسجدُ الفتحِ الذي أُنزلتْ فيهِ عَلَى النبيِّ سورةُ الفَتْحِ. ولِلْمَدِينةِ المُكَرَّمَةِ سِقايَةٌ ثالِثَةٌ داخِلَ باب الحديدِ يُهْبَطُ إِليها علَى أَدْراجٍ، وماؤُها مَعِينٌ، وهي بمَقْرَبَةٍ من الحَرَمِ الكريمِ، وبقِبْليِّ هذا الحرَمِ المُكَرَّمِ دارُ مالكِ بْنِ أَنَسٍ إِمامِ دارِ الهجرةِ. ويُطيفُ بالْحَرمِ كلِّه شارِعٌ مبلَّطٌ بالْحَجَر المَنْحُوت المفْرُوش.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤