فلما كانت الليلة ٨١٩

قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملكة نور الهدى قالَتْ لأختها منار السنا: وإنْ كنتِ تزوَّجْتِ من غير علمنا، فلأي شيء فارقْتِ زوجَكِ وأخذْتِ ولدَيْكِ وفرَّقْتِ بينهما وبين أبيهما، وجئتِ بلادنا وقد أخفيت ولدَيْكِ عنَّا؟ أتظنين أننا لا ندري بذلك، والله تعالى علَّام الغيوب قد أظهَرَ لنا أمرَكِ، وكشف حالَكِ وبيَّنَ عوراتِكِ. ثم بعد ذلك أمرَتْ أعوانها أن يمسكوها فقبضوا عليها، فكتَّفَتْها وقيَّدَتْها بالقيود الحديد وضربَتْها ضربًا وجيعًا، حتى شرَّحَتْ جسدها وصلَبَتْها من شعرها ووضعتها في سجن، وكتبت كتابًا إلى الملك الأكبر أبيها تخبره بخبرها وتقول له: إنه قد ظهر في بلادنا رجل من الإنس، وأختي منار السنا تدَّعِي أنها تزوَّجَتْه في الحلال، وجاءت منه بولدَيْن وقد أخفَتْهما عنَّا وعنكَ، ولم تُظهِر على نفسها شيئًا إلى أن أتانا ذلك الرجل الذي من الإنس، وهو يُسمَّى حسنًا، وأخبرنا أنه تزوَّجَ بها وقعدَتْ عنده مدة طويلة من الزمان، ثم أخذت ولدَيْها وراحت من غير علمه، وأخبرت والدته عند رواحها وقالت لها: قولي لولدك إذا حصل له اشتياق أن يجيئني إلى جزائر واق. فقبضنا على ذلك الرجل عندنا، وأرسلتُ إليها العجوز شواهي تحضرها عندي هي وولدَيْها، فجهَّزَتْ نفسها وحضرت، وقد كنتُ أمرتُ العجوزَ أن تحضر لي ولدَيْها أولًا، فتسبق بهما إليَّ قبل حضورها، فجاءت العجوز بالولدين قبل حضورها، فأرسلتُ إلى الرجل الذي ادَّعَى أنها زوجته، فلما دخل عليَّ ورأى الولدين عرفهما، فتحقَّقْتُ أن الولدين ولداه وأنها زوجته، وعلمت أن كلام الرجل صحيح ولم يكن عنده عيب، ورأيتُ أن القبحَ والعيب عند أختي، فخفت من هَتْكِ عرضنا عند أهل جزائرنا، فلما دخلَتْ عليَّ هذه الفاجرة الخائنة، غضبتُ عليها وضربتُها ضربًا وجيعًا وصلبْتُها من شعرها، وقد أعلمْتُكَ بخبرها والأمر أمرك، فالذي تأمرنا به نفعله، وأنت تعلم أن هذا الأمر فيه هتيكة لنا وعيب في حقنا وحقك، وربما يسمع أهل الجزائر بذلك فنصير بينهم مُثْلَةً، فينبغي أن تردَّ لنا جوابًا سريعًا.

ثم أعطَتِ المكتوبَ للرسول، وسار به إلى الملك، فقرأه الملك الأكبر واغتاظ غيظًا شديدًا على ابنته منار السنا، وكتب إلى ابنته نور الهدى مكتوبًا يقول لها فيه: أنا قد فوَّضْتُ أمرها إليكِ وحكَّمْتُكِ في دمها، فإن كان الأمر كما ذكرْتِ فاقتليها ولا تشاوريني في أمرها. فلما وصل إليها كتاب أبيها وقرأته، أرسلت إلى منار السنا وأحضرتها بين يديها وهي غريقة في دمها، مكتَّفَة بشعرها، مقيَّدَة بقيد ثقيل من حديد وعليها اللباس الشعر، ثم أوقفوها بين يدَيِ الملكة، فوقفَتْ حقيرة ذليلة، فلما رأت نفسها في هذه المذلة العظيمة والهوان الشديد، تفكَّرَتْ ما كانت فيه من العز وبكَتْ بكاءً شديدًا وأنشدت هذين البيتين:

يَا رَبِّ إِنَّ الْعِدَى يَسْعَوْنَ فِي تَلَفِي
وَيَزْعُمُونَ بِأَنِّي لَسْتُ بِالنَّاجِي
وَقَدْ رَجْوَتُكَ فِي إِبْطَالِ مَا صَنَعُوا
يَا رَبِّ أَنْتَ مَلَاذُ الْخَائِفِ الرَّاجِي

ثم بكَتْ بكاءً شديدًا حتى وقعَتْ مغشيًّا عليها، فلما أفاقَتْ أنشدت هذين البيتين:

أَلِفَ الْحَوَادِثَ مُهْجَتِي وَأَلِفْتُهَا
بَعْدَ التَّنَافُرِ وَالْكَرِيمُ أَلُوفُ
لَيْسَ الْهُمُومُ عَلَيَّ صِنْفًا وَاحِدًا
عِنْدِي بِحَمْدِ اللهِ مِنْهُ أُلُوفُ

ثم أنشدت أيضًا هذين البيتين:

وَلَرُبَّ نَازِلَةٍ يَضِيقُ بِهَا الْفَتَى
ذَرْعًا وَعِنْدَ اللهِ مِنْهَا الْمَخْرَجُ
ضَاقَتْ فَلَمَّا اسْتَحْكَمَتْ حَلَقَاتُهَا
فُرِجَتْ وَكُنْتُ أَظُنُّهَا لَا تُفْرَجُ

وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤