فلما كانت الليلة ٨٠٣

قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن حسنًا لما حكى للمشايخ قصته قالوا للشيخ أبي الرويش: هذا الشاب مسكين، فعساك أن تساعده على خلاص زوجته وأولاده. فقال الشيخ أبو الرويش: يا إخواني، إن هذا أمر عظيم خطر، وما رأيتُ أحدًا يكره الحياةَ غير هذا الشاب، وأنتم تعرفون أن جزائرَ واق صعبةُ الوصول، ما وصل إليها أحد إلا خاطَرَ بنفسه، وتعرفون قوتهم وأعوانهم، وأنا حالِفٌ إني ما أدوس لهم أرضًا ولا أتعرَّضُ لهم في شيء، وكيف يصل هذا إلى بنت الملك الأكبر؟ ومَن يقدر أن يوصله إليها أو يساعده على هذا الأمر؟ فقالوا: يا شيخ الشيوخ، إن هذا الرجل أتلَفَه الغرام، وقد خاطَرَ بنفسه وحضر إليك بكتاب أخيك الشيخ عبد القدوس، فحينئذٍ يجب عليك مساعدته. فقام حسن وقبَّلَ قدمَ أبي الرويش، ورفع ذيله ووضعه على رأسه وبكى، وقال له: سألتُكَ بالله أن تجمع بيني وبين أولادي وزوجتي، ولو كان في ذلك ذهاب روحي ومهجتي. فبكى الحاضرون لبكائه، وقالوا للشيخ أبي الرويش: اغتَنِمْ أجرَ هذا المسكين وافعلْ معه جميلًا لأجل أخيك الشيخ عبد القدوس. فقال: إن هذا الشاب مسكين ما يعرف الذي هو قادم عليه، ولكنْ نساعده على قدر الطاقة. ففرح حسن لما سمع كلامه، وقبَّلَ يدَيْه وقبَّلَ أيادي الحاضرين واحدًا بعد واحد، وسألهم المساعدة، فعند ذلك أخذ أبو الرويش ورقةً ودواةً وكتَبَ كتابًا وختمه وأعطاه لحسن، ودفع له خريطة من الأدم، فيها بخور وآلات نار من زناد وغيره، وقال له: احتفظ بهذه الخريطة، ومتى وقعْتَ في شدة فبخِّرْ بقليلٍ منه واذكرني، فإني أحضر عندك وأخلِّصُك منها.

ثم أمر بعض الحاضرين أن يحضر له عفريتًا من الجن الطيَّارة في ذلك الوقت فحضر، فقال له الشيخ: ما اسمك؟ قال: عبدك دهنش بن فقطش. فقال له أبو الرويش: ادنُ مني. فدَنَا منه، فوضع الشيخ أبو الرويش فاهُ على أذن العفريت وقال له كلامًا، فحرَّكَ العفريت رأسه، ثم قال الشيخ لحسن: يا ولدي، قُمِ اركَبْ على كتف هذا العفريت دهنش الطيَّار، فإذا رفعك إلى السماء وسمعت تسبيحَ الملائكة في الجو، فلا تسبِّحْ فتهلك أنت وهو. فقال حسن: لا أتكلم أبدًا. ثم قال له الشيخ: يا حسن، إذا سار بك فإنه يضعك ثاني يوم في وقت السَّحَر على أرضٍ بيضاء نقية مثل الكافور، فإذا وضَعَك هناك فامْشِ عشرةَ أيامٍ وحدك حتى تصل إلى باب المدينة، فإذا وصلْتَ إليها فادخُلْ واسألْ عن مَلِكها، فإذا اجتمعْتَ به فسلِّمْ عليه وقبِّلْ يده وأَعْطِه هذا الكتابَ، ومهما أشار به إليك فافهمْه. فقال حسن: سمعًا وطاعة. وقام مع العفريت، وقام المشايخ ودعوا له ووصَّوا العفريت عليه.

فلما حمله العفريت على عاتقه ارتفع به إلى عَنان السماء، ومشى به يومًا وليلة حتى سمع تسبيحَ الملائكة في السماء، فلما كان الصبح وضعه في أرضٍ بيضاء مثل الكافور وتركه وانصرف، فلما أدرَكَ حسن أنه على الأرض، ولم يكن عنده أحد، سار في الليل والنهار مدة عشرة أيام إلى أن وصل إلى باب المدينة، فدخَلَها وسأل عن الملك فدلوه عليه، وقالوا: إن اسمه الملك حسون ملك أرض الكافور، وعنده من العساكر والجنود ما يملأ الأرض في طولها والعرض. فاستأذن فأُذِنَ له، فلما دخل عليه وجده مَلِكًا عظيمًا، فقبَّلَ الأرض بين يديه، فقال له الملك: ما حاجتك؟ فقبَّلَ حسن الكتابَ وناوَلَه إياه، فأخذه وقرأه ثم حرَّكَ رأسه ساعة، ثم قال لبعض خواصه: خذ هذا الشاب وأنزِلْه في دار الضيافة. فأخذه وسار حتى أنزله هناك، فأقام بها مدة ثلاثة أيام في أكل وشرب، وليس عنده إلا الخادم الذي معه، فصار ذلك الخادم يحدِّثه ويؤانسه ويسأله عن خبره، وكيف وصل إلى هذه الديار، فأخبره بجميع ما حصل له وكل ما هو فيه.

وفي اليوم الرابع أخذه الغلام وأحضَرَه بين يدَيِ الملك، فقال له: يا حسن، أنت قد حضرتَ عندي تريد أن تدخل جزائر واق كما ذكر لنا شيخ الشيوخ، يا ولدي أنا أرسلك في هذه الأيام، إلا أنَّ في طريقك مهالكَ كثيرةً وبراريَّ معطِشةً كثيرةَ المخاوف، ولكنِ اصبرْ ولا يكون إلا خيرًا، فلا بد أن أتحيَّلَ وأوصلك إلى ما تريد إن شاء الله تعالى. واعلم يا ولدي أن هنا عسكرًا من الديلم يريدون الدخول في جزائر واق، مهيَّئِين بالسلاح والخيل والعدد، وما قدروا على الدخول، ولكن يا ولدي لأجل شيخ الشيوخ أبي الرويش ابن بنت اللعين إبليس ما أقدر أن أردَّك إليه إلا مقضيَّ الحاجة، وعن قريبٍ تأتي إلينا مراكبُ من جزائر واق، وما بقي لها إلا القليل، فإذا حضرَتْ واحدة منها أنزلتُكَ فيها وأُوصِي البحرية عليك ليحفظوك ويرسلوك إلى جزائر واق، وكل مَن سألك عن حالك وخبرك فقُلْ له: أنا صهر الملك حسون صاحب أرض الكافور. وإذا رَسَتِ المركبُ على جزائر واق، وقال لك الريس: اطلع البر. فاطلعْ ترى دككًا كثيرة في جميع جهات البر، فاختَرْ لك دكةً واقعدْ تحتها ولا تتحرك، فإذا جنَّ الليلُ ورأيتَ عسكرَ النساء قد أحاط بالبضائع، فمُدَّ يدَكَ وامسكْ صاحبة هذه الدكة التي أنت تحتها واستَجِرْ بها، واعلم يا ولدي أنها إذا جارَتْكَ قُضِيَتْ حاجتُكَ فتصل إلى زوجتك وأولادك، وإنْ لم تُجِرْكَ فاحزنْ على نفسك وايئسْ من الحياة، وتيقَّنْ بهلاك نفسك. واعلم يا ولدي أنك مُخاطِرٌ بنفسك، ولا أقدر لك على شيء غير هذا والسلام. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤