فلما كانت الليلة ٧٨٣

قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الأعجمي قال: إن هذه الغبرة غبرة شيء نركبه، فيعيننا على قَطْع هذه البرية ويسهِّل علينا مشقتَها، فما كان إلا قليل حتى انكشفت الغبرة عن ثلاث نجائب؛ فركب الأعجمي واحدة، وركب حسن واحدة، وحملا زادهما على الثالثة، وسارا سبعة أيام، ثم انتهيا إلى أرض واسعة، فلما نزلا في تلك الأرض نظرا إلى قبة معقودة على أربعة أعمدة من الذهب الأحمر، فنزلا من فوق النجائب ودخلا تحت القبة وأكلا وشربا واستراحا، فلاحت التفاتة من حسن فرأى شيئًا عاليًا، فقال له حسن: ما هذا يا عم؟ فقال المجوسي: هذا قصر. فقال له حسن: أَمَا تقوم ندخله لنستريح فيه ونتفرج عليه؟ فذهب المجوسي وقال له: لا تذكر لي هذا القصر، فإن فيه عدوي ووقعَتْ لي حكاية ليس هذا وقت إخبارك بها. ثم دق الطبل فأقبلَتِ النجائب، فركبا وسارا سبعة أيام، فلما كان اليوم الثامن قال المجوسي: يا حسن، ما الذي تنظره؟ فقال حسن: أنظر سحابًا وغمامًا بين المشرق والمغرب. فقال له المجوسي: ما هذا سحاب ولا غمام، وإنما هو جبل عظيم شاهق ينقسم عليه السحاب، وليس هناك سحاب يكون فوقه من فرط علوِّه وعِظَم ارتفاعه، وهذا الجبل هو المقصود لي وفوقه حاجتنا، ولأجل هذا جئتُ بك معي وحاجتي تُقضَى على يديك. فعند ذلك يَئِس حسن من الحياة، ثم قال للمجوسي: بحق معبودك، وبحق ما تعتقده من دينك، أي شيءٍ الحاجةُ التي جئتَ بي من أجلها؟ فقال له: إن صنعة الكيمياء لا تصلح إلا بحشيش ينبت في المحل الذي يمر به السحاب وينقطع عليه، وهو هذا الجبل، والحشيش فوقه، فإذا حصلنا الحشيش أُرِيك أي شيء هذه الصنعة. فقال له حسن من خوفه: نعم يا سيدي. وقد يئس من الحياة، وبكى لفراق أمه وأهله ووطنه، وندم على مخالفته أمه وأنشد هذين البيتين:

تَأَمَّلْ صُنْعَ رَبِّكَ كَيْفَ تَأْتِي
لَكَ السَّرَّاءُ مَعْ فَرَجٍ قَرِيبِ
وَلَا تَيْأَسْ إِذَا مَا نِلْتَ خَطْبًا
فَكَمْ فِي الْخَطْبِ مِنْ لُطْفٍ عَجِيبِ

ولم يزالوا سائرين إلى أن وصلا إلى ذلك الجبل ووقفا تحته، فنظر حسن فوق ذلك الجبل قصرًا، فقال للمجوسي: ما هذا القصر؟ فقال المجوسي: هذا مسكن الجان والغيلان والشياطين. ثم إن المجوسي نزل من فوق نجيبه وأمره بالنزول، وقام إليه وقبَّلَ رأسه وقال: لا تؤاخذني بما فعلتُه معك، فأنا أحفظك عند طلوعك القصر، وينبغي أنك لا تخونني في شيء من الذي تحضره منه، وأكون أنا وأنت فيه سواء. فقال له: السمع والطاعة. ثم إن الأعجمي فتح جرابًا وأخرَجَ منه طاحونًا وأخرَجَ منه أيضًا مقدارًا من القمح وطحنه على تلك الطاحون، وعجن منه ثلاثة أقراص، وأوقَدَ النار وخبز الأقراص، ثم أخرَجَ الطبل النحاس والزخمة المنقوشة ودقَّ الطبل، فحضرت النجائب، فاختار منها نجيبًا وذبحه وسلخ جلده، ثم التفت إلى حسن وقال له: اسمع يا ولدي يا حسن ما أوصيك به. قال: نعم. قال: ادخل في هذا الجلد وأخيط عليك وأطرحك على الأرض، فتأتي طيور الرخم فتحملك وتطير بك إلى أعلى الجبل، وخذ هذه السكين معك، فإذا فرغَتْ من طيرانها وعرفتَ أنها حطَّتْك فوقه، فشُقَّ بها الجلد واخرجْ فإن الطير يخاف منك ويطير عنك، وطل لي من فوق الجبل وكلِّمني حتى أخبرك بالذي تعمله. ثم هيَّأَ له الثلاثة أقراص وركوة فيها ماء وحطَّها معه في الجلد، وبعد ذلك خيَّطه عليه، ثم بَعُد عنه، فجاء طير الرخم حمله وطار به إلى أعلى الجبل ووضعه هناك، فلما عرف حسن أن الرخم وضعه على الجبل، شقَّ الجلد وخرج منه وكلَّمَ المجوسي، فلما سمع المجوسي كلامه فَرِح ورقص من شدة الفرح وقال له: امضِ إلى ورائك ومهما رأيتَه فأعلمني به. فمضى حسن فرأى رممًا كثيرة وعندهم حطب كثير، فأخبره بجميع ما رآه، فقال له: هذا هو المقصود والمطلوب، فخذ من الحطب ستَّ حزم وارْمِها لي، فإنها هي التي نعملها كيمياء. فرمى له الست حزم، فلما رأى المجوسي تلك الحزم قد وصلت عنده قال لحسن: يا علق، قد انقضت الحاجة التي أردتُها منك، وإنْ شئتَ فدُمْ على هذا الجبل أو أَلْقِ نفسك على الأرض حتى تهلك. ثم مضى المجوسي، فقال حسن: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، قد مكر بي هذا الكلب. ثم قعد ينوح على نفسه وأنشَدَ هذه الأبيات:

إِذَا أَرَادَ اللهُ أَمْرًا بِامْرِئٍ
وَكَانَ ذَا عَقْلٍ وَسَمْعٍ وَبَصَرْ
أَصَمَّ أُذْنَيْهِ وَأَعْمَى قَلْبَهُ
وَسَلَّ مِنْهُ عَقْلَهُ سَلَّ الشَّعَرْ
حَتَّى إِذَا أَنْفَذَ فِيهِ حُكْمَهُ
رَدَّ إِلَيْهِ عَقْلَهُ لِيَعْتَبِرْ
فَلَا تَقُلْ فِيمَا جَرَى كَيْفَ جَرَى
فَكُلُّ شَيْءٍ بِقَضَاءٍ وَقَدَرْ

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤