فلما كانت الليلة ٧٣٩

قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك لما أخذ الجارية وسلمها للمواشط، وقال لهن: أصلحن شأنها وأدخلنها في مقصورة، وأمر حجَّابه أن يغلقوا عليها جميع الأبواب بعد أن ينقلوا لها جميع ما تحتاج إليه، فأدخلوها في مقصورة، وكانت تلك المقصورة لها شبابيك تطل على البحر. ثم إن الملك دخل على الجارية فلم تقم له ولم تفكر فيه، فقال الملك: كأنها كانت عند قوم لم يعلِّموها الأدب. ثم إنه التفت إلى تلك الجارية، فرآها بارعةً في الحُسْن والجمال، والقدِّ والاعتدال، ووجهها كأنه دائرة القمر عند تمامه، أو الشمس الضاحية في السماء الصاحية، فتعجَّبَ من حُسْنها وجمالها، وقدِّها واعتدالها، فسبَّحَ الله الخالق جلَّتْ قدرته. ثم إن الملك تقدم إلى الجارية وجلس بجانبها، وضمها إلى صدره وأجلسها على فخذه، ومص رضاب ثَغْرها، فوجده أحلى من الشهد. ثم إنه أمر بإحضار الموائد من أفخر الطعام، وفيها من سائر الألوان، فأكل الملك وصار يلقمها حتى شبعت وهي لم تتكلم بكلمة واحدة، فصار الملك يحدِّثها ويسألها عن اسمها وهي ساكتة لم تنطق بكلمة، ولم ترد عليه جوابًا، ولم تزل مطرقة برأسها إلى الأرض، وكان الحافظ لها من غضب الملك عليها فَرْط حُسْنها وجمالها، والدلال الذي كان لها، فقال الملك في نفسه: سبحان الله خالِق هذه الجارية! ما أظرفها إلا أنها لا تتكلم! ولكن الكمال لله تعالى. ثم إن الملك سأل الجواري هل تكلمت؟ فقلن له: من حين قدومها إلى هذا الوقت لم تتكلم بكلمة واحدة، ولم نسمع لها خطابًا. فأحضر الملك بعض الجواري والسراري، وأمرهن أن يغنين لها وينشرحن معها لعلها أن تتكلم، فلعبت الجواري والسراري قدامها بسائر الملاهي واللعب وغير ذلك، وغنَّيْنَ حتى طرب كلُّ مَن في المجلس، والجارية تنظر إليهن وهي ساكتة، ولم تضحك ولم تتكلم، فضاق صدر الملك، ثم إنه صرف الجواري، واختلى بتلك الجارية.

ثم إنه خلع ثيابه وخلع ثيابها، ونظر إلى بدنها فرآه كأنه سبيكة فضة فأحَبَّها محبة عظيمة، ثم قام الملك وأزال بكارتها فوجدها بنتًا بِكْرًا، ففرح فرحًا شديدًا، وقال في نفسه: يالله العجب، كيف تكون جارية مليحة القوام والمنظر، وأبقاها التجار بِكْرًا على حالها؟ ثم إنه مال إليها بالكلية ولم يلتفت إلى غيرها، وهجر جميع سراريه والمحاظي، وأقام معها سنة كاملة كأنها يوم واحد وهي لم تتكلم. فقال لها يومًا من الأيام وقد زاد عشقه بها والغرام: يا منية النفوس، إن محبتك عندي عظيمة، وقد هجرت من أجلك جميع الجواري والسراري والنساء والمحاظي، وجعلتك نصيبي من الدنيا، وقد طولت روحي عليك سنة كاملة، وأسأل الله تعالى من فضله أن يلين قلبك لي فتكلِّميني، وإن كنت خرساء فأعلميني بالإشارة حتى أقطع العشم من كلامك، وأرجو الله سبحانه أن يرزقني منك بولدٍ ذَكَر يَرِث ملكي من بعدي، فإني وحيد فريد ليس لي مَن يَرِثني، وقد كبر سني، فبالله عليك إن كنت تحبِّينني أن تردِّي عليَّ الجواب. فأطرقت الجارية رأسها إلى الأرض وهي تتفكَّر، ثم إنها رفعت رأسها، وتبسمت في وجه الملك، فتخيَّلَ للملك البرق قد ملأ المقصورة وقالت: أيها الملك الهمام والأسد الضرغام، قد استجاب الله دعاءك، وإني حامل منك، وقد آنَ أوان الوضع، ولكن لا أعلم هل الجنين ذكر أم أنثى؟ ولولا أني حملت منك ما كلَّمْتُك كلمةً واحدة.

فلما سمع الملك كلامها تهلَّلَ وجهه بالفرح والانشراح، وقبَّلَ رأسها ويديها من شدة الفرح، وقال: الحمد لله الذي مَنَّ عليَّ بأمرين كنت أتمناهما؛ الأول: كلامك. والثاني: إخبارك بالحمل مني. ثم إن الملك قام من عندها وخرج وجلس على كرسي مملكته وهو في الانشراح الزائد، وأمر الوزير أن يُخرِج للفقراء والمساكين والأرامل وغيرهم مائة ألف دينار شكرًا لله تعالى وصدقةً عنه، ففعل الوزير ما أمره به الملك. ثم إن الملك دخل بعد ذلك إلى الجارية، وجلس عندها وحضنها، وضمَّها إلى صدره، وقال لها: يا سيدتي ومالكة رقِّي، لماذا السكوت، ولكِ عندي سنة كاملة ليلًا ونهارًا، قائمة نائمة، ولم تكلميني في هذه السنة إلا في هذا النهار، فما سبب سكوتك؟ فقالت الجارية: اسمع يا ملك الزمان، واعلم أني مسكينة غريبة مكسورة الخاطر فارقت أمي وأهلي. فلما سمع الملك كلامها عرف مرادها، فقال لها: أما قولك مسكينة فليس لهذا الكلام محل، فإن جميع ملكي ومتاعي وما أنا فيه في خدمتك، وأنا أيضًا صرتُ مملوكك، وأما قولك فارقت أمي وأهلي وأخي، فأعلميني في أي مكان هم، وأنا أرسل إليهم وأحضرهم عندك. فقالت له: اعلم أيها الملك السعيد أن اسمي جلناز البحرية، وكان أبي من ملوك البحر ومات، وخلَّفَ لنا الملك، فبينما نحن فيه إذ تحرَّكَ علينا ملك من الملوك، وأخذ الملك من أيدينا، ولي أخٌ يُسمَّى صالح، وأمي من نساء البحر، فتنازعت أنا وأخي فحلفت أن أرمي نفسي عند رجل من أهل البر، فخرجت من البحر وجلست على طرف جزيرة في القمر، فجاز بي رجل فأخذني وذهب بي إلى منزله وراودني عن نفسي، فضربته على رأسه فكاد أن يموت، فخرج بي وباعني لهذا الرجل الذي أخذتَني منه، وهو رجل جيد صالح صاحب دين وأمانة ومروءة، ولولا أن قلبك حبني فقدَّمْتَني على جميع سراريك، ما كنت قعدت عندك ساعة واحدة، وكنت رميت نفسي إلى البحر من هذا الشباك، وأروح إلى أمي وجماعتي، وقد استحيت أن أسير إليهم وأنا حامل منك، فيظنون بي سوءًا، ولا يصدِّقونني — ولو حلفت لهم — إذا أخبرتهم أنه اشتراني ملك بدراهمه، وجعلني نصيبه من الدنيا، واختصَّ بي عن زوجاته وسائر ما ملكت يمينه، وهذه قصتي والسلام. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤