فلما كانت الليلة ٧٥٦

قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك بدر باسم لما نزل من فوق البغلة وسلَّمَها إلى المرأة العجوز، أخرجت اللجام من فمها وأخذت في يدها ماء ورشتها به، وقالت: يا بنتي، اخرجي من هذه الصورة إلى الصورة التي كنتِ عليها. فانقلبَتْ في الحال وعادت إلى صورتها الأولى، وأقبلَتْ كلُّ واحدة منهما على الأخرى وتعانَقَتا، فعلم الملك بدر باسم أن هذه العجوز أمها وقد تمَّتِ الحيلة عليه، فأراد أن يهرب، وإذا بالعجوز صفرت صفرة عظيمة فتمثَّلَ بين يديها عفريت كأنه الجبل العظيم، فخاف الملك بدر باسم ووقف، فركبت العجوز على ظهره وأردفت بنتها خلفها، وأخذت الملك بدر باسم قدامها، وطار بهم العفريت، فما مضى عليهم غير ساعة ووصلوا إلى قصر الملكة لاب، فلما جلسَتْ على كرسي الملكة التفتَتْ إلى الملك بدر باسم، وقالت له: يا علق، قد وصلت إلى هذا المكان ونلت ما تمنيت، وسوف أريك ما أعمل بك وبهذا الشيخ البقال، فكَمْ أحسنتُ له وهو يسوءني، وأنت ما وصلتَ إلى مرادك إلا بواسطته. ثم أخذت ماءً ورشَّتْه به، وقالت له: اخرجْ من هذه الصورة التي أنت فيها إلى صورةِ طيرٍ قبيحِ المنظر أقبح ما يكون من الطيور. فانقلب في الحال وصار طيرًا قبيح المنظر، فجعلته في قفص وقطعت عنه الأكل والشرب، فنظرت إليه جارية فرحمَتْه، وصارت تُطعِمه وتسقيه وبغير عِلْم الملكة.

ثم إن الجارية وجدَتْ سيدتها غافلةً في يوم من الأيام، فخرجت وتوجَّهَتْ إلى الشيخ البقال وأعلَمَتْه بالحديث وقالت له: إن الملكة لاب عازمةٌ على هلاكِ ابنِ أخيك. فشكرها الشيخ وقال لها: لا بد أن آخذ المدينةَ منها وأجعلك ملكتها عوضًا عنها. ثم صفر صفرة عظيمة، فخرج له عفريت له أربعة أجنحة، فقال له: خذ هذه الجارية وامضِ بها إلى مدينة جلناز البحرية وأمها فراشة، فإنهما أسحرُ مَن يوجد على وجه الأرض. وقال للجارية: إذا وصلتِ إلى هناك فأخبريهما بأن الملك بدر باسم في أَسْر الملكة لاب. فحملها العفريت وطار بها، فلم يكن إلا ساعة حتى نزل بها على قصر الملكة جلناز البحرية، فنزلت الجارية من فوق سطح القصر ودخلت على الملكة جلناز، وقبَّلَتِ الأرضَ وأعلمَتْها بما قد جرى لولدها من أول الأمر إلى آخِره، فقامت إليها جلناز وأكرمتها وشكرتها ودقَّتِ البشائرَ في المدينة، وأعلمَتْ أهلها وأكابر دولتها بأن الملك بدر باسم وُجِد.

ثم إن جلناز البحرية وأمها فراشة وأخاها صالحًا أحضروا جميع قبائل الجان وجنود البحر؛ لأن ملوك الجان قد أطاعوهم بعد أسر الملك السمندل، ثم إنهم طاروا في الهواء ونزلوا على مدينة الساحرة، ونهبوا القصر وقتلوا جميع مَن كان فيه، ونهبوا المدينة وقتلوا جميع مَن كان فيها من الكَفَرة في طرفة عين، وقالت للجارية: أين ابني؟ فأخذت الجارية القفصَ وأتَتْ به بين يديها، وأشارت إلى الطائر الذي فيه وقالت: هذا ولدك. فأخرجَتْه الملكة جلناز من القفص، ثم أخذت بيدها ماءً ورشَّتْه به، وقالت له: اخرجْ من هذه الصورة إلى الصورة التي كنتَ عليها. فلم يتم كلامها حتى انتفض وصار بشرًا كما كان، فلما رأته أمه على صورته الأصلية قامت إليه واعتنقته، فبكى بكاءً شديدًا، وكذلك خاله صالح وجَدَّته فراشة وبنات عمه، وصاروا يقبِّلون يدَيْه ورجلَيْه. ثم إن جلناز أرسلَتْ خلف الشيخ عبد الله وشكرته على فعله الجميل مع ابنها، وزوَّجَتْه بالجارية التي أرسلها إليها بأخبار ولدها، ودخل بها، ثم جعلته ملكَ تلك المدينة، وأحضرَتْ ما بقي من أهل المدينة من المسلمين وبايَعَتْهم للشيخ عبد الله وعاهدتهم وحلَّفتهم أن يكونوا في طاعته وفي خدمته، فقالوا: سمعًا وطاعة.

ثم إنهم ودَّعوا الشيخ عبد الله وساروا إلى مدينتهم، فلما دخلوا قصرهم تلقَّاهم أهل مدينتهم بالبشائر والفرح، وزيَّنوا المدينة ثلاثة أيام لشدة فرحهم بملكهم بدر باسم، وفرحوا فرحًا شديدًا. ثم بعد ذلك قال الملك بدر باسم لأمه: يا أمي، ما بقي إلا أني أتزوج ويجتمع شملنا ببعضنا أجمعين. فقالت: يا ولدي، نِعْمَ الرأي الذي رأيتَه، ولكن اصبرْ حتى نسأل على مَن يصلح لك من بنات الملوك. فقالت جَدَّته فراشة وبنات عمه وخاله: نحن يا بدر باسم كلنا في الوقت نساعدك على ما تريد. ثم إن كل واحدة منهن نهضَتْ ومضت تفتِّش في البلاد، وكذلك جلناز البحرية بعثَتْ جواريها على أعناق العفاريت وقالت لهن: لا تتركنَ مدينةً ولا قصرًا من قصور الملوك حتى تتأمَّلْنَ جميعَ مَن فيه من البنات الحِسَان. فلما رأى الملك بدر باسم اعتناءَهن بهذا الأمر، قال لأمه جلناز: يا أمي، اتركي هذا الأمر، فإنه ليس يرضيني إلا جوهرة بنت الملك السمندل؛ لأنه جوهرة كاسمها. فقالت أمه: قد عرفتُ مقصودك. ثم أرسلت في الحال مَن يأتيها بالملك السمندل، ففي الوقت أحضروه بين يدَيْها، ثم أرسلت إلى بدر باسم، فلما جاء باسم أعلمَتْه بمجيء السمندل، فدخل عليه، فلما رآه الملك السمندل مُقبِلًا قام له وسلَّمَ عليه ورحَّبَ به. ثم إن الملك بدر باسم خطب منه بنته جوهرة، فقال له: هي في خدمتك وجاريتك وبين يديك. ثم إن الملك السمندل أرسَلَ بعض أصحابه إلى بلاده وأمرهم بإحضار بنته جوهرة، وأن يُعلِموها أن أباها عند الملك بدر باسم ابن جلناز البحرية، فطاروا في الهواء وغابوا ساعة ثم جاءوا ومعهم الملكة جوهرة، فلما عايَنَتْ أباها تقدَّمَتْ إليه واعتنقَتْه، فنظر إليها وقال: يا بنتي، اعلمي أنني قد زوَّجْتُكِ بهذا الملك الهمام، والأسد الضرغام، الملك بدر باسم ابن الملكة جلناز، وأنه أحسنُ أهلِ زمانه وأجملهم وأرفعهم قدرًا وأشرفهم حسبًا، ولا يصلح إلا لكِ ولا تصلحين إلا له. فقالت له: يا أبي، أنا ما أقدر أن أخالفك، فافعل ما تريد، فقد زال الهمُّ والتنكيد، وأنا له من جملة الخدام. فعند ذلك أحضروا القضاة والشهود، وكتبوا كتاب الملك بدر باسم ابن الملكة جلناز البحرية على الملكة جوهرة، وأهل المدينة زيَّنوها، وأطلقوا البشائر وأطلقوا كلَّ مَن في الحبوس، وكسا الملك الأرامل والأيتام، وخلع على أرباب الدولة والأمراء والأكابر، ثم أقاموا الفرح العظيم، وعملوا الولائم، وأقاموا في الأفراح مساءً وصباحًا مدة عشرة أيام، وجلوها على الملك بدر باسم بتسع خلع، ثم خلع الملك بدر باسم على الملك السمندل، وردَّه إلى بلاده وأهله وأقاربه. ولم يزالوا في ألذ عيش وأهنأ أيام، يأكلون ويشربون ويتنعَّمون، إلى أنْ أتاهم هادم اللذات، ومفرِّق الجماعات، وهذا آخِر حكايتهم رحمة الله عليهم أجمعين.

حكاية سيف الملوك وبديعة الجمال

واعلمْ أيها الملك السعيد، أنه كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان، ملكٌ من ملوك العجم اسمه محمد بن سبائك، وكان يحكم على بلاد خراسان، وكان في كل عام يغزو بلادَ الكفَّار في الهند والسند والصين، والبلاد التي وراء النهر وغير ذلك من العجم وغيرها، وكان ملكًا عادلًا شجاعًا كريمًا جوَّادًا، وكان ذلك الملك يحب المُنادَمات والروايات والأشعار والأخبار والحكايات والأسمار وسِيَر المتقدِّمين، وكان كلُّ مَن يحفظ حكايةً غريبة ويحكيها له يُنعِم عليه، وقيل إنه كان إذا أتاه رجل غريب بسَمَر غريب، وتكلَّمَ بين يديه واستحسنه وأعجَبَه كلامه، يخلع عليه خلعة سنية، ويعطيه ألف دينار، ويُركبه فرسًا مسرجًا ملجمًا، ويكسوه من فوق إلى أسفل، ويعطيه عطايا عظيمة، فيأخذها الرجل وينصرف لحال سبيله. فاتفق أنه أتاه رجل كبير بسمرٍ غريب، فتحدَّثَ بين يديه فاستحسنه، وأعجبه كلامه، فأمر له بجائزة سنية ومن جملتها ألف دينار خراسانية، وفرس بعدة كاملة، ثم بعد ذلك شاعت هذه الأخبار عن هذا الملك في جميع البلدان، فسمع به رجل يقال له التاجر حسن، وكان كريمًا جوادًا عالمًا شاعرًا فاضلًا، وكان عند ذلك الملك وزيرٌ حَسُودٌ محضرُ سوءٍ لا يحب الناسَ جميعًا؛ لا غنيًّا ولا فقيرًا، وكان كلما ورد على ذلك الملك أحدٌ وأعطاه شيئًا يحسده ويقول: إن هذا الأمر يُفنِي المالَ ويخرِّب الديار، وإن الملك دأبه هذا الأمر. ولم يكن ذلك الكلام إلا حسدًا وبغضًا من ذلك الوزير.

ثم إن الملك سمع بخبر التاجر حسن، فأرسل إليه وأحضره، فلما حضر بين يديه قال له: يا تاجر حسن، إن الوزير خالفني وعاداني من أجل المال الذي أعطيه للشعراء والندماء وأرباب الحكايات والأشعار، وإني أريد منك أن تحكي لي حكاية مليحة وحديثًا غريبًا بحيث لم أكن سمعتُ مثله قطُّ، فإنْ أعجبني حديثك أعطيتك بلادًا كثيرة بقلاعها، وأجعلها زيادة على إقطاعك، وأجعل مملكتي كلها بين يديك، وأجعلك كبيرَ وزرائي تجلس على يميني، وتحكم في رعيتي، وإن لم تَأْتِني بما قلتُ لكَ أخذتُ جميعَ ما في يدك وطردتُك من بلادي. فقال التاجر حسن: سمعًا وطاعةً لمولانا الملك، لكنْ يطلب منك المملوك أن تصبر عليه سنة، ثم أحدِّثك بحديثٍ ما سمعتَ مثله في عمرك ولا سمع غيرك بمثله ولا بأحسن منه قطُّ. فقال الملك: قد أعطيتك مهلة سنة كاملة. ثم دعا بخلعة سنية فألبسه إياها وقال له: الزمْ بيتك ولا تركب ولا تَرُحْ ولا تَجِئْ مدةَ سنة كاملة حتى تحضر بما طلبتُه منك، فإن جئتَ بذلك فلك الإنعام الخاص، وأبشر بما وعدتُك به، وإنْ لم تَجِئْ بذلك فلا أنت منَّا ولا نحن منك. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤