مغامرة في الطريق!

أخذ الشياطين أماكنهم في الطائرة المتجهة إلى «لندن»، كان الوقت حوالي منتصف النهار، ولم يكن هناك شيء غير عادي، فرحلة الطائرة ككل الرحلات التي تقوم بها يوميًا، لكن ما حدث قد جعل الشياطين يشعرون بالضيق. ذلك أن مذيعة الطائرة قالت: إننا سوف نضطر للهبوط في «روما»، وليس هذا لعطلٍ مفاجئ في الطائرة. إن خط السير قد تغير إلى «روما»، التي سوف نبقى فيها لمدة ثلاث ساعات، لنكمل رحلتنا بعد ذلك إلى «لندن» … سكتت قليلًا، ثم أضافت: ترجو الشركة ألَّا يكون لذلك تأثير ضارٌّ على أحد الركاب … والشركة مستعدة لأي اتصالات بين «لندن» و«روما».

نظر الشياطين إلى بعضهم، وهمس «عثمان»: يبدو أن هناك شيئًا، فلا أظن أن طائرة يمكن أن تغير طريقها إلا إذا كان هناك سبب هام!

ردت «إلهام» التي كانت تجلس بجواره: إنها مسألة عادية، فشركات الطيران تتعرض لخسائر كثيرة هذه الأيام؛ نظرًا لقلة عدد المسافرين، وربما يكون هذا التغيير، لجلب مسافرين من إيطاليا إلى إنجلترا!

كان «أحمد» يستمع إلى حوارهما في صمت، لكنه في نفس الوقت، كان يفكر في كلام «عثمان». نظر إلى «خالد» لحظة، وكأنه يحاول أن يعرف فيما يفكر، ثم استدار وألقى نظرة على ممر الطائرة الممتد بين مقاعدها. كان يبحث عن المضيفة، غير أنه لم يكن هناك أحد. مرت عيناه على وجوه الركاب، الذين لم يكن يظهر عليهم أي تأثير. غير أن راكبًا في نهاية الطائرة، وقف فجأة، وقد ظهر عليه الفزع، كان يهذي بكلماتٍ غير مفهومة، وهو يترنح متجهًا إلى مقدمة الطائرة، حيث يوجد طاقم القيادة.

فكر «أحمد» بسرعة وانتظر قليلًا. كان بعض الركاب قد بدءوا يهتمون بهذا الراكب، الذي يثير حالة من الفزع، اقترب الراكب من «أحمد» الذي وقف وأخذ يتحدث إليه بصوتٍ هادئ، حتى أقنعه بالجلوس مكانه، في نفس الوقت انسحب «عثمان» تاركًا مكانه ﻟ «أحمد»، كان الراكب ينتفض من الفزع.

فقال «أحمد» مخاطبًا «عثمان»: كوب من الليمون!

إلا أن «عثمان» أسرع بإخراج حبة صغيرة من جيبه، وضعها في فم الراكب، فأخذ يحركها بلسانه، وهو يبتلع لعابه، ولم تمر دقيقة، حتى كان قد بدأ يهدأ، ونظر إلى «أحمد» قليلًا، ثم انخرط في البكاء. تجمع الركاب حوله ينظرون إليه في رثاء، إلا أن «عثمان» طلب منهم في هدوء أن يعودوا إلى أماكنهم، حتى لا يتسببوا في أي متاعب. تراجع الركاب إلى أماكنهم، بعضهم كان يتعجب، والبعض الآخر، كان ينظر له في رثاء.

بدأ الرجل يهدأ، ومن بين دموعه همس ﻟ «أحمد»: لقد رأيته!

لم يفهم «أحمد» ماذا يعني الرجل، الذي قال بعد لحظة: اسمي «توم»، كنت في طريقي إلى «لندن»، وعندما مر بجانبي، لم أشك في شيء، إلا أن ما قالته مضيفة الطائرة جعلني أسترجع ما رأيته، لقد تأكدت الآن! … وسكت …

في نفس الوقت الذي كان فيه الشياطين يفكرون في كلمات «توم».

ورغم أن «أحمد» قد توصل إلى شيء، إلا أنه لم يرد أن يقطع به، كان يريد أن يتأكد مما قاله «توم».

قال له في همس، حتى لا يتسرب الكلام إلى الركاب، فيثير الفزع بينهم: ماذا رأيت؟!

نظر له «توم» قليلًا، ثم قال: نعم لقد رأيته، كان يخفيه في ثيابه، أخرجه من حقيبته، ثم وضعه في جيبه!

سأله «خالد»: ما هذا الذي وضعه في جيبه؟!

قال «توم»: المسدس! إنه نوع صغير من المسدسات!

تأكد «أحمد» مما فكر فيه، فسأل «توم»: أين هو الآن؟!

قال «توم»: أعتقد أنه في غرفة القيادة، وإلا؛ فلماذا قالت المضيفة ما قالته؟! … وسكت قليلًا … ثم أضاف: لماذا غيرت الطائرة خط سيرها؟!

فكر «أحمد» قليلًا، بينما قال «عثمان»: لعلها مسألة عادية، فهذا يحدث كثيرًا!

قال «توم»: لا، إنه هناك، ولا بد أنهم غيروا خط السير تحت تهديد السلاح!

تحدث «أحمد» إلى الشياطين بلغتهم، طلب منهم أن يظلوا حوله، ولا يتركوه، حتى يتصرف. قام من جوار «توم»، ثم انصرف، وأخذ طريقه إلى مؤخرة الطائرة، وعندما أصبح عند آخر مقعد، حيث لا يوجد أحد، أخرج جهاز الإرسال، ثم أخذ يبحث عن نفس الموجة التي يستقبل عليها جهاز إرسال الطائرة الرسائل، وعندما وجد الموجة تحدث إلى القائد في غرفة القيادة، قال «أحمد»: إنني أتحدث إليك من الطائرة، أرجو أن تجيب ﺑ «لا» أو «نعم» فقط، حتى لا يحدث شيء!

سكت قليلًا، حتى يسمع قائد الطائرة الذي قال: نعم، سوف أفعل.

سأله «أحمد»: هل تغير خط السير تحت ضغط؟

قال القائد: نعم.

سأل «أحمد»: هل هناك شخص خطير في الطائرة؟

قال القائد: نعم.

أحمد: هل هو في غرفة القيادة؟

القائد: نعم.

أحمد: هل يحمل مسدسًا؟

القائد: نعم.

أحمد: هل يحمل شيئًا آخر، قنابل أو غيرها؟

القائد: لا أدري.

أحمد: هل يمكن الدخول إليكم؟

القائد: لا.

أحمد: ألا توجد طريقة للدخول؟

القائد: لا.

فجأة، سمع «أحمد» صوتًا عاليًا يصرخ: مع من تتحدث؟ وماذا يقول لك؟ أجب، وإلا فجرت الطائرة.

فهم «أحمد» أن الموقف يمكن أن يتطور، وأن الجميع يمكن أن ينتهوا. أسرع بإخفاء الجهاز، ثم أخذ طريقه إلى مقدمة الطائرة، وعندما أصبح بجوار الشياطين همس: تمامًا، كما قال «توم»، ثم استمر في طريقه.

عند باب غرفة القيادة، وقف، وحاول أن يستمع إلى أي شيء، لكنه لم يستطع. فكر: هل يدفع الباب فجأة ويدخل؟ لكنه تردد، فقد يلجأ الرجل إلى استخدام مسدسه، فيصيب الطائرة وتقع الكارثة. شعر بيد على كتفه، كانت «إلهام» تقف خلفه، التفت إليها، ثم اتسعت عيناه، كانت «إلهام» تلبس ثياب مضيفة من مضيفات الطائرة.

همس «أحمد»: ماذا ستفعلين؟

ردت: سوف أدخل، إن وجودي بهذا الزي لن يثير لديه أي شك، بجوار أنني فتاة، وسوف أقف في الباب لحظة، تكفي لأن تعرف مكانه.

وصمتت لحظة، ثم قالت: عليك باستخدام إبرة مخدرة.

هز رأسه مبتسمًا، ثم قال: فكرة جيدة، ولو أنها مغامرة؛ فأنت تعرضين نفسك للخطر.

قالت «إلهام»: الشياطين دائمًا يركبون الأخطار.

أسرع «أحمد» فأخرج مسدسه؛ وثبت فيه إبرة مخدرة، ووقف في زاوية يمكن من خلالها أن يكشف غرفة القيادة، في نفس الوقت الذي لا يراه إلا من يجلس في الزاوية المقابلة.

رفع إصبعه إشارة للبدء، فدفعت «إلهام» الباب، في بطءٍ متعمد، وهي تضع قدمها في الداخل، حتى لا تثير الشك. كان الباب مفتوحًا بطريقة تعطي ﻟ «أحمد» فرصة التصرف.

فجأة، صرخ صوت: من هذه؟

ردت «إلهام» بسرعة: إنني مضيفة الطائرة المناوبة.

لم تكد «إلهام» تبدأ ردها، حتى كان «أحمد» قد ضغط زناد المسدس، فانطلقت الإبرة المخدرة لتستقر في صدر الرجل، الذي كان يقف وهو يسند ظهره إلى جدار الغرفة، بينما مسدسه مصوب إلى الطاقم الذي كان يجلس في هدوء.

لم تمر لحظة، حتى كان الرجل يرفع يده، ويهرش مكان الإبرة، ثم يسقط على الأرض، أسرعت «إلهام» تتلقاه بين ذراعيها، في الوقت الذي قفز فيه «أحمد» إليها، ثم تلقاه منها. كان طاقم الطائرة ينظر إليهما، وقد علت الدهشة وجوههم …

مرت دقيقة، قبل أن يسأل قائد الطائرة: أنت الذي تحدثت إليَّ؟

قال «أحمد» مبتسمًا: نعم.

ثم سأل بعد لحظة: هل سوف نستمر في الطريق إلى مطار «روما»؟

قال قائد الطائرة: نعم، إننا دخلنا فعلًا المجال الجوي.

اعتدل في جلسته، وأخذ يتحدث إلى برج مراقبة المطار، ليقول له في إيجازٍ ما حدث، في نفس الوقت الذي كان «أحمد» قد أوثق الرجل، حتى لا يتحرك إذا أفاق، فلم تكن الإبرة المخدرة ذات تأثير طويل، كانت مدتها عدة دقائق فقط. وفي هدوء، انسحب «أحمد» و«إلهام»، وعادا إلى حيث الشياطين.

كان «توم» ما زال جالسًا بين «خالد» و«عثمان» الذي سأله بسرعة: هل انتهى كل شيء؟

قال «أحمد»: نعم.

هتف «توم»: ماذا تعني؟

قال «أحمد»: أعني ما أقول، لقد انتهى كل شيء فعلًا، والرجل مشدود الوثاق في غرفة القيادة.

سأل «توم» بسرعة: هل يعني هذا أننا في الطريق إلى «لندن»؟

أجاب «أحمد»: بعد وقتٍ قصيرٍ سوف نقضيه في «روما».

ظهر الفزع على وجه «توم» وهتف: إذن، لم ينتهِ شيء.

هز «أحمد» رأسه وهو يقول: بل انتهى، ويمكنك أن تذهب إلى هناك فقط في هدوء، حتى لا تثير الشكوك في أي شيء.

لم يكد «توم» يسمع كلمات «أحمد»، حتى قفز من مكانه متجهًا إلى غرفة القيادة.

قال «خالد»: إن خطة «إلهام» كانت موفقة.

قال «أحمد»: خطة لا تخطر ببال.

ابتسمت «إلهام» وهي تقول: هل يشرب السادة شيئًا؟

ضحك الشياطين، مع وصول المضيفة الحقيقية للطائرة، التي ابتسمت ابتسامة عريضة وهي تقول: لا ندري ماذا يمكن أن نقول، لقد أنقذتم الطائرة كلها. صمتت قليلًا، ثم أضافت: لا أملك إلا أن أدعوكم لشرب شيء.

ابتسموا جميعًا، وقال «خالد»: زميلتكم المضيفة الجديدة دعتنا إلى شيء فعلًا.

قالت المضيفة: لقد كانت شجاعة بما يكفي، لكن حتى الآن لا أعرف ماذا حدث للرجل، فقد سقط فجأة، ولا أظن أن الزميلة هي نفس «المرأة الخارقة» التي نشاهدها في التليفزيون!

ضحكوا جميعًا، بينما كان «توم» قد عاد ومعه كابتن الطائرة.

قال «توم» في دهشة: ماذا فعلتما؟ لقد صنعتما معجزة.

أضاف الكابتن: نعم، إنها معجزة فعلًا، ولا أدري ماذا حدث حتى سقط الرجل فجأة، إن هناك سرًّا أتمنى لو أعرفه.

ابتسم «أحمد» وقال: إن المعجزات ليس لها تفسير، وإلا ما أصبحت معجزة، أليس كذلك؟!

هز الكابتن رأسه وقال: هذا صحيح، ولو أنه لغز سوف أظل أفكر فيه طوال حياتي.

قال «أحمد» وهو يغير مجرى الحديث: هل أوشكنا على الوصول؟

أجاب الكابتن: نعم.

سأل «توم»: هل سنبقى طويلًا في «روما»؟

قال الكابتن بعد لحظة: ربما لبعض الوقت.

جاء صوت مذيع الطائرة، يطلب من الركاب أن يربطوا الأحزمة. في نفس الوقت اقترب أحد الطيارين من الكابتن، وهمس في أذنه بكلماتٍ لم يسمعها أحد غيره، فقال ﻟ «أحمد»: هل تتفضل معي إلى غرفة القيادة؟

فهم «أحمد» الدعوة، فصحبه إلى هناك، وفي الغرفة كان الرجل قد أفاق، وهو ينظر حواليه في دهشة، كان تأثير المخدر لا يزال في رأسه.

نظر إلى «أحمد» وقال في بطء: أنت الذي فعلت كل شيء؟

ابتسم «أحمد» ولم يرد، وإن كان قد اقترب منه، ثم انحنى فوقه، يفتش في جيوبه، وأخرج «أحمد» من أحد جيوبه، عدة أوراق سلمها للقائد، ثم أخرج عددًا من الأوراق المالية من جيبٍ آخر. كان الرجل مستسلمًا للتفتيش دون أن يبدي أي اعتراض، فتش جيوبًا أخرى، لكنه لم يجد إلا مجموعة من الأوراق العادية.

نظر إلى «أحمد» وقال: لا يبدو أن هناك شيئًا ذا قيمة.

قال «أحمد» بعد لحظة: القيمة هنا، ثم أشار إلى رأسه، وأضاف: بالتأكيد هو لا يحمل ما يمكن أن يكشف مهمته، ثم نظر إلى الرجل وقال: أعتقد أن البوليس الإيطالي سوف يعرف طبيعة المهمة، هذه مسألة سوف تظهر عندما نصل إلى الأرض.

قال الكابتن: نعم، إن البوليس في انتظارنا.

كانت الطائرة قد بدأت تدور دورتها حول المطار، حتى يسمح لها بالنزول. فجأة، جاءت رسالة من برج المراقبة تطلب من الطائرة أن تظل في تحليقها حتى يعطيها الإذن بالنزول، فلا توجد ممرات خالية الآن، وأول طائرة سوف تقلع بعد ربع ساعة.

نقل الكابتن الرسالة، وهو يقول مبتسمًا: سوف نؤجل تسليمك إلى البوليس ربع ساعة أخرى.

كان الرجل يبتسم في هدوء، جعل «أحمد» يشك؛ فوضع يده في جيبه، ثم ضغط جهازًا صغيرًا. مرت لحظة، ثم ظهرت الدهشة على وجهه، حتى إن قائد الطائرة سأل في تردد: ماذا هناك؟ قال «أحمد» وهو يمد يده في اتجاه الرجل: إنه يحمل مفرقعات خطيرة، في مكان سري!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤