تمهيد

هذا بحثٌ يزعم فيه صاحبه أن زكي نجيب محمود بدأ مُتدينًا وانتهى متدينًا! وأنه مرَّ خلال تطوره الفكري بثلاث مراحل أشبه ما تكون بالمثلث الجدلي!

  • (١)

    كانت المرحلة الأولى هي مرحلة التدين الخالص أو المبكِّر، وهو تديُّن يكاد يقترب أحيانًا من التصوُّف.

  • (٢)

    أما المرحلة الثانية، وهي مرحلة العقل الخالص، وهي تبدو نقيضًا للمرحلة الأولى، أراد فيها أن يشيع استخدام العقل والاسترشاد بنوره من ناحية، والثورة العقلية على الواقع الاجتماعي السيئ في بلاده من ناحيةٍ أخرى.

  • (٣)

    المرحلة الثالثة وهي مرحلة التدين المستنير بضوء العقل، وهي مركَّب المرحلتين السابقتين.

كما يزعم البحث أيضًا أن الانتقال إلى المرحلة الثالثة قد تمَّ في الكويت، وأن قسمات هذه المرحلة التي استمرت حتى وفاته في ٩ سبتمبر ١٩٩٣م، قد تشكَّلت بوضوحٍ عندما كان يعمل أستاذًا بجامعة الكويت، حيث قضى خمس سنوات من حياته، كانت خصبةً ومباركة (١٩٨٦–١٩٧٣م)، تجلَّت في إنتاجه الهامِّ «تجديد الفكر العربي» عام ١٩٧١م، و«المعقول واللامعقول في تراثنا الفكري» عام ١٩٧٢م، ثم «ثقافتنا في مواجهة العصر» عام ١٩٧٦م، و«مجتمع جديد أو الكارثة» عام ١٩٧٨م وغيرها، وإن كانت تباشير هذه المرحلة قد بدأت في أوائل الستينيات مع كتابه «الشرق الفنان» عام ١٩٦٠م.١
١  هناك تفسيرات كثيرة للمراحل التي مرَّ بها مفكرنا الكبير؛ فالدكتور عزمي إسلام يجعلها خمس مراحل مسايرًا في ذلك العقود الخمسة التي تحدَّث عنها الدكتور زكي في كتابه قصة عقل (ص ٨)، وهي:
  • أولًا: المرحلة الصوفية التي امتدَّت عشرة أعوام في الثلاثينيات.
  • ثانيًا: المرحلة النقدية التحليلية، وتعبِّر عنها مقالاته في مجلتَي «الرسالة»، و«الثقافة».
  • ثالثًا: المرحلة الوضعية وهو يجعلها تبدأ من عام ١٩٤٦م أثناء وجوده في إنجلترا للدراسة.
  • رابعًا: مرحلة الدعوة إلى الحرية العقلانية، وهي متداخلةٌ مع المرحلتين السابقتين.
  • خامسًا: مرحلة الدعوة إلى «تجديد الفكر العربي» التي بدأت مع بداية السبعينيات، واستمرت في كتبه التالية.
(قارن مقاله «الدكتور زكي نجيب محمود ومكانته في الفكر العربي المعاصر» في الكتاب التذكاري الذي أصدرته جامعة الكويت، عام ١٩٧٨م في عيد ميلاده الثمانين، تحت عنوان «زكي نجيب محمود فيلسوفًا وأديبًا ومعلمًا» (ص ٢٧ وما بعدها).)
أما الدكتور حسن حنفي فقد قسَّم المسار الفكري للدكتور زكي نجيب إلى مرحلتين فقط:
الأولى: «مرحلة المنطق الوضعي»، والثانية: «مرحلة تجديد الفكر العربي»، وسوف نعرض لهما بعد قليل.
وعلى الرغم من أن الدكتورة منى أبو زيد ذكرت تقسيمًا ثلاثيًّا، فإنه يختلف عن تقسيمنا الثلاثي الذي نأخذ به في هذا البحث؛ فالمرحلة الأولى عندها هي مرحلة الدفاع عن الميتافيزيقا، وقد رأت أن هناك ثلاثة مؤلفات تعبِّر عنها هي «أرض الأحلام» عام ١٩٥٢م، والثاني رسالته عن «الجبر الذاتي» عام ١٩٤٧م، والثالث مقالته في شرح وتحليل القصيدة العينية عند ابن سينا. أما المرحلة الثانية فقد أطلقت عليها اسم «خرافة الميتافيزيقا» وتمثلها ثلاثة مؤلفات رئيسية هي «المنطق الوضعي» بجزأيه (الأول عام ١٩٥١م، والثاني عام ١٩٦١م)، و«خرافة الميتافيزيقا» عام ١٩٥٣م، و«نحو فلسفة علمية» عام ١٩٥٨م. والمرحلة الثالثة هي «مرحلة الأصالة والمعاصرة» وقد بدأت منذ نشر كتابه «الشرق الفنان» عام ١٩٦٠م، واستمرت حتى نهاية حياته في سبتمبر عام ١٩٩٣م.
راجع مقالها «زكي نجيب محمود ومراحله الفكرية» «مجلة المنتدى» بدبي، العدد ٩٤ مايو ١٩٩١م. وقد عرضت الفكرة نفسها بشيءٍ من التفصيل في كتابها «الفكر الديني عند زكي نجيب محمود»، دار الهداية للطباعة والنشر بالقاهرة، عام ١٩٩٣م.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤