فلما كانت الليلة ٧٨٢

قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن حسنًا لما رأى نفسه وقع مع الأعجمي الملعون، كلَّمَه بكلام رقيق فلم يَفِدْه، بل صاح عليه، فسكَتَ وعلم أن سهم القضاء نفذ فيه، فعند ذلك أمر الملعون بحلِّ كتافه، ثم سقوه قليلًا من الماء والمجوسي يضحك ويقول: وحق النار والنور، والظل والحرور، ما كنتُ أظنُّ أنك تقع في شبكتي، ولكن النار قوَّتْني عليك وأعانَتْني على قبضك حتى أقضي حاجتي وأرجع وأجعلك قربانًا لها حتى ترضى عني. فقال حسن: قد خنتَ الخبز والملح. فرفع المجوسي يده وضربه ضربة، فوقع وعضَّ الأرضَ بأسنانه وغُشِي عليه وجرت دموعه على خده. ثم أمر المجوسي أن يوقدوا له نارًا، فقال له حسن: ما تصنع بها؟ فقال له: هذه النار صاحبة النور والشرر، وهي التي أعبدها، فإنْ كنتَ تعبدها مثلي فأنا أعطيك نصفَ مالي وأزوِّجك بنتي. فصاح حسن عليه وقال له: ويلك، إنما أنت مجوسي كافر تعبد النار دون المَلِك الجبَّار، خالق الليل والنهار، وما هذه إلا مصيبة في الأديان. فعند ذلك غضب المجوسي، وقال: أَمَا توافقني يا كلب العرب وتدخل في ديني؟ فلم يوافقه حسن على ذلك، فقام المجوسي الملعون وسجَدَ للنار وأمر غلمانه أن يرموا حسنًا على وجهه، فرموه على وجهه، وصار المجوسي يضربه بسوط مضفور من جلد حتى شرَّح جوانبه وهو يستغيث فلا يُغاث، ويستجير فلا يُجِيره أحد، فرفع طرفه إلى المَلِك القهَّار، وتوسَّلَ إليه بالنبي المختار، وقد عُدِم الاصطبار، وجرت دموعه على خدَّيْه كالأمطار، وأنشد هذين البيتين:

صَبْرًا لِحُكْمِكَ يَا إِلَهِي فِي الْقَضَا
أَنَا صَابِرٌ إِنْ كَانَ فِي هَذَا رِضَا
جَارُوا عَلَيْنَا وَاعْتَدَوْا وَتَحَكَّمُوا
فَعَسَاكَ بِالْإِحْسَانِ تَغْفِرُ مَا مَضَى

ثم إن المجوسي أمَرَ العبيد أن يُقعِدوه، وأمر أن يأتوا إليه بشيء من المأكول والمشروب، فأحضروه فلم يرضَ أن يأكل ولا يشرب، وصار المجوسي يعذِّبه ليلًا ونهارًا مسافة الطريق وهو صابر يتضرَّع إلى الله عز وجل، وقد قسا قلب المجوسي عليه، ولم يزالوا سائرين في البحر مدة ثلاثة أشهر، وحسن معه في العذاب، فلما كملت الثلاثة أشهر أرسَلَ الله تعالى على المركب ريحًا، فاسودَّ البحر وهاج بالمركب من كثرة الريح، فقال الريس والبحرية: هذا والله كله ذنب هذا الصبي الذي له ثلاثة أشهر في العقوبة مع هذا المجوسي، وهذا ما يحل من الله تعالى. ثم إنهم قاموا على المجوسي وقتلوا غلمانه وكلَّ مَن معه، فلما رآهم المجوسي قتلوا الغلمان أيقَنَ بالهلاك وخاف على نفسه، وحلَّ حَسَنًا من كتافه وقلعه ما كان عليه من الثياب الرثَّة وألبَسَه غيرها وصالَحَه، ووعده أن يعلِّمه الصنعةَ ويردَّه إلى بلده، وقال له: يا ولدي، لا تؤاخذني بما فعلتُ معك. فقال له حسن: كيف بقيت أركنُ إليك؟ فقال له: يا ولدي، لولا الذنب ما كانت المغفرة، وأنا ما فعلتُ معك هذه الفعال إلا لأجل أن أنظر صبرك، وأنت تعلم أن الأمر كله بيد الله. ففرحت البحرية والريس بخلاصه، ودعا لهم حسن وحمد الله تعالى وشكره، فسكنت الرياح وانكشفت الظلمة، وطاب الريح والسفر.

ثم إن حَسَنًا قال للمجوسي: يا أعجمي، إلى أين تتوجه؟ قال: يا ولدي، أتوجَّه إلى جبل السحاب الذي فيه الإكسير الذي نعمله كيميائيًّا. وحلف له المجوسي بالنار والنور أنه ما بقي لحسن عنده ما يُخِيفه، فطاب قلب حسن وفرح بكلام المجوسي وصار يأكل معه ويشرب وينام ويلبسه من ملبوسه، ولم يزالوا مسافرين مدة ثلاثة أشهر أُخَر، وبعد ذلك رست المركب على بر طويل كله حصًى أبيض وأصفر وأزرق وأسود، وغير ذلك من جميع الألوان، فلما رست المركب نهض الأعجمي قائمًا وقال: يا حسن، قُمِ اطلع فإننا قد وصلنا إلى مطلوبنا ومرادنا. فقام حسن وطلع مع الأعجمي وأوصى المجوسي الريس على مصالحه، ثم مشى حسن مع المجوسي إلى أنْ بعدَا عن المركب وغابا عن الأعين، ثم قعد المجوسي وأخرَجَ من جيبه طبلًا نحاسًا وزخمة من حرير منقوشة بالذهب وعليها طلاسم، وضرب الطبل، فلما فرغ ظهرت غبرة من ظهر البرية، فتعجَّبَ حسن من فعله وخاف منه، وندم على طلوعه معه وتغيَّرَ لونه، فنظر إليه المجوسي وقال له: ما لك يا ولدي؟ وحق النار والنور ما بقي عليك خوف مني، ولولا أن حاجتي ما تُقضَى إلا على اسمك ما كنتُ أطلعتك من المركب، فأبشِرْ كلَّ خير، وهذه الغبرة غبرة شيء نركبه، فيُعِيننا على قطع هذه البرية، ويسهِّل علينا مشقتَها. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤