فلما كانت الليلة ٨٥١

قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن زين المواصف قالت لمسرور: إن كنتَ مشغولًا بحبنا فأنشِدْ لنا شعرًا فيما وقَعَ لنا. فقال: حبًّا وكرامة. وأنشَدَ هذه القصيدة:

قِفْ وَاسْتَمِعْ مَا جَرَى لِي
فِي حُبِّ هَذَا الْغَزَالِ
رِيمٌ رَمَانِي بِنَبْلٍ
وَلَحْظِهِ قَدْ غَزَا لِي
فُتِنْتُ عِشْقًا وَإِنِّي
فِي الْحُبِّ ضَاقَ احْتِيَالِي
هَوِيتُ ذَاتَ دَلَالٍ
مَحْجُوبَةٌ بِالنِّصَالِ
أَبْصَرْتُهَا وَسْطَ رَوْضٍ
وَقَدُّهَا ذُو اعْتِدَالِ
سَلَّمْتُ قَالَتْ سَلَامًا
لَمَّا صَغَتْ لِمَقَالِي
سَأَلْتُ مَا الْإِسْمُ قَالَتْ
اسْمِي وِفَاقَ جَمَالِي
سُمِّيتُ زَيْنَ الْمَوَاصِفْ
فَقُلْتُ رِقِّي لِحَالِي
فَإِنَّ عِنْدِي غَرَامًا
هَيْهَاتَ صَبٌّ مِثَالِي
قَالَتْ فَإِنْ كُنْتَ تَهْوَى
وَطَامِعًا فِي وِصَالِي
أُرِيدُ مَالًا جَزِيلًا
يَفُوقُ كُلَّ نَوَالِ
أُرِيدُ مِنْكَ ثِيَابًا
مِنَ الْحَرِيرِ غَوَالِ
وَرُبْعَ قِنْطَارِ مِسْكٍ
بِرَسْمِ لَيْلِ وِصَالِي
وَلُؤْلُؤًا وَعَقِيقًا
مِنَ النَّفِيسِ الْغَالِي
وَفِضَّةً وَنُضَارًا
مِنَ الْحُلِيِّ الْحَالِي
أَظْهَرْتُ صَبْرًا جَمِيلًا
عَلَى عَظِيمِ اشْتِغَالِي
فَأَنْعَمَتْ لِي بِوَصْلٍ
فِي لَيْلَةٍ ذِي هِلَالِ
إِنْ لَامَنِي الْغَيْرُ فِيهَا
أَقُولُ يَا لِلرِّجَالِ
لَهَا شُعُورٌ طِوَالٌ
وَاللَّوْنُ لَوْنُ اللَّيَالِي
وَخَدُّها فِيهِ وَرْدٌ
مِثْلُ اللَّظَى فِي اشْتِعَالِ
وَجَفْنُهَا فِيهِ سَيْفٌ
وَلَحْظُهَا كَالنِّبَالِ
وَثَغْرُهَا فِيهِ خَمْرٌ
وَرِيقُهَا كَالزُّلَالِ
كَأَنَّهُ عِقْدُ دُرٍّ
حَوَى نِظَامَ اللَّآلِي
وَجِيدُهَا جِيدُ ظَبْيٍ
مَلِيحَةٌ فِي كَمَالِ
وَصَدْرُهَا كَرُخَامٍ
وَنَهْدُهَا كَالْقِلَالِي
وَبَطْنُهَا فِيهِ طَيٌّ
مُعَطَّرٌ بِالْغَوَالِي
وَتَحْتَ ذَلِكَ شَيْءٌ
لَهُ انْتَهَتْ آمَالِي
مُرَبَّبٌ وَسَمِينٌ
مُكَلْثَمٌ يَا مَوَالِي
كَأَنَّهُ تَخْتُ مِلْكٍ
عَلَيْهِ أَعْرِضُ حَالِي
بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ تَلْقَى
مصَاطِبًا بِتَعَالِ
لَكِنَّهُ فِيهِ وَصْفٌ
يُدْهِي عُقُولَ الرِّجَالِ
لَهُ شِفَاهٌ كِبَارٌ
وَنُقْرَةٌ كَالْبِغَالِ
يَبْدُو بِحُمْرَةِ عَيْنٍ
وَمِشْفَرٍ كَالْجِمَالِ
إِذَا أَتَيْتَ إِلَيْهِ
بِهِمَّةٍ فِي الْفِعَالِ
تَلْقَاهُ حَرَّ الْمَلَاقِي
بِقُوَّةٍ وَحِقَالِي
يَرُدُّ كُلَّ شُجَاعٍ
مَحْلُولِ عَزْمِ الْقِتَالِ
وَتَارَةً تَلْتَقِيهِ
بِلِحْيَةٍ فِي مِطَالِ
يُنْبِيكَ عَنْهُ مَلِيحٌ
ذُو بَهْجَةٍ وَجَمَالِ
كَمِثْلِ زَيْنِ الْمَوَاصِفْ
مَلِيحَةٍ فِي الْكَمَالِ
أَتَيْتُ لَيْلًا إِلَيْهَا
وَنِلْتُ شَيْئًا حَلَالِي
وَلَيْلَةٍ بِتُّ مَعَهَا
فَاقَتْ جَمِيعَ اللَّيَالِي
لَمَّا أَتَى الصُّبْحُ قَامَتْ
وَوَجْهُهَا كَالْهِلَالِ
تَهُزُّ مِنْهَا قَوَامًا
هَزَّ الرِّمَاحِ الْعَوَالِي
وَوَدَّعَتْنِي وَقَالَتْ
مَتَى تَعُودُ اللَّيَالِي
فَقُلْتُ يَا نُورَ عَيْنِي
إِذَا أَرَدْتِ تَعَالِي

فطربَتْ زين المواصف من هذه القصيدة طربًا عظيمًا، وحصل لها غاية الانشراح وقالت: يا مسرور، قد دَنَا الصباح، ولم يَبْقَ إلا الرواح خوفًا من الافتضاح. فقال: حبًّا وكرامة. ثم نهض قائمًا على قدمَيْه وأتى بها إلى أن أوصَلَها إلى منزلها، ومضى إلى محله وباتَ وهو متفكِّر في محاسنها، فلما أصبح الصباح وأضاء بنوره ولاح، هيَّأَ لها هدية فاخرة، وأتى بها إليها وجلس عندها، وأقامَا على ذلك مدة أيام وهما في أرغد عيش وأهنئه، ثم إنه ورد عليها في بعض الأيام كتابٌ من عند زوجها، مضمونه أنه يصل إليها عن قريب، فقالت في نفسها: لا سلَّمَه الله ولا أحياه؛ لأنه إنْ وصَلَ إلينا تكدَّرَ علينا عيشنا، يا ليتني كنتُ يئست منه. فلما أتى إليها مسرور جلس يتحدث معها على العادة، فقالت له: يا مسرور، قد ورَدَ علينا كتابٌ من عند زوجي، مضمونه أنه يصل إلينا من سفره عن قريبٍ، فكيف يكون العمل وما لأحد منَّا عن صاحبه صبر؟ فقال لها: لستُ أدري ما يكون، بل أنتِ أخبر وأدرى بأخلاق زوجك، ولا سيما أنتِ من أعقل النساء، صاحبة الحِيَل التي تحتال بشيء تعجز عن مثله الرجال. فقالت: إنه رجل صعب، وله غيرة على أهل بيته، ولكن إذا قَدِم من سفره وسمعت بقدومه فأقدِمْ عليه وسلِّم عليه واجلس إلى جانبه وقُلْ له: يا أخي، أنا رجل عطَّار. واشترِ منه شيئًا من أنواع عطارة، وتردَّدْ عليه مرارًا، وأطِلْ معه الكلامَ، ومهما أمرك به فلا تخالفه فيه، فلعل ما أحتال به يكون مصادفًا. فقال لها: سمعًا وطاعة. وخرج مسرور من عندها وقد اشتعلت في قلبه نار المحبة، فلما وصل زوجها إلى الدار فرحت بوصوله ورحَّبَتْ به وسلَّمَتْ عليه، فنظر في وجهها فرأى فيه لون الاصفرار، وكانت غسلت وجهها بالزعفران، وعملت فيه بعض حِيَل النساء، فسألها عن حالها، فذكرت له أنها مريضة من وقت ما سافَرَ، هي والجواري، وقالت له: إن قلوبنا مشغولة عليك لطول غيابك. وصارت تشكو إليه مشقة الفراق وتبكي بدمع مهراق، وتقول: لو كان معك رفيقٌ، ما حمل قلبي هذا الهمَّ كله، فبالله عليك يا سيدي ما بقيتَ تسافر إلا برفيق، ولا تقطع عني أخبارك لأجل أن أكون مطمئنةَ القلب والخاطر عليك. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤