الشياطين يقومون بالحراسة!

في نفس اللحظة التي أطلق فيها الحارس الرصاص، كان «أحمد» قد أطلق إبرة مخدرة أصابت الحارس، حتى اهتزت يده، عندما أطلق الرصاص، لكن الصوت كان هو البداية، ففي أقل من لمح البصر، كان سطح القاعدة قد امتلأ بالرجال. وفي لحظة الهرج التي حدثت، جلس «أحمد» بين لفات الحبال المرتفعة بينما كان يحمل مسدسه في يده، وعيناه على الرجال الكثيرين، الذين أخذوا يجرون في حالة جنون فوق القاعدة المتسعة. التف بعض الرجال حول الرجل الذي سقط، وأخذوا يقلبون فيه، لكنهم لم يجدوا شيئًا.

قال واحد منهم: يبدو أنه مُغمًى عليه! فلا يوجد أي أثر لطلق ناري، أو ضربة خنجر، أو أي شيء …

رد آخر: لا بد أنه قد تصور شيئًا، فأطلق الرصاص …

ظلوا يقلبون فيه، ثم حمله بعضهم واختفَوْا به … في نفس الوقت، كان «مصباح» و«باسم» يلتصقان بجدار القاعدة دون أي حركة، لكن «مصباح» سمع ما جعله يفكر في النزول بسرعة … لقد كانت أصوات الأقدام تقترب منهما، وحوار الرجال مسموعًا.

قال أحدهم: إن «سينكا» ضعيف الأعصاب، ولا بد أنه تخيل شيئًا. إن ليل البحر يعطي الفرصة للخيال، حتى يشرد …

قال الآخر: لقد حدثت معي هذه المسألة مرة! كنت أنا و«باتي» نقوم بحراستنا الليلية، عندما رأيت بعض الرجال يقفزون فوق سطح الماء، قريبًا من القاعدة! ولم أفكر، فقد فتحت مدفعي الرشاش وانهلت على الرجال! ثم لا أدري ماذا حدث إلا عندما استيقظت! كنت أرقد في سريري! وقال الكابتن: لقد كان مرهقًا، وتخيل أشياء لا وجود لها …

وأخذت الأصوات تبتعد، ثم تقترب ناحية «أحمد».

قال واحد: إن اجتماع الليلة سيكون حاسمًا، فإن مرور الناقلة في سلام يعني أن أعمال مستر «زوس» سوف تصاب بالكساد!

قال آخر: من يدري! ربما يكون هو نفسه خلف هذه المسألة!

وابتعدت الأصوات مرة أخرى، ثم أخذ الصمت يعود شيئًا فشيئًا، وإن كانت هناك بعض أصوات الأقدام فوق السطح، كان هذا يعني أن الحراسة لا تزال تأخذ دورها.

وعندما سكن كل شيء، زحف «أحمد» في هدوء، إلى حافة القاعدة، ونظر إلى أسفل في اتجاه السلم. وكان «بو عمير» يصعد في هدوء.

فكر «أحمد» لحظة، ثم أخرج جهاز إرساله الصغير، وأرسل رسالة إلى «مصباح» و«باسم»: علينا أن ننتهي منهم. الإشارة صفراء …

رد «مصباح» بسرعة: نحن في الانتظار …

ظل «أحمد» في مكانه، حتى بدأت رأس «بو عمير» تظهر. ثم نام «بو عمير» على حافة القاعدة، ثم انقلب في هدوء، حتى أصبح مُمدَّدًا بجوار «أحمد» الذي سأله: هل أصبت؟

رد «بو عمير»: لا، لقد قفزت قبل أن تصل إليَّ الطلقة!

زحفا معًا في اتجاه الحبال حتى اختفيا بينها، بينما كان الحراس يتبادلون الحراسة طوليًّا. ففي الوقت الذي يذهب فيه حارسان إلى المؤخرة، يكون الآخران عند المقدمة؛ ولذلك كان لا بد أن ينتقل الشياطين إلى نفس الاتجاهين.

أرسل «أحمد» رسالة إلى «مصباح»: «عليكما بالاتجاه إلى مؤخرة القاعدة. نحن سنذهب إلى المقدمة …»

في نفس اللحظة التي بدأت فيها حركة «أحمد» و«بو عمير» كان «مصباح» و«باسم» يأخذان طريقهما إلى المؤخرة. وكان الصمت يغطي كل شيء، إلا من صوت ارتطام الأمواج الهادئة بجوانب القاعدة. ولقد استغرق الوصول إلى المكان المحدد وقتًا، فقد كان عليهم أن ينتظروا حتى يبتعد الحراس في الاتجاه العكسي ليتقدموا، وكانت مساحة القاعدة كبيرة.

وصل «أحمد» و«بو عمير» إلى مقدمة القاعدة، التي كانت خالية تمامًا. وأدركا على الفور أن اختفاءهم مسألة صعبة في هذا المكان. فنظر «أحمد» حوله، فوجد برميلًا ضخمًا، أشار إلى «بو عمير» ثم انسحبا في اتجاهه حتى اختفيا خلفه. كان البرميل يقع بعيدًا عن خط سير الحارسين، فأخذا يدفعانه في هدوء، شيئًا فشيئًا، حتى تحرك قليلًا، وعندما أخذ صوت الحارسين يقترب، نظر «أحمد» إلى «بو عمير» ثم أوشك أن يعطي الإشارة ﻟ «مصباح»، غير أن أحد الحارسين قال: ما هذا؟ يبدو أنني أشعر بالدوار!

سأل الآخر: لماذا؟!

قال الأول: انظر إلى البرميل، ألم يكن يتحرك!

غرق الآخر في الضحك، ثم قال: أخشى أن تكون قد أُصبتَ بالإجهاد. كيف يتحرك البرميل وحده؟

مرت لحظة، سكن فيها الصوت، وفكر «أحمد» بسرعة، لكنه قبل أن يصل إلى قرار، كان الحارس يقول: إنني أشك كثيرًا، فلست مجهدًا! يجب أن نقترب. يبدو أن «سينكا» كان على صواب!

أخذا يقتربان، وفي نفس اللحظة، زحف «أحمد» و«بو عمير» بسرعة في اتجاه لفات الحبال حتى اختفيا، بينما وصل الحارسان إلى البرميل وظلا يدوران حوله.

قال الأول، وكان اسمه «بول»: لا يوجد شيء!

قال الآخر، واسمه «باك»: لا يا «بول»، إنني متأكد أن هناك شيئًا!

بول: لا أظن! فمن الذي يستطيع أن يصل إلى هنا؟ لا بد أن يكون شيطانًا!

باك: إذن، ما الذي حرك هذا البرميل إلى هنا! إن البراميل كلها في مكان واحد!

بول: هذه مسألة عادية، تحدث دائمًا! لا تشغل بالك. هيا … هيا …

تحرك الاثنان وهما يأخذان طريقهما مبتعدين، وفي نفس اللحظة، تحرك «أحمد» و«بو عمير» في اتجاه البرميل، لكنهما لم يفكرا في نقله إلى مكان آخر، حتى لا يلفت نظر الحارسين. واستعد الاثنان إلى عودتهما، ثم أرسل «أحمد» رسالة سريعة إلى «مصباح»: انتظر الإشارة، هل أنت في وضع يسمح لك بذلك؟

رد «مصباح»: نعم …

انتظروا جميعًا أن يقترب كل حارسين من المكان المطلوب بينما كانت أصوات أقدام الحراس تأتي متتابعة، وعندما اقتربت الأقدام أكثر، وضع «أحمد» يده على زر الإشارة حتى يعطي «مصباح» الإشارة الصفراء، لكن فجأة، جاءت رسالة من «مصباح»: «انْتَظِر لقد جلس الحارسان بعيدًا قليلًا. سوف أعطيك الإشارة …»

انتظر «أحمد» بينما كان الحارسان عند «مصباح» يجلسان على حافة القاعدة يتحدثان، وظل «مصباح» و«باسم» في الانتظار، إلا أن الجلسة طالت … وفكر «مصباح» بسرعة، ثم قرر أن يزحف إليهما، فأشار إلى «باسم» ثم أخذا يزحفان في هدوء، لكن حدث ما لم يكن في خاطرهما … لقد كانت هناك علبة عصير فارغة، ملقاة بجوار الحافة وكان «مصباح» يجر رجليه، عندما اصطدمت بالعلبة، فأحدثت صوتًا، ثم جرت متدحرجة.

أسرع «باسم» إليها، فأمسك بها، إلا أن الصوت كان قد وصل إلى سمع الحارسين، فوقفا بسرعة، وانكمش «مصباح» و«باسم» … ولم يتحرك الحارسان في بادئ الأمر، وقال أحدهما:

دوم: ألم تسمع شيئًا؟!

ليما: أظن أنني سمعت صوت شيء يتدحرج يا «دوم».

صمتا لحظة، وكان «مصباح» قد قرر قرارًا، فإذا تحركا تجاهه، فإنه سوف يعطي الإشارة …

قال «دوم»: لعلها علبة فارغة، دحرجتها الرياح.

ليما: لا أظن … فإن الرياح هادئة، ولا يمكن أن تحرك أي شيء، حتى ولا قشة.

دوم: ماذا تظن إذن؟

ليما: لعله …

لم يكمل «ليما» كلامه، وتحرك من مكانه، فأرسل «مصباح» رسالة سريعة إلى «أحمد»: هل أنت مستعد؟ من الضروري أن نبدأ …

جاء الرد: اللحظة ليست مناسبة، لكننا نستطيع …

كان الحارسان في اتجاه «أحمد» قد ابتعدا قليلًا. فزحف «أحمد» و«بو عمير» في اتجاههما، في انتظار إشارة «مصباح».

وكان الحارسان عند «مصباح» قد اقتربا، عندما ضغط «مصباح» إشارة الضوء الصفراء التي لمعت عند «أحمد» … وفي لمح البصر، كان الشياطين يطيرون في الهواء، كل اثنين في اتجاه، حيث يوجد الحراس، وانقضوا عليهم قبل أن يفكر أي منهم في شيء.

ضرب «أحمد» «بول» الذي كان قريبًا منه بمشط قدمه في وجهه، جعله يدور في الهواء، ثم يصطدم ﺑ «باك» الذي ضربه «بو عمير» ضربة عكسية. في نفس اللحظة، كان «دوم» يطير في الهواء، ثم يسقط قريبًا من «بو عمير» بعد أن ضربه «مصباح» ضربة خطافية.

اقترب الرجال من الشياطين، حتى أصبحت المعركة واحدة. أما الوحيد الذي كان لا يزال بعيدًا، فهو «باسم» الذي انفرد ﺑ «ليما»، فلوى ذراعه في قوة جعلته يئن، ثم يدور مع نفس الاتجاه، حتى سقط على الأرض، فعاجله «باسم» بضربة، جعلته يتمرغ على سطح القاعدة … أسرع إليه، ثم أمسك برأسه، وضربه بقبضته ضربة جعلت رأسه يصطدم بالحافة الحديدية فيفقد وعيه.

وعندما أسرع ينضم إلى بقية الشياطين كانت المعركة لا تزال دائرة. إنهم الآن أربعة لثلاثة، فأمسك «مصباح» «بدوم» ثم دار به دورتين، وتركه فاندفع في اتجاه الماء، إلا أن «أحمد» أسرع إليه قبل أن يسقط، فأمسك بذراعه، وجذبه بقوة، جعلته يرتد، ثم تركه فاندفع في اتجاه البراميل، حتى اصطدم بها.

بينما كان «بو عمير» يشتبك مع «بول» الذي ضرب «بو عمير» في ساقه بحذائه الثقيل، حتى كاد «بو عمير» يصرخ من الألم. إلا أن «باسم» كان أسرع إليه قبل أن يضرب «بو عمير» ضربة أخرى، فضربه ضربة جعلته يتهاوى.

لم تستمر المعركة طويلًا، فقد انتهت بانتصار الشياطين. وعندما أصبح الحراس الأربعة ملقَيْن على سطح القاعدة، قال «أحمد»: يجب أن نتصرف بسرعة، على كل منا أن يلبس ملابس أحد الحراس.

أسرع الشياطين كلٌّ إلى أحد الحراس، فجرَّده من ملابسه، وبدأ في ارتدائها … ثم أصبح أمام الشياطين أن يتخلصوا من الحراس.

قال «بو عمير»: إن أسرع طريقة هي أن نلقي بهم في الماء؛ حتى لا يشكلوا أمامنا أي عقبة …

وفي لمح البصر كان الحراس الأربعة يأخذون طريقهم إلى مياه المحيط، ثم إلى أعماقه.

قال «أحمد»: فلنأخذ الآن أماكنهم.

أخذ «أحمد» و«بو عمير» الجانب الشرقي من القاعدة، وأخذ «مصباح» و«باسم» الجانب الغربي … كانوا يدقون بأحذيتهم دقات لينة حتى لا تلفت نظر أحد. في نفس الوقت، إن عليهم أن ينتهوا من مهمتهم قبل أن يطلع النهار.

قال «أحمد» مخاطبًا «بو عمير»: سوف أتجه إلى سلم النزول حتى أرى … لكنه توقف عن الحديث فجأة وقال: لقد فاتتني اللحظة، لا يهم …

وبسرعة أخرج من جيبه السماعات الكبيرة، ثم ألصقها فوق سطح القاعدة الحديدي، وبدأ يستمع إلى الحديث الذي يدور داخل القاعدة.

في نفس اللحظة، كان «مصباح» قد فكر في طريقة مختلفة، يستمع بها إلى ما يدور. لقد أخرج جهاز إرسال على شكل «حشرة صغيرة» ثم وجَّهه إلى السلم النازل إلى أعماق القاعدة. وفي لمح البصر كان الجهاز قد اختفى. وبدأ «مصباح» يستقبل الرسائل التي يرسلها جهاز الإرسال.

لقد كان مكان كل منهما مختلفًا … فبينما كان «أحمد» يستمع إلى أحاديث البحارة، كان «مصباح» يستمع إلى الحديث الأهم، ذلك الحديث الذي كان يدور بين «زوس» والكابتن «بال».

كان حديث البحارة يدور حول كيفية الحراسة فوق سطح القاعدة والناقلة التي مرت دون أن تصاب بانفجار كالعادة … والرحلة القادمة … ثم الاجتماع الذي يدور بين «زوس» و«بال». وهذا في النهاية ما لفت نظر «أحمد»، إلا أنه لم يستطع أن يحدد مكان الاجتماع. وكان عليه أن يمر على سطح القاعدة كله، بالسماعات المكبرة، حتى يلتقط كلمات «زوس» و«بال». وعندما فكر في ذلك، كانت رسالة سريعة قد وصلته من «مصباح» يخبره فيها بأنه يستمع إلى أحاديث «بال» و«زوس».

عرف «أحمد» أن الشياطين الآن يعرفون كل حركة يمكن أن تحدث في القاعدة، أو خارجها. ورغم أن «أحمد» لم يرد على رسالة «مصباح»، إلا أن الحديث الأخير للبحارة جعله يفكر بسرعة. لقد جاء وقت تغيير نوبة الحراسة.

نظر «أحمد» إلى «بو عمير» ثم نقل له حديث البحارة الأخير، وبسرعة، أرسل رسالة إلى «مصباح» يخبره فيها بتغيير نوبة الحراسة. فجأة … سمعوا أصوات أقدام تقترب … لقد كانت هي أقدام النوبة الجديدة، وكان على الشياطين أن يتصرفوا بسرعة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤