وفجأة … سمعوا صوتًا … لفت أنظارهم!

وضع «أحمد» الجريدة التي كان يقرؤها، ثم قال: لقد انتهى النصف الأول من المغامرة، وبقي الجزء الثاني، وهو الأهم.

مصباح: لقد قرأت حديثًا صحفيًّا مع الثري اليوناني «زوس» يبدي فيه سروره البالغ لأن ناقلته قد مرت بسلام ولأول مرة، في منطقة الجزر.

بو عمير: سوف يظل «زوس» مسرورًا، وذلك عندما ننتهي من أمر القاعدة البحرية العائمة، والتي تخرج منها زوارق الطوربيد، التي تنسف الناقلات …

هز «باسم» رأسه وقال: نعم؛ لقد فوتنا الفرصة على زورق الطوربيد، وأصبناه إصابة بالغة … إنني أعتقد أن هذه العصابة التي تقوم بإغراق الناقلات لشركة «زوس» إما أنها على خلاف معه …

أسرع «أحمد» يقول — قبل أن يكمل «باسم» جملته: أو أنها على اتفاق معه.

قال «باسم»: هذا ما كنت سأقوله، ففي كلتا الحالتين، تكون العصابة مستفيدة.

صمت الشياطين قليلًا، كان كل منهم يفكر في المغامرة التي انتهت بنجاح … وأعطت الفرصة للناقلة الضخمة أن تمر، ولأول مرة في منطقة جزر «أزورس»، دون أن يصيبها ضرر، فقد ارتفعت في الفترة الأخيرة شكوى شركات التأمين من أنها تدفع مبالغ ضخمة، لشركة «أزورس» للنقل البحري؛ التي تؤمن على ناقلاتها، ثم … تكرر نسف هذه الناقلات، وتعددت حوادث الانفجار في أكثر من مكان.

وكان رقم «صفر» قد عقد اجتماعًا سريعًا للشياطين، وقدم لهم المعلومات، وبسرعة طاروا إلى «البرتغال»، حيث انطلقوا لتنفيذ أوامر رقم «صفر». وكان «خالد» قد اختفى لفترة، ثم ظهر مرة أخرى، وقد استطاع أن يعمل في شركة «أزورس» للنقل، واستطاع أن يكسب ثقة كابتن «بال»، قائد الرحلات البحرية والرجل الثاني بعد «زوس» صاحب شركة النقل.

قال «باسم»: لقد أثبتنا في المغامرة الأخيرة أن هناك عصابة … لكن ترى أين يكون مقرها … المحيط الأطلنطي، حيث تقف القاعدة البحرية، أم أن لها مقرًّا آخر على سطح الأرض؟

لم يُجِبْ أحد بسرعة، لكن «أحمد» فكَّر قليلًا ثم رد قائلًا: أعتقد أننا سوف نعرف الجواب الصحيح، عندما ننتهي من القاعدة، فإما أن الأوامر … تصدر من داخلها … فتصبح هي مركز القيادة، وإما أنها تتلقى الأوامر من خارجها وهذا يعني أن مركز القيادة على الأرض.

تساءل «بو عمير»: هل العصابة لها علاقة ﺑ «زوس» أم أنها على خلاف معه؟! هذا ما يحيرني.

قبل أن ينطق أحد بكلمة، كانت هناك رسالة يستقبلها جهاز الاستقبال. أسرع «أحمد» إلى الجهاز، وبدأ في تلقي الرسالة. كانت الرسالة من «خالد»: «أشكر «ش. ك. س» لقد أعطيتني الفرصة لرحلة ممتعة. كل شيء على ما يرام. نقترب من النهاية. الكابتن «بال» يحييكم. انتظروا رسالة أخرى.»

ابتسم «أحمد» وهو يقرأ جملة «الكابتن «بال» يحييكم»، ثم نقل الرسالة إلى الشياطين، فقال «باسم»: لقد نجح «خالد» تمامًا في كسب صداقة الكابتن «بال».

بو عمير: هل نتحرك الآن؟

أحمد: لا أظن أننا يمكن أن نتحرك الآن، فما زلنا في انتظار رسالة رقم «صفر» …

لم يكد «أحمد» ينتهي من جملته، حتى كان جهاز الاستقبال يدق، فقال «مصباح»: لا بد أنها رسالة رقم «صفر» …

أسرع «أحمد» إلى الجهاز، وبدأ في تلقي الرسالة: «من رقم «صفر» إلى «ش. ك. س»، القافلة تتحرك إلى خط ٣٠ … الأسماك الصغيرة كثيرة. المهم سمكة القرش. القافلة هي الرحلة الأولى. الله يوفقكم …»

نقل «أحمد» الرسالة إلى الشياطين، فقال «بو عمير» على الفور: إذن، يجب أن نتحرك سريعًا …

مصباح: فلنرسل رسالة إلى «خالد» أولًا، ثم نبدأ التحرك …

ولكن لم يتحرك أحد، وظلوا صامتين للحظات. أخيرًا قال «أحمد»: «خالد» ليس في مكان أمين، أخشى أن نكشفه لو أننا أرسلنا الرسالة. إن أمامنا يومًا بكامله حتى نصل إلى خط عرض ٣٠، حيث تقف القاعدة البحرية، في نفس الوقت يكون «خالد» قد وصل إلى أمريكا. وفي هذه الحالة، يمكن أن نرسل إليه ما نشاء …

صمت قليلًا، ثم قال: الآن، يمكن أن نستعد وسوف أتصل بالرقم السري، حتى يكون زورقنا مُعدًّا …

عندما تحرك «أحمد» ليتصل بالرقم السري، حيث عميل رقم «صفر»، كان الشياطين يبدلون ثيابهم في انتظار أن يغادروا المقر السري في «لشبونة» … حيث ينطلقون إلى مياه المحيط.

رفع «أحمد» سماعة التليفون، ثم ضغط عدة أزرار بأرقام تليفون العميل، لحظة، ثم سمع صوته، فأبلغه تحيات الشياطين، ثم قال: سوف نبحر في مدى نصف ساعة، نرجو أن يكون الزورق معدًّا …

قال العميل: الزورق جاهز منذ أمس، لقد وصلتنا التعليمات من رقم «صفر». هل هناك شيء آخر؟

قال «أحمد»: نشكرك …

عندما وضع السماعة، كان الشياطين في انتظاره، فنظر في ساعة يده، ثم قال: لا يزال الوقت أمامنا، نريد أن نبحر في الليل، حتى لا نَلفِت نظرَ أحد …

ألقى «بو عمير» نظرة على النافذة المفتوحة، ثم قال: الدنيا بدأت تُظْلِم. نستطيع أن نشرب كوبًا من الشاي، ثم ننطلق …

وافق الشياطين، فأسرع «بو عمير» إلى المطبخ، لإعداد الشاي، بينما جلس الشياطين، يقطعون الوقت. قال «باسم»: لقد انقطعت أخبار الانفجارات في شرقي آسيا …

مصباح: من الضروري أن مغامرتنا الأخيرة كان لها رد فعل قوي على العصابة. فهي تخشى أن تنكشف، خصوصًا وأنها تعمل بأسلوب غريب …

أضاف «أحمد»: أو أن «زوس» قد أصدر أوامره …

نظر له «مصباح» لحظة ثم تساءل: ماذا تعني؟

أحمد: إنها مجرد استنتاجات، قد لا تكون صحيحة؛ فقط، لنضعها في الحساب …

مصباح: أنت و«باسم» متفقان على وجهة نظر واحدة، ويبدو أنها صحيحة؛ إما في الخلاف، أو في الاتفاق …

باسم: أتمنى أن تكون صحيحة، إنها سوف توفر علينا جهودًا ضخمة …

دخل «بو عمير» يحمل صينية الشاي، فأخذ كلٌّ منهم كوبه. ولَفَّهم الصمت جميعًا، حتى لم يكن يسمع سوى صوت رشفات الشاي، حتى انتهوا من شربه، وبعد لحظات كانوا يغادرون المقر السري في «لشبونة».

وقفوا على رصيف الشارع، ينتظرون «تاكسيًا»، غير أن «أحمد» قال: هيا لنمشيَ قليلًا.

تحرك الشياطين على رصيف الشارع، وكانت الحركة هادئة في هذا الجزء النائي من مدينة «لشبونة»، وكان عليهم أن يقطعوا المدينة إلى طرَفها الآخر، حيث يقفون على شاطئ المحيط، وحيث ينتظرهم الزورق هناك، للانطلاق إلى مغامرتهم.

ابتعدوا عن المقر السري، ومن بعيد ظهرت أضواء كشافات أحد «التاكسيات» بعلامته المميزة، فرفع «أحمد» يده، وظلت أضواء الكشافات تقترب، حتى غمرهم الضوء ثم اختفى، وتوقف التاكسي أمامهم، وعندما أغلقوا الأبواب، حدد «أحمد» للسائق المكان الذي سينزلون فيه، فهز السائق رأسه ثم قال: أظن أنكم سوف تسهرون في كازينو «لشبونة بالاس»، إنه كازينو من الدرجة الأولى ولا يسهر فيه إلا الأثرياء فقط!

قال «أحمد» على الفور: نعم …

استمر السائق في حديثه: إنه يقدم برنامجًا ممتازًا، ويستدعي الفِرق الفنية الأجنبية من أنحاء العالم. ومع ذلك، فهو ليس مرتفع الأسعار، كما نسمع عن كازينوهات «باريس» أو «نيويورك».

لم يرد أحد من الشياطين، فقد كانوا يستمعون إلى السائق، حتى يقطعوا الوقت، فالطريق طويل، وكان السائق يمشي متمهلًا، ولم يلفت أحد من الشياطين نظره إلى ذلك، فما دام الرجل قد ظن أنهم سوف يسهرون في «لشبونة بالاس» فما عليهم إلا أن يتركوه في ظنه.

قال بعد لحظة: غير أن هناك أماكن أخرى غير «لشبونة بالاس»، هناك «الأمسادور»، و«التنين» … «والشاطئ» … وكلها كازينوهات طيبة، إلا أنها رخيصة الثمن …

لم يكن هناك مفرٌّ من الحديث معه، فقال «أحمد»، وكان يجلس بجواره: وأين يسهر البحارة هنا؟ …

أجاب السائق بسرعة: آه، لا بد أنكم من هواة البحر، ثم نظر إلى «أحمد» نظرة سريعة، ثم قال: وبما أنكم تعملون في الصيد … من أي مكان أنتم؟

قال «أحمد»: نحن من «المغرب».

السائق: يقولون إن بلادكم جميلة … وصمت لحظة، ثم قال: إن البحارة هنا يفضلون السهر في كازينو «الشاطئ». إنهم يستطيعون أن يمرحوا، وأن يغنوا كما يريدون. وضحك ضحكة سريعة، ثم قال: خصوصًا آخر الليل …

انحرف بالسيارة يمينًا، فشعر الشياطين بهواء المحيط قويًّا، وعلق السائق: هل تشمون رائحة الماء؟ … ثم استنشق الهواء بقوة، وهو يقول: إنه هواء نظيف. ثم ضحك مرة أخرى وقال: إنه مغسول بمياه المحيط.

كانت السيارة تقترب من الشاطئ في هدوء، وبدأ صوت الموج يقترب، كان الهدوء يلف كل شيء، فقد كان المكان بعيدًا عن الميناء حيث تكثر الحركة.

ومن جديد بدأ السائق يتحدث … حتى إن «أحمد» قاطعه قائلًا: هل يمكن أن نسرع قليلًا؟ … وفهم السائق أنهم راغبون في التخلص من الاستماع إلى حديثه، فوضع قدمه على بدال السرعة، فانطلقت السيارة، لكن … يبدو أنه سائق ثرثار، فلم يستطع أن يسكت طويلًا، فسأل: هل أوصلكم إلى «لشبونة بالاس»، أو إلى «الشاطئ»؟ …

فهم «أحمد» المعنى الأخير الذي قصده، فحدد بالضبط «شاطئ المحيط»، فابتسم الرجل، وقال: إنك شاب ذكي …

انحرفت السيارة مرة أخرى إلى اليسار، وسمع صوت ارتطام الموج بالشاطئ، فأشار «أحمد» للسائق أن يتوقف … فتوقف فجأة، حتى إنهم اهتزوا بعنف داخل السيارة. فتح «أحمد» الباب بسرعة ثم غادر السيارة، ودفع ما أشار إليه عداد التاكسي، وفي نفس اللحظة كان الشياطين قد أصبحوا في الشارع. انحنى «أحمد» يتحدث إلى السائق قائلًا: معذرة؛ كنا نتمنى أن ندعوك للسهرة معنا … ثم انصرف، قبل أن يبدأ السائق الكلام، خوفًا من أن يستمر في ثرثرته. ظلوا في أماكنهم ينظرون إلى المحيط الداكن اللون، في انتظار أن يختفي التاكسي، الذي كان يبتعد في بطء. وعندما اختفى تمامًا، قال «أحمد»: إنه رجل مُسلٍّ.

أخذوا يسيرون على الشاطئ، متجهين إلى حيث يرسو الزورق. كان لا يبتعد عنهم كثيرًا، وكان الشارع خاليًا من المارة، وضوء المصابيح الكهربية يضيء الأسفلت الأسود اللامع بتأثير رذاذ الموج … شعر «باسم» ببرودة خفيفة، غير أنه لم يعلن ذلك، وإن كان قد ابتسم عندما قال «بو عمير»: يبدو أن الشتاء في الطريق!

اقتربوا من الزورق الذي كان يعلو ويهبط مع الموج، وكان هو نفس الزورق الذي شهد معهم المغامرة السابقة.

اقترب «أحمد» من الحبل الذي يثبت الزورق إلى الشاطئ، ثم جذبه قليلًا، فاقترب الزورق، حتى أصبح من السهل القفز إليه، فقفز «باسم» أولًا، ثم تلاه «بو عمير» … كان «أحمد» لا يزال يجذب الحبل، عندئذ قفز «مصباح» … وفي نفس اللحظة، سمعوا صوتًا، استرعى انتباههم جميعًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤