شيطان في مأزق

كانت أعين الشياطين ترقب الشاشة، وترى انطلاق الصاروخ المزدوج. وفي أقل من دقيقة، كان الزورق الآخر يتطاير قطعًا صغيرة فوق شاشة الرادار.

تحرك زورق الشياطين، وقال «أحمد»: إن أمامنا حسب العدادات يومًا كاملًا حتى نصل إلى نقطة القاعدة البحرية. وهذا يعني أننا سوف نصل مع الصباح، غير أن هذا لن يكون مفيدًا لنا، فلا بد لنا من أن نصل عند بداية الليل … أو أثناءه بل حتى قبل ظهور أول خيط ضوء، فإن ذلك يعطينا فرصة أكبر. والآن … صَمَت قليلًا، ثم أكمل: إما أن نرفع سرعتنا حتى النهاية، وإما أن نبطئ سرعتنا حتى نصل في الموعد المناسب …

لم يردَّ أحد من الشياطين مباشرة، لقد كان كل منهم يحسب حساباته، في النهاية قال «بو عمير»: أعتقد أننا لو وصلنا عند بداية الليل أو منتصفه فإن ذلك يعطينا فرصة أكبر؛ لهذا أرى أن نبطئ سرعتنا …

باسم: إن بداية الضوء أفضل لنا؛ حيث إن لحظة شروق الفجر يكون الجميع نيامًا، وتكون الحراسة أقل …

مصباح: إني من رأي «بو عمير»، إن الحراسة مشددة في كل الحالات بالتأكيد؛ ولذلك نصبح في حاجة للوقت. وبداية الليل، أو منتصفه … يعطينا وقتًا أطول …

استقر رأي الشياطين على أن تكون السرعة متوسطة، حتى يمكن أن يصلوا في الوقت المناسب عند بداية الليل، وفي نفس الوقت اقترح «باسم» إرسال رسالة إلى «خالد» …

قام «بو عمير» وأرسل الرسالة. كانت تعني: «ماذا عندك؟ لماذا تأخرت رسالتك؟»

انتظر الشياطين رد الرسالة، وطال الوقت، دون وصول رسالة ما.

كان الزورق يسير في سرعته المتوسطة. وكانت أعين الشياطين ترقب كل الأجهزة في الزورق، التي كانت تعمل كلها. لقد كانوا جميعًا … يتوقعون أي هجوم خاطف، من أي اتجاه، لقد أصبحت المواجهة ضرورية الآن بعد أن ضرب الشياطين الزورق.

فجأة، دقت الأجهزة. كان هذا يعني إنذارًا بوصول رسالة ما. وتوقع الشياطين أن تكون رسالة من «خالد». أسرع «مصباح» إلى جهاز الاستقبال، وبدأ في تلقي الرسالة.

كانت الرسالة: من رقم «صفر» إلى «ش. ك. س». تحركت «البطة» من موقعها إلى النقطة «ب»؛ يجب الإسراع. تمنياتي بالتوفيق …

نقل «مصباح» الرسالة إلى الشياطين، فقال «أحمد»: هذا يعني أننا بسرعتنا هذه، سوف نصل في الوقت المناسب …

صمت الشياطين، وبدءوا يراقبون حركة الأسماك حولهم كانت هناك مطاردة بين سمكة كبيرة وسمكة صغيرة، وعلَّق «باسم» قائلًا: هناك صراع آخر في المياه.

ظل الزورق في انطلاقه بسرعته المتوسطة، ولم تكن شاشة الرادار تسجِّل شيئًا، كانت بيضاء تمامًا، غير أن «أحمد» قال: إنه ذلك الهدوء الذي يسبق العاصفة!

تساءل «مصباح»: هل تتوقع شيئًا الآن؟

قال «أحمد»: إنني أتوقع أي شيء، في أي لحظة! وصمت قليلًا، ثم أكمل: لهذا أفكر في الصعود إلى السطح …

باسم: إن ذلك يعرضنا للخطر!

أحمد: إن مقابلة الأخطار أسهل من انتظارها!

لم يكد يكمل جملته، حتى داس أزرارًا للطفو، وبدأ الزورق يطفو. ولم تمضِ دقائق حتى كان الزورق يستوي على سطح مياه المحيط الهادئة.

كانت الشمس قد بدأت تغطي سطح المحيط بأشعتها حتى أصبح يبدو كمرآة لامعة. وفي هدوء كان الزورق يتابع رحلته إلى حيث النقطة «ب» التي أصبحت أقرب كثيرًا من النقطة السابقة.

شيء ما لفت نظر «بو عمير» هو وجود كمية من اللون الأحمر، أخذت تنتشر حول الزورق، ظل يتأملها لحظة، ثم لفت نظر الشياطين إليها.

ترك «أحمد» عجلة القيادة ﻟ «مصباح» ثم فتح إحدى نوافذ الزورق، وبدأ يحدق في ذلك اللون الأحمر الذي أخذ يزداد. وما هي إلا لحظة حتى شاهد سطح الماء الهادئ ينقلب إلى حركات عنيفة، فعرف السبب. إن هذه طريقة جديدة للصراع.

إن هذا اللون الأحمر، هو نوع من الدماء، قد تكون مجهزة تجهيزًا علميًّا؛ ولأن سمك الحوت يحب الدماء، ويستطيع أن يشمها من مسافات طويلة؛ فإن الصراع يمكن أن يتحول من صراع إنسان لإنسان، إلى صراع مع الحيتان، غير أن هذه لم تكن مشكلة بالنسبة للشياطين.

نقل «أحمد» وجهة نظره إليهم فعلق «بو عمير»: إنها طريقة مبتكرة!

فجأة؛ ظهرت حول الزورق عشرات من أسماك الحوت الضخمة، ظلت تدور حوله، حتى أصبح معرضًا للخطر. رفع أحد الحيتان ذيله الضخم في الهواء، ثم نزل به على مؤخرة الزورق، إلا أن «مصباح» الذي كان يرقب كل ذلك، في مرآة عاكسة أمامه، رفع سرعة الزورق فجأة فطاشت الضربة، ونزل ذيل الحوت على سطح الماء، فأثار دوائر من الماء التي غطت الزورق تقريبًا.

أسرع «أحمد» فضغط زرًّا، جعل الحيتان تهرب مسرعة. لقد أطلق مجالًا كهربيًّا حول الزورق، وأصبح من المستحيل أن يقترب منه أي جسم حي؛ ولذلك، فقد ظهرت بعض الأسماك الصغيرة ميتة، تلك التي اقتربت من المجال الكهربي.

قال «باسم»: إننا ندخل في صراعات مبتكرة! ومن يدري، ماذا يمكن أن يحدث …

قال «بو عمير»: إن الشياطين يحبون الأشياء المبتكرة. دعك من الصراعات العادية …

فجأةً دوَّى انفجار هزَّ أعماق المحيط، حتى أثَّر على الزورق، فابتسم «أحمد» قائلًا: إنه قاذفة مائية دخلت المجال الكهربي فانفجرت. يبدو أننا نقترب أكثر من المنطقة النهائية للصراع!

ثم رفع ساعة يده ونظر فيها قائلًا: لا تزال أمامنا ست ساعات، حتى نصل إلى هناك …

غير أن جهاز الاستقبال الذي دق جعله يُسرِع إليه، وكانت هناك رسالة: من رقم «صفر» إلى «ش. ك. س» البطة تتحرك أكثر. إنها في الطريق. ما الموقف عندكم؟

أرسل «أحمد» رسالة مطولة إلى رقم «صفر» يسرد فيها كل ما حدث، وعندما انتهى من إرسال الرسالة، جاءته رسالة أخرى من رقم «صفر»: أنتم عند خط النهاية الآن …

نقل «أحمد» الرسالتين إلى الشياطين، ثم أخذ مكانًا قريبًا من «مصباح»، وفكر قليلًا ثم قال: ما دمنا قد اقتربنا فإننا يجب أن ننزل إلى الأعماق. إن المرحلة الحرجة قد أوشكت على البداية …

فهم الشياطين ماذا يعني، وضغط أزرار الغوص، فبدأ الزورق يأخذ طريقه إلى الأعماق، لكنه ما كاد ينزل إلى منتصف المسافة حتى كانت هناك مفاجأة؛ لقد سجلت شاشة الرادار أجسامًا متعددة، تدور من بعيد.

فكر «أحمد» لحظة، ثم ضغط زرًّا … فانسحب المجال الكهربي، من حول الزورق، وأخذت الأجسام تقترب من الزورق … حتى استطاع «أحمد» أن يعدها، وكانت ثمانية.

كان الشياطين أيضًا يرقبون الموقف على الشاشة، وعلق «بو عمير»: يبدو أن القاعدة مزدحمة بالرجال …

اقتربت الأجسام أكثر، حتى بدا أنها لا تتجاوز الأمتار، وضغط «أحمد» زر المجال الكهربي. وعلى الشاشة، ظهرت الأجسام تتلوى … ثم أخذت طريقها إلى الأعماق في بطء.

ابتسم «مصباح» وقال: إنها مصيدة جيدة …

نزل الزورق أكثر، حتى أصبح في القاع تمامًا، وأخذ يتقدم ببطء. وكان واضحًا أن الموقف أصبح حادًّا وأن انتظار أي مفاجأة مسألة متوقعة. كان الوقت يمر ببطء، غير أن الليل كان قد أوشك أن يقترب.

مرت ساعة وقال «أحمد»: أعتقد أننا ينبغي أن نقترب.

داس عداد المسافة، ثم قال: إن بيننا وبين القاعدة كيلومترًا واحدًا.

وجه عدسات السطح إلى أعلى، ثم بدأ يرقب، فعكست له العدسات ضوء الغروب. قال: إن العالم يُظلِم الآن. لقد بدأت الشمس تنسحب، هناك ضوء قليل، ثم يهجم الليل. لا بد أن نقترب من السطح، ثم نستعد لمغادرة الزورق …

بدأ كل واحد من الشياطين يلبس ملابس الغوص، حتى إذا انتهى أولهم — وكان «بو عمير» — أخذ مكان «مصباح» الذي أخذ يلبس هو الآخر. ونظر «أحمد» في عدسات السطح، فتأكد أن الليل قد بدأ، وأن الظلام الآن يعطيهم الفرصة للحركة.

ثبَّت «بو عمير» الزورق في مكانه بواسطة مجال مغناطيسي، ثم بدأ الشياطين يغادرون الزورق الواحد بعد الآخر، وكانوا يبعدون عن القاعدة بمسافة نصف كيلومتر.

أرسل «أحمد» رسالة صوتية، ارتدت بسرعة، فخاطبه بقية الشياطين: إنها ليست نصف كيلومتر، إنها ربع كيلومتر فقط.

أخذوا يتقدمون في هدوء. وأخرج «أحمد» عدسة السطح، ثم مدها حتى سطح الماء، ونظر فيها، كانت تبدو القاعدة ضخمة جدًّا.

ظل يتقدم، والعدسة العاكسة لا تكاد تطفو فوق السطح، حتى لا يرقبها أحد، أو حتى لا يشك فيها، حتى إذا اقتربوا أكثر من القاعدة، سحَبَ العدسة، ثم أرسل برقيةً سريعةً إلى الشياطين: «إننا بعد دقيقتين، يمكن أن نصبح أسفل القاعدة تمامًا.»

تقدموا أكثر، ثم أخذوا يطفون إلى السطح، حتى اصطدمت أيديهم بأسفل القاعدة.

خاطبهم «أحمد» في جهاز الإرسال: سوف ننقسم قسمين. أنا و«بو عمير» سوف نكون في الطرف الشمالي و«مصباح» و«باسم» في الطرف الجنوبي. إلى اللقاء …

تقدم «أحمد» و«بو عمير» إلى الجانب الشمالي من القاعدة، حتى أصبحا عند حافتها، فصعدا حتى السطح. ثم توقفا، وهما يمسكان بحافتها.

كان جانب القاعدة مرتفعًا جدًّا حتى لا يمكن الصعود إليها إلا عن طريق سلم، فدارا حول القاعدة، بحثًا عن سلم بها، لكنهما لم يعثرا على شيء، فأخرج «أحمد» سلمًا رفيعًا دقيقًا، مغناطيسيًّا، ثم ابتعد قليلًا عن حافة القاعدة، وقذف بالسلم إلى أعلى، ثم انتظر، فقد التصق السلم بجانب القاعدة.

مرت دقيقة، ثم سمع حديثًا بين اثنين، قال الأول: إن وصول الكابتن «بال» بصحبة مستر «زوس» يدعو للقلق!

قال الآخر: إن مرور الناقلة بسلام قد أزعجهما، أليس كذلك؟

ابتعد صوت الرجلين. لقد كانت كلماتهما مؤشرًا إلى شيء، كان نفس الشيء الذي فكر فيه هو و«باسم». قال «بو عمير»: هل سمعت؟

بو عمير: نعم؛ إنني أتذكر الآن قولك أنت و«باسم».

قال «أحمد»: يبدو أننا سوف ننهي المغامرة هنا، ويبدو أن الأوامر تصدر من هذه القاعدة!

اختفى صوت الرجلين تمامًا. وأمسك «أحمد» بطرف السلم، ثم بدأ يصعد. كان «بو عمير» لا يزال في مكانه ينتظر وصول «أحمد»، حينما وصل «أحمد» إلى السطح، فنظر يمسح السطح كلَّه بعينيه، لم يكن هناك أحد، لكن لفت نظره بعض النوافذ المضاءة. أرسل رسالة سريعة إلى «بو عمير» الذي بدأ الصعود، ثم أرسل رسالة سريعة إلى «باسم» و«مصباح» يطلب فيها أن يصعدا.

عندما وصل «بو عمير» إلى منتصف السلم، كان «أحمد» قد تخطى حاجز القاعدة، وأصبح فوقها. كان السطح يسمح بالاختفاء، فقد كانت هناك أشياء كثيرة، مثل براميل، ولفات ضخمة من الحبال، وزوارق صغيرة … أسرع واختفى بين البراميل، ونظر إلى سطح القاعدة … كانت متسعة تمامًا، وفي نهايتها كانت تقف طائرة هيلوكوبتر.

قال «أحمد» في نفسه: لا بد أنها طائرة «زوس». وقفز إلى رأسه سؤال: «ترى، أين «خالد» الآن، ما دام كابتن «بال» هنا؟»

ظهر رأس «بو عمير»، في نفس اللحظة التي كان فيها أحد الحراس يقترب. ويبدو أن «بو عمير» لم يلحظ الحارس، فقد استمر في الظهور.

فجأة، توقف الحارس، ثم أطلق طلقة … رنت في الصمت، واختفى «بو عمير» تمامًا، ثم سمع صوت ارتطامه بالماء.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤