فلما كانت الليلة ٨١١

قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن العجوز لما سألته عن حاله قال لها: إن هذه الملكة إما زوجتي، وإما أشبه الناس بزوجتي. فقالت الملكة للعجوز: ويلكِ يا داية، إن هذا الغريب مجنون أو مختل؛ لأنه ينظر في وجهي ويحملق عينيه. فقالت لها العجوز: يا ملكة، إن هذا معذور فلا تؤاخذيه، فإنه يقال في المثل: مريض الهوى ما له دواء، وهو والمجنون سواء. ثم إن حسنًا بكى بكاءً شديدًا، وأنشد هذين البيتين:

أَرَى آثَارَهُمْ فَأَذُوبُ شَوْقًا
وَأَسْكُبُ فِي مَوَاطِنِهِمْ دُمُوعِي
وَأَسْأَلُ مَنْ بِفُرْقَتِهِمْ بَلَانِي
يَمُنُّ عَلَيَّ مِنْهُمُ بِالرُّجُوعِ

ثم إن حسنًا قال للملكة: والله ما أنت زوجتي، ولكنك أشبه الناس بها. فضحكَتِ الملكة نور الهدى حتى استلقت على قفاها ومالت على جنبها، ثم قالت: يا حبيبي، تمهَّلْ على روحك وميِّزني وجاوبني عن الذي أسألك عنه، ودَعْ عنك الجنونَ والحيرةَ والذهولَ، فإنه قد قرب لك الفرج. فقال حسن: يا سيدة الملوك، وملجأ كل غني وصعلوك، إني حين نظرتُكِ جننتُ؛ لأنك إما زوجتي وإما أشبه الناس بزوجتي، فاسأليني الآن عمَّا تريدين. فقالت: أي شيء في زوجتكِ يشبهني؟ فقال: يا سيدتي، جميع ما فيكِ من الحُسْن والجمال والظرف والدلال، كاعتدال قوامك وعذوبة كلامك، وحمرة خدودك وبروز نهودك، وغير ذلك يشبهها. ثم إن الملكة التفتَتْ إلى شواهي أم الدواهي وقالت لها: يا أمي، أَرْجِعيه إلى موضعه الذي كان فيه عندك، واخدميه أنتِ بنفسك حتى أتفحَّصَ عن أمره، فإنْ كان هذا الرجل صاحب مروءة بحيث يحفظ الرفق الصحبة والود، وجَبَ علينا مساعدته على قضاء حاجته، خصوصًا وقد نزل أرضنا وأكل طعامنا، مع ما تحمَّلَه من مشقَّاتِ الأسفار ومكابدة أهوال الأخطار، ولكن إذا أوصلتِه إلى بيتكِ، فأوصي عليه أتباعك وارجعي إليَّ بسرعة، وإن شاء الله تعالى لا يكون إلا خيرًا. فعند ذلك خرجت العجوز وأخذت حسنًا ومضَتْ به إلى منزلها، وأمرت جواريها وخَدَمها وحشمها بخدمته، وأمرتهم أن يحضروا له جميع ما يحتاج إليه، وألَّا يقصِّروا في حقه، ثم عادت إلى الملكة بسرعة، فأمرتها أن تحمل سلاحها وتأخذ معها ألف فارس من الشجعان، فامتثلت العجوز شواهي أمرها، ولبست دروعها وأحضرت الألف فارس، ولما وقفَتْ بين يدَيْها وأخبرتها بإحضار الألف فارس، أمرتها أن تسير إلى مدينة الملك الأكبر أبيها، وتنزل عند بنته منار السنا أختها، وتقول لها: أَلْبِسِي ولَدَيْكِ الدرعين اللذين عملتهما لهما، وأرسليهما إلى خالتهما فإنها مشتاقة إليهما. وقالت لها: أوصيك يا أمي بكتمان أمر حسن، فإذا أخذتِهما فقولي لها: إن أختك تستدعيك إلى زيارتها. فإذا أعطتْكِ ولدَيْها وخرجت بهما قاصدة الزيارة، فاحضري بهما سريعًا وخلِّيها تحضر على مهلها، وتعالي من طريق غير الطريق التي تجيء منها، ويكون سفرك ليلًا ونهارًا، واحذري أن يطَّلِع على هذا الأمر أحدٌ أبدًا، ثم إني أحلف بجميع الأقسام إنْ طلعَتْ أختي زوجتَه، وظهر أن وَلَدَيْها ولدَاه، لا أمنعه من أخذها ولا من سفرها معه بأولادها. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤