فلما كانت الليلة ٧٤٥

قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك بدر باسم لما سمع كلام خاله صالح وأمه جلناز في وصف بنت الملك السمندل، صار في قلبه من أجلها لهيب النار، وغرق في بحرٍ لا يُدرَك له ساحل ولا قرار. ثم إن صالحًا نظر إلى أخته جلناز وقال: والله يا أختي ما في ملوك البحر أحمق من أبيها، ولا أقوى سطوةً منه، فلا تُعْلِمي ولدك بحديث هذه الجارية حتى نخطبها له من أبيها، فإن أنعم بإجابتها حمدنا الله تعالى، وإنْ ردَّنا ولم يزوجها لابنك نستريح ونخطب غيرها. فلما سمعت جلناز كلام أخيها صالح، قالت: نِعْمَ الرأي الذي رأيته. ثم إنهما سكتا وباتا تلك الليلة والملك بدر باسم في قلبه لهيب النار من عشق الملكة جوهرة، وكتم حديثه، ولم يقل لأمه ولا لخاله شيئًا من خبرها، مع أنه صار من حبها على مقالي الجمر. فلما أصبحوا دخل الملك هو وخاله الحمام واغتسلا، ثم خرجا وشربا الشراب وقدموا بين أيديهم الطعام، فأكل الملك بدر باسم وأمه وخاله حتى اكتفوا، ثم غسلوا أيديهم، وبعد ذلك قام صالح على قدميه، وقال للملك بدر باسم وأمه جلناز: عن إذنكما، قد عزمت على الرواح إلى الوالدة، فإن لي عندكم مدة أيام، وخاطرهم مشغول عليَّ، وهم في انتظاري. فقال الملك بدر باسم لخاله صالح: اقعد عندنا هذا اليوم. فامتثل كلامه، ثم إنه قال: قم بنا يا خالي واخرج بنا إلى البستان، فذهبا إلى البستان وصارا يتفرجان ويتنزهان فجلس الملك بدر باسم تحت شجرة مظلة، وأراد أن يستريح وينام، فتذكر ما قاله خاله صالح من وصف الجارية، وما فيها من الحُسْن والجمال؛ فبكى بدموع غزار، وأنشد هذين البيتين:

لَوْ قِيلَ لِي وَلَهِيبُ النَّارِ مُتَّقِدٌ
وَالنَّارُ فِي الْقَلْبِ وَالْأَحْشَاءُ تَضْطَرِمُ
أَهُمْ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَنْ تُشَاهِدَهُمْ
أَمْ شُرْبَةٌ مِنْ زُلَالِ الْمَاءِ قُلْتُ هُمُ

ثم شكا وأنَّ وبكى، وأنشد هذين البيتين:

مَنْ مُجِيرِي مِنْ عِشْقِ ظَبْيَةِ أُنْسٍ
ذَاتِ وَجْهٍ كَالشَّمْسِ بَلْ هُوَ أَجْمَلْ
كَانَ قَلْبِي مِنْ حُبِّهَا مُسْتَرِيحًا
فَتَلَظَّى بِحُبِّ بِنْتِ السَّمَنْدَلْ

فلما سمع خاله صالح مقاله، دق يدًا على يد وقال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ثم قال له: هل سمعت يا ولدي ما تكلمت به أنا وأمك من حديث الملكة جوهرة وذِكْرنا لأوصافها؟ فقال بدر باسم: نعم يا خالي، وعشقتها على السماع حين سمعت ما قلتم من الكلام، وقد تعلَّقَ قلبي بها وليس لي صبر عنها. فقال له: يا ملك، دعنا نرجع إلى أمك ونعلمها بالقضية، واستأذنها في أني آخذك معي وأخطب لك الملكة جوهرة، ثم نودِّعها وأرجع أنا وأنت؛ لأني أخاف إن أخذتك وسرت من غير إذنها أن تغضب عليَّ ويكون الحق معها؛ لأني أكون السبب في فراقكما كما أني كنت السبب في افتراقها منَّا، وتبقى المدينة بلا ملك، وليس عندهم مَن يسوسهم وينظر أحوالهم، فيفسد عليك أمر المملكة، ويخرج المُلْك من يدك. فلما سمع بدر باسم كلام خاله صالح قال له: اعلم يا خالي أني متى رجعت إلى أمي وشاورتها في ذلك لم تمكني من ذلك، فلا أرجع إليها ولا أشاورها أبدًا. وبكى قدام خاله وقال له: أروح معك ولا أعلمها ثم أرجع. فلما سمع صالح كلام ابن أخته حار في أمره، وقال: استعنتُ بالله تعالى على كل حال. ثم إن خاله صالحًا لما رأى ابن أخته على هذه الحالة، وعلم أنه لا يحب أن يرجع إلى أمه، بل يروح معه؛ أخرج من إصبعه خاتمًا منقوشًا عليه أسماء من أسماء الله تعالى، وناوَلَ الملك بدر باسم إياه، وقال له: اجعل هذا في إصبعك تأمن من الغرق ومن غيره، ومن شر دواب البحر وحيتانه. فأخذ الملك بدر باسم الخاتمَ من خاله صالح وجعله في إصبعه، ثم إنهما غطسا في البحر. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤