فلما كانت الليلة ٨٣٢

قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن خليفة الصياد لما رمى شبكته في البحر مرارًا ولم يطلع له فيها شيء، تفكَّرَ في نفسه وأنشد الأبيات السابقة ثم قال في نفسه: أرمي هذه المرة الأخرى وأتوكَّل على الله، لعله لا يخيِّب رجائي. فقام ورمى الشبكة وصبر عليها ساعة زمانية ثم سحبها فوجدها ثقيلة، فلما عرف أنها ثقيلة مارسها بلطف وسحبها حتى طلعت إلى البر، وإذا فيها قرد أعور أعرج، فلما رآه خليفة قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، أي شيء هذا النجس المنجوس والطالع المنحوس؟ ما الذي حصل لي في هذا النهار المبارك؟ ولكن هذا كله بتقادير الله تعالى. ثم إنه أخذ القرد وربطه في حبل وتقدَّمَ إلى شجرة طالعة على ساحل البحر وربَطَ فيها القرد، وكان معه سوط فأخذه في يده ورفعه في الهواء وأرادَ أن ينزل به على القرد، فأنطَقَ الله هذا القردَ بلسان فصيح، وقال له: يا خليفة، أمسِكْ يدكَ ولا تضربني، وخلني مربوطًا في هذه الشجرة، ورُحْ إلى البحر وارمِ شبكتك وتوكَّلْ على الله، فإنه يأتيكَ برزقك. فلما سمع خليفة كلامَ القرد أخذ الشبكة وتقدَّمَ إلى البحر ورماها، وأرخى لها الحبل ثم سحبها فوجدها أثقل من المرة الأولى، فلم يزل يعالج فيها حتى طلعت إلى البر، وإذا فيها قرد آخَر مفلج الثنايا، مكحل العينين، مخضب اليدين، وهو يضحك وفي وسطه ثوبٌ خَلَق، فقال خليفة: الحمد لله الذي أبدَلَ بسمك البحر القرود. ثم أتى إلى ذلك القرد المربوط في الشجرة وقال له: انظر يا مشئوم، ما أقبح ما أشرتَ به عليَّ! فما أوقَعَني في القرد الثاني إلا أنت، فإنك لما صبَّحتني بعرجك وعورك أصبحتُ غلبان تعبان لا أملك درهمًا ولا دينارًا. ثم إنه أخذ مسوقة في يده ولفَّها في الهواء ثلاث مرات، وأراد أن ينزل بها على القرد، فاستغاث منه وقال له: سألتُكَ بالله أن تعفو عني لأجل صاحبي هذا، واطلب منه حاجتك فإنه يدلُّكَ على ما تريد. فرمى خليفة المسوقة وعفا عنه.

ثم أتى إلى القرد الثاني ووقف عنده، فقال له القرد: يا خليفة، هذا الكلام ما يفيدك شيئًا إلا إذا سمعتَ مني ما أقوله لك، فإنْ سمعتَ مني وطاوعتَني ولم تخالفني كنتُ أنا السبب في غناك. فقال له خليفة: ما الذي تقوله لي حتى أطيعك فيه؟ فقال له: خلِّني مربوطًا مكاني ورُحْ إلى البحر وارمِ شبكتك حتى أقول لك أي شيء تفعله بعد هذا. فأخذ خليفة الشبكة ومضى إلى البحر ورماها وصبر عليها ساعة، ثم سحبها فوجدها ثقيلة، فما زال يعالج فيها حتى طلَّعها إلى البر، وإذا فيها قرد آخَر، إلا أن هذا القرد أحمر، وفي وسطه ثياب زرق، وهو مخضب اليدين والرجلين، مكحل العينين؛ فلما نظره خليفة قال: سبحان الله العظيم، سبحان مالك الملك، إن هذا اليوم مبارك من أوله إلى آخِره؛ لأن طالعه سعيد بوجه القرد الأول، والصحيفة تظهر من عنوانها، فهذا اليوم يوم قرود، ولم يَبْقَ في البحر ولا سمكة، ونحن ما خرجنا اليوم إلا لنصطاد القرود، والحمد لله الذي بدَّلَ بالسمك القرود.

ثم التفَتَ إلى القرد الثالث وقال له: أي شيء تكون أنت الآخَر يا مشئوم؟ فقال له: هل أنت لا تعرفني يا خليفة؟ قال: لا. قال: أنا قرد أبي السعادات اليهودي الصيرفي. فقال له خليفة: وأي شيء تصنع له؟ فقال له: أصبِّحه من أول النهار فيكسب خمسة دنانير، وأمسِّيه في آخِر النهار فيكتسب خمسةَ دنانير. فالتفَتَ خليفة إلى القرد الأول وقال له: انظر يا مشئوم، ما أحسن قرود الناس! وأما أنت فتصبِّحني بعرجك وعورك وشؤم طلعتك، فأصير فقيرًا مُفلِسًا جائعًا. ثم إنه أخذ المسوقة ولفَّها في الهواء ثلاث مرات وأراد أن ينزل بها عليه، فقال له قرد أبي السعادات: اتركْه يا خليفة وارفعْ يدك وتعالَ عندي حتى أقول لك أي شيء تعمل. فرمى خليفة المسوقة من يده وتقدَّمَ إليه وقال له: على أي شيء تقول لي يا سيد القرود كلها؟ فقال له: خذِ الشبكةَ وارْمِها في البحر، وخلني أنا وهؤلاء القرود قاعدين عندك، ومهما طلع لك فيها فهاتِهِ وتعالَ عندي وأنا أخبرك بما يسرُّكَ. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤