فلما كانت الليلة ٨٤٧

قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أنها لمَّا أمرَتْ بإحضار الشطرنج أحضروه بين أيديهما، فلما رآه مسرور حارَ فكْرُه، فالتفتَتْ إليه زين المواصف وقالت له: هل أنت تريد الحُمْر أم البيض؟ فقال: يا سيدة الملاح وزين الصباح، خذِي أنتِ الحُمْر لأنها ملاح ولمثلك أملح، ودَعِي لي الحجارة البيض. فقالت: رضيتُ بذلك. فأخذت الحمر وصَفَّتْها مقابلة البيض، ومدَّتْ يديها إلى القطع تنقل في أول الميدان، فنظر إلى أناملها فرآها كأنها من عجين، فاندهش مسرور من حسن أناملها ولطف شمائلها، فالتفتَتْ إليه وقالت له: يا مسرور، لا تندهش واصبر واثبت. فقال لها: يا ذات الحُسْن الذي فضح الأقمار، إذا نظرَكِ المحِبُّ كيف يكون له اصطبار؟ فبينما هو كذلك وإذا هي تقول له: الشاه مات. فغلبَتْه عند ذلك وعلمت زين المواصف أنه بحبِّها مجنون، فقالت له: يا مسرور، لا ألعب معك إلا برَهْنٍ معلومٍ وقدر مفهوم. فقال لها: سمعًا وطاعة. فقالت له: احلفْ لي وأحلفُ لك أن كلًّا منَّا لا يغدر صاحبه. فتحالَفَا معًا على ذلك، فقالت له: يا مسرور، إنْ غلبتُكَ أخذتُ منك عشرة دنانير، وإنْ غلبتَني لم أُعطِكَ شيئًا. فظَنَّ أنه يغلبها فقال لها: يا سيدتي، لا تحنثي في يمينك، فإني أراكِ أقوى مني في اللعب. فقالت له: رضيتُ بذلك. وصارَا يلعبان ويتسابقان بالبيادق وألحقتهم بالأفراس وصفَّتْهم وقرنتهم بالرِّخَاخ، وسمحت النفس بتقديم الأفراس، وكان على رأس زين المواصف وِشاح من الديباج الأزرق، فوضعَتْه عن رأسها وشمَّرَتْ عن مِعْصَم كأنه عامود من نورٍ، ومرَّتْ بكفها على القِطَع الحُمْر، وقالت له: خُذْ حذرَكَ. فاندهش مسرور وطار عقله وذهب لبُّه، ونظر إلى رشاقتها ورِقَّة معانيها، فاحتار وأخذه الانبهار، فمدَّ يده إلى البيض فراحت إلى الحُمْر، فقالت: يا مسرور، أين عقلك؟ الحُمْر لي والبيض لك. فقال لها: إنَّ مَن ينظر إليكِ ليس يملك عقله. فلما نظرَتْ زين المواصف إلى حاله أخذَتْ منه البيض وأعطَتْه الحُمْر، فلعب بها فغلبته.

ولم يزل يلعب معها وهي تغلبه ويدفع لها في كل مرة عشرةَ دنانير، فلما عرفَتْ زين المواصف أنه مشغول بهواها، قالت: يا مسرور، ما بقيت تنال مرادك إلا إذا كنتَ تغلبني كما هو شرطك، ولا بقيت ألعب معك في كل مرة إلا بمائة دينار. فقال لها: حبًّا وكرامة. فصارت تلاعبه وتغلبه وتكرِّر ذلك، وهو في كل مرة يدفع لها المائة دينار، ودامَا على ذلك إلى الصباح، وهو لم يغلبها قطُّ، فنهض قائمًا على أقدامه، فقالت له: ما الذي تريد يا مسرور؟ قال: أمضي إلى منزلي وآتي بمالٍ لَعَلِّي أبلغ آمالي. فقالت له: افعلْ ما تريد ممَّا بَدَا لك. فمضى إلى منزله وأتاها بالمال جميعه، فلما وصَلَ إليها أنشد هذين البيتين:

رَأَيْتُ طَيْرًا قَدْ تَرَبَّى فِي الْمَنَامْ
فِي رَوْضِ أُنْسٍ زَهْرُهُ ذُو ابْتِسَامْ
لَكِنَّهُ لَمَّا بَدَا لِي صِدْتُهُ
مِنْكَ الْوَفَا تَأْوِيلُ هَذَا الْمَنَامْ

فلما حضر عندها مسرور بجميع ماله، صار يلعب معها وهي تغلبه، ولم يقدر أن يغلبها بِدَورٍ واحدٍ، ولم يزالَا كذلك ثلاثة أيام حتى أخذت منه جميع ماله؛ فلما نفد ماله قالت له: يا مسرور، ما الذي تريد؟ قال: ألاعبكِ على دكان العطارة. قالت له: كم تساوي تلك الدكان؟ قال: خمسمائة دينار. فلعب بها خمسة أشواط فغلبَتْه، ثم لعب معها على الجواري والعقارات والبساتين والعمارات، فأخذت منه ذلك كله وجميع ما يملكه، وبعد ذلك التفتَتْ إليه وقالت له: هل بقي معك شيء من المال تلعب به؟ فقال لها: وحقِّ مَن أوقَعَني معك في شَرَك المحبة، ما بقيَتْ يدي تملك شيئًا من المال وغيره، لا قليلًا ولا كثيرًا. فقالت له: يا مسرور، كل شيء يكون أوله رضًا لا يكون آخِره ندامة، فإنْ كنتَ ندمتَ فخُذْ مالَكَ واذهبْ عنَّا إلى حال سبيلك، وأنا أجعلك في حِلٍّ من قِبَلي. فقال مسرور: وحقِّ مَن قضى علينا بهذه الأمور، لو أردتِ أخذَ روحي لَكانت قليلةً في رضاكِ، فما أعشق أحدًا سواكِ. فقالت له: يا مسرور، حينئذٍ اذهبْ وأحضِرِ القاضي والشهود، واكتبْ لي جميعَ الأملاك والعقارات. فقال: حبًّا وكرامة. ثم نهض قائمًا في الوقت والساعة، وأتى بالقاضي والشهود وأحضَرَهم عندها، فلما رآها القاضي طار عقله وذهَبَ لبُّه وتبلبل خاطره من حُسْن أناملها، وقال لها: يا سيدتي، لا أكتب الحجةَ إلا بشرط أن تشتري العقارات والجواري والأملاك وتصير كلها تحت تصرُّفكِ وفي حيازتك. فقالت: قد اتفقنا على ذلك، فاكتبْ لي حجةً بأن ملك مسرور وجواريه وما تملكه يده يُنقَل إلى ملك زين المواصف بثمنٍ جملته كذا وكذا. فكتب القاضي ووضع الشهود خطوطَهم على ذلك، وأخذت الحجةَ زين المواصف. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤