فلما كانت الليلة ٨٤٢

قلت: بلغني أيها الملك السعيد، أن خليفة الصياد لما أخذ ورقة من الأوراق وناوَلَها للخليفة قال له: يا زمَّار، أي شيء طلع لي فيها لا تُخْفِ منه شيئًا. فأخذها الخليفة بيده وناوَلَها للوزير جعفر وقال له: اقرأ ما فيها. فنظر إليها جعفر وقال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. فقال الخليفة: خير خير يا جعفر، ما رأيتَ فيها؟ فقال: يا أمير المؤمنين، طلع في الورقة: يُضرَب الصياد مائة عصًا. فأمر الخليفة بضربه مائة عصًا، فامتثلوا أمره وضربوا خليفة مائة عصًا، ثم قام وهو يقول: لعن الله هذا اللعب يا كرش النخال، هل الحبس والضرب من جملة اللعب؟ فقال جعفر: يا أمير المؤمنين، إن هذا المسكين جاء إلى البحر وكيف يرجع عطشانًا؟ نرجو من صدقات أمير المؤمنين أن يأخذ له ورقة أخرى، فلعله يطلع له فيها شيء فيرجع به ليستعين به على فقره. فقال الخليفة: والله يا جعفر إنْ أخَذَ ورقةً وطلع له فيها قتل لَأقتلنه، فتكون أنت السبب. فقال جعفر: إنْ كان يموت فإنه يستريح. فقال له خليفة الصياد: لا بشَّرَكَ الله بالخير، هل أنا ضيَّقْتُ عليكم بغداد حتى تطلبوا قتلي؟ فقال جعفر: خُذْ لك ورقة، واستخِرِ الله تعالى. فمَدَّ يده وأخذ ورقةً وأعطاها لجعفر، فأخذها منه وقرأها وسكَتْ. فقال له الخليفة: ما لك سكَتَّ يا ابن يحيى؟ فقال: يا أمير المؤمنين، إنه طلع في الورقة لا يُعطَى الصياد شيئًا. فقال الخليفة: ما له رزق عندنا، قُلْ له يروح من وجهي. فقال جعفر: بحقِّ آبائك الطاهرين أن تخليه يأخذ الثالثة لعله يطلع له فيها رزق. فقال الخليفة: دَعْه يأخذ له ورقة لا شيء غيرها. فمَدَّ يده وأخذ الورقة الثالثة، وإذا فيها يُعطَى الصياد دينارًا، فقال جعفر لخليفة: طلبتُ لك السعادةَ فما أرادَ اللهُ لكَ إلا هذا الدينار. فقال خليفة: كل مائة عصًا بدينار خير كثير، لا أصحَّ الله لكَ بدنًا. فضحك الخليفة وأخذ جعفر بيدِ خليفة وخرج به.

figure
وفتح الصندوق وإذا هو بجاريةٍ كأنها حوريةٌ استفاقَت وفتحَت عينَيْها.

فلما وصل إلى الباب رآه صندل الخادم فقال له: تعالَ يا صياد أَنْعِمْ علينا مما أعطاك أمير المؤمنين وهو يمزح معك. فقال له خليفة: والله صدقْتَ يا شقير، وهل تريد أن تقاسِمني يا أسود الجلد، وقد أكلتُ مائةَ عصًا وأخذتُ دينارًا واحدًا؟ أنت في حلٍّ منه. ثم رمى الدينارَ للخادم وخرج ودموعه تجري على صحن خده، فلما نظره الخادم وهو على تلك الحالة عرف أنه صادق، فرجع إليه وصاح على الغلمان أن ردُّوه، فَرَدُّوه، فمَدَّ يده إلى جيبه فأخرج منه كيسًا أحمر، ففتحه ونفضه، وإذا فيه مائة دينار من الذهب وقال: يا صياد، خُذْ هذا الذهب حق سمكك وامضِ إلى حال سبيلك. فعند ذلك فرح خليفة الصياد وأخذ المائة دينار ودينار الخليفة وخرج وقد نسي الضرب، ولما أراد الله تعالى إنفاذ ما قضاه، عبَرَ خليفة الصياد في سوق الجواري، فرأى حلقة كبيرة وفيها خلق كثير، فقال خليفة في نفسه: أي شيء هؤلاء الناس؟ ثم تقدَّمَ وشَقَّ بين الناس من تجار وغيرهم. فقال التجار: وسِّعوا للناخوذة زليط. فوسَّعوا له فنظَرَ خليفة وإذا بشيخ قائم على رجلَيْه وبين يدَيْه صندوق وعليه خادم جالس، والشيخ ينادي ويقول: يا تجار، يا أرباب الأموال، مَن يخاطر ويبادر بالعطاء لهذا الصندوق المجهول من دار السيدة زبيدة بنت القاسم زوجة أمير المؤمنين الرشيد بكم عليكم بارَكَ الله فيكم. فقال واحد من التجار: والله إن هذه مخاطرة، فأنا أقول كلامًا وما عليَّ فيه ملام، هو عليَّ بعشرين دينارًا. فقال آخَر: بخمسين دينارًا. ثم تزايَدَ التجار فيه إلى أن وصَلَ مائة دينار، فقال المنادي: هل عندكم زيادة يا تجار؟ فقال خليفة الصياد: عليَّ بمائة دينارٍ ودينار. فلما سمع التجار كلام خليفة حسبوه يلعب، فضحكوا عليه وقالوا: يا طواشي، بِعْ إلى خليفة بالمائة دينار ودينار. فقال الطواشي: والله ما أبيعه إلا له، خُذْ يا صياد بارَكَ الله لك فيه وهاتِ الذهب. فأخرَجَ خليفة الذهبَ وسلَّمَه إلى الخادم ووقعت المعاقَدة. ثم إن الخادم تصدَّقَ بالذهب وهو في موضعه، ورجع إلى القصر وأعلَمَ السيدةَ زبيدة بما فعل، ففرحت بذلك.

ثم إن خليفة الصياد حمل الصندوق على كتفه، فلم يقدر على حمله لعِظَم ثِقَله، فحمله على رأسه وأتى به إلى الحارة ووضعه عن رأسه وكان قد تعب، فقعد يتفكَّر فيما جرى له وصار يقول في نفسه: يا ليتَ شعري ما في هذا الصندوق. ثم فتح باب داره وعالَجَ في الصندوق حتى أدخَلَه داره، وبعد ذلك عالَجَ أن يفتحه فلم يقدر، فقال في نفسه: أي شيء حصل في عقلي حتى اشتريتُ هذا الصندوق؟ فلا بد من كسره وأنظر ما فيه. ثم عالَجَ القفل فلم يقدر، فقال في نفسه: أنا أخليه إلى غدٍ. ثم طلب أن ينام، فلم يجد موضعًا ينام فيه؛ لأن الصندوق جاء على قياس البيت، فطلع ونام فوقه، واستمر ساعة وإذا بشيء يتحرَّك، ففزع خليفة وفرَّ عنه النوم وقد طار عقله. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤