كلمة لملخص الكتاب

لا يَخفى أنَّ مدينة القيروان كانت فلَكًا سعيدًا مزانًا بشموس الصحابة، وبُدور التابعين، ونجوم العلماء، ولا نَحتاج في ذلك إلى إقامة دليل؛ لأنَّ التاريخ يُعيد نفسه، وقد تفد الزوار إلى هاته المدينة الأثرية من كل مكان؛ لمشاهدة آثارها الإسلامية التي تُنادي أبناء الإسلام في هذا العصر بلسان الاعتبار، نحن مِن أثر رجال العزم والحزم والفتح والاستِعمار، فما لهم عمَّرُوا وخرَّبتُم! واجتمعوا وتفرَّقتُم! ودونوا العلوم وجهلتم! ورفعوا المظالم وظلمتم! فما أصدق قول الله في حالهم وحالكم لو تدبَّرتم: تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ۖ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ.

وحيث إنَّ الزائرين الكرام إلى هاتِه المدينة المُشرفة في احتياج إلى معرفة تاريخ البعض من معالمها وآثارها، ويسرُّهم أن يَطَّلعوا على نبذة مفيدة من تاريخ قدوم البعض من مشاهير رجال الفتح من الصحابة العظام إلى القيروان؛ كعُقبة بن نافع، وأبي زمعة البلوي صاحب المقام المشهور بها، وتاريخ بناء الجامع الأعظم والزاوية الصحابية، ومختصَر تراجم البعض من رجال العلم؛ كسحنون وغيره من الأفراد المشاهير الذين لا زالت مقاماتهم وأضرحتهم مشهورة تُزار إلى الآن؛ لخَّصت ما عثرت عليه من التواريخ الصحيحة الثابتة، وجمعتُه في هذا السفر الصغير؛ ليكون دليلًا كافيًا إلى كلِّ زائر كريم، أودعت فيه نبذًا من تاريخ المعالم والآثار، وتراجم البعض من عظماء النابغين ورجال العلم وحماة الدين؛ ليتنفَّح الإنسان بزيارتهم، ويَقتدي بأعمالهم، وقد سلكت في ذلك طريقة الإيجاز المُفيد، ولا يحمل هذا الكتاب الصغير الإنسان تعبًا، بل يوضع في الجيب تيمنًا وتخفيفًا.

ولا أبعد عن الحقيقة إذا قلت إنَّ هذا الدليل لا يَستغني عنه ابن القيروان وغيره؛ لأنَّ غالب أهل هاته المدينة لا يعرفون شيئًا من تاريخ آثار أسلافهم، وتراجم مشاهير علماء مدينتهم؛ لأنَّ مطوَّلات التاريخ الكبير تَستدعي لمطالعتها زمنًا طويلًا، قد لا تُمكِّن الإنسان من الحصول على الغاية المطلوبة، أمَّا الآن فلا عذرَ لمن يجهل تاريخ هاته المدينة الإجمالي، وبين يدَيه هذا الدليل الصغير المختصَر المفيد — وأرجو الصفح وبسط العذر على عدم ترتيبه وتبويبه؛ لأني لخَّصته بسرعة زمنية، حيث إنَّ حوادث الزمان كثيرة، ومرحلة العمر قصيرة الأمد، وختمته بالنَّشيد الوطني الذي نظمته بقصد تلامذة المدارس ينشدونه في احتفالات امتحانات مكاتبهم، ولكي يكون لهم إلمامٌ بإجمال تاريخ القيروان عند مُطالعة هذا الدليل — وألتمِس من المطَّلع عليه أن يدعو لجامعه في محلات الزيارة بالرحمة والمغفرة، إنَّه سميع مجيب.

صالح سويسي الشريف القيرواني

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤