جان يساوي ٢٠٠ ألف!

أوى الشياطين إلى فراشهم في المقر السري، وهدأ كل شيء غير أن «أحمد» لم يكن قد نام بعد، فقد كان يقرأ في كتاب عن الأسرار الحربية للحرب العالمية الثانية. كان الكتاب يقع في ثلاثمائة صفحة، وعلى غلافه الأسود، كان يلمع اسم الكتاب «أسرار مجهولة … في الحرب الثانية»، كان «أحمد» قد قطع شوطًا كبيرًا في القراءة، ولأن المعلومات التي يضمها الكتاب كانت مثيرة، فإنه لم يكن يشعر بالرغبة في النوم، غير أن عينه لمحت ساعته الإليكترونية بجوار السرير، وكانت تشير إلى الثانية صباحًا.

قال في نفسه: إن الوقت قد تأخر، وهذا يعني أنني ربما تأخرت عن تمارين الصباح، ففي الغد، سوف تبدأ تدريبات جديدة في الرماية، وسوف يكون الموعد مبكرًا.

شرد قليلًا يفكر، كان يشعر بالرغبة في الاستمرار في القراءة، في نفس الوقت الذي كان يفكر فيه في تمارين الرماية. في النهاية، أغلق الكتاب، وضغط زرًّا بالأباجورة الموجودة بجوار السرير، ثم تمدد. كان كل شيء يغرق في الظلام، إلا الرقم الذي تشير إليه الساعة، فقد كان يبدو لامعًا.

كانت الساعة قد تجاوزت الثانية بقليل، أغمض عينيه، وحاول أن ينام، وكعادة الشياطين بدأ يمارس تمارين معينة تجعله يغرق في النوم بسرعة. ولذلك، فلم تمضِ خمس دقائق، حتى كان قد استغرق في النوم، لكن تأخره لم يجعله يصحو متأخرًا، ففي الساعة السابعة صباحًا كان يقفز من فراشه في نشاط، ويؤدي تمارين الصباح السريعة، ثم بدأ يستعد للخروج.

ولم يكد يضع يده على «أكرة» الباب، حتى لمعت كلمات على شاشة التليفزيون في حجرته. كانت الكلمات عبارة عن دعوة سريعة لاجتماع مع رقم «صفر».

توقف «أحمد» لحظة يفكر: إن مثل هذه الدعوة تعني أن هناك شيئًا خطيرًا، وهذا يعني أيضًا أن تمارين الرماية قد أُلغيت.

دق جرس التليفون؛ فاتجه ناحيته، ورفع السماعة. كان المتحدث هو «عثمان» يقول: الشياطين في طريقهم إلى قاعة الاجتماعات، ثم وضع السماعة، واتجه بسرعة إلى الباب لمغادرة الحجرة. وعندما وصل إلى القاعة كان الشياطين يأخذون أماكنهم في هدوءٍ. ألقى عليهم «أحمد» تحية الصباح، ثم أخذ مكانه، كانوا جميعًا ينظرون إليه في تساؤل، ولم يكن يملك إجابة ترد عليهم، فهو الآخر كان يدور في رأسه نفس التساؤل: ماذا هناك؟

بعد قليل أُضيئت الخريطة الإليكترونية، لم يكن يظهر فيها سوى مساحة زرقاء، عرف الشياطين أنها تعني مساحة مائية، وهذا يعني أن مغامرتهم سوف تكون إما في مدينة ساحلية، أو أنها سوف تكون في أحد البحار أو المحيطات.

بعد قليل، ظهرت المملكة المتحدة، تلك الجزيرة الضخمة التي تشبه كلبًا يجلس على قدميه الخلفيتين.

مرت دقائق أخرى، ثم تركزت التفاصيل عند العاصمة البريطانية، ظهرت مدينة «لندن»، ثم بدأت تختفي المملكة المتحدة لتظهر «لندن» فقط، بتفاصيل كثيرة.

الآن، عرف الشياطين، أن المغامرة الجديدة سوف تكون في مدينة «لندن» … لكن ما هي هذه المغامرة؟!

لقد فكَّر الشياطين طويلًا.

أخيرًا قالت «إلهام»: لعلها تتعلَّق بالموقف الإنجليزي من حرب «فوكلاند» والخلافات حولها.

قال «بوعمير»: لا أظنُّ، فقد أوشكت الحرب على الانتهاء!

قالت «إلهام»: لعلها شيء يتصل بها، فالحرب لها خفايا كثيرة!

ابتسم «أحمد» فقد تذكر ما قرأه أمس، وكانت ابتسامته بداية لأن يلتفتوا إليه، إلا أنه قال في النهاية، حتى لا يترك لهم مجالًا للتفكير: لقد كنت أقرأ كتابًا أمس عن أسرار الحرب الثانية! فجأة، وصل إليهم صوت أقدام رقم «صفر»، فانتبهوا إليه … ظل الصوت يقترب، حتى توقف في النهاية، فألقى عليهم تحية الصباح، ثم رحب بهم.

بعد لحظة قال: لعله يدهشكم أن نجتمع في هذا الوقت المبكر، غير أن المسألة تحتاج فعلًا للسرعة، ولا تحتمل التأجيل.

صمت قليلًا، ثم أضاف: إن المغامرة الجديدة لها جانب إنساني، وهذا ما يجعلها تحتاج للسرعة، وقد دفعني هذا لأن ألغي تمارين الرماية الجديدة هذا الصباح.

سكت مرة أخرى، بعد أن رأى أن تعبير «جانب إنساني» قد استحوذ على اهتمام الشياطين، وقال بعد لحظة: إن هناك طفلًا مخطوفًا.

ولم يزد كلمة واحدة، فهو يعرف أن الشياطين يهتمون تمامًا بهذه المواقف، وكان الشياطين قد ظهر الاهتمام على وجوههم، وبدأت حركة غير عادية تسري بينهم، إلا أن رقم «صفر»، قال: إن خطف طفل، يمكن أن يكون مسألة متكررة الحدوث، غير أن خطف الطفل «جان»، وهذا هو اسمه، يرتبط بمسألة أكبر من ذلك. إن «جان» هو ابن رجل المخابرات الإنجليزي «ويللي»، وكان «ويللي» قد اتفق مع أحد العملاء على أن يمده بمعلومات حربية معينة، وطلب العميل نظير ذلك، مبلغ مائتي ألف جنيه إسترليني، وكتفكير عميل يعمل في مثل هذه الأعمال الخطيرة، فقد طلب أن يكون المبلغ في شكل عدة ماسات!

توقف رقم «صفر» قليلًا، في نفس الوقت الذي كان فيه الشياطين يفكرون في عمليتهم السابقة «سرقة الأرقام السرية»، فقد لعب الماس فيها دورًا.

قال رقم «صفر»: إن العميل فكر بهذه الطريقة؛ خوفًا من أن يقع في كمين يُعد له، فمن الممكن طبعًا تسجيل أرقام الأوراق النقدية، ثم القبض عليه، ولكن عندما يتحول مبلغ المائتي ألف جنيه إسترليني إلى ماس، فإنه سوف يكون في أمان؛ لأن ماستين فقط، يمكن أن تساويا هذا المبلغ. وهذه مسألة، لا يمكن رصدها، وبالتالي يكون قد أمن أي تفكير آخر.

كان الشياطين يتابعون كلام رقم «صفر» في اهتمام، وهم يحاولون في نفس الوقت رسم خطتهم التي سوف يتحركون بها. أيضًا، كانوا يفكرون في علاقة الماس بخطف «جان» الصغير.

كان رقم «صفر» قد لاحظ تفكيرهم في هذه النقطة بالذات، ولذلك قال: إن العميل خطف الطفل، حتى يتأكد من استلامه للماس، وهذه خطة ذكية، فهو يخشى أن يتلاعب به رجل المخابرات. وعندما يكون ابنه هو الثمن، فإنه لن يستطيع التصرف بأي طريقةٍ أخرى، فالمؤكد أنه لن يُضحي بابنه، وإنه سوف يقوم بتسليم الماس للعميل.

صمت رقم «صفر» قليلًا، ثم أضاف: قد يسأل أحدكم: ولماذا يلجأ العميل إلى ذلك، ما دام هناك اتفاق حول تسليم المعلومات الحربية، نظير مبلغ متفق عليه؟

لم يقل رقم «صفر» إجابته على السؤال، فقد ظل صامتًا، في انتظار أن يفكر الشياطين فيه، وحتى يمكن أن يصلوا إلى إجابة. ظل صامتًا، بينما كان الشياطين يفكرون فعلًا في السؤال، ويفكرون في إجابته، غير أن ضوءًا لمع في أعلى الخريطة، جعل الشياطين يعرفون أن هناك رسالة ما في الطريق إلى رقم «صفر». وفعلًا أخذت أقدامه تبتعد، حتى اختفت، في الوقت الذي ظل فيه الشياطين يفكرون في السؤال: لماذا يلجأ العميل إلى خطف «جان» إذا كان هناك اتفاق حول المعلومات والمبلغ؟!

قال «خالد»: قد لا يكون هناك ارتباط بين خطف الطفل، وعملية بيع المعلومات!

قال «أحمد»: لعلها لعبة، فقد تكون المعلومات خاطئة، ويصبح خطف الطفل، هو العملية نفسها!

استغرق الشياطين في التفكير في معنى كلام «أحمد»، والذي يكاد يفتح الطريق إلى إجابة السؤال.

قالت «ريما»: ربما تكون هذه وجهة نظر صحيحة، فالعميل يمكن فعلًا أن يلجأ إليها!

قطع حوارَهم ظهورُ صوت أقدام رقم «صفر»، الذي أخذ يقترب حتى توقف.

قال بعد لحظة: إن وجهة نظر «أحمد» صحيحة فعلًا، فقد كانت المعلومات خاطئة، وقد استطاع العميل أن يعرف أنهم ربما كشفوه، فلجأ إلى عملية الخطف. وصمت قليلًا ثم أضاف: إن المعلومات التي وصلتنا الآن، قد عقدت الأمور أكثر. لقد اختفى «ويللي» بعد أن تسلم الماس، ثم سكت …

والتقت أعين الشياطين.

ثم فكروا بسرعة: هل يمكن أن تكون هناك علاقة بين العميل ورجل المخابرات «ويللي»؟! وهل يمكن أن يكون هناك اتفاق خفي بينهما؟!

قطع رقم «صفر» تفكيرهم، قائلًا: إن العميل الذي يبيع المعلومات عضوٌ في عصابة تطلق على نفسها اسم «عصابة الورقة الزرقاء» أو «البلوبيبر». ولهذا، فلا يمكن أن تكون هناك علاقة بين «ويللي» والعميل. إن المعلومات تقول إن «ويللي» اختفى بالماس، حتى يضمن العثور على ابنه «جان». ونحن طبعًا لا نعرف أي شيء عن العميل، إن ما نعرفه فقط هو «ويللي» نفسه، فهو كما تقول التقارير، ثم صمت قليلًا … بينما كانت أصوات أوراق تُقلَب تصلُ إلى سمع الشياطين.

قال بعد لحظة: «ويللي» متوسط السن، في حدود الثلاثين، قوي البنية، طويل، ذكي جدًّا، ملامحه هي ملامح الرجل الإنجليزي العادي، فهو أشقر الشعر، أزرق العينين.

صمت قليلًا، بينما كان الشياطين يفكرون في تلك الصفات، وهي أوصاف تنطبق على ملايين الإنجليز. غير أن رقم «صفر» قطع تفكيرهم قائلًا: إن «ويللي» يستخدم يده اليسرى كثيرًا، وإن كان يحاول أن يخفي ذلك، كما أنه يتحدث عددًا من اللغات بطريقةٍ جيدة.

كانت هذه معلومات كافية، ليبدأ الشياطين مغامرتهم، غير أن رقم «صفر» أضاف: لقد حدثت عملية الخطف في لندن، حيث يعيش «ويللي»، وعنوان بيته ١٨ شارع ٢٩ إلى السادس. وأنتم تعرفون «لندن» جيدًا …

ثم سكت لحظة، وقال: إنني في انتظار أسئلتكم.

في نفس اللحظة التي قال فيها ذلك، ظهرت أسماء الشياطين المكلفين بالمغامرة، لقد كانت الأسماء: «أحمد»، «خالد»، «عثمان»، و«إلهام». ولم يكن أحد من الشياطين يحتاج إلى معرفة شيء ما، وكان الأربعة الذين تحددت أسماؤهم، أكثر الشياطين رغبة في الانصراف، حتى يبدءوا عملهم.

مرت دقيقة لم ينطق أحد فيها بكلمة، فقال رقم «صفر»: أتمنى لكم التوفيق، وأرجو أن تعثروا على «جان» قبل أن يفوت الوقت، وتلجأ العصابة إلى شيء آخر!

أخذت أقدام رقم «صفر» في الابتعاد شيئًا فشيئًا، حتى اختفت تمامًا، فوقف الشياطين إيذانًا بالانصراف، في نفس الوقت كان الشياطين الأربعة قد تجمعوا معًا عند الباب.

فقال «أحمد»: إن أمامنا ربع ساعة، حتى ننطلق. اللقاء هناك!

انصرف الشياطين كلٌّ إلى حجرته، حتى يعدوا حقائبهم السرية. وفي دقائق كان «أحمد» قد أبدل ثيابه، واستعد لمغادرة الحجرة، إلا أن كلمات سريعة ظهرت على شاشة التليفزيون جعلته يتوقف في انتظار أن تكتمل. كانت الكلمات تعليمات جديدة من رقم «صفر» إلى الشياطين.

قالت التعليمات: هناك معلومات جديدة سوف ينقلها إليكم عميلنا في «لندن»، فهي لم تكتمل لدينا بعد. وهي معلومات من المؤكد أنها سوف تفيدكم كثيرًا، إنها خاصة بالعميل نفسه!

قرأ «أحمد» الكلمات، ثم انصرف مسرعًا. وعند جراج السيارات، كان بقية الشياطين يقفون، وعندما رأوا «أحمد» مقبلًا أسرعوا؛ فاستقلوا السيارة، وأخذ «أحمد» مكانه بجوار «خالد»، الذي كان يجلس إلى عجلة القيادة. أدار «خالد» السيارة، ثم ضغط البنزين، فانطلقت في قوة، في طريقها إلى حيث تبدأ مغامرة الشياطين. هذه المغامرة المعقدة، التي يختلط فيها الموقف الإنساني بمواقف أخرى ليس للأطفال علاقة بها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤