فلما كانت الليلة ٧٣٣

قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن العجوز لما رأت رئيس الخدام مُقبِلًا هو وغلمانه حصل لها غاية الخوف وقالت: لا حول ولا قوة إلا بالله، إنا لله وإنا إليه راجعون، قد راحت أرواحنا في هذه الساعة بلا شك. فلما سمع رئيس الخدام من العجوز هذا الكلام، أدركه الوهم لما يعلمه من سطوة بنت الملك، وأن أباها تحت حكمها. ثم قال في نفسه: لعل الملك أمر الداية أن تأخذ ابنته لقضاء حاجةٍ ولا تريد أن يعلم أحد بحالها، ومتى تعرَّضتُ لها يصير في نفسها شيء عظيم مني وتقول: إن هذا الطواشي واجهني ليكشف عن حالي. فتسعى في قتلي، فليس لي بهذا الأمر حاجة. فولَّى راجعًا ورجع الثلاثون خادمًا معه نحو باب القصر، وطردوا الخلق من عند باب القصر، فدخلت الداية وسلَّمت برأسها، فوقف الثلاثون خادمًا إجلالًا لها وردُّوا عليها السلام. ثم دخلت ودخل ابن الملك خلفها، ولم يزالا داخلين من الأبواب حتى عدوا جميع الدركات، وستر عليهما الستار إلى أن وصلا إلى الباب السابع، وهو باب القصر الأكبر الذي فيه سرير الملك، ومنه يتوصل إلى مقاصير السراري وقاعات الحريم وقصر بنت الملك، فوقفت العجوز هناك وقالت: يا ولدي، ها نحن قد وصلنا إلى ها هنا، فسبحان مَن أوصلنا إلى هذا المكان، ويا ولدي، ما يتأتى لنا الاجتماع إلا في الليل، فإنه ستر على الخائف. قال لها: صدقتِ، فكيف الحيلة؟ قالت له: اختفِ في هذا المكان المظلم. فقعد في الجب وراحت العجوز إلى محل آخَر وخلَّتْه فيه حتى ولَّى النهار، فحضرت إليه وأخرجته ودخلا من باب القصر، ولم يزالا داخلين حتى وصلا إلى مقصورة حياة النفوس، فطرقت الدايةُ البابَ فخرجت جارية صغيرة وقالت: مَن بالباب؟ فقالت الداية: أنا. فرجعت الجارية واستأذنت سيدتها في دخول الداية، فقالت لها: افتحي لها ودعيها تدخل هي ومَن معها. فدخلا.

فلما أقبلا التفتت الداية إلى حياة النفوس، فوجدتها قد جهَّزت المجلس وصفَّتِ القناديل وفرشت المراتب واللواوين بالبسط، وحطت المساند وأوقدت الشموع على الشمعدانات الذهب والفضة، وحطَّتِ السماط والفواكه والحلويات، وأطلقت المسك والعود والعنبر، وقعدت بين القناديل والشموع، فصار ضوء وجهها يغلب ضوء الجميع. فلما نظرت الداية قالت لها: يا دايتي، أين محبوب قلبي؟ قالت لها: يا سيدتي، ما لقيته ولا وقعت عيني عليه، ولكن جئتُ لكِ بأخته شقيقته بين يديك. قالت لها: هل أنت مجنونة؟ ليس لي حاجة بأخته، فهل إذا وجع الإنسان رأسه ربط يده؟ قالت: لا والله يا سيدتي، ولكن انظري إليها فإن أعجبتك خليها عندك. وكشفت عن وجهها، فلما عرفته قامت على أقدامها وضمَّتْه إلى صدرها وضمَّها إلى صدره، ثم وقعا على الأرض مغشيًّا عليهما ساعة طويلة، فرشت عليهما الداية ماءَ الورد فأفاقا، ثم إنها قبَّلته في فمه ما ينوف عن ألف قُبْلة، وأنشدت هذه الأبيات:

زَارَنِي مَحْبُوبُ قَلْبِي فِي الْغَلَسْ
قُمْتُ إِجْلَالًا لَهُ حَتَّى جَلَسْ
قُلْتُ: يَا سُؤْلِي وَيَا كُلَّ الْمُنَى
زُرْتَنِي فِي اللَّيْلِ مَا خِفْتَ الْعَسَسْ
قَالَ لِي: خِفْتُ وَلَكِنَّ الْهَوَى
آخِذٌ لِلرُّوحِ مِنِّي وَالنَّفَسْ
فَاعْتَنَقْنَا وَالْتَزَمْنَا سَاعَةً
هَا هُنَا امْنُنْ فَلَا تَخْشَ حَرَسْ
ثُمَّ قُمْنَا مَا بِنَا مِنْ رِيبَةٍ
نَنْفُضُ الْأَذْيَالَ مَا فِيهَا دَنَسْ

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤